تاريخ الدرس: 1994/06/17

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:01:43

سورة الجن، الآيات: 25-27 / الدرس 4

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأعطر التَّحيّات وأكمل التَّسليمات على سيِّدنا محمّد المبعوث رحمةً للعالَم، وعلى أبيه سيّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيّدنا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النّبيّين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، وبعد:  

حدود علم الإنسان

فنحن الآن في تفسير آخر سورة الجنّ، وقد أنزل الله سورة خاصّة بهذا الاسم “الجنّ” الذي هو عالَم ليس بمادي وإنَّما هو عالم روحي [غيبي]، فكما أنّ هناك أشياء كثيرة لا تراها العيون مثل: الكهرباء أو الأثير أو الهواء، فالهواء لا يُرَى، لكن يُعْرَفُ بآثاره، ومثل الرّوح الإنسانيّة، فالرّوح لا تُرى لكن يُعْرَفُ وجودها بوجود الحياة في جسدها، وكذلك عالم الجنّ مثل عالم الملائكة وعالم الروح وعوالم لا يعلمها إلا الله، قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85].

فلا يزال الإنسان مع كلّ ما وصل إليه من تقدّم وعلم يجهل كثيراً من المناطق في دماغه ويعجز إلى الآن عن معرفة وظائف هذه الخلايا، فكيف يدَّعي أنَّه يعلم كلّ شيء؟ وكيف يصحُّ له أن ينكر ما يجهل؟ والإنسان عدوُّ ما جهل، وقد كان العرب خاصة وشعوب العالم عامَّة تعتقد بوجود الجن، ولكن هذا الاعتقاد كان فيه خطأ والكثير من الخرافات التي تحقِّقُ الضَّرر بمعتقد الجن، حتَّى كان بعض العرب إذا نزل وادياً يقول من خوفه من الجن: “إنّي أعوذ وأستجير بعظيم هذا الوادي ليقيني من شرور صغارهم”، قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن: 6] ازدادوا رعبًا وازدادوا خوفاً، فنزلت سورة الجن لتبيّن بأنَّ الجنَّ ليس كما يعتقده النّاس، فهم لا يستطيعون ضراً ونفعاً لأحد إلّا بإذن الله عزَّ وجل.

شيء آخر: كان العرب يعتقدون بأنّ الملائكة بنات الله، قال تعالى: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَىٰ [النجم: 21]، والجنُّ نوعٌ من الملائكة، فإبليس كان مَلَكًا، فلما عصى الله عزّ وجل تحوَّل من مَلَكٍ إلى عالَم الجن 1 .

وكذلك نفت سورةُ الجنِّ أنَّ يكون الجنّ بنات الله عزَّ وجلَّ، أو أنَّ تكون الملائكة بناته في قوله تعالى: ﴿آمَنَّا بِهِ ۖ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجنِّ: 2].

إيمان الجنِّ بالقرآن الكريم

كان العرب يتَّهمون النَّبيَّ ﷺ بأنَّ الجنَّ هي التي تعلِّمه القرآن الكريم، فنفى الله عز وجل هذا الادِّعاء في سورة الجن، وفي سورٍ أخرى فقال تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ هذا مقال الجن ﴿فَوَجَدْنَاهَا علوم السّماء ومهبط الوحي ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن: 9].

وقال تعالى في مكان آخر عن القرآن: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ، إنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ سَمْعِ الوحي السّماوي الإلهي ﴿إنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء: 210-212]، كذلك بينت السورة هذا الموضوع وبوضوح.

في بداية السّورة أوحى الله إليه: بأنّ الجن كانوا يستمعون لتلاوة النبي ﷺ للقرآن في صلاته ﴿قُلْ أُوْحِيَ لم يقل قل شاهدت؛ لأنّ القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّهُ الشّيطان وجنسه ﴿يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ [الأعراف: 27]، مثل عالم الملائكة ألا نؤمن بهم ولكن لا نراهم؟ والجن هكذا، ولكنَّ الجنَّ كما قال القرآن في هذه السّورة: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ [الجن: 11] ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ المستجيبون لشريعة الله ﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ [الجن: 14] القاسطون: الجائرون والكافرون.

توجيهات إلهيَّة للنَّبيِّ ﷺ

قال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرَّحمن: 33] هل تستطيعون أن تهربوا من حساب الله؟ فالحساب على الإنس وعلى الجن، فكلا الجنسين محاسبان على الخير خيراً وعلى الشَّرِّ شرًّا.

وفي نصف السّورة الأخير انتقلت السّورة من أحاديث الجنِّ بعضهم مع بعض، إلى كلام الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] وقوله: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن: 16] إلى أن يقول الله تعالى في حساب كلا الفريقين أو بصورة خاصة العرب عندما وقفوا محاربين لرسالة الله السَّماوية الَّتي تهدف لنقل الإنسان من الجهل إلى العلم، ومن الخرافة إلى العقل، ومن العِداء إلى الحبّ، ومن الفقر إلى الغنى، وهم أبناء الصّحراء أميِّون خرافيون وثنيِّون لا يعلمون شيئاً، وقاموا أمام رسالة العلم والحكمة وتربية النّفس بفضائلها وكمالاتها.

فكان القرآن يهدِّد بقانون الله عزّ وجلَّ بأنَّ المسيء لا يُترك بلا عقوبة، سواء كان المسيء شخصًا أو جماعة أو أُمّة أو دولة أو ملكاً أو أي شيء.

