تاريخ الدرس: 1991/12/13

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:28:43

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى جميع إخوانه من النبيّين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، وبعد:

تفسير أواخر سورة الذاريات

نحن الآن في تفسير سورة الطّور، وقد مرّت معكم في آخر سورة الذّاريات آيةٌ تحتاج إلى زيادة توضيحٍ وبيان، وهي قوله تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ [الذاريات:52] فبعدما ذكر الله ما فعله بقوم نوح وإهلاكهم بالغرق بسبب طغيانهم، وكيف أهلك الله قوم هود بريحٍ صرصرٍ عاتية، وكيف أهلك الله ثمود بالصيحة والصاعقة لمّا تمرَّدوا وأصرُّوا واستكبروا، وكذلك كيف حَلِمَ الله على قوم فرعون وعلى رأسهم فرعون الذي قال: “أنا ربكم الأعلى” ثمّ أغرقه وجنودَه في اليمِّ.. فتدور كلّ الآيات في سورة الذّاريات حول: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ [الذاريات:5-6]، فتؤكد كلّ السّورة على أنّه لابدَّ من المحاكمة الإلهيّة للإنسان على أعماله من حسنات يُثابُ عليها في الدّنيا أو في الآخرة أو في كليهما، وإذا أحسن الإحسان الكامل فيقول الله تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ [النحل:30] فيكافئ الله المحسن في أعماله وفي أداء فرائض الله، وليست فرائض الله الصّلاة فحسب؛ فقد أدخل اللهُ امرأةً نارَ جهنم بسبب هِرَّة 1 ، وأدخل امرأةً بغيّاً زانيةً الجنّة وغفرَ لها بكلبٍ سَقَتْهُ 2 ، والقرآن يقول: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7] يعني يرى المكافأة عليه ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:8] يعني يرى العقوبة والمؤاخذة عليه.

صرح الإسلام لا يُبنى بالمجان

فبعد أن ذكر الله هذه الأمم وهذه الشّعوب للنبي صلى الله عليه وسلم تعزيةً له على ما كان يتحمّله من قومه في مكة من إيذاء ومن إعراض ومن عِناد ومن سباب ومن إشاعات ومن تعذيب للمؤمنين.. فالإيمان لا يُبنى على شطوط الأنهار، ولا يُبنى أي عملٍ ناجِحٍ بالراحة؛ فعليك أن تعطي كلّ شيء حقه، فتحصد إذا زرعت، وتنتصر إذا جاهدتَ، وتصير عالِمًا إذا تعلَّمتَ.. وكذلك مقام النّبوة الذي هو صناعة أمة، ونبينا صلى الله عليه وسلم مكلَّف أن يصنع أمم العالَم، وهذه المهمة لا تتحقَّق بالتّمني أو بالدعاء فقط، فالنبيَّ صلى الله عليه وسلم من حينِ ما اختاره الله للرّسالة إلى آخر نَفَس لم يُضِع ثانيةً واحدةً في أداء رسالته وفي بناء روحانيّته مع الله ذكرًا وتقرُّبًا وإقبالًا وامتثالًا ومسارعةً إلى مرضاة الله، وعندما أُذِنَ له بالدعوة بذل روحَه وحياته وتحمَّل كلَّ أنواع الإيذاء حتّى التّهديد بالقتل، وعندما هاجر كان بيتُه محاصَراً من قبل عدد كبير من المسلحين ليضربوه بسيوفهم ضربةً واحدة، ما ذنبه؟ يريد أن يجعلهم ملوك العالَم، ما ذنبه؟ يريد أن يجعلهم ملوك الأرض وملوك السّماء، لكنهم لم يفهموا عليه.

فهل فهم أبو جهل على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكذلك أبو لهب؟ فهل كان الحقّ على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل قصَّر النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان أبو جهل يرى أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على الباطل حسب ما أظهر له عقله ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8].

وعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مجلس دعوة يأتي أبو لهب إلى المجلس فيقول لهم: “لا تصدقوه فإنّه كذاب” 3 مَنْ؟ عم النبي صلى الله عليه وسلم، فالإنسان من طبعه التّأثر، ومع كل هذا كان صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله عز وجل ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6] فلم يتأثَّر ولم يحزن ولم يندم ولم يشتكِ، بل كان على الرغم من كل أنواع الإيذاء على ما ذكره الله عز وجل عنه أنّه سيُهلك نفسه من شدة حَزَنه على إيمانهم واهتمامه بإسعادهم، فأمره الله أن يخفف عن نفسه ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8] فهذا شأن طالب العلم إذا أراد أن يصير من ورثة الأنبياء، بأن يكون مثل الشجرة تُضرَبُ بالأحجار فترميهم بالثمار، يضربونها بالعصي وهِي تعطيهم التّوت والزيتون وأنواع الخيرات.

القلبُ الميِّتُ لا تنفع معه الموعظة

وبعد ذلك قال الله تعالى في حق المعاندين: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ [الذاريات:54] وقد قال عنهم في مواضع متعددة من القرآن الكريم: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة:18] فمهما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم لا يفهم ولا يتأثر ولا يعقل ولا يدرك، وقال أيضاً ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [محمد:16]، وقال عنهم: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا يقولون لبعضهم: كنتم عند النبي فما الذي استفدتم؟ فقال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ [التوبة:124-25] ازدادوا كفراً على كفرهم، ففي علم المعالجة بالصّوم الطّبي يقولون: “إنّ المريض إذا تغذَّى؛ يكون الغذاء غذاءً للمرض وتقويةً له، فإذا قطع الغذاء عن الجسم ينقطع الغذاء عن المرض ويصير الجسد يغذِّي نفسَه بنفسه من مدَّخراته من شحوم وبروتين وما شابه”.

وعن فئة ثانية قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ فلو رأوا الملائكة بأعينهم نزلت من السماء ويشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله ﴿وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ ولو خرج الأموات من قبورهم وقالوا لهم: “هذا رسول الله” ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ولو قالت الحجارة والشجر والحيطان: “هذا رسول الله” فقال الله عنهم: ﴿مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا [الأنعام:111] نسأل الله العافية.

هؤلاء أموات القلوب، وعلامة صاحب القلب الميت: أنه إذا اتُّعِظَ لا يتَّعظ، وإذا نُصِحَ لا ينتصح، ولا يفرِّقُ بين الحقيقة والباطل، بل يرى الباطل حقًّا والحقَّ باطلًا كما قال تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8].

طرفة: جحا وزوجته الحولاء

يقال: إنّ جحا تزوج امرأة حولاء، فلمَّا أحضر لها السَّبَت ليلة العرس قالت له: “يا ابن الحلال إنّ الوقت ضيق فلماذا أحضرت سَبَتين؟” وعندما ألبَسها الخاتم قالت له: “لماذا أحضرت خاتمين؟” وقدَّم لها ثوبًا فريداً، قالت له: “لماذا أحضرت ثوبين” فقال: “الحمد لله أن رزقنا الله امرأة ترى كل شيء مزدوجًا”.

وذات مرة قالت له: “يا قليل الشّرف، ويا قليل المروءة، ألا تستحي أن تُدخل معك عليَّ شخصًا آخر ويشبهك أيضًا؟” فقال لها: “يا بنت الحلال، شاهدي كل شيء على أنَّه اثنين ما عدا أنا فشاهديني واحد”.

لمن تنفع الذكرى؟

فمَن يضع النّظّارات السّوداء كيف سيرى الأبيض؟ وإذا كانت النّظّارات صفراء؟ كذلك إذا صار الغشاء على القلب أو إذا مات القلب كما يقول الله في آيات كثيرة، منها: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ [النمل:80] فإذا ذهبتَ إلى المقبرة ووعظتَ الموتى فهل يتّعظون؟ وإذا خوَّفتهم فهل يخافون؟ وإذا ناديتهم أيلبُّون؟ وإذا أمرتهم أيمتثلون؟ فلذلك قال الله له في حق هؤلاء: لا تعلِّق قلبك بهم واتركهم وما اختاروا ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ [الذاريات:54] فالذي يرفض ارفضه ولا تعلِّق قلبك به، وقال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ [فاطر:19] فمهما قلت للأعمى: “لون هذه القبعة أبيض” فإذا أصر على أنه أسود، فما الحجة التي ستقولها له حتى يقتنع؟ فهو قد فقد موضع القناعة وهو النظر.

