تاريخ الدرس: 1993/12/31

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:14:50

سورة الملك، الآيات: 19-21 / الدرس 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيّدنا محمّد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى أبيه سيّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيّدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه من النّبيين والمرسلين، وآل كُلٍّ وصحب كلّ أجمعين، وبعد:

المساواة في الإسلام:

فنحن الآن في تفسير بعض آيات من سورة الملك -سورة ﴿‌تَبَارَكَ ‌الَّذِي ‌بِيَدِهِ ‌الْمُلْكُ [الملك: 1]– يقول الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ [الملك: 19] تصفّ أجنحتها وتقبضها ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ [الملك: 19] فالقرآن هو مدرسة السّماء، كتابٌ واحد أنتج عبر خمسة عشر قرناً أعظم أمّة وأعظم إنسان وأعظم حضارة وأعظم عدالة.. كتاب واحد ومعلّم واحد جعل من نصف العالم عائلة واحدة، لا فرق بين أبيضها وأسودها وأصفرها وشريفها ووضيعها، لا بنسب ولا بمال، إلّا بالعلم والعمل التي هي التقوى، فالتقوى: علم وعمل، كان عليه الصّلاة والسّلام يقول في هذا الموضوع: ((ربّ أشعث أغبر)) فالأشعث: طويل الشّعر الذي يحتاج إلى حلاقة، والأغبر: المـُغَبَّر بالتراب، ((ذي طمرين)) يعني ثيابه عتيقة بالية ((لا يؤبه له)) لا يكترث به أحد ويحترمه ((لو أقسم على الله لأبرّه)) 1 ، فلو قال: “يا ربّ أقسم عليك أريد الشيء الفلاني”، فالله عزّ وجلّ لا يُحنث يمينه ولا يردّ طلبه.

مرّ غني من كبار الأغنياء على مجلس رسول الله ﷺ، ثم مرّ بعده رجل فقير مهلهل وعتيق الثياب فقال النبي ﷺ: هل نظرتم إلى الأول والثاني؟ قلوا نعم، فقال عن هذا الفقير: ((هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا)) 2 .

يقولون: الدّيمقراطية، ويقولون: إنها المساواة! وما يمارسونه كلّه كذب ولا يُقِرّ الحقّ، فالإسلام ليس مع الأكثرية، فقد تكون الأكثرية ظالمة أو خاطئة، بل الإسلام مع الحقّ والحقيقة.

التفكر في خلق الطيور:

دائماً يركّز [ويُوجِّه] القرآن عقل الإنسان وشعوره على وجود الله بأسمائه وصفاته، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ [الملك: 19] قال: فانظر إلى الطّير، وقبل أن تنظر إليه انظر إلى من صنعه وإلى من صمّم وجوده ليسبح في عالم الفضاء؟ تعلّم الإنسان الطيران وأستاذه في ذلك هو الطّير وهو حيوان.

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ [الملك: 19] المقصود من النّظر إلى الطير: النّظر إلى خالق الطير وإلى مصمّمه وإلى من عَلَّمه وأودع فيه القدرة على الطيران، فلا يحتاج إلى ما تحتاجه الطائرة من أجهزة، فهو بنفسه طائرة، يسبح في الهواء وهو صافّ جناحيه من غير أن يقبضها، ويقبضها تارة أخرى، فمن صممه؟ ومن خلقه؟ ومن أودع في الطّير القدرة على الهجرة؟ فالطيور تهاجر آلاف الكيلو مترات خاصة في أبواب فصل الشتاء، فالطّيور في البلاد الباردة مثل روسيا وسيبيريا تطير في أول الشّتاء من هناك إلى أفريقيا، آلاف الكيلو مترات بلا بوصلة وبلا دارسة جغرافيا، وكذلك الأسماك في البحار، فهناك نوع منها اسمه السلمون يهاجر آلاف الكيلو مترات إلى أماكن يتوالد فيها ويتناسل، وبعد أن يكبر الولد يرجع إلى وطن والديه من غير كتاب ولا خريطة ولا دليل ولا هادي.

قصة عن قدرة الكلاب ووفائها:

مرّة كان عندنا في المزرعة كلبة، لا تدعنا ننام طوال الليل من عوائها، أخذناها بصندوق السّيارة لمسافة عشر كيلو مترات في الغوطة، أخذناها صباحاً وكان الصندوق مغلقاً، فلم ترَ الطريق، وإذ في صباح اليوم التالي رأيناها كأنها تقول لنا: صباح الخير، وفهمت منها بلسان الحال: هل هكذا يعمل المشايخ؟ وينسون الصّحبة، وما ذنبي؟ [يقول الشيخ مازحاً] فقلت لها: ما كنت تدعينا ننام طول الليل.. فلو أن إنساناً أخذ دكتوراه من أكسفورد ووضعته في سيارة مغلقة لمسافة عشر كيلو مترات، فهل يمكن أن يرجع من غير سؤال؟ ألا يحتاج إلى خمسين سؤالاً؟

هل توجد حياة على غير الكرة الأرضية؟:

﴿أولم يروا إلى الطير؟ إن نطرنا إلى النّحل فإن وُجِدت مئة خلية فلا يوجد فيها نحلة تخطئ خليتها، مع عدم وجود فوارق وعلامات تميّز خلية عن أخرى، معنى ذلك أنّ لها عقلها وذكاؤها، ثمّ من علّمها صناعة العسل؟ من علّمها؟