فقال تعالى مخاطباً سيدَنا محمدًا ﷺ عن كفَّار قريش: أمهِلْهم يا محمد وانتظر عليهم فإذا استمرُّوا على عنادهم واستمروا على كفرهم وجهلهم- فلا بدّ لمعلم المدرسة من تأديب الطَّالب إذا استمرَّ على كسله وعلى شذوذه وشروده- فعقاب الله التأديبي سيكون قريباً، قال تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ سيَرون معاقبة الله عزّ وجلَّ في الدّنيا أو في الآخرة أو في كليهما معاً، قال تعالى: ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا كان ميزان القُوى كالتّالي: فكان النَّبيُّ ﷺ والمؤمنون به من العبيد والفقراء والمراهقين، وبالمقابل كان الطرف الآخر عظماء قريش وأغنياءها وتجارها، فيعد الله جل جلاله نبيه ﷺ ويبشره ليزيد في قوَته وصبره وصموده: بأنَّ الله هو قائد المعركة، فإذا استمرُّوا على إضلالهم وضلالهم وجهلهم وجاهليّتهم، فلا بدّ للمعلّم أن يستعمل العصا والسَّوط في تأديب الولد الذي لا يقرأ ولا يؤدِّي وظائف الدِّراسة، وهذا العقاب سيكون قريباً، قال تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ وقد رأوا أول ما يوعدون عقوبة من استمر على كفره في معركة بدر، فماذا كانت معركة بدر؟ وعلى الرغم من ضعف النبي ﷺ وصحابته وقوة الكفار وغناهم وعددهم انتقل النّصر من الكفر إلى الإيمان، وقد نصر الله عزَّ وجلَّ النبي ﷺ وأصحابه وهزم المشركين وقتل صناديدهم وزعماءهم، فهذه أول دفعة في تصديق وعد الله عزّ وجلَّ الغيبي.

قال تعالى: ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا، فعلى الدَّاعي إلى الحق ألّا يستضعف نفسه، ولا ييأس من مدد الله ولو كان ضعيفاً، ولو كان عدده قليلاً، فما دام قلبه متصلاً بالله ويمشي في دعوته على حسب المخطّط الإلهي القرآن، دارساً لطريقة سيدنا رسول الله ﷺ: الحكمة والموعظة الحسنة والعمل الدائم والاستعداد القلبي والرّوحي والطاقة الروحية حتى تحيي الكلمة التي تخرج من الفم، فإذا كانت كلمة الداعي الى الله لا روح فيها، ولا حياة ربانية فيها، فيكون كلامه مثل قنبلة لا بارود فيها، أو سيارةٍ لا بنزين فيها، فمهما كانت جيدة وعظيمة لكنها لا توجد فيها طاقة من الداخل.

الإيمان بوعد الله

فيقول الله عزَّ وجلَّ للنبي ﷺ اصبر قليلاً سيأتي ما وعدتهم من خذلانهم ووعدتك بنصرك عليهم، ومن انتصار العلم على الجهل والحقيقة على الخرافة والحق على الباطل والنور على الظّلام، فاصبر، فسيأتي ما يوعدون وسيعلمون عند ذلك ﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا فكانوا ينظرون إلى النبي ﷺ أنه لا ناصر له، لكن عندما يأتي تنفيذ المحاسبة، ومن كان الله معه فهل يكون أقل ناصراً؟ وهل يكون أقل عدداً؟ وعندما أتى الموعد كيف كان انتصار الحقّ، سواء في انتصار الدّعوة أو في انتصار العلم والحكمة أو كان في ميدان الحروب، فهم كانوا يبدؤون النَّبيَّ ﷺ في الحرب، وكان النَّبيُّ ﷺ في موقف الدّفاع، قال تعالى: ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا.

كان الكفار إذا سمعوا هذه الآيات قالوا: متى هذا الوعد؟ فقال الله عزَّ وجلَّ للنبي ﷺ: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي “إن” هذه نفي بمعنى “ما” يعني ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا [الجن: 25]، لا أستطيع أن أُحدِّدَ الوقت لأنَّني لا أعلمه، واللهُ لم يعينْهُ لي، ولكن لا بدَّ أن يأتي، وقد أتى.. وقد كان النَّبيُ ﷺ يخبر بأنَّه: ستُفْتَحُ لكم بلاد الشام، وستُفْتَحُ لكم بلاد فارس، وستُفْتَحُ لكم القسطنطينية 2 ، ويقول: ((سيبلغ الإسلام ما بلغ الليل والنَّهار)) 3 ، وستُفْتَحُ لكم الهند، وكان يقول ذلك وليس حوله إلّا عبيد وضعفاء وفتيان لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً.

قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي ما معنى: إن أدري؟ يعني لا أدري ﴿أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا فتكون المسألة طويلة، أما أنا فعليَّ أن أُبلِّغ وأن أصبر وأن أصمُد وأن أتحمَّل تأخر الوعد وأتحمل الأذى والإعراض والاستهزاء وكلّ ما يثبّط همَّة ضعاف الهمم، أمّا إذا كان القلب متّصلاً بالله وكان العقل يمشي بضياء كلام الله القرآن، ليس قرآن التّلاوة، وليس قرآن النَّغم، وليس قرآن التّجويد؛ بل قرآن التفهم والتَّدبُّر، لننقله من خريطة التَّفُّهم والتَّدبُّر إلى خريطة التَّطبيق والتَّنفيذ والعمل، فعند ذلك يكون المسلم مسلماً والإنسان إنساناً، فينتقل من ضعف إلى قوّة ومن ذلٍّ إلى عزٍّ ومن هزائم إلى نصر.. وهذا هو التّاريخ، فعندما مشى الإنسان تحت لواء القرآن ماذا حدث؟ وماذا كانت النّتائج؟ من هم العرب؟ لم يكونوا معدودين أمةً ولا شعبًا، كانوا يعيشون في الصَّحارى مع الوحوش ومع الأنعام يرعونها، وصاروا خير وأعظم وأقوى وأعلم أمَّةٍ أخرجت للناس.

