تاريخ الدرس: 1994/06/03
في رحاب التفسير والتربية القرآنية
مدة الدرس: 01:20:55
سورة الجن، الآيات: 13-27 / الدرس 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمّ التّحيات والتّسليم على سيدنا محمّد خاتم النبيّين والمرسلين، وعلى أبيه سيّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيّدنا موسى وعيسى وجميع الأنبياء والمرسلين، وآل كلّ وصحب كلّ أجمعين، وبعدُ:
عالم الجن
فنحن الآن في تفسير بعض آياتٍ من سورة الجن، والجنّ هم خلقٌ من خلق الله عز وجل لا تراهم العيون، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ﴾ [الأعراف: 27] يعني إبليس وذريَّته ﴿مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: 27] وقال تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ﴾ وتمرَّد ﴿عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50] وهناك أمم من الطّيور والنّمل والحيوانات ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام: 38]، وقال تعالى: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: 18] فإنّهم لا يدوسونكم بأقدامهم عن علم؛ بل عن غير علم، فأعذرتهم فيما يصيب النّمل من جنوده، وكان عليه الصّلاة والسّلام يقول: ((ربّ مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكراً لله منه)) 1 .
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾ [الملك: 19] وقال أيضاً: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور: 41] فنسب إلى الطير والحيوانات أنّها تصلّي لربها وتسبّحه وتذكره، وكما قال ﷺ: ((ربّ مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكراً لله منه))، فكلُّ ما يدبُّ على الأرض أمّة، فالنمل أمّة والنّحل أمة والطير أمم والوحوش أممٌ، ولها لغاتها ومصطلحاتها ولغة التفاهم الخاصة بها، وكذلك الجن فهو عالَمٌ غير مرئي عاقل مكلَّفٌ بأداء ما فرض الله عليه من طاعاتٍ وصلوات، ومكلَّفٌ بالانتهاء عمّا حرَّم الله عز وجل من محرَّمات، بحسب قابليّة هذه الأمة، وهناك عالم الملائكة لا تراه العيون، وهناك عالم الرّوح، فروح الإنسان عندما تخرج من جسده لا تُرى وتَتَكَلم ولا تُسمَع، فعندما دفن النبي ﷺ قتلى المشركين في معركة بدر في بئرٍ مهجور، فوقف على حافة البئر وصار يخاطب الموتى والقتلى من المشركين قائلاً: ((هل وجدتُم ما وعدَكم ربُّكم حقًّا؟ فإني وجدتُ ما وعدني ربِّي حقًّا؟)) فقال سيدنا عمر: “يا رسول الله أتخاطب أجساماً جِيْفَت؟” أي صارت جيفاً لا أرواح فيها ((فقال: ما أنتم بأسمع منهم لما أقول)) 2 .
ولذلك ورد عندما يزور الإنسان موتاه أن يسلِّم عليهم: “السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السّابقون وإنا بكم إن شاء الله لاحقون”.
وعالم الميكروب كان لا يُرى بالعيون، فاستطاع الإنسان الآن بواسطة المكبّرات أن يراه، كما أنّ الآن هناك شيءٌ أدقُّ من الجرثوم يسمّونه الفايروس وهذا الفايروس لا يُرى.. والطاقة الكهربائية في السّلك الكهربائي لا تُرى، والهواء لا يُرى، فلا يجوز لك أن تنكر وجود كلّ شيء لا تراه، فالأعمى لا يرى النّاس فهل إذا حُرِم البصر وكان أعمىً لا يُبصِر يحقُّ له أن ينفي وجودهم أو أن ينفي وجود البلدان أو الأشجار أو السّماء أو الأرض؟
فقصّ الله قصة هذه الأمّة من مخلوقات الله عز وجل، وأنّهم استمعوا إلى صلاة رسول الله ﷺ في طريقه إلى سوق عكاظ، فكان النّبي ﷺ يتقصّد مجامع ومجتمعات النّاس حتّى يبلِّغهم رسالة الله عزّ وجلّ؛ لينقلهم من الأميَّة إلى المعرفة وليست أميّة الكتابة والقراءة؛ بل من أميَّة الكفر إلى ثقافة الإيمان، ومن أميَّة الظّلم والعدوان إلى ثقافة العدالة والإحسان، ومن أميَّة الوحشيّة والعدوان على الضّعيف إلى الأخلاق الملائكيّة والإنسانيّة.. وفي الوقت نفسه فإنّ أول سورة أُنزِلت بدأت بقوله تعالى ﴿اقْرَأْ﴾ [العلق: 1] وبدأت السّورة الثانية بعد ﴿اقْرَأْ﴾ بالقلم والكتابة والدّواة ﴿ن﴾ وماذا تعني نون؟ أي الدّواة ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1] يكتبون، فجعل القلم والدّواة والكتابة يميناً مقدَّساً يحلف به خالق الكون؛ ليُرشِد الإنسان العربيَّ إلى قدسيَّة القراءة والكتابة وأدواتهما، وليُخرِجهم من الأميَّة إلى العلم في القراءة والكتابة والأخلاق والرّوح والعقل والحكمة، حتّى صاروا كما وصفهم ((كادوا أن يكونوا من فقههم)) يعني من علمهم ((أن يكونوا أنبياء)) 3 .
والنبي ﷺ هو إنسانٌ يبني أمةً فيحييها بعد موتها ويعلِّمها بعد جاهليَّتها، ويجعلها إنسانيّة ملائكيّة بعد وحشيَّتها وظلمها وعتوّها حتّى يصيروا في توادِّهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى.
فهل أتت من خلق آدم إلى الآن رسالة أو عقيدة أو مبدأ أنتج مجتمعاً قوميّاً بدأ بالعرب، [سماحة الشيخ يؤكد على كلمة العرب لأنه يخاطب من ينادي بالعروبة الذي كان شعاراً عند الحكومات وكثير من الناس في زمن إلقاء هذه الدروس] ثمّ مجتمعاً عالمياً ضم مئات الشّعوب واللّغات ومختلف الألوان واللّهجات وأن يكونوا كالجسد الواحد ومن أقصى مشارق الأرض إلى أقصى مغاربها، ولا تزال هذه الرسالة تشقُّ عُباب البحار وظلمات الزّمن خلال خمسة عشر قرناً؟ ما هذا؟ هذا ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42] ولا يمكن أن يتحقّق سلامٌ إلّا إن أخذنا تعاليم الله العزيز الحكيم السلام المؤمن، وقد سمَّى نفسه “سلام” لنقدِّس السّلام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: 208]. وذكر الله تعالى في سورة الجنّ كيف استمعوا إلى صلاة النبي ﷺ، وكيف سمعوا القرآن، وموقفهم من أول تلاوة سمعوها، وقد كانت التلاوة في صلاة أيضاً أي لم يقرؤوا في المصحف ولم يسمعوا جزءً من القرآن، سمعوا قدر عشرين إلى أربعين آية ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1] العجب فيه أنّه خلال خمسة عشر قرناً وهو ثابتٌ لا تستطيع أيُّ قوّة في الدّنيا أن تمحوه.
