تاريخ الدرس: 1994/02/04

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:22:19

سورة القلم، الآيات: 1-33 / الدرس 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلوات والتّحيّات المباركات على خاتم النّبيّين والمرسلين والمبعوث رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً ومعلّماً وداعيّاً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى أبيه سيّدنا إبراهيم وعلى أخويه سيّدنا موسى وعيسى وجميع إخوانه من النّبيّين والمرسلين وآل كلّ وصحب كلّ أجمعين، وبعد:

أول آيات القرآن الكريم دعت إلى العلم والقراءة:

فنحن في سورة نون، وهي السّورة الثّانية التي نزلت على قلب سيّدنا رسول الله ﷺ بعد سورة “اقرأ”.

فكان أوّل القرآن نزولاً أمرٌ ودِينٌ لم يدعُ إلى الصّلاة ولا إلى الصّوم ولا إلى الحجّ، فأول كلمة فيه وأول أوامره السّماويّة ﴿اقْرَأْ [سورة العلق: 1]، فما هذا الدّين الذي جعل العلم والطّريق إليه أول حرف وأول كلمة من كلماته وأول أمر من أوامره.. والكتب التي يُقرأ منها أنواع؛ فيوجد الكتب الورقيّة وهناك الكتب القلبيّة وقلمها: القدرة الإلهيّة، وحبرها ومدادها: النّور الرّبّاني والرّوح الإلهي.. فيُكتب في صفحات القلب وفي لوحات الرّوح كتابةً تنقلب حالاً إلى انكشافٍ للحقائق الغيبيّة، فتنكشف لمن كُتبت في صفحات قلبه بهذه القراءة ما هو مغيّب عن الخلق؛ وهي لا تُقرأ باللّسان ولا بنور البصر لكن تقرأ بنور البصيرة، قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور [سورة الحج: 46].

ثمّ السّورة الثّانية نزولاً نون، ونون كما مرّ معكم لها معنيان؛ فتطلق على الحوت ﴿وَذَا النُّونِ [سورة الأنبياء: 87] وهو سيّدنا يونس، أي اذكر صاحب النّون: قصة صاحب الحوت سيّدنا يونس عليه السّلام، وتطلق أيضاً على الدّواة، ويُفَرّق بينهما سياق اللّفظ والكلام، فإذا قلنا “نون والصّياد”: فيكون معنى النّون السّمكة والحوت، أمّا إذا قلنا نون والقلم فيكون معناها الدّواة.

فالسّورة الأولى في الإسلام “اقرأ”، والسّورة الثّانية: الأدوات التي تتحقّق بها القراءة، وهي أدوات الكتابة في سورة نون، فسورة “اقرأ” أمرت بالقراءة، وبالقراءة تُقرَأ الكتابة.. فأوّل حجر الأساس في الإسلام القراءة والكتابة.

الفرق بين القول والعمل:

فالإسلام ليس ديناً روحانيّاً فحسب، وإن كانت الرّوح هي التّربة التي تُلقى فيها بذور الإسلام، فعلى المسلم أن يملك تربة الإيمان وأن يملك القلب المعقّم المطهّر عمّا سوى الله عزَّ وجلَّ المتمثّل فيه لا إله إلا الله، فأبغض الآلهة هي الأنا والهوى، ((أبغض إله عبد في الأرض الهوى)) 1 وقد قال رسول الله ﷺ: ((لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ، وَلَا مَنْشَرِهِمْ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُؤوسِهِمْ، وَيَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)) 2 أمّا أن يقول لا إله إلا الله باللسان فقط.. فقد أجاب الله قائلها والمقتصر على قولها وهو يعبد الهوى والأنا أو آلهة أخرى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِين [سورة البقرة: 8] لم يقل: “ومن النّاس من يؤمن”، فهناك فرق بين “من يؤمن” وبين “من يقول”.

وهناك من يسمع لمجرد السماع، وقد قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُون [سورة الأنفال: 21] وقد قال الشاعر

أيا سامعاً ليس الكلام بنافعٍ
إذا أنت لم تعمل بما أنت سامع

فهناك أناس تحبّ أن تسمع للتّشهي ولمحبة سماع الخير دون عمل.. والكلمة الطّيبة بذور تنبت وتنقلب إلى شجرة وزرع يعطي الحياة والغذاء، هذا إذا كانت الأرض مهيّأة خصبة محروثة، أمّا إذا كانت بوراً فتنثر البذر على الأرض فتأتي الطّير أو النّمل فيأكله فلا ينبت منه شيء.

مصادر العلم:

فسورة نون: سورة الدّواة، واقرأ: سورة القراءة، هل هذا مجرد دين؟ فهذا الذي تقدّم به الإنسان في شتّى العلوم على مدى العصور وفي كلّ الحضارات، تقدّم بالقوّة وبالعلوم وبالقراءة وبالكتابة وأدواتها، يعني أيّها المسلمون ليبدأ إسلامكم بالعلم وبأدواته.. والعلم: منه ما يُؤخذ من الورق، ومنه ما يُؤخذ من السّماء كالأنبياء، ومنه ما يُؤخذ من صلة القلب بالقلب والرّوح بالرّوح برابطة الحبّ، يقول النبي ﷺ: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) 3 وقال أيضاً: ((إنّما مثل الجليس الصّالح وجليس السّوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إمّا أن يحذيك، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحاً طيّبة)) 4 الجليس أستاذ ومعلّم، فالذي تعلّم السّيجارة وشربها، مَن أستاذه، وهل دخل مدرسةً، وهل أخذ شهادةً؟ أستاذه: رفيقه، ومدرسته: مجتمعاتهم وسهراتهم وذهابهم وإيّابهم، لذلك قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ [سورة النساء: 140] “إنكم إذاً مثلهم”.

ينتقي الإنسان نعلاً لقدمه، وينتقي المكنسة لإزالة الأوساخ عن سجّاده، أليس من الواجب أن ينتقي الصّاحب والصّديق؟ أليس من الواجب أن تنتقي الحبيب والمعشوق الذي يوصلك حبّه إلى محبّة الله، وتوصلك معرفته إلى معرفة الله، ويوصلك القرب منه إلى ما يقرّبك إلى الله؟

وهذا قد مضى معكم.

ما يلاقيه الدّاعية إلى الله عزَّ وجلَّ في طريق دعوته:

فقد عرّف الله عزَّ وجلَّ بالنبي في البداية، وقد اتّهموه بالجنون وهو أعقل إنسان مشى على وجه الأرض، فقد قال ﷺ: ((أنا سيّد ولد آدم)) 5 وهو ﷺ أفصح من نطق بالضّاد 6 ، ومع ذلك قالوا عنه: “مجنون”، فأعقل إنسان من آدم إلى قيام السّاعة أعطوه شهادة “مجنون” وهو مازال بأوّل خطوة، فالذي سيقوم بوراثة النبي ﷺ سيمرّ بهذه المراحل، ويُقال عنه: “مجنون وغير مجنون”، ولكن بضاعة السّفاهة لا تروج إلّا على السّفهاء.

قال تعالى: ﴿ما أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بفضل ربّك ﴿بِمَجْنُون [سورة القلم: 2] ﴿وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا [سورة القلم: 3] عطاءً ﴿غَيْرَ مَمْنُون [سورة القلم: 3] لا ينقطع ومستديماً إلى قيام السّاعة ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم [سورة القلم: 4].

هذه إشارة للدّاعي إلى الله الذي يريد أن يقوم بمقام الإرث عن رسول الله في تبليغ دين الله، فيجب عليه أن يكون على خلق عظيم.

فكانوا يجادلون النبي ﷺ ويهدّدونه ويعادونه، فقال له لا يهمّك: ﴿فَسَتُبْصِرُ فسترى نتيجة عنادهم وترى نتاج رسالتك ونبوتك.

﴿بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُون [سورة القلم: 6] الباء زائدة، ستبصر ويبصرون من المفتون والذي اختلط عقله ولم يعد يعرف الطّريق الصّحيح من الطّريق الخطأ؟

العبرة بما يعلمه الله عزَّ وجلَّ عنك:

بعد ذلك قال له: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ [سورة القلم: 7] فعليك أن تكتفي بالله، فإذا قال الله عنك: “أنّك لست مجنونًا”، وقال أهل الدّنيا: “مجنون”، وإذا قال أهل الدّنيا عنك: “عاقل”، وقال الله عنك: “مجنون”، فأيّهما أربح [وأصدق]؟ أكلمة الله أم كلمة النّاس؟ فاكسب رضاء الله، فالذي يكسب رضاء الله يكسب كلّ شيء، ويجب أن يكسب رضاء الله بعقل وحكمة وعلم وفهم.. وإذا كان الله يعلم أنّك لست مجنوناً ولست مفتوناً عن الحقيقة وليس مضلّلاً عليك ومشبَّهًا عليك وأنك على الحق، فاكتفِ بعلم الله، وقولهم غثاء ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [سورة الرعد: 17]، ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين [سورة القلم: 7].