كلُّكم يعلم أنَّ سيّدنا عمر رضي الله عنه عندما تولى الخلافة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن القيادة العامة، وخالد بن الوليد هو الذي طهَّر العراق من الاستعمار الفارسي الذي كان أقوى من الاستعمار الرُّوماني، وكان انتصاره شبيهاً بالمعجزات، وما عُرِفَتْ له هزيمة، فلما تولَّى عمر الخلافة عزله! مع كلّ هذه الانتصارات والإخلاص فهل كان عمر مخطئاً؟ لماذا عزله وعنده هذه العبقريات وهذه الانتصارات؟ فقد عزله على عظيم عبقريته وانتصاراته؛ ليعلِّمَ الناسَ أن قانون القرآن هو المقدَّم على خالد إذا خالف شيئاً من القرآن قليلاً أو كثيراً، حصل له شبهةٌ بأنّه يبذِّر في مال الدّولة، وكان لسيدنا خالد كل العذر، لكن عمر أراد القرآن، قرآن العمل لا قرآن الورق، قرآن التطبيق لا قرآن القراءة والتلاوة، فقد عرف عمر عظمة الإسلام في خالد، ولم يعمل خالد رضي الله عنه ثورة، بل جاهد بعد عزله أكثر مما كان يجاهد حال قيادته، فما هذه التربية! وما هذا الإيمان في عمر بأن يعزل أعظم قائدٍ في التَّاريخ الإسلامي لأنَّه خالف قانون الإسلام نصف واحد بالمائة، ومع ذلك قال: “ليعلَمَ الناسُ أن النَّصر من الله”، يعني من تعاليم الله، ومن تطبيق كلامه، فإذا أردتَ النَّصر من الله وخالفت تعاليمه فإن الله عزَّ وجلَّ لا ينزل عليك نصره، ينزل عليك نصره إذا طبَّقت تعاليمه، ويستجيب لك دعاءك إذا استجبت له دعاءه.. ما معنى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر: 18]؟ يا: هذا أليس دعاء؟ إن قلت: “يا الله” فأنت تدعو الله، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ [الانفطار:6]، وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا هذا أليس دعاء؟ فإن استجبت لدعاء الله فيستجيب الله دعاءك، وأمّا أن تقول “يا الله” تدعوه بلسانك وتعرض وتدبر عنه بأعمالك وسلوكك فأنت لا تفهم كلام الله؛ لأنّ الله عزّ وجل قال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186] “فليستجيبوا لي” يعني: فليستجيبوا لي حتى أستجيب لهم، خاطب الله عزَّ وجلَّ بني إسرائيل: ﴿أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة: 40] والمسلمون الآن يكثرون من الدعاء بالأقوال: “اللهم اللهم” أمّا عندما يناديهم الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يستجيبون لنداء الله فلا يستجيب الله لدعائهم مهما كان عندهم من عمائم وجُبَب ومهما أطالوا في الدعاء: ((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل)) 4 .

لا يعلم الغيب إلَّا الله تعالى

﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا [الجن: 25]، قل يا محمد للنّاس لا أدري أقريب ما توعدون من نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين، لأنّ النَّصر لا يتحقَّق بلا شروطه ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ [الحج: 40] ينصر الله الصّابرين وينصر من نصره، وينصر الذين يبذلون كل ما يملكون في سبيل إعلاء كلمته.

﴿أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا ((إنَّ اللهَ لا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ أَحَد)) 5 ، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يقولون: متى؟ وكان الكفار يقولون: متى؟ فكان النبي ﷺ يقول: لا أدري، فهذا وعد الله ولم يحدّد الله وقته، فعليكم بالعمل، فالوعد لا بدّ من إنجازه فهو مشروط بالأعمال المطلوبة لإنجاز ذلك العمل.

﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي من هو ربي؟ قال: هو ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فأنا لا أعلم الغيب، إلّا إذا أطلعني الله عليه، وقد يطلع الله تعالى نبياً أو غيره على غيبه، ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]. ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ۝ إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن: 26] فيُطْلِع الله عزَّ وجلَّ الأنبياء على جزء أو جزيء من الغيب بالنسبة لزمانهم أو لأمتهم. ﴿إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فيطلعه على بعض غيبه، وعلى وحيه وعلى أمور الآخرة، فالجنَّة من الغيب فهل أحد منكم رأى الجنَّة أو الآخرة أو الميزان أو عالم الروح؟ فقد أطلع الله عزَّ وجلَّ النبي والأنبياء على بعض هذه الأمور وعلى بعض الأمور التي تقع معهم، فمنهم من يقول بعد وفاة رسول الله ﷺ: لقد حدَّثنا رسول الله ﷺ بها ونسيناها حتى ذكرناها حين وقعت ورأيناها بأعيننا 6 .

﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن: 27] حفَظَة من الملائكة تحفظ هذا الوحي من أن يُدْخِل الشّيطان على النّبي الأباطيل أو الأمور غير الصّحيحة، لذلك ما يخبر به النّبي ﷺ من المغيَّبات فهو محفوظ من الباطل أو من الزّيغ أو عدم الواقع.

﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ إذاً الأنبياء ونبينا الخاتم محفوظون بحفظة من طرف الله عز وجل، يحفظونهم من وساوس الشّيطان من أن يلقي مع الوحي الإلهي وحياً شيطانياً، فلا يصل إليهم إلا الحقائق الربَّانية السماوية، حتى يُبلغوا رسالات ربهم، فما دام حياً فهو محفوظ.

﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ فهم محاطون بحفظ الله ورعايته، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67] وكذلك يعصم الله الوحي من تدخُّل الشَّيطان من أن يوحي إليه بباطل أو يشوه وحي السماء الحق بوحي الشّيطان الباطل.

﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: 28]، فكانت السورة تعريف بعالم الجن وحقائقه وخصائصه، وإشارة إلى أنّ هذا العالَم عندما استمع القرآن استجابوا له وقَالُوا: ﴿قَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن: 1] شيء بديع عظيم!

الإسلام سبب تقدُّم الإنسانيَّة

نَقَل هذا القرآن خلال عشرين سنة أمَّةً من الموت إلى الحياة، ومن الأب الذي يدفن ابنته حية في التراب- وهذا الأمر لا يفعله ذئب ولا ضبع ولا نمر ولا أسد، لم يكن عند الإنسان رحمة الوحش والحيوان- حتى صار حاله كحال سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: “والله لو عثرت دابة على شاطئ الفرات لخفت أن يسألني الله لِمَ لَمْ تعبِّد الطريق للنَّاس؟” 7 ، فكيف تمت هذه النُّقلة ممّا كانوا إلى ما صاروا؟

وكانوا يقتلون أولادهم من الجوع، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ [الإسراء: 31] فصاروا أغنى الأمم، وكانوا أميّين فصاروا أعلم الأمم، ولم يكونوا شيئاً مذكوراً.

كانت دولة الإسلام من أسوار الصّين إلى حدود فرنسا فيها العدالة للجميع وكذلك الضمان الاجتماعي، وكذلك في الرّفق والعدل والحقوق لا فرق بين مسلم وغيره، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين الخليفة عمر وغيره، بل حتى النَّبيِّ ﷺ بذاته، ففي آخر أيامه صعد المنبر وقال: ((أيها الناس، إنَّما أنا بشر فمن ظلمته في مال فهذا مالي، أو بدَنٍ)) ضربته بغير حق ((فهذا بدني، أو سببته فليقتص مني، ولا يعتقد أحد منكم أن محمداً يغضب، فإن محمداً لا يغضب من الحق)) 8 .

رفض النبي ﷺ لقب “ملِك” عندما خيره الله عزَّ وجلَّ بين أن يكون عبداً نبياً، وبين أن يكون ملكاً نبياً، ((قالَ: بَلْ عبْداً نبَّياً)) 9 ، “وأشهد أن محمداً عبده ورسوله!”.

إذا كان سيدنا عيسى عليه السلام أحيا ميتاً أو ميتين، فسيّدنا محمد ﷺ أحيا الأمم وأحيا عقولها وحياتها، وأحيا محبتها وتآخيها، وجعل نصف العالم كالجسد الواحد!

قصة الشيخ مع الصيني في الصين

ذكرت لكم عندما كنت في الصّين وأنا في بعض شوارعها ومعي بعض المرافقين، وإذا بصيني يتجه نحوي حتّى صار أمامي وجهاً لوجه فسألني بلغته قائلاً: “الله أكبر؟” يعني هل أنت مسلم؟ قلت له: “الله أكبر” فإذا به يعانقني ويبكي ويتلو الآية: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] فإذا اجتمع السوري مع السوري هل يفعل هكذا؟ أو إذا اجتمع الفرنسي مع الفرنسي هل يفعل هكذا؟ أو إذا اجتمع الإنكليزي مع الإنكليزي هل يفعل هكذا؟ أمّا المؤمن مع المؤمن وبعد خمسة عشر قرناً ولا يعرف الكثير من المسلمين من إسلامهم إلا واحداً بالمئة أو نصف واحد أو ربع واحد بالمئة، فكيف لو وُجد الإسلام الذي غرسه النبي ﷺ في أصحابه الكرام كما وصفهم الله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُون عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9] وبعد أن قال ﷺ: ((ليس مني إلا عالم أو متعلم)) 10 صاروا علماء حكماء فقهاء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء 11 .

وحدة الأديان السماوية

فإذا كان ملِكاً ونبياً أو ملِكاً حكيماً فيلسوفاً وملائكياً أخلاقياً فاضلاً، فماذا كانت نتيجة هذه المعاني لعموم الإنسانية ولمئات الشعوب باختلاف لغاتها وألوانها وأديانها؟ كانت بلاد الشام ومصر مسيحية، ودخلت الإسلام طوعاً واختياراً، لماذا؟ لأنّ الإنسان قبل كل شيء حريص على حياته وعلى أمنه وعلى العدالة وعلى حفظ حقوقه، وقد وجد ذلك في القانون الإسلامي، فلا يوجد تمييز عنصري، وقد وجد أنّ الإسلام لا يسلخه من مسيحيته، فلا يقول له: اترك المسيح، ولا يقول له: اكفر بالمسيح وتعاليم المسيح؛ بل يقول له: لا أقبلك في حظيرة الإسلام إلَّا أنت والمسيح، إلَّا أنت وتعاليم المسيح، ولكن دخل على المسيحيّة ما شوَّه جمالها وأبعدها عن العقل وعن العلم ما دعا المسيحي في هذه الحالة أن يلحد بالمسيحية ويرفضها؛ لأنَّ المسيحية تقول له: “آمن بالإله الإنسان! آمن بالإله الجائع العطشان! آمن بالإله الذي يبول ويتغوط! آمن بالإله الإنسان الذي ينام ويغفل!” فالعقل لا يقبل هذه المعاني؛ ولذلك رفض المسيحي اليوم النّصرانية، أمّا الإسلام فقال له: أستقبلك أنت ورسالة المسيح ولا أقبلك إذا تجردت عن رسالة المسيح، لكن سأزيدك أكثر ممّا أخذت من المسيح، فإذا كان هناك شخص معه ألف دولار فهل يمنع مانع أن يقول له أحد: سأعطيك فوق الألف دولار ألف دولار أخرى؟ فهل يوجد هناك مانع؟ أما إذا قال له: أنا لا أعطيك ألفاً حتى تتجرد من كل أملاكك، فسوف يرفض، ولذلك شعوب بلاد الشام دخلت في الإسلام، وكان أهل مصر أقباطاً فدخلوا في الإسلام، والآن والله لو أنّ الإسلام يُعرض بوسائل الإعلام الحديثة بحقيقته وجوهره، الذي يدعو إلى الإيمان بإبراهيم ورسالة موسى ورسالة عيسى ورسالة كلّ الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- على أساس العقل والحكمة وسعادة ومصلحة الإنسان وحياته الرّبّانيّة الملائكيّة التي لا يجد الإنسان سعادة في كلّ أنواع السَّعادات الجسديّة ما يجده في سعادته الرُّوحيّة الرَّبانيّة مع الله عز وجل، فإذا كان معها العقلانيّة، وإذا كان معها: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص: 77] وإذا كان معها: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة: 201]، لدخلت الناس في دين الله أفواجاً.

