تاريخ الدرس: 1994/02/25

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:18:57

سورة الحاقة، الآيات: 1-12 / الدرس 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصَّلوات وأعطر التّحيات على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد خاتم النبيّين والمرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النّبيّين والمرسلين، وآل كلّ وصحب كلّ أجمعين، وبعد:

مكافحة الفقر والجهل:

فنحن الآن في تفسير سورة الحاقّة، وقد سبق معكم أنّ أول سور القرآن نزولًا سورة ﴿اقْرَأْ [العلق: 1]، فأوّل كلمة من الوحي من السّماء إلى الإنسان: ﴿اقْرَأْ، وتعد سورة “اقْرَأْ” مكافحة الأمية، سواء في الكتابة والقراءة أو في الفهم والعلم، وفي إحدى أوائل السّور نزولًا، وهي سورة الليل قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [الليل: 5-6]، فمكافحة الفقر ومكافحة الجهل من أول ما نزل من القرآن.

فما تتباهى به الأمم المتحضرة من أنّها قضت على أميّة شعوبها، فقد قضت على أمّيّة القراءة والكتابة، لكن هل استطاعت أن تقضي على أميّة الأخلاق وأميّة الفضائل ومكارمها؟ فمدينة نيويورك أعظم مدن وعواصم العالم صارت جديرة أن تسمّى مدينة الجرائم، وأمّا ثقافة القرآن فما مضى عشر سنوات على العرب الذين كانوا يعيشون في الصّحراء مع مواشيهم ومع الذّئاب حتَّى صاروا في المدينة كما قال النبي ﷺ لعدي بن حاتم وكان نصرانيًّا: ((يا عدي، يوشك أن ترى الظّعينة)) يوشك يعني يقرب ((تأتي من الحِيرة إلى مكّة، لا تخاف في طريقها أحدًا إلّا الله والذّئب)) 1 ، فلا تخاف من الإنسان.

أمّا في هذا العصر فلم يعد الذئب يُخيف، وصار السّبع والثّعبان المرعب هو الإنسان، فمن الذي جعل هذا الإنسان إنسانيَ الأخلاق، إنسانيَ الطبيعة؟ القرآن العظيم.. ولكن لا يثمر القرآن في أرض صخريّة، ولا ينبت إلّا في قلب تربته خصبة بالإيمان، فالإيمان قبل العلم وقبل التّلاوة، والتّربية قبل العلم وقبل القراءة.

تعقيم الأخلاق:

ثمّ نزلت سورة نون، ففي أولها تعقيم لرذائل الأخلاق: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القلم: 10-12] فالقرآن صيدلية التّربية، وصيدلية بناء الإنسان الفاضل، وكان الطّبيب هو سيِّدنا مُحمَّد ﷺ، وهو أوّل الأطباء وأعظمهم، فالدّواء من الصّيدلية السَّماويّة الرّبّانيّة، والطّبيب خريج الكليّة الطّبيّة السَّماوية، فكيف كانت نتائج المرضى؟ الصّحة والشّباب والقوّة.. ولم يكن الطّبّ طب الأجساد، بل كان طبابة النّفس والعقل والفكر والأخلاق والمجتمع.

ثمّ بعدما عالج القرآن الأخلاق السّلبيّة ورذائل الأخلاق، فذكر البخل في قصّة: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ [القلم: 17] بخل الأغنياء وعدم مد اليد للفقراء، وكيف عاقب الله عزَّ وجلَّ تلك الأسرة البخيلة التي تمنع حقوق الفقراء من مالها وزروعها.. ثمّ ذكر في آخرها درسًا للنّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، بأنّ الأمر أيّها الطّبيب الرّبّاني السَّماوي ليس أمنية تتمناها فتتحقق وأنت قاعد ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ [القلم: 48].

الأمر بالصبر:

فقال له: لم يصبر من قبلك يونس عليه السَّلام على معالجة المرضى؛ لأن فيهم أطفالًا فإذا أردت أن تحقن طفلًا بإبرة يسبّك ويفرّ منك ولعله يضربك، والآخر يفعل غير ذلك، فقال له: فاصبر ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ [القلم: 48] لمّا ترك قومه ضجرًا ومللًا وعدمَ تحمل، فعاقبه الله عزَّ وجلَّ بأن سجنه في الزّنزانة البحرية في قاع البحار ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35] فهذه الآيات ليست للنّبيّ ﷺ خاصّة، فهذه مخاطب بها كلّ مسلم ومسلمة، ماذا يعني ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران: 31]؟ فيما عَمِلْتُ وعلَّمت وجاهدتُ وصبرت وأنتجت.

الخطاب للنبي ﷺ خطاب لنا:

فهذه الآيات وهذه السّور لو كانت للنبي ﷺ خاصّة لوجب أن يُطوى القرآن الكريم بموته ﷺ ويقال له: خذه معك فنحن ليس لنا عمل فيه؛ بل هذا موجَّه لكلّ مسلم ومسلمة وإلى يوم القيامة، فيجب أن تقوم بقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ [العلق: 1] وتأمر بالمعروف فتأمر بالقراءة، ليس فقط القراءة في الأوراق، بل يجب أن تقرأ القراءة في الأعمال، يجب أن ترى إيمانًا يُقتدى به فتقرأ الفضائل في أعماله، وتربط قلبك بقلبه حتَّى تستطيع المتابعة.

فالقاطرة إذا رُبِطت بها مقطورات الشّحن برباط فولاذي تسير بسيرها وتسرع بسرعتها، وإذا كان الرّباط من الخِرَق البالية أو من خيط ضعيف فمن أول شَدَّة ينقطع، فهو مربوط لكن أي رباط؟ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31] فالقرآن أيّ مدرسة! وأي جامعة! وأيّ خريجين! فأدخلت الأميّين وخرَجوا بمصطلحنا المعاصر أميّين لا يقرؤون ولا يكتبون عند دخولهم وخروجهم، فخرجوا بشهادة رسول الله ﷺ كما وصفهم: ((حكماء، علماء، أدباء، كادوا من فقههم)) فقه الدّنيا وفقه الآخرة، فقه الحياة في الأرض وفي السّماء ((كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء)) 2 .

النبي هو بنَّاء أمة ومهندس مجتمع:

فالنّبيّ ﷺ هو بنَّاء أمة ومهندس مجتمع، وهل صدقت شهادة النبي ﷺ فيهم؟ بنوا أممًا، وأنشؤوا أجيالًا، وبنوا أمجادًا، وما عرفوا هزيمة في معركة، ولم يكن قتالهم من أجل مال ولا جاه ولا استعمار، بل كانوا يقاتلون الاستعمار والظّلم والاستبداد، ومن أجل تخليص الإنسان الضّعيف من جور الإنسان القوي، وكانت الشّعوب تحت الاستعمار الشّرقي الفارسي أو الاستعمار الغربي الرّوماني، فأتى العرب بالإسلام فتحرّروا وحرّروا شعوب العالم، وجعلوا النّسب بين الفاتح والمفتوح نسب الأخوّة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] فعلَّموهم العلم والحكمة وتزكية النّفوس.

