تاريخ الدرس: 1994/04/08

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:34:12

سورة المعارج، الآيات: 19-35 / الدرس 4

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ السماوات وربّ الأرضين وربّ الكون العظيم، وأفضل التّحيّات العطرات الطيّبات على سيِّدنا مُحمَّد، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدنا موسى وسيدنا المسيح، وعلى أهليهم وأحبابهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

معاني المعراج والعلو والقرب من الله عزَّ وجلَّ:

فنحن لا نزال في تفسير سورة المعارج، المعارج-كما تقدم معكم-: هي المصاعد أو الأدراج أو المصاعد الكهربائية “الأصانصورات”، وكذلك الله عزَّ وجلَّ بحسب عظمته وقدسه ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ [سورة غافر: 15] يقال: “فلان ترفعت درجته”، “وأنّ الموظف الفلاني رفّعوا درجته”، فليس معنى ذلك أنّ جسده كان في السّفل فصار في العلو؛ بل هذه رفعة معنوية.. وكذلك القرب من الله عزَّ وجلّ، فليس المقصود أنّ الله عزَّ وجلَّ كان في مكان وأنت بعيد عن ذلك المكان؛ بل إنّ القرب هو قرب شعوري وإحساسي.. وإذا صفت روح الإنسان وتنظفت نفسه من رذائلها وعبادة جسدها فيحصل له قرب إلهيّ روحيّ أخلاقيّ عقليّ فكريّ.

فسورة المعارج أيّ الدّرجات، فأنت في أيّ درجة من درجات القرب إلى ربّك؟ ذكرًا تذكره في كل شؤونك، فلو أعطاك إنسان مليون دولار فأينما جلست تذكره، وأينما ذكرته تحمده، فلو لم يكن لك عينان وكنت تملك مليار دولار فبكم تشتري عينين من هذا المبلغ؟ يمكن أن تدفع النّصف إذا أبوا إلّا أن يكون ثمن العينين خمسمائة مليون دولار، أليس كذلك؟ وكذلك اللّسان واليدين والرّجلين والسّمع.. إلخ.

فالقرب من الله عزَّ وجلَّ بالأعمال التي يحبّها، وكذلك بالأخلاق والشعور والذكر، وأن تعرف أن الله معك حيثما كنت، فتطيع له كل أمر، وتجتنب في أعمالك كل ما لا يرضيه وكلّ ما لا يحبه من قول أو عمل أو مجلس أو إنسان.. إلخ.

في سورة المعارج ذكر الله عزَّ وجلَّ الإنسان الخام:

فقد ذكر الله عزَّ وجلَّ في سورة المعارج الإنسان الخام، كما مرّ معكم أنّه ﴿خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا لا يصمد عند صدمات الحياة، فإذا صدمته مصيبة في ماله أو نفسه أو صحته أو فَقْد أحبابه فلا يستطيع الصّمود والصّبر بألّا يتأثر.

﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ [سورة المعارج: 19-21] إذا أغناه الله عزَّ وجلَّ أو أعطاه المال أو الحُكم أو الجاه أو الشّباب فلا يستعمله في مساعدة أخيه الإنسان؛ بل يمنع الخير عن غيره، ويحبّ أن يستأثره لنفسه فقط، فهذا الإنسان الخام، مثل الحديد في الجبل، فالجبل لو كان كلّه حديدًا فلا ينفع ولا يستفاد منه بشيء، لكن إذا صار تحت إشراف العلم والعمل والتّصنيع فيصير طائرة أو سفينة أو قطارات، أو يصير أجهزة مختلفة، فيُثمَّن جزء منه بالمليارات، وهكذا ذكر الله عزَّ وجلَّ الإنسان الخام، فكيف النّقلة من الجبل إلى طائرة؟ وكيف النّقلة من الهلع والجزع والمنع إلى الإنسان الفاضل وإلى الإنسان الملَك، وإلى الإنسان الخير، وإلى الإنسان الأخلاق، وإلى الإنسان الذي ينفع كل إنسان، وإلى الإنسان الذي يمتلئ قلبه رحمة على كلّ ذي روح؟

كان سيِّدنا رسول الله ﷺ يقول: ((إذا قتلتم)) فلو رأى الإنسان أفعى، فهذه مضرة، أو عقربًا، فهو مضرّ مؤذٍ يجب قتله، قال: ((إذا قتلتم فأحسنوا القتلة)) لا تقتله بشكل يتعذب به بأن تقطع يد العقرب ثمّ رِجله ثمّ رجله الثّانية، ((وإذا ذبحتم)) قد أباح الله عزَّ وجلَّ لنا أن نأكل الحيوانات المأكولة ((فأحسنوا الذّبحة، وليحدّ أحدكم شفرته)) بألّا تكون الشفرة مثلّمة [ليست ذات حَدّ] تعذب الحيوان عند الذبح ((وليرح ذبيحته)) 1 يدع لها يدًا أو رجلًا عند خروج روحها ليكون أريح لها عند موتها.. فهذا مع ما لا بدّ منه ومع ما يؤذيك ويضرّك أو يهلكك.

لا ينتظر الإنسان الجزاء من غيره على فعل المعروف:

فالأسير عدوٌّ، وقد أوصى الله عزَّ وجلَّ بالأسير العدو فقال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مع أنّك بحاجة إلى الطّعام لعشائك فعليك أن تقدّمه ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا فهنا العناية بالإنسان الضّعيف الذي فقد المال، ﴿وَيَتِيمًا الذي فقد الأب الرّاعي ﴿وَأَسِيرًا العدو وقد صار سجينًا في يدك، ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ مع حاجتنا إلى الطّعام لعشائنا نقدّمه لليتيم وللمسكين وللعدو الأسير ﴿لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً تكافئوننا، فلا نريد مكافأة ﴿وَلَا شُكُورًا [سورة الإنسان: 8-9] ولا تحمدوننا ولا تمدحوننا، فنحن نعمل لأنّ الله عزَّ وجلَّ هكذا أمرنا أن نتعامل مع أعدائنا، ومع الضّعيف، ومع المظلوم.. فالدّين بحقيقته الأولية، كنبع الماء من الصّخر يُعطي الحياة، أمّا إذا دخل المدن وألقى الإنسانُ فيها أوساخه فاسودّ لونه، فيمكن أن يعطي الموت، فهناك فرق بين إذا فُهِم الدّين فهمًا غير عمليّ وحقيقي وبين إذا فُهِم بجوهره وحقيقته.

ينتقل الإنسان الخام إلى الإنسان الفاضل بالإيمان:

فبعدما ذكر الله عزَّ وجلَّ الإنسان الخام، ذكر كيف يُنقَل بالإيمان إلى الإنسان الفاضل والإنسان الكريم والإنسان الإنساني.. فهناك إنسان ثعبان، وقد يكون الثّعبان أقل أذى من الإنسان الشّيطاني أو الإنسان الحيواني الذي لا يعرف إلّا جسده: طعامه وشرابه وزواجه ونومه، ولا يعرف إلّا نفسه، فالإنسان الوحشي هو الذي يعيش على حساب غيره، والإنسان الشيطاني هو الذي لا يعرف إلا الإفساد والعدوان وإهلاك الناس.

فنقل الإسلام الإنسان من الإنسان الخام إلى الإنسان الرباني، والإنسان السماوي.

قال: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ [سورة المعارج: 22] فالمعمل الذي ينقلك من الإنسان الهلوع هو معمل الصَّلاة، فقد قال الله تعالى عن الصَّلاة: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى فعندما يأتي الحديد من الجبل وندخله في مصنع الصَّلاة ماذا يخرج؟ يخرج سيارة مرسيِّدس، ويخرج طائرة بوينغ.. فكان الإنسان هلوعًا وجزوعًا ومنوعًا، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [سورة العنكبوت: 45]، هل فقط النهي عن الفحشاء والمنكر؟ قال: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [سورة المعارج: 24].. ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [سورة المعارج: 22-23] إذا دخل الحديد إلى المصنع فلا يخرج سيارة في خمس دقائق، بل يلزمه شهرًا في معمل الصّهر والتّصفية، ومن الممكن أن يحتاج إلى سنين حتَّى يصل إلى طائرة وسيّارة.

المحافظة على الصلاة:

كذلك عليك أن تداوم على الصَّلاة، لكن الصَّلاة ليست حركات الجسد في الرّكوع والسّجود فقط، ولا حركات اللّسان بتلاوة الأذكار وآيات القرآن؛ بل الصَّلاة التي تصلّي فيها بجسدك وعقلك وفهمك، فالصَّلاة جلسة مع الله عزَّ وجلَّ ليكون الله معلّمك وأستاذك ومربيك ومهذبك وطبيبك، ولينقل نفسك المريضة برذائلها وظُلْمها وحيوانيّتها وشرورها من هذه الأعراض النّفسيّة إلى الصّحة الرّوحيّة والأخلاقيّة والفضائليّة، فينقل الإنسان من كاذب إلى صادق، ومن خائن إلى أمين، ومن ظالم إلى عادل وإلى محسن.

