تاريخ الدرس: 1992/04/17

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:33:26

سورة الرحمن، الآيات: 22-45 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة والتحيات والتكريم على سيدنا وحبيبنا محمدٍ خاتم النبيين وقائد الغرِّ المحجَّلين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وأخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع النبيين والمرسلين، وآل كلِّ وصحب كلٍّ أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

معرفتنا بنعم الله تعالى لفائدتنا وسعادتنا:

نحن لا نزال في تفسير سورة الرحمن، وسمِّيت هذه السور باسمه الرحمن ليُذَكِّر الإنسان بأنه وُجد بفضل رحمة الله عزَّ وجلَّ ومحبته وعطفه وعنايته، ولقد عدَّد الله للإنسان نِعَمَهُ، ليُعَرِّفه بخالقه الرحيم الرحمن، الكريم المنَّان، فاطر السموات والأرض وخالق الأكوان، ولأجل أن يَدخل مدرسة الله عز وجل ويتثقَّف بثقافة مدبِّر السموات والأرض وصانع الكون، وواضع قوانينه ودستوره.

إن الله عز وجل يُعرِّفنا ببعض نعمه علينا لنحبَّه ولنعظِّمه، لا ليفرح بتعظيمنا له، ولكن لأجل أن نطيع أمره ونمشي على صراطه المستقيم، ولنصل إلى سعادة الدنيا والدين، وإلى سعادة الجسد والروح، سعادة الأرض والسماء، ونحن سواء عبدناه أم لم نعبده، حتى وإن صرنا أنبياء وأولياء فذلك لا يفيده ولا ينفعه، وإن صرنا أشقى الأشقياء فكذلك لا يضره ولا يزعجه.

فبعد أن عدَّد الله تعالى بعض نعمه علينا؛ مِن عِلْمِ القرآن: ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) الذي هو علوم الدنيا والآخرة، وبه عزَّة الدنيا والآخرة، ومن النعم أيضاً نعمة الوجود: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)، ونعمة النطق ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)، ونعمة الشمس والقمر: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ التي لولاهما لَمَا كانت حياةٌ ولا أحياء؛ لا حيوان ولا إنسان ولا نبات، وقال: إنهما يجريان ﴿بِحُسْبَانٍ (5) [الرحمن:2-5]، فجريان القمر ودوران الأرض بحسابٍ دقيق، ولو كانت الأرض تدور حول نفسها أقل من أربع وعشرين ساعة أو تدور حول نفسها مرة في الشهر مثل القمر لَمَا استقامت الحياة، ولو دارت كل أربع ساعات لصارت عندك ستة أيام كل أربع وعشرين ساعة: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ [يس:40] يعني مداراً وطريقاً محدداً، ولا يمكن أن تميل يمينًا أو شمالاً حتى لا يحدث اصطدام بالسير، ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:40] يسيرون.

الله تعالى يعرِّفنا بهذا لنمشِي في حياتنا على الحساب وعلى النظام؛ في الأكل وفي الشرب وفي الغذاء وفي اللباس وفي الحب وفي العطاء وفي المنع وفي الإنفاق، وفي كل شيء: ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ [الرحمن:8-9] إن كنتم حكَّامًا فأقيموا أحكامكم على القسط والعدل.. ثم قال: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ [الرحمن:10]، فالله تعالى هيَّأ لكم الإقامة في أحد كواكب السماء والفضاء، [الأرض]، وهَيَّأَها بكل وسائل العيش والرفاه والجمال والسرور والفرح والمدارس، وبعث لكم أساتذةً من السماء يعلِّمون أكفأ من فيكم -الأنبياء- لتكونوا من السعداء في الدنيا والآخرة.

﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ [الرحمن:10-11] فجعل الإجاص خمسين شكلًا، والتفاح سبعين شكلًا، والعنب مئة شكل، [الأعداد هنا ليست مقصودة بحد ذاتها، وإنما هي كناية عن التنوع والكثرة، وهذا أسلوب في العامية السورية] وأعطاك المشمش والورود.. ثم مع كلِّ هذا لا تشكر الذي قدَّم لك هذه الهدايا بلا مقابل، فلا عبدتَ ولا ركعتَ ولا صُمْتَ ولا صَلَّيتَ.. ولقد أعطاك العينين.. كم ثمنهما؟ وهل حصلت عليهما يا تُرى بالآجار أو وضعت الفُرُوْغ أو دفعتَ الثمن؟ [الفُرُوْغ: بمعنى إفراغ العقار، وهو دفع مبلغ كبير قبل استئجار أي عقار، مثل محل تجاري أو بيت أو غيره، يُدْفَع للذي بيده العقار، حتى لو أراد مالك العقار استرجاع محله عليه أن يدفع الفروغ للمستأجر، وقد أُلْغِيَ هذا القانون في سوريا لِما جَرّ على الناس كثيرًا من الويلات، وكان حديث معظم الناس في مجالسهم.. وهنا يستعير سماحة الشيخ هذه الكلمة من واقع الناس ليُعَرِّفَهم على عظيم نِعَم الله تعالى] وإذا ذهبتْ عينه فيضعون له عينًا من “بَلُّوْر” [زجاج]، وحينها تتراجع عينه أكثر مما لو تُرِكَت من غير عين بلورية.

﴿وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ [الرحمن:11] عنقود النخل يكون في كِيْسٍ إلهي ثم ينفتح.. ﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ [الرحمن:12] فلو أخرج لك قمحًا من غير تبنٍ لبقيتِ الدَّوابُّ بلا غذاء.. ﴿وَالرَّيْحَانُ: الورود.. فهل نحن أهل لهذه النعم؟ إننا نقابل كل هذه النعم إما بالكفر أو بالجحود أو بالمعاصي أو بالفسوق، ولا نكترث بمن هو الآمر ولا بمن هو الناهي، ولا بمن هو المنادي ولا بالعطاء ولا بالمعطي، ولا بالإحسان ولا بالمحسن، فأيُّ إنسان هذا! انظر مثلًا إلى الكلب، إنك عندما تحسن إليه بقطعة خبز يكون وداده معك عظيماً حتى لو كلَّفه ذلك حياته، وأيضًا البغل والثور والبقرة والحمار بقليلٍ من الغذاء عدَّة مرات يصير بمجرد أن يراك يُغَنِّي لك، ويُقَدِّم لك مَوَالًا حماريًا [المَوَّال: لون من الأغاني، وهو أغنية فردية يغنيها مغنٍّ واحد لا مجموعة]، لأن هذا كل ما يملك، فهو يقدِّم لك كل ما يملك للتعبير عن احترامه، وأنه لم ينسَ الإحسان، ولم ينسَ المعروف، وهو كلب! وإن قلتَ لشخص: يا كلب، فإنك تكون قد شَرَّفْته، لأن الكلب ربما يكون خيرًا منه.

وجوب شكر المنعم:

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل:18] فالرِّيْق الذي في فمك الذي اسمه بُصاق [لعاب]، لو أنَّ الله جفَّف فمك من اللُّعاب أو لو كثُر اللعاب حتى سال على “الكرافة [ربطة العنق] ماذا يحلُّ بك؟ وأيضًا دمع العين، فلو جعله بلا حساب ماذا يحل بك؟ ولو لم يجعل الدمع في عينيك، لأكلت أجفانُك العينين وفقدتَ البصر.. وعُصارة المعدة يُنزلها بمقدار، والقلب، والكليتان، والأعصاب، وتركيب العظام وإلى آخره.. فهل تتذكر؟

إنك إن قدَّم لك شخصٌ قليلًا من الورد تقول له: شكرًا، وكذلك إن أرسل لك ثوبًا غاليًا، أو أرسل لك كل سنة ثوبًا، أو أعطاك نَظَّارَة، أو أعطاك سيارة.. وهذه السيارة إذا انتهى منها البنزين [الوقود] لا تمشي، أما سيارتك ذات الرقم إحدى عشر “11”، فإنها تمشي على الطريق المعبَّد، وتصعد على الجبل، أتعرفون ما هو الرقم إحدى عشر؟ هو الرِّجْلان، وفي نفس الوقت كلما شَغَّلْتَهما أكثر تحسَّنت صحتك أكثر.. وتمشي على الشجرة؛ وتصعد على الحُورة [الحُوْرَة: تُستَخدم كثيرًا بالعامية، وجمعها الحُوْر، وهو شجر طويل الساق] وعلى الدَّرَج، وتدخل من النافذة.. فما هذه السيارة الإلهية! فلو أعطاك سيارة مرسيدس عوضًا عن رجليك، هل ترضى وهل ترضون؟ فنحن هل نشكر نعمة الله علينا؟ هل نحبُّ الله كما ينبغي أن يُحَبَّ المحسِنُ الذي أنت غريقٌ في بحر إحسانه؟

وإن أنت أحببته فمحبَّتُك له لمصلحتك، فالرضيع إذا أحبَّ أُمَّه هل يعني أنه أعطاها أوسمة؟ بل هو يحبها لكي تعتني به وتُنظِّفَه من قذَرِهِ، وتعطيه خلاصة دمها الذي هو في معمل الحليب، هذا المعمل الذي يحوِّل الدم إلى حليب، ويضع فيه السكر والنشاء والدُّهن، فالدم يتحول إلى حليب [لبن] كما قال تعالى: ﴿مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِّلشَّٰرِبِينَ [النحل:66].

ثم أنزل لك الشرع والدِّين والقرآن لا لأجله سبحانه، بل لأجلك أنت، فالصحابة لَمَّا فهموا حقيقة الفهم عن الله -بعد أن كانوا أجهل الجاهلين، وكانوا متقاتلين وأشد الأمم عدواةً، وكانوا خُرافيين، فهذا يعبد شجرة وهذا يعبد صخرة وهذا يعبد حيوانًا وهذا يعبد الشمس وهذا يعبد النار- نقلهم إلى درجةٍ من العقل والفكر والحكمة، حتى صاروا أعظم أمم الأرض علمًا وعقلًا وأخلاقًا وروحًا واقتصادًا وزراعةً وطِبًّا وفي كلَّ شيء، هذا هو الإسلام.

ثم إن الكتاب لا يصنع عالِمًا، كما أن كتاب الطب لا يصنع طبيبًا دون معلِّم، وكتاب الهندسة لا يصنع مهندسًا بلا معلِّم، وحتى القرآن، فالله تعالى يقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، [لِتُبَيِّن أنت] ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [إبراهيم:1]، [أنزلناه إليك لتُخْرِجَ أنت]، والسيارة وحدها لا توصلك إلى بيروت، فأنت تحتاج إلى سائق، والطائرة وحدها لا توصلك إلى الحج، بل يلزمها طيار.

لقد عدَّد الله تعالى نِعَمَهُ في الأرض وفي السماء وفي النفس وفي النبات وفي الحيوان وفي الكواكب.. ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن:17] ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ [الرحمن:19-20] فلو جعل البحر أعلى وفاض على الأنهر الأسفل، فهل كنا نستطيع العيش؟ فمن جعل البحار منخفضة والأنهار مرتفعة؟ ومن أين يخرج المطر؟ من البحار، فمن أخرج الماء من الأسفل وجعله في الأعلى في السماء خاليًا من أملاحه، ثم ساقه إلى حيث يريد، وسقى به الأرض القاحلة الميتة؟ ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ يعني صار فيها النماء والإنبات، ﴿وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5] “زوج”: يعني أنبتت من كل نوع؛ من الورود ومن الثمار والخضار.. فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا معرفته، لنُحِبَّه ونَسعَد بمحبته ومعرفته، لا ليزداد ملكه أو ملكوته ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].

