تاريخ الدرس: 1994/05/27
في رحاب التفسير والتربية القرآنية
مدة الدرس: 01:31:06
سورة الجن، الآيات: 1-13 / الدرس 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل التّحيّات والتّسليمات المباركات على سيّدنا محمّد خاتم النّبيّين والمرسلين، وعلى أبيه سيّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيّدنا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النّبيّين والمرسلين، وبعدُ:
كيف يكون إحياء سنة الأنبياء
قد سبق معكم تفسير سورة نوح، وكان العهد بيننا أن يحيي كلَّ واحد منكم الغاية والهدف من تلاوة سورة نوح؛ وذلك بأن يقوم بالدّعوة إلى الله مهما كان الطّريق وعراً، ومهما كانت الصّعوبات والأشواك إحياءً للقرآن في سورة نوح.. ولا يكون الدّاعي داعياً حتّى يتصل قلبه بروح الله، وتَنقَشِع ظلماتُه عن سماء القلب فيستمدّ النّور والطّاقة الرّوحيّة المؤثِّرة في القلوب والنّفوس، فتنفعل النّفوس وتستجيب لدعوته بحسب كثافة ظلماتها ورقَّة حجابها، فمن تهيَّأ هذا التّهيؤ وقام بالدّعوة فيكون قد قرأ سورة نوح حقَّ قراءتها، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [البقرة: 121].
فلا تظنَّ أنّك آمنت بالقرآن ولو حفظته عن ظهر قلب إذا لم تقرأه حقَّ قراءته تفهُّماً وإيماناً يُخالِط لحمك ودمك وروحك، حتّى تصير أنت القرآن، فقد سُئِلت عائشة رضي الله عنها عن خُلُقِ رسول الله ﷺ فقالت: ((كان خلقه القرآن)) 1 ، فإذا قرأ القرآن انطبعت فيه صفات نوح ودعوته وإيمانه وصبره وعدم يأسه وعدم قنوطه من العمل.. يقول النبي عليه الصلاة والسلام في تقوية عزيمة المسلم في المدرسة الإسلامية حيث لا ينهاه عن اليأس فقط، بل إذا كان اليأس قائماً ومحقَّقاً عمليّاً ومُشاهدةً: ((إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة)) 2 . والفسيلة: هي النَّصبة والشّجرة الصغيرة عندما تُزرع أول زراعتها.. فإذا قامت القيامة فما الفائدة من غرس الفسيل؟ لا يوجد فائدة، فإذا كان ميؤوساً من ثمرها ومن نتاجها، فاليأس قائمٌ والفائدة غير مرجوَّة ولا واحد بالمليون، وذلك لأنّ الإسلام دين العمل وعدم الكلل فإذا قامت القيامة؛ قيامة خراب الدّنيا، فإذا قامت قيامة دكانك ولم يبقَ فيها رأس مال إلّا عشر ليرات فلا تُغلِق دكانك ولا تقطع سبب الرّزق، وإذا دعوت إنساناً ومهما دعوته إلى الله فلم يستجب فلا تيأس من هدايته لكن عليك أن تواصل العمل على أساس أنّك تُنفِّذ أمر الله وليس عليك إلّا تنفيذ الأمر، فقد قال الله تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52] وفي آية أخرى قال له: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: 56] فكيف تهدي في آية وفي أخرى لا تهدي؟ فحسب الظاهر هناك تناقض! لكن الجواب أن معنى إنّك لتهدي: يعني لتعلّم وترشد وتدعو إلى الله مبشِّراً ونذيراً، وهذه هداية الدّلالة والتّعليم والإرشاد، أمّا وصول الناس للهداية فهذه بيد الله، فوظيفتك أن تعلِّم وتُرشِد وتأمر بالمعروف بالحكمة والموعظة الحسنة، أمّا هداية الخلق فبيد الله عز وجل.
فمن منكم فكَّر وعزم أن يحيي سورة نوح وينقلها من حبرٍ أسود على ورقٍ أبيض في صفحات القرآن إلى الواقع العمليِّ ليحيي سُنَّة نوح التي أحياها رسول الله ﷺ؟ وقد قال الله تعالى للنبي ﷺ: ﴿أُولَئِكَ﴾ عن الأنبياء ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90] أُمِر إبراهيم بذبح الولد فقال له: إذا أمرك الله بذبح ولدك ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90] وإذا هدّدك النمرود بأن يُلقيك في النار وأنت في هَوْيَة المنجنيق إلى الجحيم، فلا تخف ولا تجزع ولا تنقطع ثقتك بالله عزّ وجلّ، وبينما إبراهيم في هوية المنجنيق ظهر له جبريل فقال له: “هل لك من حاجة؟” وهل هذه تحتاج إلى سؤال؟ فإذا كان وقت الإفطار في رمضان وقال أحدهم للآخر: “هل أنت جائع لأحضر لك الطّعام؟” وهو لم يأكل من الفجر إلى غروب الشمس، أليس جائعاً؟
قال له: “ألك من حاجة؟” قال: “أمَّا إليك فلا”، فقال له: “سل ربّك”، قال: “حسبي من سؤالي علمه بحالي”، هذا حال الأنبياء وهذه حالات الكُمّل من الأولياء ولا نستطيع أن نقلِّدهم ويجب أن نكون من وراء الأسباب والسّؤال والتّضرّع، لكن بلغ بهم من اليقين أنّهم مع الله ومع أمره ومع شريعته بكلِّ ما يملكون من طاقة.. فأريد أن أسألكم حتّى أعلم هل تعبي يذهب ضياعاً أم أن البذور ستصبح زرعاً؟
فبعد سورة نوح هل ذهب أحدكم إلى جيرانه أو أهله أو رفاقه ودعاهم إلى الله عزَّ وجلَّ؟ قد يقول: “ذهبت أربع وخمس مرات ولا يوجد فائدة”، وسيّدنا نوح عليه السلام كم مرَّةً ذهب؟ وبكم أسلوبٍ عمل؟ سرّاً وجهراً، منفرداً ومع الجماعة، ليلاً ونهاراً، هذا هو الإسلام: بأن تستجيب لأمر الله عز وجل بعد أن تتفهمه وبعد أن تهيِّئ قلبك وهو موضع الطّاقة الرّوحيّة التي تعطيك قوة الاندفاع ثمّ قوة التّأثير، فإذا لم يكن لديك قوة الاندفاع فمهما قرأت القرآن على القراءات السّبع أو العشرة أو الأربع عشرة، ومهما قرأت التّفاسير والكتب وأخذت الشّهادات.. فالمقصود من العلم أن تعلِّم الناس الخير ولتقتدي برسول الله ﷺ وتنقل النّاس من الظلمات إلى النور، هذا شأن العلم.. ولا تظنّوا أنفسكم أنّكم لستم بعلماء، فمجلسنا هذا الذي نحن فيه مجلس علم، فأنا معلِّم وأنتم متعلِّمون، فإذا عمل الإنسان بعُشرِ ما يعلم يصير من السّابقين، وإن شاء الله نفعل ذلك مئة بالمئة، ولماذا في دنيانا نريد أن نعمل ألف بالمئة وفي ديننا لا نعمل مع وجود نتائجه ومكاسبه الخالدة والحاليّة؟ فامتثال أمر الله استيعاباً لأوامر الله تُوجِب للمؤمن النّجاح والسّعادة في جسده وروحه وفي دنياه وآخرته، وفي ماله وتجارته، وفي حُكمه وسياسته، وفي أسرته وعائلته، فلا ترضوا بإسلام الأماني أو الانتساب إلى الإسلام، فالإسلام علمٌ بكتاب الله يوجب العمل الذي يحتاج إلى الإيمان الحقيقي، وحكمةٌ تملأ العقل والفكر فلا تقول ولا تعمل إلّا صواباً، وتزكية للنفس وتطهيرها من رذائلها، وانتقالٌ إلى فضائلها.
فلن أترككم من السؤال: فهل فكَّرتم في الأسبوع الماضي أن تحيوا سورة نوح في حياتكم العمليَّة وفي سهراتكم وبيتكم وفي السوق وفي الحافلة؟ ألم يقل الله عزَّ وجلَّ عن نوح: ليلاً ونهاراً وسراً وجهراً؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفقنا لإحياء هذه الآية: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [البقرة: 121].