أداء الأمانة:

كان النبي ﷺ يقول: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) 2 ، إذا صار خائنًا فخانك وأنت احتقرته لخيانته أفتكون مثله فتخونه؟ ويقول: ((أفضل الفضائل أن تصل من قطعك)) إن قطعك أحدهم من غير حقّ سواء أكان أخاك أو عمك، قال: فلا تكن مثله فتقاطِعه، فعليك أن تصل من قطعك.

وإن كان غنيًّا فلم يعطك مساعدةً فصار فقيرًا وصرت غنيًّا فقال: ((وأن تعطي من حرمك)).

وإن كان قويًّا ظالمًاً فظلمك فصرت القوي، فقال: ((وأن تعفو عمَّن ظلمك)) 3 هذا أفضل الإيمان، وهذه تعاليم إبراهيم وتعاليم موسى وتعاليم عيسى وتعاليم محمد صلَّى الله عليهم وسلَّم، لم يأتِ الثاني لينقض تعاليم الأول، ولا الثّالث ليمحو تعاليم الثّاني.

وكان النّبي محمد عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: ((مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل قوم بنوا دارًا فأكملوه، إلا موضع لبنة)) كَمُل البناء ودخل النّاس يعجبون بهندسته وجماله، ولكن يقولون: لماذا لم يكمَّل بوضع اللّبنة الأخيرة؟ ثمّ يقول سيِّدنا محمد ﷺ: ((فأنا كنت تلك اللبنة)) 4 ، جئت متمّمًا، لا ناقضًا لشرائع الأنبياء قبلي ولا مهدّمًا، بل داعيًا إلى الإيمان بهم إلى جانب ما ختم الله به شريعته ودينه.

معمل الصَّلاة:

من إنسان خام إلى معمل الصَّلاة، كحال جبل الحديد، فهل دخلتم في معمل الصَّلاة؟ وهل عرفتم الصَّلاة التي أرادها الله عزَّ وجلَّ؟ ذكر الله عزَّ وجلَّ أوصاف الصَّلاة التي أرادها، والنّاس يعرفون الصَّلاة أن يُنزل رأسه فيركع ويرفع رأسه وبعدها يضع جبينه على الأرض؛ هذه صلاة الجسد، أمّا صلاة العلم؛ فإن كنت في الصَّلاة فأنت قد دخلت في مدرسة الله عزَّ وجلَّ، وأنت تلميذ والله عزَّ وجلَّ هو المعلّم، وهو المربّي وأنت المربَّى.. كيف ربّى جسدك؟ كان حيوانًا منويًّا وبويضةً، فمن ربّاك حتَّى جعلك إنسانًا سويًّا، تطير في السّماء، وتغوص في البحار، وتسود الشّعوب والدّول.. إلخ؟ يربيك؛ يربي إنسانيّتك وملائكيّتك وأخلاقك؛ لتكون الإنسان الفاضل في مدرسة ومصنع الصَّلاة، قال: أيّ صلاة؟ الصَّلاة التي أرادها الله عزَّ وجلَّ وليست الصَّلاة التي تفهمها أنت، بل التي يُفَهِّمُك الله عزَّ وجلَّ إيّاها ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى [سورة العنكبوت: 45].

هناك حديث يقول فيه الله عزَّ وجلَّ: ((ليس كلّ مصلّ يصلّي، إنّما أتقبل الصَّلاة ممّن تواضع لعظمتي)) لا يعلو على الله عزَّ وجلَّ، فإن طلب الله عزَّ وجلَّ منه طلبًا وطلبت نفسه منه طلبًا، كأن يقول الله عزَّ وجلَّ له: “لا تظلم”، وقالت له نفسه: “اظلم”، أو قال الله عزَّ وجلَّ له: “كن أمينًا”، وقالت نفسه له: “كن خائنًا”، فيقدّم أمر الله عزَّ وجلَّ على ما تشتهيه نفسه.

((إنّما أتقبّل الصَّلاة ممّن تواضع لعظمتي، وكفّ شهواته عن محارمي)) 5 فقد تشتهي نفسك المال؛ لكن ليس من طريق الحرام، بل من طريق العمل والجدّ، وقد تهوى نفسك الجنس، وقد أباحه الله عزَّ وجلَّ لك لكن بالتنظيم الإلهي؛ ليس بالشّكل الفوضوي، فالفرق بين الجنس المباح والجنس الفوضوي؛ أنّ الجنس الفوضوي ينتج منه أمراض الجنس كالسّفلس، وأخيرًا الإيدز الذي عجز علم العالَم عن مكافحته إلى الآن، فمعنى أنّ الله عزَّ وجلَّ ألزمك بزوجتك فقط: يعني جعل لك درعًا من الأمراض المهلكة، وجعل لك درعًا يقي مالك وصحتك.. إلخ.

((وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي)) إذا أخطأت فلا تصرّ وتقيم على خطئك بألّا تتركه، فإن أخطأت فكما قال النبي الكريم ﷺ: ((يا بني آدم كلكم خطاؤون)) 6 فليست مشكلة كبيرة أن تخطئ فكلّنا خطّاؤون، لكن العيب والمؤاخذة أن تصرّ على خطئك بألّا تتركه، وأن تقيم عليه وتصاحبه.

((إنّما أتقبّل الصَّلاة ممّن تواضع لعظمتي، وكفّ شهواته)) كأن يشتهي السّرقة، ويشتهي مال الغير، ويشتهي امرأة الغير، ويشتهي العدوان والظّلم والطّمع والغش ((وكفّ شهواته عن محارمي، ولم يصرّ على معصيتي)) إن أخطأ ونام في مستنقع فيه ملاريا فأصيب بالملاريا، فإذا أصيب بالملاريا فهل سيبقى طوال عمره في حمى الملاريا؟ لا؛ بل عليه أن يصلح ما أفسد، فإذا أسأت فأحسن، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [سورة هود: 114] وقال الله عزَّ وجلَّ عن العصاة: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ [سورة الفرقان: 68-70] التّوبة أن تترك الحرام ﴿وَآمَنَ يعني أن يمتلئ قلبك بالإيمان بالله عزَّ وجلَّ، وتستشعر أنّ الله معك ويعلم ما تعمل، وسيحاسبك على ما تعمل في الدّنيا أو في الآخرة، أو في الدّنيا والآخرة.

الإيمان بالله عزَّ وجلَّ ليس كلمة تُلفَظ باللسان:

فالإيمان بالله عزَّ وجلَّ ليس كلمة تُلفَظ باللسان؛ بل الإيمان بالله عزَّ وجلَّ يظهر في شعورك وفي أحاسيسك، ويظهر أينما كنت، فعندما تريد أن تحيد عن الصراط المستقيم تجد صوت الضّمير الحي بالله يقول لك: “الله ناظر إليك، الله شاهد عليك، الله معك”، فإذا كنت تقود سيّارة وتشاهد شرطي المرور ناظر إليك فهل تستطيع أن تخالف قانون السّير؟ فكيف تخالف جبّار السّماوات والأرض؟ هو المحسن ومصدر الإحسان عليك في كلّ نعم الله عليك، وهو أقوى من كلّ شيء.

((ولم يصرّ على معصيتي، وأطعم الجائع)) هذه صفة المصلّي ((ورحم المصاب، وكسا العريان)) إذا رأيت شخصًا عاريًا من الثّياب يشعر بالبرد وكان جسده مكشوفاً، وكان عندك ما تنفق عليه، فتنفق عليه إن كنت مصليًا، وقد كنت قبل الصَّلاة مانعاً للخير هلوعًا ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [سورة المعارج: 20] ليس عندك صبر على أقل شيء، فالمؤمن يصمد أمام كوارث الحياة، ويقف أمام صدمات الحياة كالجبل، فيعطيه الإيمان قوّة في الصّمود على تحمّل عوارض الحياة، ويعطيه القوّة الإيجابية أن يكون إنسان خير في كل ما يعطيه الله عزَّ وجلَّ من الخير؛ من مال أو جاه أو قوة.

وكيف تتحوّل من حجارة الحديد في الجبل إلى الطّائرة التي تعلو فوق السّحاب؟ قال: بالصَّلاة الدائمة، هذه مواصفات الصَّلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [سورة العنكبوت: 45].

وقد قال ﷺ: ((ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصَّلاة ممن تواضع لعظمتي)) يتواضع لعظمة أوامر الله عزَّ وجلَّ، فإذا أمره الله فأمره عنده عظيم لا يستطيع أن يخالفه، أو يخرج عجلته عن سكّة طاعة الله، فالقطار إذا خرج عن السّكّة يقع في الوادي فيتحطّم ويتحطّم كلّ من ركبه.