ثم قال: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] ليس فقط الريحان لتُزَيِّن المرأة رأسها، بل هناك أيضًا اللؤلؤ والمرجان.. واللؤلؤ معروف، والمرجان نوع من جنس اللؤلؤ ومن الأشياء البحرية، وليس المقصود أن يحكي لنا الله سبحانه عن الزمرد والجوهر والألماس وغيرها، بل يعني أني خلقتُ لكم ما تتزينون به.. فحتى الزينة والورود أنعم الله بها علينا.. مع أنه سبحانه لو لم يُخرِج لنا إلا الشعير فهذا كثير علينا، [ولا نستحق هذه النعمة]، وهناك أناس التِّبْنُ كثير عليهم. [“التِّبْن كثير عليهم”: أسلوب يُستَخدم كثيرًا في العامية.. ومن المعروف أن التِّبْن طعام للحيوانات، أما طعام البشر فهو في مستوى أعلى وأعظم، ولَمَّا يُعطى الإنسانُ التبن فهذا تحقير لمستواه ومكانته، والمعنى أن هناك أناس لو لم يعطهم الله من النعم إلا التِّبْن فهم لا يستحقونه].

إدراك نعم الله على الإنسان:

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:23] كل هذه النعم، هل تستطيع أن تقول عن أيٍّ منها: إنها صُنِعَت من دون صانع؟ هل هذه المَسْبَحة تشكَّلت ودخل خيطُها في حَبّاتها من دون عامل؟ وهل هذا المذياع مصنوع من غير صانع؟ وهل هذه الساعة مصنوعة من غير معمل ومخترع؟ وكأس الشاي هذه التي في يدي هل أَتَت بنفسها؟ والشاي هل صار وحده؟ فكيف لهذا العالم اللانهائي وبأدق نظام من أَعظَمه إلى أَحْقَره [أن يوجد من غير صانع!].

وانظر إلى الخلية التي بجسمك والتي لا تراها العيون، فلها من النظام والحياة والعمل والعقل والإدراك ما يعجز عن إدراكه عقول البشر، فخلايا الكبد لها سبعون وظيفة، [سبعون هنا كناية عن الكثرة، ولا يُراد منها تحديد العدد، وهو أسلوب في اللهجة العامية] وخلايا الكليتين مهمتها أن تَغسل الدم مِن كلِّ السموم والأقذار، فتغسل دمك كلَّ أربعٍ وعشرين ساعة ستًّا وثلاثين مرة، وهي بحجم البيضة الكبيرة، أما غسل الكليتين لِمَن توقَّفت كليتاه عن العمل فيحتاج إلى أموال كثيرة، ويعطونه كثيرًا من الحقَن.. والكلية الصناعية تُقَدَّر بحجم هذا المنبر، وتُغسَل بها الكليتان مرة كل أسبوع، فكيف لو أراد أن يغسلهما كل يوم! وكيف لو كان الغسل كل يوم ستًّا وثلاثين مرة! وكيف لو حَمَّلَك على ظهرك تلك الكلية التي حجمها أكبر من حجم البَرَّاد! ماذا يصير بك؟ فهل تشكر نعمة الله؟ والكلية فيها مليون أنبوب [سماحة الشيخ يسأل طبيباً بين الحضور] هل هذا الكلام صحيح؟ أنت مختص بالكليتين.. وهي أدقُّ من الشعرة، بينما نرى الأنابيب [التي من صنع البشر] تُسَدُّ بعد سنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع مع أن ثخنها أو قطرها نصف متر ومتر، بينما تعمل أنابيب الكلية وهي أدق من الشعر لخمسين وستِّين وسبعين سنة، وإن سُدَّت فبسبب سوء الاستعمال، وذلك مثل من يقود سيارته من غير زيت، أو من غير هواء في العجلات، أو لم يَضَع لها الشَّحْم، عندئذ سيُسرع إليها العَطَبُ.

ولَمَّا نزلت هذه السورة وتلاها النبي ﷺ على الصحابة، قال: ((ما لي أَرَى إخوانُكُم مِنَ الجِنِّ أَفقَهَ مِنكُم؟)) قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: ((لَمَّا تَلوتُ عَليهِم قَولَه: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَكانُوا يُجِيبُونَ اللهَ عَن سُؤالِه قائِلِين: ولَا بِشَيْءٍ مِنْ آلائك ونِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الْحَمْدُ)) 1 .

فالمقصود أن تتذكَّر نِعَمَ الله عليك إذا قرأتَ هذه الآية، النِعَم الصغيرة والكبيرة.. و((جُبلت النفوس على حُبِّ من أحسن إليها)) 2 ، فهل أحببتَ ربك؟ الإيمان الحقيقي هو: ((أن يكون اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْك مِمَّا سِوَاهُمَا)) 3 ، بأن تحبَّ الله وتحبَّ النبي ﷺ أكثر من أمك ومن أبيك.. وإذا أحبَبتَ فإن المحب لمن يُحِبُّ مطيع

تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ هَذا لَعَمرِي في الأنام بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقًا لَأَطَعتَهُ إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ

“هَذا لعمري في الأنام بَديعُ”: يعني هو غير صحيح، بل هو مُبْتَدَعٌ.. وهذا هو الحب العادي، أمَّا الحب بمعناه الحقيقي فيُحِبُّ [المحِبُّ] ما يُحِبُّ [المحبوب] ويُحِبُّ مَن يُحِبُّ، ويعادي من يعادي، ويُسَرُّ بكل ما يُحِبُّه محبوبُه.. وهذا الحبُّ لا يحتاج إلى تعليمٍ بالأقوال، بل إن هذا الحبَّ هو المعلم.

ولي في الهوى عِلْمٌ تَجِلُّ صِفاتُهُ ومنْ لمْ يُفَقِّهْهُ الهوى فهوَ في جهلِ

فالحبُّ هو أن يتقرَّب المحبُّ إلى محبوبه بكلِّ ما يُسِرُّه ويرضيه ويدخل السرور والفرح عليه، وهذا إذا كان من المخلوقات، أمَّا الله جل جلاله فإذا أحببانه فحبُّه كما قال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران:133]، فإن كنتم تحبُّونني فاركضوا إلى الجنة، وإن كنتم تحبونني فكونوا سعداء.. فهل نحن نُحِبُّه؟ بل هو مَن يحبُّنا.. كيف يكون حال الأب مع ابنه؟ يريده أن يكون أسعد السعداء، ويعامله في بعض الأوقات بالترهيب وأحيانًا بالترغيب وبالعطاء، وإن هو اشتدَّ عليه أو استعمل معه السلبيات، فلماذا؟ كل ذلك لمصلحته.. ولماذا خلق الله جهنم؟ واللهِ لأجل مصلحتنا، فهناك أناس لولا جهنم لا يتَّقون الله، وهناك أناس لولا العصا لما صارون دَكاتِرة: ((عَجِبْتُ لِأَقوَامٍ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلَاسِلِ)) 4 .

السُفن والنقل البحري من جميل نِعَم الله:

قال: ومن نِعَمه عليكم ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ [الرحمن:24] “الجوارِي”: هي السفن الجاريات في البحر، و”كالأعلام” يعني كالجبال، فالله تعالى سخر البحر للسفن، وجعلها تطفو وتبقى على سطحه ولا تغرق بمن فيها وما فيها، فمَن الذي جعل قانون البحر يتحمَّل هذه الأثقال من غير غرقٍ ولا تلف؟ فهل ذكرتَ نعمة الله إذا رأيتَ السفن؟ إنها تُحْضِر لك السيارات من اليابان وأمريكا والأدوات والبضائع والأطعمة والأغذية، وتُهَيِّئ لك الأسفار، وتقرب لك البعيد: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:25].

وراء هذه الحياة حياة أجمل:

ثم قال: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] فكلُّ هذه النعم الحياتية في دنياكم وراءها حياةٌ أرقى ونِعم أبقى وأجمل وأحلى، ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [لقمان:33] لا تتعلقوا بها، مثل الولد الصغير الذي يتعلق بثديَي أمه.. ما رأيكم لو بَقِيْتُم متعلقين بأثداء أمهاتكم، وتتركون البقلاوة والكنافة والقطايف والحفاتي والأوزي والخِراف المَحْشُوَّة؟ [أسماء أطعمة فاخرة مشهورة في دمشق من الحلوى والطبخ] هل هذا أمر مقبول؟ فإذا دُعيت إلى وليمة هل تقول لصاحب الدعوة: أحضر لي أمي كي أرضع منها، وأنت عندك شاربان ولحية والشيب في رأسك! وكذلك الدنيا مثل حليب الأم.. ألا يجب عليك أن تُفطَم؟ وإذا فطموك عنها هل هذا لمصلحتك أم لِمَضَرَّتِك؟ فالصحابة رضي الله عنهم لَمَّا استطاع النبي ﷺ أن يفطِمَهم عن الدنيا هل سَعدوا أم شقوا؟ وهل صاروا أغنياء أم فقراء؟ جهلاء أم حكماء؟ أعزَّاء أم أذلاء؟ مستعمَرين أم محرَّرين؟ [ليس فقط ذلك] بل كانوا للشعوب محرِّرين.

الديمقراطية الإنسانية الظالمة والديمقراطية القرآنية العادلة:

إن الأمة العربية والإسلامية اليوم في منتهى ما يكون من الذل والهوان، تفرض عليها الدول الغربية قوانينها وتبقى هي فيما هو فوق القوانين، ويجعلون كل القوانين لعبًا وهزءًا وسخريةً، فلا يوجد مجلس أمن ولا محكمة عدل ولا هيئة أمم، وكل المصالح للذي يملك الفِيْتُو.

له حقٌ وليس عليه حقٌ وحقُّ الغير بهتانٌ وزُوْرُ

هل هذا عدل؟ وهل هذه ديمقراطيةٌ؟ وهل هذه هيئة أمم؟ بل هي هيئة متآمرين على الأمم.. لقد كان سيدنا عمر رضي الله عنه يَخضع للحق تجاه العبد والجارية، وتجاه المرأة والبدوي، ولا يوجد عظيم إلا الحق والعدل والنظام، وكل هذا الذي نعيشه الآن هو دَجَل في زمن المسيح الدجال، ونحن الآن في زمن المسيح الدجال.

ولَمَّا أعرض النبي ﷺ عن ابن أم مكتوم رضي الله عنه، ولم يُعرِض عنه لأنانية أو لمصلحة خاصة أو مالية، بل كان مع عظماء قريش، فقال له: “يا رسول الله أتيتك لتزكِّيني”.. فلو أنه ترك أولئك العظماء لأجل شخص صعلوك، فمعنى ذلك أنه حقَّرهم، فبقي معهم ولم يُلبِّه، فأنزل الذي أَنزَل الميزان ﴿وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ [الرحمن:7-8] وقال له: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى [عبس:1-2] 5 أليس هذا إنسانًا؟ وهؤلاء باشاوات وملوك ووزراء وأمراء.. [بَاشَاوَات: جمع باشا، وهي رتبة في الدولة في زمن الدولة العثمانية، وتُستخدَم بالعامية السورية بمعنى رجل كبير ورفيع المستوى].. هذه هي الديمقراطية القرآنية، حيث جعل منزلةَ أضعف إنسانٍ في كل طبقات المجتمع فقرًا وصحةً وعمًى وضعفًا ومنزلةَ العظماء واحدة، وقال: ((النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسنانِ المِشطِ)) 6 .

﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى! [عبس:1-2] والقرآن لو لم يكن من عند الله سبحانه، لَمَا سَجَّل النبيُّ ﷺ على نفسه مؤاخذةً وعتبًا، ولَمَا ذَكَر الخطأ.. وهذا خطأٌ لا يُخِلُّ بمقام النبوة، وكذلك لا يُخلُّ بمقام النبوة لَمَّا أخطأ النبي ﷺ بموضوع الزراعة، فهل على النبي ﷺ أن يكون فَلَاحًا ويعرف كيف يُصلِح الجَرَّار؟ هل عليه أن يكون ميكانيكيًّا؟ إنَّ النبي ﷺ يُصلِحُ العقول، ولذلك قال: ((أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمور دُنْيَاكُمْ)) 7 .

لا مغالاة في الإسلام:

وهناك أناس يدافعون عن النبي ﷺ [في هذه المسألة]، وهذا دفاعٌ عاطفيٌّ وليس دفاعًا حقيقيًّا ولا عقلانيًّا، فالنبي ﷺ كان يقول عن نفسه: ((إنِّي لا أَحلِفُ على شَيءٍ فَأَرى غَيرَه خَيرًا مِنه إلَّا فَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)) 8 فيتراجع وإن كان قد حلف يمينًا، قال: فإنَّ اليمين لا يُوقفُني عن أن أعمل الأفضل وأترك الفاضل، فكيف بأن يترك الخطأ إلى الصواب؟ وهذا من المغالاة، والله يقول: ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]، وكان ﷺ يقول: ((أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَأَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا مُؤمِنٍ ضَرَبتُه أو سَبَبتُه أو طَعَنتُهُ فَاجعَلْها اللَّهمَّ لَه صلاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِها إِلَيكَ)) 9 ، ﷺ.

الدنيا لتركب عليها لا لتركبك:

﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ [الرحمن:24] ثم قال: لا تتعلَّق بهذه الدنيا فهي أُمُّكَ المؤقَّتة، الدنيا هي الأمُّ المؤقَّتة، أما الأم الحنون والتي لا تغشُّك ولا تقصِّر في حقِّك وتعطيك ما لا عينٌ رأت فهي الدار الآخرة، إنك تحتاج إلى الدنيا في مرحلة من مراحل الوجود فلا تجعلها كلَّ الوجود، ولذلك مع كلِّ هذه النعم في الدنيا قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26].

ولماذا قال لنا ذلك؟ حتى لا نجعل الدنيا رَبَّنا ومعبودتنا وقِبلةَ آمالنا، ومع ذلك فإننا نشتغل فيها ونعمل: ((والْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) 10 ، والعبد الشاكر والمؤمنُ الشَّاكرُ أَفضلُ مِن المؤمِنِ الصَّابرِ، وكان ﷺ يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ)) 11 ، ويقول: ((كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا)) 12 .

ولقد جعل الله تعالى [الغنى] من نِعم الله على النبي ﷺ وعلى المؤمن، وقال: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8]، ولكن هناك فرق بين غنى تَرْكَبُه وغنى يَرْكَبُك، وبين مالٍ يُسخِّرك ومالٍ تُسَخِّره لسعادتك، بين جاهٍ وحكمٍ وسلطان تكون عبدَه وبين أن تكون أنت وحُكْمُك وسلطانُك في عبودية الله، فهذه أنفع لك وأربح.. لكن الطفل الصغير لو أحضرتَ له الجواهر والألماس وقدمتها له بدل ثدي أمه، هل يبادل؟ لماذا؟ لأنَّ عقله صغير، وإذا قال لك شخص: هل تأخذ هذه الألماسة أم تتعشى على ثدي أمك وتتغدَّى وتتسحَّر وتُفْطِر؟ لا ترضى.. فالصغير لو كان له عقلٌ لقال لك: أنت مخطئ، وكذلك أنت أيضًا تقول له: لو فعلتُ كما فعلتَ أنتَ لكنتُ مخطئًا.

الموت خيرُ واعظ:

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] لذلك كان النبي ﷺ يقول: ((أَكْثِرُوا مِن ذِكْرَ الموتِ، فَإنَّهُ ما ذُكِرَ فِي قَلِيلٍ)) مِن الأعمال الصالحة والهمة الضعيفة ((إلَّا كَثَّرَهُ، ولا كَثِيرٍ)) يعني مِن هموم النفس وأحزانها ومشاكل الدنيا ((إِلَّا قَلَّلَهُ)) 13 .

ولذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه قاهرَ كسرى وقيصر، وقد صار بهذه التعاليم وبهذا المنهاج التربوي الإلهي أعظم إمبراطورٍ على الأرض، وقد كان الإمبراطور الزاهد، والإمبراطور العابد، والإمبراطور المملوء من خشية الله عزَّ وجلَّ وذِكره وحبِّه، وقد نقش على خاتمه: “كفى بالموت واعظًا يا عمر” 14 .

وكان النبي ﷺ يقول: ((زُورُوا الأَموات، فَإِنَّهَا تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ)) 15 ، بالأمس أخوك كان شابًّا مثلك، وابنك كان أصغر منك، وزوجتك كانت بمنتهى القوة، والأموات منهم من كان وزير خارجية أو وزير داخلية أو وزير دفاع أو رئيس وزراء، وهذا رئيس جمهورية والآخر مَلِكًا وصاحب الجلالة، أين هم الآن؟ صارت قصورهم قبورًا، وصارت رؤوسهم التي كانت تحمل التيجان المرصَّعة مائدةً للديدان، وصارت عطورهم والمسك ومختلف أنواع العطور جيفةً وإنتانًا، فهل تستحق الدنيا أن نتعلَّق بها؟

الإلتفات للآخرة لا يعني إهمال الدنيا:

ليس المقصود أن تتركَ الدنيا، بل المقصود أن تنزعها مِن قلبك، ولا يكون قائدك في الحياة أمور الجسد، إنما القائد لك بالحياة هو الله جل جلاله الذي يُعطي لجسدك كامل حقِّه، ويأمرك بالغنى، ويأمرك بالعمل، ويكره العبد البطَّال، ويقول لك: ﴿كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، ويقول لك أيضًا: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، ويقول لك أيضًا: ((إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)) 16 ، فهو لا يقول لك فقط: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] ولا يقول لك فقط: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [لقمان:33]، بل يقول لك: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201]، ويقول لك: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، فبرنامج الله سبحانه إنما هو لإسعاد الإنسان، فهل يكون فيه نقصٌ، أو يحتاج إلى تعديل؟ فالذي خلق الكون ونظام الكون هل يحتاج برنامجه إلى تعديل؟ لكن إذا كان الإنسان ميتًا فكيف تكلِّمه؟ وإن كان أعمى فكيف تُريه الجمال؟ أو أطرش [أصمّ] كيف تُطْرِبه بالألحان والموسيقى والأنغام؟ هذا الشيء مستحيل، فإذا غنَّيتَ المَوَاوِيْل [مَوَاوِيْل جمع مَوَّال: وهو لون من الأغاني، وهو أغنية فردية يغنيها مغنٍّ واحد لا مجموعة] وأقمت حفلة في المقبرة وبين الأموات لكي تطربهم، أفلا تكون مجنونًا بهذا العمل؟ نسأل الله عز وجل ألا يجعلنا مِن مجانين العقل السليم.

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] قالها حتى ينزع مِن قلبك أن تكون عبدًا للدنيا، [فلا تبالي كيف تكسب رزقك] بالحلال أو بالحرام أو بإثم أو بمعصية أو بغضب الله عزَّ وجلَّ، بل يجب عليك أن تطلب الرزق بشرف وأن تطلب الرزق الحلال، وأن تكسب الحياة لتتزوَّد مِن دنياك لآخرتك، ((الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ)) 17 ، ولذلك كان كثيرٌ مِن السلف الصالح وكثيرٌ مِن الأحاديث النبوية تذكِّر بالموت، حتى لا يصير الإنسان عبدًا للمادة، بل يجب أنْ تكون المادة له خادمًا، ويكون هدفه الأمور العليا والمقاصد الكاملة: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77].

قصيدة المعري في الفناء الدنيوي:

ومِن هذا الباب كان لأبي العلاء المعري رحمه الله قصيدة يقول فيها

غَيرُ مُجدٍ في مِلَّتِي وَاعتِقادِي نَوحُ باكٍ وَلا تَرَنُّمُ شَادِ

“غير مُجدٍ”: يعني لا يفيدك، “نوح باكٍ”: على مَيته.. فمهما ناح الحيُّ على الميت هل يرجع الميت إلى الحياة؟ وإذا ضرب رأسه بالحائط هل تتحرَّك يد الميت؟ وإذا “شَحَّر وجهَه بأسفل الطَّنْجَرة” [سَخَّم وجهه بالسواد الذي يكون أسفل الطَنْجَرَة، وهي القِدْر الذي يُطبَخ به] هل تَفْتَح عينُه؟ الميت مات، وهل يزيد “بالشحّار” [التسخيم] إلا مصيبة ثانية على نفسه؟ وهل يكسر الصحون ليزداد مصيبة ثالثة؟ فالميت قد ذهب، فافعل شيئًا ينفعك، ولا تفعل شيئًا يؤذيك، أو يكون لغوًا لا ينفعك.

“ولا ترنُّم شادِ”: يعني الذي يغنِّي ويضيع وقته في الغناء، فهذا مِن اللغو، ولذلك حرَّم الله عزَّ وجلَّ كثيرًا مِن أنواع الألعاب، لأنها تقتل الوقت أو يكون فيها قمارٌ، وإذا لم يكن فيها قمار، [وكانت مباحة وفيها ترويح عن النفس] فهناك أحاديث في هذا الموضوع، منها ما قاله سيدنا عليٌّ رضي الله عنه: “روِّحُوا القلوب ساعةً فساعةً، فإنَّ القلوبَ إذا كلَّت عميت” 18 ، والنبي ﷺ كان يمزح، ولكن لا يقول إلا حقًّا.. ثم قال المعري

وَشَبِيهٌ صَوتُ النَّعِيِّ إذا قِيـــ ــسَ بِصَوتِ البَشِيرِ في كُلِّ نادِ

صوتُ النَّعيّ: الولاويل.. [فلا فرق -كما يقول المعري- بين صوت النعي على الميت الذي فارق الحياة وصوت البشير الذي يبشر بمولود جديد قَدِم إلى الحياة، لأن النهاية واحدة].

والصبي الذي هو قرة عين، قد يكون كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]، ثم يقول المعري

أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمامَةُ أَمْ غَنْـــ ـنَتْ عَلى فَرْعِ غُصنِها الميَّادِ

الحمامة عندما تكون واقفةً على غصن مِن أغصان الشجرة تغرِّد، فهل هي تزغرد أم تنوح؟ و”غصنها المياد”: أي الغصن الذي يتحرَّك.