كذلك المخذول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل زمان يرى الحق لكنه يبقى على عناده، فلمّا طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم معجزة انشقاق القمر، واستجاب الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم دعوته رحمةً بهم وجبرًا لخاطر رسول الله وانشق القمر: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِن يَرَوْا آيَةً [القمر:1-2] فهل تريد أعظم من هذه الآية والدليل والبرهان على صحة النبوة؟ ﴿وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ [القمر:2] فعندما انشق القمر قالوا: “هذا سحَّار قد سحركم” فقال بعض من يعرف السحر: “إن الساحر يسحر أبصار الموجودين، واصبروا حتى تأتي قوافل المسافرين” فأتت قافلة من القوافل، فسألوهم: “ماذا رأيتم على القمر؟” قالوا: “رأيناه في أسفارنا وقد انشق” 4 ولذلك كما قال تعالى: ﴿يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ فقالوا: “لم يسحر الحاضرين فقط؛ بل سحر الحاضرين والغائبين” كما يقال في المثل العامي: “المنحوسُ منحوسٌ، ولو وضعتَ بين عينيه مئة ألف فانوس” [المنحوس: قليل الحظ] أسأل الله ألَّا يجعلكم من المناحيس، ولا يجعلنا من المناحيس، ولا يجعلنا من أموات القلوب الذين لا يعرفون الحق، أو إذا عرفوه كانوا كما قال تعالى: ﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [القمر:3] فقد يعرف الحق ولكنَّه لا ينقاد إليه؛ لأن الإيمان لم يدخل في قلبه.

ولذلك قال الله عنهم في آخر سورة الذاريات: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53] يتجاوزون الحدود ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ [الذاريات:54] لا تنشغِلْ بهم ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ [النمل:80]، وآية أخرى: ﴿وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [البقرة:119] لم ينظر الله إليهم نظرَة العناية، لماذا؟ لأنّه هرب من أهل العناية، وعادى أهل العناية، فخزائن الله عز وجل مفتوحة لكلّ الخلق، ولكنْ إذا أعرض أحدهم فإنَّ الله عز وجل قد قال: ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا [النجم:29] وإذا تولّيت عنهم [يا محمد] فأنت غير مسؤول؛ لأنّك بلَّغت الرسالة وأدَّيت الأمانة.

ولكنْ بالنّسبة لباقي النّاس من غير هؤلاء المعاندين والأشقياء المحرومين فقال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] مَنْ كان بقلبه حياة، ومَنْ كان في قلبه إيمان، ومَنْ يقبل الحقائق بعقله.. فالأجانب الآن من الشعوب الراقية -وهذا ما رأيته بعيني- على أعلى المستويات السياسية كرؤساء دول؛ كرئيس جمهورية النّمسا، ونائب رئيس الدولة في ألمانيا، وفي تشيكوسلوفاكيا.. ففي جلسة ساعةٍ واحدة نزل رئيس الجمهورية يودّعني إلى الشارع وإلى باب السيارة، وهذا خلاف البروتوكول.

وكذلك الأمر مع رجال الدين، حكيت لكم أنَّ رئيس أساقفة أمريكا “الكاثوليك” -يتبعه خمسون مليونًا- بجلسة ساعةٍ واحدةٍ أيضًا نزل وودَّعني بالشَّارع مع تقبيل يد الإسلام وأمام الجمهور، فالمترجم الرسمي وهو أميركيٌّ، قال لي: “هذا خالف البروتوكول، فهو لا يودِّع أحدًا إلَّا من باب الصالة، فكيف ينزل هكذا إلى الشارع، وزيادة عليها يقبل اليد؟” فالذين في قلوبهم روحانية وربَّانية عندما يشمون رائحة الأوكسجين ينتعشون، أما إذا كان إنسان ميتاً فلو أحضرتَ له أوكسجين الدنيا لا تتحرك فيه يد ولا رجل ولا أصبع ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18] يعني إلى الحق، وقال في آية أخرى: ﴿فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] يعني الحقائق والحق.

أمّا الذين لديهم الاستعداد وعندهم الصفاء وجُبِلَتْ أرواحهم على قبول الحقائق، فقال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.

المقصود من الرزق

والمقصود من كلمة رزق في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ [الذاريات:56-57] أنّ كفار قريش كانوا يضعون لأصنامهم الطّعام اللّذيذ الشّهي، ولم يكن حينئذٍ حول الكعبة جدران ولم يكن مسجداً، بل كانت أرضاً فلاة برية، فكانت تأتي الكلاب في الليل فتأكل الطعام وتبول على أصنامهم، لذلك قال الله تعالى لهم: أنا لستُ كآلهتكم ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:57-58].

ثمّ قال: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا [الذاريات:59] هؤلاء الذين قال الله عنهم: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فهؤلاء قد ظلموا أنفسهم، فهل أحسن أبو جهل إلى نفسه أم أساء؟ وهل ربح أم خسر؟ وهل نجح أم فشل؟ وهل عُزَّ أم ذُلَّ؟

وهل ربح سيدنا أبو بكر رضي الله عنه أو خسر؟ وهل استفاد أو رجع بخفَّي حنين؟ نسأل الله عز وجل أن يوفقنا يا بني، فالموفق موفق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل زمان من عهد آدم إلى قيام الساعة، وغير الموفق يكون غير موفَّق في أي زمان، وهنالك من هو بَين بين، فعلى الإنسان أن يحذر من جليس السوء وعليه أن يفتش عن الجليس الصّالح، قال صلى الله عليه وسلم: ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِه)) 5 يعني على دين جليسه وصاحبه وصديقه، في السهرة والذهاب والعودة والوليمة والغداء، فانظر هل تنتفع بصحبته ومجالسته والسهر معه؟ قال الشاعر

فصاحبْ تقيًّا عالِمًا تنتفعْ به فصحبةُ أهلِ الخير تُرجَى وتُطلَبُ وإياكَ والفُسَّاقَ، لا تصحبنَّهم فقربُهُمُ يُعْدِي، وهذا مُجَرَّبُ

“لا تصحبنّهم” كما قال الله: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ [النساء:140] بمجرد المجالسة، فبمخالطة ملعقة لبن لإناء حليب ساخن إلامَ ينقلب الحليب عندئذٍ؟ ينقلب لبنًا من الصّحبة والمخالطة.. فبمصاحبة ومخالطة الأخيار تصير منهم، وبمخالطة الفجار والأشرار تصير منهم.

“فقربُهُمُ يُعْدِي” تصاب بالعدوى، فإذا صافحت أجربًا تصاب بالحكة بعد قليل، ثم يزيد الحك، ثم تخرج الدماء، وبعد ذلك تصير ناقلًا للعدوى أيضًا إذا صافحت غيرك.

عقاب الظالمين

ثمّ إنّ الله عز وجل ختم السورة بقوله: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ظلموا أنفسهم، فهل ظلموا النبي صلى الله عليه وسلم؟ فهل خسر النبي صلى الله عليه وسلم بكفر أبي جهل وأبي لهب وابن أبي سلول؟ مَن الذي انظلم وخسر؟ الذي خسر هم الذين أعرضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا الذَنوب هو الدلو الممتلئ، يعني هؤلاء قد امتلأ كيلهم ودلوهم، فإذا امتلأ الكيل ماذا يفعلون به؟ يفرغونه.

﴿مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ [الذاريات:59] يعني هؤلاء مثل قوم عاد، ومثل قوم سيدنا هود، ومثل قوم سيدنا صالح، ومثل فرعون، وكذا.. فإن الله عز وجل يمهل ولا يهمل، فإذا امتلأ كيلهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر.