المداومة على الصّلاة:

قال: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [سورة المعارج: 22-23] فالصَّلاة مصنع ونُقلة، لكن هل يكون مصنعٌ منتج بلا مدير وبلا عمال وأخصائيين؟ فالمسجد هو مكان المصنع، لكن أين الصّانع في مصنع الإنسان؟ كانوا يصلّون في مسجد النبي ﷺ على التّراب والرّمل حتَّى توفي النبي ﷺ.. فهذا المصنع لكون مديره مُجازًا ومرسلًا ومتخرِّجًا من مدرسة الله عزَّ وجلَّ استطاع ليس أن يوحد قومه؛ بل أن يوحّد نصف العالم؛ ليس سياسيًّا فقط؛ بل سياسيًّا وروحيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا وعائليًّا، حتَّى قال: ((المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) 7 . فهو أول قانون يناصر الإنسان في قانونه وتشريعه، وفي التّطبيق والتّنفيذ العملي.

قصة: عدالة الإسلام حتى مع اليهودي:

اتُّهِم يهودي بسرقة كان قد اتهمه بها مسلم تهمة زور، وشهد المسلمون لمصلحة المسلم على اليهودي، والنبي ﷺ بشر، قال تعالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا [سورة الإسراء: 93] فليس النبي بإله بل كان بشراً، فكاد النبي ﷺ بناء على شهادة الشّهود أن يبرّئ السّارق المسلم ويُدين اليهودي البريء، فقد حكم النبي ﷺ بحسب الظّواهر والبيّنات بأن تقطع يده، فهو يهودي لكنّه بريء، فخالق اليهودي هو الذي نقض الحكم، ونزل روح القدس جبريل عليه السَّلام على النّبي ﷺ يقول له: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ اطلب من الله عزَّ وجلَّ المغفرة لأنّك كدت أن تدين بريئًا وتبرئ خاطئًا ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ فلا تدافع عن المسلم المذنب ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا فالسّارق خائن و﴿أَثِيمًا [سورة النساء: 106-107] يتّهم البريء، نزلت صفحة كاملة من القرآن تدين المسلم وتدافع عن اليهودي، هذه حقوق الإنسان!

في القرآن قصص مختلفة، تارة يكون الإنسان وثنيًّا، وتارة يكون لك خصمًا وعدوًّا لكنّه على الحق، فيجب أن تكون مع الحقّ، قال تعالى: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فإذا كنت المذنب فقل: “أنا المذنب”، اشهد على نفسك ﴿أَوِ الْوَالِدَيْنِ إذا كان أبوك وأمك مذنبين فلا تراعِ أمك وأباك، بل راعِ الحق؛ لأنّ الحق أعظم من كلّ شيء ﴿أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [سورة النساء: 135] فهذه الصَّلاة: المعمل والمصنع، فالجبل كلّه إذا كان حديدًا فكم يساوي؟ لا يساوي شيئًا، والبترول عندما يخرج من الأرض مثل القطران إذا وضعته في محرّك الطّائرة يخربّها، وإن وضعته في السّيّارة يفسدها فلن تتمكن من المشي، وإذا وضعت بعده البنزين فيجب أن تفك المحرك كله.

إلّا إذا دخل معمل التّكرير والتّصفية فيخرج منه زفت وغير ذلك.. وأنت إذا لم تدخل في معمل التّصفية والتّزكية، فهل المعمل يعمل بلا صنّاع وبلا عمال وبلا مديرين وبلا أخصائيين؟ فأنت أغلى من حديد الجبل، وأنت تحتاج لمعالجة خاصة، فحديد الجبل في شهر أو شهرين أو ثلاثة يصير طائرة، أمّا أنت فعليك أن تكون في المصنع طوال عمرك، وتكون تحت المراقبة والإشراف من الأخصّائيّين طوال عمرك، فيمكن بلحظة واحدة تنقلب من طائرة إلى أحجار الجبل، ولذلك قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [سورة المعارج: 23].

تحقيق مواصفات الصلاة وأهدافها:

فالذي يحقّق مواصفات الصَّلاة وأهدافها ينهى عن الفحشاء والمنكر، ((وتواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي)) بشكل دائم، فلا يتصف بهذه الصفات يومًا من الأيام وبعدها يتركها ويدير ظهره ولا يهتم، ويقول: “إني أصلي”، كيف تصلّي؟ فإن كان جسدك يصلّي فقط، فلست مصلّياً، والله عزَّ وجلَّ يقول: ((ليس كلّ مصلّ يصلّي)) فهل المهم أن تصلي أم أن تُقبَل صلاتك؟ فلو كان المراد أن تصلي بجسدك لما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [سورة الماعون: 4] فالويل: الهلاك، لماذا ﴿لِلْمُصَلِّينَ؟ قال: لأنّهم صلّوا بأجسادهم ولم يصلّوا بأعمالهم وأخلاقهم وتقواهم.

﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ متغافل عن أهداف الصَّلاة وعن متطلّباتها وواجباتها ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ إذا عمل الخير فيعمله ليراه النّاس فيمدحونه، ولا يعمله لله ليكسب رضاه ويكتسب القرب منه ومن أخلاق الله عزَّ وجلَّ، ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [سورة الماعون: 5-7] يمنعون معونتهم لمن يطلب منهم الاستعانة، فالضّعيف يطلب معونة القوي، والفقير يطلب معونة الغني، والضّائع الجاهل في الطّريق يطلب إرشاد من يعرف الطّريق، فالمصلّي إذا كان لا يعين المستعين، ولم تكن أعماله خالصة لوجه الله وطلبًا لرضائه فقد قال الله عزَّ وجلَّ: الويل والهلاك والثبور لهذا المصلي.

فقد تصلّي وتنزل عليك اللّعنات في صلاتك، فعندما تصلي وتقرأ في القرآن قوله تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة هود: 17] وأنت ظالم لإنسان أو ضعيف، أو زوجة أو زوج، أو أخ أو جار أو فقير، فأنت ظالم وتقول في الصَّلاة: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ فهل صارت صلاتك عليك بركة أم لعنة؟ لماذا؟ لأنّ الحديد إذا كان سيبقى في الجبل ولا يأتي للمصنع وتحت إشراف المهندسين والأخصائيين لا يصير طائرةً ولا يصير سيارةً؛ لذلك في حياة النبي ﷺ كانت الهجرة إلى النبي ﷺ واجبة من مكة إلى المدينة على الرّجال والنّساء والأطفال وهي خمسمئة كيلومتر، فالهجرة تعني نقل حجارة الحديد من الجبل إلى المصنع وبإشراف المدير والأخصائيّين والمهندسين المشرفين.

قد يصلّي المسلم الآن لكن ليس ضمن المصنع، إن قلت: حديد فهو حديد، لكنّه في الجبل فما الفائدة منه؟ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ التي وصفها الله عزَّ وجلَّ وطلبها ﴿دَائِمُونَ ليس اليوم تقيًّا وغدًا لا يوجد عنده تقوى، بل بشكل دائم على تقوى من الله، فيجب أن تكون كلّ يوم أفضل من الذي قبله، كان النبي ﷺ يقول: ((من استوى يوماه)) إذا كنت هذا اليوم مثل البارحة، بألّا تزداد في تقواك ولا أخلاقك ولا استقامتك ((من استوى يوماه فهو مغبون)) مثل الذي اشترى سلعة بأكثر من ثمنها، أو باع شيئاً بأقل من ثمنه.

((ومن لم يكن يومه خيرًا من أمسه فهو محروم)) يقول لك الدّين: يجب أن تكون في كلّ ساعة أفضل من الساعة التي قبلها؛ في أخلاقك وفي أعمالك وفي إنتاجك، وفي عقلك وفي تفكيرك، وفي معاملتك للنّاس ((ومن لم يكن يومه خيرًا من أمسه فهو محروم، ومن لم يكن في زيادة)) يعني من الخير ومن العلم ((فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالموت خيرٌ له)) 8 ؛ لأنّك ستحاسب على عمرك.. هذا اليوم ماذا فعلت فيما أعطاك الله من حياة فيه؟ أعطاك القوّة والسّمع والبصر، فبأي شيء استعملتها؟ .. إلخ.