فأحد أركان الإسلام الخمسة اقتناء المال الحلال، فالزكاة اقتناء المال لتصير غنياً، لا لتنفرد بالمال ولكن لتشارك في مالك الإنسان الفقير المسكين، فالمال وكذلك العقل والحُكم من أجل سعادة العالم ونشر العلم الإجباري على كل شعوب العالم والمؤاخاة بين [أبناء] العالم، فالإسلام لم يضع قوانيناً على الورق مثل هيئة الأمم ومجلس الأمن، ولكن جعلها في القلوب والعقول وفي الواقع العملي، وإلى الآن وعلى ضعف الإيمان الإسلامي في المسلمين فأينما لقي المسلم أخاه المسلم وعرفه أنه مسلم يعانق أحدهم الآخر تحت ظل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10].

استماع الجنّ للقرآن الكريم

لذلك أيها الإخوة وقد انتهى تفسير السورة، فالجنّ لم يبق لنا علاقة بهم، فهم خلق من خلق الله، منهم المؤمن ومنهم الكافر، ولكنهم حينما استمعوا القرآن، استمعوه سماع فهم وعلم ثم بلغوه إلى إخوانهم من الجن، قال تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأحقاف: 30]، ففي جلسة واحدة سمعوا القرآن في صلاة النبي صلى الله عليه لكن سمعوه سماع إصغاء وفهم وتدبر، ﴿قَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا شيء بديع يحيي القلب والروح والفضائل الإنسانية، وقد كان استماع الجنّ كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204]، فهل تستمعون للقرآن كاستماع هؤلاء الجن؟ فعندما سمعتموه هل قلتم ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا؟ فعندما يرى الإنسان طوق ألماس، يقول: ما هذا شيء عجيب! لم أرَ مثله طوال عمري، وعندما يرى ملكة جمال يقول: رأيت شيئاً عجباً، وعندما يرى مناظر جميلة يقول: رأيت شيئاً عجباً، فيسعد ويعبّر عن سعادته، والجن سمعوا وفهموا وعلموا وعبّروا، فهل يقول المسلم أو المسلمة عندما يقرأ القرآن: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا؟ وهل يرى أن القرآن كما قال الجنّ: يهدي إلى الرشد؟ ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9].

فالطعام أين يُهضَم؟ يُهضَم في المعدة مع باقي الجهاز الهضمي، وإذا كانت المعدة مقروحة أو مريضة فلا تهضم الطعام، بل قد يصير الطّعام مرضاً ومؤذياً، كذلك قراءة القرآن أو استماعه، وكما ورد: “رب تال يتلو القرآن، والقرآن يلعنه” 12 .

فأوّل سور القران الفاتحة يوجد فيها ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] والسّورة الثّانية التي تليها سورة البقرة، فقد أجاب الله عزَّ وجلَّ المصلّي الذي يطلب الهداية فقال له: ﴿ألم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] ألست تريد الهداية؟ فالهداية في هذا الكتاب ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، ليس للقارئين ولا للمستمعين، بل كما قال تعالى: ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37] يستمع بكلّ مشاعره وكل مداركه تدبراً وتفهماً، فيكون القرآن له ذكرى وهدى وينقله من الظّلمات إلى النور، ومن الذّلّ إلى العزّ، ومن الفقر إلى الغنى، ومن التّخلّف إلى التَّقدُّم، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ: 28] فعندما سمع الجن القرآن؛ وماذا سمعوا من النَّبيِّ ﷺ؟ سمعوا بضع آيات في صلاته! فهذه الآيات القليلة جعلت منهم مؤمنين مندهشين، يرجعون إلى قومهم معلّمين ومرشدين وهداة مهديّين، فهؤلاء الجن!