يُقرَأ القرآن إذا أردنا أن نقرأه لنحوّله كما يحوِّل جهاز الهضم الأغذية إلى دم، والدّم يغذي الخلايا، فتتولد الطّاقة في خلايا المخ فتفهم وتعلم، وفي خلايا العينين فتبصر وتشاهد، وكذلك إذا لم نقرأ القرآن للعلم والفهم، ولم نهيّئ له الأرض الخصبة المحروثة لإلقاء البذار حتَّى ينبت؛ وإلّا فتكون قراءتنا أو سماعنا للقرآن كمن يلقي البذار على صخر، فأيّ فائدة في إلقاء القمح على الصّخر؟

وهكذا نجد المسلمين الآن يقرؤون القرآن في رمضان ولا يزيد القرآن فيهم شيئًا؛ فالكذّاب يبقى كذّابًا، والغشّاش غشاشًا، والمغتاب مغتابًا، والحاسد حاسدًا، وقاطع الرحم قاطع رحم، لماذا؟ لأنّه يقرأ القرآن بلا إيمان، فنحن بحاجة إلى مدرسة الإيمان قبل القرآن، ولذلك كان أصحاب رسول الله ﷺ يقولون للجيل بعدهم: “نحن- أي الصحابة- أوتينا الإيمان قبل القرآن، وأنتم- الجيل الثاني- أوتيتم القرآن قبل الإيمان”.

الحاقة هو اسم من أسماء يوم القيامة:

فنحن الآن في تفسير سورة الحاقة، وقد قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]، كما أنّ الجسم يمرض ويحتاج إلى الطّبيب وإلى الأدوية الجسدية، كذلك مرض النّفس ومرض الرّوح ومرض القلب، قال تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني في نفوسهم ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة: 10] لأنّ الذي يبقى في مستنقع الملاريا والبعوض ويرفض الطّبيب والدّواء فحالهم كما قال تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا أم شفاهم وعافاهم؟

فلذلك كان شيخنا رضي الله عنه من كبار العلماء، ومن حفظة القرآن، فلمّا دخل في مدرسة التربية واجتمع بشيخ التّربية، قال: “وجدت نفسي أميًّا كبقية النَّاس، ومع حفظي للقرآن والتّفاسير وغيرها، رأيت نفسي أنّي كنت لا أفهم القرآن ولا أحسن قراءته”، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يهيئ للمسلمين المعلّم المربّي الذي يعلِّمهم الكتاب، ليس تلاوته ولا تجويد ألفاظ؛ بل يعلّمهم أحكامه وأخلاقه وأهدافه وروحانيّته حتَّى تحيا به القلوب والعقول والحياة.

لماذا سميت يوم القيامة بالحاقة؟:

فالحاقّة: اسم من أسماء يوم القيامة، وسمّيت القيامة بالحاقّة؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ يحقّق فيها ما وعد المؤمنين والمتقين والمهتدين، فيحقّق لهم وعدهم بجنات عدن وبالفردوس وبرضاه وبمشاهدته وبنعيم كما وصفه ﷺ: ((ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)) 3 . وسيحقّق الله عزَّ وجلَّ ما وعدهم من النّعيم والسّعادة والخلود، مضافًا إليها النّظر إلى وجه الله الكريم الذي لا يساويه نعيم الجنة ولا غيرها.

وسمّيت حاقّة لأنّ الله عز وجل يحقّق ما أوعد وهدّد من أعرض عن ذكر الله عزَّ وجلَّ وعن كتابه وعن شريعته، وأعرض عن التّقوى فلم يمتثل أوامر الله عزَّ وجلَّ ولم يستجب إلى نداءاته، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا معيشة الشّقاء والتّعاسة ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا [طه: 124-126] أهملتها ولم تلق لها بالًا، ولم تعمل بها، فالقرآن رسالة الله عزَّ وجلَّ لتعمل وتترك، وفيه الحلال وفيه الواجب وفيه الحرام، فإذا لم يتمثّل فيك أعمالًا وأخلاقًا وسلوكًا، فإذا قرأته فأنت تقيم حجة الله عليك ويكون عذابك مضاعفًا، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9].

إذا وضع شخص يده في النَّار وأمسك الأفعى والثّعبان فلسعته واحترقت أصابعه بالنَّار، فهل يؤاخَذ مثل الطّفل الذي عمره سنتان إذا مد يده على موقد النَّار أو أمسك الأفعى فلسعته؟

فنسأل الله عزَّ وجلَّ ألَّا يجعلنا من أطفال العقول، ولا من أطفال الدّين والآخرة، ففي الدّنيا رجال وعباقرة لا يفوتنا مربح ونخشى من كلّ خسارة، أمّا في أمر الدّين والآخرة فتفوتنا الغنائم والكنوز ولا نبالي، ونلقي بأنفسنا في المهالك ولا نشعر، هذا موت.. فإذا كان المريض لا يستعمل الدّواء ولا يذهب إلى الطّبيب فهل يُرجى له شفاء؟

كانت الهجرة في زمن رسول الله ﷺ فريضة واجبة:

فلذلك كانت الهجرة في زمن رسول الله ﷺ- حيثما كان المسلم- فريضة واجبة، ومن لم يهاجر كما قال تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 97].

الآن المسلم في بيته هل يصير ذلك المؤمن مؤمن القرآن بلا مربٍّ؟ وهل الجاهل يتعلّم بلا معلّم؟ فأي صنعة أو حرفة يجلس الإنسان لها تحت إشراف المعلّم سنين مع الخدمة ليلًا ونهارًا، وتارة يوبّخه، وقد يسبه وقد يطرده.. فالأجير الموفَّق يصبر على جفوة المعلِّم، وغير الموفّق لعله من أوّل كلمة يولي دبره ويمشي فيكون قد حُرِم العلم وحُرِم السّعادة.

فالحاقّة اسم من أسماء القيامة، الآن إذا قال لك الشَّيخ كلمة وقسا عليك فهل تتحمّل؟ والله أداريكم مثل العين التي أصابها الرّمد، والله لو أردت أن عاملكم كما يعامل النّجّار أجيره، أو يعامل الحدّاد أجيره، أو يعامل صاحب المتجر أجيره؛ لا أعرف كم يبقى في الجامع وكم يهرب! لكن أسأل الله عزَّ وجلَّ أن تكونوا ثابتين وموفقين، وأن يجعلنا جميعًا من السّعداء.

الحاقة التي تحق الحق وتبطل الباطل:

﴿الْحَاقَّةُ [الحاقة: 1] يعني القيامة، ما القيامة؟ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: 3] ما هي الحاقة؟ أمرها عظيم؛ لأنّ فيها سعادة الأبد لا شقاء بعدها، أو شقاوة الأبد لا سعادة بعدها؛ بل إذا كان الإنسان من سعداء الحاقة التي تُحقّ الحقّ وتُبطل الباطل، فالموت حقّ، والجنّة حقّ، والحساب حقّ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ يرَ ثوابه حقًّا ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7-8] حقًّا.. فكلّ ما ذكره الله عزَّ وجلَّ في القرآن قد لا يجده الغافل حقًّا، فإذا قيل له: “هذا ثعبان” يقول: “هذا ليس حقًّا”، فيخالف النّاصح، فحين يُلدَغ يعرف أنّ كلام النّاصح كان حقًّا.

ففي القيامة تظهر حقائق القرآن، وحقائق رسالات الأنبياء، وستحاسَب على مثاقيل الذّرّ من خير أو شرّ، قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ الموازين العادلة ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ من خير أو شرّ ﴿أَتَيْنَا بِهَا فهل يحتاج الله إلى معاونين وسكرتارية ونوّاب وغيرهم؟ لا، قال تعالى: ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47] كيف يحاسبك؟ كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فيقطع الله عزَّ وجلَّ الكهرباء عن اللّسان فيقف ويوقف المحرّك ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ [يس: 65] تقول اليد: “يا ربِّ سرقتُ”، “يا ربّ ضربت”، “يا ربّ نشلت”، “يا رب لكمت”، “يا رب فعلت”.