حيل المشركين مع النبي ﷺ:

﴿فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِين [سورة القلم: 8] فأول ما يصطدم الدّاعي بالمكّذبين، فيقولون له: “كذّاب” أو “كاذب” وآخر يقول: “ساحر” وآخرون يقولون: “شاعر” ويقول آخر: “إنّه يأتي بأساطير الأوّلين”.. وقدّموا له إغراءات وقالوا له: “نزوجك أجمل النّساء، ونعطيك الذي تريده من المال، ونجعلك زعيماً علينا، ولكن اترك الدّعوة”.. فلا بالإغراء فُتِن ولا بالإيذاء رجع، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم [سورة الطور: 48]

قصة: دعوات الشيخ أمين كفتارو رحمه الله تعالى:

جامعكم هذا الآن كانت مساحته ستين متراً مربعاً وكانت حصره سوداء، فقال لشيخنا شيخُه: “الزم جامع أبي النّور” وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول: “دعوت الله عند الملتزم بثلاث دعوات، أوّل دعوة: أن يوسّع الجامع- الذي مساحته ستين متراً- إلى حدود النّهر” وقد وصل إلى النّهر وتجاوزه، والدّعوة الثّانية: “أن يكون خليفته من صلبه” وإن شاء الله أكون أهلاً لذلك، والدّعوة الثّالثة: “كلّ من صدق في صحبته أن يجعله الله عزَّ وجلَّ رفيقه في الجنّة”، ولم يجعل الله المسجد طابقاً واحداً بل جعله عدّة طوابق، ولم يجعله جامعاً بل جعله جامعاً وجامعةً.

طرفة لفظية للجامع والجامعة:

قيل: “الجامعة حَرْدَانَة [حَرْدَانَة: تَرَكَتْ بيت الزوجية]، والجامع بقي أرملاً يكابد ويسهر اللّيالي لوحده يئن ويعن”، فنسأل الله عز وجل أن يجمع للمسلمين الجامع مع الجامعة يعني الدّين مع الدّنيا والقلب مع العقل.

الطرق التي اتبعها كفار قريش لثني النبي ﷺ عن الدعوة:

قال تعالى: ﴿فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِين [سورة القلم: 8] أرادوا إغراءه ورشوته، وقالوا له: “نعطيك ما تريد بشرط أن تترك الدّعوة” ثمّ هدّدوه بعد ذلك، ثمّ تآمروا على قتله.

فقال تعالى عن الإغراء والعطاء: ﴿وَدُّوا [سورة القلم: 9] فبدؤوا بالكلام فقالوا له: “تعبد إلهنا يوماً ونعبد إلهك يوماً” فالمداهنة: أن تبذل دينك لأجل دنياك، وأن تبذل دينك لأجل أن تأخذ شيئاً لدنياك من جاه ومال، والمداراة: أن تبذل دنياك لأجل دينك، ولذلك كان النّبي ﷺ يقول: ((إِنَّ اللَّهُ أَمَرَنِي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ)) 7 ، و ((المداراة نصف العقل)) 8 .

﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ [سورة القلم: 9] فأصنامهم لم يكن لها قيمة عندهم، فبعضهم كان يصنع الصّنم من العجوة صباحاً ويأكله في المساء، أمّا ربّ النبي ﷺ فهو ربّ العالمين وخالق السّموات، فإنّهم يتمنّون لو يسايرهم فيسايروك.

قال تعالى: ﴿فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِين (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُون (9) وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِين (10) [سورة القلم: 8-10] فالذي يكثر من الحلف يدلّ على أنّه يعتقد في نفسه الكذب، فليروّج الكذب يكثر من الحلف والأيمان، فالصّادق لا يحلف، كان بعضهم يقول: “لا أحلف لا صادقاً ولا كاذباً تعظيماً لاسم الله عز وجل أن أستعمله في أمر من أمور الدّنيا”.

حكم اليمين بالطلاق:

﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِين [سورة القلم: 10] فالذي يكثر الحلف وخصوصاً بالطّلاق؛ لأنّ الطّلاق يمين الفسّاق، والطّلاق لم يشرعه الله عزَّ وجلَّ يميناً، والطّلاق عقد مثل عقد الزّواج، ومثل عقد البيع والشّراء فله آداب وله أحكام وله أوقات وله شروط، وتارةً يجوز وتارةً يحرم، عندما أراد أبو أيوب أن يطلّق أم أيوب واستشار النبي ﷺ فقال له: ((إنّ طلاق أم أيوب لهو الحوب)) 9 الحوب: المعصية ويعني حرام، وبشكل عام قال النبي ﷺ: ((أبغض الحلال إلى الله الطّلاق)) 10 .

فالرّجال والأزواج الحقراء [مهين] الذين يستعملون الطّلاق يمينهم، وقد سمّاهم الله عزَّ وجلَّ: ﴿حَلاَّفٍ مَّهِين سواء بالله أو بغير الله، والحلف بغير الله قال عنه النبي ﷺ: ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) 11 فلا يجوز الحلف إلّا بالله خالق الكون.

حرمة الغيبة والنميمة:

﴿هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيم [سورة القلم: 11] الهمّاز: هو المغتاب.

فأوّل ما بدأ القرآن بالقراءة والكتابة ثمّ ثنّى بتعقيم النّفوس من رذائل الأخلاق، وتطهير المجتمع من رذائل الأخلاق، وبدأ أولاً برذائل اللّسان، وكان النبي ﷺ يقول: ((وهل يكبّ النّاس في جهنم على وجوههم أو على مناخيرهم إلّا حصائد ألسنتهم)) 12 والغيبة: ذكرك أخاك بما يكره وإن كان حقّاً، إذا كان فيه عيب فيجب عليك أن تنصحه سرّاً بينك وبينه، فمن نصح أخاه سراً فقد زانه- تزيّنه- ومن نصحه جهراً فقد شانه، والغيبة: أن تقول فيه الواقع، أمّا إذا قلت ما ليس فيه فهو الإفك وهو البهتان، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم [سورة النور: 11]

فأين إسلام اللّسان في المسلم؟ ألّا يكون حلّافاً مهيناً ولا يكون همّازاً مغتاباً، ولا يكون مشّاءً بنميم، والنّميمة: أن تنقل خبر هذا إلى هذا- ولو كنت صادقاً صحيحاً- بما يوجب التّفريق بين الأحبة أو الفساد بين الأهل أو الأقارب أو الشّركاء أو المتحابّين.

كيف يُحسّن الإنسان خلقه؟:

فأوّل الإسلام العلم والقراءة، وثنى بالأخلاق، فبدأها بصفات النبي ﷺ، وقد قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ [سورة آل عمران: 31] وكان النّبي ﷺ على خلق عظيم، والمسلم يجب أن يتبعه ويكون على خلق عظيم في سمعه وفي بصره وفي بيعه وفي شرائه وفي معاملاته وفي ورعه وفي تقواه، فالإسلام ليس بالتّمني؟ فبالتّمنّي كلّ إنسان يتمنّى أن يكون من الأولياء، وأن يكون من كبار الأغنياء، وأن يكون من الملوك، كما قال الشّاعر

ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا يشتهي السفن

هناك أشياء لا ينالها المرء لا بالتّمنّي ولا بغير التّمنّي، فإذا تمنّى أحد أن يصير نبيّاً، فهل هناك نبوة؟ فهناك أشياء تنال لكن بالتّمنّي لا تُنال، لكنّها تحتاج إلى عمل ((ليس الإيمان بالتّمنّي ولا بالتّحلّي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب)) 13 .