لما جيء برأس أبي جهل في معركة بدر وألقي أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد لله شكرًا، وقال: ((الحمد لله الذي قتل فرعون هذه الأمة)) 6 ماذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم؟ فرعون هذه الأمة، رغم أنّ أبا جهل كان من عقلاء قريش وزعمائها، لكنّه باع عقله وأجَّره للشيطان، فهل ربح في الدنيا؟ هذا في الدنيا.

مرّة أحد الصحابة كان يمشي بساحة معركة بدر، وإذ به يرى شخصًا يخرج من قبره والنار تخرج من فمه ومنخريه [المنخار ثقب الأنف] وهو موثَق بالسلاسل والأغلال، ومَلَكٌ بيده قضيبٌ من نار يضربه وهو يصيح: “عطشان، اسقوني يا عباد الله” فجاء سيدنا عبد الله بن عمر أو غيره من الصحابة يريد أن يسقيه، قال له: “دعه؛ فإنه أبو جهل عدوُّ الله وعدوُّ رسوله” 7 ، هذا في القبر.

وغدًا في الآخرة، فقد قال تعالى: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يخاطب الله النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا له: لا تبتئس ولا تحزن إذا آذَوك أو أعرضوا عنك أو فعلوا ما فعلوا، فاصبر واحلم، فقد هيّء لهم الشّيء الذي هُيِّئَ لأصحابهم وأمثالهم ومَن سبقهم من الأمم ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا ما الذَّنوب؟ هو الدّلو لغةً، أما المقصود من الآية: يعني لهم نصيبٌ من العذاب، وسوط من سياط الله قال تعالى: ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ السّوط بالسّين: هو الكرباج ﴿سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:13-14] ينتظر الله أحدهم كمن يترقَّبُ الآخر، فهو له بالمرصاد والآخر يعمل ما شاء ولا يدرك أن هناك من ينتظره، ما إنْ يأتي حتى ينقض عليه.

﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا يعني لهم حصة من العذاب، وما يستحقونه ﴿مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ [الذاريات:59] لأنهم كانوا يقولون: “أَرِنا ما تعدنا به، ومتى هذا الوعد الذي تخبرنا عنه وتقول عن نفسك أنّك نبي، وأننا إذا لم نؤمن سيكون ويكون، فأَرِنا ما لديك”.

﴿فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا الهلاك والدمار والشقاء في الدنيا والآخرة ﴿مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الذاريات:60] إذا جاء يومك وما تبت إلى الله بالعمل والقول وتغيير السلوك والأخلاق والأصحاب وما يتصل بذلك.. فالتوبة لا تصير بقول: “أستغفر الله”، والزوجة لا تصير بقول: “أنكحتك” و “زوَّجْتُك” يحتاج الزواج إلى نقد ومهر وخطبة وأمور كثيرة يجب القيام بها، والزّرع لا يصير بالتمني، والمراتب العالية لا تُنال بالشّهوات والتشهي بأن تريد أن تصير وزيرًا أو أميرًا، قال تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ ‌سُوءًا ‌يُجْزَ ‌بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:123-124] النقير: هو النقطة التي تكون على ظهر نواة حبة التمر، نقطة صغيرة، قال: فلو عملتَ من الخير بحجم رأس الدبوس سيكافئك الله عليه ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ‌ذَرَّةٍ ‌شَرًّا ‌يَرَهُ [الزلزلة:7-8].

بداية سورة الطور

هذا بالنسبة لدرسكم الماضي، أما درسكم الحالي فهو تفسير سورة الطور: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ الرَّق: هو الجلد الرقيق الذي كانوا يكتبون عليه كتاباتهم؛ لأن في ذلك الزمان لم يكن الورق موجوداً، والورق أول مَن أظهره شعبُ الصين، ثم تعلَّمَ منهم العربُ صناعةَ الورق، ثم تعلَّمَتْ أوروبا من العرب صناعة الورق، فنحن أساتذتهم في تعليم الورق وفي كلّ العلوم؛ والنّهضة التي بدأوا فيها قبل خمس مئة سنة أخذوا كل علومها من العرب المسلمين في الأندلس وفي مالطة وفي شتى البلاد الإسلامية، ونام المسلمون.. والآن نتباهى بالماضي ونقول: “كنا” فكلمة “كنا” يعني آباؤنا كانوا، أمّا نحن فهل نكتفي بقول: “آبائي” أم يجب أن نقول: “أنا”؟ قيل: “كن عصاميًّا ولا تكن عظاميًّا” العصامي: هو الذي يبني مجده بنفسه، والعظامي: هو الذي يتباهى بالأموات الذين سبقوه.. نتباهى بصلاح الدين وبسيدنا خالد وفتوحاتهم، فهذه أعمالهم فأنت ماذا فعلتَ؟ قال الشاعر

نفسُ عصامٍ سوَّدَتْ عصامًا وعلَّمتْهُ الكَرَّ والإقدامَ

“سوَّدَتْ” جعلته ذا سيادة وسيِّدًا.

“الكَرَّ والإقدامَ” مرة يهجم ومرة ينسحب انسحابًا فنيًّا وحربيًّا ليكرَّ على العدو فيكتسب النصر.

فقد حلف الله في هذه السورة أربع أيمان من أجل أن نصدِّق كلامَه، لما نزلت هذه السورة صار سيدنا عمر يبكي وقال: “يحلف الله أربع أيمان، فما أحوجنا إلى أن يحلف الله لنا؟” 8 فما هذه الرحمة الإلهية! يقول الله لك: “إذا لم تصدقني سأحلف لك”، والحلف يكون دائمًا بالأشياء العظيمة والأشياء المقدسة كما أقسم في سورة الذاريات ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا [الذاريات:1-4] كذلك أربع أيمان، لماذا؟ يا إلهي لماذا تحلف؟ ما القصة؟ قال ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ [الذاريات:5-6] الدين: الإدانة والمحاسبة والمكافأة على الخير والمعاقبة على الشر، أربع أيمان، فهل صدقتم الله أم أن الله يحلف كاذبًا؟ حاشى! فلما تقرأ سورة الذاريات أتفهمها؟ وكذلك لما يقول لك ربّ العزّة: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ الوعد الإلهي بالثواب على الخير في الدنيا والآخرة، وهل الوعد الإلهي يكون كاذبًا؟ أتصدقون اللهَ أنتم يا بني؟ فإذا صدّقت الله فيجب أن تركض إلى الخير ما استطعتَ إليه سبيلًا ﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ [الذاريات:6] الإدانة، وإذا صدّقت الله فلن يعد بإمكانك أن تفعل ولو برأس أظفرك شرًّا لا مع عدو ولا مع صديق، ولا مع قريب ولا مع بعيد، وإذا صدقت اللهَ فقد قال الله تعالى: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22] فالموفق دائمًا يدين نفسه، وغير الموفق يدين غيره ولا يدين نفسه، يظن ّأنّ له حقّاً وليس عليه حقٌّ وكلُّ الحق هو ما يقوله، أما أن يظن أنه هو المخطئ وعليه حق فلا، فيظن أن الحق على الله عز وجل أما هو فما عليه حق.

لا يُقْسَمُ إلا بِعَظِيْمٍ

كذلك هنا أقسم الله عز وجل مجددًا أربع أيمان: أقسم بالطور، أيقسم الإنسان بشيء حقير أم صغير أم ليس له شأن؟ إذا أردتَ أن تحلفَ فهل تحلفُ برأس أبيك أم برأس الحمار؟ برأس مَن يحلف المرء؟ يحلف بشيء مكرَّم معظَّم، فإذا حلفت لأحدهم بأن قلت له: “وحقِّ رأسِ الحمار بأن الأمر الفلاني كذا وكذا” لعله يخاصمك بسبب الإهانة التي تعرَّض لها، ويقول لك: “هل أصدّق بالحلف برأس الحمار؟” أما إذا قلت له: “ورأس أبي” لاختلف الأمر، مع أن الشرع نهى أن يُحلَفَ بغير الله.