فأنتم أيها الإنس: هل تعلمتم أدب استماع القرآن كما ذكر القرآن أدب استماع الجنّ له؟ وهل رأيتم عند سماعه أو تلاوته عجباً؟ وهل وجدتم الهداية؟ والهداية لا تكون إلّا كما قال تعالى: ﴿لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ [ق: 37] فالقلب هو النّفس وهو الروح التي لها استقرار في هذا القلب الصنوبري هنا، ففي القلب الصنوبري جهاز عصبي مستقل عن ارتباطه بالدّماغ، ولذلك إذا فُصِل القلب عن الجسم يبقى القلب يتحرّك، مع أن الأصبع إذا قطعت لا تتحرك؛ لأنّ عصبها متصل بالدماغ فعندما انقطعت الصلة لم يعد هناك أوامر بالحركة من الدماغ، فهذا الجهاز العصبي هو المقصود من القلب، هذا الجهاز الرباني هو موضع هضم القرآن وتحويله، كيف أن الطعام يتحول إلى دم والدم يتحول إلى طاقة وقوة وإلى أعمال عظيمة وفاضلة ومدهشة معجزة، كذلك إذا قرأت القرآن وليس لك هذه المعدة التي هي القلب التي تحوّل الكلمات إلى أعمال وأخلاق وحقائق، وتحوّل عقلك إلى عقل الحكيم، وكذلك نفسك الإمّارة بالسّوء والأنانيّة إلى حال وصفها الله عزَّ وجلَّ في القرآن: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9] فالقلب لا يحيا إلا بذكر الله، والذكر هو الشعور بالله وأن تكون مع الله حتى تصل إلى حالة تنسى شعورك بنفسك وتنسى وجودك ولا تشعر إلّا بوجود الله، عند ذلك إذا قرأت القرآن بهذا القلب فهذا القلب يهضم قرآن الكلمات ويحوله إلى قرآن الأعمال والأخلاق والصّفات، وإلى كل الكمالات والفضائل الإنسانية، فجعل من الأميّين كأنّهم أنبياء، يقول النبي ﷺ يقول: ((لو كان بعدي نبي لكان عمر)) 13 ، لم يعد هناك حاجة للنبوات، لأنّ القرآن ضَمِن للإنسان كل ما يحقق سعادته كفرد وأسرة ومجتمع ووطن وعالَم وبالطريق العقلي والاقناعي والبرهاني، إلى جانب الناحية القلبية والروحية، فالنّبي بماذا سيأتي أكثر من هذا ﴿وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40].

وقد أتى لا ليجرد أبناء الأديان ويقطع صلتهم بأنبيائهم، بل أتى ليوثق المسيحي بسيدنا عيسى عليه السلام، وليوثِّق اليهودي صلته بتعاليم سيدنا موسى عليه السلام، وليجعل من الإنسان أخاً للإنسان لا بالأقوال وبالادعاء كحال حقوق الإنسان التي تستعملها الحكومات ومجلس الأمن ومن ورائها الأغراض الاستعمارية، بل “حقوق الإنسان” التي قالها النبي ﷺ: ((ما آمَنَ بي- سَاعةً مِنْ نهَار)) فيعني أنّ الإنسان لم يجد الإيمان ولا ساعة في عمره ((من أمسى شبعان وجاره جائعٌ إلى جنبِه وهوَ يَعْلَمُ)) 14 .

يرد بشكل دائم في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة: 43] فهذا لصلة روحك بروح الله، وقوله تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ لصلة الغني بالفقير صلة المساعدة والمشاركة، وليعيش كلا الإنسانَين “الغني والفقير” في سعادة وبحبوحة!

فبلغت التربية الإسلامية بالمسلمين أن جعلوا أوقافاً ليس للمساجد فقط، كان المسلم الواحد يبني المسجد وإلى جانبه المدرسة، ويوقف لها الأوقاف العظيمة بما تكفي للأساتذة وطلابها، نشرًا للعلم والفضيلة ولحياة الرّوح بالله، حتى أنّهم عملوا أوقافاً للحيوانات، وليس حقوق الإنسان، فهناك أوقاف للقطط ولا يزال لهم مكان؛ أظنّه في منطقة السروجية [في دمشق]، فبعض المحسنين أوقف بعضاً من ثروته للقطط الجائعة، وبعضهم أوقف من أمواله أوقافاً للكلاب الشّاردة التي لا يوجد من يطعمها، ومرجة الحشيش التي أقيم عليها معرض دمشق الدولي، [وهي أرض فسيحة واسعة تقع على نهر بردى وتتوسط مدينة دمشق الآن، ويمكن أن تكون أغلى بقعة في دمشق، وذلك لموقعها وأهميتها] فهذه كانت وقفاً من بعض المحسنين للدّواب التي بلغت سن العجز ولم يعد أصحابها ينتفعون بها، وهذا المرج مساحته خمسين دُونماً، [والدونم ألف متر مربع] أوقفها مع المياه ومع علفها لترعى فيها وتأوي إليها، هكذا كان الإنسان المسلم مع الحيوان.

أمّا الإنسان مع عدوه فقال تعالى: ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النساء: 135]

المسلم مع الحق والعدل لا مع نفسه أو أقاربه

إذا كنت مذنبًا فعليك أن تقول: “أنا مذنب”، فلا تنحاز إلى نفسك وتدافع عنها، كن مع الحق لا مع نفسك ﴿أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إذا كان والداك ظالمين يجب أن تشهد عليهما ﴿إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء: 135].

فالحق مقدَّم على كل شيء، فمع عدوك يجب أن تكون عادلًا منصفًا، هذا هو القرآن ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [المائدة: 8] يعني بغضاء وعداوة قوم ﴿عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا يجب أن تعدل مع عدوك بأن تعطيه حقه، فأيّ قانون هذا؟ لم يكتب على الأوراق، فقد مات النبي عليه الصلاة والسلام وانتقل إلى السماء، والقرآن مكتوب على الأحجار والعظام وأوراق الأشجار، ولكن كتبه في قلوبهم وفي أعمالهم وفي حياتهم وفي دولتهم في قانونها وفي أحكامها.

فيعمل الإنسان الآن هيئة الأمم ومجلس أمن من أجل السّلام، فما دام هناك “أنا” شخصية أو قومية، ففرنسا تريد أن تعمل لمصلحة قومها وألمانيا لمصلحة قومها؛ أمّا الإسلام فيعمل لمصلحة الحق، لا لمصلحتي ولا للوالدين ولا للأقربين ولا للمواطنين ولا للكفار، فالحق اسم من أسماء الله عز وجل.

كيف يكون لك قلب؟

لذلك أختم كلمتي لتكونوا أهلاً لقراءة القرآن: يجب على كلّ واحد منكم قبل كلّ شيء أن يتوضأ ويتطّهر جسدياً بأن نغسل أطرافنا -تعرفون الوضوء، أليس كذلك؟- فغسل الجسد ليس هذا كلّ شيء، بل المهم أن تغسل قلبك، أن تغسل قلبك من كل ما سوى الله، قال تعالى: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام: 79].