أثر القرآن في الجن
فنحن الآن في سورة الجن، والجنُّ عالمٌ لا تراه العيون، وقد قال الله تعالى عن هذا العالَم: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ﴾ [الأعراف: 27] أبناء جنس الجنّ ﴿مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: 27] وهم مخلوقاتٌ مكلَّفون بامتثال أوامر الله واجتناب محارمه، وإبليس كما ورد في القرآن: ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50] إلى درجة العناد وإلى درجة المجادلة والمناظرة مع الله والمحاربة لله.. فانظروا إلى أفسق فاسقٍ وهو إبليس وكيف أنّ الله لا يعجل عليه، فلا تغترَّ إذا عصيت الله ولم يتعجَّل الله عليك بالعقوبة، فلا تظنَّ أنّه قد تركك، فنسأل الله أن يرزقنا من معرفة الله ما يُوجِب علينا خشيته.
وقبل هجرة النبي ﷺ بثلاث سنوات، كان ذاهباً إلى سوق عكاظ- كان يقام حول مكة والطائف وكان سوقاً تجارياً مثل المعارض الحالية- فذهب النبي ﷺ إلى “المعرِض” مجتمع النّاس ليعطيهم درساً ويبلِّغهم رسالة الله، فهل فكر أحدكم بذلك؟ أليست من السنة النبوية كاللحية والسواك وتقصير الثوب؟ فهذه أمورٌ بسيطة، وكذلك أن تفتح رجليك في الصلاة وتزعج النّاس فهذه غلظة، أمّا أن تذهب إلى المجتمع وإلى السّينما وتصعد المسرح وتذكِّرهم باللّغة التي يفهمونها فهذا من الإسلام.
فذهب النبي ﷺ إلى سوق عكاظ ومعه بعض أصحابه فأدركتهم صلاة الفجر، وأثناء الصّلاة كان الجنّ يسترقون السّمع من السّماء- وحي الله للملائكة الذي يبلِّغه للنبي ﷺ أو من أوامر الله وأقداره- ففوجئوا برَصَدٍ ربَّانيٍّ إلهيٍّ يمنعهم من استراق السّمع فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال لهم: ما حصل هذا إلّا لأمرٍ حدث في الأرض اذهبوا فانظروا ما السّبب؟ فبعضهم وجدَ النبي ﷺ في طريقه إلى سوق عكاظ يقرأ القرآن في صلاة الفجر.
فسورة الجن تذكر هذه الواقعة وما حدث فيها مع الجنّ، فالقرآن دعوة الله للمخلوقات إلى صراط الله المستقيم وإلى سعادتهم، فكان النبي ﷺ يصلّي إماماً وليس عنده علمٌ بحضورهم واستماعهم، فأوحى الله إليه وأخبره بما وقع فقال له: ﴿قُلْ﴾ أي يا محمّد للنّاس ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ الإيحاء: هو العلم الذي يقذفه الله في قلب النبي ﷺ من غير صوتٍ ولا كتابةٍ ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: 1] والنّفر من ثلاثة إلى تسعة، ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1] تأثَّروا بالقرآن، وصار عندهم تفاعلٌ في نفوسهم بشكل تغلَّب عليهم، وصار في مركز القيادة في شؤونهم وأعمالهم وحياتهم بمجرد استماع القرآن من إمامٍ في الصّلاة، فما أصفى قلوب الجن وما أرقَّ أرواحهم ونفوسهم حيث أنّهم تأثَّروا بتلاوة القرآن من قراءة الإمام في صلاته! فهل يستمع المسلمون القرآن مثلما كان الجن يستمعونه؟ يسمع أحدهم لأعذب الأصوات بأحسن التّجويد فإذا فهم الجدار شيئاً يكون هو قد فهم! [يعني أنه جامد كالجدار لا يفهم شيئاً أبداً] فهذا ميِّت القلب، وهذا يحتاج قبل القرآن أن يَدْخُل قلبُه في مشافي القلوب بإشراف أخصائيِّي القلوب الذين يُعالِجون أمراض القلوب من قسوتها أو ريائها أو حبِّها للدنيا الذي هو رأس كل خطيئة 3 ، وحبُّ الدنيا هذه كلمة كبيرة، فالدّنيا كلُّ شيءٍ يحجبك عن الله وعن ذكره وعن طاعته قليلاً كان أم كثيراً فهذا اسمه دنيا، وكلُّ شيءٍ يُقرِّبك إلى الله أو يزيدك منه قرباً فهذا من الدّنيا الحسنة، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [البقرة: 201] كما أنّ هناك دنيا حسنة يوجد دنيا سيئة، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل دنيانا دنيا حسنة وحياةً حسنة.
حال المسلمين بعد تطبيقهم القرآن الكريم
﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1] شيءٌ بديع وشيءٌ عظيم فما العجيب والبديع الذي يأخذ بالقلوب والعقول؟ قال: ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 2] إلى الحقائق والسّعادة وينقل الإنسان من الجهل إلى العلم ومن الذّلّ إلى العزِّ ومن الضّعف إلى القوّة ومن الفقر إلى الغنى، قال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىً﴾ [الضحى: 8]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: 123] وقال أيضاً: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8] من الضّعف إلى القوة ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا﴾ [الأنفال: 65] فكيف جعل الواحد بقوّة العشرة؟ وهل هذه النقلة من قوّة إلى ضعف أو من ضعفٍ إلى قوة؟
والمسلمون الآن مليار مسلم، وهل يزيد الذباب مجداً وفخراً كثرة العدد؟ قد يقول عالَم الذّباب: “نحن مليار مليار في العالم لذلك نحن أعظم الأمم”، فهل يشرّفهم ضخامة العدد؟
وفي الإسلام لما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر كتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنّ معه من الجيش أربعة آلاف، ولا تُفتح مصر إلا باثني عشر ألفاً فأرسِل لي ثمانية آلاف حتّى أفتح مصر، فأرسل له سيدنا عمر أربعة آلاف مقاتل وأربعة أشخاص من الصّحابة، وقال له: “عندك أربعة آلاف، وهذه أربعة آلاف، وأربعة من الصحابة كلُّ واحدٍ بألف”، فيا تُرى أمتنا الواحد منها كم يساوي؟ وألفُنا كم واحداً يُعَدّ؟ وإسرائيل ثلاثة أو أربعة ملايين شخص والعرب كم مليوناً؟ مئتي مليون ولا حاجة للشرح والتتمة.. لماذا؟ لأننا بعيدون عن فقه الإسلام وعن التربية الإسلامية والمربّي الذي يربّي العقل الإسلامي والنّفس الإسلاميّة والأخلاق والسّلوك والحكمة والعلم.
قال تعالى: ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1] بديعاً عظيماً، فمن عظمته حين أتى لم يكن العرب أمّةً، بل كانوا قبائل ضائعة في الصّحراء كلَّ يوم بمكانٍ فجعل منهم أعظم وأقوى وأعلم وأرقى أمّة، أليس أمراً عجيباً؟ بكم مئة سنة؟ بعشر سنوات في المدينة وثلاث عشرة سنة في مكة وبرجل واحد وكتاب واحد.. وعندنا كتبٌ مثل الجبال وأساتذة بالألوف وعشرات الألوف، وناقل سرعتنا ليس موضوعاً على الحركة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ولا الرابعة، [إشارة إلى ناقل السرعة في السيارة، فلما تقلع السيارة يجب أن يكون الناقل على الرقم أو الحركة الأولى، ثم يُنقَل إلى الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة لتزداد سرعتها] كما قال عمر رضي الله عنه: “نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام” ما الإسلام؟ الاستجابة إلى أوامر الله، هذا هو الإسلام، فلا تقل عن نفسك مسلماً وأنت لم تستجب لأوامر الله.. ما الطب؟ أن تأخذ الثّانوية وبعدها تدخل كليّة الطّبّ وبعد الفحوص والنّجاح تأخذ لقب “طبيب”، والطيَّار أي الذي دخل في كلّيّة الطّيران وبعد التّدريب والفحوص والنّجاح أخذ لقب “طيَّار”.. والإسلام بعد العلم والحكمة والتّزكية بالاستجابة إلى أوامر الله في أعماله وتفكيره وأخلاقه، فهذا يستحقّ لقب “إسلام” وأن يلقّب بلقب “مسلم” فإذا كان هذا المسلم، فكم عدد المسلمين في المجتمع؟ كم واحداً بالمئة أو بالعشر آلاف أو بالمئة ألف! لا أريد أن تجيبوا ولا أن أجيب؛ بل أريد أن نجتهد كي نأخذ هذا اللّقب بجدارة وواقعيّة وحقيقة.