إعطاء نعمة المال حقّها:

قال: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ [سورة المعارج: 24] فالمال ليس كله لك، إن كنت غنيًّا- نسأل الله أن يبارك لك- لكن ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ يوجد معك شركاء في هذا المال، أو في الجاه، أو في الحكم والسّلطان، فعلى الأغنياء ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ محدّد ﴿مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ لمن يطلب ويقول لك: “أنا محتاج”، وورد في الأثر أن النبي ﷺ قال: ((أعطوا السائل ولو جاء على فرس)) 9 قد يوجد شخص لا يستطيع العيش بلا فرس، وقد يكون محتاجًا، فهل تمنعه فرسه المحتاج إليها من حقّه في أموال الأغنياء؟ ﴿حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [سورة المعارج: 24-25] الذي يستحيي أن يسأل لعزّة نفسه، فيجب أن تكون أنت من يسأل عنه. فهل هذا اسمه دين؟ إذا كان دينًا فواللهِ إنّه أغلى من الجوهر، وإذا كان اسمه أخلاقًا وتربية فهذا أعز من الحياة، وإذا كان اسمه ثقافة فهذا أعز من الرّوح.

بهذا المصنع، كان العرب في الصّحراء التي حرارتها تبلغ خمسين درجة، وكانوا أميّين لا يقرؤون ولا يكتبون، وأعداء يتقاتلون، وفقراء يأكلون الفطائس والجيف من الفقر، فدخلوا في مصنع المسجد، ولكن يوجد في المسجد ومصنعه مديره ومهندسوه، فدخلوا كالحجارة فخرجوا يعلون في السّماء فوق السّحاب وفوق الغيوم، ((وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت)) 10 .

مرةً جمع النبي ﷺ الأنصار فخاطبهم، قائلاً: ((ألم أجدكم ضُلَّالًا فهداكم الله بي؟ جهالًا فصرتم علماء؟ ألم أجدكم عالة- فقراء- فأغناكم الله بي؟)) 11 فالدّين نقلة من الجهل إلى العلم، ومن الظّلم إلى العدل، ومن الإساءة إلى الإحسان، ومن التّخلّف إلى التّقدّم، ومن الفقر إلى الغنى، كان عمر رضي الله عنه يقول: “لو كان الفقر رجلًا لقتلته”، وماذا قال النبي ﷺ عن الفقر؟ قال: ((كاد الفقر أن يكون كفرًا)) 12 ، يعني أنّ الفقر مثيل وشبيه ورفيق للكفر، وبماذا خاطب الله عزَّ وجلَّ النبي ﷺ؟ قال له: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [سورة الضحى: 8] نقلك بالدّين من الفقر إلى الغنى، والنّقلة كيف تكون؟ هل تكون بالكسل أو البطالة أو الجهل؟ لا؛ بل بالعمل والعلم والجد والاجتهاد، والاستقامة والأخلاق.. إلخ.

التّصديق بيوم الدين:

قال: ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [سورة المعارج: 26] هذه مواد المدرسة، ومواد المصنع، فهل الأحجار بمجرد أن تدخل المصنع تصبح سيارة من لحظتها؟ بل تمر بخمسمئة مرحلة أليس كذلك؟ يطحنونها ويُصَفُّونها ويصهرونها ويذيبونها ويضعونها في قوالبها.. إلخ، فمن الممكن أن تحتاج إلى سنة حتَّى تصير سيارة أو طائرة أو غير ذلك.

فأيضًا هنا درجة درجة: أولًا: ﴿عَلَى صَلَاتِهِمْ التي أرادها الله عزَّ وجلَّ ووصفها لنا في القرآن ﴿دَائِمُونَ، ثانياً: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ هذه المرحلة الثانية في تصنيع الإنسان الرباني، الإنسان الإنساني، ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ أهذا يكون منوعًا أم هلوعًا إذا كان ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ؟ وإذا لم يخصّص من ماله حصة الفقير والمسكين فماذا يكون؟ ﴿هَلُوعًا [سورة المعارج: 19]، فهل يكون من المصلين؟ لا، فصلاته باطلة [في هذا المستوى] وصلاته لم تعط ثمارها، فالشّجرة إذا لم تعط حيويتها من أوراق وزهور وثمار لا تصلح إلّا للحطب وللحرق.

﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ يوم الدّين: يوم الحساب، ويوم الجزاء، وهو يوم القيامة، فقد يحاسب الله عز وجل الإنسان في الدنيا على بعض أعماله، أمّا الحساب الكلي فهو الذي تُقدَّم فيه صحائف أعمالك في كتاب ﴿لَا يُغَادِرُ يعني لا يترك من أعمالك ﴿صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [سورة الكهف: 49].

عندما تُعرَض صحائفه أمام الله عزَّ وجلَّ، فإن كان من أمة سيِّدنا محمد ﷺ- وسيدنا محمد ﷺ في المحكمة- فيسأل الله عزَّ وجلَّ سيدنا محمدًا ﷺ: “هل بلَّغته رسالتي وكتابي وقرآني؟” فيقول له: “بلَّغتُه”، فيسأله: “هل تبلَّغت؟” فيقول: “تبلغت”، فيقول له: “لماذا لم تفعل حسب ما بُلِّغت به؟”.

وإذا كان من أمة سيِّدنا عيسى عليه السَّلام يسأل سيِّدَنا عيسى فيقول له: “هل بلَّغتَ؟” يقول: “بلَّغتُ”، فيقول له: “هل تبلَّغتَ؟” فيجيبه: “تبلغت”، فيقول له: “لماذا خالفت أمري؟” لماذا أبقيت نفسك حجارة في الجبل؟ فحجارة الجبل أين توضع؟ تبقى في مكانها.

في محكمة الله عزَّ وجلَّ التي أُحصِيت فيها أعمالك، ليس بالفيديو، فالفيديو بعد سنة أو عشر أو عشرين أو ثلاثين يبطل مفعوله، أمّا فيديو الله فتُكتَب أعمالك في صفحات روحك ونفسك، يقول لك الله عزَّ وجلَّ: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [سورة الإسراء: 14] إذا كان أسود اللون وقلت له: انظر إلى نفسك في المرآة واحكم على نفسك، فهل تستطيع أن تحكم على نفسك بأنك أبيض؟ وإذا كنت أعوراً ولا ترى عينك العوراء فخذ هذه المرآة ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ هل تستطيع أن تقول عن نفسك بأنك ذو عينين بصيرتين؟ ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة النمل: 90].

قصة: يريد أن يجني القمح من الشعير:

يقال بأنّ غنيًّا كان عنده عبدٌ وله مزرعة، وكان الغني عاصيًا لأوامر الله عزَّ وجلَّ، وكان عبده رجلًا صالحًا ينصح سيِّده فلا يصغي إليه، فيومًا ما أعطاه بذار قمح ليزرعه، فزرع بدلًا من القمح شعيرًا، فعندما نضج الزّرع أتى سيِّده إلى المزرعة وإذا به يرى السّبل سبل شعير، فالتفت إلى عبده متسائلًا مغضبًا، قال له: “ماذا أعطيتك لتزرعه؟” قال: “قمحًا”، قال: “وما هذا الحصاد؟ قال له: “شعير”، قال: “كيف أعطيتك قمحًا لتزرعه فزرعت شعيرًا؟” قال له: “رجاء من الله أن يجعل الشعير قمحًا، هكذا أنا طلبت من الله عزَّ وجلَّ”، قال له: “ويحك يا أحمق، يا حمار! إذا كان البذار شعيرًا فهل يصير قمحًا بمجرد الرجاء والتمني والاشتهاء؟” قال له: “وأنت يا سيِّدي تفعل المعاصي وتفعل الفسوق وأنا أنصحك فتقول لي: الله غفورٌ رحيم”.

ويقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ دخل المصنع، فقبل كلّ شيء يجب أن يترك ما هو عليه، ويعمّر قلبه بالله، ويمتلئ قلبه من خشية الله وعظمته، ﴿وَعَمِلَ وبعدها يجب أن ينتج الإيمان العمل الصالح، ثمّ بعد ذلك: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى [سورة طه: 82] إلى ما يجب أن يعمله، كما قال سيِّدنا عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام: “تزرع الشوك وتريد أن تجني العنب؟ كذلك لا ينزل الأشرار والفجار في منازل الصالحين والأبرار”.

قال: ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ والآن فهل أنتم مصدّقون بيوم الدين؟ وهل الكاذب مصدّق بيوم الدين؟ وهل الغشّاش مصدّق بيوم الدّين؟ وهل الذي يسمع الأذان “حي على الصَّلاة” ولا يذهب إلى المسجد مصدّق بيوم الدين؟ وهل الذي يعقّ والديه مصدّق بيوم الدّين؟ وهل الذي يخون الأمانة، والذي يأكل الحرام، والذي يتعدى على الناس، والذي يكذب، والذي يغتاب، والذي يظلم؛ يصدقون بيوم الدين؟ فهل تفيد أن يقرأها في المصحف أو في الصَّلاة؟

فحجارة الحديد من الجبل إذا أتيت منها إلى المنزل بما يقارب العشرين طنًّا ووضعتها في مستودعك وقلت: “عشرون طنًّا في المصنع صاروا ثلاث سيارات مرسيدس، وهذه أريدها أن تصير سيارات مرسيدس”، هل تصير مرسيدس هكذا بمجرد جلبها بلا تصنيع ولا صناع ولا مهندسين؟

الإيمان بالعمل وليس بالتمني:

((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي)) التّحلّي: التّشبه بأن تتشبّه فتطلق لحية وتلف لفّة [تلبس عمامة]! فبهذه الأمور لا تنال الإيمان، ((ولكن الإيمان ما وقر في القلب)) 13 يمتلئ قلبك من خشية الله عزَّ وجلَّ ومن نوره وعظَمته.