فالكعبة قبلة الجسد، والكعبة مسجد إبراهيم عليه السلام حتى لا يصلي أحدهم إلى الشرق وآخر إلى الغرب قال: توجهوا إلى موضع مسجد إبراهيم لعل روحانية إبراهيم تعينكم على التوجه إلى الله؛ أمّا القبلة الحقيقية فأن توجه قلبك إلى الله عز وجل. فبعد التوبة التي هي غسل النفس من أوزارها ومن نواياها السيئة ومن تفكيرها السيء ومن أعمالها السيئة، عليك أن تعمل وتدخل مدرسة وثقافة ولادة الروح، وولادة الإيمان الرباني الروحاني، فإذا كان في عينك مياه زرقاء لا تذهب إلى طبيب الهضمية، بل تبحث عن طبيب مختص بجراحة العيون، وإذا أردت أن تفهم القرآن ويتمثّل فيك أقوالاً وأعمالاً وحكمةً ودعوةً وهدايةً، ويتمثل فيك إنساناً سعيداً فاضلاً ناجحاً، فرداً أو أسرةً أو جماعةً أو دولةً أو أمةً، فعليك قبل كل شيء أن توجد أرضية القرآن ألا وهي القلب ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى: 14] هذه هي التّوبة ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بعد ذلك تدخل في الصّلاة ﴿فَصَلَّى [الأعلى: 15].

﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً [الأعراف: 205] ولا بد من أن تفتش على العالِم المربي الحكيم من أرباب القلوب.

ألا كن لأرباب القلوب ملازماً وفي قربهم حصِّل لك القلبَ سالماً وإن رُمْتَ من خلٍّ قديم وصالَه فقلبك مرآةٌ فقابله دائماً

فإذا لازمت أستاذ اللغة الإنكليزية تتعلم الإنكليزية، أليس كذلك؟

“وفي قربهم حصِّل لك القلبَ سالماً” ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 89]. “وإن رمت من خل قديم وصاله” عليك أن يكون خليلك الله ويكون محبوبك الأول الله. “فقلبك مرآة” نظّف المرآة أيضاً “وقابله دائماً”.

فإذا عملت بقلبك وبجهازه العصبي الداخلي على حسب الشّروط فتنتقل من الإيمان الغيبي إلى الإيمان الشّهودي، الذي هو مقام الإحسان بأن تعبد الله كأنّك تراه، فإذا قرأت القرآن يتحوّل القرآن فيك من كلمات إلى أعمال وأخلاق وصفات ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8].