صاحِ هَذي قُبُورُنا تَملَأُ الأَرْ ضَ فَأَينَ القُبورُ مِن عَهدِ عادِ

“صاح”: يعني يا صاحبي؛ وهذا يسمُّونه ترخيماً، أي منادى مُرَخَّم، وأصلها “صاحبي”، ومثله “يا مالك، يا مالِ”، “هذي قبورنا تملأ الأرض”: انظر إلى هذه القبور التي فيها شبابٌ وأذكياء وملوكٌ ووزراء وأغنياء وفقراء ومساكين ومستضعَفين، وآلافٌ مِن الأجيال فيهم القصير والطويل، والذكي والغبي، والتقي والشقي، “هذه قبورنا تملأ الأرض، فأين القبور من عهد عاد؟” أين هم مِن عهد عاد وثمود ونوح؟

رُبَّ لَحْدٍ قَد صارَ لَحدًا مِرارًا ضَاحِكًا مِن تَزاحُمِ الأَضْدادِ

“ربَّ لحدٍ”: مثل الدَّحْدَاح والباب الصغير [أسماء مقابر قديمة ومعروفة في دمشق.. وكيفية الدفن في دمشق أن كل بضع سنوات يفتحون القبر، ويزيحون عظام الأموات السابقين جانباً، ويدفنون الميت الجديد]، “قد صار لحدًا مرارًا ضاحكًا مِن تزاحم الأضداد”: يضعون الرجل فوق عدوه، والشخص فوق شخص لا يحبه، فهذه هي الدنيا وهذه هي النهاية.. وإنك عندما تدرس في الجامعة نهايتك أنْ تأخذ شهادة الطب أو الهندسة فتفيدك، أمَّا الدنيا فأنت تركض وتركض، ثم تركض وتركض، فتصير ملكًا أو مليونيرًا، ثم ماذا بعد ذلك؟ ينزعون عنك كل شيء، حتى ملابسك الداخلية يخلعونها عنك، أليس كذلك؟ وعمامتك ينزعونها منك، ونيَاشِيْنك صارت خُرُوْقًا لا تصلح لشيء إلا ليُشعِلوا بها المِدفَأة، [خُرُوْق: قِطَع قماش بالية، والنَّياشِين: الأوسمة]، والشهادات كذلك، قال

رُبَّ لَحدٍ قَد صارَ لَحدًا مِرارًا ضَاحِكًا مِن تَزاحُمِ الأَضْدادِ

شخص لا يريده أو لا يحبه، هل يقول لهم: هذا لا أريده معي في القبر، أو هذا عدوي، أو هذا “دَمُهُ ثَقِيْل” [شخص غليظ]؟ بل يوضع فوقه رغم أنفه.

وَدَفِينٍ عَلى بَقايَا دَفِينٍ مِن قَدِيمِ الآباءِ وَالأَجدادِ

لم يبقَ مِن المدفون سابقًا إلا بعض العظام البالية، فيضعون الجثة الجديدة فوق القديمة ومكانها.

خَفِّفِ الوَطْءَ ما أَظُنُّ أدِيمَ الـ أَرْضِ إلَّا مِنْ هَذِهِ الأَجْسادِ

“خفِّف الوطء”: إذا مشيتَ فامشِ على رؤوس أصابعك، ولا تثقل بالمشي، لماذا؟ لأني “ما أظنُّ أديمَ الأرض”: أي وجه الأرض، “إلا مِن هذه الأجساد”: فأنت بحذائك تمشي على رؤوس الملوك وأنوف العظماء والأباطرة والعلماء، أَنَسيتَ أنه سيأتي يومٌ مِن الأيام سيُداس على أنفك وعلى عَظَمتك المنتفخة وعلى غناك الأحلامي؟ “خفِّف الوطء ما أظن أديم الأرض”: أي جِلدة الأرض وطبقتها السطحية، “إلا من هذه الأجساد”.

سِرْ إنِ اسْطَعتَ في الهَوَاءِ رُوَيدًا لا اخْتِيالًا عَلى رُفَاتِ العِبادِ

“سِر إنْ اسطعتَ في الهواء” إكرامًا للذين كانوا عظماء، وللذين كانت كرامتهم واجبةً على كل الناس، فتكريمًا لهم لا تمشِ حتى على رؤوس أصابعك، بل إن استطعت أن ترفع رجليك وتطيرَ طيرانًا إكرامًا لِمَن سبقوك فافعل، “لا اختيالًا”: وكبرياءً وبطرًا وأشرًا ولا مبالاة وغفلةً عما سيأتيك.. وهذا شيء لا يمكن لأحدٍ أن ينكره، ولكنه عمليًّا كأنَّه لا وجود له في النفس ولا في الفكر، “لا اختيالًا”: تكبُّرًا وعجرفة “على رؤوس العباد”.

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] ليس معنى ذلك أن تترك العمل أو الحياة أو الفكر، لكن المقصود أن لا تكون عبدًا للدنيا، وأن تجعلها لك خادمة، لا أن تكون لها خادمًا.

أُعطِيتَ جِسمَكَ خادِمًا فَخَدَمتَهُ إنْ كُنتَ يَا هَذا لَبِيبًا فاعْقِلِ

مَن تعلق بمدرسة الجلال والجمال اكتسى بحلَّة الحياة السرمدية والسعادة الأبدية:

﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] يعني هو الباقي بذاته وعظمته، لذلك تعلَّقْ بالباقي ولا تتعلق بالفاني، فأحيِ إذا استطعتَ بذرة حياتك المغروسة في قلبك الصنوبري، فإذا أحييتها، حَيِيْتَ حياةً لا موتَ فيها، وإذا حَيِيَتْ روحُك المغروسة في قلبك الصنوبري أعطتك علمًا بلا معلِّم: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]، وأعطتك نورًا بلا كهرباء: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29] نورًا يُفَرِّق لكم بين السعادة والشقاء، وبين الحق والباطل، وبين المسعِد والمحزِن.

﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذاته وعظمته ﴿ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27] لذلك إذا تعلَّقت بالباقي والخالد فستصير باقيًا خالدًا، وإذا تعلَّقت بمصدر الجمال فستعيش أبد الآبدين في السعادة والجمال، وهو الجمال الذي لا يُفارقك، وعليك أنت أن لا تفارقه.. واعلم أن هذه تتوقَّف على مدرسة الذكر، وعلى مَن يعلِّمك الكتاب والحكمة ويزكِّيك.. ومِن أجل الوصول إلى هذه المواصفات في الإنسان كانت الهجرة فريضةً على المسلم والمسلمة، وعلى الصغير والكبير والصحيح والمريض، مِن أجل تحصيل العلم والحكمة والتزكية.. هذا هو الإسلام.

هل يعرف المسلم اليوم ما هو الإسلام؟ الإسلام هو علمٌ ولكنه جاهل به، وهو حكمة ولكن تجده أحمقاً حتى في أموره الدنيوية، فضلًا عن الأمور الأخروية الخالدة التي هي الحقيقة، وما سوى هذه الحقيقة كلُّه خيالٌ في خيال ومنامٌ في منام، في الأمس كان أخونا موجودًا وكذلك أبونا وعمنا وصديقنا وابننا وابنتنا وزوجتنا، وماذا نحن غدًا؟ كما أننا نقول الآن: كانوا، كذلك سيأتي بعدك مَن يقول: كان فلان.

فهل نُقِشَت بك هذه الآية صفةً وأخلاقًا وإيمانًا وعقيدةً لتقودك في دروب الحياة؟ وإذا وصلتَ إلى هذه الغاية فأنت قارئٌ للقرآن، وإلا فـ

رُبَّ تالٍ يَتلُو القُرَانِ بِفِيهِ وَهو يُفضِي بِه إلى الخُذلانِ

ثم قال: إن تعريفكم بهذه الحقيقة مِن أجلِّ نِعَم الله عليكم، فهل تكذبون؟ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:28] تعريفكم بالفناء وأنَّ هذه الحياة مؤقَّتة فلا تُغَشُّوا بها، وهأنذا [ها أنا ذا] قد ذكَّرتُكُم، فحافظوا على هذه النعمة، فهل تستطيعون أن تنكروا أني لم أذكِّركم بذلك؟

﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الرحمن:29] كلُّنا فقراء إليه ومتسوِّلون على بابه، وكلَّما كان الإنسان في الدنيا أعظم يكون عند الله متسوِّلًا أكثر، لأن الفقير المسكين أمره هيِّنٌ.

قصة الشيخ عبد الغني النابلسي مع اثنين من مريديه:

يُحكى في ذلك عن الشيخ عبد الغني النابلسي رضي الله عنه أنه كان عنده اثنان مِن المريدين، أحدهما يُكلِّفُه بالأمور الكبيرة مِن المسؤوليات، والآخر بالأمور الصغيرة مِثل شراء الفجل والكُزبرة.. وكانوا يومًا في الحمام، ويوجد في الحمام المكان الذي تُسَخَّن به الماء، واسمه بيت النار، وسقفه يكاد يحرق القدمين من شدة الحرارة، فقدّم صاحب المهام الكبيرة ليسأله، وهو يقف على بيت النار: أخبرني كم بلغ حسابك معي؟ فقال الرجل وهو يرفع رجلًا ويضع الأخرى: يا سيدي اشترينا كذا وكذا ورُزًّا وسمنًا، واستأجرنا البيت الفلاني، واستأجرنا البستان الفلاني، وأخذنا المحراث إلى كذا، وفعلنا كذا وقمنا بكذا.. وهو يتألَّم مِن الحرارة الشديدة، حتى اغتسل بعَرَقه، ثم سأل الآخر: كم هو حسابك معي؟ فقال الرجل: يا شيخي، لا يوجد شيء، فقط “بخمسة كُزْبَرة، وبخمسة بقدونس”، والسلام عليكم.. ونزل مسرعاً عن بيت النار. [يضحك سماحة الشيخ ويضحك معه الحضور.. قوله: “بخمسة كزبرة”: أسلوب في اللهجة العامية، ويعني: بخمس ليرات من الكُزْبَرَة].

﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الرحمن:29] كلُّنا فقراء إلى الله، ونطلب دائمًا منه حوائجنا ومعيشتنا وغذاءنا ولباسنا وما يُسعدنا وما يلذُّ لنا، والإنسان دائمًا بحاجة إلى مال وإلى بيت ومَلْبَس وكل شيء.. ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الرحمن:29] سواء سؤال لسانٍ وكلام أو سؤال حالٍ، وكل الناس يسألون الله الرزق بالعمل، ويطلبون مِن الله النصر بالوسائل، فكلنا مفتقرون إلى الله عزَّ وجلَّ، وفي الحرب نسأله النصر، لأنه ليس كل مَن حارب انتصر، فكل الدول عندها جيوش، ولكن هل كل الدول تنفعها جيوشها؟

استجابتنا شرط إجابة الله عزَّ وجلَّ لنا:

فلذلك كلنا فقراء إلى الله عزَّ وجلَّ، فإذا كنا إليه فقراء وهو الغني، وليس لنا مَن يُسعفنا ويُعطينا ويُغذِّينا ويُعطينا الحياة إلَّا هو، فكيف يجب أن يكون حبك له؟ فضلًا عن طاعتك له، وفضلًا عن انقيادك، وعن مسارعتك إليه إذا ناداك، فإذا قال: ﴿يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ [الانفطار:6] قل: لبيك يا ربي، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21] قل: لبيك يا ربي، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104] قل: لبيك يا ربي، حتى إذا قلتَ له: يا ربي، وسألته يقول لك: لبيك يا عبدي.. ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الشورى:16]، ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] فليستجيبوا لي عندما أدعوهم، فعندما تقول: يا الله، ألا يقول لك: يا عبدي؟ فإن استجبتَ له استجاب لك، ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة:40]، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى [محمد:17]، ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5].