شهادة الأعضاء على الإنسان:

﴿وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ [يس: 65] وتشهد رجلك عليك إلى أين ذهبت في اللّيلة الفلانيّة، وإلى السّهرة الفلانيّة مع فلان الفلاني وفلانة الفلانيّة، فعندما يحضر لك الله عزَّ وجلَّ شريط الفيديو ويعرضه.. فلو كان الأمر أمام طفل صغير لذاب الإنسان؛ لأنّها فضيحة، وهنا ليست أيّ فضيحة، فهذا يحدث أمام العالَم، وأمام الأنبياء، وأمام الملائكة، وأمام المخلوقات، وتعرض أعمالك كلّها، ويقول لك الله عزَّ وجلَّ: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 14] فعندما تسرق وتمد يدك وتنظر هل أحد يراك أو لا؛ يقول لك: ألم أقل لك: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ؟ أنت لست مؤمنًا بالقرآن، ألم أقل لك: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد: 4]؟ فأنا لست أعمى، فأنت عاملتني كأنّي أعمى ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة: 234] يقرأ القرآن لكنّه ليس مؤمنًا به.

الاستعمار لم يفعل معنا مثلما يفعل المسلمون الآن بعضهم ببعض:

ولذلك ما يصيب المسلمين الآن من هزائم ومن تمزّق ومن اقتتال بعضهم مع بعض، فالاستعمار لم يفعل معنا مثلما يفعل المسلمون الآن بعضهم مع بعض، انظر إلى الأفغان من يهدم ديارهم وبيوتهم على رؤوسهم؟ ومن يقتل أطفالهم ونساءهم ومشايخهم وعجزتهم؟ وكذلك في الصّومال، وكذلك في حرب لبنان، وهكذا في كلّ مكان، فرجع المسلمون إلى الجاهليّة العظمى، كانت الجاهلية في جزيرة العرب، والآن الجاهليّة في العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى المحيط الأطلسي.. جعل الإسلام المسلمين عمومًا بكل شعوبهم أمةً واحدة.

والآن رغم الجامعات والثّقافات والكهرباء والمذياع والتّلفاز؛ ليست شعوب المسلمين، بل الأمّة العربية صارت عشرين دولة وعشرين عَلَمًا وعشرين حدودًا، وتذهب إلى أوروبا وأمريكا فتدخل بلدًا أجنبيًّا أسهل من أن يدخل العربي بلدًا عربيًّا! هل هكذا فعل الإسلام؟ كان المسلم يأتي من الصّين إلى حدود فرنسا ليس أجنبيًّا، بل مواطنٌ أينما وُجِد الإسلام، فمن صنع هذا الإسلام؟ صنعه الله عزَّ وجلَّ على يد رسوله ﷺ، وكان جنوده الأمّة العربيّة.

فالآن الكثير من العرب كما قال النبي ﷺ: ((ألسنتهم ألسنة العرب وقلوبهم قلوب الأعاجم)) 4 ، فهمهم وفكرهم وطبائعهم وميولهم وتربيتهم ومربيهم، ولذلك فهل كان النبي ﷺ أنصح لنا وتعليمه أكثر إسعادًا لنا أم الثقافة التي نعتز بها الآن وما أوصلتنا إلى ما أوصلنا إليه الإسلام ونبي الإسلام ﷺ؟ ولكنّني أرجو من الله- ولا نيأس من روح الله عزَّ وجلَّ– وكما قال النبي ﷺ ((خير أمتي أولها وآخرها)) 5 ، ولكن لا نجعل النبي ﷺ يقول ونحن نجلس، بل علينا أن نقوم ونعمل.

كل إنسان مسؤول:

كلّ واحد منكم مهما كان شأنه، كبيرًا أو صغيرًا، غنيًّا أو فقيرًا ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ متكافلون متضامنون كالجسد الواحد، فأوّل صفة من صفاتهم: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [التوبة: 71] سواء كنت في متجرك وفي سوقك وفي مجتمعك وفي سهرتك فإذا رأيت مسلمًا تاركًا واجبًا، وتاركًا ما أمر الله عزَّ وجلَّ به، فصفة الإيمان إذا كنت مؤمنًا أن تأمر بالمعروف، وإذا لم تأمر بالمعروف فمعنى ذلك أنّك لست مؤمنًا، لأنّه ما صفة الفليفلة الحمراء الحارة؟ الحدودية، وصفة الخل؟ الحموضة، والعسل؟ فإذا أُحضر لك شحم سيارات لونه مثل لون العسل، وقيل لك: “تفضّل هذا عسل”، فعندما تذوقه وتكون الطّعمة مغايرة تقول: “هذا ليس عسلًا، أنت كذّاب!”.

فأيضًا أنت مؤمن، وصفة المؤمن: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [التوبة: 71] فأنت ترى الفرض متروكًا في بيتك وفي ابنك وفي صديقك وفي سهرتك وفي مكان تستطيع أن تأمر، ((ومن أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف)) 6 إذا كان صاحبك يأكل وسقط الحساء من الملعقة على معطفه ولم يرَه، فما موقفك منه؟ هل تصمت؟ إمّا أن تنبهه، أو تخرج المنديل من جيبك، أي لا تكتفي بالأمر بالمعروف بالقول، بل بالقول والعمل، أليس كذلك؟ تخرج المنديل وأنت تجفف وتنظف معطفه عملًا قبل قولًا، فإذا رأيته ملوثًا بقذر ونجاسة الذّنب، وإذا صدقت مع الله عزَّ وجلَّ فالله يقول: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ [الأحزاب: 24] وبالحكمة والموعظة الحسنة، ((ولأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك ممّا طلعت عليه الشَّمس وغربت)) 7 .

الحاقة هي التي سيُنصَر فيها الحق ويُهزَم فيها الباطل:

﴿الْحَاقَّةُ فهل عرفتم ما معنى الحاقة؟ سيحقّ الله عزَّ وجلَّ فيها الحقّ ويبطل الباطل، فالدّنيا كلّها باطل: المال والتّجارة والصّناعة والقصر ومناطق الاصطياف، فعندما يضعونك في الكفن ويضعون له قطنة في فمه ويقال له: “هل شبعت؟” فلن يشبع حتَّى يوضع له في فمه قطنًا، وأيضًا يلفوّنه بحبل من رأسه ومن رجليه مثل الكيس ويضعونه في الحفرة، فماذا تغني عنه حينها شهاداته وثروته وعقاراته ومصانعه! وينزل عليه الملكان فيسألانه.

وبعدها تأتي ﴿الْحَاقَّةُ الحاقّة التي سيُنصَر فيها الحقّ ويُهزَم فيها الباطل، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [آل عمران: 106] فأنتَ تدّعي الإيمان لكنّ أعمالك تدلّ على أنّك غير مؤمن، لمَ تكذب؟ فالإيمان والكذب لا يجتمعان، ولمَ تُخلف الوعد؟ ولمَ لا تُقيم الصَّلاة؟ ولمَ لا تأمر بالمعروف؟ فها قد أتتك ﴿الْحَاقَّةُ وسيتحقّق فيها ما وعد الله المتقين وما هدّد الله وأنذر به المخالفين.