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. يجدر الانتباه هنا إلى ما يلي: أولاً: كلام سماحة الشيخ كفتارو هنا يحتمل وجهين، وذلك من خلال لهجته، ثم بسبب قلة الكلمات التي تكلم بها في هذه المسألة، فيحتمل الوجه الأول أن العرب كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله وأن الجن نوع من الملائكة، وأن إبليس كان ملَكاً. وهذا هو الأرجح عندي حسب سياق الكلام. ثانياً: يحتمل كلام الشيخ أيضاً بأن الجن نوع من الملائكة وأن إبليس كان ملَكاً.. وللرجوع إلى المصادر العلمية نرى أن هذه المسألة فيها أقوال عند العلماء، وقد يكون سماحته قد نوّه هنا إلى هذه الآراء، ولم يكن من عادته أن يقف على المسائل ذات الآراء الكثيرة إلا إذا كان لذلك صلة بواقعنا ونفع لنا، لذلك لم يفصّل بهذه المسألة، فهي أمر فيما يبدو لي ليست فيه ناحية عملية نستفيد منها في حياتنا، فليس هناك واجب شرعي علينا اتباعه أو منكر علينا اجتنابه، بل هي مسألة تاريخية، وليست من أسس العقيدة. ولا بد لمن أراد الاستزادة في ذلك أن يرجع إلى كتب العلم التي تناولت هذه المسألة، وأُورد شيئاً قليلاً عن بعضهم في ذلك: قال العيني في عمدة القاري (15/‏167): روى الطبري عن ابن عباس قال: إن من الملائكة قبيلة من الجن، وكان إبليس منها. ... ثم قال: إن من الملائكة مَن ليس بمعصوم. إلى أن قال: وهذا أشبه بالصواب وأوفقُ للجمع بين النصوص، والعلم عند الله تعالى. ومما ورد في تفسير القرطبي ما يلي: "إبليس كان من الملائكة على قول الجمهور: ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن المسيب وقتادة وغيرهم، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن، ورجحه الطبري، وهو ظاهر الآية. قال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل، وكان من أشراف الملائكة وكان من الأجنحة الأربعة ثم أبلس بعد. روى سماك ابن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان إبليس من الملائكة فلما عصى الله غضب عليه فلعنه فصار شيطاناً. وحكى الماوردي عن قتادة: أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجنة. وقال سعيد بن جبير: إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم، وخلق سائر الملائكة من نور. وقال ابن زيد والحسن وقتادة أيضاً: إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ولم يكن ملكاً، وروي نحوه عن ابن عباس وقال: اسمه الحارث". انظر التفصيل في تفسير القرطبي 1/ 294. والغريب عن معارفنا أن القول المشهور عند العلماء هو أن الجن طائفة من الملائكة. [هذا الكلام في الهامش هو كلامي، وليس من كلام سماحة الشيخ كفتارو، وهذا ما فهمته من كلام سماحته، وقد يكون لك أخي القارئ فهماً أعلى وأدق! ونسأل الله تعالى دائماً اتباع الحق والصواب. "كتبه: مصطفى كناكر"]
  2. حديث فتح الشام وفارس أخرجه النسائي في السنن الكبرى (8858)،(8/134)، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْفِرَ الْخَنْدَقَ عَرَضَ لَنَا فِيهِ حَجَرٌ لَا يَأْخُذُ فِيهِ الْمِعْوَلُ فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ، وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ، فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الصَّخْرَةِ» قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ الْآنَ مِنْ مَكَانِي هَذَا» قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ، وَكَسَرَ ثُلُثًا آخَرَ» وَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنَ الْأَبْيَضَ الْآنَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ» وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ، فَقَطَعَ الْحَجَرَ» قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِحَ الْيَمَنِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ بَابَ صَنْعَاءَ». أما حديث فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة أخرجه أحمد، رقم: (18977)، (4/335). المستدرك على الصحيحين للحاكم، رقم: (8300)، (4/468)، عَنْ بِشْرٍ الْغَنَوِيُّ، بلفظ: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ».
  3. مسند أحمد بن حنبل، رقم: (16998)، (3/ 103)، والمعجم الكبير للطبراني، رقم: (1281)، (2/ 58)، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، بلفظ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
  4. ورد الحديث مرفوعًا في أمالي ابن بشران برقم: 47 عن قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلا بِالتَّحَلِّي، لَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ الْفِعْلُ، الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ، وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ، فَعِلْمُ الْقَلْبِ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى بَنِي آدَمَ". وورد مقطوعًا عن قتادة وعن الحسن انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج: 9 ص: 559 ومعالم التنزيل تفسير البغوي عند تفسير سورة فاطر الآية 10. وورد في: حلية الأولياء: أبو نعيم، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (3/272). وورد عن الحسن رضي الله عنه: ((ليس الإيمان بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي، ولكنَّ الإيمان ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل)) شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (65)، (1/158).
  5. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8542)، (9/98)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (4452)، (6/ 440)، بلفظ: "قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ: "كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، أَلا إِنَّ الْبَعِيدَ مَا لَيْسَ بِآتٍ، لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ وَلا يَخِفُّ لأَمْرِ النَّاسِ.. إلخ"، وفي السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (6014)، (3/ 215)، ((قال ابن شهاب وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب: كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ ولا يحف، لأمر الناس ما شاء الله لا ما شاء الناس يريد الناس أمرا ويريد الله أمرا وما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد الله فلا يكون شيء إلا بإذن الله)).
  6. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب القدر، باب { وكان أمر الله قدرا مقدورا }، رقم: (6230)، (6/2435)، صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبي صلى الله عليه و سلم فيما يكون إلى قيام الساعة، رقم: (2891)، (4/2216)، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ))، واللفظ لمسلم.
  7. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7415)، (6/ 31)، حلية الأولياء للأصبهاني، (6/ 137)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (35/ 215)، بلفظ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: "لَوْ مَاتَتْ سَخْلَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ضَيْعَةً لَخِفْتُ أَنْ أُسْأَلَ عَنْهَا".
  8. أخرجه أبو يعلى، باب مسند عبد الله بن الزبير رحمه الله، (6/ 172)، وابن عساكر (4/ 92)، بلفظ: ((عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ عِصَابَةٌ حَمْرَاءُ، أَوْ قَالَ: صَفْرَاءُ، فَقَالَ: ابْنَ عَمِّي خُذْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ فَاشْدُدْ بِهَا رَأْسِي، فَشَدَّدْتُ بِهَا رَأْسَهُ، قَالَ: ثُمَّ تَوَكَّأَ عَلَيَّ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَرُبَ مِنِّي خَفُوفٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنْ عِرْضِهِ، أَوْ مِنْ شَعْرِهِ، أَوْ مِنْ بَشَرِهِ، أَوْ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، هَذَا عِرْضُ مُحَمَّدٍ وَشَعْرُهُ، وَبَشَرُهُ، وَمَالُهُ فَلْيَقُمْ فَلْيَقْتَصَّ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَتَخَوَّفُ مِنْ مُحَمَّدٍ الْعَدَاوَةَ وَالشَّحْنَاءَ، أَلا وَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ طَبِيعَتِي وَلَيْسَا مِنْ خُلُقِي، قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ.. الخ))
  9. السنن الكبرى للنسائي، كتاب الوليمة، باب الأكل متكئا، رقم: (6743)، (4/ 171)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1452)، (2/ 167)، عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: أن الله تبارك وتعالى أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بين أن يكون عَبْداً نَبِيّاً أو مَلِكاً نَبِيّاً فأشار إليه جبريل عليه السلام أن تواضع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل عبداً نبياً»، قال: فما أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا.
  10. حديث: ((ليس منِّي إلَّا عالم أو متعلِّم)) كنز العمال للهندي (28804)، وابن النجار "فر" عن ابن عمر. وأحاديث أخرى ورد فيها ما يساند هذا الحديث: الترمذي في سننه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (4/139) ونصه: "أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرُ اللهِ وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ". أو حديث في مسند الفردوس للديلمي، (3/419)، وفي المعجم الكبير للطبراني، عن عبد الله، رقم: (10461)، بلفظ: «الناس رجلان؛ عالم ومتعلم، ولا خير فيما سواهما». الجامع الصغير، للسيوطي، وقال: (ابن النجار والديلمي في مسند الفردوس) رقم: (10410).
  11. حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
  12. إحياء علوم الدين للغزالي، من قول أنس رضي الله عنه. (1/274).
  13. الترمذي، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رقم: (3686). وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، رقم: (519)، (1/356). والمستدرك، الحاكم، رقم: (4495)، (3/92).
  14. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (755)، (1/ 259)، مسند الفردوس للديلمي، رقم: (8447)، (2/61)، عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)). والبخاري في الأدب (112)، بلفظ: ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع الى جنبه))، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
WhatsApp