تاريخ الدرس: 1993/01/22
في رحاب التفسير والتربية القرآنية
مدة الدرس: 01:33:20
سورة الجمعة، الآيتان: 1-2 / الدرس 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة والتّحيّات الزّكيّات المباركات على سيّدنا محمّدٍ، سيّد ولد آدم، وعلى أبيه أبي الأنبياء سيّدنا إبراهيم، وعلى أخَوَيه سيّدنا موسى وعيسى من أولي العزم، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومن تَبِعهم وأحبّهم إلى يوم الدّين، وبعد:
عِظَم خلق الله عزَّ وجلَّ:
فنحن في تفسير سورة الجمعة، يقول الله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة:1]، ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ فالله هو الملك، وهو مالك الكون بسماواته وأراضيه ونجومه وكواكبه وبحاره ومخلوقاته، مالك أرواحهم ووجودهم وخالقهم من العدم.. وبقاؤهم إلى أجل مُحدّد، فكلّ ما في هذا الكون يَعرِف من خَلَقه، ويصلّي لمن خلقه، يقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [النور:41] يعني اُنظُر! إن كانت لك عيونٌ تنظر.. وهذا الخطاب -بعد رسول الله ﷺ- لكلّ قارئٍ للقرآن ولكلّ إنسان، أمّا النّبيّ ﷺ فهو صاحب البصيرة التي لا بصيرة بعدها.
معنى التّسبيح:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور:41] “ألم تَرَ”: معنى ذلك أنّ النّبي ﷺ كان يرى وكان يسمع.. أتى أعرابيّ إليه ﷺ وقال له: أنا لا أؤمن بك، فأخذ النّبي ﷺ كفّاً من حصى، وإذا بالحصى تُسبّح في كفّ رسول الله ﷺ 1 ، فسمع الأعرابيُّ وكلّ الحاضرين [تسبيح الحصى]، فلمّا رأى أنّ الأحجار الصّمّ تعرف ربّها وخالقها، وتأثّرت بملامستها لكفّ رسول الله ونبيّه ﷺ، فأسلم بإسلام الأحجار، وآمن بعد إيمان الحصى.. ﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ﴾ [النور:41] باسطةٌ أجنحتها في الهواء: ﴿كُلٌّ﴾ من في السّماوات ومن في الأرض، والطّير وكلّ هذه المخلوقات: ﴿قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور:41].
والتّسبيح هو معرفتك للأشياء بحقائقها.. فإذا عرَفت الألماس تقول: إنَّ قيمة هذا الحجر مئة ألف دولار، أو عشرين مليون ليرة، أمَّا إذا قال لك أحدهم عن هذه الألماسة: إنّها زجاجة، فتقول له: لا، عليك أنْ تُنزّه عقلك عن هذا الفَهْم الخاطئ، فاعتقادك بأنَّ الألماس زجاج هو ضدّ التّسبيح.
لأنَّ التّسبيح هو معرفة الكمال في الأشياء، وتنْزِيهها عن النّقائص المضادّة لكمالاتها، وكذلك تسبيحنا لله تعالى، هو إيماننا بكماله المطلق واللّانهائيّ، في ذاته وصفاته وأسمائه وتشريعه ووحيه وقرآنه وأقداره وخلقه.
وكل ما في السّماوات يسبّح لله تعالى، بما فيها من مجرّاتها وكواكبها وأجرامها وشموسها وأقمارها، وكلّ ما في الأرض وما فيها من شجر وحيوان ونبات.. سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام لـمّا أمره الله عزّ وجلّ بأن يُبلّغ الدّعوة إلى فرعون، قال: يا ربّ! وأهلي من يقُوم بشأنهم، ومن يُؤمِّن لهم طعامهم وشرابهم وحاجيّاتهم؟ فقال له يا موسى: اضرب هذا الحجر الذي أمامك بعصاك، فضرب موسى الحجر فانفلق عن حجر ثانٍ، فقال له: اضرب الحجر الثّاني فضربه، فانفلق عن حجر ثالث، ثمَّ قال: اضربه، فانفلق عن دودة وفي فمها شيءٌ تأكله، وتقول: “سبحان من يراني، ويعلم مكاني، ويرزقني ولا ينساني” 2 ، فهذه دودة في قلب ثلاثة أحجار قد عرَفت ربّها، وعرَفت خالقها، وقامت بِوِرْدها وشُكْرها للمُنعِم عليها، فكم مِن أُناس لا يعرفون خالقهم، ولا يشكرون نعمه، ولا يفقهون شريعته، ولا يهتدون بهديه وصراطه المستقيم: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء:44].
﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ﴾ [النور:41] ومن جملة الطّيور الغِربَان، قال تعالى: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ﴾ وأوراده، ليس فقط يصلّي، بل يصلّي ويقرأ وِرْدَه ﴿وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور:41] فالغراب مصلٍّ، وقد ترى مَن يرى نفسه من بني آدم، بينما يكون الحمار أفْقَه منه وأعلم بربّه منه، فهو لا يترك صلاته ولا الغراب ولا القرد ولا السَّعْدَان، لأنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿كُلٌّ﴾ أي كلّ المخلوقات تَعْلم فريضة صلاتها لله، وذِكْرها وتسبيحها له، أمَّا هذا الإنسان المغرور، فهو إنسان الجسد وحمار العقل، إنسان الجسد وشيطان الرّوح، فلا يعلم إلّا الفساد والإفساد والشّرّ والآثام، ويُوهِم النّاس كما يفعل الشّيطان حين يُغري القاتل بالقتل، والزّاني بالزّنا والغافل بالشُّرور، فمَن أخَذَ هذه الصّفات فهو مِن شياطين الإنس: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام:121] وكما جعل الله تلك الشياطين للأنبياء جعلها أيضاً لورثة الأنبياء من الأولياء والعلماء: ((العلماء ورثة الأنبياء)) 3 فكما يرثون تعليم الكتاب وتعليم الحكمة وتزكية النّفوس، كذلك يرثون عداوة أعداء الأنبياء؛ فيعادونهم ويؤذونهم ويصدّون النّاس عن هديهم ودعوتهم إلى الله، فلماذا [يفعلون ذلك]؟ إذا سألت العقرب لماذا تلدغ النّاس؟ وماذا تستفيد من لدغك لهم؟ فيجيبك ويقول لك: هذا طبعي والطّبع تحت الرّوح.. فنسأل الله عزّ وجلّ أن يفقهنا في القرآن.
معنى تعلّم القرآن:
قال رسول الله ﷺ: ((خيركم من تعلّم القرآن)) 4 لا أن يتعلّم قراءته فقط، فشريط الفيديو وشريط المسجّل يتعلّم القرآن بلحظة واحدة، فبمجرّد التسجيل يقرأ لك القرآن، وعلى سبع [روايات] وبالتّجويد الـمُتقَن وبأحسن الأنغام، فهل نقول عنه: إنَّه “تَعَلَّم القرآن”؟ وهل أصبح اسمه عالِماً؟ ((خيركم من تعلّم)) يعني تعلّم معاني القرآن، وتعلّم أوامر القرآن لينفّذها ويمتثلها، وتعلّم أخلاق القرآن ليتَخلّق بها، وتعلّم مُحرّمات القرآن ليُحرّمها على نفسه، وتَعْلّم من القرآن أولياءَ الله ليحبّهم، وتعلّم من القرآن أعداءَ الله ليجتنبهم، فالقرآن يُقرَأ من أجل هذا.
فأنت حين تقرأ “الكُمْبيَالة” [ورقة مالية رسمية] أو الشِّيك لتأخذه إلى البنك فتأخذ الحَوالة التي فيه، أمّا إذا أخذت الشِّيك وقرأته آناء الليل وأطراف النّهار، وأتيت بـ “أمّ كلثوم” ولقنّتها الشّيك، [أمّ كُلثوم: مغنية مصرية مشهورة] وأحضرت الملحّنين فلحّنوا لك الشِّيك، وأقمت حفلة بفندق من الفنادق أو نادٍ من النّوادي، وكلّفك كل ملحن خمس مئة ليرة، [وعملتَ كل هذا] من أجل أنْ يقرؤوا الشِّيك بأنغام الحِجاز والنّهاوند، فماذا سيكون حال من ينظر إلى عملك؟ لا يكون إلّا الاستهزاء والسُّخرية بك واتهامك بالجنون، لأنّ الشّيك ليس للقراءة ولا لحفظ أرقامه وكلماته، إنّما الشّيك لتعلَمَ ما فيه، وتنفِّذَه بأن تقْبضَه من مصادر البنوك والمصارف، وهكذا هو القرآن، فهو شيك على الله ليَدْفع إليك الجنّة، كما ورد في حديث عن النبي ﷺ أنَّه: ((كان عليه الصّلاة والسّلام نائماً، فنزل مَلَك عند رأسه ومَلَك عند رجليه، فقال أحدهما للنّبيّ ﷺ: لتنمْ عينُك ولتسمعْ أذُنُك ولْيَعقلْ قلبُك)) سنعطيك درساً عن الله وقد حمّلنا إيّاه لنبلّغك إيّاه، ((سيّدٌ بنى داراً وصنع وليمة)) يعني طعام الغداء.. والمـَلِك إذا عمل غداءً فما يكون غداء الملوك! ((وأرسل داعياً يدعو النّاس إلى وليمته، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار، ومَن دخل الدّار أكل من المأدُبة، ومَن أكل من المأدُبة رضي عنه السّيّد، فالله: السيّد، والدّار: الإسلام، -ودخول الدّار: يعني الدّخول في الإسلام- والدّاعي هو محمّد رسول الله ﷺ، ومن أجاب الدّاعي ودخل في الإسلام أكل من المأدبة -المائدة والوليمة- وهي الجنّة)) 5 .
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ﴾:
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ﴾ [الجمعة:1] فالذّبابة مما خلق الله في الأرض، والجُرذ كذلك مما في الأرض، و”أبو برِيْص” [الوَزَغ] كذلك ممّا خلق الله في الأرض، ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور:41]، والحِمار قد علم صلاته وأورادَه: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [سورة الإسراء:44].
إذا دعا الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة تارك الصّلاة، أو مانع الزّكاة، أو من أعرض عن القرآن وعلومه، ومن أعرض عن تعلّم فرائضه وتَفهُّم وصاياه، وأعرض عن الامتثال لها، ثمَّ أحضر الله له جمعاً من الحمير وسألهم: هل كنتم تصلّون لله؟ [فالجواب: نعم] لأن الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿كُلٌّ﴾ أي كلّ ما في السّماوات وما في الأرض ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ﴾ يعني: عَلِمَ وجوبَها فأدّى فريضَتَها، ﴿وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور:41] أي: أورادَه.. فكيف إذا قال الله عزَّ وجلَّ له: إنّ الحمار يصلّي وأنت تاركٌ للصلاة! والبغل يصلّي وأنت تاركٌ للصلاة!
فهذا مغرورٌ بثروته وهذا بوظيفته وهذا بشهادته، وأيّ شهادة هذه! إن هذه الشهادة لأجل أن يُحصِّل صاحبُها شيئاً من المال، وقد يكون [ربُّ العمل] أمّيّاً، فيصير حامل الشهادة أجيِراً عنده، ويكون الأمّيُّ سيّدَه ووليَ نعمته.. وإذا كان غنياً ثمَّ مات يصير جِيفة ًكجِيفة الحمار.. وما ينفع الذّهبُ والفضّةُ الحمارَ حيّاً كان أو جيفة!
