وظيفة النبي هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور:
نحن الآن في تفسير سورة القمر، يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا﴾ [القمر:1-3] ولم يستعملوا عقولهم، ولم يرضخوا للحقائق التي تُبصرها عيون الموفَّقِين، بل ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ [القمر:3] وأغراضهم الصغيرة الدنيئة تقليدًا للآباء الجهلاء، وتقليد الناس بعضهم لبعض ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر:3] كل شيء سيصل إلى نهايته، فإذا أخذ الإنسان الفليفلة الحارَّة ووضعها في فمه فما النهاية؟ أنَّه سيحترق لسانه، وإذا وضع العسل في فمه فما نهاية وَضْعه في الفم وعلى اللسان؟ أنه سيتذوق حلاوة طعمه، وإذا جلس الإنسان بين العطور والزهور سيشمُّ الروائح الزكية، وإذا قعد حول الآبار القذرة والكُنُف والمجاري ماذا سيشمُّ؟ [المجاري: مجرى المياه النجسة] سيشمُّ الروائح القبيحة، كذلك النبوة التي هي عِلمٌ وحكمة، عِلمٌ يُنقِذ الإنسان مِن كلِّ أنواع الجهالات؛ مِن أخلاق الجاهلية، ومِن العقول المتخلِّفة، ومِن الفقر إلى الغنى، ومِن التخلُّف إلى التقدُّم، ومِن الضعف إلى القوة، وحكمةٌ تُوقظ العقل فيستعمله بكلِّ طاقاته.. والعقل نور النَّفْس كما أنَّ العين نور الرأس، والحكمة تُريك الأشياء بحقائقها وغاياتها وعواقبها، لا في أمور حياة الجسد وأمور الدنيا فقط، ولكن تُريك أيضًا العواقب في عالَم الروح، حين تَنْفضُ الروحُ وتنزع قميص جسدها كما تنزع الحيَّة كسوة بدنها.
والنبوةُ وحكمتُها بالنسبة للروح تُبيِّن لها عواقبها ومصيرها وطريقها إلى النعيم الأبدي الخالد أو إلى الشقاء والتعاسة الأبدية الخالدة.. والضلال عاقبته الشقاء والجاهلية والحمق، والبُعد عن النبوة أي البعد عن العلم والحكمة، مِثل السيارة إذا تَركت طريق الإسفلت ومشتْ بين الوديان والجبال، فكيف سيستقرُّ أمر هذه السيارة؟ سيستقرُّ على التحطُّم، ويستقر أمر أصحابها على الضياع.
وقد انتهى أمر الكفَّار ومَن شايعهم فخسروا الدنيا قتلًا وشقاءً وغضبًا إلهيًّا وإلى ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التحريم:9] وانتهى أمر النبوة ونبيِّنا ومَن تابعه من الذين آمنوا بالنبوة وبسيدنا محمد ﷺ -يعني بالعلم والحكمة- واستقرَّ أمرهم إلى العزة والكرامة والغنى والنصر والوحدة، وإلى كلِّ شيءٍ في الدنيا محبَّب إلى النفس وثابت ويعطي السعادة.. هناك أشياء محبَّبة إلى النفس، ولكن تعطي الموت والشقاء وتعطي المرض وتعطي الخزي، ويكون الإنسان قد أخذها بأهوائه لا بالعقل ولا بالحكمة.
سبب نزول السورة:
وسبب نزول الآية أنَّ رسول الله ﷺ دعا قريشًا وأهل مكة إلى الإسلام وإلى الاستجابة إلى رسالة الله.. فإذا أرسل لك رئيس الجمهورية رسالةً وفيها طلبات، وفيها زواجر فهل تستطيع مخالَفتها؟ فكيف إذا كان مَلِك الملوك وخالق الكون بعث لك رسالةً، وهي لمصلحتك لتحقِّق لك السعادة، وتجنِّبك مِن كلِّ شقوة؟ ورئيس الجمهورية ربما يبعث لك شيئًا لا يتعلُّق بسعادتك، فإنْ كنتَ نجَّارًا لتصنع له شيئًا، أو حدَّادًا لتصنع له الأشياء التي يطلبها، وليس لك فائدة، وربما مِن غير أجرة، أمَّا رب العالمين فقد بعث لك رسالةً لتُسعِدك وتأخذ أجرةً، ولِيُعالِجك مِن مرضك، ويعطيك الصحة، وفوقها الأجرة، ودعاهم القرآن أيضًا لِيبدِّلهم بذلَّتهم عزة، ولِيجعلهم ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110]، بعد أن كانوا نكرةً بين الأمم، وكانوا قبائل يجففون الدم ويأكلون الدم المخلوط بالشعر مِن الفقر، ويقتلون أولادهم مِن الجوع.. ودعاهم إلى هذا الدِّين.
إن العقول الكاملة مثل البنزين، لا تحتاج إلا إلى عود كبريت [عود ثقاب] واحد، وعن بُعد يستجيب للاشتعال، ويوجد شيءٌ مِثل حطب التين إذا كان أخضراً، فلو حرقته مع تَنَكَة [كالون] زيت الكاز، يحترق زيت الكاز ولا يخرج من حطب التين إلا الدخان، وقد قيل: “إذا أردتَ لامرأتك أنْ تلين فعليك بحطب التين”.. كانوا يُشعِلون الحطب، فقالوا: أحضر لها حطب التين ليدخِّن عليها [لعلَّها تلين].. لا، بل ارأف بها، وليِّنها مِن غير حطب التين.
فمنهم مَن استجاب مِن الكلمة الأولى كأبي بكر رضي الله عنه، فبمجرَّد أنْ قال له النبي ﷺ: ((أَنا رَسُولُ اللهِ، وَقَدْ أَوحَى اللهُ إليَّ))، قال: صدَقتَ ، والسيدة خديجة رضي الله عنها قالت له: صدقتَ، وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان مربًّى في حضن النبي ﷺ وعُمُره سبع سنين أو ثماني سنين صدَّقه مباشرةً، وهذا شيءٌ بديهي.
وقد بدأ النبي ﷺ يَشتغل بإسعاد الأُمَّة لِيحوِّل عقولهم التي تعتقد بالحَجَر أنَّه الخالق الرَّازق الإله.. فإلى أيِّ درجةٍ مِن الانحطاط والموت الفكري وصل الإنسان العربي؟ وقد كانوا مستعمَرين مِن قِبَل الاستعمار العالميِّ الشرقي والغربي، والذين في جزيرة العرب في صحراء، ولا شيءَ عندهم يَطمع به الاستعمار، لذلك تركوهم يتقاتلون ويذبح بعضهم بعضًا، ويعيشون في الأوهام والخرافات، فأتتْ رحمة السماء ورحمة الله عزَّ وجلَّ بالوحي إلى أشرف أهل الأرض فِطرةً وعقلًا وشخصيةً وكمالًا، ودعا الناس.. والناس درجاتٌ، فسيدنا أبو بكر رضي الله عنه مباشرةً استجاب، وسيدنا عمر رضي الله عنه استجاب بعد معارك، لكن في النهاية كاد أنْ يصير نبيًّا ، وبعضهم مِن المناحيس المخذولين، وهذا المخذول لو أَريته الشمس بعينه يقول لك: هذه ليست شمساً، لأنه لا يريد أنْ يعترف، مع أنه في قلبه معترفٌ، لكنه بأهوائه وأنانيَّته وعزَّته بالاثم يعتزُّ بمعصية الله ويعتزُّ بغضب الله، و﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة:206]، يعتزّ بما يُشقِيه ويهلِكه ويُرديه.
وفي النهاية قالوا له: لا نُؤمن حتى تشقَّ لنا القمر، وهذه مثل الذي رأى الشمس ظاهرةً، ولكن قال: أنا لا أؤمن حتى تَقسمها نصفَين، فمعنى هذا أنه لا يريد الحقيقة ولا الفهم، ولا يريد أنْ يُذعِن للواقع.. الآن الوقت نهارٌ فيقول: ما الدليل على أنَّه نهار؟ مع أن الشمس مشرقة.. قيل
وَلَيسَ يَصحُّ في الأَذهانِ شَيءٌ إذا احتَاجَ النَّهَارُ إلى دَلِيلِ
كلُّ الموفَّقين فهموا، ولكن المناحيس لا يمكن أن يفهموا، والموفَّقون الذين استعملوا عقولهم والذين طلبوا الحقيقة يَصِلون، أما الذين لا يريدون الحقيقة ولا يريدون أنْ يفهموا فهؤلاء كثر، ولو كانوا مئة مليون منحوس، ثم زادوا واحداً أو اثنين أو عشراً أو عشرين فلا ضير، ففي جهنم شواغر كثيرة، ومهما وُضِع بها فهناك مكان فارغٌ، قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق:30] ((حتَّى يَطَأ الجبَّارُ قَدَمَه، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ)) ، يعني امتلأتُ.