﴿عَجَبًا﴾ كيف غيَّر العالَم وغيَّر عقول الناس وأفكارهم ومصيرهم ووحدتهم، وكم ينشد العرب الآن الوحدة فهل استطاعوا أن يوحِّدوا بين بلدين؟ فالإسلام بأقلَّ من قرنٍ- وهذه كلمة نابليون يقولها وبدهشةٍ وإعجاب-: “كيف أن الإسلام بأقلَّ من قرنٍ واحد وحّد- ولم يقل استعمر- بل وحَّد نصف العالم القديم”، وكانوا يمشون على أرجلهم ولم يتنقلوا بالسّيّارات ولا السّكك الحديديّة ولا السّفن البخاريّة ولا الصّواريخ عابرة القارات، بل بهذا القرآن وبالقرآن وحده، إضافة لرجل القرآن.
فأوحى الله إلى النبي ﷺ ماذا كانوا يقولون عند استماعهم لتلاوة القرآن فقال: ﴿سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 2] إلى الخير وإلى ما يُرشِدك ويُسعِدك، فكانوا يستمعون القرآن حتّى أنّ الكافرين كانوا يستمعونه للتفهُّم، فعندما تسمع إذاعة لندن فلماذا تسمعها؟ تسمعها لتفهمها، وإذا سألوك ماذا سمعت؟ تقول: “كذا وكذا”- والقرآن إذاعة ربّ العالمين، ويخبرك عن أشياء من عالم الغيب ومن عالم السّماء والرّوح ومن عالم المستقبل الأبديِّ والعمر الذي لا نهاية له، والكافر الآن غير المؤمن مثل الحيوان مجرد أن مات صار جيفةً، أمّا المؤمن فيعتبر الموت نقلةً من الحياة الحقيرة الصّغيرة إلى الحياة الأبديّة الخالدة، فإن استقام في حياته القصيرة ينتقل إلى سعادة خالدة غير منقطعة والعكس بالعكس، فالدّين يُصلِح لك دنياك وأخراك وجسدك وروحك في عالم الأرض والسّماء، وقد جُرِّب ونُفِّذ وكانت الحقائق أكثر ممّا يتصوره العقل والفكر.
الجن منهم المؤمنون ومنهم الكافرون
فمن جملة ما كانوا يقولونه بعد أن انتهت الصلاة ورجعوا: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: 14] وقبل ذلك قالوا: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: 13] خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وهناك منهم صلاحٌ بلا فساد كما قال: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: 14] يعني الكافرون، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13] والقاسطون: أي الظالمون، فالقاسط الظّالم، أمّا الـمُقسِط فهو العادل.
﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾ وكلمة مسلمون وُضِّحت في سورة الأحقاف: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾ [الأحقاف: 31] لأنّ الإسلام هو الاستجابة لأوامر الله، فإذا أتى الدّاعي من قِبَل الله فاستجبت لندائه ونفَّذت أوامره فهذه الاستجابة والطّاعة والانقياد هي الإسلام، فإذا سمعت ولم تستجب، وإذا أُمرت ولم تُطع، وإذا نُهيت ولم تنتهِ، فإن كنت تدَّعي الإسلام وهذه صفاتك فاسمك منافق؛ لأنّك تدَّعي الاستجابة لأوامر الله وطاعته ولا تستجيب ولا تطيع، فإذا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41] أليس هذا نداءً؟ فهل استجبت؟ فإن استجبت للذكر الكثير فقد أسلمت، وقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23] فإذا أسلمت نفسك لله كما يُسلم العبد نفسه لسيّده، فتستجيب له في كلّ ما يأمر وتقف عند كلِّ ما يُحرِّم، فقد استجبت وأسلمت للعبودية، ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فإذا كنت بارَّاً بهما ومحسناً إليهما وبعيداً عن كلِّ إيذاء ولو بكلمة “أفّ”، قيل: “ولو علم الله كلمةً تؤذي أقلَّ من أُفٍّ لحرَّمها ولذكرها في القرآن”.
فإن استجبت فقد أسلمت، وإن عققت فقد كفرت ببر الوالدين.. فتارك الصلاة كافرٌ بالصّلاة، وقد قال النبي ﷺ: ((من ترك الصّلاة فقد كفر)) 4 ومن صلى فقد استجاب وأسلم، وإذا زكَّيت فقد أسلمت واستجبت لفريضة الله، وإن منعتَ الزكاة فقد كفرت، وكذلك الحجّ، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ﴾ [آل عمران: 97] ماذا يعني: “ومن كفر”؟ ليس كفراً بكلّ الإسلام، بل كفراً بالحج لمن لم يحجَّ وهو مستطيعٌ لأداء فريضة الحج.
فهنا يقول الله له: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: 1] فبهذا الاستماع ماذا كانت نتيجته؟ تأثُّرهم بهذا الاستماع، فيروي الله أحاديث بعضهم لبعض بعد أن سمعوا القرآن في صلاة رسول الله ﷺ في “نخلة” اسم المكان في الطّريق إلى سوق عكاظ، فمما قالوا: ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1]، وقالوا: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: 14] فهناك مستجيبون مؤمنون وهناك قاسطون كافرون ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ﴾ [الجن: 14] بأن استجاب لأمر الله وندائه وعمل بوصاياه ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: 14] فهؤلاء يسلكون الطّريق المستقيم والطّريق المرشد الموصل إلى سعادة الدّنيا والآخرة، وإلى سعادة الجسد والرّوح وإلى العزّة والرّفعة والمجد ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8].
كان العرب في جنوب الجزيرة العربية والخليج محكومين للفرس، وتارةً كان الأحباش الأفارقة تحكم اليمن، فإذا تخلَّصوا من الأفارقة يستعمرهم الفرس، وإذا تخلَّصوا من الفرس يستعمرهم الرومان، فلم يعرفوا الاستقلال، وكانت كلّ قبيلة دولة، ولم يعرفوا الوحدة، ففي الميدان السّياسي أتى الإسلام فحضَّرهم وطرد الاستعمار ثمّ ثقَّفهم وجعلهم أعلم علماء الأرض، ثمّ طهَّر عقولهم من الخرافات والأوهام، ففي سورة الجن كان أحدهم يستعيذ بالجنّ إذا نزل في سفره في وادٍ فقال الله تعالى لهم أنّ هذه خرافة وأن الجنَّ لا سلطان لهم عليكم ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [النحل: 99]، فلمّا استجاب العرب واستسلموا لأوامر القرآن حقَّ الاستجابة نقلهم من الفقر إلى الغنى، وجعلهم خير أمّة قوّةً وثقافةً وعلماً وحضارةً، وصارت أمم الأرض تأتي لبلاد الإسلام لتتثقَّف وتتعلّم.