فقد حلف اللهُ في الطور، والطورُ: هو الجبل الذي اختلى فيه موسى عليه السلام بربّه وعكف فيه على ذكر الله والإقبال عليه حتى تقدّست نفسه وصفت روحُه فنزل عليه كتاب ربّه الذي هو “التوراة”، جبلٌ نزلت عليه شريعة السماء، ومَن الذي قَدَّسَهُ؟ فهل الجبل قدّس موسى أم موسى قَدَّسَ الجبل؟ فهل الكعبة شرَّفت سيدَنا إبراهيم عليه السلام أم أن سيدَنا إبراهيم شرَّف الكعبة؟ وهل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي شرَّف النبيَّ صلى الله عليه وسلم أم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي شرَّف المسجد النبوي؟ فنسأل الله أن يجعلنا نشرِّف الأشياء لا أن نتشرَّف بها.

كنت أسمع من شيخنا -قدس الله روحه- يقول: “ليس الرجل من يفتخر بأبيه، بل الرجل هو الذي يفتخر به أبوه” عسى أن يتباهى بنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، أمّا أن نتباهى بنبينا صلى الله عليه وسلم فهذا أمرٌ طبيعي، ولكن ما الفائدة من مفاخرتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا لا ننفع أصلًا.

﴿وَالطُّورِ يعني يحلف الله بالمكان الذي نزل فيه موسى مختليًا منقطعًا عن الخلق مقبلًا على الله بكلّيّته، فلما صفا وانقطع عن كل ما سوى الله، وكان بتمام الإقبال على الله ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام:79] صار قلبه كتابًا نُقِشَ فيه كتاب الله عز وجل وكلماتُه، ثم كُتبَت في “كتاب مسطور” ما الكتاب المسطور؟ التوراة، وكذلك نزل القرآن أيضًا على النبي صلى الله عليه وسلم، أين نزل؟ في جبل النور في مِنَى، كذلك انقطع النبي صلى الله عليه وسلم سنوات عن الخلق وتوجَّه إلى الحق، ترك الأصحاب والتجارة والزوجة النبيلة الجميلة حتى نال إيمانَ الأنبياء، وعلى كل واحد منكم أن يخلو مع الله في تهجُّده وفي ذكره لربِّه، قال تعالى: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35] ومع التوبة والإنابة.. والتوبة والإنابة طهارة الروح وطهارة النفس ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14] ماذا تعني ﴿تَزَكَّى؟ التزكية أن تنتقل من الرذائل إلى الفضائل ومن المعاصي إلى الطاعات، ومن صحبة الأشرار إلى صحبة الأبرار ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:15] عند ذلك يتحقق فيك “حيّ على الفلاح”، وعند ذلك تحصل على: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1].

في زمن السلف الصالح كانوا يسمون هذه المعاني “الذكر والتزكية والتخلُّق بالأخلاق الفاضلة” تصوُّفًا، وعلى هذا التصوُّف كان ابن تيمية، فقد كان ابن تيمية من كبار الصوفيين، وكان ابن القيم من كبار الصوفيين رضوان الله عليهم، لكنّ تصوُّفهم كان قرآنيًّا، وكان تصوُّفهم شرعيًّا، بعد ذلك تغيَّر التصوَّف كما تغيرت أكثر العلوم الشرعية، فدخل على التفسير الإسرائيلياتُ؛ فهل بدخول الإسرائيليات على التفسير ننبذُ التفسيرَ؟ ودخل على كلام النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديثُ الموضوعة، وفي العقيدة أوجدوا علم الكلام؛ فعلم الكلام لسنا بحاجة له، فعلم الكلام يُدرَس في الكنائس، وفي كثير من علمائنا مَن حرَّم قراءته، قال

فابنُ الصلاح والنواوي حرَّما وقال قومٌ ينبغي أن يُعلَمَ وَالقَولَةُ الـمَشهُورَةُ الصَّحِيحَة جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَة

أما أنا شخصيًّا فلا أحب ولا أرغب أن تؤخذ العقيدة إلّا من القرآن ومن السّنَّة المطهَّرة.

كذلك دخل على التصوُّف بِدَعٌ، ودخل على التّصوُّف زندقةٌ، ودخل على التّصوُّف إلحادٌ، وهنالك فئات من المسلمين ألحدوا من طريق التّصوُّف؛ لذلك أرى الآن أن نرفع اسم التصوُّف، واسم الطرق فلا نقول: “نقشبندياً ولا قادرياً ولا شاذلياً ولا أيّ مسمًّى آخَر”.. نرجع إلى طريقة القرآن، وتصوُّف القرآن؛ ألا يوجد في القرآن ذكرٌ؟ ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191] فنقشبندي اسم مثل “كفتارو”، فكفتارو: كفتاري، والاسم الثاني كذا، والثالث كذا.. [يقول ذلك سماحة الشيخ على سبيل الاستنكار، بل ويذكر اسمه كمثال لاسم، وعلى سبيل الرفض أيضاً] لماذا هذا يا بني؟ إذا أردنا أن ننسب الأمور إلى الأسماء لَكان الأَوْلَى أن ننسب الإسلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونقول: “محمدي”، وأبو بكر الصديق نقول: “أبو بكري”.. ارجعوا للقرآن والإسلام فقط، أنا منذ عشرين سنة قلت لكم: ارفعوا اسم “الطريق”، وكلّ شي يخالف القرآن [نرفضه]، فطريقتُنا طريقة القرآن، وطريقتُنا سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوجد في كتب الفقه أشياء -واللهِ- لا تُقرأ ولا تُسمع، فالرجوع إلى القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الأصل أولًا وآخرًا، حتى التصوُّف الآن ما عاد متوفِّرًا بالمعنى الذي كان عليه الإمام القشيري والمعنى الذي كان عليه الإمام الغزالي.. فمن كل العلوم لم يبقَ قشورها، بل قشور القشور؛ أما القرآن فمعصوم ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] كما أن السنَّة الصحيحة أيضًا حفظها الله عز وجل ببركة رجال الأحاديث.. الخ.

فأقسم الله بالكتاب المسطور: وهذا يشمل التوراة ويشمل الإنجيل الذي أُنزِلَ على عيسى عليه السلام ويشمل القرآن، فحلف الله بها.. مكتوبةً ﴿فِي رَقٍّ ما الرَّق؟ الجلد الرقيق، لأنّه لم يكن لديهم في زمانهم ورق.

﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ [الطور:4] البيت المعمور هو الكعبة والمسجد الحرام، بماذا مُعَمَّر؟ ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18] فلم يحلف الله بأيِّ مسجد، فإذا لم يكن بالمسجد مَن يعمِّره بالإيمان بالله وباليوم الآخِر وإقامِ الصلاة وإيتاء الزكاة وخشية الله فهذا مسجدٌ خَرِبٌ مهجور.

ويوجد في بعض الأحاديث أنه يوجد مقابل الكعبة في الأرض هنالك في السماء -في كل سماء- بيتٌ مثل الكعبة يسمى البيت المعمور تطوف به الملائكةُ، يطوف حوله كل يوم سبعون ألف ملك فلا يرجعون إليه 9 ، يعني هنالك كعبةٌ أيضًا في السماوات للملائكة.

فسواءٌ كان البيت المعمور للملائكة في السماء، أو البيت المعمور الكعبة بالأرض، فقد حلف الله به.

كم يمينًا صاروا؟ ثلاث، ثمّ قال: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور:5] ما السقف المرفوع؟ هي السماء، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء:32] فالسّماء وما فيها من عوالم.. والتي تراها نجمة بحجم النقطة يوجد منها ما هو أكبر من أرضنا بملايين المرات، وهناك مجموعات من نجوم مؤلَّفة من ملايين الملايين من النجوم تسمى مجرّات، وقد اكتشف علماء الفلك في عصرنا الحديث مليارات المجرَّات.