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [الجمعة:1] من ملائكة ومن مخلوقات في هذه الكواكب لا يعلمها إلّا الله.. قال بعض علماء الفلك: “من يظنّ أنّه لا يوجد أحياء وحياة إلّا في كوكبنا الأرضيّ، فمَثَلُه في الجهل وعدم الفِطنة، كمَن يقول: إنّ قِطَّتنا في هذه الدّنيا تلد دون قِطَطِ كلّ ما في الدّنيا” -كلّ قِطَطِ الدّنيا لا تلد إلّا قِطتنا- ومن يقول: لا يوجد مخلوقات أحياء عُقلاء إلّا في كوكب الأرض -والكواكب عددها أكثر من ذرّات الرّمال في الأرض- فمَثَلُه كمثل صاحب القِطّة.
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء:85] فلا يُرى عن طريق العين [المجرَّدة] في سمائنا إلّا ستة آلاف نجم، أمّا عدد نجومها فيتجاوز الثلاثين مليار نجم، وعدد المجرّات التي اكتشفها الإنسان تُعَدّ بآلاف المليارات، فالله تعالى هو خالق هذا الكون، وهل خَلَقَه عبثاً؟
فإذا كنت تحمل شهادة دكتوراه، وأنت الآخر إذا كان عندك معمل وصار عندك ملايين من الليرات الورقية، فبعد أن تموت تصير [تلك الأوراق من الشهادة والليرات] مِثْل ورق الجَوْز الـمُتساقِط حين يَنْزِل عليه المطر ويهترئ.. وأنت تجمع المال لغيرك وتركض وتَغضب وتخاصم وتشرّق وتغرّب في البحر والبر، ولن تستفيد من هذا المال: ((هل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ولبست فأبليت وتصدّقت فأبقيت، وما سِوى ذلك فهو ذاهبٌ وتاركه للنّاس)) 6 .
أشكال الشيطان التي يأتي بها على الإنسان:
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ [الجمعة:1] فالقطط والكلاب والخنازير تسبّح وتصلّي: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور:41] أمَّا “خنزير بني آدم” فلا يصلّي ولا يسبّح، بل: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾ [العلق: 9، 10] فإذا رأى مُصلِّياً فإنَّه ينقلب شيطاناً ليصدّه عن سبيل الله، وإذا رأى إنساناً راكضاً إلى مجلس عِلْم، ومجلسِ ذِكْر تحفّه ملائكة الله طبَقَة فوق طبَقَة في أفق السّماء، فيحاول جهده [كي يصدّه] كما يحاول الشّيطان جهده.
يقول له الشّيطان: لقد وَسْوَسْت له خمس مئة مرّة، فلم أستطع أن أصدّه، فاذهب أنت، فيقول للشيطان: “لا تهتم فأنا سأتدبَّر أمره” فيقول للرّجل: إلى أين أنت ذاهب؟ فيقول الرجل: أنا ذاهب إلى المسجد لأسْمَع الدّرس، فيقول: أنت مدعوٌّ عندي على الغَداء وسنذهب [في نزهة] إلى “الزّبداني”، [الزَّبَداني: منطقة قرب دمشق، ينبع منها نهر بردى، وهي من المناطق التي يقصدها الناس للاستجمام والنزهة] فإذا رفض الرّجل يحلف بالطّلاق ثلاثاً كَي يذهب معه -والشّيطان ما عنده امرأةً ليحلف عليها بالطّلاق- إذاً من تبيَّن أنَّه أعظم بالضّلال والإضلال؟ شيطان الإنس أم شيطان الجنّ؟
طرفة: فَكّ حَنَك سبعين شيطاناً:
قال أحد الشّيوخ في درسٍ من الدروس: إنّ الذي يتصدّق بصدقةٍ يفكّ بها حَنَك سبعين شيطاناً، فقام أحد الـمُريدين إلى البيت –ولم يكن يملك المال- وقال: واللهِ سأفكّ حَنَك سبعين شيطاناً.. ففكر ماذا يفعل وهو لا يملِك شيئاً، فدخل بيت المؤونة وأخذ شيئاً من الرّزّ من مؤونة البيت وملأه في حِجْره، ليعطيها لبعض الفقراء، فعارضته زوجته وقالت له: ما هذا؟ قال: لقد سمعت الشّيخ يقول كذا وكذا، وليس عندنا مال، لكنِّي سآخذ شيئاً من السّكر والرّز وأعطيهم لبعض الفقراء، فقالت له: الوَيْل لك؛ هل أنت حمار حتى يلعب الشيخ بعقلك بهذه السرعة؟ وطلبت منه أن يرُجِع كلّ شيءٍ لمكانه، ثم حصل جدال بينهما -وعلى ما يبدو أنها كانت أقوى منه جسماً وهو أضعف منها- فصرعته وألقته على الأرض وأخذت منه الرّز، وقد تكون قد ضربته ضرباً شديداً، ثمَّ حضر إلى درس الشّيخ، ولكنّه كان شارداً وحزيناً، فقال له الشّيخ: ما بك؟ وهل فكَكْتَ حَنَك سبعين شيطاناً؟ قال: والله يا سيّدي قد فكَكْتَ حَنَك سبعين شيطاناً، ولكنَّ أمَّ الشياطين فكّت حَنَكي. [يضحك الحضور].
فاحذر من شياطين الإنس، فقد يأتي أخوك وهو شَيْطان، أو أبوك وهو شَيْطان، أو أمّك وهي شَيْطانة، أو زوجتك وهي شَيْطانة، وأعظم الشّياطين هي نفسك وهوَاك: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الفرقان:43] فتهوى الضّلال، وتحبّ المـُضلِّين والضّالِّين والفاسقين ومجالس الّلغو، وأسوأ منها مجالس الحرام.. ومجالس اللّغو تكون بأن تَسْهر سهرةً لا تكون فيها غيبة ولا نميمة ولا حرام، ويكون الحديث فيها عما أكلناه وشربناه وعن الحالة الصحية لفلان وما شابه، وكل هذا لا فائدة فيه، وهذا اسمه لغو.
الجنّة مَأوى الـمُعرضِين عن الّلغو:
والله تعالى وصف المؤمنين الذين يدخلون الجنّة بقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون:3]، ووصف أهل الجنّة فقال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا﴾ [الواقعة:25]، فليس عندهم لا قولٌ ولا عملٌ حرامٌ وباطل.. فعليكم أنْ تُفّشوا في أنفسكم وفي مجالِس النّاس وسهراتهم، وفي أصاحبكم وأصدقائكم، [ولا تخوضوا في اللغو].
هل تريدون أن تصيروا مسلمين أم لا؟ وهل تريدون أن تصيروا من أهل القرآن أم لا؟ فهل تقرأ القرآن من أجل أنْ يقول الله عزَّ وجلَّ غداً للمَلَك -لخازن النّار- اضربه على رأسه، فقد قرأ خمس مئة خَتمةٍ ومع ذلك لم يفهم.. ويقول له: قد وصفت المؤمنين ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ ثم بعد ذلك يريد هذا الأحمقُ الجَنَّة! فالجنّة لمن لا يلْغُو ولا يأثم؛ لا لغْوَ الأقوال ولا لغْوَ الأعمال ولا لغْوَ الأوقات، بحيث تَصْرف وقتك بلا فائدة إن كان في دينك أو في دنياك.. وقد وصف الله عزَّ وجلَّ المؤمنين الذين يدخلون الجنّة بقوله: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ﴾ [النساء:114] من أحاديثهم وسهراتهم واجتماعاتهم: ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ [النساء:114] فيتذاكرون في سهراتهم الفقراء والمحتاجين من العائلة والجيران والإخوان، ومِن طلاب العلم في “المعهد”، والذين تصل أعدادهم إلى ثلاث مئة أو أربع مئة طالب عِلْم، يأكلون فيه صباحاً وظهراً ومساءً، ليُقِيموا دِيْن الله ويقوموا بالدّعوة إليه، فهل الشّيخ مُلزمٌ بالعمل “بالفِعَالة”، والاشتغال بالتّجارة والصّناعة كي يُنفق عليهم؟ فالشّيخ عليه أن يشْتَغل في الليل والنّهار، كي يعلّمنا ويزكّينا ويفقهنا في دِيْن الله، فيجب علينا نحن أن نفكِّر ونعمل على ألَّا نترك الشّيخ يفكّر بهذا الأمر أبداً، إلّا لبناء عقولنا وقلوبنا وإيماننا.
[طلاب العلم في المعهد: أي المعهد الشرعي للدعوة والإرشاد بفرعيه للذكور وللإناث، وهو الذي أنشأه سماحة الشيخ في مجمعه الإسلامي.. وقوله “العمل بالفِعَالَة” هو مصطلح في اللهجة العامية، ويعني عمل العامل البسيط الذي يعمل بأجرة يومية على “فِعْلِه” أو تعبه، كأن يعمل في أرض لمزارع أو يعمل عند بَنَّاء.. وسماحة الشيخ في حديثه هنا يحث إخوانه الذين هم من مختلف طبقات المجتمع على المساهمة في رعاية طلاب العلم سواء بالإنفاق أو دلالة أصحاب القدرات المالية على المعهد للمشاركة في التبرعات المالية]
﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ [النساء:114] فلا يكون حديثنا إلا في أنَّ فلاناً مريض وليس عنده دواء، أو فلاناً فقير وليس عنده مازوت.. إلخ، ﴿أَوْ مَعْرُوفٍ﴾ [النساء:114] فلانٌ تاركٌ فرضاً من فرائض الله، كتارِك الصّلاة، فاذهب إليه، سواء كان ابن خالتك أو ابن عمتك أو جارك أو في السّوق أو في البيت أو في “البِناية”، [البِنايَة: البناء الكبير الذي يتألف من عدة بيوت] وقل له: يا أخي إنَّك تاركٌ للصّلاة.. وهل الصّلاة من المعروف أم من المنْكر؟
فإذا كان أحد سكَّان البِنَايَة تاركاً للصلاة، فمن المسؤول عن تركه للصّلاة؟ المسؤول هم جيرانه من أهل البناية وأقاربه المصلّون وأصدقاؤه، عليهم كلّهم أن يجتمعوا ويقولوا إنّ فلاناً تاركٌ للصلاة، وعلينا أن نَسْهَر عنده.. [وكيف تكون تلك السهرة؟ هل تكون كسهرات الناس] سَهْرَةَ لغوٍ أو سهرَةَ إثم؟ أم تكون سهرةَ ﴿أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ﴾ [النساء:114]؟
القرآن للفهم والعمل وليس للقراءة فقط:
حتى لو قرأت خمس مئة ألف ختمةٍ، ولكنك لم تفهم ولو نصف آية، فأنت تقرأ هذا القرآن والقرآن يِلْعنُك 7 ، فعليك أنْ تقرأ القرآن كما تقرأ الجريدة أو الشّيك، فمن أجل ماذا تقرأ الشّيك؟ هل من أجل أن تفهم أم من أجل ألَّا تفهم؟ هل من أجل القراءة فقط؟ تأتي وأنت سعيدٌ وتقول: لقد جاءني اليوم شِيك بمئة ألف ليرة وقرأته، يقول لك أحدهم: وماذا بعد ذلك؟ تقول: قرأته مرّة ثانية، يسألك: وماذا بعد؟ تقول: قرأته المرة الثالثة.. ثم ماذا؟ تقول: قرأته حتى حفظته عن ظهر قلب، وليس هذا فحسب، بل قرأته على السّبعة والعشرة والأربعة عشر.. وماذا بعد؟ وفوق ذلك لحّنه لي الملحِّنون بألحان الحجاز والنهاوند.. ثمَّ ماذا؟ وأنت تقعد على الأرض وتَرْتجِف من البَرْد، وربما تموت من جوعك، ولديك شيكٌ بمئة ألف ليرة.. فهل نقول عن هذا الرجل: بئس الرجل ولا أعانه الله، أم لا نقول!.. أليس هذا هو حال المسلمين مع القرآن؟ أليس هذا هو حالهم مع ورثة رسول الله ﷺ؟ والمسلم [قديماً] كان يُهاجر من مكّة إلى المدينة، على أسنّة الرّماح وعلى حدّ السّيوف، مُهَدَّداً بحياته ليلتحق بمجالس العِلْم والذّكر.