المكابر والمعاند أغلق عقله فلا يقر بالحقيقة:
لذلك فالمنحوس لا نهتمُّ له، كما قال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا﴾ [النجم:29]، فالذي يُعرِض عن القرآن وأحكام القرآن وعن الإسلام وآداب الإسلام عن إصرارٍ وعِناد فلا تشغل بالك به، ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ [البقرة:119]، فالجرذ مهما حاولتَ أنْ تقول له: إن العطر والمسك والحدائق المزهرة أفضل لك مِن المجاري [مجرى المياه النجسة] هل يصدِّق؟ لا، لأنه خُلِق جرذًا.. نسأل الله أن يحمينا مِن صفة الجرذان، وهناك مَن يصاب بهذه الصفات، فالذي يمشي مع الجرذان، ينام ويقعد معهم في المجاري، ليس جرذاً أصيلاً، بل متصفاً بصفاتهم.. نسأل الله أن يحمينا، قال المشركون للنبي ﷺ: لا نؤمن حتى تشقَّ لنا القمر نصفين، فإذا كنتَ مرسَلًا مِن عند الله، وطلبتَ مِن الله فإن الله سيستجيب لك.. فدعا الله عزَّ وجلَّ فانشقَّ القمر نصفَين، نصف على جبل حراء ونصف في الجهة الثانية، كيف أنتم الآن؟ هل آمنتم؟ قالوا: لقد سحرتَنا وسحرتَ أعيننا.. إنّ الشقي شقي، نسأل الله أن يحمينا مِن الشقاء.. وقيل
وَمَن يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضِ يَجِدْ مُرًّا بِهِ الماءَ الزُّلَالا
الإنسان إذا كان مريضًا، وأعطيته كأس ماء الفيجة العذب [الفيجة: نبع ماء عذب يشرب منه أهل دمشق] يقول لك: الماء مُرٌّ، فهل الماء كذلك أم هو مريضٌ ولسانه صار فيه شذوذٌ ولا تَظْهَر فيه طبيعتُه الأصيلة؟ يعني أنه لا يقول عن المرِّ: مرّاً، ولا عن الحلو: حلواً.. فحين يقول عن الماء العذب: إنه مرٌّ، فهل حقيقةً أن الماء مرٌّ أم أن في قلبه ولسانه مرض؟ فقالوا: سَحَرنا محمد، وبعضهم ممن فيه قليلٌ مِن الإنصاف قالوا: إنْ سَحَركم فإنَّ الساحر يسحر مَن حوله أمَّا البعيد فلا يُسحر، فغدًا تأتيكم قافلتكم فاسألوهم، فإذا رأوا القمر قد انشقَّ فهذا لا يكون سِحرًا، فقالوا للنبي ﷺ، فقال لهم: ((غَدًا مَعَ شُرُوقِ الشَّمسِ تَصِلُ القافِلَةُ)) فانتَظَروا شروق الشمس، قالوا: ها قد أشرقتِ الشمس؟ وكان بعضهم لم يرَ القافلة بعدُ، [فقالوا: لم تأتِ القافلة].. كانوا ينتظرون أن يمسكوا على النبي ﷺ مثقال ذرة من خطأ، وكأن هذا الأمر بالدقيقة أو بالثانية؟ فهم يريدون أنْ يمسكوا على النبي ﷺ خطأ واحداً، لكن النبي ﷺ لا يُمْسَك عليه [زَلَّة] واحدة، لأنه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ [النجم:3] وإذ بأحدهم يقول: هذه القافلة قد أقبلتْ.. فسألوهم فقالوا: رأينا انشقاق القمر، ومع ذلك ما صدَّقوا أيضًا، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [الأنعام:111] لو رأوا الملائكة نازلةً مِن السماء ﴿وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام:111] بمقابلتهم وشهدوا أنه رسول الله لن يؤمنوا.. هذا هو المخذول الشقيُّ التعيس، وقد قال الله تعالى عنهم: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة:7]، وقال أيضًا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة:6]، هؤلاء اسمهم أموات القلوب، وعلامة موت القلب أنه لا تؤثِّر فيه العظة ولا الموعظة ولا التذكير ولا الأمثال ولا النصح، مِثل الميت فمهما تكلَّمتَ معه لا يفهم شيئًا، وإذا أخذنا أم كلثوم [أم كلثوم مغنية مصرية مشهورة في الوطن العربي] إلى المقبرة، وأقامت الحفلة هناك، ولم يطربوا بصوتها فهل هذا لأن صوتها غير جميل أم لأنهم أموات؟
فأنزل الله تعالى قوله: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر:1] أَمَا رأوا عصا سيدنا موسى عليه السلام في زمنه انقلبت حيَّةً؟ أَمَا رأوا انشقاق البحر؟ أَمَا رأوا أنه ضرب بعصاه الحجر ﴿فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [البقرة:60]؟ لكن المنحوسَ منحوسٌ والشقيّ شقيٌّ والمخذول مخذول، هل طلب أبو بكر رضي الله عنه مِن النبي ﷺ معجزةً أو دليلًا؟ وهل يُعقل أن يقدَّم دليل على أن السُّكَّر حلوٌ؟ وأمَّا إذا كان الإنسان لا يُريد أن يعترف بالحقيقة فإنه يقول لك: إنه مرُّ المذاق، تقول له: ذقه! فيذوقه ويجده حلوًا، ومع ذلك يقول: هو مر! وهذا كما قال تعالى عنهم: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل:14]، مع أنهم يعلمون أنه حلوٌ، ولكن لماذا؟ ﴿ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل:14]، يريد أنْ يستعلي، ولكن استعلاء الدنيا لا يدوم، وظلم الظالم لا يدوم.. نسأل الله عز وجل أنْ يجعلنا مِن أهل الحقيقة، وأن نعرف حقيقة الأفعى فنجتنبها، ونعرف حقيقة المسك فنتعطَّر به.
فأنزل الله تعالى ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر:1] ها أنتم قد رأيتم المعجزة الخارقة للعادة، وغدًا ستموتون، والساعة يعني القيامة اقتربت، والله سيحاسبكم، فبعد أن رأيتم نور النبوة الذي هو أبلغ مِن رؤية الإنسان للشمس ورأيتم المعرفة بحقيقتها هل تجحدونها؟ إذًا عذابُكم عذابٌ شديدٌ، وحسابكم عند الله حسابٌ عسير.
قول آخر عند أهل العلم في انشقاق القمر:
قال بعض العلماء وهم قلَّةٌ: الانشقاق يكون عند قرب قيام الساعة، ومِن جملتهم صاحب تفسير المَرَاغِي رحمه الله بعد أنْ يذكر رأي الأكثرين، فيذكر أن هذا الانشقاق سيكون يوم القيامة، ونحن نمشي برأي أكثر العلماء، ولكن أيضًا إذا أنكر بعضهم فلا يكون فيه أمرًا إدًّا، فقد قال بذلك بعض العلماء.
ولكن دليل الإنشقاق قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا﴾ [القمر:2] “فاقتربت الساعة” يعني لم تظهر آيتها بعد، فإذا كان الانشقاق يوم القيامة فما ظهرت آية الانشقاق، فلو لم يكن الانشقاق واقعيًّا فالله تعالى لا يقول: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً﴾ [القمر:2]، وإن كان كل الناس ما رأوا، فالآن حين تُشرق الشمس في الهند فأهل الهند كلُّهم يرونها، ولكن هل يراها أهل الشام؟ لا، لأن الشمس تحتاج إلى ثلاث ساعات أخرى لتشرق في الشام.