﴿الْحَاقَّةُ هل فهمت الحاقة؟ ﴿مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: 2] يسألنا الله عزَّ وجلَّ: ما الحاقة؟ فعلينا أن نجاوب الله عزَّ وجلَّ، فهل فهمتم ﴿مَا الْحَاقَّةُ؟ هي يوم الحساب، ويوم القيامة، ويوم تأتي الملائكة بسجلّات الأعمال، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا الآن ألا تشهد البصمة على صاحبها؟ ﴿قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: 21] فعندما تقرأ القرآن فهل تتمثّل نفسك وأنت ذلك الإنسان وتشهد عليك ﴿وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ جزاءهم ﴿الْحَقَّ العادل ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: 24-25].

ذهب شبابك، وشهاداتك لن تنفع إلّا لمدفأة الحطب وللقمامة، وأوسمتك للقمامة، يعني إذا أنزلوك في قبرك فهل يسامحك أنكر ونكير قليلًا؟ وكذلك ستترك ثروتك ونساءك.

فهل أنت مؤمن بالحاقة؟ وهل فهمت لفظها وما معنى اللّفظ؟ هذا فهم، وبعد الفهم فهل آمنت؟ لما تكون الحيّة أمامك وأنت مؤمن بأن لدغتها قاتلة، فهل يسمح لك إيمانك بأن تأخذها وتضعها على رقبتك أو تضعها بين قميصك وبدنك؟ لماذا؟ لأنك مؤمن بأنها قاتلة.

لن ينتفع أحد إلا باتباع أوامر الله:

وإذا قدّم لك أحدهم مسبحة من ألماس، وعرفت أنّها من ألماس وآمنت فهل ترفضها؟ فلماذا نرفض أوامر الله عزَّ وجلَّ؟ ولماذا نهجم على معاصي الله؟ هل لأننا نعلم الحقيقة ونعلم ونؤمن بالحاقة؟ لا يوجد أحد لا يعرف أنّ الخمر حرام والزّنى حرام والسّرقة حرام والظّلم حرام والكذب حرام، فهل هناك أحد يجهل هذا الأمر وهذه الأحكام؟ لكن نحن نفقد الإيمان بالأحكام، فنحن بحاجة إلى الإيمان، والإيمان يحتاج إلى قلب، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى القرآن ذكرى ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] وإذا لم يحصل لك قلب، والقلب لا يكون ولا ينشأ إلّا بدوام ذكر الله عزَّ وجلَّ، وبإشراف أخصائي.

قد تكون العلّة في عينيك فتذهب إلى طبيب عام، فيقول لك: “أنا غير مختص بالعيون”، أليس كذلك؟ أو تكون مريضًا بالقلب فتذهب إلى طبيب داخلية عامة، فيقول لك: “لا”، يلزمك طبيب القلب، فهذا القلب الذي يضخ الدّم، وأمّا القلب الذي يضخ الإيمان ليحيي بنور الإيمان أحكام وأخلاق وسلوك الإيمان، فهل شعرت بمرضك حتَّى تفتش عن طبيب ليعلِّمك ليس الحاقة فقط، بل ليعلِّمك الدّنيا مع الآخرة قال تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة: 201].

الحاقة هي السورة التي تذكر فيها أحوال الإنسان في يوم القيامة:

﴿الْحَاقَّةُ يعني هذه السّورة التي تُذكر فيها أحوالك يوم القيامة، التي هي حقّ لا باطل فيها ﴿مَا الْحَاقَّةُ يسألك الله عزَّ وجلَّ كي تتعلم ما الحاقة، ولكن تتعلّم علمًا مقرونًا بالإيمان، وإذا قال لك أحدهم: “هذه أفعى، وهي قاتلة، وهي كوبرا لدغتها قاتلة”، فإذًا صار عندك علم، فإذا صار عندك إيمان تتجنبها، وإذا صار عندك علم وأردت أن تمسك بها وتضعها تحت القميص على البدن، فمعنى ذلك أنّك صار لديك علم وما صار لديك إيمان، و((أشد النَّاس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه)) 8 .

الآن كلّكم أصبحتم علماء بالحاقة، ألم يصبح عندكم علم؟

فيحتاج الأمر إلى إيمان، والإيمان يحتاج إلى ذكر وصحبة وارتباط، فرباط الحب بعالِم الإيمان، وعالِم القلوب وطبيب القلوب، ولكي يحصل لك هذا الارتباط لابد أن يكون ارتباطك به كارتباط الرّضيع بثدي أمه، لذلك كان النّبي ﷺ يقول: ((لا يؤمن أحدكم)) ولو قال: “آمنت بالله وملائكته وكتبه” فهذا قول، ((لا يؤمن أحدكم حتَّى أكون أحب إليه من ماله وأهله ونفسه التي بين جنبيه)) 9 .

الدّعوى تحتاج بيّنة:

قد تدّعي وتقول: “أنا أحبّ النبي ﷺ أكثر”، لكن كما قال الشّاعر

والدعاوى إن لم تقم عليها
بيناتٌ أصحابُها أدعياءُ

فعند الامتحان تترك كلام النبي ﷺ إلى كلام الشيطان، وتترك تقوى الله إلى أهوائك ومصالحك وأنانيتك.. فلا تكذب على الله عزَّ وجلَّ، لا تكذب وتقلْ: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: 79] وأنت موجِّه وجهك كلّه للدّنيا وأهوائك وحظوظك وشهواتك، وإذا غضبت فلا يستطيع أحد ردّك، وإذا طمعت فلا أحد يستطيع ردّك.

سميت الحاقة لأن الله يحقق فيها ما وعد:

﴿الْحَاقَّةُ هذا اسم من أسماء يوم القيامة، لمَ سمّيت الحاقة؟ لأنّ الله يحقق فيها ما وعد المؤمنين من سعادة الأبد، ويحقّق فيها ما هدد وأوعد المخالفين من الحساب والعذاب، إلّا من ﴿تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه: 82].

قال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: 3] أمرها عظيم ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا [المزمل: 17] يشيب الطّفل من أهوالها، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [عبس: 34] يقول لك أخوك: “أخي أرجوك ينقصني حسنة واحدة، أعطِني حسنة وإلّا أخذوني إلى جهنّم”، فتقول له: “اتركني ينقصني خمسون حسنة” ﴿مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ فهل هناك أحن من الأم؟ أيضًا تقول له: “أنا ينقصني سبعون حسنة”، والأب يقول: “ينقصني مئة وخمسون” ﴿وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ زوجته وأولاده ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يخصه فـيغنيه ﴿يُغْنِيهِ [عبس: 34-37] عن التّفكر في الآخرين.

الذكرى لمن كان له قلب:

فنحن نقرأ القرآن، وتستمعون إلى الدّرس، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] تحتاج إلى قلب، وإلى رابطة تربط نفسك، فمهما كنت واسعًا وكبيرًا ومتسعًا، لابد لك ممن يشدك، مثل المقطورة في القطار ترتبط بالقاطرة برباط فولاذي، فمهما شدّك أحدهم من الوراء فإما أن تشدّه أو يتركك؛ لأنّه غير مأمول أن يشدّك الشّيطان إليه.. وشيطان الإنس أخطر بمليون مرّة من شيطان الجن، فقد يكون ابن عمك وهو شيطان، أو زوجتك وهي شيطان، أو ابنك وهو شيطان، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الأنعام: 112] وذكر شياطين الإنس أولًا لأنّ خطرهم أكبر وأعظم.