قرأت في كتاب عن ملك إنكلترا في القرون الوسطى بأنّه طلب من ملك الأندلس بكلّ تواضع أن يقبل ولديه في إحدى المدارس الإسلاميّة في الأندلس، أما الآن فنحن الذين نذهب إلى مدارسهم، فعندما كان الإسلام هو الاستجابة لأوامر الله كانوا يأتون إلينا ليتعلَّموا منَّا ونكون أساتذتهم، فالإسلام رفع المسلمين علماً وثروةً وصناعةً وعقلاً وفكراً وعالميةً وإنسانيَّةً، فمن الذي يصنع الإسلام؟ هو المعلِّم المربّي، وأين مدرسته؟ كانت في المسجد، وأين كان النبي ﷺ يعلِّم؟ في المسجد، وصلاح الدين من أين تخرَّج؟ من المسجد، وتخرج خالد من المسجد، ومعركتي اليرموك والقادسية نتاج المسجد، والمسجد يعني رجل المسجد وإمام وخطيب المسجد، فنسأل الله أن يهيئ للمسجد إمامه الذي يأخذ تعاليمه وسلوكه من الإمام الأوَّل سيدنا رسول الله ﷺ.
معنى الإسلام
قال: ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ﴾ [الجن: 14] ماذا يعني أسلم؟ لم يقل: “أنا مسلمٌ” إن قيل: من هو رئيس الجمهورية؟ إن كان الذي يقول: أنا رئيس الجمهورية فبالقول كلكم تصبحون رؤساء جمهورية، وبالنسبة للوزير هل هو الذي يقول: أنا وزير؟ لا؛ بل الذي يحمل مواصفاتٍ ويصدر مرسوم بتعيينه.. إلخ.
وأيضاً “أسلم” فليس بالقول، فما معنى “من استغنى”؟ هل تعني صار غنياً بالقول؟ لا؛ بل اهتم بالجهد والتّجارة والسّفر وغيرها، وهل تأخذ لقب طبيب بالقول والتمني؟ لا يمكن.. لذلك علينا أن نصير مسلمي العلم من المعلّم ومسلمي الحكمة من الحكماء، ومسلمي تزكية النّفوس وطهارتها من النّقائص والرّذائل من المربين والمرشدين، فإذا لم يصر لك المعلِّم الذي يعلِّمك القرآن وعلومه وأخلاقه ووصاياه، حتّى تتحول فيك إلى أخلاق وسلوك وعمل وضمير ووجدان ومراقبة، فأنت لست مسلماً بالمعنى القرآنيِّ، بل أنت منافق، وإذا كنت تتبرأ من الإسلام فأنت كافرٌ ملحدٌ جاحدٌ، وعند الموت ماذا ينفعك هناك؟ هل يستطيع ماركس أن يخلصك من عزرائيل أو من جهنم؟ فنسأل الله أن يردَّنا والمسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، فإذا دعونا للمريض بأن يردَّه الله للصّحة فيحتاج طبيباً وصيدلياً ودواءً، فإذا كان بعيداً عن الطّبيب ويرفض استعمال الدّواء لكنه يحفظ اسمه فيقرأ كلّ الأدوية عن ظهر قلب، ولكن لا يستعملها ولا يعرف كيف يستعملها، فتكرارها وتلاوتها وتلاوة الوصفة على اللّسان وبالكلام لا ينقذه من مرضه وأسقامه، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يهيئ للمسلمين العلماء الذين هم ورثة رسول الله ﷺ.
قال: ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ﴾ [الجن: 14] ما معنى أسلم؟ استجاب وعلِم وعلَّم وعمِل، وكان النّبي ﷺ يقول: ((ألا أخبركم بالأجود؟ -من أجود الناس؟ – قالوا: بلى يا رسول الله قال: الله الأجود)) 5 ، فمن أعطاك العينين؟ الله، فهل أخذ ثمنهم أم هبةً وكرماً وجوداً؟ ومن أعطاك اللسان إذاعةً يخبر عن كل ما تريده نفسك؟ ومن أعطاك السمع والحياة؟ ((الله الأجود، وأنا)) يعني النبي ﷺ ((وأنا أجود بني آدم)) أيُّ إنسانٍ جاد وسخى وأعطى وتكرَّم للبشريَّة عامةً وللعرب خاصةً مثلما أعطى سيدنا محمد بن عبد الله ﷺ؟ فمن أعطى للعرب والعروبة مجداً وتاريخاً وثقافةً وحضارةً وعالميةً؟ فلو لم يكن إسلام هل بقيت اللغة العربية؟ وهل كان هناك عروبة وعرب؟ قبل الإسلام كانت المدن العربية مثل بلاد الشّام ومصر تتكلّم إمّا القبطية أو اليونانية أو الرّومانية، كانت اللّغة العربية في البوادي والصّحارى، فمن جعل العربية عالميةً؟ فهل يجوز للعروبة أن تتنكَّر للإسلام؟ فإذا تنكَّرت إمّا لجهلها وأميَّتها، أما أن نقول الجحود فلا يمكن إذا رأى الإنسان بياض الثوب أن يقول عنه أسوداً، لكنّهم يعيشون في الظّلام فلا يُفرِّقون بين الأبيض والأسود.