انقياد المؤمنين للحق وعناد الكافرين:
قال: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً﴾ [القمر:2] يعني علامةً ودليلًا وبرهانًا يدلُّ دلالةً يقينيةً يرضخ العقل السليم لقَبولها، قال: ﴿يُعْرِضُوا﴾ [القمر:2] وهذا دليلٌ واضح وبيِّنةٌ مِثل الشمس، ولكن هذا كمَن قال: “عَنْزَة ولو طارت” [عنزة: أنثى الماعز.. وهذا القول لقصة حكيمة يذكرها الشيخ كثيرًا في محاضراته تدلُّ على التَّعنُّت والتَّمسُّك بالباطل عل الرغم من ظهور الحق، تحكي عن رجلين كانا يمشيان في الصحراء فشاهدا سوادًا مِن بعيد، فقال أحدهما: هذه غربان، وقال الآخر: بل هي عنزة، فلمَّا وصلا طارت الغربان، فقال الأول: أرأيتَ؟ إنها غربان، فقال الآخر: عنزة وإن طارت] إن مذهبَ هذا مذهب التّيُوْس، فالذي يتزوَّج المعزة يرى الحقيقة ولا يرضخ لها، مثل إبليس قال له تعالى: “اسجد لآدم”، ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف:12] وهل هناك “أنا خيرٌ منه” مع أَمْر الله تعالى؟ وحين جهَّز النبي ﷺ جيشًا وجعل أميره ابن عبده أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وفي الجيش أبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، فهل قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا خيرٌ منه يا رسول الله، وبعد أن رفعتني إلى السماء وقلتَ: ((لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ النَّاسِ لَرَجَحَ)) ، كيف تجعل العبد ابن العبد قائدًا عليَّ؟ فلقد صار في كلامك ومعاملتك تناقضٌ.. ولكن لا يوجد كلامَ [معارضة] مع الله تعالى، ولا مع النبي ﷺ، ولا مع أهل المعرفة بالله والحكماء العلماء بالنسبة للمربَّى، مثل قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر عليهما السَّلام، فليس المطلوب منك أنْ تفهم كلَّ شيء، فلمَّا خرق السفينة، وكان الخضر قد قال له: “إن أردتَ أن تمشي معي فلا تسأل”، فاعترض سيدنا موسى عليه السَّلام وقال له: أركبونا بالمجَّان، وأنت تخرق لهم السفينة ونغرق وتغرقهم؟ ثم أخبره فقال: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف:79] لأنه كان هناك بُغاةٌ، وكل سفينة جديدة يصادرها الملك ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف:79].. فلا تستعجل وانتظر.. وقد ذكر الله تعالى قصة موسى والخضر عليهما السَّلام تعليمًا لنا، وذكر آدم عليه السَّلام وإبليس تعليماً لنا، وذكر سيدنا هود عليه السَّلام وقومه عاد وكيف أهلكهم الله تعالى تعليماً لنا، وذِكر موسى عليه السَّلام وفرعون تعليماً لنا، وإلَّا فإنَّ فرعون ذهب، وسيدنا موسى وكلُّهم انتهوا، وكلُّ هذا تعليمٌ لنا، والآن أيضًا قصَّة قريش: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر:1] ومِن الناس مَن يرون الحقَّ مِن العارفين بالله واضحًا مثل الشمس، وتغلب عليهم أنانيتهم وأهواؤهم وكبرياؤهم السخيفة الحقيرة التافهة، والشقاء بسبب صحبة الأشقياء، فتراهم ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا﴾ [القمر:2] ولا يُنقادوا ولا يستجيبوا ولا يطيعوا ﴿وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر:2] فهو دائماً يسحر، وكلُّ أعماله سحر، انظروا إلى الناس تركض وراءه، فلا يجلس أحد معه إلا يتعلَّق به ويتمسَّك به ولا يتركه.. إن كان هذا سحر، فلماذا لا تصير سَحّاراً وترينا سحرك؟
﴿وَكَذَّبُوا﴾ [البقرة:3] برسالة النبي ﷺ، وكذَّبوا بالقرآن وبدعوته، فهل هذا عن بحثٍ وعقلانيةٍ؟ وهل هو على قواعد علميَّة ومنطق؟ لا، بل كلُّ هذا مخالِفٌ لكل هذه المعاني، فهم يقولون غيرةً وحسدًا وعنادًا: كيف يكون يتيم أبي طالب أعظم منا؟
اتباع الهوى:
﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ [القمر:3] بعض الناس حين يغضب يريد أنْ يضرب ويظلم ويسبَّ ويشتم، وهذا اسمه هوى، يعني يهوي ويستجيب لنوازع النفس العارضة -فإن أغضبه شخص فهذا أمرٌ عارض، فهو قَبل أن يغضب كان عقله أحسن- وعند الغضب إذا كنتَ مسلمًا فالإسلام يأمرك أنْ تملك نفسك عند الغضب، وهذا يسمى الحِلم، والذي لا يملك نفسه عند الغضب خرج مِن الإسلام في هذا الموقف، وهذا موقفٌ جاهليٌّ، فهو ساعةً جاهليٌّ، وساعةً مسلمٌ، وساعةً منافقٌ، وساعةً مُرَاءٍ ومتكبِّرٌ، فتراه في تسع وتسعين ساعةً خارجًا مِن الإسلام، ونصف ساعة مسلمًا ولعله بلسانه فقط، فإن كان بلسانه فإن الله يقول: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة:41] الذي ينافق ويداهن ويُظهِر نفسه إنسانًا صالحًا وهو غير صالح لا تحزن عليه: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128] كما يقال: “الآخرة يا فاخرة!” [مثل شعبي يعني أن الأمور بخواتيمها].. نسأل الله تعالى أن يرزقنا الدنيا والآخرة، واللهِ ليس لنا غنًى، وهل لنا غنًى عن البقدونس والكزبرة والجزر؟ يقولون: إن البقدونس صار بـ (10) ليرات، فكيف لا نريد الدنيا! [البقدونس والكزبرة طعام الناس يومياً في دمشق، ولا أحد يستغني عنها، وهي من الدنيا، ثم يذكر الشيخ مثالاً آنِيَّاً على حاجتنا للدنيا، وهو سعر البقدونس المرتفع، والذي صار حديث الناس وقضيَّتَهم وبسببه يضجرون.. لذلك لا يمكن لنا أن نستغني عن الدنيا].. نسأل الله أنْ يحمينا مِن اتِّباع الهوى، قال ﷺ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ)) ، والذي جاء به النبي ﷺ ما هو؟ هو أوامر الله تعالى، فيكون هواك أنْ لا تهوى إلا رضاء الله، ولا تفرّ ولا تترك إلا ما حرَّم الله، فإذا صار هواك حيث يرضى الله، وعدم هواك عند ما لا يُرضي الله فأنتَ مسلمٌ وأنتِ مسلمة، ومتى يرضى عنك أبوك وأمك؟ حين يريانك قد سرتَ في طريق السعادة، وإنْ رأياك قد سلكتَ طريق الشقاء يُعارضانك، وقد يَشُدّ أبوك أُذُنَك أو يضربك على رقبتك لا انتقامًا وعداوةً، [شَدّ الأُذُن والصفع على الرقبة كناية عن العقوبة الخفيفة التي يُقصَد بها التأديب] ولكن حبًّا وحنانًا، فكيف محبة الله للإنسان؟ وكيف رحمة الله بالإنسان؟.. نسأل الله أنْ يجعلنا ذلك الإنسان الذي يفهم على ربه.
قال: ﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ [القمر:3]، عند الغضب وعند الحب وعند العداوة وعند الطمع وعند الشهوات هل تكون مع شهوتك وهواك أم مع ربك وتقواك؟ هذا الفرق بين المسلم والمسلمة الحقيقيَّين وبين المنافق والمنافقة اللذين يدَّعيان الإسلام، حتى وإن قال الناس عنه: مسلمٌ، المهم أنْ يقول الله عنك: مسلماً، والمهم أنْ يقول الله عنكِ: مسلمة، ((الْمُؤْمِنَ يَأْلَفُ وَيُؤْلَف)) ، يألف اللهَ، ويألف كتابَ الله وشريعة الله وأحباب الله والأعمال الصالحة، ويؤلَف أيضًا بهذه الأخلاق، والناس تألفه، إلا الشياطين مِن الإنس والجن، فهل هؤلاء علينا أن نألفهم؟ قد يقول قائل: إن الحديث ((يَأْلَفُ وَيُؤْلَف)) لذلك علينا أن نألف الشياطين وأعوانهم، لا، بل هؤلاء كما قال ﷺ: ((فرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ)) ، وقال تعالى: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء:140] إنّ البرتقالة السليمة إذا وضعتها بجانب الفاسدة، وقعدتْ معها ففي النهاية ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾.
لكل شيء نهاية واستقرار حسب قانون الله تعالى:
ثم قال تعالى: ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر:3] الباطل له استقرار، وما هو قراره ونهايته وآخر مِشْوَارِه؟ [المِشْوَار: الطريق أو المسافة التي يقطعها الإنسان] ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء:81] الغشَّاش ما استقرار غشه؟ أن يَظْهَر ويُكشَف فلا تُعامله الناس، وتكسد بضاعته، ويكون خاسرًا في آخر السنة، والكذاب على ماذا يستقر؟ أنه ستتبيَّن الحقيقة ويُتبيَّن أنه كاذب فلا يصدِّقه أحد، ويفقد قيمته الشخصيَّة في المجتمع، والنبوة أيضًا على أيِّ شيءٍ تستقر؟ -النبوة عِلم بالحقائق الدنيوية والأخروية والأخلاقية والمستقبلية وسعادة الإنسان فردًا وعائلةً وأُمَّةً- تستقر على السعادة والنجاح والتوفيق والنعيم، والذي يكون بعكس النبوة وعكس العِلم والعقل الحكيم يستقر أمره إلى الشقاء والتعاسة والخذلان ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين.. كلُّ شيءٍ سيستقر، فبذرة المشمش إن وضعتها في التراب على ماذا يستقر أمرها بعد سنتين أو ثلاث؟ ستُعطي ثمر المشمش، هل تعطيك الكرُنْب؟ [الكرُنْب: الملفوف، وهو نوع من الخضراوات]؟ وإذا زرعتَ بذر الشوك إلى أيّ شيء يستقر هذا الزرع وينتهي؟ سيخرج الشوك، وهكذا.. وإلى أيِّ شيءٍ استقرَّ أمر الجاحدين والمعاندين للنبي ﷺ؟ استقر أمرهم إلى الهزيمة والخزي والذل، والذي أصرَّ إلى جهنم وبئس المصير، والذين آمنوا وصدَّقوا واتَّبعوا وأطاعوا وأحبُّوا وبذلوا النفس والنفيس في سبيل الله ومرضاة رسوله ﷺ سَعِدوا وأَسعدوا، وتنعَّموا في الدنيا والآخرة قلبًا وروحًا وجسدًا ودِينًا ودنيا.
من موعظة الله تعالى ذكر قصص الأمم السابقة:
قال: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ﴾ [القمر:4] مِن أنباء الأمم وأنبيائهم؛ قوم نوح مع نوح عليه السلام، وقوم عاد مع نبيهم هود عليه السلام، وثمود مع نبيهم صالح عليه السلام، وهكذا كل الأنبياء، فمَنِ استجاب مِن قوم لوط عليه السلام نجَّاه الله معه، وامرأته لم تؤمن فأهلكها الله في جملة الهالكين.. وفي الأنبياء قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر:51].. نسأل الله أن يثبِّتنا، والنجاح لمن يصمد، وقيل: “مَن ضحك أخيرًا ضحك كثيرًا”، هلتر انتصر في أول الحرب سنة وسنتين وثلاث، وبعدها بدأ التراجع والهزائم، حتى مات أشنع ميتة، فـ”الآخرة يا فاخرة” [مثل شعبي يعني أن الأمور بخواتيمها].