من رحمته سبحانه أن يحلف لعباده حتى يصدِّقوا

فما أعظمك يا الله! ما أعظمك أيها الخالق العظيم، أيها المدبِّرُ الحكيم، ذو المُلْك والملكوت! هو يحلف لك ومَن أنت يا قشرة بصلة؟ [المقصود ليس له قيمة] لكنْ كم دَلَّلَك اللهُ سبحانه؟ وكم رفع قدرك إذ يحلف لك؟ وإذا حلف لك ولم تصدّقه فما أشقاك! إذا قال رئيسنا حافظ الأسد لك كلمة أتقول له: “احلف لي يمينًا”؟ أتجرؤ؟ وإذا حلف لك يمينًا وما صدَّقت وما عملت، ألا تستحق العقوبة؟ فإذا كان رب العالمين هو الذي يحلف، وليست يمينًا واحدة، فأقسم بالطور، يعني بالطور المقدَّس الذي قُدِّسَ بموسى وبالتوراة التي أٌنْزِلَتْ على موسى، وبكتابٍ مسطور: بكل كتابٍ نزل من السماء ثم سُجِّلَ وكُتِبَ في رقٍّ منشور، وأقسم أيضًا وحلف بالبيت المعمور، هل الله يحلف؟ لِـمَن يحلف اللهُ؟ فأنت تحلف للعظيم، أمّا العظيم فهل يحلف للحقير؟ لكنْ مثل الأب الشفوق الحنون حينما يحلف لابنه، يقول له: “واللهِ يا بني.. واللهِ أنا لا أريد لك إلا الخير.. واللهِ يا بني أنا أريد لك السعادة” وإذا لم يصدِّق فماذا يكون عندئذٍ؟ غير موفَّق.

فأنتم هل تصدقون الله إذا حلف لكم؟ أَوَيجب على الله أن يحلف لكم؟ نحن الآن لا نريد كلامًا بكلام، يجب أن نرى أعمالًا.

﴿‌وَالْبَيْتِ ‌الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور:4-5] السماء بما فيها من عوالم، يقول علماء الفلك: إنّ المجموعة الشمسية تتكون من عشرة كواكب، واحد منها مسكون، ويوجد مثل المجموعة الشمسية مليارات، إذا كان في كل مجموعة عالَم واحد مسكون، إذًا فالعوالم المسكونة تُعَد بالملايين والملايين.

والبحر المسجور: البحر الذي خلقه الله ممتلئًا، وفي معنى آخر: المسجور هو المشتعل.

إن عذاب ربك لواقع

ها هي خمس أيمان ﴿وَالطُّورِ هذا واحد ﴿وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ، ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ، ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ أتصدقون الله الآن بعدما حلف لكم؟ قال: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:7] العذاب على الكافر وعلى المجرم وعلى الظالم وعلى الطاغي في الدنيا أو في الآخرة أو في الدنيا والآخرة.

﴿مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ [الطور:8] إذا نزل عذاب الله، وأراد اللهُ أن يعذِّب الإنسان فهل من أحد يستطيع أن يمنع ذلك؟ فلما أراد الله أن يغرق فرعون فهل استطاع أحدٌ أن يدافع عنه؟ وحينما أهلك اللهُ عاداً قوم هود فهل استطاع أحد أن يدافع عنهم؟ كذلك الله هنا يخاطب قريشاً، ولكن قريشاً الوثنية عَبَدَة الأصنام فَهِمُوا على الله [واستجابوا له].

لما فتح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مكة وكان قد أهدر دمَ بعض الكفار شديدي الكفر، حتى إنه قال لأصحابه عن بعضهم: “لو رأيتموه متعلقًا بأستار الكعبة فاقتلوه”، بسبب التخريب والهدم الذي ألحقه بالإسلام، فجاءه أحدهم بعد صلاة الفجر وكان الوقت وقت عتمة، ولم تكن الإنارة موجودةً، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: “ما تقول يا محمد إذا أتاك فلان مؤمنًا؟” فعرفه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك عرفه الصحابة إذ كان ضوء الشمس قد بدأ بالبزوغ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأعاد عليه مرة ثانية فسكت صلى الله عليه وسلم، ثم مرة ثالثة فسكت صلى الله عليه وسلم، وبعد ثلاث مرات قال له: ((أجل نقبله، واللهُ يتوب عليه)) وعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة وقال لهم: ((لماذا لم يقُم أحدكم بالسيف فيقطع رقبتَه؟)) والنبي صلى الله عليه وسلم قد أباح قتله، فقالوا: “يا رسول الله لو أشرتَ إلينا بطرف عينك” لو غمزتنا لَما توانينا، فماذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال لهم: ((ما كان لنبيٍّ أن تكون عنده خائنة الأعين)) 10 هذا هو الإيمان يا بني، هذا هو الإسلام، أما أن تُظهر شيئًا وتفعل عكس ذلك بطرف عينك، فهذه خيانة.

أتفهمون؟ فهل تريدون أن تصيروا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو على سنة إبليس أو على سنة أبي جهل أو أبي لهب؟ والأمر لا يكلف الله شيئاً، فيوجد في جهنم الكثير من الشواغر، قال تعالى: ﴿هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ [ق:30] ((حَتَّى يَضَعَ الجبار قدمه فيها فَتَقُولُ قَطْ قَطْ امتلأت امتلأت)) 11 ، فلا تظنوا أنكم إذا عملتم كل ما تشتهون أنه لا يوجد مكان لكم فيها، ويرفضونكم، لا، فجهنم فاتحة فمها وتنتظر زبائنها، لا جعلنا الله من زبائنها.

ومتى هذا اليوم وهذا العذاب؟ ومتى يقع عذاب الله الموعود في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ؟ قال: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا [الطور:9]، ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1]، ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1] ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ ‌انْتَثَرَتْ [الانفطار:2] لما تقوم القيامة حينئذٍ تنتثر نجوم المجرة كلها، ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ ‌نُسِفَتْ [المرسلات:10] ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ ‌سُجِّرَتْ [التكوير:6] فكل البحار تشتعل.

فهذا العذاب ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا فتتساقط النجوم كلها وتفنى مجرتنا كلها مع أرضنا، ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا [الطور:10]، ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ [المرسلات:10] وصارت ﴿كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة:5]، معنى ذلك: أنّ الأرض لن تعد صالحة للحياة، فينقلنا الله إلى عالَم آخر، والانتقال سيكون إلى ذلك المكان الجديد والسكن والإقامة والوطن على حسب أعمالك وإيمانك وأخلاقك وتقواك ومراقبتك لله في الرضى والغضب، وفي العسر واليسر، وفي الحبّ والكراهية، مع الحبيب ومع العدو.. فلا يصح أن تخرج عن أوامر الله وعن شرعه إذا صدَّقْتَ أيمان الله.

هل صدَّقَ المسلمون بأيمان الله؟

فهل صدقتم اللهَ بيمينه؟ فكم يمينًا حلف اللهُ لكم؟ أصَدَّقتموه؟ صدقتموه هنا بالحكي! وإذا وكزك [أحدهم] أو دفعك دفعة بسيطة أو عنيفة فنسيتَ هذه الأيمان كلَّها فهذا يعني أن الإيمان لم يدخل في قلبك، وإذا تهيَّأ لك طَمَعٌ بمالٍ حرامٍ أو فائدةٍ ووضعْتَ كلام الله وراء ظهرك؛ فهذا يعني أنك ما صدَّقْتَ اللهَ وأنكَ من المكذِّبين لله في أيمانه، وإذا كنت قويًّا مع ضعيف له حقٌ عندك لكنه لا يملك بيِّنة بين يديه؛ لا سند ولا كاتبُ عَدْلٍ ولا أي شيء يثبت حقه، أيحتاج المؤمن لسندٍ وكاتبِ عَدْلٍ؟ أيحتاج لشهودٍ وبيِّنةٍ؟ بل يقول لهم: “أرجوكم خذوا حقكم وخلِّصوني من هذه الأمانة وخلِّصوني من حق الله عز وجل” قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون من المفلس؟)) قالوا: “المفلس فينا من لا مال عنده ولا متاع”، قال: ((لا، ولكنّ المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيام وحجٍّ وقيام، ولكن قد ضرب هذا، ولعن هذا وأكل مال هذا، وفعل كذا وكذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، حتى إذا لم يبقَ له حسنات وضع الغرماء سيئاتهم عليه ثم سُحِبَ به إلى النار)) 12 أتؤمن بكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ تقول: “أشهد أن محمدًا رسول الله” فالعمل هو الذي يشرح معنى “رسول الله”! أما أن تحكيها بالكلام وتخالفها بالأعمال فأنت لم تؤمن بأنه رسول الله.