أوّل ما يبدأ بالقلب، فتحتاج إلى ذكر، ويجب عليك أن تدخل في مدرسة الذّكر كما أنّ مراحل التعليم فيها ابتدائي وإعدادي وثانوي وليسانس حتّى تأخذ الدكتوراه، والذي يريد أن يصبح ذاكراً يجب أن يكون مع الذّاكرين، والذي يريد أن يكون مؤمناً يجب أن يكون قلبه عاشقاً للمؤمنين، فالتي يسمّونها بالتّصوّف “الرّابطة”، ففي زمن الصّحابة لم يكن هذا اللّفظ كانت هناك كلمة الحبّ، ولكن كيف كان حبّهم وارتباطهم الحبّي برسول الله ﷺ؟ كان أحدهم في المعركة عندما كانت السّهام مثل المطر تنزل على رسول الله ﷺ فيضع صدره أمام صدر النبي ﷺ ويقول له: “صدري لصدرك وقاء وروحي لروحك فداء”، وكان ﷺ يقول: ((إنّ من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر أنفق عليّ ماله وزوجني ابنته)) 14 وفي غار حراء سدّ كلّ الثّقوب خوفاً من العقارب والحيّات إلّا ثقب واحد لم يجد ما يسدّه به فسدّه بقدمه، فخرجت أفعى فلدغته، والنّبيّ ﷺ نائم على فخذه ولم يتحرّك أبو بكر مع لدغة الأفعى، حتّى لا يوقظ النّبيّ ﷺ، ما هذا؟ هذا هو الحبّ، ومَن يحب الإنسان، ومتى يحب؟ فهو يحبّ الجمال، ويحب ما يسعد، وما ينفع.. فحبّ النّبوّة يعني حبّ الإيمان، الإيمان الحقيقي: الذي هو الدّنيا مع الآخرة، والذي هو القوّة والعقل والعلم والحكمة في كلّ شؤون الحياة الجسديّة والرّوحيّة.

والباقي من الإسلام اليوم.. يا ليتها القشور! وليتها بقايا عنقود العنب! أو البقية المتبقيّة في أسفل الطّنجرة من الرز المحروق والملتصق أسفل الطّنجرة!

نقول: “إنّنا مسلمون”، فنحن نظلم الإسلام بانتسابنا إليه، هذا هو كتاب الإسلام.. فإذا ما نقلته من الورق إلى القلب، وتحوّل من قلبك إلى عقلك فهماً ثمّ عملاً وسلوكاً ثمّ دعوةً للآخرين أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وتعليماً للجاهل ومساعدةً للضّعيف وأخلاقاً فاضلة، فأنت لست بمسلم كامل.

لا تظنّ أنّك إذا قرأت أو أخذت شهادة أنّك قد قمت بما عليك، فالقرآن هو الدّليل، وعليك أن تكون قرآن العمل، والقرآن الذي بين أيدينا قرآن الورق، فالمسلم هو الذي ينقل القرآن من الحبر والورق إلى الأعمال والخُلُق، ومن السّطور إلى القلوب والعقول والصّدور.

النهي عن مجالسة كثير الحلف:

قال تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِين [سورة القلم: 10] فأنت لست بحلّاف مهين، فكيف أيها المسلم إذا كنتَ أنت الحلّاف والمهين؟ فيقول الله عزَّ وجلَّ لك: ابتعد عن صحبة ومجالسة الحلّاف كثير الحلف الحقير، فمن أجل “حزمة فجل” يحلف بالطّلاق، ومن أجل لبس حذاء يحلف بالطّلاق، وكذلك من أجل حبة كوسا أو حبة لفت، فكيف إذا كنتَ الحلّاف؟ فيقول الله عزَّ وجلَّ لك: ابتعد عنه لأنّ الصّحبة تجعلك تتأثر بصاحبك وتتشبّه بأخلاقه وسلوكه.

﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِين [سورة القلم: 10] فكيف إذا كنتَ أنتَ الحلّاف والمهين الحقير بأعمالك وبأخلاقك وبتفكيرك وبتصرّفاتك، ولا تبالي إلّا بهواك وأنانيّتك ومصلحتك، ولا تبالي إن قيل لك: “الله” أو “حلال” أو “حرام” أو “يجوز” أو “لا يجوز” فكلّ هذا منسوخ عندك، هل هذا إنسان حقير أو إنسان كريم؟ فيخاطبك الله عزَّ وجلَّ: “لا تصحب ولا تجالس” وإيّاك لأنّك في الصّحبة والمجالسة ستقلّده وتطيعه، ابتعد عنه.

فالقرآن لا يُقرأ للثّرثرة ولا للصّوت الجميل ولا يقرأ فقط للتّسلية وإجادة نطق الحروف؛ بل يقرأ للفهم والعلم والعمل والتّعليم، وهذا لا يكون إلّا بالقلب الذّاكر الطّاهر المعقَّم بالتّوبة النّصوح، والتّوبة النّصوح: ألّا تعود إلى الذّنب كما أنّه لا يمكن أن يعود الحليب إلى ثدي أمّه، والآن بعد أن يخرج الحليب هل يعود إلى ثدييها؟ فالتّوبة النّصوح أيضاً ألّا تعود إلى الذّنب كما أنّه لا يمكن أن يعود الحليب إلى ثدي المرضعة.

﴿مَّشَّاء بِنَمِيم [سورة القلم: 11] النّمام: ناقل الأخبار.. واحد يختلف مع آخر سواء مع أخيه أو مع أبيه أو مع عمّه أو مع غيرهم، فيتكلّم وهو غضبان فيسبّ أو يشتم، فيذهب ذاك ويبلّغ.. وهو صادق فيما بلّغ، لكن ما اسم هذا العمل؟ اسمه نميمة، وقد قال النّبيّ ﷺ: ((وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت)) 15 ، الباغون: القاصدون للبُرَآء بالعَنت، فيأتي للبريء يلصق به أشياءً، يبدأ بالنّميمة وينتقل إلى الإفك والبهتان، أين الإسلام؟ ويقول المسلم: “نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يميتنا على الإسلام”، الإسلام: هو هذا، هذه أخلاق الإسلام، وأوله ﴿ن وَالْقَلَمِ [سورة القلم: 1] وأوله: ﴿اقْرَأْ [سورة العلق: 1] فإذا قرأت القرآن فهل قرأته للقراءة أم للفهم وللتّدبر والعمل والتّطبيق ثمّ التّعليم بأقوالك وأعمالك حتّى تصير مسلماً وتموت على الإيمان؟ يريد أن يموت على الإيمان بالأنا والتّمنّي، وهذا لا يكون، هل تريد أن تأخذ مسبحة بالتّمنّي من غير أن تدفع ثمنها للبائع، فهل يعطيك إيّاها؟ وإذا قلت له: “أرجوك، من أجل الله أعطني مسبحة”، فهذا غير ممكن.

أوّل ما بدأ الإسلام بالعلم ثمّ بالتّربية، ﴿ن وَالْقَلَمِ [سورة القلم: 1] ﴿اقْرَأْ [سورة العلق: 1] ثمّ بعدها أخلاق.

من الصفات التي ذمها الله عزَّ وجلَّ منع الخير عن الناس:

﴿مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ [سورة القلم: 12] يوجد أناس لا يفعلون الخير ويتضايق إذا رأى غيره يفعل الخير، لا يتعلّم وإذا رأى شخصاً يأتي إلى مجالس العلم يصبح مثل الشّيطان يصدّ عن سبيل الله من آمن، ولا يكتفي بالصّدّ بل يقوم بالتّشويه أيضاً ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا [سورة الأعراف: 45] وينسب إلى الدّعاة وإلى المصلحين وإلى المربّين ما يريد، وذلك بهوى النّفس ووحي الشّيطان ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [سورة الأنعام: 121] من غير أن يقول له أحد، فشيطانه ينزّل عليه الوحي [يوحي إليه]، ويقول له: “اكذب الكذبة الفلانيّة، واحكي الكلمة الفلانيّة، وارمِ بين فلان وفلان، ولا تقل الحقّ وقل الباطل”، وقد صنع من نفسه نبيًّا، لكن من الذي يوحي إليه؟ “إبليس”.. صار نبي الأباليس، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحميكم ويحمينا.

﴿مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ [سورة القلم: 12] إذا أراد أحدهم أن يعمل خيراً من صدقة أو أن يأتي إلى الجامع لمجلس علم أو لذكر أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر يقول له: “أنت ليس لك علاقة”، وإذا أراد أحد أن ينصحه يقول له: “اذهب وانصح نفسك”.

حرمة الاعتداء على حقوق الغير:

﴿مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ [سورة القلم: 12] يعتدي على حقوق الله وعلى حقوق الدّين وعلى حقوق الدّعاة إلى الله وعلى حقوق الخلق وعلى حقّ الدّابّة وعلى حقّ الحيوان، قال ﷺ: ((دخلت امرأة النّار في هرّة حبستها حتّى ماتت لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض)) 16 .

﴿مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ [سورة القلم: 12] إذا أراد أحدهم أن يعمل خيراً ينهاه، ليس يبخلون فقط، بل ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [سورة الحديد: 24] و﴿مُعْتَدٍ [سورة القلم: 12] يتعدّى على حقوق النّاس بالأقوال أو بالأعمال أو لا يعطي الحقّ، وقد قال رسول الله ﷺ: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه)) 17 أو لا يعطي حقّ المعلّم، قال الشّاعر

قم للمعلم وفّه التّبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أعظم أو أجلّ من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولا

فكم نرى من اعتداء المعتدين على كثير من الحقوق.