قال: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ﴾ [القمر:4] مِن أنباء الأمم المكذِّبة الكافرة التي رفضتْ العلم وآثرتْ الجهل، ورفضتْ العقل وآثرتْ الحمق والسفه وتكذيب الواقع، ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ [القمر:4] قال: إنَّ هذه الأنباء تكفي لتزجرهم عن غيِّهم وحماقتهم، وعن كفرهم وإصرارهم، وكان يجب أنْ تكون قصص الأنبياء خيرَ عِظَةٍ لهم، وقد قيل: “السعيد مَن اتَّعظ بغيره، والشقيُّ مَن صار موعظةً لغيره”.. ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يونس:43] يرون جسداً، لكن لا يرون النبوَّة ولا عِلمها وحكمتها وسعادتها وإسعادها، وبعض الناس يرون الشيخ كجسم؛ طوله وعرضه وثيابه، ولكن ليس هذا المقصود مِن الشيخ، بل المقصود من الشيخ عِلمه وحكمته وتربيته والسعادة بصحبة هذه المعاني والتطلُّب لها، أمَّا إذا نظرتَ إليه كجسدٍ أو كقريبٍ مثل أبيك أو أخيك أو عمك أو ابنك، أو لك مصلحة دنيوية، فهذا النظر لا يُفيدك، بل عليك أنْ تنظر إلى معنى الشيخ، ومعنى النبوة، وإلى معنى القرآن، ولو قرأتَه وما قصدتَ المعنى فلا تستفيد منه شيئًا.
قال: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ﴾ [القمر:4] مِن أخبار الأنبياء والذين آمنوا وكيف كان مصيرهم في الدنيا والآخرة، وأخبار الذين كفروا وكيف كان سوء مصيرهم، ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ [القمر:4] هذه الأنباء تكفي للموفَّق لأنْ تُسعفه وتنقذه مِن غرق الشقاء والخذلان، لكنَّ الجرذ مهما حاولتَ أنْ تغيِّر طبعه ليكون مثل طبع النحل، وقلتَ له: اذهب إلى الورد والزهور والحدائق وشُمَّ الروائح الطيبة، وخذ الرحيق واصنع العسل.. أو قلتَ للدبور: أنتَ أكبر وأحلى، انظر إلى هذه التي هي أصغر منك ماذا تفعل! ولكن كيف إذا كانت النفوس حقيرة وصغيرة؟ وقد تكون النفوس طيِّبة ولكن تفسد بصحبة المفسِد وبصحبة الفاسد، لذلك قال النبي ﷺ: ((الْجَلِيسُ الصَّالِحُ كَحَامِلِ الْمِسْكِ)) وهل يجوز أنْ تألف الجليس السوء لأن النبي ﷺ قال: ((الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ)) ؟ وهل يصح أنْ تألف الثعبان وتضعه جلدك تحت القميص، وتقول: أفعل ذلك لقوله ﷺ قال: ((الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ))؟
كل إنذارات الله تعالى ما استفاد منها المشركون:
﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ [القمر:5] أعطيناكم الحقائق بواقعها ووضوحها، وبما لا يبقي أدنى ذرةٍ مِن شَكٍّ، وبمنتهى البلوغ ومنتهى العظمة ومنتهى تحقيق الهدف، لكن بعض الناس ما أفادتهم ولا أغنتْ عنهم مِن الله شيئًا: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر:5]، كلُّ هذه الإنذارات والإرشادات والحِكم كما قلنا: “المَنْحُوْس مَنْحُوْس” [مثل قولنا: “الإنسان السيء سيء” يعني هو هكذا ولا تستطيع تغييره] ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة:6] إذا أخذتَ الغراب إلى أعظم مدرسة موسيقى ليصير صوته مثل صوت الشحرور فهل هذا ممكن؟ والذئب مهما تعبت فيه وبتربيته، قيل: “إن مِن التعذيب تهذيب الذيب”، فإذا خُلِق الإنسان ونفسه نفس الذئاب، فيه الغدر والمكر والإيذاء والإفساد في الأرض، فمهما اشتغلتَ به يكون صعبًا، ولكن مِن الناس مَن هم قابلون للخير وقابلون للشر.. والأوربيون لهم الاختصاص بالإحصاء قالوا: إن خمسة بالمئة مِن الناس مجبولون على الخير لا يستطيعون قَبول الشر، ومجبولون على الإصلاح، فلا يستطيعون عمل الإفساد، وخمسة بالمئة أشرار مفسدون في الأرض، ولا يمكن أنْ يكونوا مصلحين، وتسعين بالمئة قابلون للخير، فإذا صار مجتمعهم مجتمع الخير وأصحابهم خيِّرين فهم قابلون لأن يصيروا خيِّرِين، وإن كان مجتمعهم شريراً فاسداً فهم قابلون لأن يصيروا أشرارًا وفاسدين ومُفسِدين، لذلك أمر النبي ﷺ بصحبة الجليس الصالح، وحذَّر مِن صحبة الجليس السوء.. “قل لي مَن تجالس وأنا أقول لك من أنت”.
قال: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ [القمر:5] فمهما غنَّيتَ للصُّمِّ هل يفيدهم الغناء؟ ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر:5] المنحوسون مهما أنذرتهم ووعظتهم لا يستفيدون.
قال: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ [القمر:5] كانت من الأنباء وما أنذزهم الله تعالى به ورسالة النبي ﷺ.. والحكمة البالغة هي القمة والذروة في الدليل والبرهان العقلي والمنطقي والواقعي والحقيقي.. قال: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر:5] فإذا أردنا أن نعلِّم الغراب صوت الشحرور فلم يتعلَّم فهل الحقُّ على المعلِّم أم على التلميذ؟ ولكن ابن الشحرور حين يسمع أباه وأمه يغرِّدان أمامه فإنه يغرِّد معهما.. فأسأل الله أن يجعلكم شحارير، ولا يجعلكم غربانًا.
القرآن بعد قريش موجه لنا:
﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ [القمر:5] فهذا لقريش، وقريش ذهبتْ وانتهتْ، وهذا القرآن الآن موجَّهٌ لنا، فإذا رأيتَ الحقيقة مثل انشقاق القمر هل تؤمن؟ سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ما احتاج إلى معجزةٍ، وما طلب مِن النبي ﷺ آيةً، لأن النهار هل يحتاج إلى دليل؟ والشمس إذا كانت ساطعةً وقال شخص: لا أؤمن بوجودها إلا أنْ تأتيني بدليلٍ، فهذا لا يوجد فيه عقلٍ، ومَن لا يمتلك عقلًا لا ينفعه أنْ تكلِّمه.. كلُّ الآيات موجَّهةٌ لنا، وكذلك معجزات النبي ﷺ مِن انشقاق القمر وسواه.. والقرآن منذ خمسة عشر قرنًا، ورغم كلِّ أعداء الإسلام وكلِّ حروبهم وتدجيلهم على الإسلام وكذبهم وافترائهم لكن لا زال الإسلام.. والبارحة زُرْنا أحد الشيوخ من السودان، جاء مِن أوروبا، وهو منذ ستة أشهر في جولة دعوية، وقد صار عدد من معه في ألمانيا ثمان مئة، وفي فرنسا سبع مئة، وفي أمريكا ألفين أو ثلاثة آلاف، وذلك بالرغم مِن كل تبشيرهم واستشراقهم وكل دعايتهم، فإذا وضعتَ كفك على الشمس لتحجبها ماذا تحجب منها؟ تحجب ضوءها عن عيونك فقط، ولكن هل تستطيع أن تحجبها عن الدنيا بكفِّك؟
لذلك فإن الحقَّ حقٌّ، ولا أحدَ يقدر أنْ يهزم الحقَّ، وإنّ الباطل باطلٌ ومهما انتصر فهو منهزمٌ، فإذا رأينا الآيات والأدلة على صحة الأشياء وأنها طريق السعادة فيجب أن لا نكون مثل أشقياء قريش ﴿يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر:2]، ومِن الناس مَن يتكلَّم عن ورثة النبي ﷺ أشكالًا وألوانًا، مثلما كانت قريش تتكلَّم عن النبي ﷺ أشكالًا وألوانًا، فهل أضرُّوا بالنبي ﷺ؟ وهل انتفعوا بما قالوا؟ النبي ﷺ بقي نبيًّا، والدعوة انتشرت، وهم خَسِئُوا وخُذِلوا في الدنيا والآخرة، وكذلك جاءتهم أنباء فرعون وعاد قوم هود وثمود، ولكن الذين كفروا عادَوا النبي ﷺ.. ونحن أيضًا جاءتنا أنباء أكثر مِن الأنباء التي أتت إلى قريش، لذلك فإذا أعرضنا عن الإسلام [فخطاب الله لنا أيضًا، والعقوبة شديدة] والمسلمون اليوم مُعرِضون عن الإسلام، لأنه لا يمكن أنْ يجتمع إسلامٌ وهزائم، ولا إسلامٌ وذلٌّ، ولا إسلامٌ وفُرقَةٌ، ولا إسلامٌ وجهلٌ وتخلُّفٌ، ولا إسلامٌ وفقرٌ، ولا إسلامٌ وحمقٌ وظلمٌ، ولا إسلامٌ وأن نرى المنكر ولا نُنكِر ونرى المعروف متروكًا ولا نأمر، هذا كلُّه ليس بإسلامٍ.. تستطيع أن تسمِّي نفسك رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو رئيس جامعة، وهل يكون هذا بالتسمية؟ فإذًا سنعاقَب نحن المسلمون أيضًا إذا لم نتَّبع القرآن، ولم نقرأه للعلم والعمل آيةً آيةً وجملةً جملة، وليس المهم أنْ تقرأه وتجوِّد ألفاظه وحروفه، بل المهم أن تجوِّد وتُجيد فهمه، ولن تُجيد فهمه الفهم الذي يُوجِب العمل إلا إذا صار لك قلبٌ، ولا يكون لك قلبٌ إلا إذا صرتَ مدمنًا [على ذكر الله]، لا مدمناً على المسْكِرات أو مدمناً على الكلام الفارغ، انظر إلى الناس في مجالسهم! يجلسون ساعةً وساعتين وثلاث، وما فائدة جلستهم؟ كله كلام فارغٌ، فلا أمرٌ بمعروفٍ ولا نهيٌ عن منكَرٍ، ولا إصلاحٌ بين الناس، ولا علمٌ ولا تعليمٌ، كل كلامهم: ذهبنا وجئنا وشربنا.. ولا فائدة منه بشيء، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون:3] هذه صفة المؤمنين.