فالإسلام ربّى الإنسان على الإيمان بالله؛ بأن ترى الله في كلّ شيء، في كلّ مخلوق، وفي السّماء: قال تعالى: ﴿‌أَفَلَا ‌يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية: 17-18] وانظر إلى النّجوم! فكلّ نجم يزيد حجمه عن حجم الأرض بآلاف أو ملايين المرّات، فمن رفعها؟ ومن حملها؟ ومن يُسَيِّرها؟ وما الطاقة التي تستخدمها؟ هل هي طاقة كهربائية أو بتروليّة أو فحم أو أيّ شيء؟ يقول بعض العلماء: إنّ كوكب الأرض كوكب تابع للشمس، ومعه بقية الكواكب التي يصل عددها لعشرة كواكب، فالشمس لها عشر بنات إحداهن الأرض وهي مسكونة، ففي عالم الفضاء مليارات الشّموس، ولكلّ شمس بناتها وكواكبها، ثمّ يقول علماء الفلك: “فأن يُقال بأنّ بنت الشمس -الأرض- مسكونة ومأهولة دون بقية بنات الشموس التي هي بالمليارات، هو كقول من يقول: إنّ قِطَّتنا تلد دون كلّ قطط أهل الأرض”، فمعنى ذلك أنّ نظرية العلماء تقول: إنّ الكواكب مسكونة، والقرآن يصرّح تصريحاً واضحاً لا لبس فيه في ذلك، فيقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ [الشورى: 29] من الآيات التي تدلّ على وجود الله الخالق البصير السميع الذي يسمع سرك ونجواك في نفسك، فما تحدّث نفسك به من الداخل يسمعه، ويسمع دبيب النّملة السوداء في الليلة الظّلماء على الصّخرة السّوداء، فكيف لا يسمع قولك وهواجس نفسك وفكرك؟ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7]. فمعنى الإيمان بالقرآن أن تراقب خطرات نفسك ونواياك وأفكارك، فلا تنظر إلا فيما يحبه ويرضاه، ولا تستعمل نظرك -هذا الجوهر الثمين- إلا فيما يحبه ويرضاه، وهو لا يحب لك ويرضى إلا ما يُسْعِدك ويَنفَعك، ولا ينهاك إلا عما يؤذيك ويضرك.

قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ ما السماوات؟ يعني ما خلق الله فيها من عوالم ﴿وَالْأَرْضِ ثمّ قال: ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا في عالم الكواكب والأرض ﴿مِنْ دَابَّةٍ الدابّة: هي التي تدبّ وتمشي على وجه الأرض، ما قال: وما بثّ في الأرض من دابّة، بل قال: ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا في الأرض وفي عالم الكواكب، ثمّ قال: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ لسكان هذه الكوكب مع سكان أهل الأرض ﴿إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ [الشورى: 29].

فقول العلماء نظرية لم تثبت حقيقتها بعد، أمّا القرآن فلا يوجد فيه نظرية، فقول الله لشيء مشهود وواقع ومخلوق.

معنى الإيمان في القرآن:

فما معنى الإيمان بالقرآن؟ أن تراقب خفايا نفسك ونواياك وأفكارك، فإذا نظر الله إلى ما تفكّر فلا يكون إلا فكراً يحبّه ويرضاه، وقد أعطاك النظر؛ هذا الجوهر الثمين، فلا تستعمله إلّا فيما يحبّه ويرضاه.. ولا يحبّ لك ويرضاه إلّا ما يسعدك وينفعك، ولا ينهاك إلّا ما عمّا يؤذيك ويضرّك.

والإيمان بالقرآن أن تنقلب كلّ كلمة تقرؤها أو تسمعها إلى خُلق وصفة فيك، وإن كانت أمراً تنقلب إلى عمل، وإن كانت نهياً ومحرّماً تنقلب فيك إلى بُعدٍ واجتناب وترفّع، فإذا قرأت القرآن أو سمعته لا لتنفّذه ولا لتقف عند أمره ونهيه، فأنت ما قرأت القرآن، بل ليتك لم تقرأ ولم تسمع! فإذا أصدرت الحكومة قانوناً أو أمراً وخالفه أحدهم لأنه ليس عنده علم فقد يعذر، أمّا إذا كان عنده علم وهو يقرأ القانون أمام الشرطيّ ويخالف، ألا تكون عقوبته وجزاؤه مضاعفاً؟

فهذا القرآن هو الذي صنع من أجهل أمّة وأضعفها وأفقرها وأكثرها تمزّقاً وعِداءً [خير أمة أخرجت للناس]، فقد كانوا يأكلون الجيف، لماذا قال القرآن: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة: 3]؟ فهل يصح الآن أن أقول لكم أنتم في الجامع: احذروا أن تأكلوا الفطائس؟ لا يصح، لماذا؟ لأنّه لا يوجد أحد يأكل الفطائس، فلولا أنّ العرب كانت تأكل الفطيسة والميتة لما قال الله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة: 3] وكانوا يأكلون الدمّ.

فمن هذه الأمّة بدّل القرآن فقرهم غنى، وذلهّم واستعمارهم [عزاً وفتحاً]، فقد كانوا مستعمَرين من قبل الأفارقة، والأفارقة معلوم حالهم في عصرنا من ضعف وتخلّف حضاري، مثلهم مثل بقية العالم الثالث، فاستطاع العرب بأقلّ من مئة سنة أن يوحّدوا نصف العالم القديم، ويكوّنوا هيئة أمم متآخية، حتى صار حالهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى -يعني تنادى- له سائر الجسد بالسّهر والحمّى 3 .

حلمت الفلاسفة بمدينة فاضلة، وحلمت بجمهورية فاضلة، لكن هل تحقق هذا الحلم وصار واقعاً؟ أمّا الإسلام فقد عمل العالَم الفاضل، ولو كان المسلمون الأول يملكون وسائل المواصلات والمخترعات المعاصرة لوحدوا العالم كله في أقلّ من سنة من شرقه إلى غربه، والآن لو أنّ المسلمين يُجَوِّدون القرآن، فيُجِيْدون فهمه لا تلاوة ألفاظه، بل يجيدون الإيمان به ويُجوِّدونه، فالآن الآن يستطيعون أن يقودوا العالم؛ قيادة الأستاذ لتلامذته والأبّ لأبنائه البررة.