لمن الهداية؟
﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 2] يهدي من؟ يهدي النّفوس الطّاهرة والزّكيّة والكاملة، ولا يهدي النّفوس الخبيثة، فما اهتدى بالقرآن أبو جهل ولا أبو لهب.. فالميت مهما أعطيته من غذاءٍ أو دواء فهل يفيده شيئاً؟ وكذلك أموات القلوب لا تفيدهم العِظة ولا الذّكرى، قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ (80) وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بَِٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ (81)﴾ [النمل: 80- 81].
فما يُقال عن التّصوف: فالتّصوُّف هو مدرسة الإيمان قلبيّاً وربّانيّاً ونورانيّاً وأخلاقاً وتزكية وطهارة للنّفوس، وبعد ذلك إذا أتى القرآن يجده كالأرض المحروثة المنقّاة [من الحشائش الضّارة] التي ألقي فيها البذر فيأتي الماء فتنبت من كلّ زوج بهيج.
﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 2] إلى الطريق الصحيح والطريق الرشيد النافع المسعِد في كلّ ميادين الحياة، ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: 2] من كل قلوبنا إيمان التّصديق وإيمان العمل وإيمان الدّعوةِ والتّعليمِ والتّبليغِ والإرشادِ، لأنّ الله عزَّ وجلَّ يقول في سورة الأحقاف: ﴿فَلَمَّا قُضِيَ﴾ استماعهم القرآن من النبي ﷺ ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِين﴾ [سورة الأحقاف: 29] رجعوا إلى قومهم مبلِّغين ومرشدين ومعلِّمين ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا﴾ لم يسمعوا كلّ الكتاب بل بعض الكتاب ﴿أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ كلُّه حقائق ﴿وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأحقاف: 30] فالذين اهتدوا بهداية القرآن هل رشدوا؟ ألم يكونوا رشيدين وناجحين؟ وفي حروبهم ألم يكونوا منتصرين؟ وفي ميادين العلوم ألم يكونوا أعلم أهل زمانهم؟ وفي وحدتهم ألم يكونوا صفَّاً واحداً كأنّهم بنيان مرصوص؟ وفي غناهم ألم يكونوا أغنى أمم الأرض؟ فعلينا أن نقرأ القرآن ليس للتبرُّك فقط ولا لمجرد الكلام بل للعلم والعمل والتّبليغ.
حرص عمر رضي الله عنه وجاره على تلقي العلم والحكمة
كان لسيدنا عمر رضي الله عنه جارٌ وكان سكنهم خارج المدينة، فكانا يتناوبان فيوم يأتي عمر إلى المدينة ويعمل جاره في مزرعته، وعندما يعود عمر في المساء يبلِّغه كلّ ما سمعه من رسول الله ﷺ، وفي اليوم التالي كان عمر رضي الله عنه يبقى في مكانه وأعماله الحياتية ويذهب جاره، وعندما يعود في المساء يبلِّغ عمر كلّ ما سمعه من رسول الله ﷺ، فكان أحدهم لا يترك مجلساً من مجالس العلم مع أعمالهم الدّنيويّة والحياتيّة، هذا الإسلام! فلا تظنّ أنّك بمجرد أن تقول: “أنا وزير” يقدِّمون لك التحية، وإذا قلت: “أنك رئيس وزراء” تظن أنّ كلّ الوزراء يقولون لك: “سمعنا وأطعنا”، فهذه أماني وغرور وطفولة في العقل والإسلام والدّين.
حال المسلم الآن مع القرآن الكريم
﴿سَمِعْنَا قُرْآنًا﴾ [الجن: 1] فهل عندما يقرأ المسلم القرآن أو يستمع له يرى شيئاً عجباً؟ لا يرى عجباً ولا غير عجب، ولا يفهم الواضح ولا الذي يحتاج التوضيح والشرح، ومعنى ذلك: أنّه لا يريد فهم القرآن ولا يريد فهم أوامر الله، فإذا كان لا يريد فهم أوامر الله فهل من المعقول أن ينفِّذها؟ لذلك كلمة “مسلم” تعني: المستجيب لأوامر الله، والإسلام: هو الاستجابة لأوامر الله، وهل تستجيب لأوامر الله إذا لم تعرفها حقَّ المعرفة وتعلمها حقَّ العلم؟ لا يمكن، فلذلك جِدُّوا واجتهدوا ولا تيأسوا.. ((وإذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)).. فأيُّ حكيمٍ أو أيُّ فيلسوفٍ قال مثل هذا الكلام؟ -صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله- لذلك جعل من الأميّين ومن رعاة الشّاة والجِمال المتقاتلين والمتعادين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى وتنادى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى.
قال: ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: 2] فهل إيمان القول واللّسان أم إيمان القلب والعمل؟ فصيروا مثل الجنّ وقولوا: “آمنا به” لكن كإيمانهم، وقد رجعوا إلى قومهم منذرين، الآن أليس مجلسنا هذا مجلس قرآن؟ فهل ستعودون إلى أهلكم منذرين؟ فإذا قرأتم سورة الجن حقَّ تلاوتها فكلُّ واحدٍ منكم يعود إلى أهله أو جيرانه أو أصحابه منذراً ومبشراً ونذيراً، ويبشرّه النبي ﷺ بقوله: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها)) 4 . مثلاً إذا قالت الدّولة: من يحضر في المكان الفلاني غداً سنعطيه بطاقات ليأخذ المواد التّموينية [الغذائية] بسعر مخفَّض كلّ شهر، فما موقف المستمعين عندما يسمعون هذا البلاغ؟ هل يوجد أحد يتخلَّف عن ذلك؟ ربّما من الألف يتخلف اثنان أو ثلاثة، فهؤلاء سمعوا البلاغ حقّ الاستماع.. فهل المواد هذه أغلى أم أنّ الجنة أغلى وسعادة الدّنيا والآخرة أغلى؟
فأكثروا من ذكر الله واربطوا قلوبكم بأحباب الله برباط الحبّ، وعلى أن يكون هذا الرباط بلا حدود، فأصحاب رسول الله ﷺ كانوا يحبّون النبي ﷺ بلا حدود، فإذا أحدهم أحبّ النبي ﷺ بلا حدود فمن المنتفع المحبُّ أم المحبوب؟ فإذا أحببنا الله من كلّ قلوبنا فمن المنتفع الله أم نحن؟ وكذلك إذا استطعنا أن نقوِّي رابطة الحبّ مع ورثة رسول الله ﷺ فمن المستفيد المحبُّ أم المحبوب؟ اللّهم اجعلنا من المتحابّين فيك المتجالسين فيك. ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 2] فالقرآن هدى العرب إلى الرّشد والخير والعز وإلى الوحدة والقوّة والحضارة حتّى صاروا شمس وقمر عصورهم- رضوان الله عليهم- فكانت جزيرة العرب قبائل ضائعة في الصحراء فصارت جزيرة العرب من حدود فرنسا وإلى حدود الصّين جغرافياً وإيمانياً، وتجاوزت بعد ذلك حتى وصلت إلى إندونيسيا، والآن وصلت إلى أمريكا وبالإسلام الحالي الذي تعرفون، فكيف لو صار الإسلامُ بمعناه الحيِّ قلباً وحكمةً وفِقْهاً للقرآن علماً وعملاً وتبليغاً وإرشاداً؟ أقسم أنّ الواحد لا يكون عشرة ولا مئة ولا ألفاً، ففي القرآن هناك إنسانٌ أعلى من ذلك، وهو قول الله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل: 120]، وهناك واحدٌ يجعله الله أمّة؛ لأنه يكون روحاً يخالط الأُمة فيحيي قلوبها بنور الله وعقولها بحكمة الله ونفوسها بالعلم والسّعادة، وهذا هو الإسلام وهذا هو القرآن، ولا يوجد شيء شاق، فالقصة قصة علم وتصميم.. فالصّوم الطبي معروفٌ بأن يترك الواحد الطّعام إلى أربعين يوماً ولا يأكل لقمة واحدة إلّا الماء، ليل نهار، وهناك أناسٌ كُثُر إذا تأخر غداءهم ساعة ربّما يشتمون الدِّين، لماذا هذا أربعين يوماً ولا يشكو بل تجده فرحاً مسروراً؟ فالقضية إرادة وعدم إرادة، يقين وعدم يقين، إيمان وعدم إيمان، فلا تكونوا الإنسان الضّعيف الجهول الذي يميت طاقاته وإرادته، ومن الممكن أن يصير أحدكم إنساناً عظيماً، وكم منكم من أتى إلى المسجد وهو إنسانٌ أميٌّ، فبفضل الله وببركته صار عالماً ومعلّماً ومرشداً ومربّياً، وذلك بحسب همّته وإرادته وفضل الله، والله عز وجل جعل منه الخير والثّمر والفائدة لمجتمعه.