((أفضل الإيمان أن تعلم أنّ الله معك حيثما كنت)) 14 ، فأما أن تأتي بأحجار الحديد من الجبل على أساس أن تصبح طائرة، وتركب على إحدى الصّخور، وتقول لهم: “ضعوا أيضًا بنزينًا عليها”، فضعوا لك البنزين، وأحضرت البطارية لتعمل الشّرارة، وركبت على الصّخرة، وقلت لهم: “أحضِروا شعلة”، فأحضَروا الشعلة، ضعوها فوق الصخرة، ماذا تكون النّهاية؟ يحترق هو والصّخرة معًا.. وهذا هو حال كثير ممن يدّعون الإسلام أو يدّعون الإيمان بالتمني، لا من طريق المعلّم ولا المربّي ولا الحكيم.

فهل يصير أحدٌ نجارًا بلا مدرسة النّجارة ومعلّم النّجارة؟ وهل يصير طبيبًا بلا أساتذة كلية الطب؟ وهل يصير مزارعًا إذا لم يتعلّم من مزارع بصحبته وخدمته وأن يمضي السنوات معه؟ فكيف يريد المسلم أو المؤمن أن يصبح مسلمًا ومؤمنًا ومصليًا ولا يعرف الصَّلاة؟ يعرف فقط أن يغسّل يديه.. هناك من الشّيوعيين من ينزل في البانيو [المغطس]، فلا يغسل يديه وقدميه ووجهه فقط، فالمغطس كم وضوءًا يساوي؟ للوضوء يكفيك ثلاث أو أربع حفنات ملء الكف، والمغطس كم وضوءًا يعادل؟ ما يقارب الخمسين وضوءًا، فهل أفاده المغطس شيئًا؟ فعلينا ألَّا نُغَرَّ ولا نبقى في الجهل عن فهم الحقيقة، والصَّلاة يجب أن تكون صلاة ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [سورة العنكبوت: 45].

المقصود بالمعارج:

﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ [سورة المعارج: 3] ورد أنّ “الصَّلاة معراج المؤمن” 15 ، ما المقصود بالمعراج؟ ليس سلمًا ودرجًا تصعد عليه ومصعدًا؛ بل صعود في الفضائل والكمالات، وفي الإيمان والأخلاق، وفي مراقبة الله عزَّ وجلَّ والمخافة منه فلا تقدم على معصيته، وفي محبة الله عزَّ وجلَّ فتسارع إلى طاعته، وتسارع إلى أحبابه، وتسارع إلى المهندسين الذين يصنعون الإيمان في القلب، والحكمة في العقل، والأخلاق والتزكية في النفس، وأما أن تدّعي

وكلٌّ يدَّعي وصلًا بليلى وليلى لا تقرُّ لهم بذاكَ

التصديق يظهر بالعمل:

حسنًا، صدّقنا بيوم الدين، فهل تصدّقون بيوم الدّين؟ الدين: كما تدين تدان، وكما تفعل تجازى وتحاسَب، فإذا صدّقتم بالأفعى وبعدها أمسكتموها من ذيلها ووضعتم فمها عند شفتكم ولسعتكم من شفتكم، وأنتم تقولون: “نحن نصدِّق بأن الأفعى قاتلة، وصدق القائل، وجزاه الله خيرًا من ناصح مخلص”، فهل هذا القول أصدق، أم عملك بإمساكك الأفعى وهي تلسعك من شفتك؟ فعملك يقول: “إنّ هذه ليست مضرّة”، ولكنك تقول مضرة وأنت تفعل؛ إذًا فأنت كافر في العمل مصدّق في القول، فأيّ النّوعين أصدق وأحقّ بالواقع، القول أم العمل؟

إذا قال لك أحدهم: “أنا أحبّك”، وصفعك عشرين صفعة، ومعه عصا فأخذ يضربك بها على ظهرك، وهو يقول لك: “روحي فداؤك، أنا لا أحب أحدًا مثلك!” ويضربك بالسياط، وآخر قال لك: “أنا لا أحبك أبدًا أبدًا أبدًا”، ومعه ملء كفه دنانير ذهبية فوضعها في جيبك وقال لك: “انظر أنا عدوك”، ثم وضع حفنة ثانية في جيبك الآخر وقال لك: “أنا لا أحبك، أنت عدوي”، وبعدها أتى بقلادة من ألماس ووضعها في عنقك، فأيّهما أصدق المحبة أم العداوة فبالقول قال: عدوك، وبالفعل

وإذا المقالُ مع الفعالِ وزنتَهُ رَجَحَ الفعالُ وخفَّ كلُّ مقالِ

لا يقبل إيمان القول فقط:

فاحذروا أن تكونوا مؤمنين بالقول، فإذا كنت مؤمنًا بالقرآن فيجب أن يُقرَأ القرآن في أعمالك وأخلاقك، وفي سلوكك ومعاملاتك، وفي خشيتك من الله عزَّ وجلَّ وحبّك له، وفي مسارعتك إلى رضاه، وفي بعدك عن محارم الله عزَّ وجلَّ، هذا هو المصلّي، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وقال أيضاً: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [سورة المعارج: 27] مع الصَّلاة الدائمة، ومع الحق المعلوم في أموالهم، ومع ﴿يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، ومع الوقوف عند حدود الله عزَّ وجلَّ، ومع ذلك يخاف من الله عز وجل أن يحاسبه؛ لأنّ له أخطاء كثيرة، فمع كلّ يقظته يخاف: “ما عبدتك حقّ عبادتك، وما أطعتك حقّ طاعتك”.

فكما قلنا: “لا يمكن أن يخالف سائقٌ أمام شرطي السير فيمشي على اليسار أليس كذلك؟” وإذا كان هناك شخص من الأمن فهل تستطيع أن تتكلّم بكلمة ضد الدّولة؟ لا؛ لأنّ الرّقيب معك، فإذا كان الله عزَّ وجلَّ هو الرّقيب عليك، قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [سورة الحديد: 4]، وقال أيضاً: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [سورة طه: 7] فهل آمنتم بهذا الكلام؟ ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [سورة البقرة: 234] ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سورة الأنفال: 75] فهذا قرآن، فهل آمنتم به؟

أنا عندما أومن بالمذياع أضعه أمامي، ولو كان طاولة فهل أبقيها أمامي؟ أقول لكم: أبعدوها. فلا نريد أن يكون إيماننا إيمان الأوهام وإيمان التّمنّي؛ لأنّك لا تعرف في أيّ ساعة ستدعى إلى لقاء الله عزَّ وجلَّ وتساق إلى محكمته، فلا مالك يفيدك ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ لو كنت تملك الدنيا، ولو كنت ملِك الدّنيا ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [سورة الحاقة: 28-29] فالدّولة والعظَمة أمام الله عزَّ وجلَّ لن تبقى ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [سورة مريم: 95].

الإشفاق من عذاب الله تعالى:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [سورة المعارج: 27] كان النبي عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: ((لو يؤاخذني اللهُ وعيسى بنَ مريم)) إذا أراد الله عزَّ وجلَّ أن يحاسبني أنا والمسيح على تقصيرنا بحقّه؛ لأنّنا مهما عبدنا الله عزَّ وجلَّ فنحن مقصّرون، تصلّي خمس دقائق، فكم تساوي عيونك؟ لو أنّ أحدًا قال لك: “لا أعطيك عيونًا حتَّى تأتي وتخدمني كل يوم ست ساعات أو عشر ساعات”، تقول: “يا أخي لا يمكن أن أبقى أعمى”، ورجلاك كم تساويان؟ هل رجلاك أفضل أم المرسيدس؟ أتأخذ سيارة مرسيدس موديل خمس مئة بلا رجلين أم تمشي على قدميك؟ أيّهما أفضل؟ فهل تصعد سيارة المرسيدس على السّلم أو على الدّرج أو على الشّجرة؟ فرجلاك أعظم أم المرسيدس، أم الطائرة؟ أتعطينا رجلاك وتأخذ طائرة بوينغ؟

قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [سورة التكاثر: 8] هذا كلام الله عزَّ وجلَّ، لا يوجد فيه شك، غدًا سنقف، وسنترك أجسامنا وبيوتنا وأهلنا وأولادنا وحكمنا وسلطاننا وثرواتنا، ونقف وحدنا بين يدي الله ولا يوجد محامٍ، ولا تستطيع التّحايل على الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ [سورة النور: 24] فالنبي ﷺ يقول: ((لو يؤاخذني الله)) هو محمد رسول الله ﷺ، وعيسى روح الله عليه السَّلام، قال: إذا أراد الله عزَّ وجلَّ أن يحاسبنا مائة على مائة ((لعذَّبنا ثم لم يظلمنا شيئًا)) 16 ، فإذا كان النبي ﷺ يقول هكذا، وسيِّدنا المسيح عليه السَّلام يقول هكذا، فماذا سنقول نحن؟ هل نحن أعلى منهما؟

ثمرات الإيمان والصلاة:

هذا هو الإيمان، وهذه ثمرات الصَّلاة ﴿فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [سورة المؤمنون: 2] لأنّك تتلّقى في الصَّلاة أوامر الله عزَّ وجلَّ وتعاليمه، فالمصلّي الحقيقي يخشع لأمر الله عزَّ وجلَّ.. عندما يركع فمعنى الركوع: سمعًا وطاعة، وإشارة جسديّة بأن ينحني أمام ربّه عزَّ وجلَّ، ثمّ السّجود: التّودّد والتّقرّب إلى الله عزَّ وجلَّ والتّذلّل جسديًّا، والسجود الجسدي يجب أن يكون ظلًّا وفيئًا للتّواضع الروحي والقلبي والعقلي، هذا هو المصلّي ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [سورة المعارج: 23].

الإشفاق من عذاب الله:

﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ خائف من عذاب الله مع كلّ طاعته ومع كلّ هذه المواصفات ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا يعني يعملون الأعمال ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ مملوءة بالخوف والخشية من الله عزَّ وجلَّ، لماذا؟ ﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [سورة المؤمنون: 60] سألت عائشة رضي الله عنها النبي عليه الصَّلاة والسَّلام عن تفسير هذه الآية فقالت: “يا رسول الله، أهؤلاء الذين يكذبون ويسرقون ويفسقون ويفجرون؟” قال: ((لا، هؤلاء الذين يصلون ويصومون ويتصدّقون ويخافون من عذاب الله!)) 17 ، يعني لا يزكي نفسه بل دائمًا في مراقبة لنفسه، ويعمل دائماً على محو السّيّئات والازدياد من الأعمال الصّالحة والخيرات.

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [سورة المعارج: 28] ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [سورة الأعراف: 99] إن سألت أكثر النّاس: “أخي لماذا تفعل هكذا وهو حرام؟ يجيبك: “الله غفور رحيم!” فالمؤمنون من عذاب ربهم مشفقون خائفون ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ أما هذا فهو آمن من عذاب الله، والنّبي ﷺ لم يكن آمنًا، وهو من هو، والأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام وهم من هم كانوا يصلّون، وهل كان سيِّدنا عيسى عليه السَّلام يصلّي أم لم يكن يصلّي؟ أكان يبكي من خشية الله أم لم يكن يبكي؟

ضبط العلاقة بين الرجل والمرأة:

قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [سورة المعارج: 29-30] خلق الله المرأة للرّجل والرّجل للمرأة، وجعل لهذا الاتصال نظامًا وهو الزّواج، فالمؤمن يمشي منتظمًا حسب قانون الله عزَّ وجلَّ، لماذا؟ حتَّى لا تضيع الأنساب، فإذا حبلت بسبب الزنى فلا تعرف من أبوه، وبالزّنى لا تستقرّ حياة المرأة ولا الرّجل، وتنتشر الأمراض بسبب الزنى، فالمؤمن له نقلة من الجنس الفوضوي المعرّض للأخطار والأمراض والهلاك والعذاب وضياع الأموال إلى الجنس القانوني السَّماوي الإلهي.

فعندما يضع الله عزَّ وجلَّ قانونًا لا يحتمل الخطأ حتَّى يحتاج إلى مراجعة، وضَعَ القانونَ لمن خلقه وهو الإنسان، فالذي خلق الإنسان ألا يعلم ما يصلحه فيفرضه وما يهلكه فيحرّمه؟ فكلّ أوامر الله عزَّ وجلَّ هي لمصلحتك أيها الإنسان، هل قال لك: لا تتزوج؟ وهل قال لك: لا يوجد جنس؟ بل قال لك: تحتاج إلى واحدة وإذا اقتضى الأمر لضرورة أو لحاجة فاثنتين وثلاث وأربع.

قصة بيان الشيخ رحمه الله لأحد المسؤولين حكم التعدد:

مرّة كنت مع أحد كبار كبار المسؤولين فتكلمنا عن الزواج وتعدّد الزّوجات، فقلت له: “أرى أنّه لا يوجد تعدد زوجات في المسلمين إلا في النادر كما هو الواقع.. [الشيخ يسأل الحضور في المسجد وعددهم بالألوف: من عنده أربع زوجات يرفع يده؟ فلا يرفع أحد، ثم يقول: من عنده ثلاث زوجات؟ فلا أحد يرفع، ثم يقول: من عنده اثنتان يرفع يده؟ فلا يرفع إلا واحد، فيقول: هذا واحد من آلاف].

قد تمرض المرأة أو تُقعَد أو.. إلخ. فهل يقع الرّجل في الزنى؟ ألا يريد من يخدمه ويخدمها؟ فأباح التّعدد بشروط لا يتحملها الإنسان إلّا بكلّ صعوبة”، ولذلك ففي هذا المجلس لا يوجد منكم من لديه أكثر من زوجة إلا واحد.

وعليه أن يحفظ فرجه إلّا عن زوجته، فهذا حفظ حقوق المرأة، وإذا تعدّى فذهب إلى امرأة أخرى فيحكم عليه بالإعدام رجمًا بالأحجار؛ لأنّه تعدّى على حقوق المرأة، فيرجم الخائن لزوجته بالإعدام تقديسًا لحقوق المرأة، ومع الحكم بالإعدام جعل الله عزَّ وجلَّ لهذا الحكم من المعوّقات ما لا يمكن معه تنجيزه وتنفيذه.

فأوّلًا كلّ الجرائم يكتفى فيها بشاهدين إلّا الزنى يحتاج لأربعة شهود، وهل إذا أراد شخص أن يزني بامرأة سيأتي بأربعة حتَّى يحضروا الجلسة ويحضروا الفيلم؟ إن أراد أن يفعلها يفعلها بكلّ خفاء، حتَّى إن أراد أن يجامع زوجته هل يفعلها أمام الناس؟

لا بد من أربعة شهداء، ويجب على كلّ واحد منهم أن يرى الزنى كما يرى دخول الميل في المكحلة والحبل بالبئر.. خمسون حكَمًا من حكام الملاكمة من جماعة محمد علي كلاي أو المصارعة الذين يقربون رؤوسهم ليتأكدوا من تثبيت الخصم لا يستطيعون أن يروا الميل ولا المكحلة، وإذا شهد ثلاثة الميل في المكحلة وقال الرّابع: رأيتهما معاً ولم يشهد كالميل في المكحلة فكلّ واحد من الثلاثة يُجلَد ثمانين جلدة، لأنّه اتهم إنسانًا لم يثبت عليه الزنى، أيضًا هنا خطر على الشاهد.

قصة: الشيخ يجيب روجيه غارودي عن الحدود:

مرة كان عندي روجيه غارودي الفرنسي الذي أسلم، فسألني عن الحدود في الإسلام، فقلت له: “لا يوجد حدود في الإسلام”، والواقع هناك حدود لكن يجب على الإنسان أن يعرف كيف يوصف قانون الله للإنسان حتَّى يتقبّله، فقال لي: “كيف لا يوجد حدود؟” وقد قال الله عزَّ وجلَّ في القرآن: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [سورة المائدة: 38] وورد الجلد ﴿مِائَةَ جَلْدَةٍ [سورة النور: 2] قلت له: “أنا قارئ القرآن وحافظه من خمسين أو ستين أو سبعين سنة”، لكن مع وجود الحدود قال النبي ﷺ: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات)) 18 فهذا خطاب لمن؟ للقضاة وللحاكم، فيعني لا تقيموها، وأنت أيّها القاضي كن المحامي عن المذنب الجاني، ودافع عنه.