فكم شيطان لك؟ إن قلت لأحدهم: “هل تذهب إلى الجامع؟” فيقول لك: “ليس لديه وقت، قد يأتيك زبون”، أو بسبب زوجتك أو ابنك، أو ثوبك.. وعندما يكون هناك مصلحة دنيوية كلّهم يقولون لك: “بسرعة، اركض الآن، سيفوتك السّوق، الخ”.

فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الإسلام بمعناه الحي، فالإسلام هو الاستجابة لأوامر الله، والتلبية لندائه، فإذا قال لك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فلبّيته واستجبت له وأطعته فأنت مسلم، وإذا لم تلبِّ ولم تستجب وادّعيت الإسلام فأنت منافق، وإذا لم تستجب ولم تؤمن فأنت كافر، فانظر إلى نفسك، أيّ واحد من الثلاثة أنت؛ إمّا مسلم مستجيب، أو منافق مدعٍ، أو كافر جاحد.. فعندما يؤذّن المؤذن “حيّ على الصَّلاة” هل تستجيب؟ وعندما يقول لك القرآن: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر: 18] فهل تستجيب؟ وعندما يقول: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا فهل تستجيب؟ وعندما يقول: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى [النساء: 36] فهل تستجيب؟

أهوال القيامة:

قال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ما أهوالها وما كربها وما فقرها وما أخطارها؟ المصير الأبدي الخالد الذي لا استدراك بعده، ففي البيع قد تخسر مرة وتربح في المرة الأخرى، في الزراعة قد تكون سنة محل وجدب وفي سنة أخرى قد تأتي خصبة، أمّا إذا خسرت الآخرة فلا يوجد آخرة بعدها.

قال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ فكلّمنا عن بعض الذين لم يؤمنوا بالحاقّة، ماذا حصل لهم؟ قال: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ [الحاقة: 4] واسمها أيضًا القارعة، من عبارة: “اضربه بالمقرعة على رأسه”، فالقارعة ضرب الأشياء بعضها ببعض لما تقوم القيامة، فثمود كذّبوا ولم يصدّقوا ولم يؤمنوا بأنّ هناك حساب وبأنّ هناك قصاص.. والحاقّة تصديق وعد الله ووعيد الله عزَّ وجلَّ، وهذا يكون في الدنيا والآخرة.

وعد الله تعالى للمؤمنين بالاستخلاف:

قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور: 55] فآمن الصّحابة رضي الله عنهم وصدّقوا بأنّ هذه أفعى، فالآن إذا آمنتم كلّكم بأنّ الأفعى قاتلة فهل هناك أحد منكم يستطيع أن يضعها على شفته ويقبّلها؟ لأنّكم مؤمنون إيمانًا صادقًا بأنّ الأفعى قاتلة، أمّا لو قلت للطّفل: “إنّها أفعى وهي قاتلة واحذر منها” وعمره سنتان فلا يفهم عليك شيئًا، يمسكها من ذيلها، أو وسطها، فتلدغه في إصبعه وغير ذلك.. فعلينا ألا نكون رجال الدّنيا وأطفال الآخرة.

هلاك الأمم السّابقة:

قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ قومان من أقوام العرب، فثمود كانوا في جنوبي بلاد الشّام فأرسل الله عزَّ وجلَّ إليهم نبي الله صالحًا عليه السَّلام، وعاد في جهات اليمن بين اليمن وحضرموت- عُمان- فأرسل الله عزَّ وجلَّ لكل قبيلة أستاذًا: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف: 65] وقال تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا [الأعراف: 73] فكذّبوا وكفروا وأعرضوا وعادَوا أنبياءهم وأداروا ظهورهم لرسالة الله عزَّ وجلَّ.

قد ينفِّذ الله عزَّ وجلَّ وعده ووعيده في الدّنيا قبل الآخرة، وقد يؤخره إلى الدّار الآخرة، فالحساب بابه مفتوح، أوله في الدّنيا وآخره يوم القيامة.

قال: ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ لمّا كذبوا ولم يؤمنوا بالحاقة، وبأنّ وعد الله عزَّ وجلَّ حقّ سينفّذه ﴿فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة: 5] فأرسل عليهم الله عزَّ وجلَّ صاعقة من السّماء وصيحة، فزلزلت ما تحت أقدامهم، فأهلكهم الله عزَّ وجلَّ عن بكرة أبيهم، إلّا المؤمنين من قوم صالح.

﴿وَأَمَّا عَادٌ قوم هود ﴿فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ ريح قوية باردة ﴿عَاتِيَةٍ [الحاقة: 6] ليس لها حدود بقوتها، وكانت سرعتها قويّة جدًا ﴿عَاتِيَةٍ لا يوقفها شيء، ولا يحفظ ويحول بينها وبين ما تمرّ عليه شيء، فلو دخل الهواء بيتًا فتخرّبه وتطيِّره بمن فيه، أو إلى مغارة فتُخرج الإنسان من داخل المغارة وترفعه في السّماء وتضربه ضربة واحدة.

﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [الحاقة: 7] يعني متتابعة وحاسمة، كيف الحسام يقطع الرّقبة؟ أيضًا قطع الله عزَّ وجلَّ دابرهم لكفرهم برسالة الله عزَّ وجلَّ وكفرهم بنبيّهم.

المسلمون الآن كيف موقفهم من رسالة نبيّهم ﷺ؟ وكيف موقفهم من رسالة الله عزَّ وجلَّ إليهم؟ وكيف إيمانهم بكتاب الله عزَّ وجلَّ؟ فالمسلمون ليس العلم ما ينقصهم، بل ينقصهم الإيمان، والإيمان له مدرسته وله أساتذته.

أستاذ الإيمان هو أساس كل شيء:

أستاذ الإيمان هو أساس كلّ شيء، لو كنتَ أميًّا ومؤمنًا فهو أفضل من أن يكون معك دكتوراه ولست مؤمنًا، فسيِّدنا أبو بكر رضي الله عنه ماذا كانت شهادته؟ وسيِّدنا عمر رضي الله عنه ماذا كانت شهادته؟ ونبيّنا ﷺ كان أميًّا، لكنّه جلس في الجامعة الرّبّانيّة، من كان أستاذه؟ ﴿الرَّحْمَنُ، ماذا علّمه؟ هل علّمه فيزياء وكيمياء؟ ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: 1-2] وكان بين مكة والمدينة- المدرسة- أكثر من أربع مئة كيلومتر، فبالهجرة ترك أبو بكر وعمر والصحابة رضي الله عنهم أوطانهم ونساءهم وأموالهم وديونهم وتجارتهم، ليحصِّلوا على شهادة “إيمان وإسلام”، فهل خسروا الدّنيا؟ تركوها مؤقتًا قليلة حقيرة، فأرجع الله عزَّ وجلَّ إليهم النّواة نخلة باسقة مثقلة بالرّطب والثّمار، فالذي يتعامل مع الله عزَّ وجلَّ هل يخسر؟ وكان أبو بكر رضي الله عنه صاحب محل- بائع ثياب، بزازًا- فصار إمبراطورًا.