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [الجمعة:1] من الطّيور والدّود التي في داخل الأحجار، وصغار الضفادع في البحار، والفئران في أوكارها، والذّئاب في آجامها.. أمَّا الإنسان الذي يظن نفسه مُثَقَّفاً.. فهو مثقّفٌ من أجل ماذا؟ من أجل أن يحصَل على قليل من المال، فيركض هذا المسكين ولا يستطيع الّلحاق، فبائع “الفَلافِل” يستطيع تحصيل مالٍ أكثر من [الراتب الشهري الذي ينتظره ذلك المثُقَّف]، فلماذا هو معجبٌ بنفسه؟ فهو بلا دين ولا دنيا، وقد فاتته الدّنيا وفاتته الآخرة، يقول أحدهم
مَن فاته العَلْم وأخطأه الغِنَى
فذاك والكلب على حدٍّ سواء
“مَن فاته العلم” يعني مَن لا دين عنده “وأخطأه الغِنَى” ولا دنيا، مِثْل فقراء اليهود، “فذاك والكلب على حدّ سواء”.
من لا يسبح الله يُسيء الظنَّ به:
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ [الجمعة:1] وعليك أنْ تَغَار مِن مخلوقات الله -إنْ لم تكن حماراً- كما قيل: “الذي لا يغار فهو حمار”، فعليك أن تَغَار من مخلوقات الله التي تُسبِّح لله عزَّ وجل: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء:44] فالتّسبيح هو ذكرٌ مع تعظيمٍ لله عزَّ وجلَّ وتَنْزيهٍ له عن كلّ النّقائِص، واعتقادٍ بأنَّ الله تعالى حاوٍ لكلّ الكَمَالات.
ومن سوء الظنّ بالله أن يقول أحدهم: لماذا فعلت بي هذا يا الله؟ ولماذا قدّرت عليَّ هذا؟ فهذا لم يسبّح الله، بل هو يفعل عكس التّسبيح، ويظنّ في الله ظنّ السّوء، والله عزّ وجلّ مُنزّه عن السّوء ومُتّصف بكلّ الكمالات، يقول أيضاً: لمَ أعطيتني بنتاً؟ فهل هذا تسبيحٌ أم هو ضِدّ التّسبيح؟ هذا يتّهم فعل الله أنّه ناقص، وأنَّ قِسْمَة الله ليست عادلة.. فسيّدنا الخَضِر لمـّا كان مع سيّدنا موسى عليه السّلام وقَتَل الغُلام، سأله سيّدنا موسى لم فعلت ذلك، قال: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف:81]، فهذا الولد لو كَبُر سيكفر، وسيكون سبباً في كُفْرِ والديه.. فمن حيث الظّاهر فإنَّ الخَضِر قَتَلَ ولداً بريئاً، وحَرَم أمّه وأباه من هذا الولد.. هذا هو قدر الله، فهل ترضى به؟ تقول: إنه ابني.. ولكن ابنك هذا غداً سيُهلكك ويهلك نفسه، فالله تعالى يعلم وأنت لا تعلم، ولو اطلعتُم على الغيب لاخْترتُم الواقع.. يحزن أحدهم إذا جاءته مولودةٌ بنتاً، وقد تكون تلك البنت خيراً من مليون صبيّ، لذلك اُدعُ الله تعالى أن يرزقك الولد الصّالح.. ولقد عوّضهم الله ببِنْتٍ بدل الولد الذي أمَرَ اللهُ الخَضِرَ بقَتْلِه، فخَرَج من نسلِها سبعون نبياً.
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ من ملائكةٍ ومخلوقات، والذين في الأرض؟ أيضاً كلّ مَن في الأرض [يسبحون]: ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة:1] لأنَّ “ما” هذه تَشْمل العاقِل وغير العاقِل، فالحمير يسبّحون ويُصلّون، وكذلك البِغَال “والكُدُش” والجِرذان “والحَرَاذِين”، كلّهم يصلون، [الكُدُش: جمع كدِيْش، وهو نوع من الخيل، يستعمله الفلاحون بكثرة في سوريا.. والحَرَاذِين: جمع حِرْذَون أو حِردَون، وهو دابَّةٌ صَغيرَةٌ مِنَ الزَّواحفِ، تُشْبِهُ الحِرْباءَ، وتَعيشُ في الْمَناطِقِ الحارَّةِ]، أمَّا هذا الدّكتور والأستاذ وأصحاب الألقاب العالية الأخرى [ممن لا يصلّي ولا يُسبِّح لله]، فإنّ الجُرذ والكلب والخِنزير أفضل منه، لأنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة:1].
من هو الذي يستحق أنْ نُسبّحه؟:
من هو هذا الذي نسبحه؟ قال: ﴿الْمَلِكِ﴾ [الجمعة:1] إذا التقيت برئيس الجمهوريّة فهل تُسبّح بحمده أم لا؟ وهل تحَمده؟ وهل تَنْسِب له شيئاً من النّقائِص؟ أم تقول له: كلّ أعمالك يا سيّدي وكلّ قوانينك وكلّ تصرّفاتك لا يوجد أحسن منها؟ وكذلك تفعل مع الوزير ومع آمِرِك ومع مُعلِّمك، [“مُعَلِّمك” هنا جاءت من اللهجة العامية، والتي يُقصَد بها: رئيسك في العمل، أو المشرف على عملك] أمَّا مع الله؟ فهل تُسبّح لله إن أغناك أو أفقرك أو أمرضك أو أصحّك أو كذا أو كذا.
فعليك أن تَلُوم نفسك لا أنْ تَلُوم الله عزَّ وجل، فالله مُنزّه عن كلّ النّقائص: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء:79].
﴿الْمَلِكِ﴾ [الجمعة:1] مَن يستطيع أن يَنْتَقِص من المـَلِك وهو في حضرته؟ هل تستطيع أن تَنْتَقِص من شُرْطِيِّ السّير وأنت تقود سيّارة ومُخالِفٌ [لقوانين السير]؟ هل تستطيع ذلك أم أنَّك تُسبّح بَحمدِه؟ وتقول: يا “أَفَنْدِي” والله لا يوجد مثلك، وما شاء الله عنك! وتَدْعُو له، وتقول له: لا يوجد من هو أفضل منكم، فبماذا “تأمرني”؟ والشُّرْطِي يطلب منه أوراق السّيارة، ثمَّ يُعطيه السائق مبلغاً من المال يضعه بين أوراق السيارة.. فهذا الشُّرْطِي يُسبّح له كلّ سائقي السّيّارات إذا كانوا مخالفين، أليس كذلك؟
[هنا بعض الكلمات قد لا يفهمها إلا من عرف هذه الحالة في سوريا، لذلك وجب بيانها: إن الناس بشكل عام في سوريا يخافون كثيراً من شرطي السَّير، لأن الشرطي عادة عندما يوقِف سائقاً فهذا يعني مخالفته، وقد تصل المخالفة إلى حجز السيارة أو ربما إلى سجن السائق، لذلك يحاول السائق إرضاء الشرطي بأي شكل من الأشكال، فيمدحه، كأن يقول له “يا أفندي” ويثني عليه ويترجاه.. ومن المعروف أن الشرطي لا يتركه حتى يُعطِيه مبلغاً معيناً من المال، لذلك يسأله السائق: “بماذا تأمُرُني؟” وهي كلمة لطيفة بمعنى: كيف لي أن أخدمك؟ ولكنها في هذه الحالة وفي عرف الناس تعني بشكل غير مباشر: كم المبلغ الذي تريد؟ والشرطي لا يطلب منه مبلغاً مالياً، لأن هذا مخالف للقانون، بل يطلب منه أوراق السيارة الرسمية، فيضع السائق بطريقة خفيفة لطيفة بعض المال بين أوراق السيارة، فيأخذ الشرطي الأوراق، ويأخذ منها المبلغ بطريقة خفية، ثم يعيد له أوراق السيارة، ويقول له: تابع السير.. ولا ريب أن هذا الكلام لا ينطبق على الجميع، ولكن هذا العام والغالب].
فعندما يقول له الشُّرْطِي: هذه “رِشْوة”: يقول: أعوذ بالله! أنت لا تَرْتشِي، ولا يوجد أفضل منك ولا أنْزَه منك ولا أطيب منك، وأرجوك ألَّا تؤاخذني.. فهذا هو معنى التّسبيح: اعتذار ومدح وثناء، وفوق ذلك تودّدٌ وصلاةٌ وتقرّبٌ وصِلة، وأنت لم تستطيع أن تُنْكر قانون شرطيّ السَّيْر، فكيف تُنكر قوانين الذي خلقك من بَوْلَة! وليتها كانت بولة! بل ذرّة لا تُرى، وجعل منك مَلِكاً وأميراً ووزيراً وسيِّداً وعظيماً.
يُقَال: ذات مرّةٍ كان رجل يَسبّ الشّرطة، فدخل عليه حينها فجأةً شُرْطيٌّ، وقال له: لماذا تسبُّ الشرطة؟ قال له: أنا أسبّهم كلّهم عداك أنت يا “أفندي”، فــأنت لا يوجد أحدٌ مثلك! [فغيَّر كلامه فوراً خوفاً منه]، وقال هذا الكلام مادحاً الشرطي الذي سيكتب فيه التقرير، وأعطاه أيضاً مبلغاً من المال. [هنا يضحك الشيخ لهذه الطرفة ويضحك معه الحضور].
نِعَمُ الله تِسْتَوجِب التسَّبيح والتَّحميد:
فما أولى وأحرى بنا أن نَذْكُر الله تعالى دائماً، لأنّه عزَّ وجلَّ يَذْكُرنا دائماً.. فمن الذي يُشغّل قلبك بنبضاته، حتّى يُوْصِل الدّم إلى كلّ خليّة من خلايا وجودِك؟ ومَن الذي ركّب لك “بَدْلَة” أسنان، [بَدْلَة أسنان: أي مجموعة كاملة من الأسنان، وهي التي يضعها الأطباء عادة لمن فقد أسنانه جميعاً، فيستعيرها الشيخ هنا ليتكلم عن الأسنان الطبيعية التي خلقها الله] لو أحسنت استعمالها فإنَّها ستخدمك لمئة سنة؟ ومن خَلَق لك هاتين الجوهرتين “البَلْجَكْتُوْرِيْن”؟ [نوع من المصابيح شديد الإضاءة] وهما العينان الّلتان تخدمَانك طُوْلَ العمر.. ومن خَلَق لك هاتين الأُذنين اللَّتين تلتقطان “الإذاعات” [الأصوات] من كلّ الجهات؟ ومن خَلَق لك اللّسان الذي يُترجم ما تَطْلب من حوائجك ومن ضروريات الحياة؟ ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ فهل المهم فقط أن تقولوا: الله؟ والله يقول: ﴿فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس:31] بل يجب أن تُؤدّوا فرائضه وتجتنبوا محارمه.
﴿الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ﴾ [الجمعة:1] والقدّوس هو المتَّصِف بكلّ صِفات الكَمَال، فلا نقص فيه ولا خَلَل ولا عَيْب ولا ظُلم ولا غفلة ولا جهل ولا بُخْل.
﴿الْعَزِيزِ﴾ [الجمعة:1] الذي لا نِدّ له ولا مثيل ولا مُعقّب لأمْرِه، فإذا أمَرَ أمْراً فلا يستطيع أحدٌ أن يُلغيَ أوامرَه بأوامرِه، وإذا أراد أن ينتقم فلا يستطيع أحدٌ أن يحوْلَ بينه وبين من يريد الانتقام منه، وكذلك إذا أراد أن يعطي [فلا يستطيع أحدٌ منعه من عطائه].. اللّهم لا مانع لما أعطيت ولا مُعطِي لما منعت، ولا مُذلَّ لمن أعْزَزْت ولا مُعزّ لمن أذللت.
﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ [التوبة:32] كم أتى على الإسلام من أعداءٍ عبر التّاريخ! فشنّوا عليه الحُروب، منها الصّليبيّة وحروب التّتار، ثمَّ أتت بعد ذلك الحُروب على عقائد الإسلام وعلى أخلاقه وعلى قرآنه، ليَمْحوا الإسلام من الوجود فمَحَاهم الله من الوجود، ولا يزال الإسلام موجوداً غير مفقود.
إسلام السفير الألماني في مراكش:
كنت في القاهرة هذا الأسبوع، وعُدتُ البارحة حوالي السّاعة العاشرة، وكان إلى جانبي رجل أشقر طويل، في أواخر الخمسينات من عُمُره، وكان إلى جانبي أيضاً أحد الوزراء، وهو من الصّحفيين الكِبَار في بعض البلاد العربيّة -وهو صديقي- وكان يكلّمه باللّغة الإنكليزية، فقلت له: من هذا؟ قال لي: هذا سفير ألمانيا الاتحادية الغربيّة في مراكش، الذي أسلم في عام اثنين وتسعين، وأحدث إسلامه في وقتها ضجّةً في ألمانيا، فكيف لسفير ألمانيا أن يسلم وهي دولة بروتستانتية! فَهُم الذين ينُشرُون الكنائس والتّبشير في كلّ الدّنيا، كي يُخْرِجوا النّاس من الإسلام، ولكن الله عزّ وجلّ يأتي بعظمائهم؛ علماً وثقافةً وسياسةً ومكانةً [إلى الإسلام].
قلت له: أحبّ أن أتكلم معه، وأنت خير تُرجمان، فسألته عن سبب إسلامه؟ فقال: السبب هو الكتاب.. فقد قرأ عن الإسلام في بعض الكتب.. ولم يكن هناك مشايخ ولا دعاة ولا منظّمات تبشيريّة للتّبشير.
ضرورة البَذل في سبيل الدَّعوة:
قرأت في كتابٍ أن أمريكا دفعت للتّبشير في سنةٍ واحدة ثلاثةً وتسعين مليار دولار.. هل تسمعون ما أقول؟ فماذا يَدفَع أغنياء المسلمين للدّعوة الإسلاميّة وإنشاء العُلماء وإنشاء الدّعاة، ليكونوا أعزّ مَنْ في المجتمع؟ وما السبب في أنَّ النّاس لا يريدون أن يصيروا مشايخ؟ فالنّاس يتذكرون حميرهم ولا يتذكّرون طلبة العِلْم، ويتذكّرون نِعَالهم ولا يتذكّرون المدارس الشرعيّة، فهم يتذكّرون كلّ شيءٍ إلّا فيما يتعلّق بالشيخ فلا يتذّكرون إلّا نَقْدَهم له: لماذا لا يعمل الشّيخ كذا؟ ولماذا لا يقول كذا؟ ويجب عليه أن يفعل كذا.. فصاروا هم الـمُلوك والشّيخ هو الأَجِير، ليس أجيراً فحسب، بل عَبْد! وحتّى العبْد إن قلت له أن يذهب إلى بيروت ويشتري لك الشيء الفلاني، فإنَّك ستُؤَمِّن له أجرة الرّكوب والفندق.. إلخ، والناس يقولون [عملياً] للشيخ: اذهب مشياً على رجليك أو على رموش عينيك.. ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة:24] هؤلاء سيعاقبهم الله عقاباً شديداً، لكنَّهم الآن متروكُون: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدًا﴾ [الطارق:15-17].
ومن النَّاس مَن يُعادي الشّيخ بدون ذنْب ولا خطيئة، ومن غير أن يتكلّم عليه [الشيخُ] بكلمةٍ ولا أذىً، حتّى أنه لم يرَ الشيخ من قبل! وهو لا يُعادِي الحاخامات ولا رجال الكنيسة ولا الشّيوعين، ولا يُعادِي إلّا الشّيخ، ويستمر في عداوته، وتقوى تلك العداوة عندما يظْهَر إنتاج الشيخ.. أمّا الشيخ الذي لا إنتاج له، فهو ميت، ولا أحد يذكر الأموات.. فما يفعله الله تعالى بالمسلمين، هل هو كثير عليهم؟ [كأن سماحة الشيخ هنا يتكلم عن نفسه وعما يلاقيه من أذى المسلمين له].
قال لي: قامت عليه القيامة في ألمانيا، فهو سفيرٌ ومؤتمنٌ على أسرار الدّولة، فكيف يدخل في الإسلام! فطلبوا تسريحه، لكنَّ أحد الأحزاب الاشتراكية قام بنصرته بحجة حريّة الـمُعتقَد وحرية الفِكْر.. قلت له: لما كنتُ في دمشق سمعت خبراً عن إسلام النّاطق الرسمي للحزب المسيحيّ الدّيمقراطيّ الحاكم، فما مبلَغ هذا الخَبر من الصّحة؟ هل هو صحيح؟ فقال لي: نعم صحيح، وقد أسلم النّاطق الرّسمي بلسان أعظم حزب ألماني، وهو الحزب الحاكم في ألمانيا.. كنتُ قد سمعت الخبر من الأخ مهند علوش، ألستَ أنت من أخبرني؟ [الشيخ يخاطب الأستاذ المهندس مهند علوش، وهو من تلامذته]، والأخّ “مهند” سَمِع الخبر من النّاس، ولكنّه لم يسمعْه من مصدرٍ مُوَثَّق.
“روجيه جارودي” نائب رئيس المجلِس النّيابيّ في فرنسا، وفيلسوف الحزب الشّيوعيّ، ومن أكبر فلاسفة أوروبا، يعتنق الإسلام، ولم يكن اعتناقه عن طريق المسلمين.. وماذا أقول عن المسلمين؟ فأغنياؤهم بخلاء، والكثير ممّن بيدهم الطّاقات -ليس جميعهم- لكنَّ البعض منهم أعداءٌ لدينهم، وأعداءٌ لكلّ من يظهر بمظْهَر الدّين، وتكون عداوتهم لهم إيذاءً كبيراً وغيبةً ونميمةً وتشويهاً، ويُغيظُهم الدّين والإسلام، لماذا؟
هل أنت عربي؟ من الذي أوجَد العرب؟ ومن الذي حَفَظهم وحفظ لغتهم، ووحّدهم وسجّل الأمجاد التّاريخيّة لهم؟ إنَّه الإسلام.. فأنت إذن تعادي ذنبَ آدم عليه السَّلام مع إبليس حتّى يُخرجه من الجنّة! فالأذى طبع. [الكلام واضح وبليغ، ولكنه قد يحتاج إلى شيء من البيان، حيث يشبِّه سماحة الشيخ عداوة بعض العرب والمسلمين لدينهم بعداوة إبليس لآدم، وهل كان لآدم ذنب، كان بريئاً وطاهراً مئة بالمئة، ولكن إبليس عاداه غيظاً وحماقة وجهلاً، وكانت عداوته لا لذنب منه، بل ليخرجه من الجنة، لأن الشرّ والأذى طبع وصفة في إبليس].
قصة العقرب والضفدع:
يُقال بأنَّ عقرباً تريد أن تمر من طرف نَهْرٍ إلى الطّرف الآخر، فخافت من الغرق، وقالت للضّفدعة: أرجوكِ أن تَحِمليِني حتّى أذهب إلى أولادي على الشاطئ الثّاني للنّهر، وأنا لا أعرف السِّباحة وأخاف الغَرَق، فقالت لها: أنت غدارة مؤذية وملعونة، فما سمعنا في يومٍ من الأيام أحداً يقول: إنَّ عقرباً أحضرتْ له عِطراً طيِّباً أو وردةً، بل يُقال: هذا لَدغَته، وهذا قَرصَته، وهذا خَربَت له بيته، وهذا أماتَتْه، وأخاف أن تلدغيني، فحلفت لها خمس مئة يمين أنّها لن تلدغها.
“فالحَنَش” [الثعبان الأسود] إذا حلف لك خمس مئة يمين وقال: ضَعني في صدرك ولن ألدغَك، فإذا صدّقتَه فماذا تكون؟ تكون حماراً، بل إنَّ الحمار لا يفعل ذلك.. لأن الحمار إذا قلت له أنت وكلُّ أهل الدّنيا: إنّ البقلاوة أطيب من التّبن، فهل يقبل هذا؟ يقول لك: إنه لا يقبل، ولا أبوه ولا جدّه ولا جدّ جدّه، فهل أنت تفْهَم أكثر منهم؟ [سماحة الشيخ يضحك].
فأعطتْ لها العهود وحلفت لها الأيمان.. لا يجوز -يا بُني- أن يُصدِّق الإنسان مَن لا يُصدَّق، فالـمُؤذِي مُؤذٍ.. وعندما وصَلَت إلى منتصف النّهر لدَغَتْها، فقالت الضفدعة: لم فعلت هذا؟ قالت: أرجوكِ، لا تؤاخذيني فالأذى من طبْعِي، والطّبْع تحت الرّوح.. يعني يستغني أحدهم عن رُوحِه لكنَّه لا يستغني عن طبْعه.
فلو وضعتَ الُجرذ في قصر الملك فهل يقْعُد على كرسي فخم أو على العرش؟ بل يظل يَشْتمُّ الرّوائح حتَّى يصل “للبَلُّوعَة” [مصْرِف المياه الوسخة] ويغْطُس فيها، وحتى لو أخبرته أنَّ هذا الكرسي مرصّعٌ بالجواهر، فإنه يقول لك: ليس لي به شُغْل، ولا هو من شأني.
فغَطسَت الضّفدعة عميقاً، فصارت العقرب على وجه الماء تغرق وتصِيح وتُوَلْوِل، فقالت لها: أما عاهدتيني أنّك ستوصِلينني وحلَفتِ على ذلك؟ فقالت لها: لا تؤاخذينني فأنا أيضاً من طبعي الغطس والغَوْص، كما أنّ اللّدغَ من طبعك.
فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُفهِّم المسلمين، فواللهِ ما لنا سلاحٌ إلّا الإسلام.. كما أنّ بعض الإسلاميّين يُسيئون التّصرّف في الدّعوة الإسلاميّة، فهؤلاء ليسوا طُلّاب إسلام، بل هم طُلّاب مناصب وكراسي، ويجعلون الإسلام وسيلةً [لنَيْلها]، فالدّاعِ إلى الله يجب أن لا يكون له همٌّ إلّا تعليم الأمّة أخلاقها وتربيتها واستقامتها ومساعدة الدّولة: ((الإسلام والسلطان أخوان توأمان، لا يصلح أحدهما بدون الآخر)) 8 فالكفّ الواحدة لا تستطيع أن تغسل نفسها بنفسها، بل تحتاج إلى مساعدة الكفّ الأخرى، فإحداهما تغسل الأخرى.
“روجيه جارودي” هذا فيلسوف، والآخر هو النّاطق باسم الحزب الألماني الدّيمقراطيّ المسيحيّ الدّينيّ.. أخبرني أيضاً بأنّه ألّف كتاباً.. فهو لم يُسْلم فقط، بلْ أراد أن يكون: ﴿دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ [الأحزاب:46] قال: ألّفت كتاباً باللغة الألمانية وطبَعْته، ثم ترجمته إلى الإنكليزيّة وطَبَعْته، والآن أُترجمه إلى العربيّة، وقريباً سيَخْرُج إلى الطّباعة.. وقد وعدني بأن يرسل لي نسخة منه.. وسأكاتبه بأن يرسل لي نسخةً بالإنكليزيّة وبالألمانيّة.. يا سبحان الله! يا سبحان الله! يا سبحان الله!