المقصود من النظر في المخلوقات:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ [الملك: 19] المقصود من الرؤية رؤية الإيمان، أن تنظر إلى الطّير فتفكر في خالقه وصانعه، ومن الذي أودع فيه غرائزه؟ غرائز الأمومة، ترى الأم ّكيف تحنو على أفراخها؟ وكيف تملأ حوصلتها من الطعام وتفرغها في مناقير صغارها وتبقى جائعة؟ وكيف تدافع عنهم ضد أعدائهم؟ وكيف تربيهم وتلتزمهم حتى يبلغوا أشدّهم؟ فمن صنع هذا؟ الله، فهل أنت أيّها القارئ للقرآن مؤمن بالله الذي جعل لك السمع والأبصار والأفئدة؟ وكما قال تعالى: ﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [لقمان: 20] فهل آمنت به؟ وهل مشيت على صراطه؟ وهل أصغيت إلى كلامه؟ فجعلت أمره عملاً، ومحارمه بُعداً، ووصاياه خُلقاً وواقعاً لتستحقّ وعده ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8].

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا [الملك: 19] فليس المراد رؤية البصر، فكلّ إنسان يرى الطير، بل المقصود رؤية الإيمان، الرؤية التي تُذَكِّرك بالله؛ صانع الطير وصانع الجمل وصانع الشجرة وصانع الشمس، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية: 17] يعني نظرة الإيمان ﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 19-20]، وقال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يونس: 101]، فمهما قرأنا من آيات وليس عندنا إيمان [فلا تغني هذه الآيات]؛ لأنّ الإيمان موضعه القلب.

سبب ضعف الإيمان:

فعليك أن تُدْخِل قلبك في مصنع القلوب، حتى يخرج قلباً خاشعاً منيراً، ((من أخلص لله أربعين صباحاً)) بأن كان مع الله حبّاً وشوقاً وذكراً وحضوراً وتقوىً، ((تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)) 4 .. فأقصر الطرق للعلم المسعِد المنجِح المعزّ أن تدخل في مدرسة الله، ولكن لا بدّ للمدرسة من أستاذ ومعلّم ومربٍّ، فالكتاب وحده لا يكفي، قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ [إبراهيم: 1] إذاً مع الكتاب يوجد مُخَرِّج، ومع الكتاب يوجد معلّم ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ [البقرة: 129]، وقال تعالى: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس: 1-2] ، وقال أيضاً: ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة: 129]، وقال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى: 14] ﴿وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة: 129] فهل تفقه أيّها المسلم القرآن إذا قرأته؟ وهل تفقهه إذا جوّدته؟ وحتى لو قرأته على القراءات السبع أو على العشر أو على الأربع عشرة فهل تفهمه؟

نراك تعمل عكس أوامره فتتركها، وعكس محارمه فترتكبها، وعكس وصياه فتهملها، ثمّ تقول: “أنا مسلم!”.

فالإسلام: هو الاستجابة لأوامر الله، والمسلم هو المستجيب لأوامر الله، فالمؤمن بحقيقة النّار لا يضع أصابعه فيها، والمؤمن بالذّهب لا يرفض قبضة مملوءة بالذّهب تقدّم إليه هديّة، أليس كذلك؟

رؤية قارئ القرآن للمخلوقات:

فلمّا تنظرون إلى الطّير صافّات ويقبضن، فهل ترونها رؤية بقية المخلوقات أم رؤية قارئ القرآن؟ فرؤية قارئ القرآن قبل أن ينظر إلى الطّير ينظر إلى صانعه وخالقه ومهندسه ومبدعه، فلا يقع نظره على شيء إلا كما قال بعضهم: “ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الله قبله”، وكان بعضهم يقول: “ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه”، فذلك الشيء يذكّره بالله، فعند رؤيته يذكر الله، وكان بعضهم يقول: “ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله بعده”، وهذا ينظر كما ينظر النائم بعد استيقاظه، فبعد استيقاظه يرى.. فالمراد من الرؤية رؤية القلب ورؤية الإيمان، كما قال الشاعر

وفي كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد

قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53].

اطلاع الله عز وجل على دقائق خلقه:

﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ [الملك: 19] هل يستطيع الطيّار أن يغفل عن القيادة أثناء طيران الطائرة؟ وهل يستطيع سائق القطار أن يغفل عن القيادة أثناء سير القطار؟ وهل يستطيع سائق السيارة أن يغفل عن القيادة أثناء سير السيارة؟

فالله عز وجل ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ وأنت شيء ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ فهو بصير بأعمالك وأخلاقك في ليلك ونهارك وفي ملكك وسلطانك وفي قوتك وضعفك، فأنت تحت مراقبة الله، وأوكل بك ملائكةً تسجّل عليك كلّ حركة وسكنة، وهو يسجّل عليك كلّ خاطر وكلّ فكرة، يقول عليه الصلاة والسّلام: ((إذا همّ العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا عملها كتبت له عشر حسنات)) “إذا هَمّ” من يعرف الهمّ والعزم والنّية؟ فإذاً لا يخفى على الله من أمرك شيء، فهل أنت مؤمن بالله الذي لا يخفى عليه شيء من أسرارك وهمّك وعزمك، حتى لا تهمّ ولا تعزم ولا تفكّر إلّا بمحبوباته ومرضيّاته من الأقوال والأعمال، ((وإذا همّ بسيئة ففعلها كتبت سيئة، وإن لم يفعلها- مخافة من الله- كتبت له حسنة)) 5 لأنّ قدرتك على فعل المعصية ثمّ إمساك نفسك عن فعلها وإلجام نفسك عن اقتحامها هي صفة حسنة.

﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ [الملك: 19] لما خوطب بهذه الثّقافة عبدة الأوثان الأمّيون في القراءة والكتابة والثّقافة والحضارة والسّياسة والحرب والأخلاق، وبواسطة المعلّم الذي قال عن نفسه- بأمر من الله لِيَعْرِف الناس منزلته لينتفعوا به، فإذا لم تعرف الجوهر لا تنتفع به- قال: (((أنا سيّد ولد آدم، آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر)) 6 هذا المعلّم بهذا الكتاب وبثلاث وعشرين سنة أوجد أعظم أمّة وأعظم دولة، من غير مدارس وبلا آلاف المعلّمين! بل كان كلّ مؤمن عندما يدخل نور الله في قلبه تتفجّر ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وفي أعماله، فكان ينقلب من أمّي جاهليّ خرافيّ إلى ((علماء حكماء فقهاء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء)) 7 .