لابد من وجود المعلّم المربّي:

وهذه ثاني سورة في القرآن نزولاً، وبعضهم يقرأ القرآن برمضان عشر مرّات، وإن سألته: “ماذا فهمت؟ ” لم يفهم شيئاً، “ماذا طبقت؟” لم ينوِ أن يطبّق؛ لأنّه لم يكن يقرأ لكي يفهم وحتّى يطبّق.. فإذا ذهبت إلى بائع الخضار وأنت لست ناويّاً أن تشتري، فوقفتك عليه ورؤيتك للخضرة عنده هل ستجعلك تطبخ طعاماً؟

وإذا وقفت عند الفرّان أو اللّحام هل يصير عندك “صفيحة” [أكلة من عجين ولحم تُخبَز بالفرن] بمجرد الوقوف؟ كذلك القرآن، قرآن المدرسة وقرآن المصنع، والمصنع له مديره وله عمّاله وله مهندسوه وله مخطّطاته.. كان المسجد مصنع إنتاج الإنسان الكامل، ولمّا كان المسجد برجاله وأكفائه أنتج أعظم عظماء التّاريخ، ليس التّاريخ العربي، بل التّاريخ العالمي، فأيّ امبراطور كان مثل أبي بكر أو مثل عمر أو مثل عمر بن عبد العزيز أو مثل سيّدنا علي بن أبي طالب أو مثل عثمان بن عفان رضي الله عنهم.. كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يستطيع أن يقاوم لكنّه تورّع أن يسفك دم إنسان وهو محقّ، فرضي أن يكون مظلوماً ولم يرضَ أن يأخذ بثأره وهو محقّ في ذلك.

يقولون: “ديمقراطيّة” أيّ ديمقراطية؟ أليس عيب علينا نحن كعرب أن نقول ذلك؟ فهل ديموقراط أعظم أم سيّدنا محمّد ﷺ، أو أبو بكر، أو خالد؟ لكن ديمقراطيّتنا فهمها كثير من النّاس على شكل الفكاهة التالية

طرفة عن الأكثر ديمقراطية:

يقال: كان شابّان واقفين في مدينة حلب، فقال أحدهم للآخر: “هل أبوك ديموقراطي أكثر أم أبي ديمقراطي أكثر؟”- الدّيمقراطية تعني الحرّية في الرّأي وفي الحكم، ولكنها صارت موضة بعد ذلك- فقال له: “أبي ديمقراطي أكثر”، قال له: “كيف تكون ديمقراطية أبيك؟” قال له: “عندما يركب أبي بالعربة [بالمواصلات العامة] لا يركب بالصّدر، بل يركب بجانب السائق من تواضعه” على اعتبار أنّ الدّيمقراطية تواضع ومساواة، فلا يتفضّل على السّائق، قال له: “لكن أبي ديمقراطي أكثر”، قال له: “كيف؟” قال له: “إنّ أبي يتعلّق بالعربة من الخلف”.

فنحن نأخذ من الألفاظ قشورها ونتنها، هل أخذنا من أوروبا علومها وحضارتها وصناعتها وقضاءها وإبحارها؟ نحن نأخذ ما ليس له قيمة مع أنّهم لا يعطوننا ما له قيمة، لكن إذا صرنا مسلمين حقيقيّين والله سنصبح أساتذتهم في هذا العصر، فقط إن هيّأ الله طلاب العلم، وطالب العلم والله لو يقرأ كتب الدّنيا وليس له قلب ولم يُحشَ حشواً بنور الله ولا يذوب في عشق الله ولا يرتبط بالوارث المحمّدي ارتباط الرّوح بالجسد.. والآن هؤلاء الذين يأخذون الدّكتوراه.. ونحن لسنا في أزمة الشّهادات، فالشّهادات صارت بمئات الألوف، لكن أين الإنتاج؟ لا يوجد شيء، ونرى أحدهم مثل الشّيخ متولي الشّعراوي قال لهم: “إنّ كلّ ما أنا فيه من الفتح العلمي من هذه المسبحة”.. والقرآن كم أمر بالذّكر؟ الخ.

بعض الصفات المذمومة:

﴿مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ [سورة القلم: 12] لا يجوز أن تعتدي وأن تمنع الخير وأن تعتدي على ضعيف واحد ولو على نملة أو هرّة.. كان الإمام الشّعراني إذا ركب دابة ونزل عنها يرفع حافرها ويقبّله ويشكرها، ويقول لها: أشكرك على تحمّلك لي.. فالمحسن والمنعم؛ أيّ محسن كان، سواء أكان معلّماً أو أباً أو صديقاً وأيّ إنسان.. وحتى لو لم يكن محسناً؛ فأعط الحقّ لصاحب الحقّ حتّى لا تكون معتدياً، فإن اغتبته فهذا اعتداء، وإن آذيته في كلمة في غيبته فهذا اعتداء.. وأنت تعرف نفسك عندما تعتدي على الآخرين إذا كان لك قلب منوّر بنور الله.

﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم [سورة القلم: 13] العتلّ: هو الفظّ الغليظ، في كلامه فظاً وفي معاملته فظاً، بينما النبي ﷺ قال: ((المؤمن يألف ويؤلف)) 18 ((كالجمل الأنف)) يعني الجمل الذي يضعون الحلقة في أنفه أو في منخره ويسحبونه منها، بأقل شدّة هل يستطيع أن يتأخر أو يقاوم؟ لا؛ لأنّه سيتألم، ((كالجمل الأنف كيفما اقتدته انقاد معك)) 19 .

موقع الدنيا في حياة المسلم:

هذه ثاني سورة من القرآن، كلها كانت تتمثّل بالصّحابة أخلاقاً وصفاتاً وسلوكاً ببركة رابطتهم الحبيّة والإيمانيّة بسيّدنا رسول الله ﷺ، فكانوا يفدونه بأرواحهم وأموالهم ومهجهم وأهليهم، هاجروا وتركوا ديارهم وأموالهم وديونهم، وكان الإيمان قبلتهم الأولى، والإيمان لم يهمل دنياهم، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [سورة البقرة: 201] وقال أيضاً: ﴿وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [سورة القصص: 77] وقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [سورة الفرقان: 67] وأطوّل آية في القرآن هي آية الدَّين، قال تعالى: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ [سورة الأنعام: 38] سورة سبأ سورة السّدود، ما سورة الحديد؟ هي استخراج الحديد وتصنيعه مدنيّاً وعسكريّاً، فعندما نقرأ التّجويد وعلى القراءات السّبع أو على العشر وعلى الأربع عشر، ولسنا نفهم منها أيّ شيء ولا نطبّق شيئاً ولسنا ناوين، فهل نكون قد قرأنا القرآن؟

قصّة وطرفة عمّن طبعه الأذى:

﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم [سورة القلم: 13] ما الزّنيم؟ الذي اُشتهر بكثرة شروره وإيذائه للنّاس، فيحذّر النّاس بعضهم بعضاً منه، مثل: إذا سلّمت عليه، يقال لك: “اذهب عقّم يديك ربّما يكون قد وضع شيئاً في كفّه يمكن أن يؤذيك”.

كان أحدهم من هذا النّوع وكان مؤذيّاً بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى، ومثل هذا يسمّونه [بالعامية] “ابن حرام” فاعتزله كلّ النّاس وهجروه وابتعدوا عنه، وعندما مرض بقي لوحده أيضاً، فأحدهم من أصحاب القلوب الطيّبة قال: “لأكسبنّ الأجر والثّواب، وأخدم هذا الإنسان لوجه الله” فصار ممرّضه الخاص، يحضر له الطّعام والشّراب والدّواء ويخدمه.. وعندما صار في حالة النّزع، قال له: “أنت خدمتني وكلّ النّاس هجروني، وكلّهم نبذوني ولا أستطيع أن أكافئك، لكن من أجل أن تكمل معروفك معي وقد عملتُ ذنوباً مع الله كثيرة، فأرجو أن تنفّذ وصيّتي بعد موتي”، فقال له: “وما وصيّتك؟” قال له: إذا متّ فخذ هذا الحبل واجعله في رقبتي ودر بي حول هذه البحرة سبع مرّات لعلّ الله بهذا الأمر يغفر لي”، فهذا أحمق.. ولا يجوز أن يكون الإنسان أحمقاً، يجب أن يستعمل عقله ولا يكون أبلهاً، فبعد ذهاب روح هذا الرّجل قام بتنفيذ الوصية، ووضع الحبل على رقبته وبدأ يدور به حول البحرة، وبعد أن انتهى أعاده إلى الفراش وأحضر المغسّل ليتم تغسيله فوجد أن رقبته مشدودة ولونها أزرقاً، فقال: “يا أخي نحن لن نغسله”، فقال له: “لماذا؟” فقال له: “أنت قمت بشنقه” وبدنه وجسده ممزّقاً أيضاً ولونه أزرقاً من جرّه بالحبل على الأرض سبع مرات، فقال له: “يا أخي والله ما شنقته” وأحضر مغسّلاً ثانياً وثالثاً فوصلت القضية للأمن، وفوجئ بدخول الطّبيب الشّرعي والشّرطة، وعلامات الشّنق ظاهرة، وضعوا القيد بيديه وضربوه على قدميه، وقالوا له: “يجب عليك أن تعترف، أين الذي أخذته منه حتّى قمت بشنقه؟”