الانتماء لا يكون إلَّا للإسلام:
والذي يُحدثك عن العرُوبة والقوميّة، فما هي العرُوبة؟ العرُوبة أن تُولَد على أرضٍ فيها عرب وينْطِقون باللّغة العربيّة.. والأرض أرضٌ، فتركيا أرض، وروسيا أرض، واليابان أرض، وأفريقيا أرض، فهل هناك أرضٌ أفضل من أرضٍ يصير الـمَولُود فيها أفضل من غيره؟ وكلّ اللّغات مثل بعضها البعض، فإذا كنت عربيّاً أو فِرنسيّاً أو إيطالياً، فهل هذه اللغة ترفعك أو تَخفِضك؟ إنَّ الذي يرفعك ويَخفِضك هو العِلْم والعقل الحكيم والأخلاق الفاضلة، وهذا هو الإسلام، فهل يضرّك إذا كنت عربيّاً أن تكون مسلماً؟
ما هو الإسلام؟ الإسلام ليس انتماءاً ولا لقباً، ولا أن تقول: أنا مُسلم، الإسلام علمٌ، ألا وهو علوم القرآن، وهو حكمةٌ، فعليك أن تتعلّم حِكمة القرآن المشروحة بحياة رسول الله ﷺ وسيرته، وهو تزكية النّفس، فعليك أن تبحث عن المزكّي والمربّي الذي يُربّي لك عقلك حتّى يصير حكيماً، ويُربِّي لك نفسك حتى تصير مُزَكّاةً وطاهرةً من النّقائص ومن العيوب ومن الرّذائل، ويزكّي لك لسانك، فلا يكْذِب ولا يَخون ولا يغْدُر ولا يُخلف الوعْد ولا يؤذي، ويطهّر لك عينَك من النّظر الفضوليّ، كأن تقرأ ورقة غيرك فهذا لا يجوز [في امتحان أو غيره]، أو إذا رأيت رسالةً أو كتاباً لأحدِهم فهل يجوز أن تقرأ ما كَتَب؟ فهذه خيانة، أو أن تنظر إلى ما حَرَّم الله عليك.. إلخ.
فالإسلام: ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ [الجمعة:2] فعليك أن تدْرُس القرآن دراسة العِلْم، لا دراسة القراءة والتلاوة [هَذَّاً قراءةً سريعةً بلا تَدَبُّر]: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة:5].
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ فإذا قلت لأحدِهم إنَّ كلّ النَّاس في هذا البلد يُحبّونني ويُقدّرونني، فما معنى هذا؟ هذا يعني أنّه يجب عليك أيضاً أنْ تُحبني وتقدّرني، واعرف لماذا هؤلاء يحبّونني، فإذا وجدتَ ما يُوجِب هذا الحبّ فافعل مِثْلهم، والله عزَّ وجلَّ يقول لك: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة:1] فماذا يعني ذلك؟ وهل أنت مُسبّحٌ مع الـمُسبّحين؟ وهل أنت ذاكرٌ مع الذاكرين؟ وهل تعرف أنّ الله هو المالك؟ وهل هو الإمبراطور أو الملك أو الرئيس؟ ومن هم الإمبراطور والملك والرئيس؟ وكم يملك الإمبراطور أو الملك أو الرئيس؟ ألفاً أو عشرة آلاف كيلو متر طولاً وعرضاً!
أمّا الله فهو: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [سورة فاطر:1] اكتشفوا مؤخراً في أمريكا مجرّتين، المسافة بينهما وبين الأرض سبعة عشر مليار سنة بسرعة الضّوء.. والضّوء في الثّانية الواحدة يطوف سبع مرّات حول الأرض، أي ما يساوي ثلاث مئة ألف كيلومتر في الثّانية.. فالمسافة بيننا وبين تلك [المجرات] سبعة عشر مليار سنة ضوئيّة، فهل هذا مَلِك يُنسى؟ وهل هذا مَلِك لا يُتَقرَّبُ إليه؟ وهل هذا مَلِك لا تُطاع أوامره؟ وهل هذا مَلِك تُخالَف قوانينه وتُنتَهَك؟
فعليك أن تفهم من هذه الآية هذه المعاني، أمّا إذا ما فهمت ولا قرأت ولا رضي الله عنك، فإنَّك تكون: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة:5]، فالحمار إذا حَمَلت عليه نصف طنٍ من الكُتب فهل يصير عالماً؟ وهل يصير شيخاً؟ وإذا قلنا عن الذي لا يقرأ ولا يفهم شيخاً فماذا يكون؟ يكون شيخاً حماراً.
﴿الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ﴾ لا يُقهر ولا يُغلب ولا تُردّ أوامره، ﴿الْحَكِيمِ﴾ [الجمعة:1] في تشريعه وفي أعماله وفي أقداره.
ضرورة وجود الـُمرّبي للمسلم:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا﴾ [الجمعة:2] بعث الله تعالى لنا رسالةً وكتاباً، ومدرسةً إعداديّةً وثانويّةً، ووزارة تعليمٍ عالٍ، ليجعلنا: ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110].. وهل يجعل كتابُ الهندسة قارئَه مهندساً بلا أستاذ الهندسة؟ وإذا قرأتَ كتاب الطّيران فهل تصيرُ طيّاراً بلا مُدرّب وبلا مُعلّم الطّيران؟
هل المصاحف هي ما يَنقُص المسلمين في زماننا؟ لا، إذاً ما الذي ينقُصهم؟ ينقُصهم أُستاذ المصاحف وأُستاذ القرآن، فإذا قرأت كتاباً في اللغة الفرنسيّة، فهل سينطق لسانك باللّغة الفرنسية؟ “من لا شيخ له فشيخه الشّيطان” 9 .. كان الـمُسلم مأموراً بالهجرة من مكّة إلى المدينة، فيمشي مسافة خمس مئة كيلو متر، ليلتحق بمدْرَسِة الإسلام وبُمعلّم الإسلام وبُمربّي الإسلام، فكيف تدّعي الإسلام ولم يكن لك الـمُعلّم والـمُربّي الحكيم؟ وهل تريد أن تصير حدَّاداً من غير معلّم الحِدادة؟
قصة جُحا عندما أراد أن يعمل حلَّاقاً:
ضاقت على جُحا في زمانه أبواب الرّزق، ففكّر في أن يعمل في مهنة ما، فقال: إنّ الحدّاد صعب عليّ، والخيّاط صعب عليّ، والنجّار صعب عليّ، ثم اختار أن يعمل حلّاقاً، ظناً منه أنَّ الحِلاقة أمرها سهْل، فهو لا يحتاج إلَّا إلى: “مُوْس” وكرسيٍّ يَضعه في “الزُّقَاق” ومرآة ومِشْط، [“مُوْس: في العامية، وفي الفصحى: المُوْسى، ويعني شفرة أو سِكّين الحِلاقة.. والزُّقَاق: جمعه: أَزِقَّة، وهو طريق ضيق يسمح بمرور سيارة واحدة فقط، وكان كثيراً في الأبنية القديمة]، ففعل ذلك، ثمَّ بعث الله له رجلاً مُعَثَّراً قليل الحظّ، فسأله: كم أُجرة الحِلاقة؟ -وكان الحلَّاقون في تلك الأيام يأخذون مثلاً خمسين ليرة أجرة للحلاقة- أمَّا هو فقد وضع إعلاناً كتب فيه أنّ أجرة الحلاقة بخمسِ أو بعشر ليرات، فأتاه الزّبائن في الحال، فأجلس أحدهم وبدأ في الحلاقة له، ولكنَّه أحضر “مُوْسَىً” مُثَلَّماً، كالـمُوسى الذي يُقطَّع به البصل في المطبخ، وما إن استخدم الموسى جَرَح الرجل، فوضع مكان الجُرْح قُطْنة، ثمَّ جرحه مرَّة ثانية فوضع قُطْنَة، ثم مرَّة ثالثة ورابعة.. وهكذا إلى أنْ بدأ الرّجل يشعر بشيء ساخنٍ يَنزِل على أذنيه، وصارت أصابع جُحا لونها أحمراً، ونظر في المرآة فإذا به يرى نصف رأسه قد صار قُطْنَاً، فقال له: يا أخي، يكفي إلى هنا، فأنا مشغول وأريد أن أذهب، قال له جُحا: لا يمكنك ذلك، فأنا لم أُكْمِل الحلِاقة بعد، فقال له الرجل: لا تكمل، “وهل أنت أَخُوْ كيْفِي؟” [قول عامِّيّ، وكلمة “كَيْفِي” هي الكَيْف والمزاج والرأي، والمعنى أن لي كيفاً ومزاجاً مختلفاً عن مزاجك، ولا تستطيع أن تُقَرّر بدلاً عني] فقد زرعتَ نِصف رأسي قُطْناً، وربّما أريد أن أزرع النصف الثاني قِثاءً. [يضحك الحضور].. فهذا مَثَل من يريد أخْذَ العِلْم من غير أهله، فيصير كالحلّاق وكالرّجل الذي حَلَق عند جُحا.
فهل يوجد دِيْن [حقيقيّ] عند المسلمين؟ وإذا وعد المسلم فهل يَفِي بوعده؟ وهل يَصْدُق إذا حدَّث؟ وهل يرحم الفقير؟ وهل يَصِل رحمه؟ وهل يُؤدّي حقّ الجَار؟ ومن كان له والدان فهل يعرف بِرّهما؟ وإذا سمِع الأذان فهل يستجيب ويذهب إلى المسجد لصلاة الجماعة؟ وهل يؤدّي الزكاة إذا أُعطِيَ الغِنَى؟ وإذا جعله الله حاكماً، فهل يكون راعياً كما يكون الرّاعي مع أغنامه، بأن يُورِدهم الأعشاب الخضراء والمياه العذبة والظّلّ الظّليل؟
نحن ندّعي الإسلام ونحن فاقدوه، ومن يدّعي الإسلام وهو فاقده فاسمه في القرآن منافق والمرأة منافقة، فإذا ادّعيتَ الطّيران بلا مُعلّم ولا مُدرّبٍ فهل أنت طيّارٌ أمْ مدّعٍ وكذّاب؟
والدّعاوَى إنْ لم تَقُم عليها
بيّناتٌ أصحابُها أدْعِياءُ
حاجة الأمَّة للبعث من جديد:
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ﴾ [سورة الجمعة:2] ألا يقولون: البعث؟ فهذه كلمة “بَعَثَ”، ومن هو صاحب هذا البعث؟ هو الله عزَّ وجل.. فلما استجابوا لله قال عزَّ وجلَّ لهم: ﴿فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الروم:56].. ومن هو أول من جاء بالبعث؟ هو النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فهو الذي بعث [أمَّة] العرب من رقدتها، وأوجد فيها الرّوح بعد موتها، والعِلْم بعد جهالتِها، والوحدة بعد فرقتها، والمحبّة والأُلفة بحيث أصبحت كالجسد الواحد بعد تناحُرها، وبعد حروبها التي كانت تستغرق من أجل فرسٍ كحرب “داحس والغبراء” أربعين سنة.. هذا هو البعث الحقيقي، الذي كان من ثماره سيّدنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وكما قيل: “من ثمارهم تعرفونهم” 10 .
[يُؤَكِّد هنا سماحة الشيخ على كلمة “البعث” ويركِّز عليها، وهو يخاطب بشكل لطيف وغير مباشر أعضاء الحزب الحاكم في سوريا، وهو حزب البعث، وكأنه يقول لهم: لا تخافوا من الإسلام، فأنتم أبناء الإسلام، وهذه كلمة البعث التي هي شعاركم وتحبونها وتناضلون من أجلها هي موجودة في الإسلام والقرآن.. وهو بهذا الخطاب الحكيم يسقي شجرة المودة والحب بين المسلمين وحكامهم].