واليوم ما هي صفة الناس؟ هل صفتهم ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون:3] أم على اللغو مقبِلون؟ وهل منشغلون أم منعزلون؟ وليته كان لغوًا! ولكن مع اللغو يوجد حرامٌ وإثمٌ وغِيبة، اللغو: “أكلنا وشربنا وذهبنا وجئنا” فلا يوجد في كلامهم ضرر ولا نفع، أمَّا الإثم فهو معصية الله، فالغِيبة معصية، والنميمة معصية، والإفساد بين الناس معصية، فمجالِسهم كلُّها معاصٍ، وليس شرب الخمر وحده معصية ولا الزنا وحده معصية، بل الغِيبة أشد مِن الزنا، لأنَّ الزنا بينك وبين الله، وإذا تُبتَ يتوب الله عليك، أمَّا الغِيبة فإن الله لا يتوب عليك حتى يُسامحك الذي اغتبتَه، فأين الفقه والمربي؟ وهل صرتَ نجَّارًا بمعلِّمٍ أم مِن غير معلِّم؟ [يجيب بعض الحضور بقولهم: بمعلم] هل صرتَ حدَّادًا بمعلِّم أم مِن غير معلِّم؟ وهل صار أبو بكرٍ رضي الله عنه بمعلِّم أم مِن غير معلِّم؟ وهل صار خالد بن الوليد رضي الله عنه بمعلِّم أم مِن غير معلِّم؟ الإسلام الحقيقي أعظم مِن كلِّ شيءٍ في الوجود، والإسلام الحقيقي الذي هو: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:8]، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم:47]، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [النحل:30]، هذا هو الإسلام، والآن صرنا بلا دنيا ولا آخرة، مثل فقراء اليهود.
الإسلام الحقيقي هو الدنيا والآخرة:
إذا كُنتَ ذا عِلْمٍ وَلم تَكُ مُوسِرًا فَأَنتَ كَذِي رِجْلٍ وَلَيسَ لَها نَعلُ
إذا كنتَ عالِمًا لكنك مفلس، “فأنتَ كذي رِجل وليس لها نعل” مع أنَّ العِلم الحقيقي هو الذي يُغنِي صاحبه، أمَّا العلم القِرائي فهو: “قرا وما درى” فهذا لا يُفيد، أَمَا كان النبي ﷺ عالِمًا؟ وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ رضي الله عنهم أَمَا صاروا أغنياء بالعلم؟ صاروا كما قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [النحل: 30]. وقال عن المغضوب عليهم مِن اليهود: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ أي استيلاء العدو ﴿وَالْمَسْكَنَةُ﴾ [آل عمران:112] أي الفقر، فالله جعل الفقر سِمة الكفر، والشعوب الإسلامية اليوم كلُّها فقيرة وكلها مَدِيْنَة، وهي مدينة بالربا لأعدائها، فهل هذا إيمان؟ هذا ليس بإيمانٍ.
“إذا كنتَ ذا علمٍ ولم تكن موسرًا” ومِن أين يأتي اليسار والغنى والثروة؟ من الجدِّ والعقل والأخلاق والاستقامة وأن لا تُضيِّع مِن وقتك دقيقةً واحدةً، فلا تذهب دقيقة بلغوٍ أو سهراتٍ أو ذهاب أو جلوسٍ مع السفهاء، وما هو السفيه؟ السفيه هو الذي يكون سريع الغضب، قليل العقل، يغضب فورًا، وليس عنده نظرٌ بعيدٌ، هذا اسمه السفيه، أو هو الذي يَضَعُ المال في غير موضعه.
قال تعالى: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ [القمر:5] حقيقةٌ نقدِّمها لكم بكلِّ جِهاتها، وليس فيها باطلٌ ولا حتى ذَرَّة من باطل، وبالغةٌ: أي في منتهى الأبعاد ومنتهى الشرائط والحقائق، ومع ذلك ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر:5]، ما أفادتهم، وهذا نفيٌ، وإذا كان استفهام كأنَّ الله تعالى يقول: ما الفائدة منهم؟ كالميت لو أحضرتَ له العروس وهي ملكة جمال هل يأتيه أولاد؟ والميت لو أحضرت له أم كلثوم، وغنَّت له هل يستفيد شيئًا ويَطرب؟
وإنْ كُنتَ ذا مالٍ وَلَم تَكُ عالِمًا فَأَنتَ كَذِي نَعلٍ وَلَيسَ لَها رِجْلُ
غني ولكن لا يوجد عنده عِلم بالإسلام، والعلم هو الذي يُوجِب العمل والهمة والأخلاق، فيُحِبُّه الناس ويُحبُّهم، و((يأَلف ويؤلف))، يألف الفضلاء والسعداء، ويألفه الناس لِحُسن أخلاقه، وهذا ضمن حدود الله وضمن أحكام الله.
وإنْ كُنتَ ذا مالٍ وَلَم تَكُ عالِمًا فَأَنتَ كَذِي نَعلٍ وَلَيسَ لَها رِجْلُ
“ولم تك عالِمًا”: أي لا تصرف المال في مواضعه، بل في الحرام أو المعاصي أو المباهاة “فأنتَ كذي نعل وليس لها رِجل” أرجله مقطوعة مِن الرُّكب، وذهب إلى السوق ليشتري حذاءً، فهذا مجنونٌ، أليس كذلك.. نسأل الله أن يحمينا من الجنون.
وَإنْ كُنتَ ذا فَقْرٍ وَلَم تَكُ دَيِّنًا فَأَنتَ كَجِرْذَونٍ وَلَيسَ لَهُ ذَيلُ
“وإنْ كنتَ ذا فقرٍ ولم تكن دَيِّنًا” فقير وليس له دِين مِثل فقراء اليهود “فأنتَ كجرذون وليس له ذيل”: جرذٌ مقطوع الذنب، يعني ليس جرذًا فقط، بل مشوَّهاً أيضًا.. نسأل الله أنْ يحمينا مِن الجرذنة [يعني صفات الجرذون] حتى ولو كان جرذًا كاملًا بذنب هل تقبلونه؟ وهل تقبلونه إذا كان بلا ذنب؟
مصير المنكرين وغير المهتمين بيوم القيامة:
قال تعالى: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾ [القمر:6] عن الذي لا يقبل، وقد قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً﴾ [القمر:1] دليلًا واضحًا، فالأرض والسماء [كل شيء] تقول: هذه شمسٌ، وهو يقول: ليست شمسًا، فالكلام معه حرامٌ وتضييعٌ للوقت، قال: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾، واذكر ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ [القمر:6] حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصُّوْر النفخة الثانية ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين:6] للحساب، في ذلك الوقت سنرى هؤلاء الذين أعرضوا وقالوا: إنه سحر، وكانوا يتكلَّمون بأهوائهم، يقولون عن الفجل إنه ألماس، وعن الألماس بطاطا، وعن الدبس رمل، وعن الرمل بقلاوة.. ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ اُذْكُرْهم وتذكَّر وذكِّرهم ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ وهو إسرافيل عليه السلام ﴿إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ [القمر:6] وهو محاسبتهم على جناياتهم وجرائمهم، ولو كان مَلِكًا فلا يوجد هناك مَلِكٌ ولا لواء ولا قاضٍ ولا شيخ ولا مُفتٍ ولا غنيٌّ ولا غنًى، قال: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾ [القمر:6] إذا كانوا بهذا العناد فلا تُضيِّع وقتك معهم، ولا تحزن عليهم، فلهم ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران:162].
﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ [القمر:6] يوم يرَون مواقف يوم القيامة، وتضع ملائكة العذاب الأغلالَ في أعناقهم وتضربهم بالسياط مِن النار بين أكتافهم، ويُسحبون ﴿عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيًا وَبُكۡمًا وَصُمًّاۖ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ﴾ كلَّما قاربت أنْ تنطفئ ﴿زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء:97].
﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾ [القمر:7] إذا أَدخلوا مجرمًا إلى المحكمة، هل يدخل وهو فاتحاً عينيه أم خافضاً رأسه من الذل وواضعاً بصره في الأرض من الهوان؟ وكذلك هؤلاء يُحشَرون يوم القيامة، فتصير القيامة عندهم شيئاً مُسْتَنْكراً وشيئاً عظيماً هائلاً، ويستجيبون إلى الداعي ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ [القمر:7] الأجداث يعني القبور، والجَدَث هو القبر ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ [القمر:7] فالأمم كلُّها تخرج، مثل الجراد حين يقبل ويملأ الفضاء، كذلك يوم القيامة أرض المحشر تكون مملوءةً كما يملأ الجراد الفضاء، ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ [القمر:6] إذا دعاهم الداعي إلى المحكمة هل يستطيعون أنْ يتأخَّروا؟ وهل يستطيع أحدهم أنْ يقدِّم تقريرًا طبِّيًّا؟ وهل يستطيع أن يهرب؟ ﴿مُهْطِعِينَ﴾ [القمر:7] مسرِعين، لا يستطيع أنْ يتخلَّف لحظةً واحدة، وبكل طاقته وسرعته يحضر المحاكمة، ومَن الحاكم؟ ومَن القاضي؟ الله تعالى، ومَن الشهود؟ الشهود: كلُّ أعماله مسجَّلةٌ بالفيديو الإلهي، ويقول له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ﴾ [الإسراء:14] واقرأي كتابكِ.. عينك التي نظرت.. إن النظر في وجه العالِم بالله العارف بالله عبادة، و”النظر إلى وجه العالِم العبادة” فنظرة الحب ونظرة العِشق في وجهه هي عبادة، فإذا نظرت للعالم نظرة الازدراء ونظرة البغض أو العِداء فهل هذه عبادة؟ هذه مِن أشدِّ المعاصي ((مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِحَرْبِ)) ((ومَن حاربتُه فقد قصمته)) .