﴿سَمِعْنَا قُرْآنًا﴾ [الجن: 1] فبالسماع رأوا شيئاً عظيماً عجيباً ﴿يَهْدِي﴾ وما العجب فيه؟ ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 2] إلى الخير والنّجاح والنصر والغنى والوحدة والسّعادة ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: 2] إيمان العمل والتّصديق ﴿وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: 2] الذي سيقودنا في هذه الحياة أوامر الله، والذي يوجِّه رغباتنا مرضاتُ الله وأوامره لا الهوى ولا الشّهوات، ولا أن تقول: “هكذا النّاس تعمل، أو نخاف أن تتكلّم النّاس عنّا”، وهذا كلُّه شركٌ، فإمّا أن يكون شركاً أصغراً أو شركاً أكبراً، فالمؤمن يطلب: “إلهي أنت مقصودي” في قوله وعمله وفي فقره وغناه وفي قوته وضعفه- لا إله إلا الله- وبالتّربية القرآنية، فالنّبي ﷺ هو المثل الأعظم، فإنسانٌ واحد ومنذ خمسة عشر قرناً لا تزال رسالته تخترق مشارق الأرض ومغاربها، إنسانٌ واحد وهو أمي عندما اتصل بالله عمَّر العقول والنّفوس فجعل منهم أمة، أحدهم أبو بكر ((لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الناس لرجح)) 5 . وعمر رضي الله عنه نصف أمة، وعندما دعاهم النبي ﷺ إلى الإنفاق أتى أبو بكر رضي الله عنه بكلّ ماله ((قال له: ما تركت لنفسك وأهله قال: تركت لهم الله ورسوله)) 6 . وأتى عمر رضي الله عنه بالنّصف، فلهما من المنزلة كما بين كلمتيهما.. فالله عزَّ وجلَّ لم يتغير وقانون الله لم يتغير، والزّمان لم يتغير، فالذي يتغيّر هو الإنسان ويَنسب تغيُّرَه من الكمال إلى النّقص إلى الزّمان، فالزّمان: هو طلوع الشّمس وغروبها وليلها ونهارها فهو لم يتغير شيئاً، فنسأل الله عز وجل أن يغيّرنا من الفساد إلى الصّلاح ومن الصّلاح إلى الأصلح.
تنزيه الله عزَّ وجلَّ عن الولد والزوجة
﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: 2] هل كان إيمان القول؟ بل إيمان القلب، فلا تكونوا كالذين ﴿قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: 41].
﴿وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: 2] لا يقودنا في حياتنا وأعمالنا وكلامنا وغضبنا ورضانا وعسرنا ويسرنا إلّا توجيه الله وشريعته وأوامره.
﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: 3] تعالى وتعاظم شأن الله وجلاله وكماله وشرعه، وهو أعلى من كلّ شيء في الوجود في تشريعه وعظمته وأوصافه.
﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: 3] إن كان له ولد فيجب أن يكون هناك زوجة، والزوجة يجب أن تكون من جنس الزوج، فهل من الممكن أن يصير ولدٌ من غير زوجين؟ وهل يصير زوجان من غير أن يكونا من جنس واحد؟ فهل من الممكن أن يكون الزّوج جملاً والزّوجة بقرة؟ فالجمل يحتاج ناقة والبقرة تحتاج عجلاً، قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1-4] هل هناك من يكافئ الله ويماثله؟ والولد يكون لمن يفنى حتّى يستمر الجنس في البقاء، والله عزّ وجلّ خالد مخلَّدٌ، فكان العرب يقولون عن الملائكة: “بنات الله” ويقول النّصارى عن عيسى: “ابن الله”، فقال الجنّ: ﴿وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: 2] فهناك الشّرك الخفي كالرّياء: وهو أن تعمل عملاً دينيّاً لا لوجه الله لكن ليحمدك النّاس ويمدحوك أو لتفرَّ من ذمّهم ونقدهم، فإذا فعلت لله وتركت لله فأنت مؤمن، وإذا فعلت للنّاس وتركت للنّاس فأنت مراءٍ، والرّياء شركٌ خفيٌّ.
التراجع عن الباطل فضيلة
﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى﴾ [الجن: 3] وتعاظم شأن الله وأمره وشرعه ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ وجاهلنا ﴿عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ [الجن: 4] كذباً، سواءٌ أكان سفيههم إبليس أو الضّالِّون من جنسهم من الشّياطين، ولكن عندما حضروا مجلساً واحداً سمعوا فيه القرآن من النّبيّ ﷺ في صلاته.. فبحرٌ من البنزين يكفيه للاشتعال قطعة كبريت واحدة [عود ثقاب واحد]، أمّا إذا كان تيناً أخضر وتريد إشعاله فكم قطعة كبريت تحتاج؟ فنسأل الله أن يجعلنا سريعي الاستجابة لندائه وأوامره، ونقتدي بالجن، وكان حال الجن ﴿سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمۡ﴾ [الحديد: 21]، فسابقوا وسارعوا بجلسة واحدة في صلاة الفجر، فأنت الذي تجلس في الدّرس سنة أو سنتين أو عشر سنوات وعشرين سنة وتدخل كليّات الشّريعة وتأخذ الشّهادات فهل تلك الساعة من الجنّ في الاستجابة لأوامر الله أفضل أم سنواتك الطّويلة؟ ومن كان الأسرع والأنفع والأعقل والمنتفع والذي فهم أكثر؟ فتعلَّموا الفهم من الجن، فلا يجب أن يكونوا أفقه منكم.. مرة أثبت النبي ﷺ أنّ الجنَّ أفقه من الإنس عندما أنزل الله عليه سورة الرّحمن فتلاها على الصّحابة فلمّا انتهت قال: ((لقد كان إخوانكم الجن أفقه منكم)) أي يفهمون، وكان عندهم ذكاء أكثر منكم، فكيف؟ قال: ((حين كنت أقول ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: 13] وهذا الخطاب للجن والإنس، فهذا السّؤال للاستفهام، فكان الجنّ يجيبون النبي ﷺ فيقولون: “ولا بشيء من آلائك ربنا نكذّب”)) 7 فقد عدّد الله آلاءه بسورة الرّحمن على الإنس والجنّ، فيسألهم هل تستطيعون أن تنكروا نعم الله؟ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ فبأي نعم الله يا معشر الجن والإنس ﴿تُكَذِّبَانِ﴾ فالجنّ كانوا يجيبون على هذا السّؤال، وعندما تلاها النبي ﷺ على الصّحابة لم يجيبوه، فكان الجنّ أفقه منكم، فحين تقرؤون سورة الرّحمن هل تقرؤنها قراءة الفقهاء أم الجهلاء؟
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الجن: 5] تلقينا عقائد وتقبَّلناها وعملنا فيها ظنَّاً بأنّ الذين بلَّغونا كانوا صادقين ومصيبين فيما علَّمونا، لكن بعد هذا المجلس وهذا الاستماع إلى القرآن عرفنا خطأنا فرجعنا عنه.. وهذه تسمّى بالشّجاعة الأدبية، فالجبان الذي ليس عنده شجاعة أدبية يخطئ ويصر على الخطأ ويدافع عن الخطأ، فهذا اسمه جبان، أمّا الشّجاع فيقول: “أنا أخطأت”.
وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: “رحم الله امرئ أهدى إليَّ أخطائي”، أمّا النبي عليه الصّلاة والسّلام فيقول: ((إني لا أحلف على يمين)) كان النبي ﷺ لا يتراجع عن الخطأ فقط بل يفعل أبلغ من ذلك؛ فإذا حلف أن يفعل شيئاً وتبيَّن له أنّ هناك شيئاً أفضل ممّا حلف أن يفعله ولا يفعل غيره، قال: ((إلا فعلت الذي هو خير- الأفضل- وكفرت عن يميني)) 8 ، وهذا اسمه إسلام! فإن استجبت له فأنت به مسلم، وإذا قدَّمنا الإسلام وقلنا أنه بشكل تقديري مؤلَّف من ألف مادة، فأحدنا كم هو مستجيبٌ لأوامر الله من الألف؟ هذا في القول والسّمع والبصر وفي العمل والفكر والنّوايا وفي القلب والصّفات والأخلاق وفي البيع والشّراء وفي الأوامر والنّواهي.
فلمّا عرفوا الحقيقة أنّ ما تلقّوه باطلاً وكذباً تراجعوا عنه، فتراجعوا من الكذب إلى الصّدق ومن الباطل إلى الحقّ، وهل يضير الإنسانَ أن يرجع من الفاسد إلى الصّالح ومن الشّر إلى الخير وأن يقول: “أخطأت”؟ لا؛ بل هذا يرفع شأنه ويعظِّم أمره.
فما رأيكم إذا تبيّن لكم أن ما قيل لكم كذباً، فهل تتراجعون عن قبول الكذب إلى قبول الصدق؟ إن فعلتم ذلك تكونون قد قرأتم القرآن وعملتم مثل إخوانكم الجنّ، وإذا لم يكن حالكم كذلك فيكون الجنّ أفضل منكم بألف مرّة؛ لأنّهم سمعوا القرآن مرَّة واحدة فخرج منهم كلُّ هذه الثّمرات والفضائل والأخلاق والأعمال.
فسورة الجن سورة عظيمة تدل على أنّه يجب بمجرد أن تسمع الخير تحوله من سماع إلى عمل ومن مسموع إلى منظور ومن كلام إلى أعمال.. هؤلاء الجن هكذا فعلوا، أليس الإنس أفضل؟ فهل أنتم مستعدون لتتقبلوا مدرسة الجنّ أو مدرسة القرآن للجن؟ فهم يعلموننا كيف نستمع للقرآن، وكيف يكون أدب سماع القرآن، وكيف يكون أدب تلاوة القرآن، فلمّا قالوا: “آمنا به الإيمان القلبي” فالإيمان القلبي حالاً يحوّل القرآن إلى عمل منظور وإلى واقع مشهود، وإذا لم يتحوّل القرآن إن قرأته أو سمعته إلى واقع عمليٍّ فأنت تقرؤه بلسانك وتؤمن بلسانك ولا تؤمن بقلبك، وإذا جاءك الموت وأنت بهذا الإيمان الكاذب ستخسر أولاً الدّنيا قبل الآخرة، وإذا خسرت الآخرة مع الدّنيا فما الفائدة من هذه الحياة! نسأل الله أن يرزقنا الإيمان الذي عناه القرآن، وليس الإيمان الذي يفهمه عوامُّ النّاس تقليديّاً وانتماءً وأمانياً.
محاربة الإسلام للخرافات
﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6] فيروي الجنّ أنّ بعض العرب كانوا خرافيين، فكان أحدهم إذا كان مسافراً أو ذاهباً إلى مكان ما ونام في وادٍ يقول: “أعوذ وأستجير بعظيم هذا الوادي من الجن” فأنا بحمايته وجواره وأن لا يدع أحداً من صغار الجنّ يؤذونني.. وهذه خرافة وقد حارب القرآن كلَّ الخرافات، فالخرافة شيء باطل وشيء وهمي غير صحيح، قال: فكانت استجابة هذا الإنسي البدوي العربي عندما يقول: “أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجنّ من صغاره”، فكان الجنّ عندما يسمعون هذا الشيء من هذا الإنسان العربي ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6] أي أنّ الجن كانوا يتعاظمون في نفوسهم ويزدادون في ضلالهم، وأولئك أيضاً كانوا يزدادون في ضلالهم.
فكان الجن يصفون واقع الإنسان العربي وخرافته وتخلُّفه العقليَّ والعلميَّ والواقعيَّ، هذا يعني: أيّها العرب انتبهوا ويكفيكم خرافاتٍ وتخلُّف، وأن ما تعتقدونه ليس صحيحاً، فليس هناك كبير الوادي ولا صغيره، فإذا أردتم أن تستجيروا فاستجيروا بالله ربّ العالمين من مخلوقاته أجمعين.. فما أجمل القرآن وهو يعلِّمنا نبذ الخرافات بهذا الأسلوب القصصي! وإذا قلنا أسلوباً قصصياً نعني قصص القرآن قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [يوسف: 3] وهناك سورة اسمها سورة إبراهيم وهود ويونس وهذه كلّها قصص الأنبياء، وأيضاً هنا قصّة الجن، وهو التّعليم عن طريق القصة، وفي العالم المتقدِّم والأمم المتحضِّرة يعتبرون التّعليم بالقصة من أعلى أنواع التّعليم، وقصص القرآن كلُّها قصص واقعية، لكن هناك قصص كاذبة أو خياليّة لا حقيقة لها؛ والغرض منها أن ينفذوا إلى قلوب الناس بشيءٍ من الأهداف ليحققوها بطريق القصة.
فهذه الخرافة زادت الجن استخفافاً بالإنس، وزادت الإنس ضلالاً على ضلالة، وفي الوقت نفسه ما استفادوا شيئاً.
﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا﴾ [الجن: 7] سواء الإنس أو الجن ﴿كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ [الجن: 7] فكان العرب لا يؤمنون برسالة النبي ﷺ، قالوا أيضاً: يوجد جنّ كانوا لا يؤمنون برسالة النبي ﷺ، حتّى انتقلوا من السّماع إلى النّظر، وكثيراً ما يسمع الإنسان أشياء عن بُعد تكون غير صحيحة، فاذا استطاع أن ينتقل من البعد إلى القرب ويرى الأشياء مواجهةً فالبصر والنّظر يصحّح ما أخطأ فيه السّمع، ولذلك قالوا: “بين الصّدق والكذب مسافة أربعة أصابع”، فأذنك قد تقبل الكذب أمّا عينك فلا تقبل الكذب، وقد يقال: “إنّ ثوبي أسود [وهو ليس بأسود]– من خارج المسجد- فتقبله الأذن، أمّا العين إذا قيل لها: إنّ الثّوب أسود فهل تقبل؟ لذلك إذا سمعت لا تعتمد على السّماع حتّى تؤكده في النّظر كيلا تقع في الإفك أو البهتان أو الباطل.
حقيقة اطلاع الجن على الغيب
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ [الجن: 8] كان الجنّ يستمعون الأمور المغيَّبة من الملائكة فيُلقونها على الكهنة ويخلطون معها أكاذيب متعدّدة فيختلط الحق بالباطل مما يُوقع الإنسان بالأضرار واعتقاد ما لا حقيقة له، وهذا مما ورد في هذا الموضوع، ولكن قد يكون المعنى أنّ الشّياطين كانوا يغيِّرون كتب الله المنزلة كما حُرِّف التّوراة والإنجيل، أمّا لمّا نزل القرآن وأرادوا أن يلقوا في يقين وصدق وحيه من أكاذيبهم وأباطيلهم فحفظ الله القرآن من وساوس الشياطين ومن خلط باطلهم بحقائق القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] فعُبّر بالشّهب وغيرها؛ لأنّ الله يحفظ القرآن من أن يُخْتَلَط حقُّه بباطل أو أن يُحَرَّف أو أن يُزاد فيه أو أن يُنْقَص، والله أعلم.
﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ﴾ [الجن: 9] لكي يخلط الحق بالباطل ويضلِّل الناس ﴿يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾ [الجن: 9] يوجد حرسٌ ربَّانٌي سماوي حفظ القرآن وحفظ الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام من زيف الشياطين وأكاذيبهم.
﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي﴾ [الجن: 10] هذا المنع وهذا الرّصد والحرس على الوحي الإلهي ﴿أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: 10] لماذا هذا المنع؟ لم يعرفوا، ولكن عندما أرادوا أن يعرفوا ماذا حصل من حوادث في الأرض حتى ظهر أثرها في السّماء، فلما سمعوا القرآن زال العَجب ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1] وزال الاستغراب وتعرَّفوا على الأسباب، لأن الله عز وجل ينزل وحياً وقرآناً وكتاباً سماوياً، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42].
﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: 11] يعني أن الجن فيهم مؤمنون وفيهم صالحون، وقد بلّغهم النبي ﷺ رسالته كما ذكر القرآن أنّهم آمنوا بكتاب موسى وهو التّوراة.. إذاً فيهم المؤمنون وفيهم الكافرون ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ﴾ والصّالحون درجات، فمنهم الأعلى والعالي والأدنى والداني.
﴿كُنَّا طَرَائِقَ﴾ مذاهب وجماعات وآراء ﴿قِدَدًا﴾ [الجن: 11] أي طرائق مختلفة، كما في الإنس آراء ومذاهب مختلفة، كذلك الوضع مثله في الجن، فهو عالم كامل لكنّه غير مرئيٍّ للعيون، فالآن التيار الكهربائي هل يُرى للعيون، شريطان واحد يحمل الكهرباء والآخر لا يوجد فيه كهرباء، فلا يوجد فرق في الظاهر، فإذا عجزت عيناك عن رؤية التيار فهل يُباح لك أن تنكر وجود التّيّار؟ والإلكترون إلى الآن لم يره أحدٌ ولا يمكن أن يراه أحد، لكنهم عرفوه من آثاره، فإن عجزت عينك عن الرؤيا فهل يُباح لعقلك أن ينكر ما عجزت عينك عن رؤيته؟ وهل رأى أحدٌ الهواء إن كان طويلاً أو قصيراً أو أحمر أو أخضر أو ثخيناً أو رقيقاً؟ فهل تؤمنون بوجود الهواء؟ فهو يحرِّك الشجر وينثر الغبار ويطيِّر الورق.. وهناك أناس تقول لك: “دعني أرى الله حتى أؤمن به” فهذا حمارٌ، فالحمار الذي يكون ذيله مقطوعاً يسمّونه “أزعر”، وإذا ألبسنا الحمار بنطالاً ووضعنا له ربطة عنق وجعلناه أفندي، فما الفائدة؟ يعني يصير “حمار أفندي”.. والحمار لا ترقِّي مرتبتَه ربطة العنق، فربطة عنقه ذيله.
والحرب الصّليبية على الإسلام وليست على المسلمين فقط، ففي عهد صلاح الدين كانت الحرب على المسلمين؛ أما الآن فالحرب على المسلمين وعلى الإسلام، يريدون أن يزيلوا الإسلام من الوجود بالإلحاد والإباحية والتّحلُّل والشُّبَه وباتهام الإسلام وباتهام النبي ﷺ بالأباطيل والأكاذيب، وعندما أتت الحرب الصّليبية بقيت ثلاثة وثمانين سنة والمسلمون منهزمون، وزحف الصّليبيون إلى القدس بأيّ سنة؟ في سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة هجرية، واحتلوا الأراضي الواقعة من أنطاكية إلى القدس بثمانية أشهر، فلم يكن يوجد إسلام حقيقي، وكان المسلمون بلا الإسلام وأجسادٌ بلا أرواح وأمةٌ بلا قيادة، وبقي الصليبيون ثلاثاً وثمانين سنة في القدس، بالمقابل لم يكن هناك الإسلام من الحكَّام الذي يواجه الصّليبية، وكان يوجد في ذلك الوقت علماء، لكن أهواء الحكام والأمراء والملوك هي التي طغت، فبعلبك كان لها ملك، وحمص لها ملك، وكذلك حماة، كما أنّ اليمن الآن يمنان، والعرب خمسون عرباً، وكان الإسلام من الصين إلى حدود فرنسا أمّة واحدة وشعباً واحداً، وبعدها أتى أهل الدّين فصنعوا من الإسلام خمس مئة إسلام؛ المرجئة والمعتزلة والشّافعية والحنفية والسنة والشيعة وغيرهم.. هذا ليس إسلاماً؛ فالإسلام أمّة واحدة وجسد واحد، وهذا يصنعه العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وليس من يحمل الشهادات، فالشهادة لا تنتج عالماً، فهذا قرأ حتى أخذ الورق، والصحابة لم يقرؤوا ولم يأخذوا ورقةً، ولكن خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم ومازجت أرواحهم فانقلب القرآن الحكيم فيهم حكمة، وروحانيته نوراً وأخلاقاً وهمةً، حتّى صار أحدهم أمّة وأحدهم بألف وآخر بمائة.
والآن ألفنا كم يُقدّر؟ مثلما قال النبي ﷺ: ((غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن حبّ الدّنيا وكراهيّة الموت)) 9 .. فالآن يؤلِّف المؤلِّفون الكتب- جزاهم الله خيراً- لكن كلّ ما يُؤلَّف إمّا ينادون بالويل والثّبور على واقع المسلمين وهزائمهم وتمزُّقهم؛ وهكذا يصير بالمسلمين وهكذا يفعل الأعداء بالمسلمين، أو يذكرون أمجاد المسلمين الأُوّل، لكنهم لا يعملون إنشاءً جديداً لبناء النفوس والقلوب والعقول، ويوجدون الشّخصيّة الإسلاميّة عقلاً وروحاً وإيماناً وأخلاقاً وحكمةً، ولماذا قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47] الإيمان الذي يتمثل في شخصيّة العلم، وما العلم؟ العلم: معرفة ما ينفعك وينفع النّاس في دينهم وفي دنياهم.
فأتى الإسلام الممثّل بنور الدّين الشّهيد فوحَّد بلاد الشّام، وذهب تلميذه صلاح الدّين إلى مصر ووحَّد مصر مع الشّام، وبهذه الوحدة التي أشار إليها عمر عندما أُتِي بالهرمزان قائد جيش الفرس أسيراً قال له: “أتدري يا عدو الله بمَ نصرنا الله عليكم وخذلكم الله وهُزِمتم؟” فقال الهرمزان: “يا عمر، إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم، إذ لم يكن معنا ولا معكم، فلما كان معكم غلبتمونا” هذا كلامٌ عام فأراد عمر أن يخصص فقال له: “إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا” 10 ، وغلبناكم بوحدتنا وتفرُّقِكم.. فمن صنع وحدة العرب؟ الإسلام المجسَّم في شخص رسول الله ﷺ وأصحابه الكرام، فلمّا قامت الحروب الصّليبيّة كان هناك من الجمود والتّعصّب والتّزمّت وأشياء كثير أدت إلى وهن الإسلام في نفوس المسلمين وخاصة في قادتهم، ولذلك احتُلَّت بلادهم في كم شهرٍ؟ وبقيت مستعمرة كم سنةً؟ إلى أن نزل الإسلام في المعركة: إسلام العلم والحكمة والصّدق والإخلاص وإسلام الدّولة، “فإنّ الله ليزع بالسّلطان مالا يزع بالقرآن” 11 .. ما مفهوم هذا الكلام؟ إذاً ينبغي للعالِم حتّى يقيم الإسلام أن يعتني بالقرآن أولاً، فالمعنى: اعتنوا بالسلطان كما أنكم تعتنون بالقرآن، والآن الكثير من الإسلاميّين يأتون مباشرةً ويريدون منافسة السلطان وهذا خطأ، فالحاكم أو رئيس الجمهورية أو الملك هو مسلم، وكلُّ منّا عنده نقص وخلل في سلوكه وأعماله وإسلامه، فنصف القوس هل يقف وحده؟ والنّصف الثّاني هل يقف وحده؟ متى يقفون ويكوِّنون قنطرةً؟ عندما يلتقون مع بعضهم البعض بتشابكٍ متين تبنى عليهم القصور والأعالي، وما لم يتعاون رجال الدّين والعلم والإسلام مع رجال الدّولة والحكم فلن تتحقّق الآمال ولن تكون هناك وحدة عربية ولا تحرير ولا تقدّم كما تقدم المسلمون الأُوَل لمّا حققوا الإسلام.
((الإسلام والسلطان أخوان توأمان، لا يصلح أحدهما بدون الآخر)) 12 ، ينبغي أن يكون الاثنان معاً موجودين ومتشابكين ومتراصّين ومتعاونين، وكلُّ كفٍّ تغسل الكف الأخرى.
﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الجن: 10] مُنِعنا من استماع واستراق السّمع من الملائكة فلا نعلم هل من هذا الأمر خيرٌ أم شرٌّ؟ ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: 11] فلا تسبَّ أهل الشّام ولا أهل بيروت ففيهم الصّالحون وفيهم دون ذلك، وأيضاً الجنُّ فيهم الصّالحون وفيهم دون ذلك، ولا تعمّم ولا تقل: عرب فلا ينفعون، ولا تقل: الحزب الفلاني لا ينفع، والجماعة الفلانية لا ينفعون، وكلّ مجموعة فيها الصّالحون وفيها دون ذلك.
﴿كُنَّا طَرَائِقَ﴾ [الجن: 11] مذاهب مختلفة وآراء متباينة وفئات متنافرة.
لا أحد ينجو من عقاب الله عزَّ وجلَّ
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الجن: 12] كان إيماننا في الله ضعيفٌ فكنا نظن أننا نستطيع أن نفعل كلّ ما نريد في الأرض ولا أحد يستطيع أن يُعارِضنا، كأنّ الله غير موجود وكأنّه لا يستطيع أن يعاقب المذنب أو المجرم أو الكافر.
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ﴾ [الجن: 12] هكذا نظنّ أنّ الله غير موجود ونفعل ما نشاء، إمّا لأنّ الله غير موجود أو لأنه لا يستطيع ولا يقدر على القصاص والعقاب ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8] كنّا هكذا نظنُّ لكن بعد أن سمعنا قرآن العجب فالآن نعتقد بأنّ الله عز وجل لا يستطيع أحدٌ أن يهرب من عقابه لا في الدّنيا ولا في الآخرة، فنحن تحت رقابة الله وتحت تنفيذ قانونه، وقد يتأخر تنفيذ القانون ولا يوجد قوّة تستطيع أن تمنع تنفيذ حكم الله عزّ وجلّ إذا أراد الله تنفيذ حكمه ثواباً أو عقاباً للإنسان.
فصاروا يعتقدون أنّه يجب أن يمشوا على الصّراط المستقيم حتّى ينالوا ثواب الله ويتجنَّبوا معصيته حتّى لا ينالهم عقابه؛ لأنّ الإنسان مهمّا فرَّ من عقاب الله في الأرض فلن يعجز الله أن يلقي القبض عليه أينما كان، ومهما هرب لا يستطيع أن ينجو من إلقاء القبض الإلهيِّ عليه في الأرض أو في السّماء.
﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى﴾ [الجن: 13] إلى الخير والحقائق وإلى تعاليم الله التي كلُّها حقٌّ وصدق وواقع وتهدي إلى الرّشد ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: 13] إيمان القلب وإيمان العمل وإيمان الاستجابة وإيمان التّبليغ والتّعليم والدعوة لمن لم تبلغه الدعوة، وذلك مباشرةً من صاحب الدّعوة.
فيذكر الله لنا كيف تقبَّل الجن لكتابه وهديه ورسالته، فالمعنى: تعلَّموا يا بني آدم ويا أيّها الإنس.. فعندما تقرؤون سورة الجن فهل تفهمون ما المقصود منها؟ أم لا نفهم منها إلّا المد المتصل والمد المنفصل والإدغام بغنَّة والقلقلة الصغرى والكبرى، وقراءة ورش؟ وكلُّ هذه الأمور حتّى تحجبنا عن الأهداف، أمّا المقصود من القرآن أن نتعلم، فنتعلم من الجنّ، فهم هكذا كانوا، فكيف أنتم يا عرب ويا إنس! فقد سبق الإنس والعرب الجنَّ في الفهم والعلم والعمل والتّبليغ حتى بذلوا في سبيل ذلك أرواحهم ودماءهم ومُهَجهم من غير أن يطلبوا أيَّ عَرَضٍ من أعراض الدنيا، والذي ذهب من أجل الغنيمة هل هذا اسمه مجاهدٌ في سبيل الله؟ والذي ذهب إلى الجهاد كي ينال مغانم هل هذا في سبيل الله؟ كانوا يقدّمون أموالهم مع أرواحهم كي ينقلوا النّاس من الظّلمات إلى النّور، ومن التّخلّف إلى التّقدّم ومن الخرافات إلى العقلانيّة ومن الجهل والجاهليّة إلى العلم والمعرفة، ومع هذا الجهاد في سبيل الله.. وهذه هي سبيل الله وهو أن يبذل المؤمن كلّ ما يملك من طاقة من ماله وروحه تجاه أخيه الإنسان ليعلِّمه وليحضرّه ويعامله بكلّ الحقوق الإنسانية الإلهية.
﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: 13] كم مرّة سمعوه؟ مرة واحدة، ونحن بنو آدم كم مرة نسمع القرآن؟ نسمعه في الرّاديو وفي الصّلاة.. وهؤلاء سمعوا القرآن في صلاة الفجر مرّة واحدة، فقالوا: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: 13] فيا ترى هل الجن أفهم أم بنو آدم؟ والذي يقول عن نفسه شافعيّاً وحنفيّاً وذاكراً ونقشبنديّاً وشاذليّاً ورفاعيّاً وقوميّاً ووطنياً ألا يسمعون القرآن؟ والذي يقول عن نفسه: إنّه قومي وعربي ووطني وحزبي دعه يجعل نفسه كالجن! ومنهم من يصلي ويسمع من الإمام لكن القرآن أليس هدىً؟ ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9] فهو هدى، في مرة واحدة وفي صلاة الجماعة انتقلوا من الظّلمات إلى النّور ومن الفرش إلى العرش، ومن أسفل البئر إلى هلال المئذنة، والآن أنتم ألم تسمعوا القرآن؟ فقلِّدوا الجن وقولوا: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: 13] هل إيمان القلب أم ايمان اللّسان؟ وهل إيمان التمني أم إيمان العزم والإرادة الصادقة؟ فأكثروا من ذكر الله.. والقرآن هل هو سورة الجن فقط؟ ولماذا قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41] فهل هذه الآية للقراءة أم للعمل؟ ما الذكر الكثير؟ وفي آية أخرى قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 191] اختصَّت طائفة من الناس لتحقيق هذه المدرسة الإيمانية وأسموها تصوُّفاً وطريقاً.. اتركوا كلمة التصوف والطريق، ودعونا نرجع للقرآن مباشرةً، ولا نريد تسمية نقشبنديّ ولا شاذليّ، مع أنّني أضعهم على رأسي، وإذا نُسِب إليهم ما يخالف الكتاب والسّنة فكلّ ما يخالف الكتاب والسّنة فنحن من ذلك براء ظاهراً وباطناً.. فإذا طاب القلب وحيّي القلب بنور الله فآية واحدة تكفي.
أتى أعرابي إلى النبي ﷺ قال له: ((عظني وأوجز))، فما حال من رأى وجه رسول الله ﷺ، فعندما سئل النبي ﷺ عن الأبرار والأخيار فقال عن الأبرار: ((الذين إذا رؤوا ذكر الله بهم)) 13 ، وهؤلاء ليس إذا تكلموا بل إذا رؤوا، لكن أي رؤيا؟ رؤية الحب، فأبو جهل رأى النبي ﷺ لكنّه رآه بعين العداوة، وأبو لهب رآه بعين العداوة، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ نظر العداوة ﴿وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 198] بنظر المحبة والمودة.
فهذا الأعرابي قال له: موعظة صغيرة فأنا أميٌّ وعقلي صغير لا يسع كثيراً، فتلا عليه النبي ﷺ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 8] هل قرأها له على السّبعة أم على العشرة أم على الأربع عشرة؟
اقرأها لنا قراءة واحدة قراءة القلب الطّاهر، فعندما أنزل الله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 79] فهل هذه الآية مكيَّة أم مدنيّة؟ مكيَّة فهل كان في مكّة قرآنٌ مجموع ومكتوب ومجلّد؟ وهل اكتمل نزول القرآن في مكة؟ ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 79] فلا يوجد مصحف مكتوب حتى يمسَّه، فالمقصود ألّا يمسَّ روح القرآن ونوره وحقائقه التي تتجلّى في مرآة المؤمن المرآة الصّافية النّقيّة فتنعكس فيه أعمالاً وأخلاقاً ظاهراً وباطناً.