فبهذا البعث -وبمدة لا تزيد عن مئة سنة- جعل العُروبة ولغة الضادّ، وصحراء العرب القاحلة، أقدس بقعة في الأرض، وجعلوها محَل تقديس مئات الشّعوب، فيمشي الصّينيُ لمدة سنة على قدميه ليتبارك بهذه الصّحراء القاحلة، ويأتي الإسباني من الأندلس، من أقصى المشارق والمغارب.. هذا فقط من خلال كتابٍ واحد، والآن لدينا جبال وملايين من الكتب، وتوجد المصاحف بالمليارات وما زلنا نتراجع للوراء، وذلك لأنَّنا نفْقِد مُعلّم القرآن، فالأوراق لا تَصنع الأذواق، والأوراق لا تَصنع العقول، إنّما يبني الرجالَ الرجالُ
يبني الرّجالَ وغيره يبني القُرى
شتّان بين قُرىً وبين رجال
فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا ممن بُعثوا كما بُعِث الرّسول الله ﷺ، ومِن بعده أبو بكرٍ رضي الله عنه، وأن يجعلنا ممن بُعثوا حقاً على مِنهاج النّبيّ العربيّ القُرَشِيّ المكيّ المدنيّ ﷺ، لا كردياً ولا تركياً ولا هنديّاً ولا صينيّاً.. فهل تريد عروبةً أكثر من ذلك! وهل قال تعالى عن القرآن: إنّا أنزلناه قرآناً كرديّاً؟ كلا، بل قال عزَّ وجل: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ [سورة الرعد:37] وماذا نريد أكثر من هكذا قوميّة عربية وعروبة! وقد قال ﷺ: ((حبّ العرب إيمان وبغضهم كفر أو نفاق)) 11 فماذا نريد أكثر من ذلك؟.. لكن هل نحن قرأنا؟ وإذا قرأنا هل وَعَيْنا؟ وإذا كنا قد قرأنا فهل قرأنا بعقولنا أم قرأنا كقراءة الأشرطة المُسَجَّلَة التي تقرأ ولا تفهم؟
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا﴾ [الجمعة:2] حاملاً لرسالة الله عزَّ وجلَّ، وحاملاً لثقافة السّماء وثقافة ﴿ٱلۡمَلِكِ﴾ الذي هو مالِك الكَون، ﴿ٱلۡقُدُّوسِ﴾ الكامل بصفاته وأعماله وتشريعه، ﴿الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الجمعة:1] ليتلو عليهم رسالته، لا تلاوة ألفاظٍ فقط، بل تلاوة ألفاظٍ وتعليمٍ وشَرْح، وتلاوةً بالأعمال لا بالأقوال، فإذا قال الله تعالى: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [الأنعام:72] كان ﷺ يصلّي، وإذا قال: ﴿فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون:2] كان يُريهم خشوعَه في صلاته، وإذا قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون:3] لم يكن مَجلِس النّبيّ ﷺ مَجلِس لغو، وإنّما مجلس علم وحكمة وتزكية.
لا يكن الحمار أكثر حكمة منك:
﴿يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ [الجمعة:2] إن التلاوة فيها تعلِيم، لكن نَصَّ التلاوة أن تكون تعليماً لا تلاوة فقط، وكأن ذلك بينان للمقصود من التلاوة، فإن كانت تلاوةً ولا يجتمع معها تعلِيمٌ ولا تثقيفٌ ولا فَهْم، فإنّ الله عزَّ وجلَّ ذكر تلك التّلاوة بلا فهمٍ في الآيات الآتية فقال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ﴾ [الجمعة:5] يعني قرؤوها بلا فهم وبلا عِلْم، ولم يقرؤوها للعمل بها: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة:5] والأسفار هي الكتب الكبيرة أو الأجزاء من التّوراة.. فإذا حمَّلنا الحِمار الكتب الكبيرة، فهل يصير عالـِماً أو فقيهاً أو مُثقّفاً؟ إذاً ماذا يصير؟ يصير حِماراً حاملاً للكتب.. وهذه الآيات ليست لليهود، بل هي للمسلمين، يعني: أيّها المسلمون، لا تكونوا كاليهود الذين قرؤوا التّوراة ألفاظاً بلا عِلْم، وقرؤوها ألسنةً بلا عَقْل، وقرؤوها أصواتاً بلا قَلْب، وقرؤوها كلاماً بلا عمل ولا تطبيق، فلا تكونوا كاليهود ولا تكونوا حميراً.. والمسلمون في زماننا كيف يقرؤون القرآن؟ فالذي يقرأ جُزءً من القرآن ليسأل نفسه ماذا فهم من هذا الجُزء؟ وإذا قرأتَ: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة:1] -صدق الله العظيم- ثمَ تَوَقَّف، فهل فَهِمْت ما قرأت؟
[قوله: “صدق الله العظيم” هنا إشارة للتوقف، وبمعنى: انتهت القراءة، لأن القارئ عندما ينتهي من قراءته للقرآن يقول عادةً: صدق الله العظيم].
وهل فَهِمْت ما معنى الهُمزة؟ فالهمّاز هو المـُغتاب والنّمام، والله عزَّ وجلَّ يقول: “الويل” يعني الهلاك له، فسيَهْلك دينه وستَهْلك دنياه وستَهْلك آخرته.. وهو نَمّام وهمّاز ولَمَّاز، وأينما وُجِدَ فإنَّه يقول: فلان كذا وفلان كذا، ثمَّ يقول لأحدهم: أسمعت ماذا تكلَّم عنك فلان؟ كي يُثير العداوة والبغْضاء بين النّاس.. لماذا؟ وماذا تستفيد؟ وهل تأخذ عليه مالاً؟ لا، وهل لك منه ثواب؟ لا، إذاً لماذا؟ هو فضولٌ وتَدَخُّل في شؤون الآخرين وفيما لا يعني.. والأذى طبع.. وهو مثل العقرب.
فهذا: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة:5] فلماذا يغضَب إنْ قال له أحدهم: إنَّه حمِار؟ فيا ليته يكون حِماراً.. هل رأيتم حِماراً هُمَزةً أو لُمَزةً أبيضاً كان أو أسوداً أو بُنّياً؟ وهل رأيتم حِماراً يَغْتاب أحداً من الحَمِير؛ فيقول: هذا حِمارٌ ذَنَبه مقطوع، أو هذا حِمارٌ لا يفهم؟ وهل رأيتم حِماراً يشتغل بالنَّمِيمة بين الحمِير، فيُفَرّق الكلمةَ ويُحَوِّل الأصدقاء إلى أعداء، ويُفرِّق بين الأحْباب والأقارب؟ فإذا كان الحِمار لا يفعل كلّ ذلك، فالذي يفعل ذلك هو أكثر شرّاً من الحِمار، والحِمار أفقه منه، لأنَّه يصلّي صلاةً تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وهذا يُصلّي صلاة لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر.. يا بني سنموت، وكلّنا محاسبون، وكل أعمالنا مُسَجَّلة.
رؤيا أحد الصالحين عن الغِيبة:
يقول أحد الصّالحين: إنّه رأى في منامه جثّة عبْدٍ أسودٍ ميّتٍ، تُقدَّم إليه وهو مشْوِي، ويُقَال له: كُلْ من لحم هذا العبْد، قال: كيف آكل الـمَيْتة وقد حرّمها الله في قرآنه العظيم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة:3]، فَقِيل له: كُلْ من لحمه لأنّك بالأمس قد اغتبته: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ﴾ [الحجرات:12] فالذي يغتاب إنساناً كأنما يأكل لحمه مَيْتاً، وهكذا سيُحضر الله عزَّ وجلَّ له يوم القيامة جُثّةً كجُثَّتِه “فَطِيْسَةً”، [الفَطِيْسَة: تُطلَق في اللهجة العامية على جُثةً الحيوان المنتِنَة] ثمَّ يقول له: كُلْ، فكما أكَلْتَ من لحمِه في الدّنيا ستأكل من لحمِه في جهنّم.. فقال: لكنِّي لم أغتبه ولم أذكره بسوء، فكيف تكلّفونني أن آكل لحمه مَيْتاً؟ قالوا له: إنّك في الحقيقة لم تغْتبْه، ولكنْ ألم تجلس البارحة في المجلس الفلانيّ، وقد سمعت النّاس يغتابونه، فبقيت في مجلسهم واستمعت إلى غِيبَتِهم له؟ إذاً فأنت شريكهم.. قال: فاستيقظت من منامي فَزِعاً منزعجاً مُرعوباً، وآلَيْتُ على نفسي [وعزمت على نفسي] ألّا أجلس في مجلسٍ فيه غيبةُ إنسانٍ لإنسان.
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ﴾ وإذا لم تنتبه لنفسك إلا وقد أصبح هذا المجلس مجلس غِيبة: ﴿فَلَا تَقْعُدْ﴾ [الأنعام:68] فقمْ ولا تبقَ جالساً فيه.. فهل تستطيع أن تفعل ذلك؟ وهل تستطيع أن تَسْمع كلام الله وتقوم؟ وتقول لهم: يا أخي إنَّ هذا مجلس غِيبة، وأنا قد قرأت القرآن؛ قراءة عِلْم لا قراءة تلاوة ولا قراءة “شَرِيْط” [الشَّريط الـمُسجَّل عليه صوت قارئ للقرآن]، فالشّريط لا يفهم وأنا لست مثله، أنا إنسان مسلم، وقد قرأت القرآن للعِلْم لا للتّلاوة فقط، والله تعالى يقول: ﴿فَلَا تَقْعُدْ﴾ [الأنعام:68] هذا نهيٌ كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الإسراء:32].. فهل تستطيعون أن تفعلوا ذلك؟ فالذي يستطيع ذلك، ليرفع إصبعه! [الشيخ يخاطب الحضور]، ومن رفع إصبعه فليرفعها بحق لا كذباً.. تستطيع أن تكذب على الشيخ، لكن لا نستطيع أن نكذب على الله.
الفرق بين النمَّام والأفَّاك:
﴿فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام:68] وإذا قال لك نمّامٌ: هل سمعت ماذا تكلَّم عنك فلان؟ وإنَّ فلاناً فعل كذا.. فهذا النمّام ملعُونٌ أكثر من المـُغتاب بألف مرّة، فهو يفرّق بين الأحبّة، ويُثِير العداوة بين الأصحاب والأرحام.. يقول لك: سمعتُ البارحة أخاك أو جارك أو ابن عمك أو شريكك، سبّك وتكلم عنك بالسوء.. فإن كان ذلك حقيقة وكان صادقاً فيما يَنمّ فهو نَمّام، أمّا إذا كان كاذباً فيما يقول، فهذا نمّام وأفّاك، والإفك مِثْل قَوْل الذين اتّهموا السّيّدة عائشة رضي الله عنها بما اتهموها به، قال الله تعالى عنهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ﴾ [النور:11] أيْ بالكذب والافتراء والدَّسّ على أعراض النّاس وكراماتهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ [النور:11] كلّ [الذين اشتركوا في الإفك]، وليس واحداً فقط، فهذا يَشدّ على يد هذا، وهذا يُشجِّع هذا، وهذا يدفع هذا.. وإلى أين؟ إلى جهنّم وإلى غضب الله: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النور:11].
كان بعض الصّالحين إذا سمع أنَّ أحداً اغتابه يضحك ويُسرّ، فيقال له: خيراً ما الذي يضحكك؟ فيقول لهم: هؤلاء الذين يغتابونني، هم صابون و”شِنَان” يُغسِّلونني من خطايايَ وذنوبي. [الشنان: نبات كان يستخدم قديماً في التنظيف].