قال: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ [القمر:7-8] ما معنى مهطعِين؟ أي مستجيبِين بسرعة ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر:8] سوف نحاسبه حسابًا عسيرًا كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ [الانشقاق:10-11]، يُوَلْوِل على نفسه، وماذا يعني الويل؟ يعني الهلاك والدمار والشقاء الأبدي، ﴿وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق:12-13] لم يكن عنده غير الرقص والخمر مختلطين نساءً ورجالاً، وأشكالاً وألواناً من المعاصي، ولا يَسأل عن الله تعالى، ولا عن النبي ﷺ، ولا عن القرآن والوحي، إنما هو في جاهلية، بل أسوء مِن الجاهلية في زمن قريش، وإذا قلنا عن حالنا وواقعنا إنه إسلام، فإننا نُهين الإسلام.. ﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ [الانشقاق:13-14] ظنَّ أنه [كما كان يقول:] “بَلا قيامة بَلا بَلُّوْط” [من المقولات الشعبية في العامية السورية، تُقال للاستخفاف بالشيء واحتقاره، والبَلُّوْط شجر معروف، وربما لم يكونوا يرون فائدة من ثمره فضربوا به المثل، فهو قاس.. وفي اللهجة السورية يضعون في هذا القول أيَّ كلمة في البداية يريدون الاستخفاف بها ثم يضيفون: بَلَا بلوط.. فيقول مثلاً: “بلا عِلم بلا بلوط” بمعنى: لا علم أهتم به ولا بلوط، فهما عندي سواء]، “ما في محاكمة ولا شيء”. [ما في محاكمة ولا شيء: استخدام في اللهجة العامية، بمعنى أنه لا توجد محاكمة ولا شيء من هذا القبيل]
وَلَو أَنَّا إذا مِتنا تُرِكْنا لَكَانَ الموتُ رَاحَةَ كُلِّ حَي
وَلَكِنَّا إذا مِتنا بُعِثنا ونُسأَلُ بَعدَ ذا عَن كُلِّ شَي
فلا شبابك يدوم، ولا قوتك ولا غِناك ولا حُكمك يدوم، فإذا جاء السبع ليأكلك، وأغمضت عينيك كيلا تراه، فهل هذا يُفنِي وجود السبع لأنك أفنيتَ وجوده في عيونك؟ بل سيأكلك لقمة سائغة مِن غير أن يركض وراءك وتهرب أمامه، مِثل النعامة حين يأتي الصيَّاد تخبِّئ رأسها وراء شِيْحَة [الشِّيْحَة: نبات صحراوي] اعتقادًا منها أنها إذا كانت لا ترى الصياد فهو لا يراها، وهذا منتهى الحمق.. اليوم نحن في الدنيا، وأين آباؤنا وأمهاتنا ورفقاؤنا وأبناؤنا وأخواتنا وجيراننا؟ أين هم؟ سيدنا عمر رضي الله عنه كان قد كتب على خاتمه: “كفى بالموت واعظًا يا عمر” .
وما معنى الموت؟ يعني الحساب والمصير النهائي.. نسأل الله تعالى أنْ يرزقنا الإيمان بالله وباليوم الآخر، فإن اليوم الآخر إذا حافظتَ على الإيمان به فإنك ستكون سعيدًا في الدنيا والآخرة.. وكثيرٌ مِن إخواننا رضي الله عنهم كانوا فقراء، وليس عندهم شيءٌ، وبعد أن أنهوا الخدمة العسكرية بسَنَةٍ أو سنتين، [الخدمة العسكرية في سوريا إلزامية على كل سوري ذكر، حيث يلتحق بها في سنّ التاسعة عشر أو ما بعد] وبتربية الجامع التربية الإسلامية صاروا موضع ثقة الناس، وبهمة الإيمان: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) ، ((إنَّ اللهَ يَكرَهُ العَبدَ البَطَّالَ)) ، في الإسلام ليس هناك بطالة، وإنْ لم يكن لك عملٌ في الدنيا فاعمل بعمل الآخرة، واشتغل بذكر الله تعالى.. الناس اليوم يذهبون إلى المقهى أو السينما أو الكلام الفارغ، وإذا لم يكن كلامًا فارغًا وفيه معصية فهذا أعظم سوءًا.
نوح عليه السلام مع قومه:
لقد وصف الله تعالى في الآيات السابقة حال الكافرين من قريش، والآن يُذكِّرهم فقال: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ﴾ [القمر:9] هذا النبي الذي أُوتي العلم والحكمة والأخلاق والحِلم والفضائل والكمالات، وهو أبو الأنبياء، ويُعتبر آدماً الثاني، قالوا عنه: مجنون.. المجانين ماذا يقولون عن العقلاء؟ يقولون عنهم: مجانين، ولكن هل الكلام [الصواب] كلام المجانين أم كلام العقلاء؟ ﴿وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾ [القمر:9] نحن نزجره ليصمت ويغلق فمه ولا يدعو الناس إلى رسالته وإلى أوامر الله واجتناب محارم الله، نزجره فلا ينزجر، وننهاه فلا ينتهي، قال: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر:10] فإذا حصل يأس النبي من أُمَّته، وحصل يأس الدعاة مِن إنسان، ووصل هذا الإنسان لمرتبة اليأس منه بعدها ليس هناك إلا الهلاك، فدعا نوح عليه السلام عليهم: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح:26] ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ [القمر:11] مِثل أفواه القِرَب، كلُّ حبة مطر مِثل فم القربة، ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾ [القمر:12] والأرض نَبَعَتْ ماءً ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾ ماء السماء وماء الأرض ﴿عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر:12]، وما هو الأمر المقدَّر باجتماع الماءين؟ إهلاكهم بالغرق، فقد حكمت عليهم المحكمة بالإعدام بالغرق، ويوجد عند الله عذاب بالحرق وأشكال وألوان، وأنت أينما كنتَ فأنت في “نَظَارَة” الله، [نَظَارَة: كلمة عامية، وهي السجن المؤقت الذي يُوقَف به الناس أو المجرمون لمحاكمتهم والبتّ في أمرهم، حيث يقول الناس: “فلان موقوف في النَّظارة”، يعني في سجن عند المحكمة، وسيصدر الحكم عليه قريباً، فإن كان بريئاً أطلق سراحه، وإن كان مجرماً حولوه إلى السجن] وفي كلِّ لحظة يُطبِّق الله حُكمه عليك، ولو كنتَ أعز ما تكون وأقوى ما تكون وأغنى ما تكون، في لحظة واحدة.. وقد يكون ذلك في جسمك أو مالك أو أهلك أو روحك فيُنهي عُمْرَك وإلى جهنم فورًا.. ونحن لا نهتم ولا نسأل، والناس تظن أنه لا توجد عقوبة مِن الله إلا في الدنيا، ويقولون: إن فلانًا يعمل المعاصي ولم يُصبه شيء.. ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ أجَّل فرعون أربعين سنة، وأجَّل إبليس وإلى الآن لم ينتقم منه، وهل يوجد ألعن منه؟ ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:182]، ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق:17] لا يوجد أحد متروك، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة:8].