قال: ((وأنا أجود بني آدم، وأجودهم بعدي رجل علم علماً فنشره)) علّمه، فالذي سمعتَه تعلِّمه للنّاس وتنشره بينهم، فهذه مرتبة ثانية بعد مرتبة سيّدنا محمد ﷺ ((وأنا أجود بني آدم، وأجودهم بعدي رجل علم علماً)) ما العلم؟ العلم هو كلّ ما ينفعك وينفع النّاس في دينهم أو دنياهم، ((ورجل علم علماً)) لم يحتكره ولم يطلب عليه أجراً، قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الأنعام: 90] التّعليم في الإسلام مجانيٌّ، لا ليس مجانياً فقط، بل إجباريّ أيضاً، والدّول في العصر الحديث كانت بعضها تجبر النّاس على الدراسة إلى الثّانوية فهذا شيء إجباريٌّ، أمّا في الإسلام فالتّعلّم إجباري من المهد إلى اللّحد، فهل أمريكا أوجبت العلم على شعبها من المهد إلى الثّانوية؟ لا، فعندهم التعليم اختياري، بالإضافة إلى أن التّعليم في أمريكا مكلف، لذلك لا يستطيع أن يناله فقيرٌ، أمّا في الإسلام فقبل كلّ شيء فإن التّعليم مجانيٌّ وليس اختياريّاً، وكلُّ من تعلَّم علماً نافعاً فالإسلام يفرض عليه أن يعلِّمه غيره، فإذا تعلّم الطب فعليه أن يعلّم الطب، وإذا تعلَّم الكيمياء فعليه أن يُعلِّم الكيمياء، وإذا تعلَّم الطيران فعليه أن يُعلِّم الطيران، وكذلك علم المعادن وهكذا.. هذا الذي يجب أن نعلِّمه للمسلمين، فنحن نعلِّمه الصّلاة والوضوء والطّهارة والاستنجاء، فالطّفل الصّغير يعرف كيف يصلّي ويصوم ويستنجي ويستبرئ، يجب أن نعلِّمهم الشّيء الذي يمثِّل أكثر من تسع مئة وتسعة وتسعين بالمئة، وهذا الذي تركه المسلمون واكتفوا بواحد ليس من المئة، بل من الألف، فإذا لم يبقَ من سيارتك إلّا برغِي [مسمار] فهل هذه توصلك إلى الحج؟ أو بقي منها العجلة أو العجلات الأربعة؟!
يجهل المسلمون إسلامهم، والسيارة إذا وُجِدت ولم يوجد معها بنزين ولا كهرباء لا تمشي، فنحتاج طاقة إيمانية قلبية روحية ربانية وطاقة عقلية علمية فكرية، وبهاتين الطاقتين النارية والنورية يصير الإسلام في الإنسان ويجعله مسلماً، أمّا بالادِّعاء أو التمني أو النّسب فقد قال تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: 123].
((وأجودهم بعدي رجلٌ)) وكلمة رجل فهل مراد النبي ﷺ أنّ المرأة لا تتعلَّم؟ وقد قال: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) 6 . ويقول ﷺ: ((وليس منّي إلا عالم)) وليس المقصود من العالِم الرّجل، بل الإنسان ((أو متعلم)) 7 . فالنبي ﷺ بريءٌ من إنسانٍ أُمِّيٍّ ذكر أو أنثى، والعالِم هو الذي يتعلَّم ما ينفعه في دينه ودنياه وما ينفع النّاس في دينهم ودنياهم.
((وأجودهم بعدي رجل)) إنسان ((علم علماً)) ولم يكتفِ الإسلام بأن تتعلَّم، بل قال: ((فنشره)) فعليك بعد أن تتعلَّم أن تنشر العلم لمن لا يعلم ((يحشر يوم القيامة أمّة وحده))، وهذا يعتبر رجلٌ بأمّة، فما هذا الدين الذي يجعل الإنسان الفرد- الشّخص الواحد- بقوّة وعظمة أمّة، فأبو بكر الصديق رضي الله عنه ماذا كان؟ كان أمَّةً وكذلك عمر وخالد وسعد رضوان الله عليهم.
ومن بعده، فهذه الدّرجة الرابعة ((رجل قاتل في سبيل الله حتى يقتل)) فهذا آخر درجةٍ في الأجواد، فكم الشّهادة عظيمة! لكن أيُّ شيءٍ أعظم منها؟ العلم بشرط التّعليم، والعلم له مدرستان حتّى يصير العلم الذي أراده النبي ﷺ، والعلم الذي أُخِذ بالسّماع أو القراءة هو أحد النّوعين، والنوع الثاني من العلم هو العلم الرّبّاني والعلم اللّدنيّ، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: 65] فعلوم الأنبياء لم تؤخذ من الكتب ولا من المدارس ولا من الأساتذة، بل أخذوها من مدرسة قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 282]، وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 29] أخذوا العلم من مدرسة التّقوى، والتّقوى: امتثال أوامر الله سواءٌ في الأعمال البدنية أو النّفسيّة أو الأخلاقيّة أو الرّوحيّة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 282]، وقد قال ﷺ: ((ومن أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)) 8 .
﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: 14] فهؤلاء الذين يبحثون عن الطّريق الموصل للسّعادة؛ سعادة الدنيا والآخرة، وهذا في مكة قبل الهجرة بثلاث سنوات والمسلمون في منتهى الضّعف وتسلُّط العدو عليهم والقهر لهم والاضطهاد، وبالنّهاية وصلوا إلى الطّريق الرشيد المفيد السعيد المسعِد، حتى صاروا أسعد أمم العالم وأعزّها وأقواها وأعلمها وأعظمها ثقافة.
جزاء القاسطين
﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: 15] الكافرون، سواء أكان كفراً عمومياً إذا كفر بالإسلام جملة وتفصيلاً ولم يعد يتعرَّف على الدين مطلقاً، أو كَفَر كفراً خاصاً، فبمقدار كفره ومعصيته وفسقه عن أمر ربه يكون خاسراً ويكون خائباً غير سعيد ولا ناجح.
والآن العالَم الغربيُّ قويّ في الحضارة المادية لكن هل هو سعيدٌ؟ أكثر بلاد العالَم انتحاراً أكثرها رفاهاً، وأكثر البلاد الغربيّة رفاهيّة حالياً البلاد الشّمالية الإسكندنافية، أليس كذلك؟ وبالإحصائيات يقولون: إنّها أكثر الأمم انتحاراً، ولماذا ينتحر؟ لأنّه لا يشعر بالسّعادة، فأمّا الإسلام فهل هناك أحد ينتحر في زمن النبي ﷺ أو في الزمن الذي كان الإسلام في منتهى كمال وجوده؟ لا يوجد انتحار.
﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: 15] الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بربّهم ﴿فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: 15] لا يُحرقون في النّار فقط، بل حتى يفنوا ويصيروا هم بذاتهم ناراً ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: 56] لماذا هذه الشّدَّة؟ هذه الشّدة والصّلابة في التّربية هي التي أنشأت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وهي التي أنشأت خالداً وسعداً رضي الله عنهما، وهي التي خلقت الأمجاد والعزّة والتّاريخ، وعندما تركنا هذه الأمور أين وصلنا؟ أهواء وأنانيّات وجهل وجاهلية، بماذا استفدنا من قراءة التّاريخ؟ تقرأ الأمم تاريخها لتستفيد من خيرات التّاريخ، ونحن نقرأ التاريخ وكأنّنا لم نقرأ شيئاً، والسّبب فقد المعلّم الحكيم المربّي المزكي، فليس العالِم القارئ، بل هو المعلِّم الذي يُخرِج النّاس من الظّلمات إلى النّور.
﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ [الجن: 16] فهؤلاء الذين فسقوا وظلموا وكفروا فلو استقاموا على صراط الله ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16] هذا ليس من كلام الجنّ بل من كلام الله تعالى، قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1] ويقول الله له: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ﴾ [الجن: 1] وقد أوحي إلى النبي ﷺ أنّهم ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ [الجن: 16] وهذا من جملة ما أُوحِي إلى النبي عليه الصّلاة والسّلام ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16] لمّا كان الماء كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [النساء: 30] ولولا الماء لما كان إنسانٌ ولا حيوانٌ ولا أشجارٌ ولا ثمار وخضار ولا زرع، فأصل الحياة وأصل السّعادة والوجود والغذاء هو الماء، فالماء هو أصل كلّ ما يُسعِد الإنسان في هذا الوجود، يعني لو استقاموا لأعطيناهم كلَّ الخيرات من النّصر والعزّ والمجد والغنى، وماذا قال تعالى في القرآن؟ قال: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: 8] فهذا ماءاً غدقاً ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ [الضحى: 7] كان متعطشاً إلى الهداية فبالقرآن والوحي والإسلام هداه الله، وقد قال ﷺ: ((ألم تكونوا أعداء فألّف الله بينكم، ألم تكونوا ضلّالاً فهداكم الله بي، ألم تكونوا عالة فأغناكم الله بي؟)) 9 . هذا معنى قوله تعالى: ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16] يعني أعطيناهم الخير الكثير، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96] يعني الدّين لا يعطيك الجنة فقط ولا يعطيك الآخرة فقط بل يقول لك: أعطيك الدّنيا من المال والخيرات قبل الآخرة ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ [الكوثر: 1] فالكوثر له تفسيران، تفسيرٌ أنّه نهرٌ في الجنة والنّهر ماء وهو أصل الحياة، فماذا أعطى الله للأمة ببركة نبيها ﷺ؟ الكوثر، فسواء قلنا الماء الذي هو مصدر الحياة وسبب الوجود أو الكوثر الخير الكثير في الدنيا والآخرة.
فأعرض المسلمون الآن عن القرآن، ولو قرؤوه كلَّ يوم ختمة أو في الأسبوع ختمة ففي الحقيقة لم يقرؤوه؛ لأنّ القرآن للعلم والفهم والعمل ثمّ التّعليم. ((ورجل تعلم علماً فنشره، يحشر يوم القيامة أمةً وحده)) فاعملوا، والمسألة ليست بالتّمني ولا بالكسل، فالنبي ﷺ لم يسترح ولا لحظةً واحدة، بل من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
وإذا أسقيناهم ماءاً غدقاً فمع الاستقامة فهناك خطرٌ فلا تغتر، فإذا أسقاك الماء الغدق وأعطاك الخير الكثير وفتح عليك البركات من السماء والأرض، فهذا فحصٌ وامتحانٌ، فهل تكون شاكراً بأقوالك وأعمالك وتستعمل نعمة الله عليك فيما يكسبك رضاءه ويزيدك من نعمه؟ أو تكون كافراً بنِعم الله جاهلاً فتعرِّض نفسك لسلب النعمة في الدنيا والآخرة.
قال: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: 17] ما معنى لنفتنهم؟ يعني نفحصهم فيه، هل يكونون شاكرين أم كافرين؟ طائعين متّقين أم فاسقين عصاة؟ مؤمنين أم كافرين؟ ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ﴾ [الفجر: 15] إذا أراد أن يفحصه ﴿فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ [الفجر: 15] قال الله: ﴿كَلاَّ﴾ [الفجر: 17]، أي أنّ العطاء الدنيويَ ليس دليلاً على الكرامة، إذا ما ابتلاه يعني إذا أراد فحصه، ويريد الله أن يفحصك، فهناك أناس يُفحصون بالعطاء والغنى والقوة والثروة وهناك أناس يُفحصون بالفقر والفاقة، فهذا امتحانٌ ليشكر وهذا امتحان ليصبر، وما معنى ليصبر؟ يعني أن المؤمن والمؤمنة لا ينهزم أمام الأزمات، لا الأزمات المالية ولا الشدائد الاجتماعية ولا تسلطُّ العدو ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139].
قال: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: 17] يعني لا تأمن مكر الله مهما أُعطِيت من خير الدنيا والآخرة، لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يدعو: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالوا: يا رسول الله وأنت تخشى! قال: القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء)) 10 اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، وقد خاطب الله تعالى النبي ﷺ قائلاً له: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 74] وعلى مقامك العظيم إذا ملتَ، فعند الميل ﴿إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ﴾ العذاب المضاعف في الحياة ﴿وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ العذاب المضاعف بعد الممات ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: 75] إذا كان الله عزَّ وجلَّ هو منتقمٌ فمن يخلِّصك من بين يديه؟ نسأل الله أن يرزقنا تقوى الله ويرزقنا الإسلام بمعنى الاستجابة لأوامر الله ولدينه وللعمل بكتابه.
قال: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ نفحصهم فيما أعطيناهم ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ [الجن: 17] ما المقصود من الذكر؟ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ ما الذكر؟ يعني القرآن ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا﴾ ويملكها ﴿عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105] فالذي يكون صالحاً في الدنيا يملك الدنيا، والذي يكون صالحاً في الآخرة يملك الآخرة، والذي يكون صالحاً فيهما يملك الدنيا والآخرة.
﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ [الجن: 17] يعني عن هدي الله ورسالته وتعاليمه ودينه ﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: 17] كيف أنّ الصعود فيه مشقة، وإذا كان الصعود على مثل هذا العمود لا تستطيع الصعود عليه، فهو فوق طاقتك، فيسلط عليك عذاباً فوق طاقتك لا تستطيع دفعه ولا الخلاص منه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 124] هذا في الدنيا، ومفهوم المخالفة يعني ومن أقبل على ذكري فإن له معيشة عظمى وسعادة كبرى، وهل أثبت التاريخ هذه الحقائق؟ أثبتها، كان العرب في اليرموك أربعين ألفاً وهزموا الروم وهم ربع مليون- مئتان وخمسون ألفاً- أليس هذا قرآناً عجباً؟ أليس من العجب أن يهزم العرب- وهم على ما هم عليه- أعظم دول الأرض والعالم آنذاك، أليس هذا عجباً؟ وهم أميُّون وأولئك مثقفون، وهم موحَّدون والعرب ممزقون، ولكن بالقرآن؛ أليس عجباً أن العرب في المدينة من الأوس والخزرج أن يتقاتلوا لأربعين سنة من غير أن يصطلحوا، ثم يوحِّدهم القرآن؟ عندما هاجر النبي ﷺ إليهم وحلَّ الإسلام دارهم توحَّدوا، والعرب الآن كم عرباً صاروا؟ معاني العروبة والقومية والوطنية جميلة لكن الإسلام هل يجحد حق المواطنة؟ وهل يجحد حق القومية؟ لا، فهذه كلُّها جزءٌ من الإسلام، وكما قيل في المثل: “كُلّ الصيد في جوف الفِرا”.
﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16] يعني أعطيناهم، لأن الماء مصدر كل خير وحياة للإنسان، فذكر الماء والمراد منه الخير الكثير ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: 17] فإذا أعطاك الله الخير الكثير من عزٍّ أو مال أو جاه أو حكم أو سلطان أو قوة فلا تغتر وتقول: رضي الله عليَّ، فأنت تحت الفحص لينظر أتشكر أم تكفر ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: 40].
﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ [الجن: 17] سواء كان المعرض فرداً أو عائلةً أو جمعيةً أو أمةً أو بلداً أو قريةً.. إلخ، وإذا أعرضت ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾ [النساء: 124] يعني عن تعاليم القرآن، فهل فهمت القرآن؟ وهل أصغيت إليه؟
استفاد الجن من قراءة النبي ﷺ في الصلاة كلَّ هذه العلوم وهذه الثقافة ورجعوا إلى قومهم كما قال ﷺ: ((تعلَّم علماً فنشره)) رجعوا إلى قومهم منذرين ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ [الأحقاف: 30] فيعلمنا الله كيف أثَّر القرآن في الجن، فتعلَّموا وعلَّموا، يعني هكذا أنتم أيها المسلمون إذا استمعتم للقرآن فتعلَّموا ثم قوموا إلى قومكم منذرين مرشدين معلمين.
المساجد لله
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: 1] وأوحي إليّ ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: 18] في زمن النبي ﷺ لم يكن هناك مساجد، والمقصود من المساجد أماكن العبادة، فيجب أن تكون أماكن العبادة لا يُدعى فيها إلا لله، أمّا أن يُدعى إلى شريك أو إلى ابنٍ فالمساجد لله وحده والعبادة لله وحده، فمنه نستمدُّ الأوامر والنواهي ومنهاج الحياة، والذين استمدوا هذا وسلكوا فيه نجحوا، ليس سنة ولا عشراً ولا عشرين بل وصلوا إلى كلِّ أمة، فإن كنت تدعو إلى العروبة فمن أوصل العروبة إلى حدود فرنسا هل أنت؟ وهل حدث هذا في القرن العشرين؟ ومن أوصل اللغة العربية إلى حدود الصين وجعل كلَّ هذه الأمم وإلى الآن تحجُّ الكعبة وبيت إبراهيم تحت درجة حرارة أربعين وخمسٍ وأربعين درجة، وقد يموت في الطريق وهو متمسك بقلب البلاد العربية وبلغتها وصلاته بها، فمن خدم العروبة؟ ومن أعزَّ العروبة؟ ومن وحَّد العرب؟ ومن جعلهم خير الأمم؟
والآن فإن الناس كلُّهم بخير، لكن مفهوم الإسلام صار مفهوماً مشَّوشاً، فحين يُقدَّم الإسلام بالشكل المشوَّش تتقلَّص النفوس عنه وتبتعد منه، أمّا الإسلام بمعناه الحي كالورد وهو طازج وأول فواح رائحته، فهل يمكن لأحد أن يرفضه؟ والماء المحلَّى المثلج هل يستطيع العطشان أن يُعرِض عنه؟ فنسأل الله أن يرزقنا معرفة الإسلام ومن يُعرِّفنا بحقيقة الإسلام، والمقصود بالإسلام الأخلاق والواجبات والقلب ودوام الذكر حتى تعبد الله كأنك تراه، وهو مقام الإحسان.
فعل أخف الضررين
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18] كان مشركو قريش في المسجد الحرام يدعون اللات والعزى، وكان عدد الأصنام ثلاثمائة صنم حول الكعبة المشرفة، فهل المساجد للأصنام أم لله؟ فلما كان النبي ﷺ في مكة والمسلمون ضعافٌ يطوفون بالكعبة وبأصنامها، فهل يجوز أن تطوف حول الأصنام؟ لكن إذا كنت عاجزاً عن أن ترفعها أو تحطِّمها -فلو حطَّمها النبي ﷺ لقتلوه وتحطَّم الإسلام- فهنا يوجد ضرران، الأول: أن تطوف بالكعبة وبالأصنام، وهذا ضررٌ، والضرر الثاني: أن تحطِّمها فتُقتل مع بقاء الأصنام، فأيُّ الضررين أعظم؟ الضرر الثاني، فعليك أن تطوف بالكعبة ولو كانت الأصنام حولها، لأن إزالتها سينشأ عنه ضرر أكبر وهو بقاؤها وقتلك، ويوجد قاعدة فقهية إسلامية “اختيار أخفُّ الضررين” فإذا خُيِّرت أن يلسعك دبور أو عقرب، والاثنان مضرّان فأيهما تختار؟ تختار لسعة الدبابير، لا لأنك تحب الدبابير ولسعتها؛ بل لأنه لا يوجد لديك خيار إلا بأحد الضررين، وإذا خيرت بين لسعة أفعى ودبور، ماذا ستختار؟ هذه اسمها الحكمة وقاعدةٌ من قواعد الشريعة الإسلامية.. إلخ.
﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: 19] كان النبي ﷺ يقف عند الكعبة ويدعو إلى وحدانية الله وينهى عن الشّرك، ويتجمّع عليه الوثنيّون عبدة الأصنام الكفرة فيشوشون ويصيحون ويصفّرون حتّى لا يسمع أحد القرآن؛ لأنّ العرب على وثنيَّتهم وجاهليتهم كانوا يسمعون القرآن للفهم وليس للنغم كما يسمعه المسلمون الآن، فهل يسمعونه للمعنى أم للمغنى؟ للحروف والقلقلة والتجويد والمدود أم للحقائق والحكم؟ ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: 2].