ولذلك لمّا أتى زانٍ إلى النّبي ﷺ فقال له: “زنيت فطهِّرني”، فيريد النّبيّ ﷺ أن يدرأ الحدود بالشبهات، قال له: ((لعلك قبلت؟ لعلك لامست؟)) فقال له: “لا، بل زنيت فطهِّرني”، قال له: “اذهب وعُد غدًا”، فأتى في اليوم الثّاني قال له: “زنيت”، قال له: ((لعلك قبلت؟)) 19 أربع مرات في أربعة أيام، فهل كان النبي ﷺ غبيًّا إلى هذا الحد حتَّى لا يفهم ماذا يتكلم؟ هل يتكلم بالتركي أو بلغة غير مفهومة؟ بعدها قال له: ((أتعرف الزنى؟)) قال له: “أعرف”، قال: ((استنكهوا فمه لعله سكران)) شَمُّوه فإذا به ليس بسكران، قال له: مثل الميل بالمكحلة والحبل بالبئر؟ قال: نعم، جعل له النبي ﷺ خمسين مَخْلَصًا، فهو المحكمة وهو القاضي وهو المنفذ.

هل هذا قانون يُنتقَد؟ وهل مرض الإيدز أفضل؟ يتمنى مريضه الموت فيبقى معذَّبًا عشر سنوات يتمنى الموت في كلّ لحظة ولا يموت، فأيّهما أفضل؟ فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفّق الإنسان إلى تشريع الله، لنعيش في ظل مدرسة الله عزَّ وجلَّ، وليصير لنا قيمة كما يتغير الحجر الجبلي إلى طائرات وسفن وقطارات وأجهزة وسيارات بدل أن تبقى أحجارًا قاسية صلبة صلدة.

تتمة قصة بيان الشيخ رحمه الله لأحد المسؤولين حكم التعدد:

فبينما كنت أنتقد تعدد الزوجات أمام المسؤول، فقال لي: “الصحابة رضي الله عنهم والنبي ﷺ ألم يتزوجوا؟” قلت له: “إنّ النبي ﷺ تزوج، وتُوُفِّي عن ثماني زوجات، فالنبي ﷺ كان مشرّع الأمّة؛ أمة الصحراء، ولا يوجد مدارس، فالمرأة نصف المجتمع، فكان الصّحابة رضي الله عنهم يجلسون معه ويعلِّمهم، فمن يستطيع أن يتعلم كلّ شيء من النبي ﷺ ليبلِّغ المرأة ويعلمها؟ فاحتاج النبي ﷺ إلى تعدّد الزوجات ليكنَّ المعلمات، وكثير من زواجه كان زواجًا سياسيًّا، يتزوج من عشيرة عظيمة، فبالزواج يعتبرون أنفسهم حلفاء النبي ﷺ فلا يحاربونه، أي إنّه يطفئ الحرب بزواج، ويعقد السّلام بعرس، فهل الحرب وسفك الدماء وتطاير الرؤوس أفضل أم الزّغاريد والعرس؟ وبعدها تنقلب المرأة إلى مَدْرسة وإلى معلمة.. إلخ.

قلت له: “فالنبي ﷺ يستحق، والصحابة رضي الله عنهم يستحقون؛ لأنّهم عملوا من نصف العالَم أمّة واحدة، لكنَّ الرجال في هذا الزمان نصف واحدة كثيرة عليهم!”

فضحك كثيراً، قال لي: “أستاذ، سماحة المفتي”، قلت له: “نعم؟” قال لي: “ألا تعرف أن لدي اثنتين؟” وكنتُ أنتقد التّعدّد، فقلت له: “عندك اثنتان؟” قال لي: “نعم”، قلت له: “إذًا ما عداك!” [ما عداك: أنت مستثنى من هذا الكلام.. يقول ذلك الشيخ وهو يضحك].

رعاية العهد والأمانة:

لم يكتفِ مع كلّ التبدلات أنّه خرج من الهلع، وليس بكلّ هذه التّبدّلات صار المصلّي الدّائم، قال: هناك مواصفات إضافية أيضًا حتَّى تصير المصلي الحقيقي، إذا لم تكن ﴿لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [سورة المعارج: 29] فأنت لست مصليًا، وكذلك إذا لم تصدق بيوم الدين في أعمالك ومعاملاتك بألا تظلم ولا تغش ولا تكذب، ولا تتعدى بأقوالك وسمعك وبصرك وسهراتك وكذلك في كلّ أعمالك.

قال بعدها: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [سورة المعارج: 32] الأمانة إذا استودعك أحدهم وديعة، ووضع عندك أمانة، أو تحدّث أمامك بحديث لا يرضى أن تذيعه أمام الآخرين، فالنبي ﷺ قال: ((المجالس بالأمانة)) 20 إذا كنت تعرفه يغضب إذا بلَّغتَ كلامه للغير فأنت نمّام، فيجب أن تكون محافظًا على الأمانة، سواء في الأموال وفي الأعمال، سواء كنت شريكًا أو كنت أجيرًا أو كنت معلمًا أو صرت مدينًا؛ فهذه كلّها أمانات، يجب أن تؤدي الحق إلى أهله.

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ لمّا اعتقل الصحابةُ رضي الله عنهم صهرَ النبي ﷺ زوجَ ابنته زينب وهو يقود قافلةً تجاريةً لكفار قريش، كان من عادة قريش يجمعون الأموال ويعطونها لتاجر يتاجر بها شريكًا مضاربًا، فأمسكه الصّحابة رضي الله عنهم في الطّريق مع قافلته ثم أسلم، قالوا له: “بما أنّك أسلمت وهذه القافلة التي هي من أموال الكفار فلا ترجعها، خذها لنفسك، وهؤلاء كفار”، فقال لهم: “لا أرضى لإسلامي أن أفتتحه بغدرة”، لا أرضى أن أفتتح إيماني، فأول ما أدخل في الإسلام آكل أموال النّاس؟ “أفتتح إسلامي بغدرة؟” هذه الأمانة ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ العهد: إذا وعدت إنسانًا بالعطاء يجب ألّا تخلف، وإن وعدته بالمساعدة فيجب أن تساعده، وإن وعدت إنساناً أن تلتقيه السّاعة العاشرة، فالسّاعة العاشرة تعني العاشرة، فإذا جئت في العاشرة والنّصف فقد أخلفت الموعد، ولم تشملك الآية، وتكون قد دخلت إلى المصنع حجرًا وخرجت حجرًا.

يأتيني كثير من الأجانب من سفراء وغيرهم، والوعد عندهم محترم.. أتاني مرة سفير سويسرا، وكان الموعد الساعة عشرة فعندما جلس على الكرسي نظر وإذ هي العاشرة وثلاث دقائق، فظهر عليه الندم والخجل، وكأنّه عمل شيئًا كبيرًا، قال لي: “سماحة المفتي لا تؤاخذني أنا تأخرت ثلاث دقائق”، سبحان الله! ولماذا ابن البلد يكون الموعد الساعة العاشرة فيأتي في العاشرة والنّصف أو في الحادية عشرة، أو الحادية عشرة والنصف، أو الثّانية عشرة، وقد لا يأتي، ولا يتّصل بالهاتف ليعتذر، أهذا مؤمن بالقرآن؟ هذا كذّاب ومنافق.

صفات المنافق:

قال ﷺ: ((آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب)) 21 ، أهذا مؤمن أم منافق؟ فمن الذي يسميه منافقًا؟ ولو وعدت طفلًا صغيرًا فهذا وعد، ولو وعدت أجيراً وأنت الملِك فيجب أن تفي بوعدك، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [سورة المائدة: 1]، والوفاء بالوعد في الأمور الصّغيرة والأمور الكبيرة على حدّ سواء، فإذا وعدت زوجتك أو أجيرك أو جارك أو عدوك، فلا تقلْ: “أخي والله أنا ليس من مصلحتي أن أفِي بالعهد”، أهذا إسلام؟ أهذا إيمان؟ أهذا قرآن؟ فأنت منافق ولو كنت تصلي كلّ يوم خمسة آلاف ركعة، قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [سورة الإسراء: 34].

القيام بالشهادة:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [سورة المعارج: 32-33] إذا شهد شهادة ودُعِي إليها فعليه أن يشهدها كما هي، ولو على نفسه، فعليه أن يعترف: “أنا أذنبت”، ولو على أبيه، فعليه أن يقول له: “يا أبي أنت فعلت”، ولو على أمه، يقول لها: “أنتِ فعلت”، قال تعالى: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ الشّهادة على أمّك وأبيك ﴿وَالْأَقْرَبِينَ [سورة النساء: 135] قريبك أو صديقك.

المعرفة تتطلّب الإيمان العملي:

فهذه صفحة من القرآن هل آمنتم بها؟ وهل هو إيمان القول أو إيمان العمل، إيمان التمني أو إيمان الغرور، إيمان الحقيقة أو إيمان الكذب؟ فغدًا أمام الله عزَّ وجلَّ لا ينفعنا إيمان التّمنّي ولا الإيمان الكاذب، لا ينفعنا سوى الإيمان العملي، هذه الآيات يجب أن تُقرَأ في أعمالنا وفي أخلاقنا وفي معاملاتنا، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ تقول: “واللهِ أنا عاملت فلانًا عشرين سنة، ما شاء الله! ﴿لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ“.