فمن صنع وحدة عربية؟ منذ أن وعينا في الحياة وإلى الآن والعرب كلّهم يتغنّون بالوحدة العربيّة، فالآن اليمن ماذا صارت؟ يمنين، وبلاد الشام حدودها من حدود مصر إلى جبال طوروس، فبلاد الشّام كم بلدًا صارت؟ أربع دول، ويمكن أن تصبح لبنان خمس دول.. فالحقائق تُقرَأ بالعيون لا تُقرَأ باللسان، والعرب بالإسلام: إيمانًا وعلمًا ومعلمًا ومربيًا وحكيمًا ومزكيًا، اتسعت الجزيرة العربية كدولة واستطالت حتَّى وصلت إلى الصّين، وامتدت حتَّى وصلت إلى فرنسا، وبما أنّ رجال الدّولة لم يكونوا أهلًا بعد لهذه القيادة المقدسة، قام الدّعاة إلى الله عزَّ وجلَّ فتجاوزوا حدود الصّين والهند، حتَّى وصلوا إلى إندونيسيا والفلبين، فجعلوها كلّها بلاد الإسلام إلى مشرق الشَّمس: ﴿حتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمس [الكهف: 90] وإلى مغرب الشَّمس إلى البحر الأطلسي.

التاريخ يُقرَأ للعبرة وللدراسة وللاستفادة:

يا سبحان الله! لماذا يُقرَأ التاريخ؟ يُقرَأ للعبرة والدّراسة والاستفادة، ولنتجنّب الخطأ ولنعمل الصّواب، فنقرأ التاريخ فلا نستفيد منه شيئًا، إلّا ورقة نلصقها على الجدار ونأخذ لقب “ليسانس أو ماجستير أو دكتوراه”، حسنًا، فماذا أثمرت؟ في زمان النّبيّ ﷺ لم يكن هناك ورقة ولا دكتوراه، لم يكن هناك إلّا لقب ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 4] والمؤمنون ما ثمرة هذه الشّهادة لهم؟ ثمرتها قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور: 55] يجعلهم خلفاء الدّولة الرّومانيّة الظّالمة المستعمِرة، وخلفاء الدّولة الفارسيّة المستعمِرة، تلك استعمار الظّلم والجور والقهر والجهل والتّخلّف، أما أنتم فسنجعلكم دولة العلم للجميع، والإخاء مع الجميع، والحرية للجميع، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة: 256] مع الضّمان الاجتماعي والغذائي والكسائي والسّكني للجميع.

من شروط معاهدة الحيرة:

عندما فتح سيِّدنا خالد رضي الله عنه الحيرة أبرم معاهدة مع نصاراها وكان من شروط المعاهدة: “أنّ أي نصراني عجز عن أداء دَينَه فأداء دينه على بيت مال المسلمين”، فصار دَين الدّائن مضمونًا، ضَمِنته الدّولة، أمّا الآن إذا أفلس فماذا تفعل معه المحكمة والدّولة؟

“وإذا عجز عن العمل لشيخوخته فكفالته على بيت مال المسلمين ما أقام في ديار الإسلام”، أمّا إذا ذهب إلى أوربا وخرج من حدود الدّولة فهي غير مسؤولة عنه.. مع ضمان كنائسهم وحرية عقائدهم والمساواة بين المسلم وغيره في الحقوق الحياتيّة. فأي دولة عملت مثل هذا!

قصة: رفض المرأة النصرانية إعطاء أرضها لعمرو بن العاص لتوسيع المسجد:

وعندما كان عمرو بن العاص رضي الله عنه أميرًا في مصر، وكان المسجد ضيقًا بهم، فاحتاجوا إلى أن يضيفوا إليه دارًا كانت ملكًا لامرأة نصرانيّة، فعرضوا عليها أن تبيع فأبت، زادوا في الثّمن فأبت، فوضع عمرو بن العاص رضي الله عنه ثمن البيت في الخزينة وقال: “هذا لحساب صاحبة البيت”، وأمر بهدم البيت.. فالآن الدّولة عندما تكون هناك مصلحة عامة من شارع أو غيره ألا تهدم؟ وهل تسأل عن صاحب المُلك؟ فحكم الإسلام أعلى من هذا بكثير.

فذهبت المرأة المسيحية تشكو عَمروًا إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما، فأمر عمر رضي الله عنه بهدم المسجد وإرجاع بيت المرأة المسيحية إليها؛ لأنّ حقوق الإنسان ليست في الحياة وليست في الطّعام والشّراب والكسوة والطّبابة فقط، بل حقّ الإنسان في كلّ شيء، وذلك مع اختلاف الدّين والعقيدة، فأي تشريع عادل وصادق كما صدق وعدل الإسلام؟ والمسلم الحالي لا يعلم ولا يفهم! وإذا علِم فلا إيمان، إيمانه ضعيف؛ لأن العلم إذا لم يوجب العمل فهذا ليس علمًا، فالجهل مثله، والعالِم فقط يزيد عليه أنه مؤاخذ لأنّه عرف وانحرف.

التكذيب بالآخرة لم ينفع الكفرة:

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ستقرعك القيامة قرعًا وتقاصِصُك قصاصًا كما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا أو كانت ﴿شَرًّا [الزلزلة: 7-8]. فبهذه المدرسة القرآنية خرج العظماء بأعمالهم العظيمة، بالعلم والأخلاق والسلوك والتحرير ومكافحة الاستعمار، ولم يدخلوا معركة إلّا وهزموا أعداءهم فيها.

في معركة اليرموك كان عدد الرّومان ربع مليون، وكان عدد المسلمين المؤمنين أربعين ألفًا، ومع الفارق الكبير: فالدّولة الرّومانية دولة حضارية منذ ألف سنة، كلّها حضارة وعلم وثقافة وفن ومدارس حربيّة وشهادات، والعرب منهم مَن سيفه بلا قِراب، ومنهم من رَبَطه بالحبل، ومنهم من وضع زوادته في طرف ثوبه من أربع أو خمس تمرات، فلا يوجد تكافؤ.

الإيمان ينبغي أن يتحوّل إلى عمل:

أمّا الإيمان بحقيقة الإسلام فهو الذي حوَّل القراءة إلى عمل، والإيمان إلى نور في القلب وطاقة ربّانية، فانتهت معركة اليرموك في ستة أيام! ونحن معركتنا في فلسطين كم يوم صار لها؟ أظن أنها أكثر من ستة أيام، أليس كذلك؟ [يقول ذلك الشيخ ممازحاً ليبيِّن الفرق الشاسع بين الماضي والحاضر] واليهود أكثر أم نحن أكثر؟ ألا يجب أن ندرس لماذا؟ فهل عندما نقرأ التّاريخ نقرؤه للإيمان أم للقراءة؟ وهل للعبرة أم للورقة؟ خذ ورقة الشهادة وانتهى، ألصقها على الجدار وانتهى كلّ شيء.. لا، فالإسلام يحتاج إلى إيمان.

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ألا يُكذّب المسلمون الآن بالقارعة والحاقّة بأعمالهم؟ ولو قال: أنا مؤمن بالآخرة، ولكنّ أعماله تقول: “لا، أنت كاذب، أنت غير مؤمن بالآخرة!” فالمؤمن بالله يجد الله عزَّ وجلَّ معه، سميعًا لأقواله، وبصيرًا بأعماله، وعليمًا بما في سرائره وسريرته، فتجده دائمًا نظيف السّريرة، مراقبًا لله عزَّ وجلَّ مستقيمًا على طاعته، وهامًّا عازمًا، فالمؤمن لا يكون خمولًا ولا كسولًا، ولا عاجزًا ولا ضعيفًا.