وبعدما ضربوه ضرباً شديداً وكسّروا عظامه، واقتنعوا أنه لم يشنقه، فقال له: “لقد كنت حقاً “ابن حرام” [مؤذٍ] حيّاً وميتاً”.. هذا هو الزّنيم المشهور بالشّرّ.. إذا تحقق النّاس في صدق إنسان واستقامته فيكون موضع ثقتهم ويسلمونه أموالهم ويكون محبّباً عندهم.. والأعلى من هذا: اترك النّاس ودع الله يحبّك، فإذا أحبّك الله وحده فلو خسرت كلّ النّاس فأنت رابح، وإذا صدقت مع الله وفهمت على الله، فالله ينادي منادياً بأن يحبّك أهل الأرض وأهل السّماء 20 ، ولذلك ((المؤمن يألف ويؤلف)) والقرآن يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [سورة مريم: 96] وداداً، ولذلك لا يصيبك الغرور أنّك تأتي إلى الجامع وتصلّي، فمن الذي أنشأ لك عقلك وبناه بالحكمة؟ ومن الذي أنشأ لك قلبك وملأه نوراً وحضوراً وخشوعاً وخشيةً من الله؟ وهذا ليس في أعمالك وأخلاقك وغضبك ورضاك فحسب، بل في خطرات قلبك، فلا يخطر بقلبك إلّا نية الخير ولا يخطر ببالك إلّا عمل يقربك إلى الله عز وجل، ففي رضاك وفي غضبك وفي مصلحتك وغير مصلحتك: “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.”

ما حجة المشركين في الرد على القرآن الكريم؟:

قال: ﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِين (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين [سورة القلم: 14- 15] فكم وكم يقع الإنسان في الصّفات السّيّئة في العدوان وفي الظّلم وفي الغرور والغيبة والحلف الكاذب بسبب نعمة الله عليه، فتكون له مكانة أو ثروةً أو يكون غنياً فلا يفكر بالله ﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِين إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا [سورة القلم: 14-15] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [سورة البقرة: 206] فيقول لك: “أنت اتق الله!”، أو لم يعد يبالي بالله ولا بشرع الله ولا بدين الله ولا بحلال ولا بحرام؛ بل همّه بطنه وفرجه وأهواؤه وجمعه المال من حلال أو من حرام، وقد ورد في حديث رسول الله: ((تبكي السّماء من عبد أَصَحَّ الله جسمَه)) صحّةً مثل الفولاذ ((وأرحب)) وسّع ((جوفه)) وسّع له بطنه أو أمعاءه، كانت ضيّقة فصارت كبيرة، كانت دقيقة فصارت واسعة من كثرة الأكل ((تبكي السّماء من عبد أصح الله جسمه وأرحب جوفه وأعطاه من الدّنيا مقضماً)) 21 آخذاً القثاء ويقضم بها، دنيا أمامه ويقضم بها كما يشاء، ينسى الله وينسى الآخرة وينسى أن يحاسب نفسه في أقواله وفي نظراته وفي أعماله وفي بيعه وفي شرائه وفي حقوق الخلق وفي نفسه، فيقع في الكبر ويقع في العجب ويقع في الرّياء وحبّ الدّنيا ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين [سورة النحل: 107] “حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة” 22 ، فكلّ ما يصدّك ويحجبك عن الله فهو دنيا.

﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ [سورة القلم: 14] ذا ثروة ﴿وَبَنِين كان العرب يتباهون بكثرة الأولاد– لم يكن عندئذٍ حكومة- فكانت قوّة الإنسان بكبر عائلته أو كبر قبيلته.

﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين [سورة القلم: 15] هذه خرافات مثل قصة عنتر وغيره.

ما عقوبة المعاند المشرك في الآخرة؟:

﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُوم [سورة القلم: 16] فمكان العزّة الأنف، يقولون: “فلان رافع منخاره”، والمنخار: هو الخرطوم، وقال الله عزَّ وجلَّ: سنذل خرطومه ونكيه يوم القيامة علامةً حتّى يُعرف بين أهل الموقف بأنّه ممّن غضب الله عليه، وأيّ ذل أعظم من أن يوسم على أنفه علامة غضب الله عزّ وجلّ.

المداومة على ذكر الله عزَّ وجلَّ:

بعد أن ذكر الله هذه المقدمة في سورة نون، فهذه المقدمة يجب أن تكتبوها في عقولكم وفي أعمالكم، وهل معكم الدّواة والقلم؟ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى [سورة ق: 37] الكتابة تثبت بماذا؟ قال تعالى: ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ [سورة ق: 37] صاحب القلب الذّاكر.

كان شيخنا يقول: “كنّا نتكحّل بالملح حتّى لا ننام لإدمان ذكر الله عزّ وجل” -وهذه لا آمركم بها- لكن أكثروا من ذكر الله في ذهابكم وفي أكلكم وفي شربكم، والمرأة في المطبخ والرّجل في الدّكان، دم دائماً مع الله. قال تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَب وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب [سورة الشرح: 8. 7] دع ذكر الله يكون لروحك كنَفَسِك لجسدك، وقد وصف الله المؤمن بقوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ [سورة آل عمران: 191] لا نريد أن نقول: “نقشبندياً أو قادرياً” لا نحتاج لذلك، بل نعود إلى القرآن، قال تعالى: ﴿قِيَامَاً وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة آل عمران: 191] ما أعظم هذا الدّين! مع أننا لا نفهمه فهماً ولا نحسن ترجمته قولاً، فكيف إذا رآه النّاس مترجمًا في أعمالنا وفي سلوكنا وفي قوّة روحانيّتنا وفي صلتنا بربّنا؟ لأثّر في الأحجار.

فالعالَم الغربي في أوروبا وأمريكا الآن أفئدتها هواء، والله لو وجد المسلم الدّاعي، مسلم القرآن والله حتّى يصبح أعظم من كلينتون في أميركا، ذلك يملك ويحكم على الأجساد، لكن صاحب القلب الرّبّاني المتّصل بالله: هذا الذي يمتلك القلوب، وأين مَلِك القلوب من مَلِكِ الأجساد؟ فملك القلوب لا يريد إلّا أن يكون النّاس سعداء، يتعب ليستريحوا ويسهر ليناموا ويبذل ليستغنوا، “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”

قصة أصحاب القرية:

فبعد مقدّمة السّورة في الأخلاق والعلم أتى بالقصّة، فالقرآن يعلّمنا من طريق القصّة، قال: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [سورة يوسف: 3] فالآن الجرائد والمجلّات فيها قصص، لكن هل هي أحسن القصص؟ يقرأ أحياناً أحدنا قصّة لا معنى لها، فأكثرها لغو من غير طعم ولا فائدة منها؟ وسمّى سورة بسورة القصص.

فأوّل ما بدأ “اقرأ” وبعدها القلم والدّواة وبعدها الأخلاق وبعدها يريد أن يمثّلها بالقصّة، والقصّة تمثل هنا معنى: ﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِين [سورة القلم: 14] الذي يستعمل المال والبنين في أهوائه وخدمة جسده وينسى إيمانه وقلبه وربّه وروحه.

كان هناك رجل له بستان، فكان إذا حصده أو قطف ثماره يجعله ثلاثة أقسام؛ قسم يردّه في مزرعته نفقات ومصاريف، وقسم يدّخر به قوت سنة لعياله، وثلث كان ينفقه على الفقراء والمساكين، فمات الرجل فترك أولاداً فما ساروا سيرة أبيهم، فقصّ الله عزَّ وجلَّ قصّتهم فقال: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ [سورة القلم: 17] يعني لقريش ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ [سورة القلم: 17] الجنّة: هي البستان الذي مَن دَخَل بين شجره تستره أغصانها وأوراقها، فامتحن الله الأولاد بالبستان كما امتحن قريشا ًببعثة النبي ﷺ، هل يشكرون، وهل يتقبّلون، وهل يفتحون قلوبهم وصدورهم؟ وهل يكونون ظلّاً له في متابعته فيما أوحى الله إليه؟ ﴿إِذْ أَقْسَمُوا [سورة القلم: 17] بعد موت أبيهم وعندما صار الموسم ذكروا الفقراء وقالوا: “لا نريد أن ندفع للفقراء ونحن أولى به، فأبونا كان أحمقاً”.