وقد ترى شخصًا يصلّي ويصوم، وقد تكون هيئته هيئة المتديّنين، وليس أمينًا على الأقوال ولا في الأعمال ولا في المعاملات، فقط المصلحة والأنا والمال، يقول” “أخي ليست مصلحتي”، إذًا أين وعدك؟ وأين الأمانة؟ وأين العهد؟ وأين القرآن؟ وأين الإسلام؟ كله أمانٍ وتمنٍّ، و((ليس الإيمان بالتمني)).

قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ فهذا كلّه وأنتَ ما زلت في المعمل لم تخرج بعد، فكم مرحلة هذه؟ هذه عشر آيات، فكل آية مرحلة، ولم تخرج بعد ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ بهذه المواصفات ﴿يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [سورة المعارج: 34-35] فالجنّة تحتاج إلى بذل جهد، وهذا طريقها، فعليك أن تمر من ﴿جَزُوعًا [سورة المعارج: 20] إلى صبورٍ، ومن ﴿مَنُوعًا [سورة المعارج: 21] إلى سخي وكريم ومعطاء لحقوق الله عز وجل، ﴿فِي صَلَاتِهِمْ [سورة المؤمنون: 2] فهذه مرحلة ثالثة، ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [سورة المعارج: 24] مرحلة رابعة ﴿يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ فالذي يضع الثّعبان تحت قميصه فهل هو مصدّق أنّ الثعبان قاتل؟ وإذا أعطاه أحدهم مئة ألف دولار فأخذها ووضعها في المدفأة وأحرقها هل هو مؤمن مصدّق بأنّه دولار؟ إذا كان عملك يصدِّق قولك، فهل الحكم للقول أو للعمل؟

فانظروا إلى أنفسكم إذا كنتم مسلمين حقيقيين أو مسلمين بالتمني والأماني، فالذي سيسعدكم في الدنيا الإسلام العملي، والذي سيسعدكم في الآخرة الإسلام العملي، وهذه تحتاج إلى كثرة ذكر الله عزَّ وجلَّ، وإدخال حديد أحجار وصخور الجبل إلى المصنع الذي فيه عمّاله ومهندسوه ومديروه، فالمصنع ليس بجدرانه وسقفه، فالمسجد إذا لم يكن فيه مائدة العلم والحكمة والتّزكية فهو مصنع خرب ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ بماذا تكون عمارة المساجد؟ ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ مع كلّ هذه المواصفات قال: ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [سورة التوبة: 18] يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، اللهم اجعلنا هادين مهديين، ولا تجعلنا ضالين ولا مضلين، ولا تخزنا في الدنيا ولا يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح: باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة، رقم: (1955)، (3/ 1548)، سنن أبي داود، كتاب الضحايا، باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة، رقم: (2815)، (2/ 109)، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته)).
  2. سنن أبي داود، كتاب الإجارة، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، رقم: (3535)، (2/312)، سنن الترمذي، أبواب البيوع، رقم: (1264)، (3/564)، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  3. مسند أحمد، رقم: (15656)، (3/ 438)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (413)، (20/ 188)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، بلفظ: ((أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصْفَحَ عَمَّنْ ظلمك)). والمستدرك على الصحيحين، رقم: (7285)، (4/178). وشعب الإيمان، رقم: (7575)، (10/329). بألفاظ متقاربة.
  4. متفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح البخاري، كتاب المناقب: باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، رقم: (3534)، (3535)، صحيح مسلم، كتاب الفضائل: باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، رقم: (2287)، واللفظ: ((إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)).
  5. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (4485)، (1/301)، عن حارثة بن وهب: ((قَالَ الله عز وَجل لَيْسَ كل مصلٍ يُصَلِّي إِنَّمَا أتقبل الصَّلَاة مِمَّن تواضع بهَا لعظمتي وعف شهواته عَن محارمي وَلم يصر على معصيتي وَأطْعم الجائع وكسا الْعُرْيَان ورحم الْمُصَاب وآوى الْغَرِيب كل ذَلِك لي))، الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، رقم: (130)، ص: (156).
  6. ((كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب، رقم: (2499)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، رقم: (4251)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (13072)، (3/198).
  7. حديث: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) متفق عليه؛ صحيح البخاري، كتاب الأدب: باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (6011). صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم: (2586).
  8. الفردوس بمأثور الخطاب، للديلمي، عن علي بن أبي طالب بسند ضعيف، رقم: (5910)، (3/611)، وفي حلية الأولياء، أبو نعيم، (8/35)، بلفظ: "أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عِظْنِي قَالَ: ((مَنِ اسْتَوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ وَمَنْ كَانَ غَدُهُ شَرًّا مِنْ يَوْمِهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ وَمَنْ لَمْ يَتَعَاهَدِ النُّقْصَانَ مِنْ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي نُقْصَانٍ وَمَنْ كَانَ فِي نُقْصَانٍ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ)). وابن أبي الدنيا في المنامات (243)، (1/116) عن شيخ من بني سليم.
  9. موطأ الإمام مالك، كتاب الصدقة، باب الترغيب في الصدقة، رقم: (1808)، (2/ 996)، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مرسلاً، وفي الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، رقم: (1199)، (5/ 29)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ((أَعْطُوا السَّائِلَ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ)).
  10. سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، رقم: (1425)، بلفظ: ((عن الحسنِ بنِ عليٍّ رضيَ الله عنْهما، قال: علَّمني رسولُ صلَّى عليْهِ وسلَّمَ كلماتٍ أقولُهنَّ في الوترِ، - قالَ ابنُ جوَّاسٍ: في قنوتِ الوترِ اللَّهمَّ اهدِني فيمن هديت، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ)).
  11. صحيح البخاري، عن عبد الله بن زيد، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، بلفظ: كنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم ...رقم: (4330)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ...، رقم: (1061).
  12. شعب الإيمان للبيهقي، عن أنس، رقم: (6188)، (9/12)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/53)، الدعاء للطبراني، رقم: (1048)، (1/319). وأخرجه ابن أبي الدنيا في «إصلاح المال» (440)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/206) باختلاف يسير، والطبراني بمعناه في «المعجم الأوسط» رقم: (4044)، (4/225). عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
  13. ورد الحديث مرفوعًا في أمالي ابن بشران برقم: 47 عن قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلا بِالتَّحَلِّي، لَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ الْفِعْلُ، الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ، وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ، فَعِلْمُ الْقَلْبِ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى بَنِي آدَمَ". وورد مقطوعًا عن قتادة وعن الحسن انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج: 9 ص: 559 ومعالم التنزيل تفسير البغوي عند تفسير سورة فاطر الآية 10. وورد في: حلية الأولياء: أبو نعيم، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (3/272). وورد عن الحسن رضي الله عنه: ((ليس الإيمان بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي، ولكنَّ الإيمان ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل)) شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (65)، (1/158).
  14. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (8796)، (8/336)، مسند الشاميين للطبراني، رقم: (1416)، (2/318)، حلية الأولياء للأصبهاني (6/ 124)، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه.
  15. ليس بحديث، إنما اشتهر من أقوال المفسرين، انظر تفسير الرازي، (1/226).
  16. صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، رقم: (659)، (2/435)، أبو نعيم في الحلية: (8/132)، بلفظ: ((لو أنَّ الله يؤاخذُني وعيسى بذنوبنا- وفي رواية: بما جنت هاتان يعني: الإبهام والتي تليها- لُعذَّبَنا ولا- وفي الرواية الأخرى: ولم- يظلِمنا شَيئاً)).
  17. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب من سورة المؤمنون رقم: (3175)، (5/ 327)، شعب الإيمان للبيهقي، باب في الخوف من الله تعالى، رقم: (762)، (1/ 477)، عَن عَائِشَة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ: ((قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات)).
  18. مسند أبي حنيفة رواية الحصكفي، كتاب الحدود، رقم: (4). نيل الأوطار للشوكاني، باب أن الحد لا يجب بالتهم وأنه يسقط بالشبهات، (7/ 125). وأخرجه الترمذي، باب ما جاء في درء الحدود (1424)، عن عائشة، والحاكم (8163) والبيهقي (17513) بنحوه.
  19. صحيح البخاري، عن ابن عباس، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت، رقم: (6824).
  20. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في نقل الحديث، رقم: (4869)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (14734)، (3/342).
  21. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان: باب علامة المنافق، رقم: (33)، وأيضاً: كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد، رقم: (2682)، وأيضاً كتاب الوصايا: باب قول الله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء:11]، رقم: (2749)، وكتاب الأدب، رقم: (6095)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان: باب بيان خصال المنافق رقم: (59).
WhatsApp