فلا تظن أنَّ الأمور ليس لها مقدِّمات ونتائج، ولا تظن أنه لا يوجد أسباب ومسبَّبات، فإن مثل هذا الظن هو الذي أضاع المسلمين في العصور الأخيرة، فقد صاروا رُهباناً لا يَعرفون إلا العبادات، يصلُّون كثيرًا، ويصومون كثيرًا، ويذكرون الله كثيرًا، وتعلقوا بالكُشُوْف.. إلخ، ولكن هل هكذا فعل النبي ﷺ؟ بل إنه عندما كُشِف له عن عالَم الملكوت، ورأى الملائكة ورأى جبريل، نَزل مِن الغار إلى بناء الحياة على البرنامج الإلهي، فصار يملك الدنيا ولا تملكه، وتمشي في ركابه ولا يمشي في ركابها، وتمشي وراءه ولا يمشي وراءها.

النِّعم من تكريم الله تعالى لنا:

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ ذو العظمة، وأيُّ عظمة! من أيِّ ناحية؟ هو العظيم في العطاء، والعظيم في الجمال، والعظيم في العلم وفي القدرة وفي الثواب والعقاب، والعظيم في الخَلق وفي الشرع وفي التدبير وفي الكمال ﴿وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26-27]، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الإسراء:70]، فهذه النعم التي أنعم الله بها علينا ظاهرةً وباطنة؛ جسديةً أو روحيةً أو إلهيةً أو نبوّةً أو دِينًا، وأنَّه بعث لنا أشرف الملائكة وأشرف الأنبياء أليست مِن تكريم الله عزَّ وجلَّ لنا؟

الإسلام سبيل الخروج من الظلمات إلى النور:

ومن النعم أنه عزَّ وجلَّ جعل لنا دِينًا مكتمِلًا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3]، فجعل في هذا الدِّين: الدين والدنيا، والسياسة والدولة، والزراعة والاقتصاد، والتصنيع والمعادن: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] وفيه إقامة الدولة، ليست الوطنية ولا القومية، بل الدولة العالَمية.. فعندما فَقِه أولئك الأُمِّيُّون القرآن صاروا سادة العالَم، ونحن الآن نفقه من “سُوْرْبُون” [الجامعة الفرنسية المشهورة]، ولا بأس أن نأخذ علوم الحياة من موسكو أو من أمريكا أو أي مكان، ولكن لا على أساس أن نخسر دِيننا وإسلامنا الذي هذه العلوم جزءٌ منه.. ومَن يمشي في الظلام ولا يعرف الطريق هل يصل إلى المطلوب؟

لقد صار المسلمون اليوم في صحراء الضياع، وفي فَقْدِ نور القرآن ومعلِّم القرآن، ولن يرَوا النور حتى يَسلكوا الطريق الموصِل إلى سعادتهم.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُهيِّئ لنا مَن يرشدنا إلى صراطه المستقيم: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا [الكهف:1] حالةَ كونه قَيِّماً ﴿قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ [الكهف:2]، فانتبهوا أنْ تقعوا في الوادي، وأَشعلوا الضوء لتَرَوا الوادي فلا تسقطوا فيه، فإذا ذكر الله عزَّ وجلَّ جهنم أو العذاب، فهذا لئلَّا نُلقي بأنفسنا بها.

وإننا لَمَّا أعرضنا عن التربية القرآنية، وعن الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، هل انتقلنا إلى حالة أفضل، أو إلى حالةٍ أكثر عزًّا؟ لقد كانت كلمة “مسلم” تجعل الهندي والباكستاني والأفغاني والإيراني والعربي والمغربي والكردي والتركي أمةً واحدة وقوميةً واحدة، والقومية هي اتِّحاد اللغة، أما قومية الإسلام فهي قومية العلم والحكمة والأخلاق الفاضلة، فما فائدة أن تكون عربيًّا وتتكلم اللغة العربية؟ وهل القومية العربية تجعلك غنيًّا، أو تجعلك إمبراطورًا؟ أمَّا قومية القرآن والإسلام فقد جعلتْ منهم الأباطرة وجعلتهم ملوك الدنيا، فلم يحرِّروا أنفسهم فقط، بل حرَّروا شعوب العالَم، فأيُّ قوميةٍ أجلُّ وأعظمُ وأربحُ وأسعدُ؟ ولكن لماذا ينفر البعض من الإسلام؟ لجهلهم بالإسلام، ولجهل مَن يدَّعون أنهم دعاةٌ إلى الإسلام، “فما كلُّ مَن صَفَّ الصَّوَاني صارَ حُلْوَانِي” [مثل شامي يَعني ليس كلَّ مَن ادَّعى الاحتراف محترفًا، والحُلواني هو صانع الحلوى الماهر بها، والذي يَصُفّ ويرتب الصَّوَانِي -وهي الأواني المسطَّحَة الخاصة بعرض الحلوى- غالباً ما يكون أجيراً ومبتدئاً بالمهنة، وقد يَدَّعِي بذلك أنه هو الحلواني أو يظنُّه من لا يعرفه أنه هو الحلواني الماهر بصناعتها]، ولا كل مَن جلس وراء مقود السيارة يصير سائقًا، حتى ولو أمسك بالمقود وضغط على الزَّمُّوْر [البوق]، وهل قيادة السيارة تكون بالزمور!.. ولذلك فالهجرة فرضٌ، ومولانا خالد [النقشبندي] بحث أولًا عن الشيخ، وسافر مِن العراق إلى الحجاز حتى عثر على الشيخ، ومن ثَمَّ هاجر إليه.

فحقيقة الإسلام ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201]، ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8]، و((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) 19 ، و((يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ)) 20 ، و﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]، فالذين يَدْعُون إلى الإسلام هل عندهم هذه المواصفات حتى يمثِّلوا الدعوة الصحيحة؟ ولذلك لو كانت الدعوة صحيحةً لكان الإنتاج والنتائج صحيحة، لأنه: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] مَن “المؤمنين”؟ هم الذين تعلَّموا القرآن، أي علومه، وتعلموا الحكمة وتزكت منهم النفوس، ﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقًّا [ألأنفال:4] حقاً لا إيماناً غيبياً، لأنَّ مَن يحمل صفة العلم والعقل الحكيم والأخلاق الفاضلة هل يفشل أم ينجح؟ هل ينتصر أم يُهزَم؟ ولأنه يعمل بالحكمة فإنه لا يَدخُل الأمور قبل دراستها، ولا يدخلها حتى يراها بعقله وقناعته نصرًا وتأييدًا وعِزَّةً، وبعد ذلك يُطبِّقها عمليًّا في الميدان العملي، فتكون النتيجة -بعد هذه الدراسة العلمية- كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، أمَّا بالأماني أو بالتمنِّي أو ضعف الكفاءة فأبداً [لا يكون النصر والنجاح]، لأن الأسباب والمسبَّبات مِن قانون الله عز وجل، فإذا وضعتَ أصبعك في النار فإن قانون الله عزَّ وجلَّ أنها ستُحرِق أصبعَك، وإنْ وضعتها في فم الأفعى فالقانون أنْ تلدغك وتموت، فإن تجتنب الهلاك تنجُ، وإن تُلْقِ بنفسك في النيران تهلك.

القيوم الذي قامت به الكائنات:

﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الرحمن:29] يعني كلنا إلى الله فقراء: ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].. ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] الله عزَّ وجلَّ لا يكون بَطَّالًا أبداً ولو للحظة واحدة، كما إذا قام الطبيب الذي يُجري عملية القلب بأخذ استراحة لمدة نصف ساعة ماذا سيحدث بالقلب الجريح؟ سيموت، وكذلك الحي القَيُّوم الذي به قامت الكائنات وقامت الموجودات وقام الكون وقامت الحياة والحيوان.. ما معنى القَيُّوم؟ الذي به تَقوم الأشياء، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، فالمال قِوَام الحياة.

المفهوم الخاطئ عن الزهد:

المال قوام الحياة، وبعض المسلمين زهدوا بالمال.. ولكن الزهد له معنى، فليس معناه الفقر، وليس معناه عدم العمل، وليس معناه العِوَز، بل الزهد: هو أن تملك المال وأن تكون غنيًّا، ثم تجد مَن هو محتاج لِمَا تملك، فتساعده فيما لا يملك.. ولقد تغيَّرت كلُّ مفاهيم الإسلام، فإذا اعتقدنا أن الضوء ظلام، والأكل جوع، والنوم تعب فهل نكون سعداء بالحياة؟ مهما منَّينا أنفسنا، ومهما كنَّا معتقِدِين خطأً، فهل العقيدة الخطأ تُوصِلُكَ إلى ما تَقْصِد؟ الخاطئ يجب أن يتحمَّل نتيجة خطئه.

الذنوب مهلكة والطاعة منجاة:

﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] يحيي ويميت بأسباب وبقوانين، ويُعِزّ ويذلُّ بقوانين: ((وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ)) 21 ، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وفي غزوة أُحد خالَف الرماة أمرًا مِن الأوامر النبوية فلم يُنصَروا، مع أن رسول الله ﷺ كان هو قائدهم، وفيهم العشرة المبشرون بالجنة، وهم خير الأجيال في هذه الأمة، بينما نحن نرتكب خمس مئة ألف مخالفة وبعدها نطلب: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ! [الروم:47].. قال

تَضَعُ الذُّنُوبَ على الذُّنُوبِ وتَرتَجِي دَرَجَ الجِنانِ وَطِيبَ عَيشِ العابِدِ
وَنَسِيتَ أنَّ اللهَ أَخرَجَ آدمًا مِنها إلى الدُّنيا بِذَنْبٍ وَاحِدِ

“تضع الذُنُوبَ على الذُنُوبِ”: تضع الذنوب فوق بعضها، وتكدِّسها بالآلاف ومئات الألوف، “وترتجي دَرَجَ الجِنان”: أي تطلب بعدها درجات الجنة العالية “وطِيْبَ عيش العابد، ونسيتَ أن الله أخرج آدمًا منها إلى الدنيا بذنبٍ واحد”: وهل نسيت أيضًا إبليس الذي ترك سجدةً واحدةً فصار ملعونًا إلى يوم يبعثون؟

وأنتَ إذا تركتَ صلاة الظهر فكم سجدة توجد فيها؟ ولِمَن السجود فيها؟ لله عز وجل، فلو أنَّ الله سبحانه قال لإبليس: اسجد لي، فهو بقي خمسين ألف سنة وهو يسجد له، لكنه لَمَّا قال له: “اسجد لآدم”، ﴿قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٌ مِّنۡهُ [الأعراف:12]، أليس الذي يأمرك يَعلم مَن هو خير؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن لا يخذلنا، وأن لا يُشقينا.

ولَمَّا أَمَّر النبي ﷺ أسامةَ بن زيد رضي الله عنهما -وهو ابن عَبْدِه- على جيشٍ فيه أبو بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما هل قالوا: نحن خيرٌ منه؟

ولَمَّا عزل عمر رضي الله عنه خالدًا رضي الله عنه وهو في قمة النصر في أثناء معركة اليرموك، هل قال: أنا القائد، وأنا الذي أحمي المسلمين، وأنا الذي هزمتُ الفرس والرومان؟ بل قال: سمعًا وطاعةً.. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، ((مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي)) 22 ، فالإسلام كلُّه نظام، وكلُّه انسلاخ مِن الهَوى والأنا، ومتى وقعتَ في الهوى والأنا وقعتَ في الهلاك وفي الفناء، قال

إنَّ الهَوانَ هو الهَوى قُصِرَ اسمُهُ فَإذا هَويتَ فَقَدْ لَقيتَ هَوانا

“إنَّ الهوان”: تقع بالإهانة والحقارة بالهوى والأنا، “قُصِرَ اسْمُهُ”: هواء ممدود، وهوى مقصور.

﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] عنده عطاءٌ ومُلْكٌ وخزائن لا تنفد، وأنتَ فقرٌ لا يُحدُّ، وعجزٌ لا يُوصَفُ، ثم ترفع أنفك أمام الله! يا للعار!

لو لم يسمح لك أن يَخْرُج ما في بطنك وأنت في بيت الخلاء.. إنه يستطيع أن يقتلك بما يخرج منك، ويقتلك مِن غير رصاصة ولا مشنقة، ربما يقتلك بريحك، أو ببولك، أو يقتلك بريقك فلا يُعطيك ريقًا فتغص باللقمة فتموت، أو يقتلك بنقطة دمٍ كرأس الدبوس تسدُّ شريانًا مِن شرايين القلب وتُوقف الدم، كما إذا وُجِدَتْ وَسَخَة في طريق البنزين [أنابيب الوقود] فتسدّ الأنابيب وتتوقف السيارة.. فمَن أنت؟ هل أنتَ ملكٌ أو وزيرٌ أو رئيس وزراء؟ أو تظنُّ نفسك بوش أو غورباتشوف أو موسوليني أو لينين؟ [قادة مشهورون في العالم؛ بوش: رئيس أمريكا، وموسوليني: رئيس إيطاليا، ولينين أول رئيس للاتحاد السوفيتي، وغورباتشوف: آخر رئيس له] وقد رأيتُ رأسَ لينين في إحدى الجرائد مَرْمِيّاً على مَزْبَلة، وكان قد جَعَل نفسه في مرتبةٍ فوق الإله، وأحال الإله للتقاعد على حسب زعمه، ووضع نفسه مكانه، فأين وضعه الله؟ جعل رأسه في “المَزَابِل” [مكان جمع الأوساخ والقمامة].

التكبر وعدم الافتقار إلى الله الغني تكذيب وإنكار:

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:63] أُعرِّفكم أنني أنا الغني لتسألوني.. فإذا كنتَ بحاجة إلى الغني هل تتمرَّد عليه أو تُغضِبه أو تُعاديه أو تُخالفه؟ هَأَنَذَا [ها أنا ذا] أبِّين لكم من أنا، أنا الذي كلُّ واحدٍ منكم محتاجٌ إليَّ في كل ثانية.. انظر إلى جهاز التنفس ومنه الرئتان، أين مركز أوامره؟ في الدماغ، فإذا تعطَّل تتوقَّف الرئتان عن العمل، والقلب أين مركزه العصبي؟ له مركز مستقلٌّ ومكانه في القلب، لذلك عندما يُقْطَع القلب عن اتِّصاله بالعصب الدماغي يبقى القلب ينبض، أمَّا اليد مثلًا فإذا انقطع عصبها المتصل بالدماغ تنعدم فيها الحركة في الحال.

فأنت أيها الإنسان مفتقرٌ إليه في كل دَقَّةٍ مِن دقَّات قلبك، وفي كلِّ شهيق وزفير تُخرجه مِن رئيتك، فهل عرفت غناه عنك وافتقارك إليه؟ هل عرفت عجزك وقوته؟ هل عرفت فقرك وغناه؟ فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُوفِّقنا.. اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلهما متشابهَين علينا فنتبع الهوى برحمتك يا أرحم الراحمين.

لقد قال الله عزَّ وجلَّ لكم: هل فهمتم؟ فإنني لم أَترك لكم شيئًا إلا بيَّنته لكم، لقد بَيَّنْتُ لكم طريق الحق والباطل، وطريق السعادة والشقاء، وطريق النجاح والفشل، وطريق النصر والهزيمة، فإن تقبَّلتم وصاياي -وأنا أريد سعادتكم- أصير راضيًّا عنكم، وإلَّا فسأحاسبكم على ما أدَّيتُ لكم، واستودعتُ عندكم مِن الأمانة فخنتموها ولم تؤدُّوها الأداء الحسن: ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ [الأحزاب:72] لكن هل أحسن أداءها؟ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ [النساء:58]، الحمل سهل، فلذلك حَمَلها ولم يؤدِّها الإنسان الذي هو ظلومٌ وجهولٌ، أمَّا العارف بالله وبأحكام الله فإنه يحملها ليؤدِّيها، وذاك يحملها لأجل أنْ يحملها فقط.

﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾:

﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] سيأتي وقت.. واللهُ عزَّ وجلَّ لا يشغله شيء عن شيء، لكن إذا قلتُ لك: اصبر حتى غدٍ وسأتفرَّغ لك، فما معنى ذلك؟ يعني أنني سأوجِّه كلَّ طاقاتي لمحاسبتك، وأُحاسبك على الصغير والكبير.. والله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن، ولكن هذا مثالٌ لإدراك خُطورة الموقف عليك، فإذا دَقَّتْ ساعة الحساب وقال: هاتوا فلان، وسألك: ماذا كان همُّك في الدنيا؟ إذا كان همُّك في الدنيا أن تُرْفَع درجاتُك، فقد ارتفعت، أو كان همُّك الغنى فقد اغتنيت، أو التجارة فقد ربحتَ، أو البناء فقد نجحتَ، فهل حسبتَ حساب الآخرة؟ وهل حسبتَ حساب الله سبحانه؟ والله تعالى لا يأخذ كلَّ مالِك، بل يأخذ اثنين ونصفًا بالمئة [وهي زكاة المال]، حتى لا تأتي الشيوعية فتأخذ كلَّ مالك، أو يأتي غيرها ليعملوا معك أشكالاً وألواناً وإذا رفضتَ وما أعطيتَ المال تجعلك [تلك الأنظمة] سارقًا وقاتلًا ومجرمًا.

﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] فإذا قال لك الملِك: غدًا أتفرَّغ لك وأُريك، فما معنى هذا؟ فكيف إذا كان مَلِك الملوك يُخاطبنا على حسب عقولنا الدنيوية التي تفهم بهذه اللغة، أما الواقع الإلهي فالله عزَّ وجلَّ لا يشغله شأنٌ عن شأن، ومعنى ذلك كم الوضع خطير والمحاكمة خطيرة! وكم النتائج مخيفة! فهي إمَّا هلاكٌ وإمَّا نجاةٌ، إمَّا سعادة الأبد وإمَّا شقاوة الأبد، ولا يوجد هناك ملِكٌ وشيخٌ ومفتٍ وقاضٍ ورئيس ووزير، ولا “مُخَابَرَاتي” [مُخابَرَاتي: من يعمل في المخابرات، والمخابرات: جهاز الأمن في الدولة، ورجل المخابرات “المخابراتي” عادة يراقب الناس ويكتب ويُسَجّل أعمالهم وأقوالهم، ويخبر بها سلطة الأمن].. يا مخابراتي عليك خمسون مخابراتيًّا: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، [عدد خمسين هنا لا يُقصَد بذاته، بل هو كناية عن الكثرة، وهو استخدام دائم في اللهجة العامِّيَّة] ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] أنت يا رجل المخابرات هل تعرف ما في قلب من تَأْخُذ أخباره؟ أما الله عز وجل فهو ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7] مِن قَبل أنْ تُسِرَّ الشيء الذي لم يخطر على بالك أنْ تخفيه فإنّ الله عزَّ وجلَّ يعلم أنَّك ستخفيه، والله سبحانه يقول: هَأَنَذَا قد قلتُ لكم، فلا تقولوا: إنّنِي لم أُخبركم ولم أُنَبِّهكم.. لو أنك كنتَ تمشي بالسيارة، وأخبرتُك أنَّ أمامك خندقًا بعرض خمسة أمتار وعمق ثلاثة أمتار، أليس هذا التنبيه والتحذير نعمة؟ فقوله سبحانه: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] نعمةٌ من الله، فهل شكرتم الله عزَّ وجلَّ على هذا التنبيه وعلى هذا التحذير؟ هو لا يحب هلاككم، ((لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُم مِنَ الظَّمْآنِ الْوَارِدِ))، لو أن شخصًا عطشان في الصحراء ومقطوع وسيموت، وأحضروا له ماءً، أو أخذوه بسيارةٍ إلى موضع الماء فكيف سيكون فَرَحه؟ قال: اللهُ تعالى أشدُّ فرحًا بتوبة التائب مِن هذا الظمآن الوارد الذي يَرِد الماء، ((ومِنَ الْعَقِيمِ الْوَالِدِ))، لو أنَّ رجلًا عقيمًا جاءه ولدٌ بعد عشرين أو ثلاثين سنة، فكم يفرح به؟ الله عزَّ وجلَّ يفرح بتوبة المذنب أكثر ((مِنَ الْعَقِيمِ الْوَالِدِ، ومِن الضالِّ)) الذي أضاع حقيبته التي فيها مئة ألف دولار والألماسات والذهب “والصِّيْغَة” والحُلِي، [الصِّيْغَة: حُلِيّ المرأة الذَّهَبيّ، وهي كلمة في العامية السورية] ثم رأى ضالَّته كم يفرح بها؟ أو كالذي أضاع ابنه الوحيد وهو يسمع أصوات التفجيرات، ثم رآه سالِمًا فكم يفرح به؟ الله أشدُّ فرحًا بتوبة المذنب ((مِنَ الضَّالِّ الْوَاجِدِ)) 23 .

فلذلك إذا نبَّهَنا الله عز وجل فهذه نعمةٌ عظيمةٌ، فهل تكذِّبون بهذه النعمة؟ أَلَا يجب عليكم أن تشكروا؟ كما لو قلتُ لكم: احذروا الطريق فإن أمامكم الخطر الفلاني، أو الزموا يمينكم أو الزموا شمالكم، وإلَّا فستسقطون في الآبار أو الوديان، فهذه أَلَا يجب أن نَشكر الله عليها؟ لقد أخبرنا بوجود جهنم، وبوجود أنكر ونكير، وبوجود مالك خازن النار، وبأنّ هناك سياط وعذاب، وأشكال وألوان.

التحدي الإلهي لِمَن عاند الله:

﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33] فإذا استطعتَ أنْ تهرب مِن حبس الله فالله تعالى يتحدَّاك أنْ تهرب، وإن استطعتَ أنْ تهرب مِن محكمة الله عزَّ وجلَّ فاهرب، ولله تعالى محاكمُ في كلِّ زمان ومكان، فهناك محاكمُ مستعجَلةٌ، ومحاكمُ متوسِّطةٌ، ومحاكمُ بطيئةٌ وهي أخطرها، كالذي يأكل السُّمَّ البطيء، ولا يتأثَّر به فورًا فيأكل ولا يَحدث معه شيءٌ، فهذا يَقتله بعد شهر، ومنها ما يَقتل بعد سنة، ومنها ما يقتل في الحال، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يحتاج الله عزَّ وجلَّ إلى لجنة تحقيق، أو شهود أو ما شابه ذلك ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر:45]، فانظر هل تستطيع أن تفرَّ مِن محكمة الله عزَّ وجلَّ؟ وهل تستطيع أن تفرَّ مِن تنفيذ عقوبة الله إذا أراد أنْ يعاقبك؟ إن الله تعالى في عقوبة الدنيا أمهل فرعون أربعين سنة، ولَمَّا لم يتوقف عن طغيانه أغرقه، واتَّضح له بعد ذلك أنه مغرور: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ [يونس:90]، وهل ينفعه الإيمان عند الغرق؟ الإيمان عند الغرق لم يعد ينفع، يُوْم ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].