فيروي الله عزَّ وجلَّ لنا عن ثمود وتكذيبهم وما أصابهم حتَّى لا نكون مثلهم ويحقّ العذاب على الكافرين، ونحن الآن حَقّ علينا العذاب، وقد أصبحنا ثمود زماننا، أليس كذلك؟ فهذه فلسطين أليست عربية؟ وهذه الجامعة العربية ماذا فعلت بخمسين سنة؟ يبذلون جهدًا لكن في غير الطّريق الذي سلكه النبي ﷺ الذي قال: ((أنا سيِّد ولد آدم ولا فخر)) 10 ، لا أقولها بفخر، ولكن لتعرفوا مقامي وتتبعوا سنّتي وتمشوا على ممشاي، وإلّا لو أراد النّبي ﷺ الفخر لعمّر قصرًا من ذهب، فكان يجلس على التّراب وينام على الحصير، حتَّى يؤثر الحصير في جنبه.

العبرة بمن سبق:

﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ بالصّاعقة التي طغت عليهم فأهلكتهم جميعًا إلّا المؤمنين ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ شديدة الهبوب وباردة و﴿عَاتِيَةٍ، بحيث لا يَكِنُّ ولا يحول بينها وبين قوم هود مغارة ولا سرداب ولا بيت، أينما دخل تدخل وترفعه إلى الأعلى وتضربه في الأرض ضربة واحدة ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كلّهم أموات ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة: 7] عَجُز النّخل هو جذر النخل، فإذا كان خاويًا يعني مهترئًا وضُرِب هذه الضّربة فكيف يتفتت؟ هكذا كان هلاكهم وانتقام الله عزَّ وجلَّ منهم.

﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة: 8] هل بقي أحد منهم؟ هذا تنفيذ الحاقة في الدّنيا، وهذه قيامة ومجازاة وقصاص الدّنيا، وبقيت الآخرة.

صور من عقاب الأمم السابقة:

قال: ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ فرعون وما أدراك! ملك مصر، وثقافة الفراعنة ﴿وَمَنْ قَبْلَهُ أيضًا الأمم قبل فرعون ﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ قرى قوم لوط عليه السَّلام، لمّا عصوا أمر الله ونبيّهم رفعها الله عزَّ وجلَّ في السّماء، وقلبها في الفضاء، وضرب بها في الأرض، فهذه اسمها المؤتفكة أي المنقلبة.

﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ [الحاقة: 9] بالخطيئات والكفر والضلال والمعاصي والفسوق ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً [الحاقة: 10] كيف أنّه في الرّبا يؤخذ بدل المئة مئتين أو ثلاثمئة، فكذلك كانت ضربة كبيرة عظيمة متزايدة متعاظمة.

﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ عندما كفر قوم نوح وكذّبوا طغى عليهم الماء وغمرهم وأغرقهم ﴿حَمَلْنَاكُمْ يعني حملنا آباءكم ﴿فِي الْجَارِيَةِ في السّفينة ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً أنّه من كذّب وكفر وعصى فمهما أمهله الله عزَّ وجلَّ سيحاسبه الله عزّ وجلّ بالحاقة التي تحقّق وعد الله للمؤمنين بالثّواب والكرامة، ووعيد الله للكافرين بالانتقام والعذاب.

﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً حتَّى لا تعملوا أعمالهم فننتقم منكم كما انتقمنا منهم.

﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ [الحاقة: 11-12] هذا العذاب في الدّنيا.

الدخول في مدرسة الذكر لفهم القرآن:

فعندما نقرأ هذه الآيات، ونقرأ هذه السّورة، ما أثرها في نفوسنا؟ وما تأثيرها في ردعنا عن معاصينا؟ وما أثرها في اندفاعنا إلى أن نجدد حسابنا مع الله عزَّ وجلَّ؟ فما أهملنا من فرائض الله عزّ وجلّ نعمله، وما نحن مرتكبون من معاصي الله نتركه ونتوب إلى الله عزَّ وجلَّ منه.. فإذا قرأنا وما تفكّرنا ولا تدبّرنا ولا كان لنا القلب الذي يحيل الكلمات بسرعة إلى أعمال وأخلاق وصفات؛ فنحن ما قرأنا القرآن، قال تعالى: ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [مُحمَّد: 24]، وقال أيضًا: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل: 24]، وقال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [الأنفال: 21].

فإذا لم يدخل المسلمون والمسلمات في مدرسة الذّكر، ويفتّشوا عن طبيب يداوي قلوبهم المريضة، وقلوبهم الغافلة، وقلوبهم الميتة، فهم ﴿صُمٌّ لا يسمعون كلام الله سماع إيمان وتدبّر وامتثال، ﴿بُكْمٌ لا ينطقون بالحقّ، فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، ﴿عُمْيٌ [البقرة: 18] لا يعرفون الصّراط المستقيم، بل يحيدون عنه يمينًا ويسارًا فيتساقطون في مهاوي الهلكة في الدّنيا قبل الدّار الآخرة.

الذكر القلبي:

لابد أن ندخل في مدرسة ذكر الله كما أمر الله عزَّ وجلَّ، فكم حضّ الله عزَّ وجلَّ على الذّكر، قال تعالى: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب: 41]، وقال أيضًا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال: 2] فإذا ذكر اللّسان وكان القلب غافلًا فما ذكر، ولذلك في الطّريقة النّقشبندية عندما رأى شاه نقشبند المجتمع ذاكر اللّسان وغافل القلب؛ عزل اللّسان وقال: “ابدؤوا بالقلب”، فإذا حيَّ القلب فارجع إلى ذكر اللّسان، فتَذْكُر الله عزَّ وجلَّ بقلبك ولسانك.

وذكْر القلب والنّفس ذكره الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: ((إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي)) 11 ، ويقول القرآن: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ [الأعراف: 205] ويقول: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا [الكهف: 28]، وقال: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46]، وقال أيضًا: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37]

فهل سنصير مسلمين حقًّا وحقيقة أم كذبًا؟ فأنا واللهِ أتكلم معكم على حساب قلبي! والأطباء كلّهم غير موافقين على إطالة المجلس، لكن إشفاقًا وحبًّا وشغفًا أنّ يسعدكم الله عز وجل في الدّنيا والآخرة، وأن يُسعد بكم.

الإكثار من ذكر الله عزَّ وجلَّ:

لذلك أكثروا من ذكر الله عزَّ وجلَّ، واقرؤوا القرآن للفهم والعمل والتّعليم، وعد إلى بيتك وفكّر في الآيات وحاسب نفسك: فهل أنت مؤمن؟ أليس الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه؟ وأليس القرآن كتاب الله عزَّ وجلَّ؟ وهل آمنت بهذه الآيات؟ أم أنت مثل ثمود: ثمود زمانك وعاد؟ قال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت: 15] مغرور بشبابك أو مالك أو حكمك أو سلطانك أو غفلتك أو جهلك أو جاهليّتك.

لذلك أكثروا من ذكر الله عزَّ وجلَّ، واقرؤوا القرآن للفهم والعلم والعمل والتّعليم، وما تعْلمونه علِّموه لغيركم، وكما قال النبي الكريم ﷺ: ((لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا – والمرأة امرأة واحدة – خير لك من الدنيا وما فيها)) 12 .

فإذا رجعت المرأة إلى بيتها وإلى أختها وإلى كنّتها وإلى بنتها، وإلى جارتها، فتدعوهن بالحكمة والموعظة الحسنة إلى سهرة، والسّهرة كما ذكرها القرآن النجوى، وتشمل كذلك اجتماع الخلّان والأصحاب والأحباب بعضهم مع بعض، نجوى: أي يتحدث بعضهم مع بعض.