العلوم الدنيوية في أوروبا وعند علماء المسلمين:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا؟ [الملك: 19] أيّ رؤية؟ فالحمار يرى الطير، والجمل يرى الطير، لكنّها رؤية الجسد، لكن المراد رؤية عبرة ورؤية دراسة ورؤية إيمان ﴿فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ [الملك: 19] هناك صافّات وهناك: ﴿وَيَقْبِضْنَ.. ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ [الملك: 19] لماذا يقولون الجاذبية الأرضية ولا يقولون إن الله هو الذي صنع هذا القانون وأوجد هذا النّظام؟

في القرون الوسطى عندما قرأ الأوربيون الكتب الإسلاميّة الفلسفية، والفلسفة تعني العلوم؛ علوم الطبيعة والنّبات والجغرافيا، كلّ هذا كان يسمّى الفلسفة بما فيه التصوف، فحرم رجال الدّين في أوروبا وحرّمت الكنيسة هذه العلوم، وحرّقوا كثيراً من العلماء، وأعدموهم حرقاً بالنار، وكذلك حرّم علماء المسلمين أيضاً هذه العلوم، مع أنّ هذه علوم الدنيا، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة: 201] فهل يمكن أن تصل إلى الحياة الحسنة بجهل وبدون علم؟!

ففصل الأوربيون الكنيسة عن الدّولة، حتى لا يتحكّم الرّهبان في العلوم والعرفان، أما المسلمون فلم يعملوا هذا العمل، فحرّم العلماء علوم الطبيعة والفلك والميكانيك.. إلخ.

كان جهود المسلمين في ترجمة هذه العلوم من اليونانية وغيرها، ولذلك يقول بعضهم

وهل أفسد الدّينَ إلا الملوكُ وأحبارُ سوءٍ ورُهْبانُها

كان الملوك كي يكسبوا قلوب الشعب -وكانت قلوب الشعب مع المشايخ عند المسلمين ومع الرهبان عند النّصارى- فحرّموا هذه العلوم، وأبقوا العلوم الإسلاميّة على الحديث والتفسير.. وإلى آخره، فالقرآن كلّه علوم، والقرآن كلّه صناعة، لماذا سورة الدّخان؟ ولماذا سورة الحديد؟ قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد: 25] فهذه الصناعة الحربية ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد: 25] وهذه الصناعة المدنية.. وسورة سبأ يعني سد سبأ، يعني أيّها العرب في الصّحراء القاحلة تعلّموا بناء السدود من آبائكم، الذين صنعوا سدّ سبأ، وقبل أن يذكر الله القصّة في سورة سبأ ذكر سليمان وأنّ الجنّ يصنعون له كما قال تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ [سبأ: 13] الصناعات المدنية.

وقبل ذِكْرِ سليمان ذَكَرَ الله عز وجل داود في السورة نفسها، قال تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ [سبأ: 10-11] أي الدّروع، فنبيٌّ في مصنع المعامل الحربيّة، والنّبيّ الآخر في مصنع يدير الصناعة المدنية، وبعدهما يذكر القرآن لبلادنا السدود.. وهل أوروبا تحتاج سدوداً للزراعة؟ أمّا في البلاد العربية فيوجد أمطار ووديان وسيول وجفاف ومواسم مختلفة، ولم يعط العلماء ذلك حقّه من تجويد الفهم والعلم، واعتنوا بتجويد اللفظ والنّطق، ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ [سبأ: 15] [الشيخ يقرأ هذه الآية قراءة بالتجويد مع إبراز القلقلة والإخفاء والمد] تعلموا من سورة سبأ الأحكام التجويدية، ففي كلمة “لقدْ” قلقلة الدّال، وفي كلمة: ﴿لِسَبَإٍ فِي تنوين بعده فاء: إخفاء، وفي كلمة “آية” مدّ، لكن هل تعلّموا منها الأمر بصناعة السدود؟ سبحان الله! سبحان الله! وهذا إلى الآن.

هدر مياه الأنهار وعدم بناء السدود عليها حرام:

ذهبت برحلة إلى حلب من عشرين سنة، وأتيت من طريق السّاحل في وقت الربيع، ورأيت الوديان تسيل بالمياه إلى البحر في شاطئنا السوريّ، تذكرون: قلت في الدّروس هذا حرام! لماذا لا يُصنَع على هذه الوديان سدود نحيي بها الأرض في صيفنا الحارّ، فتُنبت لنا الجنان معروشات وغير معروشات؟

وفي العشرين سنة الماضية صارت أكثرها سدوداً.. هذا دين يا بني! هذا دين!

أثر النبي وخلفائه على العرب:

فالإسلام هو الذي ينقلك من الجهل، ليس الجهل في الصّلاة والصّوم فقط، بل من الجهل الصناعيّ والاقتصاديّ والصحيّ والاجتماعيّ إلى العلم، ومن الفقر الماديّ أو الفكريّ أو العلميّ إلى الغنى، ولذلك قال النّبيّ ﷺ لأهل المدينة مرّة: ((ألم أجدكم عالة)) يعني فقراء ((فأغناكم الله بي؟ ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟)) 8 فطالب العلم الذي يأخذ شهادة ليسانس أو ماجستير أو دكتوراه، هل ينتقل مجتمعه بشهادته من فقر إلى غنى؟ ومن ضلالة إلى هدى؟ ومن غفلة إلى ذكر؟ وإلى إيمان بالله في كلّ لحظة من لحظاته، في سمعه إذا سمع، ونظره إذا نظر، وتلاوته أو سماعه القرآن إذا قرأ أو استمع؟ لا؛ لماذا؟ لأنّه لم يدخل مدرسة القلب، ولم يهضم معاني القرآن ولم يحوّلها إلى أعمال وأخلاق وسلوك، سواء كانت أعمال النّفس والقلب أو أعمال البدن والجوارح، ولا يمكن أن تكون إلّا بمن يعلّمهم الكتابة والحكمة ويزكيهم، أمّا الشهادات فهي للحيطان، فسيدنا أبو بكر رضي الله عنه بأيّ شهادة استطاع أن يوحّد جزيرة العرب بعد ردّتها؟ وأن يعلن في وقت واحد الحرب على الاستعمارين العالميين الفارسيّ والرّومانيّ وينتصر في كلّ معركة؟ وعمر الذي وصلت فتوحاته.. لا نقول فتوحات فقط، بل كانت تحريراً، فما كان الفتوحات الإسلاميّة لاستعمار الشّعوب، بل لتحريرها من ظُلّامها ومن فقرها ومن أمّيتها ومن خرافاتها.

أمّا عثمان؛ فكنت مرّة في الصّين وسألت بعضهم: “ما التاريخ الذي وصل فيه الإسلام إلى بلدكم؟” فكان جواب الصّينين: في خلافة عثمان.. وفي ثلاثين سنة وفي خلافة عثمان أيضاً نزل جيش الفتح في إسبانيا، لكنه كان نزول كوماندوس؛ نزولاً مؤقتاً واستكشافاً.. فعروبة بالقرآن وقوميّة بالقرآن ليس قوامها اللّغة ولا الأرض، بل قوامها العلم؛ علم الأخلاق وعلم النّفس وعلوم الدّنيا والحكمة والعقل الذي يدرك الأمور بحقائقها، ويأتي العمل متوافقاً مع حقائق الأشياء فيخرج مصيباً، ففي المعارك يخرج انتصاراً، وفي التجارة يخرج ربحاً، وفي الزراعة يخرج إنتاجاً غزيراً.

والأخلاق.. ما الأخلاق؟ سيّدنا عمر وهو قاهر كسرى وقيصر، وبإجماع الصّحابة؛ يعني البرلمان، [كلمة إجماع هنا بالمعنى اللغوي، وليس حقيقة الإجماع الشرعي] يحدّد مهور النّساء بخمس مئة درهم بالإجماع، وإذا امرأة في أخريات الصّفوف كانت عجوزاً وبدوية تقول له: “ليس لك ذلك يا ابن الخطاب”! يعني: رئيس المجلس النيابيّ والرئيس الجمهوريّ الذي يحقّ له أن يعزل الوزراء وغيرهم، وهو من يشكل وزارة ويُوَلِّي! وهنا امرأة واحدة وبعد الاجماع! فهل يمكن لصوت واحد في الديمقراطيّة أن يخالف الإجماع؟ يقولون: “إنّ حقوق المرأة منتقَصة في الإسلام”، فهذه المرأة في الإسلام، لم يقل لها: “اسكتي أو اخرسي”، وقد صار الإجماع وانتهى الأمر، ولم يكن أكثرية، بل إجماعاً، قال لها: “وكيف ذلك؟” وكان قد أَحْضَر الدليل على ذلك أنّ النّبيّ ﷺ لم يزوّج بناته ولم يتزوج امرأة من نسائه بأكثر من خمس مئة درهم، لذلك يجب أن يكون المهر خمس مئة درهم، فقال لهم: “ما رأيكم؟” رفعوا أيديهم كلهم بالموافقة، لكن امرأة واحدة اعترضت وقالت: إنها غير موافقة.. ففي الديمقراطية يأخذون بالأكثرية ولا اعتبار لاعتراضها، فقيل لها: “ما دليلك؟” قالت له: “أما قرأت القرآن؟ والله يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء: 20] أتدري كم هو القنطار؟” لو كان الله يريد أن يحدّد لما ذكر القنطار ولقال: لا تزوجوا إلا بخمس مئة درهم، فكيف تحدّد المهر؟ هذا هو القرآن! أليس عيباً علينا أن نقول: “ديمقراطية”؟ فهذا مصطلح في لغة أجنبية أوربية يونانية، أين القوميّة والعروبة والعربية؟ نستحي أن نقول: “محمدية”، ونستحي أن نقول: “إسلاميّة”، فالحق علينا، لماذا؟ لأنّنا نحن المشايخ شوّهنا الإسلام، فعرضناه عرضاً لا يتناسب مع بهائه وكماله وحيويته وإنتاجه وعظمته، عرضناه جامداً متعصباً مذهبياً متزمتاً بعيداً عن العقل والحياة.

أتدري كم هو القنطار؟ فأنصت عمر وفكّر، فأجابها قائلاً: “أصابت امرأة وكذب عمر”، فهل رئيس أمريكا “كلنتون” يقول هذه الكلمة؟ وهل مجلس العموم في إنكلترا يقول إنه كذب وأخطأ؟ بل يقول: لا، ويقول بالإجماع.

موقع علوم الدنيا من الإسلام:

﴿فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ [الملك: 19] فلم يخلقهنّ ولم يجعل لهم الأيدي والأرجل والأجنحة والأعصاب ﴿إِلَّا الرَّحْمَنُ [الملك: 19]، فلم يخلق فقط، بل خلق وصمّم وصانها، ألا يقولون: “الصيانة” [التصليح]؟ فقد خلق الله عز وجل في الدماغ جهاز الصيانة اسمه جهاز المناعة، فإذا دخلت جراثيم بالجسم ضمن حدود محدودة فيقضي عليها جهاز المناعة بواسطة الكريات البيضاء، والكريات البيضاء لها مراكز في الجسم منها تحت الإبط والتي يسموها عروس الإبط، ومنها اللوزات وغيرها، وقد تتورم في بعض الأوقات، فهذه كلّها قلاع لمكافحة الجراثيم وقتلها، وتستمدّ قوتها من مركزها في الدماغ الذي هو جهاز المناعة، فلو استعمل الإنسان جهازه الجسديّ وقاية وصيانة حسب التخطيط الإسلاميّ لا يرى المرض في حياته، ولكن مع الأسف مُسخ العلم في الإسلام على أمور جزئيّة وتُرك معظمها قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ؟ [البقرة: 85] “فما جزاء”؟ الله يسألنا، ﴿إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة: 85].