﴿فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ لا تستطيعون أن تنفذوا مِن الله ﴿إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33] بأن تكون قوتكم أقوى مِن قوة الله تعالى، ولكن هل هناك إلهٌ آخرُ؟ وهل تملك قوة تُعجِزُ الله؟ وإذا هربتَ ألا يُقبَض عليك في الدنيا أو في الآخرة؟ إذا كنتَ الآن تفعل محرمات وتترك أوامر، ولم يحاسبك الله عز وجل عليها بعدُ، فليس معنى ذلك أنَّ الله ليس عنده عِلم أو لا يدري ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم:6]، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا [الزلزلة:7-8].. ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:34] الله تعالى يقول لكم: هأنذا أنصحكم وأحذِّركم، فالحساب قائمٌ على الفتيل والنقير والقطمير، وعلى مثاقيل الذرِّ خيرًا أو شرًا.

لماذا خلق الله جهنم ولماذا يحذرنا من عذابه؟:

﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ [الرحمن:35] إن كان الله غريمك وأنت تُعاديه وصرت بين يديه فما هي السياط [وأدوات العقاب]؟ قال: ﴿شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ، نار ملتهبة ليس فيها دخانٌ وليست حمراء، بل صارت زرقاء، وهذا هو شواظ من نار.. ﴿شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ [الرحمن:35] هناك نارٌ مِن غير دخان ونار بدخانٍ، والنحاس يُطلق في اللغة العربية على الدخان الذي يُرافق النار، وقال بعض المفسِّرِين: هو النحاس المذاب، فإذا كان الله سيعمل لك حمَّامًا من النحاس المذاب المصهور فكيف تخرج منه؟ وبأي مِشط تتمَشَّط؟ إنّه ينزع جلدك عن عظمك.. فالله عزَّ وجلَّ يُخبرنا عن هذا، كمَن يقول لولده: إنْ أنتَ وضعتَ إصبعك في فم الثعبان ستموت، فهل يقول له الولد: يا أبي لماذا تتكلم بهذا الكلام المزعج؟ وهل هذا الكلام مزعج؟ بل إنّ الجهل به هو المزعج، وكتمانه وعدم التعريف به هو المزعج، ولو كان أحدهم يلعب بالقنبلة بيديه، وقال له أبوه: يا بني إذا انفجرت معك ستجعلك خمسين قطعة، هل يقول له: يا أبي ما هذا الكلام المزعج والمتشائم؟ فإن قال ذلك يقول له الأب حينها: إذًا ماذا أقول لك؟ هل أقول: إنك إن لعبت بها يخرج لك “موَّال أم كلثوم”؟ [المَوَّال: لون من الأغاني، وهو أغنية فردية يغنيها مغنٍّ واحد لا مجموعة، وأم كلثوم مغنية مصرية مشهورة في الوطن العربي].

وكذلك هناك أناس تقول: لماذا يذكر الله تعالى جهنم؟ إذن لماذا وَضعتِ الدولةُ قوانين الجنايات؟ ولماذا أنشأتِ السجون؟ ولماذا الشرطة؟ في أحد المرات سأل رجل شيخنا رحمه الله قال له: يا شيخي لماذا خلق الله جهنم؟ لماذا لا يغفر الله للناس جميعًا؟ فردَّ عليه الشيخ وقال: هل هذا ما تريده؟ قال له: نعم، قال له: تخيَّل أنك نائمٌ ومستغرِقٌ في نومك وبجانبك زوجتك وهي حُبلى، ودخل عليك رجلٌ في منتصف الليل، فلم تره إلَّا وهو يدوس برِجله على عُنقك ويوجِّه السلاح إلى رأسك، ويهددك بالقتل لتخرج له نقودك وذهبك ومفتاح خزنتك، وإنْ لم تخبره عن مكان مالك ومتاعك الثمين فسيقتلك بسلاحه فورًا، وفي أثناء ذلك استيقظت زوجتك، فرأتك على هذه الحالة، فأسقطت الجنين مِن فزعها، وأنت مِن خوفك وحُزنك على زوجتك وجنينك أصابك الفالج مِن لحظتك، ثم أخذ كلَّ مالك وتعبك وما ورَّثك والدك ولم يُبقِ لك شيئًا، فهل يستحقُّ هذا الرجل أن يضعه الله عزَّ وجلَّ في الجنة بدل جهنم؟ فقال السائل: لا والله يا شيخي، هذا يجب أن يكون جزاؤه “سبعين جهنم” لا جهنم واحدة. [أسلوب هذه الجملة مع العدد سبعين أسلوب مستخدَم كثيراً في العامية السورية، والرقم سبعين كناية عن العدد الكبير].

فهل الله عزَّ وجلَّ ليس عنده ذوق وأنت الذي عندك الذوق؟ وهل الله هو الظالم وأنت العادل؟ وهل الله عز وجل يخلق شيئًا عبثًا؟

لكل مخلوق حكمة ووظيفة:

في إحدى المرات رأى أحدهم خنفساء فقال: يا رب أنت جميلٌ وتحبُّ الجمال، فلِمَ خلقتَ هذه الخنفساء؟ ليس لها رائحة طيبة ولا شكل جميل.. وبعد مدةٍ ظهرت في جسد هذا الرجل دُمَّلة عجز الأطباء عن معالَجتها، ثم كان هناك طبيب يمر بالأسواق يبحث عمَّن يحتاج إلى طبيبٍ يستعين به، فقال لهم: أحضروه لي، فلمَّا رأى الدُّمَّلة قال: الدواء سهل وبسيط، وهو أنْ نأتي بخنفساء، ثم نحرقها ونضع رمادها على الدملة فتشفى منها، فصار الأطباء القدامى يضحكون مِن كلامه، فقال لهم المريض: هذا يقول الحقيقة، فقد والله اعترضتُ بقلبي على الله عزَّ وجلَّ في خَلْقه للخنفساء، فبعث لي هذه الدمَّلة أستاذَةً لتعلِّمني أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يخلق شيئًا عبثًا.

وفي أمريكا الآن درسوا كثيرًا مِن الخنافس، فتبيَّن لهم أن بعضها تقتل الحشرات التي تُتلِفَ الزراعة، فصاروا يُصدِّرونها إلى العالم الخارجي كما يُصدِّرون السيارات، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا [ص:27] فعليك أن تعرف لأيِّ شيءٍ خَلق الله هذا الشيء، وتستعمله فيما له خُلِق.

فإذا لم تعرف حكمة الشيء ولا حكمة استعماله ثم تراه وتحكم أنَّه خُلِق عبثًا فهذا دليلٌ على جهلك، فالغرب يدرسون الحيوانات في قاع البحار، ويدرسون الهواء والفضاء، ويدرسون سمَّ الأفاعي، فهذه أفعى الكوبرا التي تقتل بالحال وباللحظة استخرجوا منها دواءً مِن سُمِّها يعالج بعض أنواع السرطان وكأنها صيدلية.. قاتلها الله.. لماذا تقول قاتلها الله؟ بل قل: الحمد لله.. لأنها لا تؤذيك إذا لم تُؤذِها، فالصيدلية [والدواء] إذا استعملتها مِن غير صيدلي أَلَا تقتلك؟ إنها تصير مثل الكوبرا، لأن في الصيدلية سمومٌ بأشكال وألوان، فمنها أشياء تقتل بلحظتها ومنها أكثر ومنها أقل.. وكذا الدَّبُّوْر لم يخلقه الله عزَّ وجلَّ عبثًا، يقولون: إنَّ الدبور يأكل كل يوم أربع مئة ذبابة، إذًا هو ليس طارداً للذباب، بل قاتلاً للذباب، فكلُّ شيءٍ له استعمال، هل الجَبْصِين نافعٌ أم ضار؟ [الجَبْصِين: هو الجبس، وهو لون من التراب الأبيض الناعم، يصير صلباً عندما يختلط بالماء، ويُستخدَم في الزخرفة وتشكيل أجسام وأشكال، وهو يشبه السُّكّر في شكله، لذلك يضرب سماحة الشيخ به المثل]، فإذا وضعته في الشاي وحرَّكته وشربته، فهل الحق على الله أم عليك؟ لقد علَّمك الله الحكمة أنَّ هذا يصلح للزينة، ولا يصلح للمعدة، فعندما جاوزتَ الحكمة ووضعتَه في غير موضعه، صار ضارًّا بعد أنْ كان نافعًا، بسبب أنك أبدلتَ الجهل بالعلم، فكذلك بدَّل الله الضَّارَّ بالنافع والموت بالحياة.

التعريف بالخطر والتحذير من الوقوع فيه نعمة توجب الشكر:

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:36] إنْ قلتُ لكم: إنَّ الحية إذا لدغتك فإنك ستموت، فالعلم بهذه المعلومة أليس نعمة؟ وإن أنت رأيتَها مُنقَّشة وناعمة وتلمع، فقلتَ: أريد أنْ أجعلها “كرافة” [ربطة عنقٍ] أو رباطًا للثوب أو عمامةً جميلة، فقال لك أحدهم: احذر فالأفعى تقتل، فإنك تُجيبه وتقول له: جزاك الله خيرًا، هذا فضلٌ منك وإحسانٌ ومعروفٌ صنعته لي.. أليس الله عزَّ وجلَّ يُحسن إلينا عندما ينبِّهنا؟ فيقول: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:36]، لقد نبَّهنا الله عزَّ وجلَّ على العقوبات، وأنَّ هناك طريقًا عقوبته شواظ مِن نار، فامشِ في الطريق الثاني الذي فيه نورٌ وسعادة وجنةٌ عرضها السموات والأرض.

كيف تصير السماء وردةً كالدِّهان؟:

﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37]، ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن:31] متى؟ حين تنشق السماء وتتساقط النجوم، ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1]، ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة:9-10]، عندها يختلُّ نظام المجرَّة، ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [التكوير:3]، فكانت ﴿كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة:5]، فيصير لون الفضاء أحمر مثل حُمرة الورد، والأجرام تذوب كما يذوب السَّمن إذا وُضع على النار، الله تعالى يقول لكم: ها أنا قد أَخبرتكم عن مواصفات وقت المحاكمة بهذا التوقيت، فهل فهمتم؟ أنا بهذا الكلام أنفعكم وأنصحكم أم أنا ضارٌّ لكم ومخيف؟ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:38] يا ربِّ لك الحمد والشكر على ما نبَّهتنا وحذَّرتنا، لنجتنب الهلاك ولنجتنب الشقاء، ونمشي في طريق الحياة الصحيح وطريق السعادة.