﴿إِذْ أَقْسَمُوا [سورة القلم: 17] أقسموا عندما يقطفون الثّمار أو يحصدون الزّرع ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا [سورة القلم: 17] الصّرم: يعني القطاف والحصاد ﴿مُصْبِحِين [سورة القلم: 17] أي قبل طلوع الشّمس وقبل أن يأتي الفقراء ﴿وَلاَ يَسْتَثْنُون [سورة القلم: 18] لا يتركون شيئاً في الشّجر ولا في الأرض حتّى لا يلمّه الفقير ويأخذ بعض الشّيء.. فبتغير النّية فقط.. غيّروا نيّتهم ولم يعملوا بأعمالهم؛ بل عملوا بقلوبهم والله عز وجل مطلّع على القلوب، وعمل القلب: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [سورة الأعراف: 33] فهؤلاء منعوا الزّكاة بقلوبهم قبل أن يمنعوها بأيديهم، فآخذهم الله عزَّ وجلَّ بمجرد النّية.

قال: ﴿أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا [سورة القلم: 17] يصرمنها: يقطفون ثمرها ويحصدونها ﴿مُصْبِحِين (17) وَلاَ يَسْتَثْنُون [سورة القلم: 18] للفقراء حصتهم ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ [سورة القلم: 19] بعث الله عليها شرطي الصّقيع أو زوبعة أو بَرَد قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ [سورة المدثر: 31]

قصة: “إنّ لله جنوداً من عسل”:

الصّحابة في معارك القادسية وفتح فارس، وقد هرّب الفرس وأخذوا معهم كنوز كسرى، ودخلوا بها في مضيق جبل، والمسلمون يلحقون بهم، وهم يركضون ووصلوا في المضيق إلى مكان لا يتّسع إلّا لدابة واحدة، وإذا بهم يرون في مواجهتهم قافلة من عسل؛ دواب محمّلة بالعسل، فعندما صاروا بالمواجهة وقفوا، فلحق بهم المسلمون واستولوا على خزائن كسرى التي لا تقدّر بعدد ولا بثمن، فقالوا: “إنّ لله جنوداً من عسل”.

أيضاً من جنود الله أن يبعث لك الله حشرة صغيرة، أو يبعث لك فيروس الإيدز والذي إلى الآن لا تراه العيون ولا تراه المجاهر العادية، فهذا المخلوق الذي لا يُرى بالعيون ولا بالمجاهر العاديّة هزم أميركا وفرنسا وألمانيا واليابان والقرن العشرين، وفي عشرين سنة يفتك بالملايين، فبالإسلام يُرجم الزّاني واللّوطي وخلال نصف ساعة يموت، ولكن رجم هذا يبقى عشر سنوات وجهازه المناعي ضد الجراثيم معطّل من العمل فلا يستطيع أن يدافع ضدّ الجراثيم، فتدخل الجراثيم في الهواء والماء في هذا المريض ويصاب بالأمراض، فيبقى عشر سنوات يتمنّى الموت ولو بجبل من ذهب، فيرجمه الله عشر سنوات، فلا يصيبك الغرور بنفسك، فجرثوم صغير يأتي إلى الكبد يتليّف الكبد ويتشمّع البنكرياس، جرثوم صغير، قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ [سورة المدثر: 31] فعلينا أن نخاف من الله عزّ وجلّ ومن جنود الله ولو كانت من عسل.

بعض الأوقات يهلكك مالك فيسلّط الله عليك مالَك، وقد يهلكك عقلك وذكاؤك، يجب أن نتقي الله عزّ وجل في سرائرنا وفي أعمالنا وفي معاملاتنا وفي مطامعنا مع الضّعيف ومع المسكين ومع شخص إذا أدانك أو أقرضك أو ساعدك ولا يملك سنداً.. أليس الله موجودًا؟ فأين الله؟ فأين الله؟ لذلك عندما كان الإسلام بمعناه الحقيقي والقرآن، لم يكن هناك حاجة للقضاة ولا للمحاكم ولا للشّرطة ولا للسّجون، وكان النّاس كالجسد الواحد، لأنّه نشأ من الجامع، والجامع يعني إمام الجامع.. فنسأل الله عزّ وجلّ أن يهيئ الإمام الصّالح والأئمة الصّالحين ويجعلنا منهم.

تتمة قصة أصحاب القرية:

﴿فَتَنَادَوا مُصْبِحِين أَنِ اغْدُوا [سورة القلم: 22-21] الغدو الذّهاب في الصباح الباكر ﴿عَلَى حَرْثِكُمْ على مزرعتكم ﴿إِن كُنتُمْ صَارِمِين ستجنون وتحصدون ﴿فَانطَلَقُوا ركضاً ﴿وَهُمْ يَتَخَافَتُون [سورة القلم: 23] يتكلّمون بصوت منخفض حتّى لا يسمعهم أحد وينقل كلامهم إلى الفقراء فيلحقون بهم باكراً ﴿أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِين [سورة القلم: 24] يقول الله عزّ وجلّ: ((يا ابن آدم أنفق أنفق عليك)) 23 وقال ﷺ: ((يا عائشة لا توكي)) لا تغلقي وتربطي الكيس ((فيوكي عليك)) 24 يحب أن يكون كلّه بالقسطاس المستقيم ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [سورة الفرقان: 67]

﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِين [سورة القلم: 25] صمّموا بكلّ عزم وتصميم وظنّوا أنفسهم أنّهم سينفّذون ما يريدون وأن الله غير موجود.. لكن الله موجود ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد [سورة الفجر: 14] ولا يصيبك الغرور بحلم الله، قد تعمل المعصية وتتجرأ على الله مرة أو اثنتين والله حليم يمهل، لكن ألا يؤاخذ؟ قال تعالى: ﴿وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ [سورة فاطر: 45] فإذا جاء وقت الحساب ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [سورة فاطر: 45] لا يحتاج الله عزّ وجلّ لشاهد ولا يقول له: “دعني أرى السّند”، ولا يقول له: “أرني البصمة”، ولا يقول له “هات الشّهود” فإن الله يقول له: ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ [سورة الإسراء: 14] ويريه فيديو إلهي يصوّر كلّ أعماله وسرائره في قلبه وفي صدره.. كلّه مسجَّل، يوجد فيديو من الدّاخل يسجل عليك، وعلى لسانك ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد [سورة ق: 18] ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ [سورة طه: 7] الذي تخفيه عن النّاس ﴿وَأَخْفَى [سورة طه: 7] أخفى من السّرّ الذي أنت لم تعرفه بعد وستعرفه بعد يومين وستخفيه عن النّاس، يعلم سرّك الحالي وسرّك في الخفاء، فأين تريد أن تهرب من الله؟ وأين تريد أن تتخلّص من محكمة الله؟ فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا التّقوى ظاهراً وباطناً.

﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [سورة القلم: 21-24] هذا ترتيبهم، وماذا رتّب الله؟ فالله يسمع ويشاهد ويعلم ماذا يوجد في الدّاخل والخارج، فأرسل دورّية وأرسل محكمة على البستان، فعندما وصلوا رأوها ووجدوها سوداء كالفحم؛ ورقها وثمرها وزرعها وشجرها ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّون [سورة القلم: 26] هذا ليس بستاننا وليست مزرعتنا، فالبارحة تركناها جنّة وهذه فحمة، فأنتم مخطئون، بعد ذلك قال أحدهم: “ألا ترون هذا بيتكم وهذه ناعورتكم وهذه معداتكم، فهذه مزرعتكم”.

قالوا: ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُون [سورة القلم: 27] هذه مزرعتنا، لكنّ الله عزّ وجلّ حرمنا قطافها وثمارها وحصادها.

الاعتراف بالذنب:

﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ وهو يصرخ بهم، وقد قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [سورة البقرة: 143] و((خير الأمور أوسطها)) 25 ، وكان بينهم رجل صالح ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُون [سورة القلم: 28] ألم أنصحكم أنّ هذا العمل غير سليم وقلت لكم: “اعملوا على طريقة والدكم، وأخرجوا الزّكاة وأعطوا للمساكين وللفقراء حقوقهم، ولا تبخسوا النّاس أشياءهم، ألم أنصحكم، وألم أذكّركم بالله؟ فانظروا ماذا فعل الله بكم؟ وهذا من رحمة الله بهم.. فإذا عملت ذنباً وعاقبك الله مباشرة فعليك أن تفرح لأنّها علامة عناية الله فيك.