“إلا خزيٌ” هذه قضية فلسطين الآن، والاتفاق الذي صار، [لعل الشيخ رحمه الله تعالى يشير إلى اتفاقية وادي عربة]، أيّ ذل لنا؟ وأي استعلاء لليهود؟ وفي الصومال حال المسلمين أيّ ذلّ؟ وكذلك الحال في البوسنة والهرسك وفي بقاع متعددة، والأفغان يذبحون بعضهم بعضاً كأشدّ ما كان عليه العرب في الجاهليّة، والنّبيّ ﷺ يقول: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه)) 9 يعني لعدوه، فالمسؤول الشّيخ، والشيخّ ليس بشيخ حقيقي، وطالب كليّات الشّريعة والدّعوة إذا ما دخل في مدرسة القلب وصار له قلب ليهضم القرآن ويتحوّل فيه إلى همّة وعزيمة وإرادة تتهدهد أمامها الجبال، وإلى بصيرة وعقل وفكر صائب يستطيع أن يميّز الخطأ من الصواب مهما كان ضئيلاً، وإلّا فالمسلمون والعرب في تخلّف وفي ضعف حتى يعودوا إلى ربّهم، ويكون العود بالعلم والذهاب إلى المعلّم، وبالهجرة إلى المزكّي وبالتزكية، يقول النّبيّ ﷺ: ((إذا تبايعتم بالعينة)) 10 يعني تعاملتم بالرّبا وعملتم حيلة شرعيّة، هذه ليست حيلة شرعية بل حيلة شيطانيّة، ((ومشيتم خلف أذناب البقر)) يعني صرتم أُمَّة زراعية ((وتركتم الجهاد)) والجهاد له نوعان: جهاد النّفس والهوى وهو الجهاد الأكبر، وجهاد العدوّ، ((سلّط الله عليكم ذلاً)) فأيّ ذلّ؟ المؤتمر الإسلامي في جدة فيه خمسون دولة، وماذا صنع للبوسنة والهرسك؟ سمعت اليوم أو البارحة أنه قد استقال مندوب هيئة الأمم البلجيكي احتجاجاً على الدّول الأوروبية وعلى هيئة الأمم، لأنّها لا تعمل ما يفرضه قانون العدل والإنصاف والإنسانية، فالبلجيكي يغار على المسلمين! والمسلمون كما قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ [الفرقان: 44] فصار اسم الإسلام في المسلمين يُشَوِّه الإسلام، بينما في حياتي وأسفاري ولقائي مع مختلف أنواع النّاس من رؤساء وملوك ورؤساء جامعات ورؤساء كنائس [كان الإسلام محبوباً وناجحاً]، كم مرة قَبَّلوا يد الإسلام؟ ومنهم الكرادلة الذين يُرشَّحون للبابويّة، في جلسة أقلّ من ساعة، هذا بالكلام! فكيف لو رأوا إسلام الأعمال وإسلام القلب وإسلام الرّوح وإسلام الحكمة؟ فأكثِروا من ذكر الله يا بني! وذكر الله ليس بالمسبحة فقط، بل ذكر الله في كلّ خطوة من خطواتك وفي خلواتك وفي غضبك وفي رضاك وفي بيعك وفي شرائك، ومع زوجتك وابنك وأبيك وجارك وفي البيت، فذكرُ اللهِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد: 4]، و: ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [التغابن: 4] هذا الذّكر الأعماليّ [الذكر عند العمل] ومع الذّكر القلبي الخاص ينفتح لك باب المدرسة الإلهيّة الذي فُتح للأنبياء وللأولياء وللمخلصين والمخلَصين من عباد الله، فتؤتى العلم والحكمة والتّزكية وتصير الإنسان الفاضل.

من الناصر الحقيقي؟:

﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ [الملك: 20] هذا خطاب لكفار قريش الذين كانوا يستنصرون بأصنامهم، فكم كان العقل الإنسانيّ منحطّاً! فإذا أراد أن يذهب ليحارب يأتي إلى الصنم المصنوع من الحجر ويقول له: “انصرني على عدويّ”، يريدون النّصر من أصنامهم على محمّد ﷺ الذي يقاومهم! فيقول الله عز وجل لهم: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ [الملك: 20] هل هؤلاء يَنْصُرون؟ وإذا كان الرحمن يريد أن يحاربكم؟ ذكر الرحمن ولم يذكر الجبّار، فالجبّار يُنهيهم في لحظة، أمّا الرّحمن فيمهلهم ويحلم عنهم.

﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ [الملك: 20] لا نصر إلّا بالالتجاء إلى الله، والالتجاء إلى مدرسته وتعاليمه وقوانينه، والالتجاء بالقلب إلى ذكره، وبالفكر إلى التفكّر في خلقه ونِعَمِه وآلائه.