بيننا أخ من إخواننا اسمه “أبو عمر ظافر” الحلاق، جاء إلى الشيخ رجب، وقال له: “يا شيخ رجب: أنا حسناتي قليلة وهِمَّتِي ضعيفة، وأنت -ما شاء الله- حسناتُك كثيرة وأعمالك الصالحة كثيرة، وكذا..” قال له: “وماذا تريد؟” قال له: “أريد منك أن تعطيني بعضًا من حسناتك، حتى إذا أتيتُ يوم القيامة ووزنوا لي أعمالي عسى أن ترجح كفة حسناتي وأنجو بين يدي الله”، قال له: “وهل الحسناتُ تُعطى؟” قال له: “أجل” قال له: “وكيف ذلك؟” قال له: “اشتمني شتيمةً أو سبني واغتبْني غيبةً وتكلَّم عليَّ؛ فإذا عملتَ ذلك تكون قد أعطيتني من حسناتك دفعةً أو دفعتين لأكمل حسابي مع الله يوم القيامة”، هل هذه صحيحة يا شيخ رجب؟ هو حكاها لي هكذا، [يؤيد الشيخُ رجبُ بأنها صحيحة] إذن هي صحيحة، فهل أعطيته شيئًا؟ [يسأله سماحة الشّيخ ضاحكاً ومباسطاً]

حقيقة المريد الصادق

فيا حسرتي على الجاهل! الجاهل بكلام الله، والجاهل بدينه الذي ليس له شيخ مربٍّ، فالشيخ المربي واللهِ أعظم من مئة ألف طبيب، فالطبيب تسلِّمُ له عقلَكَ وسمعَكَ وبصرك وقلبك، وعندما يعطيك إبرة مخدّر يخدِّرك بها فتصير حينها جثةً هامدة بين يدَيه، فإذا رأيتَ الوارث لرسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبَ القلوبِ وطبيب الأرواحِ وطبيب الإيمانِ، وما سلَّمتَ نفسكَ له.. فإذا لم تُسَلِّمْ عينَك للطبيب تبقى أعمى طول عمرك، وإذا أردْتَ أن تصير مع الطبيب فوق الطبيب، فأنت ستعلمه، وتنتقده، وتريد أن تسمع كلام شياطين الإنس في شأنه؛ فهل تنتفع عندئذٍ من الشيخ؟ أرجو من الله أن يوفقنا يا بني، فالذي يسمع كلام كل شخص ويتأثر به فهذا لا ينتفع من الشيخ ولو جالسه ألف سنة.

يحكى عن مريد أنه سمع أن لدى شيخه اسم الله الأعظم -هذا الذي إذا دعا به المرءُ استجاب اللهُ دعوته مهما كانت- فذهب إلى شيخه حتى يتعلَّم اسم الله الأعظم، وصار يقول له [متوسِّلاً]: “يا سيدي..”، فيُجيبُه: “اصبر، اسحب أوراد، تهجَّدْ، تعبَّدْ.. الخ” وهو على هذه الحال سنة، سنتين، ثلاث سنوات، ثم قال له: “إلى متى يا شيخي؟” قال له: “طَيِّب، خلال الأيام القليلة المقبلة إن شاء الله تعالى”، ثم قال له: “لكنني أريد منك الآن أن تأخذ هذه العُلبة وتعطيها لِفُلان”، فأخذ العُلبة، وبينما هو في الطريق بدأ شيء في العلبة يخشخش [يصدر صوتاً وحركة] ففتحها وإذ بفأر يقفز منها، فرجع إلى الشيخ، وقال له: “يا شيخي أتهزأ بي؟ أتُحَمّلني صندوقًا فيه فأر؟” قال له: “يا بني إذا لم تكن أمينًا على فأرة، فكيف تريد مني أن أؤمِّنَكَ على اسم الله الأعظم؟”.

ومريد آخر عرف أن شيخه وليٌّ كبير، فقال له: “يا سيدي أرجوك اصنع لنا كرامة ليعرِفَ الناس فضلك وينتفعوا من علمك” وألحَّ عليه في ذلك، فعلى قدرِ ما ألحَّ عليه قال له: “لك ذلك، ويوم الجمعة القادم سأظهر الكرامة على المنبر إن شاء الله” فأشاعَ الخبرَ بين الناس قائلًا لهم: “تعالوا، شيخي سيفعل كرامة كبيرة” فجاء الناس على حسب ما حكى لهم، فلما صعد الشيخ على المنبر لم يروا إلا بعصفور قد دخل، فقال الشيخ للعصفور: “اقعد على كتف فلان اليمين” فقعد على كتفه اليمين، “اقفز من كتف فلان واقعد على رأس فلان” ففعل، وصار العصفور يمتثل أوامر الشيخ تماماً كما يقول، وكلما يأمر الشيخُ ينفِّذ العصفور، فخرج الناس من الجامعِ والبلدُ لا حديث له إلا كرامة الشيخ وأن الشيخ أوتي منطق الطير وتفهم عليه العصافير والشّحارير [جمع شحرور] والقيقان [الغربان] والجرذان، وفي الجمعة التي تليها أقبل الناس أفواجًا ولم يتَّسع لهم الحرم الخارجي ولا الداخلي ولا الأسطحة، حتى أن السقف سيخر من كثرة الناس عليه، وبينما كان الشّيخ يصعد على المنبر انتقض وضوؤه بطريق الريح الذي له صوت، فلمّا انتقض وضوؤه بصوت مسموع صار الناس ينظرون إلى بعضهم البعض وإلى المريد ويقولون له: “الشيخ فعل كذا.. الشيخ فعَّال” وما إلى ذلك، [من أدب سماحة الشيخ في هذا المجلس العام أن يعبِّر عن الكلمة التي قالها الناس بكلمة “فَعّال” ولا يذكر تلك الكلمة المعروفة، والتي تقال لمن يُخرِج الريح مع صوت من دبره] ثم بدأوا يخرجون واحداً تلو الآخر من المسجد حتى ما بقي إلّا الصف الأول أو الصف الأول ونصف الصّف الثاني، فالمريد المسكين ماذا جرى له؟ شعر بالحرج الشديد، وانسلق بدنه مثل القشة في طنجرة البخار، [السَّلْق: طهي شيء من اللحم في قِدر فيه ماء على النار، والقَشّة: باللهجة الدمشقية، هي طبخ أمعاء الخروف حيث تُنَظَّف بالماء الساخن ثم تُحشى بالرز واللحم وتُطبَخ. والطَنْجَرَة: إناء الطهي] فبعد الصلاة قال له: “يا شيخي أهكذا تفعل معنا؟ أذهَبْتَ تعبي” فقال له الشيخ: “يا بني، إن المريد الذي يأتي بعصفور ويذهب بصوت ينقض الوضوء فهذا قدرُه قدر ما أنقض الوضوء”.