ولذلك نحن نقرأ ولا نقرأ، ونعلم ولا نتعلَّم، ونسمع ولا نسمع، وهذا لا يجوز، وهذا من جنابة القلب وقد قال الله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 79] فكان الكفار مع كفرهم يسمعون القرآن ويتأثرون به، وبمجرد سماعه يدخلون الإسلام، والآن يسمع المسلم القرآن لكن تربَّت الأجيال الأبناء عن الآباء، والآباء عن الأجداد أن يستمعوا القرآن لا ليفهموه ولا ليعلموه ولا ليطبّقوه ولا ليعلِّموه، وقد قال ﷺ: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) 11 ، لا أن تتعلَّم ألفاظ تلاوته فقط، بل أن تتعلَّم أحكامه وأهدافه وأوامره ونواهيه لتنقلب فيك عملاً وسلوكاً وواقعاً منظوراً، وهذا لا يكون هكذا، فالصحابة كيف صاروا صحابة؟ ففي مكة كانوا دائماً مع النبي ﷺ، ولمّا هاجر النبي ﷺ أُمِروا كلهم بالهجرة، هل إلى المدينة أم للنبي ﷺ؟ وهل أمروا بالهجرة إلى المدينة أم إلى علم النبي ﷺ وحكمته وتربيته؟ ولذلك كان أعظم لقبٍ ولا يزال في الإسلام هو لقب الصّحبة والصّحابي، فالصّاحب دائماً يكون مصاحباً لصاحبه، فإذا ما كنت هكذا مصاحباً للعالِم النبوي الوارث المحمدي؛ صحبة الجسد باللّقاء، وصحبة الرّوح برابطة الحبّ الحقيقي، فإن أحببت مالك فتقضي ليلك ونهارك في خدمته، وكذلك زوجتك وأهلك، أمّا الصحابة فقد كانوا يحبّون النبي ﷺ أكثر من مالهم وأهليهم وأرواحهم التي بين جنبيهم، ولذلك بهذا الارتباط والصّحبة المعنوية الرّوحية مع الجسديّة صاروا كما وصفهم النّبي ﷺ: ((علماء حكماء كادوا أن يكونوا أنبياء)) 12 ، وقال ﷺ أيضاً: ((لو كان بعدي نبي لكان عمر)) 13 .
فلمّا كان النبي ﷺ يدعو إلى الله بالقرآن أو بكلامه كانوا يتجمَّعون عليه هازئين مشوِّشين مصفِّرين مصفِّقين، يتلبَّدون عليه؛ كيف أنّ الصّوف يتلبَّد فوق بعضه البعض! وهكذا كانوا يتجمَّعون عليه.
﴿قُل﴾ لماذا تتجمّعون وتحاربونني ولماذا تؤذونني فما ذنبي أنا؟ ليس لي عمل إلا أن ﴿أَدْعُو رَبِّي﴾ أدعو إلى ربي وإلى وحدانيَّته وإلى مدرسته وثقافته التي تنقلكم من الذلِّ إلى العزّ ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: 123]، وقال أيضاً: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8] فيصير عزُّك من عزة الله الدائمة، وهل عزّ الله دائمٌ أم منقطع؟ هل من الممكن أن يكون الله عزيزاً مرّة وذليلاً مرّة أخرى؟ فعزَّته دائمة، كذلك ما دمت مؤمناً الإيمان الحقيقي فعزَّتك دائمة، فإذا انقطعت عن الإيمان الحقيقي فتنقطع عن هذه العزّة الدّائمة.
فنسأل الله أن يجعلنا مسلمين، ماذا يعني مسلمين؟ أي مستجيبين عاملين، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133]، وقال أيضاً: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ [الحديد: 21].
﴿قُلْ﴾ لماذا تتجمَّعون عليَّ وتتآمرون عليّ وتريدون محاربتي بالأذى وبالكلام وبالفعل وبضرب أصحابي وتعذيبهم، فما ذنبنا؟ ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾ هذا ذنبنا ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 20] لأنّ هذه الأصنام التي تجعلونها آلهة ماذا أفادتكم من مئات السّنين؟ سوى أنّكم مسختم عقولكم وطلبتم من الحجر أن يعطيكم عقلاً وفكراً ونفعاً ورَشَداً، فالطفل الصّغير لا يطلب من حجرٍ قطعة حلوى، أليس كذلك؟ فكم كان العقل العربيُّ منحطاً بأن يطلب كلّ شيء من الأصنام والأحجار.
﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ [الجن: 21] إذا لم تستجيبوا لي فأنا لا أملك إلّا التّعليم والبلاغ والإرشاد وهديكم ودلالتكم على الخير، وهذه مسؤولّيتي وأمّا مسؤوليتكم فأن تستجيبوا، فإذا لم تستجيبوا فقد أدَّيت واجبي والمسؤولية عليكم.
﴿لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا﴾ فإذا تعدَّيتم عليَّ فلا أملك القوة أن أضرَّكم كما تضرونني، وفي حالة الضعف ﴿قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ: 26].
انظر إلى السّياسة القرآنيّة في كلِّ الأمور، ففي حال الضعف كيف تكون سياسة الدّعوة، وفي حال القوّة كيف تكون، وقد ملك النبي عليه الصلاة والسلام جزيرة العرب فماذا فعل مع من أرادوا به الهلاك وإطفاء دين الله، وصاروا تحت حد سيفه قال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) 14 ، وأعطى كل الغنائم للطلقاء، فهذه سياسة الدّولة المحمّديّة والسياسة الإسلامية في معاملة الأعداء، وأمّا الذين بلغوا من الإيمان النّضج وجدوا في أنفسهم شيئاً وحزنوا أنّهم قاتلوا وكانوا سبباً للغنائم ثم أعطيت لغيرهم، فجمعهم النبي ﷺ وقال لهم: ((أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون أنتم برسول الله؟ إذا أعطيت من أعطيت فإنّما أعطيتهم تألفاً لقلوبهم، وأما أنتم فوكلتكم إلى إيمانكم)) 15 ، فهل تحتاجون رشوة على الإيمان، فهؤلاء أتألَّفهم، وهؤلاء الأعداء الذين حاولوا قتله وقتلوا ابنته ولم يدَعوا نوعاً من أنواع الإيذاء في جسمه وسمعته وأهله ودعوته إلا فعلوه، فماذا قابلهم؟ كما قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ [المؤمنون: 96] ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور: 22] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 134].
﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ [الجن: 22] فأنا مأمورٌ بتبليغ الرّسالة، وإذا لم أبلِّغ فسيحاسبني الله عزَّ وجلَّ حساباً شديداً، وإذا حاسبني وعاقبني فلن يخلِّصني أحد من عقوبته.
﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن: 22] لا يوجد ملجأ من الله إلّا إليه، ﴿لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾ [التوبة: 118] وتعني “إليه” أن تعود إلى طاعته وهديه والعمل بقرآنه، فهذا هو الملجأ وهذا هو الملتحد، لا أملك ﴿إِلاَّ بَلاَغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ﴾ [الجن: 23]، فأنا مأمورٌ ولا أملك إلا أن أبلّغ، فحياتي كلّها للتبليغ وكلّها للدّعوة والتّعليم ولإخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور.
﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ إذا لم تستجيبوا ﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن: 23] ومن يعصِ الله ورسوله.. فالعرب الوثنيون بهذا القرآن وبهذا المعلّم ماذا صاروا؟ وإلى ما تحوّلوا؟ صار منهم الصديقون والشهداء والصّالحون، وكانوا خير أمة أُخرِجت للنّاس، وخير القرون والأجيال قرني 16 ، يعني عصره ﷺ.