الغيبة وقصة ظافر حلاق مع الشيخ رجب:
قال لي مرّة أحد إخواننا “أبو عمر ظافر حلّاق”: إنَّه أتى إلى الشّيخ رجب وقال له: أرجوك يا شيخ رجب أريد منك طلباً، ولكنني أخاف ألّا تُحقّق لي طلبي، فقال له: إذا استطعت فسأُلبي لك طلبك، ولماذا يَضِنّ الإنسان بتحقيق حوائج النّاس، فضلاً غن إخوانه وأحبابه.. فقال له: لكنّنِي خائفٌ ألّا تفعلها؟ قال له: بل إني أفعلها، فقال له: يا مولانا إنَّ حسناتي قليلة جداً، وأنت ما شاء الله حسناتك كثيرة، وتكاد مستودعاتك لا تتسع لحسناتك، فأرجو منك أن تعطيني بعض الحسنات، بأنْ تغتابني أو تسبني في بعض المجالس، [يضحك الحضور] فلربّما تزيد حسناتي القليلة من حسناتك التي هي زائدة عن حاجتك.. قلتُ: إنَّ هذا فقيه.. وهذا درسٌ لكم.
وماذا تستفيد من الشخص الذي يستمع إليك وأنت تغتاب، حتى لو رضي عنك؟ هل يعطيك مالاً أو حسنات؟ أم يرفع لك درجتك عند الله؟ ولكنَّ الحقيقة ستظهر [عاجلاً أم آجلاً]، وستصير مَمقُوتاً من الطّرفين، وممقوتاً في الأرض وفي السّماء، فأطِعْ كلام الله وكُنْ مسلماً حقّ الإسلام، وهل تخسر شيئاً؟ واللهِ لا تخسر، بل على العكس.. وقُلْ للنّمّام هل تحبّ أنْ أجمعك مع الشخص الذي نقلت لي ما قاله عني، وتكرره أمامه حتّى أرى إن كان هذا الكلام صحيحاً أم غير صحيح؟ فإن فعلت ذلك فلا تراه إلَّا وقد اصفرّ وارتجف وباء بالخِزي.. وهكذا يقول القرآن: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ﴾ [القلم:10-11] مـُغتاب ﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم:11] فإذا أتاك بنميمةٍ فقل له: يجب ألّا أسمع كلامك، لأنّ القرآن ينهاني أن أصغيَ وأُعطي أُذُني للمُغتاب وللنّمام.
وخاصَّةً إذا كان الذي اغتابه من العُلماء ومن الدّعاة إلى الله، فالمسلمون يتلذّذون ويتفكّهون بالكلام على العلماء، كالذي يأكل الخِيار “التَّشْرِيْني” في شهر كانون الثّاني، [الخيار التَّشْرِيْنِي: الذي يُحصَد في شهر تشرين.. والذي يصير بعد شهرين أي في شهر كانون الثاني نادراً وغالٍ ومحبوباً] فإذا ما ذُكر الشّيخ ترى كلّ واحدٍ قدْ أخرج سكّينته، فهذا يريد أن يُجرّبها بابن الشّيخ وهذا بأنفه وهذا بخاصرته.. فهل هذا من الدِّين؟ والنَّبي ﷺ يقول: ((إذا أبغضَ المسلمون علماءهم وأظهروا عِمَارة أسواقهم)) 12 ليس لهم همٌّ إلّا المال، أمّا الصّلاة والزكّاة فلا حاجة لهم بها، ولا لهم حاجة بأنْ يتعلموا العلم في مجالس العلم، لأنَّهم إنْ تعلّموا العِلْم سيصبحون مُسلمين حقيقيّن، والشّيطان قد ارتضى لهم أن يصيروا مسلمين كذّابين، وبما أنَّ الشّيطان قد أعطاهم هوية “مسلم” فهذا يكفي بزعمهم.. وكأن الجنّة بيد الشّيطان غداً!
((وتأَلَّبُوا على جمع الدراهم)) فأصبح وِرْدهم [بدلاً من: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله] دولار دولار دولار.. ملايين ملايين ملايين.. معامل معامل معامل.. تجارة تجارة تجارة.. استيراد استيراد استيراد.. تصدير تصدير تصدير.. ثمَّ يأتي عزرائيل، فيَخْرُج منه شيء من الهواء [عند خروج روحه]، ثم يلُفُّوه “بخِرْقة” [الخِرْقَة: قطعة من الثوب أو القماش الممزق، وهي هنا كناية عن الكفن] ويضعونه تحت التّراب حتّى لا تخرج منه الروائح، ثمَّ سيحاسبه الله عزَّ وجلَّ على الفَتِيل والنّقير والقِطْمير، وسيحاسبه على كلامه وعلى وقته وعلى فرائضه.. فأين نحن من ذلك؟ وهل هذا مسلم وهذه مسلمة؟
﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان:33] فنظنّ بأننا خالدون فيها أبداً، وأنّ الشّباب يبقى شباباً، والوزير يبقى وزيراً، والغنيّ يبقى غنيّاً.. فأنت الآن لحمٌ يمشي، لكن عندما ينقطع تيارك الكهربائي تسقط، وتصير “فَطِيْسَةً” [الفَطِيْسَة: تُطلَق في اللهجة العامية على جُثةً الحيوان المنتِنَة] ولِكي لا تَخْرُج روائحُك فإنّهم يدفِنونك، وإذا لم يدفِنوك فإنَّ كلّ من في الحَارَة سيهرب من روائحك.. فارحم نفسك يا بني!
الافتخار يكون بالإسلام لا بغيره:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ [الجمعة:2] كان المجتمع كلّه جاهلاً، وكان مجتمعاً جاهليّاً وثنيّاً، ويتَّخِذ إلهه حجراً وشجراً وكَدَرَاً، وكانوا يعتقدون بالخرافات، فإذا أراد أحدهم أن يُسافر أو أنْ يذهب لعملٍ مُهم، أو أراد أن يُزوّج ابنته، فإنّه يشاور الغِربان -فكان “مجلسهم النيابي” هو مجلس الغِربان- فيبحث أحدهم عن غراب ويأخذ حجراً ويرميه على الغراب، فإذا طار الغراب إلى جِهة اليمين يقول: إنَّ هذا الأمر الذي يَنْوي القيام به من زّواجٍ أو سفرٍ أو تجارةٍ هو ناجحٌ وفيه خير لك، أمَّا إنْ طار الغرُاب إلى جِهة الشِمال، فهذا يعني أنّ الغُراب قد أعطاه تعليماتٍ بأنّ هذا الأمر سيِّئ.
وهذا ما يُسمى بالتَّطَيُّر، لأنّه مُشتقٌ من: تَطِيْر الطّير -وهو الغُراب- نحو اليمين أو نحو الشِّمال.. فكانت عقولهم أن يستمدوا قراراتهم من الغربان، فكم كانت هذه الأمّةُ راقية! وكم كانت العروبة عظيمة! ما شاء الله! [يقول ذلك سماحة الشيخ متعجباً على وجه التَّهَكُّم] ثم ننتسب للعروبة ولا ننتسب للإسلام.. والإسلام هو عِلْمٌ وحِكمةٌ وتزكْية.
فالإسلام في التاريخ قد فتح نصف العالم وجعلنا أسياد العالم، لا سيادة استعمار، بل سيادة تعليمٍ وتثقيف ومساواةٍ لكلّ شعوب العالَم ومؤاخاةٍ فيما بينها، وما أعظم جهالة وأعظم نداء على جهالة مَن يقول بالعروبة بلا إسلام! وكذلك أيضاً الذي يقول إنّ الإسلام بلا عروبة! فهل يضرني أن يُقال عني: “أحمد المفتي” أو “الشّيخ أحمد”؟ فهل هذه تنافي هذه؟
نحن عرب وإسلام، فإذا كانت العروبة جسد فالإسلام روحها، ولما تمثَّل العرب هذا المفهوم بحقيقته وجوهره، وكان في نفوسهم وعقولهم سادوا كلّ العالَم، أمَّا الآن فنحن عروبة بلا إسلام، وهذه فلسطين منذ خمسين سنة، هل استطعنا أن نحرّر منها شبراً واحداً، “نَتَدَخَّل على بُوْش وعلى غورباتشوف” وعلى غيرهم، [نَتَدَخّل على: نستنجد ونطلب العَون من “بوش” وهو رئيس أمريكا حينها، ومن “غورباتشوف” وهو آخر رئيس للاتحاد السوفييتي] فما استفدنا شيئاً إلّا الذّلّ تِلوَ الذلّ تلوَ الذلّ.
سيّدنا عمر رضي الله عنه هو قاهر كسرى وقيصر، وكانوا في ذاك الوقت أعظم أباطرة العالم.. أي هو قاهر “غورباتشوف” و”بوش” في زماننا.. فمَن قهرهم وهزمهم وحرّر العرُوبة والعرب مِن استعمارهم؟ هو سيدنا عمر رضي الله عنه.. ولمـّا حاصر المسلمون القدس، خرج رجال الكنائس ولم يقْبَلُوا أن يسلموها حتّى يأتيَ عمر رضي الله عنه، فلمَّا أتى عمر خرجوا إلى استقباله -وكان في الأرض مَخاضةٌ من طين- وكان مع سيدنا عمر خادمه فأرْكَبه على الجمل، وساق سيدنا عمر رضي الله عنه الجمل به وخاض مخاضة الطّين مُشمِّراً عن ساقيه.. فهل تجد شرطياً يفعل ذلك؟ أو حتى “آذِن” بلدية يفعل ذلك؟ [آذِن: مُسْتَخْدَم، وهو موظف لخدمة مكان أو شخص] وهل هذه اسمها ديمقراطيّة؟ أليس عيباً أن نقول ديمقراطيّة؟ إنّ ديمقراط عالم يوناني، وإذا قلنا مُحمّدية، فإنّ محمّداً ﷺ أشرف إنسان أتى على وجه الأرض، وذلك باعتراف وإقرار أكبر علماء الغرب.. إنّ الذي ألّف كتاب “المئة” [مايكل هارت، وكتابه: الخالدون المئة] انتقى مئة شخص من كلّ عظماء العالم، وجعل أعظمهم وأوّلهم سيّدنا محمّد ﷺ.. فهؤلاء يفهمون محمّد ﷺ ونحن نُنْكر محمّداً ﷺ! و[العرب] يعظّمون ديمقراط ولا يفهمون نبيّهم العربّي! فأيّ أمّة هذه الأمّة! وأيّ أُناس هؤلاء النّاس! هل هؤلاء مثقّفون؟ وهل هؤلاء متعلّمون؟ إن هؤلاء عندهم الجهل المُرَكَّب.
الجهل نوعان بسيط ومُرَكَّب:
والجاهل نوعان: بسيط ومركَّب، والجاهل البسيط هو الذي يجْهَل، ولكن إذا علّمته فإنَّه يَقْبَل التّعليم، وإذا ذكّرته فإنَّه يَقْبَل التّذكير، أمّا الجاهل المـُرَكَّب فإذا هَديته يرفض الهُدى ويُصرّ على الضّلالة، وإذا علّمته يُصِرُ على الجَهل ويرفض العِلْم، ويقول: أنا عالِم.
ووردَ أنَّ النّاس أربعة: “رجل يَدْرِي ويدري أنّه يدري”، فهذا عالمٌ ويعرف في نفسه أنّه عالِم، “فذلك عالِمٌ فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنّه يدري” لديه الاستعداد وكلّ المؤهلات لكنّه لا يعمل، “فذلك نائم فأيقظوه” وشدّوا همّته، وأمُرُوه أنْ يتحرّك -لكن بالأعمال قبل الأقوال، وفي القلب والذّكر قبل النّطق باللّسان- “ورجل لا يدري ويدري أنّه لا يدري، فذلك جاهلٌ فعلّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري”، وهذا هو الجاهل المركَّب، “فذلك شيطان فاجتنبوه” 13 ، كـالحَنَش [أفعى سوداء كبيرة] إنْ قلت له لا يجوز لك أن تؤذي النّاس، يقول لك: وماذا يحصل؟ إنّ هذا السّمّ موجودٌ في فمي ولا يضرّني.. لكنّ هذا السّمّ من مَعْدَنِه [طبيعته]، وهل يضرُّ مَعْدَنه؟ [هل يَضُرّ نفسَه بسمِّه؟]
فأنتم الموجودون في الجامع –هذه أمانة في أعناقكم- إن عددكم يكفي، بل نصفكم يكفي، وحتى ربعكم.. فعليكم أن تُعلِّموا ما تسمعونه لمن لم يسمعه، وتُعلّموا ما تعلَّمتموه لمن يَجْهله، فعلى الأخّ أنْ يُعلّم أخاه، وعلى الأخت أن تُعلّم أختها، “والحَمَايَة” تُعلّم “كنَّتَها”، والكنَّة تُعلّم حَمَاتَها، [الحَمَايَة: أم الزوج أو أم الزوجة، والكَنَّة: زوجة الابن] والجار يُعلّم جاره، والولد يُعلّم رفيقه، والتّاجر يُعلّم التّاجر، وعليه أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المـُنكر، ويدلّه على الخير.