نسأل الله عز وجل أن يثبَّتنا، فنحن نريد أن نعلِّم الشيخ، ونريد أن نفهِّم الشيخ، ونريد أن نعلمه التقوى، ونريد أن نعلمه دينه، ونقول: لماذا فعل الشيخ ذلك؟ ولماذا ذهب؟ ولماذا رجع؟ ألا يتعامل المسلمون اليوم بهذه الطريقة مع الشيخ؟ وليس ذلك وحسب؛ بل إنّ منهم من يَكذِب على لسان الشيخ أو على بنات الشيخ أو على زوجة الشيخ، كأنه خُلِقَ ليعادي الإسلام الـمُجَسَّم بالشيخ، فهذا لا يعادي فلانًا وفلانًا، بل يعادي الله ويعادي النبي صلى الله عليه وسلم ويعادي الإسلام والقرآن والإيمان، كما قال تعالى: ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:104] فماذا عنكم أنتم؟ هل تأخذكم كلمة وتأتي بكم كلمة؟ تأتون بعصفور وتذهبون بالقليل من الهواء؟ ويا ليت الهواء كان له قيمة.

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ [الطور:7-8] هاتان الآيتان إذا دخل إيمانهم بقلبك عندئذٍ تصير مسلمًا حقًّا، ولا تستطيع أن تقصِّر في أداء فرائض الله ولو بمثقال ذرة، ولا تستطيع أن تنتهك محارم الله ولو بقدر ذرة، ولا تستطيع أن تؤذي حتى نملة، قالوا: “البَرُّ هو مَن لا يؤذي الذَّر”، إذا عَمِلْتَ ذنبًا تبقى تذكره حتى تمحوَه بعملٍ صالح ولو مضى عليه خمسون سنة، هكذا يكون الإسلام، أتريد أن تكون مسلمًا؟ هكذا يكون المسلم، وإن أردتِ أن تكوني مسلمة؟ هكذا تكونين مسلمة، لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم الموت صعد المنبر وقال: ((لعلي ألقى ربي، فمن كان له عندي مظلمةٌ من مال فهذا مالي، أو في عرض)) إذا كنتُ قد سببتُه أو حكيتُ عليه أو اغتبتُه: فليتكلم في، ((وإذا ضربته فهذا بدني فليضربْني، ولا يقل رسول الله يغضب، فإن رسول الله لا يغضب من الحق)) 13 .

لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد المؤمنين فقد آمَن بأيمان الله، وآمَن بـقوله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ فهل أنتم مؤمنون؟ وإذا آمنتم فهل تجرؤون بعد الآن أن تستخدموا ألسنتكم كمِقَصّ الاسكافي؟ [الاسكافي: مصلح الأحذية] وهل تنظرون بعينكم للحرام؟ وهل تسمعون بأذنكم للغيبة والنميمة والكلام الباطل؟ أتستطيعون؟ أيمكنكم أن تظلموا ضعيفًا أو مسكينًا أو أي إنسانٍ عاديٍّ؟ كفى يا بني.

فقد قهر سيدنا عمر رضي الله عنه كسرى وقيصر، ولما قالت له امرأة: “ليس لك ذلك يا ابن الخطاب” كان وقَّافًا عند كتاب الله، والموفَّق ليس الذي يحاسب الناس، بل الموفق هو الذي يحاسب نفسَه، ومهما حاسبها يراها مذنبة وتحتاج حساباً أكثر، أما غير الموفق فهو الذي يعطي نفسَه هواها وينصِّبُ نفسَه قاضيًا على الناس، يقول: “هذا راح، وذاك رجع، والآخر تزوج، والرابع أكل، شرب، فعل..” وصف الله المؤمنين بقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] فكيف عن الإثم؟ فاللّغو بأن يقول: “راح فلان وجاء فلان وأكل فلان وشرب فلان” أمّا الإثم إذا اغتبته أو نمِّيت عليه أو آذيته أو أكلت الحرام أو جلست في مجلس حرام، هل هذا إيمانٌ؟ أين نحن؟ أنت تدعو أن يتوفاك الله على الإيمان، والله يتوفاك على الإيمان إذا دخلت مصنع الإيمان كي يُصْنَع لك الإيمان، أما إذا كنتَ جالسًا بين الحمير وتريد أن تتزوج من ملكة الجمال، ولا ترسل النساء ليخطبوا لك إلا في الخانات، [الخان: بناء خاص للحيوانات المعدة للركوب] ولا يوجد في الخانات إلا البغال والكُدُش وإناث الحمير، [الكدِيْش: يشبه الحصان كثيراً، ولكنه أقل ثمناً، كان الناس يستخدمونه كثيراً للركوب] فلذلك اتقوا الله، واذكروا الموت بشكل دائم، أيوجد بيننا مَن يضمن لنفسه الآن أنه سيخرج إلى الشارع حيًّا؟ أليس هنالك من مات بسيارته، أو يموت وهو يأكل، وهناك من كان يستحمُّ فمات، وقد يكون شاباً لا يعاني من مرض فيموت على فراشه، فإذا مِتَّ وأنت مثقل بالأوزار، وتارك كل فرائض الله أو معظمها، ومرتكب الحرام، فإذا قال الله لك: “كم يمين حلفت لك؟” ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1] أليس هذا يمينًا؟ ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1] أليس هذا يمينًا أيضًا؟ ﴿وَالذَّارِيَاتِ [الذاريات:1] أليس هذا يمينًا أيضًا؟ أيمان كثيرة قد حلف لك وما صدَّقتَه، فإذا عاقبك الله عقاباً شديداً أهذا كثير عليك؟ وإذا ألقاك بنارٍ ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24] أكثير عليك؟ فَدَعُونَا نجدد إسلامنا، وننتقل من إسلام القَوْلِ والتَّمَنِّي إلى إسلام العمل والخُلُق والمربِّي.

أشقى الناسِ مَن لا يشعُرُ بذنْبِهِ

قال: ﴿يَوْمَ تَمُورُ تضطرب السماوات والنجوم وتتساقط، والحال كما قال تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وقوله: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ [الانفطار:1]، فقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [الطور:11] الويل هو الهلاك والشّقاء والتّعاسة والحسرات والنّدامات.. لكن القاتل إذا قتل وحاكموه ووضعوا حول رقبته المشنقة أيفيده الندم؟ وإذا ندم وبكى وصيَّح وقال: “يا ليتني ما عملت”؟ فالعقوبة والمشنقة يومئذ للقاتلين، وكما أنك إذا لم تصدِّق اللهَ ولم تستجب لأوامره فإذا مارت السماء مورًا، وسارت الجبال سيرًا، وقامت القيامة: و((مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ)) 14 فهذه القيامة الصغرى، ﴿فَوَيْلٌ الويل والهلاك والشقاء والتعاسة والندامة لمن؟ ﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ [الطور:12] كانوا يخوضون في الباطل وفي الغيبة وفي النميمة وفي الحرام بالأقوال والأعمال، مثل الأولاد الذين يخوضون في النهر الصغير، يخوضون في هذه المحرَّمات كأنهم يلعبون لعب الأولاد الصغار، أي كأنهم ما فعلوا شيئًا، يجلس جلسةً كلها حرام من أولها لآخرها، وينزل فيها غضب الله عليهم وهم لا يشعرون، فالميِّتُ إذا لدغه عقربٌ أيشعر؟ وإذا التفَّ ثعبان حول رقبته أيخاف؟ هل هذه رجولة؟ إذا التفَّت حَيَّةٌ طولُها شِبْرٌ ونصف على رقبتك أتخاف منها أم لا تخاف؟ [يسأل الشيخ أحد الحضور هذا السؤال] وإذا التفت أفعى ثخينة على رقبة مَيِّتٍ أيخاف؟ أيهما أشجع أنت أم هو؟ التفضيل يجب أن يكون باتحاد الجنس، أما بين حي وميت فلا يوجد تفاضل؛ لأن الجنس ليس موحَّدًا، فالذي لا يخاف من معصية الله، ولا يخاف من تهديده، ولا يخاف من قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ فهذا ميِّت الإيمان وميِّت الإسلام، حتى ولو كان يصلي! فقد قال الله عن هذه صلاة وأصحابها ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ [الماعون:4] حتى ولو حج ولو صام، ((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ)) 15 ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ؟)) هذا إذا صلى وصام وحج، وإذا كان لا يؤدي الصلاة ولا الصوم ولا الحج ولا الزكاة ولا يقرأ القرآن، قد يسمع القرآن لكنه يسمعه للنغم، فيسمع الـمَغنى ولا يسمع الـمَعنى، لماذا؟ لأنّ سماع المعنى والتأثُّر به لا يكون إلا ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