المذنِب معروفٌ فلا حاجة للتعريف به وبذنبه:

﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ [الرحمن:39] لأنه ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن:41] مَن يضع شارةً على كتفه مثل نسر مع ثلاثة نجوم هل هناك حاجة لأنْ يقول عن نفسه: إنه عميد؟ يُعرَف الضابط بإشاراته الخاصة، وإذا كان يضع سيفين فهل هناك حاجةٌ لأن نقول له: ما هي رتبتك في الجيش؟ فالشارة تُخبرك أنه لواءٌ.. فإذا حَشَره الله يوم القيامة أسود الوجه أزرق العينين، فهل هناك حاجة لأن نقول له: هل أنت مِن أهل الجنة أم مِن أهل النار؟ بل نعلم أنه مِن أهل جهنم، ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:71]، ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن:41] يُساق إلى جهنم مِن الشَعر الذي في مقدمة الرأس أو مِن الرجلَين، إمَّا على وجهه أو مِن الشعر الذي في أعلى وجهه، فهل تريديون مِثل هذا؟

غاية الإسلام سعادتنا في الدنيا والآخرة:

الله عزَّ وجلَّ لا يريد شقاءنا في الدنيا ولا في الآخرة، وهل يريدنا أنْ نكون فقراء أم أغنياء؟ فالنبي ﷺ قال: ((أَلَمْ أَجِدْكُمْ عَالَةً)) فقراء ((فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي؟)) 24 ، إذًا هل النبي ﷺ أتى ليُفقِر أم ليُغني؟ هل أتى ليجعلنا علماء أم لنبقى جهلاء؟ أذلَّاء أم أعزَّاء؟ منتصرين أم مهزمين؟

هذا هو الإسلام، لكن الذين يَدَّعُون عِلمَ الإسلام لا يحملون هذه الكفاءة، وهم كمثل الذي يقود سيارة وهو “طُنْبَرْجِي” [سائق طنبر، أي عربة بغال أو حمير]، ماذا سيحدث بمن يركب معه؟ وماذا يصير فيه؟ سوف يَهلَك ويُهلِك.. فنسأل الله أن يجعلنا للمتَّقين إمامًا، لذلك: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) 25 ، ولا يمكن أنْ تُنتقَش علوم القرآن في صفحات قلبك حتى تكون صفحات قلبك صحيفةً بيضاءَ.. فيجب أنْ تمحو كلَّ الكتابات التي على صفحات القلب، وسواد الخط والحبر والإملاء، تمحوها بحبر ذكر الله، وبحبر نور الله، وبحبر التوجه الدائم إلى الله عزَّ وجلَّ في صلاتك وفي صومك وفي حجك وفي نومك وفي أكلك وشربك، ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، ﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205]، ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22].

أزمة فقد المربِّي:

مِن المستحيل أنْ تصل إلى قِمة الإيمان بلا معلِّم ولا مربٍّ ولا مزكٍّ ولا حكيم، فالمساجد كانت مدارس، وكانت جامعات، ما معنى جامع؟ الجامع مُذكَّر، و﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] وقد كان الجامع في زمن النبي ﷺ هو الجامع والجامعة بآن واحد.

كان الجامع يُعلِّم الدنيا والآخرة، يُعلِّم القلب والروح، ويُزكِّي النفس وينير العقل حتى يجعله حكيمًا، فالأمر ليس تواكليًّا أو بلا أسباب ومسبَّبات، أو بلا مقدِّمات ونتائج قائمة على المقدمات، لذلك فقد كانت السُّوَر المكية كلُّها تُعنَى ببناء النفس المزكاة والمطمئنة بذكر الله عزَّ وجلَّ، بغَسْلِها مِن الخطايا ومِن الذنوب ومِن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والصبر على الأذى في سبيل هذا الإنقاذ وهذه النقلة مِن الذُّلِّ إلى العزِّ، ومِن الجهل إلى العلم، ومِن اللاعقلانية والخرافات إلى الحكمة.

ونحن الآن نُريد أنْ نصل إلى مضمون السُّوَر المدنية بلا أساسٍ مِن السُّوَر المكِّيَّة، ولذلك مصيرنا الفشل، فإنْ أردتَ أن تكون طبيبًا فأولًا يجب أن تأخذ الابتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية ثم تصل إلى الكُلِّيَّة، أمَّا إن درستَ فورًا في الجامعة ثم الثانوية ثم الإعدادية ثم الابتدائية فلا يمكن أنْ يحدث ذلك، وماذا ستكون النتيجة؟ النتيجة أنك لن تفهم شيئًا في كلية الطب، ولا في الثانوية، ولا في الإعدادية، فترجع إلى ألف باء.. فإذا أردتَ أن تنجح يجب أن تبدأ من البداية، ولكن سيكون العمر قد ضاع.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُعيدنا إلى كتاب الله ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ)) 26 ، لا تَعلُّم النطق بألفاظه فقط، فإنّ “الحديد” ينطق بألفاظٍ أحسنَ مِن نُطقك، “والجَمَاد” يجوِّد أحسن مِن تجويدك، [المقصود بالحديد والجماد هنا المسجِّل أو آلة تسجيل الصوت المصنوعة من الحديد وغيره] ويقرأ على القراءات الأربعة عشر أفضل مِن قراءتك، وبنغم أفضل مِن نغمك، وبنطق أفضل مِن نطقك، لكن اسأل الحديد: ماذا فهم؟ وأسأل الذي قرأ خمس ختمات أو ستَّ ختمات: ماذا فهم؟ ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5] الأسفار يعني الكتب، وأسفار التوراة مثل سور القرآن، والحمار إذا حمل خمسين مصحفًا، وإذا حمل كلَّ أسفار التوراة فهل يفهم منها شيئًا؟ كذلك المسلمون كثيرٌ منهم لو قرؤوا لا يدرون ولا يفقهون ما يقرؤون.

والذي لا قرأ ولا درى وبلا مدرسة ولا معلم.. كيف سيصير الإنسان نجَّارًا مِن غير معلم، وحدَّادًا مِن غير معلم، وصيدليًّا مِن غير معلم؟ المسلم يعني أعظم إنسان، ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163] يعني كان أعظم أهل الأرض، وأنتَ من المسلمين، وكلمة “مسلم” تعني أنه الذي يستجيب لكل أوامر الله عزَّ وجلَّ، مِن ذرَّتها إلى مجرَّتها، ومِن أصغرها إلى أكبرها، ظاهرًا وباطنًا، جسدًا وروحًا، قلبًا وقالَبًا، أخلاقًا وسلوكًا، علمًا وفكرًا وفهمًا.

والمسلم هو الإنسان السعيد في كلِّ شؤون حياته، فإذا كان فقيرًا فهو سعيد، وإذا كان غنيًّا فهو سعيد، وإذا كان مَلِكًا فهو سعيد أو جنديًّا فهو سعيد، وفي المصيبة هو سعيد، وفي النعمة هو سعيد، في المهنة هو سعيد، لأن طُلْبَتَه هو الله عزَّ وجلَّ أولًا وآخرًا، وبالإسلام الحقيقي يصل القلب إلى معرفة الله، وكلُّ شيءٍ دون ذلك جَلَل ولا قيمة له.

فنسأل الله أن يجعلنا مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا هادين مَهْدِيِّيْن ولا تجعلنا ضالين ولا مُضِلين، ولا تخزنا لا في الدنيا ولا يوم الدين.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب سورة الرحمن، رقم: (3291)، (5/399)، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ))، وفي دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (528)، (2/232)، بلفظ: ((لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمن على الناس سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للجن كانوا أحسن جوابا منكم، لما قرأت عليهم ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قالوا: ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب)).
  2. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (8984)، (6/ 481)، حلية الأولياء للأصبهاني (4/ 121)، عن عبد الله بن مسعود، بلفظ: ((إن الْقُلُوبَ جُبِلَتْ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا)).
  3. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، (1/14)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43)، (1/66)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
  4. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22202)، (5/249)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8103)، بلفظ: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: اسْتَضْحَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ، وَهُمْ كَارِهُونَ».
  5. سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة عبس، رقم: (3331)، (5/432)، صحيح ابن حبان، رقم: (535)، بلفظ: ((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ [عبس:1] فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ المُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟» فَيَقُولُ: لَا، فَفِي هَذَا أُنْزِلَ)).
  6. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (6883)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، بلفظ: ((النَّاسُ مستوون كَأسْنَانِ الْمُشْطِ لَيْسَ لأحد على أحد فضل إِلَّا بقوى الله عز وَجل))، وفي رواية أخرى للديلمي، رقم: (6882)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (5/478)، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، بلفظ: ((النَّاسُ كَأسْنَانِ الْمُشْطِ وَإنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَة فَلَا تصحبن أحدا إِلَّا يرى لَك من الْفضل مثل مَا ترى لَهُ)).
  7. صحيح مسلم، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي، رقم: (2363)، (4/ 1836)، عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قَالَ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ مَا لِنَخْلِكُمْ قَالُوا قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: ((أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ)).
  8. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب، رقم: (6249)، (6/2444)، صحيح مسلم، كتاب الأيمان، باب نذر من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، رقم: (1649)، (3/1268)، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، بلفظ: ((وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ أَوْ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي)).
  9. صحيح مسلم، كتاب البرو الصلة، باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم، أو سبه، أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا ورحمة، رقم: (2603)، (4/2009)، صحيح ابن حبان، رقم: (6514)، عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
  10. صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، رقم: (2664)، (4/2052)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8777)، (2/366)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
  11. سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في الاستعاذة، رقم: (1547)، (1/483)، سنن النّسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الجوع، رقم: (7903)، (4/452)، سنن ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب التعوذ من الجوع، رقم: (3354)، (2/1113)، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَمِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ»
  12. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (6612)، (5/267)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/53)، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، بلفظ: «كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وكاد الحسد أن يغلب القدر»، وفي الدعاء للطبراني، رقم: (1048)، (1/319)، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رِجَالٌ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْا إِلَيْهِ الْحَاجَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَسْبِقَ الْقَدَرَ، قُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ».
  13. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (5780)، (6/56)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (10074)، (13/137)، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، بلفظ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي كَثِيرٍ إِلَّا قَلَّلَهُ، وَلَا فِي قَلِيلٍ إِلَّا أَجْزَاهُ».
  14. تاريخ دمشق لابن عساكر (44/260)، عن محمد بن المتوكل قال: "بلغني أن خاتم عمر نقشه: كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظاً يا عمر".
  15. سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ماجاء في زيارة القبور، رقم: (1569)، (1/500)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ».
  16. سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة، رقم: (1369)، (1/435)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (26351)، بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، فَجَاءَهُ، فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ، أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي»، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ، قَالَ: «فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ».
  17. المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (497)، ص: (497)، قال: لم أقف عليه مع إيراد الغزالي له في الإحياء، وفي مسند الفردوس للديلمي، رقم: (3102)، (2/228)، عن ابْن عمر رضي الله عنه، بلفظ: ((الدُّنْيَا قنطرة الْآخِرَة فاعبروها وَلَا تعمروها وان وإن الله عز وَجل خلق الدُّنْيَا للْعَمَل والخراب وَالْآخِرَة للبقاء وَالْجَزَاء وَالْعِقَاب)).
  18. مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (672)، (1/393)، ومسند الفردوس للديلمي، رقم: (3178)، (2/ 253)، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  19. سبق تخريجه.
  20. سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم: (2167)، (4/466)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، بلفظ: «يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ».
  21. سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، رقم: (1425)، (1/452)، السنن الكبرى للبيهقي، باب دعاء القنوت، رقم: (2957)، (2/209)، بلفظ: ((عَنْ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ قَالَ ابْنُ جَوَّاسٍ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)).
  22. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، رقم: (6718)، (6/2611)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم: (1835)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (7330)، (2/244)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي».
  23. التوبة لابن عساكر، رقم: (5)، (1/37)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنَ الْعَقِيمِ الْوَالِدِ، وَمِنَ الضَّالِّ الْوَاجِدِ، وَالظَّمْآنِ الْوَارِدِ)).
  24. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم: (4075)، (4/1574)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام..، رقم: (1061)، (2/738)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه، لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال ((يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي))، كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ...)).
  25. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، (4/1919)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، (1/460)، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  26. سبق تخريجه.
WhatsApp