لماذا اختاروا اللّون الأبيض لمعطف الطبيب؟ لأنّه لا يتحمّل وسخة واحدة، أمّا الزّبال [عامل التنظيفات] فهل يقومون بإلباسه الأبيض؟ فبمجرد اتّساخ الأبيض يلقونه حالاً إلى المغسلة، أليس كذلك؟ وكذلك المحبوب لله إن عمل أقلّ شيء لا يرى إلّا وقد جاءه العقاب من الله؛ لأنّ الله لا يحبّ المؤمن أن يكون وسخاً بالذّنوب، فمن أول ذنب مباشرة على الحمّام وعلى المغسلة.

﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُون [سورة القلم: 28] فلم يُفقر الله عزّ وجل أباكم بما كان يفعل لمرضاة الله، وهل ببخلكم تريدون أن تصبحوا أغنياء، وهل بأكل حقوق الفقراء تريدون أن تصبحوا أغنياء؟

﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا [سورة القلم: 29] سبحانك يارب، تبنا إليك ونحن أخطأنا.. وهذا تعليم للإنسان إذا أخطأ أن يعترف بخطئه، وإذا أذنب ألّا يصرّ على الذّنب وأن يسارع في التّوبة، فإذا ظهرت جرثومة على أحدهم فاجتثاثها في البداية سهل، أمّا إذا تركها تتمكن فتصبح معالجتها فيها صعوبة.

المقارنة بين آدم وإبليس في الاعتراف بالذنب:

فأوّل قصة قصّها الله في القرآن، هي قصّة آدم وقصّة إبليس حيث كلاهما أذنب، وكلاهما وقع في الخطيئة، ولماذا هي أول قصة؟ فالله ليس حكواتياً بل ليعلّمنا من طريق القصّة، والعلم من طريق القصّة محبب إلى النّفس ويفهمه الكبير والصّغير والعالم والجاهل، فقد قال إبليس: ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ [سورة الأعراف: 12] كلامه مع الله! وكلّ واحد منّا مع الله، يعني إذا كانت زوجتك أو أجيرك أو أيّ إنسان ضعيف وأنت قوّي بمالك وجاهك ووسائلك فهناك من هو أقوى منك.

طرفة: دعاء جحا:

تعدّى رجل على جحا وآذاه بشكل أغاظه فرفع رأسه إلى السّماء وقال له: “اللهم اكسر رجله بعد أربعين سنة”، فجحا مشهور حتّى إذا أراد أن ينتقم من خصمه يُضحك النّاس، فضحك كل النّاس، وقالوا له: “ما هذه الدّعوة يا جحا؟” قال لهم: “هكذا أنا أدعو، وهل تريدون منّي شيئًا؟ فأنا أريد أن يكسر الله رجله بعد أربعين سنة”، فمشى خطوتين أو ثلاثة ودعس على قشرة موز فتزحلق وسقط وانكسرت رجله، فجاؤوا وقالوا لجحا: “هذا الآن سقط وكسرت رجله، فالآن استجاب الله لك دعوتك”، فقال لهم: “لا، هذه ليست دعوتي، هناك رجل قد دعا عليه قبل عشر سنوات أو عشرين سنة، فدعوتي أنا أن يكسر الله رجله الثّانية بعد أربعين سنة”.

فتارة يسارع الله وتارة يؤجّل ((إن الله يمهل الظالم)) يعطيه مهلة ((ولا يهمله)) لا يتركه ((وإذا أخذه)) قبض عليه ((لا يفلته)) 26 فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا التّوبة النّصوح الصّادقة المخلصة بظاهرنا وباطننا ويرزقنا تقوى الله في أعمالنا والورع في الشُّبَه ((فدع ما يَرِيبك إلى ما لا يريبك)) 27 .

﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ [سورة القلم: 28] هذا الصّالح فيهم ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُون (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِين [سورة القلم: 29] تبنا إلى الله ونحن أخطأنا، فإبليس قال: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ [سورة ص: 76] ونسب الغواية إلى الله ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي [سورة الأعراف: 16] كذّاب، فهل الله يغوي؟ لكن استكباره وأنانيّته هي التي أغوته، أمّا آدم فقال: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا [سورة الأعراف: 23] وقال الله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [سورة البقرة: 37] واجتباه ثم هدى، فلا مانع إذا أخطأت أن تتوب، فيجتبيك الله عزَّ وجلَّ ويهديك، وذاك ﴿قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون [سورة الأعراف: 14] يتحدّى الله، فقال له: ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِين [سورة الأعراف: 15] يعني هل هذا الإنظار والتّأخير سينجيّه؟ فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا فقه القرآن، والقرآن يُفقه بالقلب الذّاكر وبالتّأمل وبالتّدبر، وبالمعلّم المربي الحكيم المزكّي.. فلكي تصبح طبيباً تَتَعَلَّم من الأطباء ليس من كسّارين الحطب، ولتصبح مهندساً في كلّيّة الهندسة، ليس في سوق العتيق [سوق شعبي في دمشق] أو سوق الخضار.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفقنا ولا يجعل دعاءنا دعاء التّمنّي، بل دعاء نطلب فيه بالأقوال لنتبعه بالطلب وبالأعمال، وذلك كي نكون صادقين في الدّعاء وفي الطّلب.

﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُون [سورة القلم: 30] هذا يقول له: “ألم أقل لك دعنا نفعل كما فعل أبونا، فأنت كنت السّبب!” بل هذا كان السّبب.. فدائماً لمّا يقع المذنبون يلوم بعضهم بعضًا.

أول التوبة الاعتراف بالذنب:

﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِين [سورة القلم: 31] فاعترفوا، فأوّل التّوبة: الاعتراف بذنبك ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا [سورة الأعراف: 23] فاعترف سيدنا آدم، “والاعتراف يمحو الاقتراف” فالذّي اقترفته من الذّنب إذا اعترفت به لله متذلّلاً معترفاً ضارعاً خاشعاً قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ [سورة هود: 114] ((والتّائب من الذّنب كمن لا ذنب له)) 28 ((إنّ الله يمدّ يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويمدّ يده في النهار ليتوب مسيء الليل)) 29 .

﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا [سورة القلم: 31] يا هلاكنا ﴿إِنَّا كُنَّا طَاغِين [سورة القلم: 31] لقد تجاوزنا حدود الله ﴿عَسَى رَبُّنَا [سورة القلم: 32] نحن تبنا ﴿أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا [سورة القلم: 32] ما دام أنّك تبت وأنبت قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ [سورة هود: 114] ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُون (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ [سورة القلم: 33] قال: هكذا يعذّب الله عزّ وجل كلّ من بتجاوز حدوده ويخالف أوامره ويعتدي على قانون الله عز وجل.

﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ وإذا لم يعجل الله عزَّ وجلَّ عليك العقوبة في الدّنيا ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون [سورة القلم: 33] فما أعظم هذه التّربية ضمن هذه القصّة! وما أعظم القرآن!

ولذلك قال غلادستون رئيس وزراء إنكلترا في الحرب العالميّة الأولى: “ما دام القرآن بين أيدي المسلمين فلن تستطيعوا أن تتغلّبوا عليهم” الآن يوجد ورق بين أيدي المسلمين أمّا القرآن فغائب عن الوجود، فنسأل الله أن يجعل القرآن في قلوبكم، والقرآن مقدّس لا ينزل في قلب ملوّث ولا في قلب منجّس، والقرآن يحتاج إلى الفكر والعقل الطّاهر النّقي، فأكثروا من ذكر الله وتوبوا إلى الله، قال تعالى: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا [سورة التحريم: 8] وكان النبي عليه الصّلاة والسّلام يقول: ((إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة)) 30 فإذا قال الله عزَّ وجلَّ للنبي ﷺ: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [سورة غافر: 55] فنحن ماذا سيقول لنا الله؟ وإذا كان النّبي يستغفر سبعين مرّة فكم يجب أن نعمل؟ وليس بالأقوال.. “إنّا نستغفرك” أي نطلب منك المغفرة، فهذه بالأقوال، وبالأعمال: تغيّر سيئاتك وتبدلها حسنات، وكذلك رفاقك وسهراتك وجلساتك وسمعك وبصرك ولسانك.