توجّه سماحة الشيخ أحمد كفتارو للعلم الشرعي في طفولته:
أنا ذكرتُ لكم أنني كنتُ سأصير طبيبًا، وكنتُ في صفي دائمًا الأول، وأخي رحمه الله أراد الوالد منه أنْ يصير شيخًا، ولكن لم يصر شيخًا، فلمَّا رأيتُه ما صار قلت: ربما يُغلَق بيت العلم بعد وفاة شيخنا، وليس مِن المروءة ولا مِن الشهامة أنْ يُغلق بيت العلم، فتركتُ الدراسة قَبل شهر مِن أخذي للشهادة، ولم أهتم بالشهادة، ولا بالمستقبل، وقد كان الطبيب في ذاك الوقت شيئًا عظيمًا، فمِن أول حيِّ الأكراد إلى آخر المهاجِرِين [الأكراد والمهاجرين: حيَّان من أحياء دمشق على سفح جبل قاسيون] لا يوجد غير طبيبين.. شاهدي: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة:8] فهل ضيَّعني الله؟ يعني لو كنت طبيباً [هل أكون أعلى مما فيه الآن؟] كان مِن مريدِي شيخنا الدكتور مدحت شيخ الأرض هوَّن الله عليه، فقد تجاوز التسعين سنة، وحين يُذكَر شيخنا يبكي كالأطفال، وكان وزيرَ الملك عبد العزيز ومستشاره وطبيبه.. لما رآني لابساً لَفَّة [عمامة] قال لشيخنا: يا سيدي أنا أنتظر أحمد، “ما حْوِيْنْتُهْ؟” [وا أسفاً عليه]، إنّ كلمة شيخ كانت “يا حْوِيْنْتُهْ”.. لأن الشيخ تقليدٌ [وليس حقيقيًّا]، [الشيخ تَقْلِيْد: أي مُزَيَّف وغير حقيقي، وهذا استعمال عامي، وهو في الأساس للأدوات، فنقول: هذه ساعة أو آلة وما شابه تقليد، يعني مُزَيَّفة وغير حقيقية، ولكنها في الشكل مثل الأصلية] وفي التقليد ألا نتأسف على دفع المال؟ كما إذا أخذتَ العروس تقليدًا مِن السوق [الموضوعة لعرض الثياب عليها، أخذتها كزوجة] وهي مصنوعة من الجبصين، ألا تتأسف على المال الذي دفعته من أجلها؟ فأنا بذلتُ مستقبلي لله، وما فكَّرتُ بشيءٍ إلا برضاء الله تعالى، وفي خدمة دِين الله، وإدخال السرور على قلب الشيخ الوالد رحمة الله عليه، وبماذا أكرمني الله تعالى؟ هل ضيَّع لي الشهادة؟ قُدِّمتْ لي ليس دكتوراه واحدة، بل اثنتين والثالثة على الطريق، وفي سفري إلى باكستان دُعِيت مِن قِبَل إحدى الجامعات الكبرى لحضور امتحان للمتقدِّمين برسائل الدكتوراه، وانتخبوني رئيس اللجنة لإعطاء الدكتوراه، رؤساء الجامعات أعضاء فيها وأنا الرئيس، والشهادة تحتاج إلى توقيع الرئيس أولًا ثم الأعضاء، فهل خسرتُ حين تركتُ الطبَّ لله وسلكتُ المشيخة في ذلك الوقت؟ وإلى اليوم فإن المشيخة ليس فيها شيء، بل فقرٌ وضعفٌ، لأنه ما صار شيخًا، ولو صار شيخًا حقيقيًّا واللهِ لهو أعزُّ من في المجتمع، لأن العز الزائل ليس بعزٍّ، والعزُّ الحقيقيُّ هو العزُّ الدائم في الدنيا والآخرة.. وأنا فكَّرتُ في نفسي، فقلتُ: مَن أنا! وإنَّ خمس مئة ألف دكتوراه لا تُشغِل فكري ولا تساوي عندي فِجْلَة.. لكن [أحدثكم بذلك] حتى أقول لكم: إنَّ الذي يَصدق مع الله واللهِ لا يضِّيعه الله تعالى، ((صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ اللهُ)).
صدق الله فصدقه الله:
في بعض المعارك الجهادية كان النبي ﷺ يوزِّع الغنائم بعد الحرب، فقال أحد الصحابة للنبي ﷺ: يا رسول الله، أنا لا آخذ الغنيمة، فأنا أُجاهد في سبيل الله بلا أيِّ مقابل.. مع أنَّ هذا حقُّه، لكن ما رضي أن يأخذ، ثم قال له: أنا أُجاهد معك حتى يأتيني سهمٌ في حلقي ها هنا فأستشهد فأدخل الجنة، هذا الذي أريده، لا غنيمة ولا ما شابه.. فما هذا الإيمان! ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنفال:4]، وفي غزوة أخرى لَمَّا كان النبي ﷺ يوزِّع الغنائم سأل عنه فبحثوا عنه فوجدوه بين الشهداء.. وجاء النبي ﷺ ليراه، فلم يجد به ضرب سيف ولا رمح إلا سهم في حلقه كما طلب، فحقَّق الله له طَلَبه، فقال ﷺ عنه: ((صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ اللهُ)) .
الجسم زنزانتُك يا مسكين:
وما هو الموت يا بني؟ هو خلع ثيابك القديمة التي هي الجسد، لتخرج روحك بدون ثياب، فيُلبِسها الله تعالى ثوبَ إيمانها وثوبَ تقواها، ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف:26].. نسأل الله تعالى أنْ يُلبسنا لباس التقوى في الدنيا والآخرة.. أنت الآن محبوسٌ في جسدك، ((الدُّنيَا سِجنُ المؤمِنِ، وَجَنَّةُ الكَافِرِ)) ، الكافر جنَّته في جسده، والمؤمن جنَّته في جسده وروحه، ولكن نعيم الروح بالنسبة لنعيم الجسد مِثل البحر بالنسبة لنقطةٍ منه، وكما يقول قائلهم
وَمَا كُلُّ جِسْمٍ غَير سِجْنٍ لِأهلِهِ وَآخِرُ آفَاتِ النُّفُوسِ وَفَاتُها
آخر شيءٍ يُزعجك هو الموت، وما هو الموت؟ كما تخلع ثيابك الضيِّقة، فحين تخلع القميص، ويكون ضَيِّقاً عند الرقبة تتضايق قليلاً، أليس كذلك؟ وكذلك بنطالك إذا كان ضيقاً، وكذلك جواربك، وهكذا الموت.. ومِن الناس مَن يرى عند الموت أحبَّ مَن يحبُّ، فقد يرى النبي ﷺ، وقد يرى شيخه، وقد يرى الملائكة بأحسن الصور وبأحبِّ الناس إليه، ومنهم مَن يسألونه: ألا تذهب معنا في النزهة؟
مؤمن يحكي قصة موته في المنام:
أحدهم رأوه بعد الموت فقالوا له: قل لنا: ماذا رأيتَ؟ قال لهم: كنتُ مريضًا ومُتعَبًا، فلا يد ولا رجل إلا وفيها مرض، ولا طعام ولا شراب، ولا أي شيء، وأنا بهذا الحال وبمنتهى العجز والضعف أتاني أشخاص كأني في صُحْبَتِهم طول حياتي، وملكوا قلبي مِن جَمالهم وإيناسهم وحنانهم وعطفهم، فقالوا: ألا تذهب معنا في نزهة لتشمَّ الهواء؟ [شَمّ الهواء تعبير عن الذهاب في نزهة أو رحلة في الطبيعة] فقلتُ: لا أقدر، أَلَا ترونني؟ قالوا: هات يدك! وقل: بسم الله، قال لهم: لا أستطيع، قالوا له: توكل على الله وهات يدك، قال: لا أستطيع! قال: وبمجرَّد أنْ مَدّ أحدهم يده إلي صرتُ أخف من الطير، فرأيتُ نفسي بلا عجز ولا ضعف ولا مرض، وانتهى كل بأس، قال: نظرتُ إلى الفراش وإذ بصورة جسدي بالصفار والنحولة وهيئةٍ مِن أنكر الصُّور، فقَرِفْتُ من جسدي، هل هذا أنا أم أنا هذا؟ أيهما أنا؟ إنّ الجسد مِثل قشر الجوز الأخضر الذي لا يُؤكل، أو القشر القاسي الذي لا يؤكل، ولكن الكلام [الأهمية] للقلب.. قال: فلم أسمع إلا صوت البكاء والولاويل! فهذه تقول: “وْلِي” يا أبي! وهذه تقول: “وْلِي” يا ابن عمي! وهذه تقول: “وْلِي” يا أخي.. [“وْلِي”: الكلمة التي تصرخ بها النساء عند الوَلْوَلَة أو العويل.. “يا ابن عمي”: كثيراً ما تخاطب الزوجة زوجها بهذه الكلمة في سوريا وخاصة دمشق] فقلت لهم: لماذا تبكون؟ لقد تعافيتُ وعدتُ لشبابي.. وكنتُ أتكلَّم مع هذه فلا تسمعني، وأقف أمام تلك فلا تراني، والولاويل تزداد، فقالوا لي: لا تُتعِب نفسك، لا يمكن لأحدٍ أنْ يعلم ما أنتَ فيه، فأخذوني إلى رياضٍ وحدائقَ كلّها زهورٌ، والجو روائحه طيبة، والمناظر لا تخطر على العقول ولا على الأفكار، وبينما أنا في النزهة ما وجدتُ نفسي إلا فوق الجنازة، ثم أدخلوها في القبر، فما وجدت نفسي إلا في القبر أيضاً، وإذا بالقبر مدَّ النظر.. لأنَّ الروح لا يَحجبها جدارٌ ولا أحجارٌ ولا ترابٌ.. كالإنسان إذا كان نائمًا في زنزانة، ورأى نفسه في المنام بأحسن الحدائق وأحسن الحالات، فهل يحسُّ بالزنزانة؟ والجسم زنزانتك يا مسكين، وأنت محافِظٌ على الزنزانة، ومتعلِّقٌ بها، ولا يُنقِذك منها إلا ذكر الله تعالى، والتعلُّق القلبي الحبي بأحباب الله، فيجب أن تحبَّ أحباب الله أكثر مما تحبّ امرأتك وابنك ونفسك: ((حتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ)) ، الحشَّاش لا يصير حشَّاشًا مِن غير أنْ يحب الحشَّاشين، وهل إذا أبغضت الحشَّاش تصير حشاشاً؟ هذا مستحيل.. [الحَشَّاش: مدمن الحشيش، وهو مخدرات معروفة] فإذا أردتَ أنْ تصير مِن أحباب الله تعالى يجب عليك أنْ تفنى فيهم، فأبو بكر رضي الله عنه بماذا صار صِدِّيقًا؟ لأنه ما كان أحدٌ يحبُّ رسول الله ﷺ كحب أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله ﷺ.