النجوى التي فيها خير:

فقال الله عزَّ وجلَّ عن النّجوى الإسلاميّة- عن السّهرة الإسلامية-: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ [النساء: 114] فهل سهرتنا سهرة خير أم سهرة لغو أم سهرة حرام؟ هل فيها كذب وغيبة ونميمة؟ أو هي لغو؛ أكلنا وشربنا وذهبنا وأتينا، وليس فيها إيذاء لأحد، أو سهرة إسلامية حسب القرآن؟ فهل نحن مؤمنون بالقرآن؟ وهل مؤمنون بقوله تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ؟

لو بحثنا فيما مضى فرُبّ كثير منا غير مؤمن، ولكن- رضي الله عنكم- كثير منكم يشتغلون في المجتمعات وغير المجتمعات، وقياماً وقعوداً وعلى جنوبكم.

قال: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ مجلسك مجلس خير، تفكر في عمل الخير ﴿أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ [النساء: 114] قد ترك أحدهم واجبًا مع الله عزَّ وجلَّ أو مع جاره أو مع أجيره أو مع أي إنسان، فيوجد ضمان اجتماعي أخلاقي تربوي حياتي، فالإسلام جعل المجتمع مرتبطًا بعضه ببعض: فاليد تعمل لمصلحة الرِّجْل، والرّجل تعمل لمصلحة اليد، والعين لمصلحة الجسم، وهكذا.

﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاس [النساء: 114] إذا كنت تعرف اثنين متخاصمين فالقرآن يقول لك: قم وأصلح بينهما ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال: 1] وإذا علمت أن هناك اثنين وهما قريبان منك وتعرف حالهما وقرأت القرآن فقف عند هذه الآية، قل: أنا لن أقرأ غيرها حتَّى أطبّق هذه أولًا.. فإذا كنت تقرأ ولا تطبّق فلا تقرأ يا أخي؛ لأنّه عندما يقول الله عزَّ وجلَّ لك غدًا: “لماذا بلَغك كلامي ولم تنفِّذه؟” فإذا أرسلت إليك الشّرطة أو المحكمة تبليغًا أتنفِّذه أم لا تنفذه؟ فهل الشرطة أعظم أم الله عزَّ وجلَّ؟ وهل بلاغ الله عزَّ وجلَّ أعظم أم بلاغ الشرطة؟

العودة إلى الإسلام:

فلنُسْلِم إسلامًا حقيقيًّا، إسلامًا يسعدنا في الدّنيا والآخرة.. أناشدكم الله- وأنا أعرف منكم الذي أسلم إسلامًا حقيقيًّا- ألم يكرمكم الله عزَّ وجلَّ في الدّنيا، وألم يسعدكم في الدنيا، وألم ينجحكم في أعمالكم، وألم تصبحوا محبوبين إلى النَّاس، وألم تصبحوا موضع ثقتهم بأموالهم، ومعاملاتهم، وكلّ شيء؟ والمقصِّر يقصِّر على نفسه ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة: 286].

فنعود إلى الحاقّة، فوعد الله عزَّ وجلَّ حقّ، سينفِّذه في الدّنيا مثلما نفَّذه بعاد وثمود، والمؤتفكات قرى قوم لوط عليه السَّلام، وفرعون غرَّقه، وقوم نوح عليه السَّلام غرَّقهم؛ وهذه دفعة على الحساب، فهذه دفعة أولى، أمّا الحساب الكبير وبقية الحساب في يوم القيامة، فهل نخسر في الدنيا وفي الآخرة؟ أهذا شأن العاقل؟

أناشدكم بالله: الذي تهيأ له ودخل في مدرسة القلب وذكَرَ الله عزَّ وجلَّ، وارتبطت مقطورته بالقاطرة الرّبط الفولاذي؛ فهل خسرتم في مالكم وفي صحتكم وفي مجتمعكم وفي حياتكم وفي أعمالكم؟ ألم يكسبكم الله عزَّ وجلَّ دينًا ودنيا؟ دنيا مع دين ودينًا مع دنيا؟

فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفِّقكم، وأن يجعلنا من السعداء ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر: 18] ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج: 24].

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. صحيح البخاريِّ، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم: (3400)، (3/ 1316)، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، بلفظ: ((فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ)). سنن الكبرى للبيهقي، رقم: (9911)، (5/ 225).
  2. حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
  3. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم: (3072)، (3/ 1185)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم: (2824)، (4/ 2174)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بلفظ: ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ))
  4. مسند أحمد، رقم: (22930)، (5/ 340)، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((اللهُمَّ لَا يُدْرِكْنِي زَمَانٌ، أَوْ لَا تُدْرِكُوا زَمَانًا لَا يُتْبَعُ فِيهِ الْعَلِيمُ، وَلَا يُسْتَحَى فِيهِ مِنَ الْحَلِيمِ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الْأَعَاجِمِ، وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ)). والحاكم في المستدرك (8557) (4/510) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  5. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم، عَنْ عُرْوَةَ: (6/123)، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، (115)، بلفظ: ((إِنَّ خِيَارَ أُمَّتِي أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا، وَبَيْنَ ذَلِكَ ثَبَجٌ أَعْوَجُ، لَيْسُوا مِنْ أُمَّتِي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ))، عن عبد اللهِ بن السَّعْدِيِّ. معرفة الصحابة لابي نعيم (4187) (3/1673).
  6. البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو (7603)، والديلمي في الفردوس (5833).
  7. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (934)، (1/315)، والمستدرك للحاكم، رقم: (6537)، (3/ 690)، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، بلفظ: ((لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)).
  8. شُعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1642) و (3/273). المعجم الصّغير للطبراني رقم: (507) و (1/305) عن أبي هريرة.
  9. صحيح البخاري، عن أنس، في كتاب الإيمان، باب حبُّ الرَّسول صلى الله عليه وسلَّم من الإيمان، رقم: (15)، وصحيح مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب محبَّة رسول الله.. رقم: (44)، بزيادة: ((والنَّاسِ أجمَعينَ)). وفي: تعظيم قدر الصلاة للمروزي، رقم: (469)، (1/452) بزيادة: ((ونفسه التي بين جنبيه)). وفي مسند أحمد في قصة عمر عن زهرة بن معبد عن جده (18961)، بزيادة: ((ونفسه)).
  10. سنن الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (3615)، (5/ 587)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، رقم: (4308)، (2/1440)، عن أبي سعيد، بلفظ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يوم القيامة، وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، ولا فخر، ولِوَاءُ الحَمْدِ بيدي يوم القيامة، وَلَا فَخْرَ)).
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: ﴿ويحذركم الله عزَّ وجلَّ نفسه﴾، رقم: (7405)، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب الحث على ذكر الله تعالى وباب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، وفي التوبة باب الحض على التوبة والفرح بها، رقم: (2675)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، رقم: (3498)، (3/ 1357)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رقم: (2406)، (4/ 1872)، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (934)، (1/315)، والمستدرك للحاكم، رقم: (6537)، (3/ 690)، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، بلفظ: ((لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)). الزهد والرقائق لابن المبارك (1/ 484) ورقم (1375). ونصه: عن ابن جعفر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً يعلم الدين قال له: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من الدنيا وما فيها».
WhatsApp