﴿إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ [الملك: 20] كم هو جهل وكم هو غرور عند من يعتقد أن الحجر هو الإله؟ هكذا كانت العروبة! فمَن الذي جعل العروبة مقدَّسة؟ [سماحة الشيخ هنا يخاطب من يحملون شعار العروبة، ولكنهم يعادون الإسلام عملياً، ويبين فضل الإسلام على العرب ولغتهم، ويستخدم لذلك كلمة “مقدَّسة”، وتقديس اللغة هذا لا يخفى خاصة عند المسلمين من غير العرب]، ومن نشر لغتها في القارات الخمس؟ هل القوميّة العربيّة؟ لا؛ بل القرآن، فالقرآن الآن يُعَقّ من قبل أبنائه بسموم الاستعمار الفكريّ، وبما يسمّى الثّقافيّ، الذي مسخوا بواسطته عقل المسلم من عودةٍ إلى الإسلام الحقّ إلى معاداة أو مجافاة أو ابتعادٍ عن الإسلام، ويتحمّل المسؤولية المشايخ، فالإنسان مجبول على حبّ الجمال وحبّ الكمال، ولا يمكن للإنسان أن يرى الطّعام الشّهيّ ولا يشتهيه، ولا العِطْر العطِر ولا يشمّه، ولا الموسيقا الجميلة ولا يصغي إليها، كذلك لو عرض عليه الإسلام بحقيقته، قال تعالى: ﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا [الإسراء: 107-108] وقال تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم: 58].

العالم مهيأ للدخول في الإسلام:

تَذْكُرون عندما قلت لكم: إنه بحواري مع البابا ساعة كاملة، وفي نهاية الحوار قال لي في آخر كلمة لمّا صافحني مُوَدِّعاً: “أنا أقرأ القرآن كلّ يوم”، فالعالم كلّه مهيّأ للإسلام.

اتصل بي بعض إخوانكم من أسبوع من أمريكا، وهو على رأس أحد مراكز جامع أبي النّور فقال لي: “كلّ أسبوع يدخل في الإسلام عشرة من الأمريكيين”، فالشيخ في الجامع لا يُدخل في الأسبوع عشرة من تاركي الصّلاة من المسلمين، ولا يتوّب عشرة من المغتابين ليَتَوَقَّفوا عن الغيبة، فالأجانب لا يغتابون، لأنه لا يتدخّل أحدهم بشؤون الآخر، ولا ينمّ أحدهم على الآخر، قال ﷺ: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) 11 فالمسلم بالنسبة لثقافة القرآن والإسلام صار مثل حيوان في البريّة؛ حيوانات عجماء، فإذا غضب لا يقوده إلّا هواه وأناه، وإذا طمع لا يوقفه إلّا مصالحه وشهواته، وإذا أراد أمراً لا يقف عند حدود الله، لماذا؟ لأنّه ما شمّ رائحة الإسلام، ولا دخل مدرسة ولا رأى معلماً ولا سَلَّم عقلَه لمهندس عقول، ولا قلبَه لمهندس قلوب، فكيف يكون مهندساً وما أخذ شهادة ابتدائية ولا إعدادية ولا ثانوية ولا كلية هندسة ولا يعرف بابها؟ كيف نسمّيه مهندساً؟ وكيف نسمّيه مسلماً وليس له معلّم ولا مربٍّ ولا حكيم؟

ضرورة فعل جميع المأمورات وترك كل المنهيات:

هل تصلّون الصلوات الخمس كلكم؟ [يخاطب الشيخ الحضور بأسمائهم، وقد أجابوا: نعم، فقال:] لماذا؟ لأنّها فرض، وترك الغيبة فرض، وترك النّميمة فرض، وأن تترك التدخل في شؤون غيرك بما لا يعنيك كذلك فرض، ولكن أن تتدخل في شؤون غيرك إذا كان فقيراً لتساعده، أو تاركاً فرضاً لتأمره بالحكمة والموعظة الحسنة، أو مرتكباً أمراً حراماً بأن تعظه، فتنقله من غضب الله إلى رضائه، فهذا فرض مثل صلاة الظهر ومثل صلاة العصر.. وأنتِ أيتها المسلمة إذا رأيت جارتك أو رفيقتك أو أختك في جلسة تاركة فرضاً من فرائض الله، ففرض عليك مثل فرض صلاة الظهر والعصر والمغرب [أن تُذَكِّريها]، ولماذا لا تخرج المرأة في الشارع عريانة بلا ثياب؟ لأنه حرام، كذلك إذا رأيت امرأة مرتكبة أمراً حراماً ولم تنصحيها بالحكمة واللطف والإيناس، فأنت مرتكبة محرَّماً، فحكمك كما إذا خرجت عريانة إلى الشّارع.. إذا كنت أتكلم خطأ فصححوا لي خطأي فأنا أقبل؟ هل أنا مخطئ يا شيخ رجب؟ يا شيخ زياد؟ يا شيخ صالح؟ فأنت كردي تقولها مباشرة [يباسط الشيخ الحضور ويمزح معهم وهم يضحكون] وأنا أيضاً كردي، لذلك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فريضة، قال ﷺ: ((لأن يهدي الله بك رجلاً)) المقصود بكلمة “رجلاً”: إنساناً رجلاً أو امرأةً ((واحد خير لك من الدّنيا وما فيها)) 12 .

﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ [الملك: 21] من الذي يحبس المطر عنّا الآن؟ [يقول ذلك سماحة الشيخ في منتصف الشتاء، وهذا واضح من تاريخ هذا الدرس] كانوا يذهبون للأصنام ﴿إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ إن أمسك المطر.. لماذا لا تؤمنون بالله؟ ولماذا لا تلجؤون الالتجاء والدّعاء الصّادق؟ فإذا أكل الإنسان لقمة من حرام لا يقبل الله له صلاةً أربعين يوماً، وإذا كان أكله كلّه حرام، فكيف سيكون دعاؤه؟ وإذا كان طوال النّهار يغتاب، كيف سيستجيب الله دعاءه؟ وإذا كان حاسداً يحسد النّاس، قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء: 54] لماذا تحسد؟ وقال تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء: 32] إذا أردت أن تحسد ولا بدّ، فالنّبيّ ﷺ علّمنا كيف نحسد فقال: ((لا حسد إلّا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلّطه على هلكته)) وإنفاقه في الخير، فإن رأيت أحدهم أغناه الله وهو ينفق المال في رضاء الله فاحسده على استعمال المال بهذا الشكل، والمحسود الثاني: ((ورجل آتاه الله العلم والحكمة فهو يعلِّمُها للنّاس)) 13 ، فهذا احسده، والباقي على ماذا تحسده؟ فإذا كان على المال فقد يجعله الله عز وجل له كيّات في نار جهنم.