فإذا لم تفعلوا ذلك، ولم تقرأوا القرآن من أجل العمل به، وأتيتم للدّرس لا للعمل، كنتم: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة:5].. نُهلِك الشّيخَ في اللّيل وفي النّهار، وفي سِنِّه الكبير وفي صحته وفي قلبه، ثمَّ بعد ذلك نسمع ونَخْرُج وكأنّنا لم نسمع شيئاً.. [كان سماحة الشيخ رحمه الله يعاني كثيراً من أمراض مزمنة، والتي كان القلب من بعضها، حتى أن الأطباء كانوا يمنعونه من ركوب السيارة ومن الكلام، لكنه مع كل ذلك كان يأتي للدرس ويتكلم قرابة ساعة ونصف بكل حيوية، ثم بعد ذلك يجلس لصلاة الجمعة، ويلتقي بعدها بالضيوف، لذلك كان من يلازمه من الأطباء يقولون: إن الشيخ يعيش بروحه لا بجسده، لأن الآلام التي يعاني منها لا يتحملها عشر رجال].
ونحن نريد أن يصير البذار سَبَلاً، والنّواة تصير نخلة، وذلك ابتغاء مرضاة الله، فلا نريد حب الظهور، ولا من أجل الجاه ولا المدح ولا الثناء، إلّا: “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”.. لكنَّ ذلك يحتاج إلى الذِّكر.. فإذا كان الغراب عنده وِرْدُه وكذلك البومة والجُرذ والفأرة، كما قال تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور:41] فلا ينبغي لك أن تكون أقلّ من حيوانٍ أو من ذبابةٍ أو من نحلةٍ.
قيام الحيوان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ [النمل:20] قال: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ [النمل:23-25]، ما شاء الله! هذا الحيوان آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المـُنكر، وهو حيوان! فكيف ببني آدم يرى المـُنكر ولا ينهى عنه، ويرى تَرْك المعروف ولا يأمُر به! ويفرّ من مجالس العِلْم إلى مجالس الحمقى والرّذيلة والجهل والجاهليّة، بل ويركض إليها كما تركض الجِرذان إلى الأماكن القذرة والنجسة، ثمَّ بعد ذلك نقول: إسلام ونحن ومسلمون! فالإسلام هو عِلْمٌ وحكمةٌ وتزكيةٌ وأخلاق، ومعلّمٌ ومزكٍّ وحكيم، فإذا فقدت الحكيم والمعلّم والمـُزكّي، فكيف تصير مسلماً؟ وكيف تريد أن تصير طيّاراً من غير معلّم ولا مدرّب، ولا تبذل الأوقات لتتعلّم وتتدرّب، وتطيع وتصغي وتسمع للمعلّم المدرّب؟
صلاح المجتمع في الدين:
فلا تحتقروا أنفسكم، فوالله قد أتى الإِذْن من حَضْرَة الله عزَّ وجل، ولكن عليكم فقط أن تكونوا حُكماء ورُفقاء وأطباء، [أطباء تترفقون بالناس، لا قضاة تحكمون عليهم]، وألَّا تتكبروا على النّاس وأنْ تتواضعوا لهم، وأن تكونوا حكماء ولطفاء ورحماء، ولا يكن غرضكم من ذلك إلّا خدمة الإنسان وخدمة المجتمع وخدمة الوطن، فهل يسوء الدولةَ إذا صار المجتمع كلّه فاضلاً؟ وصار كلّه صادقاً لا يكذب؟ ومستقيماً لا يُجْرِم؟ وأميناً لا يخون؟ وهل يُغْضِب الدولةَ وسلطات الأمن إذا كان الولد بارّاً بوالديه وغير مُبذّرٍ لأموالهما، وكان مُحسناً إلى الجار ومُحترماً للقانون؟ فالدِّين هو هذا! وإن الدين هو أعظم ما يُعين الدولة، لكن لا على طريقة الذين يسمّونهم بالأصوليّين، أو الذين يستعملون العُنف الذي لا يسمح به الإسلام ولا يرضى به.
يقول النّبي ﷺ: ((ما دخل الرّفق في شيء إلّا زانه، ولا دخل الخَرق)) الحماقة والعُنف ((في شيء إلا عابه وشانه)) 14 فنسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا من أهل القرآن.
﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة:2] فقد كان منهم وكان أُمِّيّاً، لكن من كان أستاذُه ومعلِّمُه؟ ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن:1-2] هل علَّمه القرآن تلاوةً فقط؟ بل أخلاقاً وحكمةً وتزكيةً، فإذا لم تقرؤوا القرآن على هذا المستوى فلا تقرؤوا، لأنكم ستَغُشّون أنفسكم.. كالذي يذهب إلى مكّة “بِدَوَالِيْب” مهترئة، [الدَوَالِيب: عجلات، والمقصود هنا عجلات السيارة] فهل الأفضل له أن يذهب ويَنْقطِع في الصّحراء، ويموت من العطش والجوع، أم الأفضل أن يبقى في بيته؟ فلا تَغُشّوا أنفسكم بإسلام التّقليد، واجعلوا إسلامكم إسلام العِلْم وإسلام الذّكر وإسلام الرّفيق الصّالح، واجتنبوا قُرناء السّوء، واحرصوا أن تكون مجالسكم مجالس عِلْم وتذكيرٍ ودعوةٍ إلى الله وإرشادٍ وتواضع.
((لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا)) وفي ميدان المرأة امرأة واحدة، ((خَيْرٌ لَكَم مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) 15 ، ((وخير لك مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)) 16 .
فاللّهمّ اجعلنا هادين ومهديّين، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.
Amiri Font
الحواشي
- مسند البزار، رقم: (4040)، (9/431)، تاريخ دمشق لابن عساكر (39/119)، بلفظ: ((عَنْ سُوَيْدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ جَالِسًا وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَاغْتَنَمْتُ ذَلِكَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ لَهُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: لَا أَقُولُ لِعُثْمَانَ أَبَدًا إِلَّا خَيْرًا لِشَيْءٍ رَأَيْتُهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَتْبَعُ خَلَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ يَوْمًا، فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ مَا جَاءَ بِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ مَا جَاءَ بِكَ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ عُمَرَ، فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ مَا جَاءَ بِكَ» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ أَوْ تِسْعَ حَصَيَاتٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ...)).
- تفسير الرازي، (17/149).
- ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، (2/ 341)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، (5/ 48)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، (1/ 81)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
- صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، (4/ 1919)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، (1/ 460)، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- سنن الدارمي، المقدمة، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب قبل مبعثه، رقم: (11)، (1/ 18)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (4599)، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيَّ، قال: ((أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: لِتَنَمْ عَيْنُكَ، وَلْتَسْمَعْ أُذُنُكَ، وَلْيَعْقِلْ قَلْبُكَ، قَالَ: «فَنَامَتْ عَيْنَايَ، وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ، وَعَقَلَ قَلْبِي» قَالَ: فَقِيلَ لِي: سَيِّدٌ بَنَى دَارًا، فَصَنَعَ مَأْدُبَةً، وَأَرْسَلَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ، دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ، لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ، وَلَمْ يَطْعَمْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَسَخِطَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ، قَالَ: " فَاللَّهُ: السَّيِّدُ، وَمُحَمَّدٌ: الدَّاعِي، وَالدَّارُ: الْإِسْلَامُ، وَالْمَأْدُبَةُ: الْجَنَّةُ ".
- صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، رقم: (2958)، (4/2273)، سنن النسائي، كتاب الوصايا، رقم: (6440)، (4/ 99)، عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ، بلفظ: ((يقول ابن آدم: مالي، مالي، قال: وهل لك، يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟))، وفي صحيح مسلم، رقم: (2959)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ)).
- المدخل لابن الحاج، (2/ 295)، بلفظ: ((قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمْ مِنْ قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ يَقُولُ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُوَ ظَالِمٌ))، وفي إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد للمليباري ص: (174)، عن أنس رضي الله عنه موقوفاً عليه: بلفظ: ((رب تال للقرآن والقرآن يلعنه)).
- مسند الفردوس للديلمي، رقم: (396)، (1/117)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
- تفسير روح البيان لإسماعيل حقي (5/ 203)، من كلام أبي يزيد البسطامي قدس سره.
- الإنجيل، إنجيل متى، (7/16)، (33)، قول سيِّدنا عيسى عليه السَّلام.
- المستدرك على الصحيحين للحاكم، رقم: (6998)، (4/97)، بلفظ: ((حُبُّ العرب إيمانٌ، وبغضُهم نفاق))، المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2537)، (3/ 76)، بلفظ: ((حُبُّ قريش إيمانٌ، وبغضُهم كفرٌ، فمن أَحَبَّ العرب فقد أَحَبَّنِي، ومَن أَبْغَضَ العربَ فقد أَبْغَضَنِي))، عن أنس رضي الله عنه.
- المستدرك على الصحيحين للحاكم، كتاب الرقائق، رقم: (7923)، (4/361)، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه بلفظ: ((إِذَا أَبْغَضَ الْمُسْلِمُونَ عُلَمَاءَهُمْ وَأَظْهَرُوا عِمَارَةَ أَسْوَاقِهِمْ وَتَنَاكَحُوا عَلَى جَمْعِ الدَّرَاهِمِ رَمَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ: بِالْقَحْطِ مِنَ الزَّمَانِ، وَالْجَوْرِ مِنَ السُّلْطَانِ، وَالْخِيَانَةِ مِنْ ولَاةِ الْأَحْكَامِ، وَالصَّوْلَةِ مِنَ الْعَدُوِّ)).
- أدب الدنيا والدين للماوردي ص: (75)، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، (2/48)، قال الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ: ((الرِّجَالُ أَرْبَعَةٌ: رَجُلٌ يَدْرِي ويَدْرِي أَنَّهُ يَدْرِي فَذَلِكَ عَالِمٌ فَاتَّبِعُوهُ وَسَلُوهُ، وَرَجُلٌ لَا يَدْرِي ويَدْرِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي فَذَلِكَ جَاهِلٌ فَعَلِّمُوهُ، وَرَجُلٌ يَدْرِي وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ يَدْرِي فَذَلِكَ عَاقِلٌ فَنَبِّهُوهُ، وَرَجُلٌ لَا يَدْرِي وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي فَذَلِكَ مَائِقٌ فَاحْذَرُوهُ)).
- المعجم الأوسط الطبراني، رقم: (2180)، (2/344)، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، بلفظ: ((مَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَه))، وفي مسند البزار، رقم: (7002)، (13/ 359)، بلفظ: ((مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إلاَّ زَانَهُ، ولاَ كَانَ الْخُرْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إلاَّ شَانَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ))، عَن أَنَسٍ رضي الله عنه.
- الزهد والرقائق لابن المبارك، باب فضل ذكر اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رقم: (1375)، (1/ 484) بلفظ: عَنِ ابْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا يُعَلِّمُ الدِّينَ قَالَ لَهُ: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
- المعجم الكبير للطبراني، رقم: (930)، (1/315)، عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)).