فلمّا تلا النبي ﷺ عليه الآيتين القصيرتين قال الأعرابي: ((تكفيني، فقال النبي ﷺ: أفلح الأعرابي إن صدق)) 14 . فربما نصير مثل الأعرابي، ونسأل الله أن يرزقنا الصدق.
﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى﴾ [الجن: 13] فهل سمعتم الهدى الآن؟ فهم قالوا: “آمنا به” فلو لم يؤمنوا إيمان القلب لما قال الله: “آمنا به”، وأنا أقول لكم وأنا أعرف، عليكم أن تكثروا من ذكر الله وأن يصبح حبَّكم لأحباب الله برابطة أقوى من رابطة الفولاذ، فإذا أحببتموني أو لم تحبوني فلا ينفعني حبكم ولا أريد دنياكم ولا جاهكم، تعرفون أنّه قد غمرني الله عز وجل بفضله، وهذا لكم، فإذا أحببنا النبي ﷺ من ينتفع؟ هل نحن ننتفع أم النبي ﷺ؟ وإذا أحببنا الله فهل نحن ننتفع أم الله ينتفع؟ وكم ورد في الحبّ في الله من الأحاديث؟
فنسأل الله أن يرزقنا الحبَّ فيه، وكان النبي ﷺ يطلب من الله ويقول: ((اللهم إني أسألك حبك)) وهل هذه فقط؟ بل ((وحبَّ من يحبك)) وهل هذه فقط؟ بل ((وحبَّ عملٍ صالحٍ يُقرِّبني إلى حبك)) 15 ، ومتى يصبح الحشّاش حشّاشاً؟ حين يحبّ حشّاشاً، وإذا كان يبغض الحشّاشين هل يصبح حشّاشاً؟ متى يكون لاعب قِمار؟ هل عندما يكون عدواً للاعبي القمار ولا يجلس معهم ولا يحبهم ولا يسامرهم ولا يسهر معهم؟ ((المرء على دين خليله)) فما الخليل؟ هو من تفرح لفرحه وتحزن بحزنه وتخلّل حبه في أجزاء وجودك ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) 16 .
ولذلك كان شيخنا رحمه الله يقول: “الذكر مع الرابطة” وما الرابطة؟ هل كان في زمن النبي ﷺ مبتدأ وخبر أو إنّ وأخواتها؟ هذه اصطلاحات، وهذه اصطلاحات أيضاً، “الذكر مع الرابطة من الأنوار الهابطة، وقيل: من ذاق عرف ومن عرف اغترف”، فنسأل الله أن يذيقكم ما ذاقه أحباب الله وأولياؤه، حتى تكونوا على اليقين من الحقائق.
﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّه﴾ [الجن: 13] الإيمان الحقيقي والإيمان بكتاب الله ﴿فَلَا يَخَافُ بَخْسًا﴾ [الجن: 13] أن يُبخس حقه في الدنيا، فسيأخذ حقه كافياً وافياً ﴿وَلَا رَهَقًا﴾ [الجن: 13] لا يوجد نقصٌ في حقوقه ولا ظلم له على ذنوبٍ لم يفعلها، إنّما المؤاخذة على الذّنوب إذا لم يعفُ الله عز وجل عنها، فأسأل الله عزَّ وجل أن يجعلنا من الذين يتّلون القرآن حقَّ تلاوته حتّى نكون من المؤمنين به.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيّتبعون أحسنه، واجعلنا اللّهم هادين مهديّين ولا تجعلنا ضالين ولا مضلّين.
مُلْحَق
إعلان عن افتتاح دورة تحفيظ القرآن:
افتتاح دورة تحفيظ القرآن في المعهد الشرعي: يبدأ التسجيل في الثامن والعشرين من أيار يوم السّبت غداً، وينتهي يوم الخميس في الحادي عشر من حزيران، وتبدأ الدورة في الخامس والعشرين من حزيران، والتّسجيل يومياً من الساعة التّاسعة صباحاً حتّى السّاعة الثّانية عشر ظهراً في المعهد.. فالذي صار لكم يا بني هذا من الخير الكثير، وهذا من فضل الله وكرمه.. وهذا العمل في صحيفة من ولاه الله أمرنا وقيادتنا.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- شعب الايمان للبيهقي، عن عائشة: (1360). مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24645)، (6/91).
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، عن أنس، رقم: (13004)، (3/190).
- رُوِي مرسلاً عن الحسن البصري في ذمّ الدّنيا، لابن أبي الدنيا رقم: (9)، (2/437)، وكذلك البيهقي في الشّعب، رقم (10501). وروي عن عيسى بن مريم عليه السّلام في حلية الأولياء لأبي نعيم، (6/388).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، رقم: (3498)، (3/ 1357)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رقم: (2406)، (4/ 1872)، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (934)، (1/315)، والمستدرك للحاكم، رقم: (6537)، (3/ 690)، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، بلفظ: ((لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)). الزهد والرقائق لابن المبارك (1/ 484) ورقم (1375). ونصه: عن ابن جعفر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً يعلم الدين قال له: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من الدنيا وما فيها».
- الكامل في الضعفاء، ابن عدي، رقم: (1012)، (5/335)، تاريخ دمشق، ابن عساكر، (30/126) مرفوعاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه. وقال ابن حجر العسقلاني في الكافي الشافي: روي موقوفاً من كلام عمر رضي الله عنه بسند صحيح.
- سنن أبي داود، رقم (1678). مسند الفاروق لابن كثير (1/264)، عن عمر رضي الله عنه.
- سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب سورة الرحمن، رقم: (3291)، (5/399)، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ))، وفي دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (528)، (2/ 232)، بلفظ: ((لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمن على الناس سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للجن كانوا أحسن جواباً منكم، لما قرأت عليهم فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا: ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب)).
- متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب، رقم: (6249)، (6/ 2444)، صحيح مسلم، كتاب الأيمان، باب نذر من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، رقم: (1649)، (3/ 1268)، عن أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، بلفظ: ((وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ أَوْ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي)).
- سنن أبي داود، كتاب الملاحم: باب في تداعي الأمم على الإسلام، رقم: (4297). عن ثوبان، بلفظ: ((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)). ومسند أحمد (22397).
- تاريخ الأمم والرسل والملوك للطبري (2/ 502)، البداية والنهاية لابن كثير، (7/100)، بلفظ: " فَقَالَ عُمَرُ: يَا هُرْمُزَانُ كَيْفَ رَأَيْتَ وَبَالَ الْغَدْرِ وَعَاقِبَةَ أَمْرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا عُمَرُ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ اللَّهُ قَدْ خَلَّى بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَغَلَبْنَاكُمْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا وَلَا مَعَكُمْ، فَلَمَّا كَانَ مَعَكُمْ غَلَبْتُمُونَا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّمَا غَلَبْتُمُونَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِاجْتِمَاعِكُمْ وَتَفَرُّقِنَا.
- البداية والنهاية لابن كثير، (3/ 12)، روي موقوفاً عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، فتح القدير للشوكاني، (4/ 345).
- مسند الفردوس، للديلمي، رقم: (396)، (1/27)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
- مسند أحمد بن حنبل، رقم: (27640)، (6/ 459)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (11108)، (7/ 494)، بلفظ: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَخِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى))، وفي سنن ابن ماجه، رقم: (4119)، (2/ 1379)، بلفظ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟...»، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنه.
- سنن أبي داود، باب تحزيب القرآن، رقم: (1399)، (1/ 445)، السنن الكبرى للنسائي، كتاب فضائل القرآن، باب إذا زلزلت، رقم: (8027)، (5/ 16)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (6575)، (2/ 169)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، بلفظ: ((فقال الرجل يا رسول الله أقرئني سورة جامعة فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم {إذا زلزلت الأرض} حتى فرغ منها فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبداً ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفلح الرويجل " مرتين)).
- سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن: باب من سورة ص، رقم: (3235)، (5/368)، مسند أحمد، رقم: (22109)، (36/422)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه
- سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، رقم: (2378). مسند أحمد، رقم: (8028)، (13/398)، المستدرك على الصحيحين، رقم: (7319)، (4/188)، كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.