اللّهمّ اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. معجم الطبراني الكبير، (8/123) رقم: (7502)، عن ابي امامة الباهلي، بلفظ: «مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مِنْ إِلَهٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ». وابن عدي في الكامل في الضعفاء (3/126)، وابن رجب في كلمة الإخلاص وقال إسناده ضعيف. تخريج أحاديث الإحياء، (5/2354). السنة لأبي عاصم (3).
  2. شعب الإيمان للبيهقي، باب في الإيمان بالله عز وجل رقم: (100)، (1/ 110)، والطبراني في المعجم الكبير، رقم: (460)، (11/ 233)، القبور لابن أبي الدنيا، رقم: (69)، (1/80)، بلفظ: ((لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ، وَلَا فِي نُشُورِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَنْفُضُونَ عَنْ رُءُوسِهِمْ يَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ))، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه.
  3. سنن أبي داود، عن أبي هريرة، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، باب/ رقم: (2378). مسند أحمد، عن أبي هريرة، رقم: (8028)، (13/398)، المستدرك على الصحيحين، رقم: (7319)، (4/188). شعب الايمان للبيهقي، عن أبي هريرة: (8990).
  4. متفق عليه، صحيح البخاري، عن أبي موسى، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، رقم: (5534)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين..، رقم: (2628). واللفظ: ((إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)).
  5. صحيح مسلم، عن أبي هريرة، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، رقم: (2278)، سنن أبي داود، رقم: (4673)، سنن الترمذي، رقم: (3148)، سنن ابن ماجه، رقم: (4308).
  6. المقاصد الحسنة، رقم: (185)، ص: (167)، تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (39)، معناه صحيح، ولكنه ليس بحديث.
  7. الديلمي في الفردوس (1/176) رقم (659)، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. فيض القدير للمناوي، رقم: (1695)، (9/ 70)، مداراة الناس لابن أبي الدنيا، رقم: (4)، ص: (25)، عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ، بلفظ: ((أُمِرْتُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أُمِرْتُ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ))،
  8. ليس بحديث بل من الأمثال القديمة، فقد روي عن الحسن البصري قوله: "كانوا يقولون المداراة نصف العقل وانا أقول هي العقل كله"، الآداب الشرعية لابن مفلح ( 468/3).
    وجاء في شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (6568)، (5/ 254)، والمعجم الأوسط للطبراني، رقم: (6744)، (7/ 25)، بلفظ: ((وَالتَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ)). عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه.
  9. المعجم الكبير للطبراني، رقم (12909)، (12/ 195)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بلفظ: ((أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ طَلاقَ أُمِّ أَيُّوبَ كَانَ حُوبًا)).
  10. سنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب في كراهية الطلاق، رقم: (2178)، (1/ 661)، سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب حدثنا سويد بن سعيد، رقم: (2018)، (1/ 650)، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
  11. سنن أبي داود، كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، رقم: (3251)، (2/ 242)، أخرجه الترمذي في الأيمان والنذور، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، رقم (1535)، (4/ 110)، بلفظ: ((عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلاً يَحْلِفُ لاَ وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ»)).
  12. سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، رقم: (2616)، (5/11) ابن ماجه ( 3973)، شعب الإيمان للبيهقي، فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه وترك الخوض فيه، رقم: (4958)، (4/ 247)، عَن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه.
  13. ورد الحديث مرفوعًا في أمالي ابن بشران برقم: 47 عن قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلا بِالتَّحَلِّي، لَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ الْفِعْلُ، الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ، وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ، فَعِلْمُ الْقَلْبِ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى بَنِي آدَمَ". وورد مقطوعًا عن قتادة وعن الحسن انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج: 9 ص: 559 ومعالم التنزيل تفسير البغوي عند تفسير سورة فاطر الآية 10. وورد في: حلية الأولياء: أبو نعيم، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (3/272). وورد عن الحسن رضي الله عنه: ((ليس الإيمان بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي، ولكنَّ الإيمان ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل)) شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (65)، (1/158).
  14. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (11461)، (11/ 191)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((مَا أَحَدٌ أَعْظَمُ عِنْدِي يَدًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَاسَانِي بنفْسِهِ وَمَالِهِ وأَنْكَحَنِي ابْنَتَهُ))، وفي صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، رقم: (3454)، (3/1337)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ)).
  15. مسند أحمد، رقم: (17998)، (29/521)، بلفظ: «خيار عباد الله الذين إذا رءوا، ذكر الله، وشرار عباد الله المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت».
  16. متفق عليه، صحيح البخاري، عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما، بلفظ: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض))، كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، رقم: (3140)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذى، رقم: (2619)، وكتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (2619)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، رقم: (4256).
  17. سنن ابن ماجه، كتاب الرهون، باب أجر الأجراء، رقم: (2443)، (3/ 97)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، وفي المعجم الصغير للطبراني، رقم: (34)، (1/ 43)، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه.
  18. حديث: ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْلَفُ وَيُؤْلَف، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ)) المعجم الأوسط، الطبراني، عن جابر، رقم: (5787)، (6/58)، شعب الإيمان، رقم: (7252)، (10/115)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (9187)، (2/400). المعجم الأوسط، الطبراني، عن جابر، رقم: (5787)، (6/ 58)، بلفظ: ((المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير النَّاس أنفعهم للناس)).
  19. مسند أحمد بن حنبل، رقم: (17182)، (4/ 126)، سنن ابن ماجه، رقم: (43)، (1/16)، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، بلفظ: ((وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ)).
  20. يشير الشيخ إلى حديث: ((إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ))، صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة، رقم: (7485)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدًا حبَّبَه لعباده، رقم: (2637).
  21. تفسير الطبري، (23/ 536)، تفسير ابن كثير (14/ 92)، عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ، بلفظ: ((تَبْكي السَّماءُ مِنْ عَبْدٍ أصَحَّ اللهُ جِسْمَهُ، وأرْحَبَ جَوْفَهُ، وأعْطاهُ مِنَ الدُّنْيا مِقْضَماً فَكانَ للنَّاس، ظَلُوماً، فَذلكَ العُتلُّ الزَّنِيمُ)).
  22. حلية الأولياء لأبي نعيم (6/388)، من كلام عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وكذلك في شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (10458)، (7/ 323)، بلفظ: ((حُبُّ الدُّنْيَا أَصْلُ كُلِّ خَطِيئَةٍ))، وفي ذمّ الدّنيا لابن أبي الدنيا رقم: (9)، ص: (15)، عن الحسن مرسلاً.
  23. متفق عليه، صحيح البخاري كتاب التفسير، باب تفسير سورة هود، رقم: (4407)، (4/ 1724)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف، رقم: (993)، (2/ 690)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  24. صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، رقم: (1366)، (2/ 520)، بلفظ: ((عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ))، أما حديث عائشة، فهو بلفظ: ((يَا عَائِشَةُ، لاَ تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْكِ))، في مسند أحمد بن حنبل، رقم: (24463)، (6/ 70)، وسنن النسائي، كتاب الزكاة، باب الإحصاء في الصدقة، رقم: (2330)، (2/ 38). سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب في الشح، رقم: (1699)، (1/ 531).
  25. شعب الإيمان للبيهقي، باب الاقتصاد في النفقة وتحريم أكل المال الباطل، رقم: (6601)، (5/ 261)، مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (36276)، (13/ 479)، الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 142)، بلفظ: «خَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَاطُهَا»، من رواية مُطَرِّف بن عبيد الله مرسلاً.
  26. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {وكذلك أخذ ربك..}، رقم: (4686)، (6/ 74)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2583)، (4/ 1997)، بلفظ: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته))، عن أبي موسى رضي الله عنه. صحيح ابن حبان، كتاب الغصب، ذكر البيان بأن الله قد يمهل الظلمة والفساق إلى وقت قضاء أخذهم فإذا أخذهم أخذ بشدة نعوذ بالله منه، رقم: (5175)، (11/ 578)، بلفظ: ((إن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم ينفلت)) ثم تلا {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ})).
  27. سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب، رقم: (2518)، (4/ 668)، سنن النسائي، كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات، رقم: (5711)، (8/ 327)، عن الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ رَضْيِ اللَّهُ عَنْهُمَا.
  28. سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، رقم: (4250)، (2/ 1419)، المعجم الكبير للطبراني، (10281)، (10/150)، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه.
  29. صحيح مسلم، عَنْ أَبِي مُوسَى، بَابُ قَبُولِ التَّوْبَةِ: (2759). شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (6673)، (9/290).
  30. صحيح البخاري كتاب الدعوات، باب الاستغفار، رقم: (6307) ( 8/83)، بلفظ: والله إني لأستغفر الله... عن أَبِي هريرة رضي الله عنه.
WhatsApp