تهديد الله عزَّ وجلَّ للمعرضين عن القرآن الكريم
﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ [الجن: 24] فهذا تهديدٌ من الله لهم أنّه إذا استمريتم على إعراضكم عن الله وعن رسوله وعن هديه ورسالته سيأتيكم ما هدَّدكم الله به إمّا في الدّنيا وإمّا في الآخرة، أو في الدّنيا والآخرة، فالذين لم يستجيبوا إلى نداء الله ونداء السّماء قتلهم الله في بدر شرّ قتلة، حتى صدق الله وعده وأعزَّ جنده ونصر الأحزاب وحده.. فالآن يا ترى إذا استجبنا هل يصدق الله معنا وعده؟ نسأل الله أن يردَّ العرب والمسلمين والعالم كلَّه إلى صراط الله وإلى رسالات السّماء.
قال: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ [الجن: 24] فإذا نزل العذاب وتحقّق وعيد الله وتهديده ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا﴾ [الجن: 24] كانوا يغترّون بقوّتهم عندما كان الإسلام ضعيفاً، وعندما ينزل عذاب الله يعرفون من الضّعيف ومن القوي ومن الذي عدده قليلٌ ومن الذي عدده كثير.
﴿قُلْ﴾ فكانوا يقولون: متى هذا الوعد؟ سواءٌ حساب الله في الآخرة أو انتصار المسلمين على الوثنيين، ففي الدنيا عندما هُزِموا في بدر أنزل الله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: 45] فهزم جمعهم وولوا الأدبار ونصر الله الإسلام، فصدق وعده في الدنيا، وفي الآخرة ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا﴾ [الجن: 24] فهناك أناس لا يصدّقون حتى يروا بعينهم، ألا يقول هكذا المثل؟ فنسأل الله أن يرزقنا الإيمان بالغيب، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾ المكافأة الحسنى ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26] على ما تستحق.. فنسأل الله أن يجعلنا من “للذين أحسنوا الحسنى”.
﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾ [الجن: 24] فالذي ينصره الله هل هذا يكون ناصره ضعيفاً؟ والذي يكون الله معه هل يكون عدده قليلاً؟ لكن يكون الله معك عندما تكون أنت مع الله، يعني مع أوامره وكتابه وذكره وطاعته وحكمة القرآن، فالغباء مع التّقوى ليس اسمه الاستجابة الكاملة، وقبل مئة سنة كانت تقوى النّاس أكثر، لكن كان هناك غباء، ولم يكن هناك استعمال العقل والفكر، وكذلك كان الوضع قبل مئتي وثلاثمائة سنة، فنهضت أوروبا بعلوم المسلمين ونام المسلمون لإهمالهم استعمال العقل والفكر.
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 26] متى ينزل الله القصاص والعذاب على مستحقه في الدّنيا؟ لا أحد يعرف، وكذلك قيام السّاعة والحساب لعموم الخلق وعلى كلّ الأعمال وموعد القيامة لا أحد يعرفه، لذلك يجب أن يكون الإنسان مهيئًا في كلّ لحظة أنّه إذا دُعِي إلى المحاكمة أن يكون بريئاً ويستحقّ الجوائز على أعماله الصّالحة.
﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: 26- 27] اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا ممن يُحسِن تلاوة القرآن ويحسن استماعه وفهمه وتعليمه.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (15667)، (3/439)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (432)، (20/193)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، بلفظ: ((اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ ارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْهُ)).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدرا، رقم: (3802)، (4/ 1476)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، رقم: (2873)، (4/2202)، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، بلفظ: ((هَذِهِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُلْقِيهِمْ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا، قَالَ مُوسَى قَالَ نَافِعٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُنَادِي نَاسًا أَمْوَاتًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ))، وهذا لفظ البخاري، وعند مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
- حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
- سنن ابن ماجه، عن عَبْد اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، رقم: (1079)، سنن الترمذي، أبواب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم: (2621)، سنن النسائي، كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، رقم: (463)، جميعهم بلفظ: ((إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمِ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)).
- مسند أبي يعلى، عن أنس بن مالك، رقم: (2790)، (5/176)، بلفظ: ((ألا أخبركم عن الأجود الأجود؟ الله الأجود الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علما، فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة واحدة، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل)). والمنذري في الترغيب والترهيب. ابن عدي في الكامل (1/357) عن أنس.
- سنن ابن ماجه، عن أنس بن مالك، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
- حديث: ((ليس منِّي إلَّا عالم أو متعلِّم)) كنز العمال للهندي (28804)، وابن النجار "فر" عن ابن عمر. وأحاديث أخرى ورد فيها ما يساند هذا الحديث: الترمذي في سننه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (4/139) ونصه: "أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرُ اللهِ وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ". أو حديث في مسند الفردوس للديلمي، (3/419)، وفي المعجم الكبير للطبراني، عن عبد الله، رقم: (10461)، بلفظ: «الناس رجلان؛ عالم ومتعلم، ولا خير فيما سواهما». الجامع الصغير، للسيوطي، وقال: (ابن النجار والديلمي في مسند الفردوس) رقم: (10410).
- الحلية لأبي نعيم (5/189) و(10/70)، من حَدِيث أبي أَيُّوب «من أخْلص لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهرت ينابيع الْحِكْمَة من قلبه عَلَى لِسَانه». ومصنف ابن أبي شيبة رقم: (34344)، (7/80)، ومسند الشهاب للقضاعي رقم: (466)، (1/285).
- متفق عليه، صحيح البخاري، عن عبد الله بن زيد، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، بلفظ: كنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم ...رقم: (4330)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ...، رقم: (1061). ولفظ البخاري: عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال ((لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟...)).
- سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن، رقم: (2140)، (4/ 448)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12128)، (3/112)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بلفظ: قال ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كيف يشاء)).
- صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه، رقم: (5027) عن عثمان رضي الله عنه. سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في تعليم القرآن، رقم: (2907).
- حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
- الترمذي، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ))، رقم: (3686). وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، رقم: (519)، (1/356). والمستدرك، الحاكم، رقم: (4495)، (3/92).
- السنن الكبرى للبيهقي (18276)، (9/199) عن الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُف، الثقات لابن حبان (2/56).
- تقدم تخريجه.
- حديث: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)) متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، رقم: (2509)، وكتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، رقم: (3451)، وكتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، رقم: (6065)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضى الله تعالى عنهم، باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، رقم: (2533). أبو نعيم في حلية الأولياء (4/189) عن عمر بن الحطاب.