فالخلاصة قال: فرأيتُ مِن الجِنان ما يُحَيِّر العقول والأفكار واللسان بالوصف، وبينما أنا كذلك إذ رأيتُ نورًا بين أشجارها، وسمعت أذان الظهر، وسمعت صوت جدول ماء، فشَمَّرتُ لأتوضَّأ، فلمَّا اتَّجهتُ رأيتُ عند الجدول: أيّ ملكة جمال! بل إن ملكة جمال الدنيا كالجرذ أمامها، فهناك ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة:17]، فلما رأيتها وضعت يدي على عيوني: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور:30]، فضحكتْ، فلما ضحكت صار قلبي يضحك معها، فقلت: أعوذ بالله، أستجير بك يا رب! فجاءت إلي وأمسكتني من ذراعي وجذبتني، فقلتُ لها: ابتعدي يا امرأة فهذا حرام! قالت: كيف تقول حراماً؟ فلا يوجد حرام، وأنتَ خرجتَ مِن دار الحلال والحرام، وأصبحتَ الآن في الدار الآخرة، وأنا إحدى خادماتك.. ولماذا تُشَمِّر للوضوء؟ فهنا انتهت الصلاة، والآن لم يبق شيء من ذلك.. قال: هذا ما رأيتُه في الموت، ((والْمَوْتُ تُحْفَةُ المُؤْمِنٍ)) .. نسأل الله أنْ يجعل موتنا موت المؤمنين الفضلاء الكامِلِين، ويُخرِج مِن قلوبنا ما سوى الله تعالى، ولا يجعل في قلوبنا إلا حبَّ الله وحبَّ أحباب الله وحبَّ العمل الصالح الذي يُحبُّه الله، ((اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ صالحٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ)) .
دروس الله تعالى لنا من قصص السابقين:
بعد أن ذكر الله تعالى ما ذكر لقريش في حق النبي ﷺ، ذَكَّرَهم الآن في قوم نوحٍ عليه السلام، وكيف عاملوه وقاوموه وآذوه وعارضوه، وكيف ما تركوا شيئًا إلا فعلوه به، وفي تسع مئةٍ وخمسين سنة! فكيف لو كلَّف الله الدعاة تسع مئة وخمسين سنة؟ معنى ذلك علينا أنْ نصبر، فالمؤمن عليه أنْ يصبر على أخيه المؤمن، وإذا ما استجاب مرةً واثنتين وثلاثاً فليتذكَّر قصة سيدنا نوح عليه السلام، وليتذكَّر النبي ﷺ: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر:8]، ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ يعني ستُهلك نفسك ﴿إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف:6]، ستُهلك نفسك أسفًا لأنهم ما آمنوا.. ﷺ ما أشفقه! ما أرحمه! وما أحنَّه على أمته! ومع ذلك قال الله تعالى له: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُم﴾ [المنافقون:6]، فقال: ((خَيَّرنِي رَبِّي، فَسَأَستَغفِرُ لهم)) فأنزل الله عليه: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة:80]، قال: ((سَأَزِيدُ ربي على السبعين استِغفارًا)) وحين أنزل الله تعالى: ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة:80] توقَّف عن الاستغفار .
نوح عليه السلام في حفظ الله وعنايته:
﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ [القمر:11] فإذا خرج الحُكم التَّمْيِيْزِي الأخير الإلهي [يُقصد بالحكم التَّمْيِيْزِي الحكم الذي تصدره محكمة التمييز وليس له نقض أو طعن] فلا شيء يحميك مِن عذاب الله، ولا يوجد شيء يستطيع أن يُنقِذك مِن غضب الله.. ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾ [القمر:12] الماء مِن السماء كأفواه القِرَب، وفُجِّرتُ الأرض عيونًا ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر:12] ما هو الذي قُدِر؟ هلاكهم وإعدامهم غرقًا بالماء، لأنه استغرق عمره في هدايتهم فلم يستجيبوا، فكما أنه استغرق عمره في التعب فيهم فلم يستجيبوا، أراد الله تعالى أن يُقابل الغرق [الاستغراق] بالغرق.. ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر:13] الدسر: المسامير، يعني هذه سفينة مصنوعة بشكل دقيق ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر:14] يعني أن الله يُلاحظه، ولو كان في موج كالجبال، فما دمت بأعيننا فأنتَ محفوظٌ، وأنتَ دائمًا تحت إشرافي، وعيني لا تتركك أبدًا، وأيضًا إذا أصبحتَ أنتَ بعين الله تعالى، وبرعايته وبعنايته فلا تخف.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يتولَّانا برعايته.. ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة:152]، ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة:40]، اعتنِ بأمر الله تعالى يعتنِ الله بك، أمَّا إن تنساه فإنه لا يذكرك، وإنْ تنقض عهده لا يوفِ بما وعدك، لأنك أنتَ نقضتَ العهد ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ لكن قال: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لي﴾ إذا دعوتهم ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:186] إلى سعادتهم.
نعمة المرشد الهادي من أعظم النِّعَم:
قال: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر:14] تحت ملاحظتنا وإشرافنا وقيادتنا ومراقبتنا، ﴿جَزَاءً﴾ مكافئةً ﴿لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ [القمر:14]، كان نوحٌ عليه السلام نعمة الله عليهم ليُسعِدهم بالعلم والحكمة، فكفروا بنعمة الله، وكذلك وجود الشيخ نعمةٌ، فمَن كفر بهذه النعمة يصير مثل قوم نوح لَمَّا كفروا بنوح عليه السلام نعمةِ الله عليهم، فأغرقهم الله بماءٍ قد قُدِر، ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ وهو ماذا حدث له؟ تجري سفينته تحت عناية الله ومراقبة الله وألطاف الله، ﴿جَزَاءً﴾ ومكافئةً ﴿لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ [القمر:14] كان نعمة الله عليهم فكفروا بهذه النعمة، ووجود الشيخ نعمة، فإذا شكرتَ الله تعالى على هذه النعمة وعرفتَ قدرها، وأنزلتَها منزلتها: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم:7].
﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً﴾ [القمر:15] برهانًا ودليلاً على أنَّ الذي يَحيد عن صراط الله تعالى، ويُعرِض عن أنبياء الله وورثة أنبياء الله فهذا مصيره السيئ ومصيره المهلِك، ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر:15]، هذه الذكرى! فهل تذكِّرتم؟ وهل صحوتم؟ وهل حرَّكتُم عقولكم؟ هل مِن مدَّكِر؟ ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر:16]، أنذرتُهم ليس إنذارًا واحدًا أو إنذارَين بل إنذارات متعددة، أمَّا العذاب فمرَّة واحدة، ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ كلّ مَن يقرؤه يستطيع أنْ يفهمه ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر:17] المدَّكِر المتَذَكِّر والذي يتفهم، ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق:37].
هذا القرآن ليس لقريش فقط، لأن قريشًا آمنتْ، وصاروا أبا بكر وعمر وعثمان وعليَّا والعشرة المبشرين بالجنة، وهذا القرآن الآن لكم أنتم الذين في الجامع لتصيروا مِثل ما صارت قريش ضمن مدة محددة، فمنهم مَن استجاب لله ورسوله مِن أول يومٍ، ومنهم بعد أيامٍ، ومنهم بعد شهور، ومنهم: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة:6] كأبي جهلٍ وأبي لهب.. نسأل الله أنْ يجعلنا كأبي بكر رضي الله عنه نستجيب بكلمة واحدة ولا نحتاج إلى كلمتَين، وإذا صارت كلمتين فلا بأس، لكن بألف كلمة، ومئة ألف كلمة ولا نستفيد فهذا معناه موت.. نسأل الله أن لا يُشقيَنا، وأنْ يتوب علينا توبةً نصوحة، وأنْ يجعلنا مِن أهل القرآن ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) ، لا أنْ تقرأه، فإذا قرأتَه وما فهمتَ فلا يوجد فائدة، وكذلك إذا فهمتَ وما عملتَ، وإذا عملتَ وما علَّمتَ غيرك، فأنت مسؤولٌ أيضًا عن الآخرين: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة:71] متكافِلِين متضامِنِين، فالتقيُّ يجب عليه أنْ يأخذ بيد الشقي، والصالح يأخذ بيد الطالح، والمستقيم يأخذ بيد المنحرِف، وذلك على طريقة النبي صىلى الله عليه وسلم، فالنبي ﷺ لم يترك أبا جهل وأبا لهب حتى آخر ساعة، وهذا بالرغم مِن كل شيء، وبالرغم من أن الله تعالى قال له: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة:6] يعني لا فائدة منهم.. فقال: رغم أنه لا فائدة منهم، ولكن أنا حين أعمل هل آخذُ أجرًا أم لا؟ بما أنَّ الأجرة مستمرة فاعمل، فإذا لم يستفد هو تستفيد أنت بنيَّتك وجهدك وجهادك.
﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر:1] هل أنتم مستعدُّون لأنْ تفهموا هذه الآيات، وأن نعمل بها لأنفسنا، ثم لأهلينا ولعائلتنا وأقاربنا وأصدقائنا، وفي سوقنا وأينما كنَّا؟ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكَر.
كُلُّ عَصْرٍ فِرعَونُ فِيهِ وَمُوسَى وَأَبو الجَهلِ في الوَرَى وَمُحَمَّدُ
يعني أنَّ هناك مَن ينوب عن محمد ﷺ وكيلًا، وهناك مَن ينوب عن أبي جهل وكيلًا.
يكفي إلى هنا.. اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، اللهم اجعلنا هادين مهديِّين، ولا تجعلنا ضالِّين ولا مضلِّين، ولا تُخزنا لا في الدنيا ولا يوم الدين.