موقف المشركين من الأدلة المنطقية:

﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ [الملك: 21] هل هم الأصنام؟ مع ذلك فهؤلاء بخطاب القرآن ومدرسة القرآن وسماع القرآن صاروا أبا بكر وعمر، وصاروا سعد القادسية وخالد اليرموك وصاروا عثمان وعليّاً، ونحن نقرأ ولا نزال إلى وراء، لماذا؟ لأنّهم كانت لهم قلوب، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى [ق: 37] فالقرآن يذكّر ويوقظ ويفتّح الأعين ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] ولا قلبَ إذا لم يُدمِن صاحبُه بقلبه وعينه على ذكر الله: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [يونس: 101].

﴿بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ [الملك: 21] كلما أحضر لهم النّبيّ ﷺ الدّلائل المنطقيّة والعقليّة وأقام الحجج عليهم تمردوا وظلوا في طغيانهم يعمهون، بسبب التقليد والأنانية والأهواء والعناد، مثل حطب التين الأخضر، تحاول أن تشعله فينتهي صندوق الكبريت ولا يشتعل، نسأل الله عز وجل ألّا يجعلنا هكذا من أصحاب القلوب القاسية، والنّفوس المتمرّدة التي تسمع الحقّ فتكون صمّاء، وترى الحقّ فلا تبصره، لأنها عمياء.

﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ [الملك: 22] فالأعمى عندما يمشي، مرّة يتعثّر بحجر فيسقط على وجهه، ومرّة يتعثّر بحفرة فيسقط فيها.

﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي مبصراً ﴿سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ؟ [الملك: 22] هذا مَثَلٌ ضربه الله للإنسان الذي يسمع الحقّ والحقيقة فيهضمها ويحولها إلى عمل وتنفيذ، ومثل الذي يسمع ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [الأنفال: 21] مَثَل ضربه لمن يرى الحقّ أمامه فيحيد عنه، ومثل لمن يرى الحقّ فيتبعه، مثل من أراد أن يذهب إلى المطار فقرأ على “الآرمة” [اللوحة الإرشادية] إلى المطار جنوباً، فلم يمشِ حسب اللوحة، بل ذهب باتجاه حلب إلى الشمال، هذا كما قال تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [البقرة: 171] و: ﴿فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [البقرة: 18] فعليك أن تقف عند هذه الآية وتُفَكِّر في نفسك، فعندما تسمع كلام الله وهو يقول لك: “افعل” فهل تفعل؟ إذاً تسمع، ولما يريك الله الحرام ويقول لك: “حرام” فهل تترك؟ فأنت تبصر، وإذا لم تترك فأنت أعمى، وليس الأعمى من يفقد بصره، إنّما الأعمى من تعمى بصيرته ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].

فأكثروا من ذكر الله، ذِكْراً قلبيّاً، ثمّ ذكراً بكلّ أوقاتكم، قال الشاعر

إذا ما خلوتَ الدّهر يوماً فلا تقل خلوتُ ولكن قل عليّ رقيب

قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد: 4] ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ [يونس: 61] في أيّ شأن من شؤونك ﴿وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس: 61] فأين الله؟ بذلك تكونون مؤمنين، وإذا مشيتم في حياتكم وفي أعمالكم على هذا الشكل، فمن عاش على الإيمان يختم له بالإيمان، ومن عاش على الغفلة والعصيان كيف يموت على حسن الخاتمة؟ ومن لا ينصر دين الله كيف ينصره الله؟ ومن ينسى الله كيف يذكره الله في شدائده وفي أزماته؟ اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. المستدرك على الصحيحين للحاكم 4/364، رقم 7932، شعب الإيمان 13/89، أبو بكر البيهقي، رقم 10000.
  2. صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم: (5091)، ونصه: ((مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا)).
  3. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (6011) عن النعمان بن بشير. صحيح مسلم، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين، رقم: (2586) بلفظ: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
  4. الحلية لأبي نعيم (5189) (5/189) و(10/70)، ومصنف ابن أبي شيبة رقم: (34344)، (7/80)، ومسند الشهاب للقضاعي رقم: (466)، (1/285). قال الخطيب في تخريج أحاديث الإحياء: "أخرجه أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من حَدِيث أبي أَيُّوب «من أخْلص لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهرت ينابيع الْحِكْمَة من قلبه عَلَى لِسَانه» وَلابْن عدي نَحوه من حَدِيث أَبي مُوسَى.
  5. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة، رقم: (6126)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب، رقم: (130)، ولفظه: ((من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرا إلى سبع مئة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب، وإن عملها كتبت)).
  6. أخرجه الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (3615) بلفظ: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال أبو عيسى وفي الحديث قصة)) وقال الترمذي: "وهذا حديث حسن صحيح" وسنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، رقم: (4308)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (2546)، (1/281).
  7. حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرناؤوط: (3/587).
  8. صحيح البخاري، عن عبد الله بن زيد، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، بلفظ: كنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم... رقم: (4330)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ...، رقم: (1061). ولفظ البخاري: عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال ((لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)).
  9. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله رقم: (2564)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسلم، كُلُّ الْمُسلم عَلَى الْمُسلم حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»
  10. سنن أبو داود، كتاب البيوع، باب في النهي عن العينة، رقم: (3462)، (2/ 296)، سنن البيهقي الكبرى، رقم: (10484)، (5/ 316)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه. بلفظ: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، ومشَيتُم خلف أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)).
  11. سنن ابن ماجه، عن أبي هريرة، كتاب الفتن، باب كيف اللّسان في الفتنة رقم: (3976)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، عن أبي هريرة، رقم: (2317).
  12. الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 484) ورقم (1375).
  13. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، رقم: (73)، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب من يقوم بالقرآن ويعلمه، رقم: (816).
WhatsApp