لذلك لو اجتمعتَ بالشيخ طبيب القلوب ومزكِّي النفوس، والذي يبني لك إسلام القرآن والسنة، وأما البدع فهي مردودة كلها سواء كانت باسم التصوُّف أو باسم غيره، فلا نعرف إلّا القرآن والسنة، وكل ما خرج عن الكتاب والسنّة مهما نُسِبَ إلى أيِّ منسوب كان ومهما كان فنتركه، فنحن مع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عند ذلك إذا مارت السماء مورًا، وإذا قامت القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظل عرشه يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ..)) 16 رأى سيدنا موسى عليه السلام رجلًا في ظل العرش، فقال: “يا رب: من هذا الذي كرمته هذه الكرامة وقرَّبتَه هذا القرب؟” فقال: “هذا كان لا يمشي بالنميمة، ولا يعقُّ والِدَيه” 17 يعني كان بارًّا وكان لسانه طاهرًا ونظيفًا.. هذا عن اللّسان، أما عن الأذن فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ [الإسراء:36] إذا كان في قلبك غِشٌّ أو خيانةٌ أو رياءٌ أو سمعةٌ وتريد أن يسمع الناس فيك.. اجعل هدفك أن يسمع الله فيك وأن يراك ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) 18 فإذا رآك الناس وقدرت على غشهم، لكن أيمكنك أن تغش الله؟

واللهِ لا ينفعك الناس وواللهِ لا يملكون أن يضرُّوك، أمّا الله فهو الضار وهو النافع، فنسأل الله أن يرزقنا تقوى القلوب، وتقوى الأعمال وتقوى الأخلاق وتقوى السّمع والبصر والفكر، حتى نكون مصدّقين لله في أيمانه وفي كلامه، أيجب على الله أن يحلف لنا الأيمان؟ وإذا حلف الأيمان وعملنا بعكس ما حدَّثنا، فما العقاب الذي نستحقه حينئذٍ؟ هل نستحق جهنم أم سبعين جهنم؟ فهل تحسب حسابَ الموت؟ أتحسب حساب سؤال القبر؟ أتحسب حساب القيامة؟ أتحسب حساب الوقوف بين يدي الله تعالى؟ إذا سألك الله عن القرآن آيةً آيةً “هل علمتَها؟ وهل عملتَ بها؟” فماذا ستجيب الله؟ لا تعرف.

يحكى أنّ سيدنا موسى عندما ناجى ربه قال له: “يا ربّ، هؤلاء العباد أسألك الرأفة بهم فلا يطيقون أن تدخلهم نار جهنم وتحرّقهم فيها” وتعذبهم بأنواع العذاب المختلفة بأن تَشْوِيهم وتَقْلِيهم.. [الشيخ يتكلم بالعامية، وهنا يستخدم العامية لتقريب الفكرة للأذهان، فكلمتَيْ: “تشويهم وتقليهم”: من الشواء والقَلي، وهما أشكال للطبخ على النار] يعني لماذا وُجِدَتْ جهنم؟ قال له: “يا موسى ارفع ثوبك” لعله كان يلبس رداءً طويلًا -ثوبًا أو جلابيةً- [الجلابية: ثوب فضفاض يكون من الكتفين إلى القدمين، يلبسه العرب تُفصل على مقاس وحجم الجسم وتكون واسعة معظم الأوقات ولها أشكال وألوان عديدة وتختلف من بلد لآخر، وتسمى أيضاً الدشداشة والكندورة] فرفع فقال له: “ارفع أكثر”، فرفع، فقال له: “ارفع أكثر”، فرفع، قال له: “ارفع أكثر”، فرفع فوصل للركبة، قال له: “ارفع أكثر”، فرفع لنصف الفخذ، قال له: “ارفع أكثر”، قال له: “يا رب رفعت حتى لم يبقَ إلا ما لا خير فيه”، قال له: “كل عبادي يدخلون الجنة إلا من لا خير فيه” 19 .

التاجر الفاشل هو الذي يبيع آخرتَه بدنياه

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ يا بني ﴿لَوَاقِعٌ [الطور:7] و ﴿مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ [الطور:8] في الدنيا والآخرة، قال الله عن قوم فرعون: ﴿أُغْرِقُوا هذا عذاب الدنيا ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح:25] هذا عذاب الآخرة.. ولما أهلك الله قوم عاد بريح صرصرٍ عاتية كان هذا عذاب الدنيا، وفي الآخرة هنالك عذاب جهنم، فالذي يخسر الدنيا والآخرة أَيَفْقَهُ هذا الإنسان شيئًا بالتجارة؟ أتاجرٌ هو؟ والذين صدقوا مع الله الصدقَ الحقيقيَّ واللهِ كسبوا الدنيا والآخرة، وهذا الآن وغدًا وإلى يوم القيامة ﴿وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم:6].

﴿فَوَيْلٌ ما الويل؟ الهلاك والتعاسة والشقاء والعذاب ﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ دائمًا يخوضون في الباطل وفي الحرام وفي المعاصي وفي الكفر ﴿يَلْعَبُونَ [الطور:12] كأنهم يلعبون، وكأنهم لم يفعلوا شيئاً [منكَراً].

﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطور:13] الدَّع: الدفع، يعني ترفسه الملائكة بأرجلهم رفسةً من أعلى جبلٍ في جهنم لأسفل وادٍ من وديانها يهوي سبعين سنةً حتى يصل إلى قعر الوادي.

﴿هَٰذِهِ النَّارُ أما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ؟ فقال تعالى: ﴿هَٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ [الطور:14] لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم القرآن ويحدِّثهم عن القيامة ويُسْلِم الناس، فكانوا يقولون: “هذا سحر، وهذا كذب”، فيوم القيامة تقول الملائكة لهم: ﴿أَفَسِحْرٌ هَٰذَا؟ فقد أخبركم النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن القيامة وعن الآخرة، وصارت الناس تؤمن وتُقبِل، أرأيتم جهنم؟ هل هذا سحرٌ؟ ﴿أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ [الطور:15] كنتم عُمْيَ القلوب، وعُمْيَ العقول، وعُمْيَ إدراك الحقائق ﴿اصْلَوْهَا هيا إلى جهنم فادخلوها ﴿فَاصْبِرُوا قد يدخل المرء السجنَ ويصبر سنةً أو سنتين ولا يُظْهِرُ الجزع، فيقال: “فلان رجل، فلان صامد، فلان كذا” لأن وراء الصبر نجاةً، ويصبر على الفقر فيعمل ثم يُغنِيْه اللهُ، ويصبر على المرض وعلى الوجع ويداوي نفسه فيُشفَى، أما في جهنم ﴿‌فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا إذا صبر فليس له من مخرج وإذا لم يصبر فما له من نجاة.

يا بني فهل أنت مؤمن بهذا القرآن؟ وهل انطبع بمعانيه حتى تتحول فيك إلى أعمال وأخلاق وسلوك؟ وإذا لم تُلْصِق قلبك بقلب العارف بالله، وإذا لم يلتصق قلبك حُبًّا وقربًا بقلب العلماء ورثة الأنبياء؛ فلا يمكن أن تصل إلى حقائق القرآن حتى تتمثَّل فيك أعمالًا وأخلاقًا وسلوكًا وواقعًا، لذلك كانوا يهاجرون خمس مئة كيلومتر، يتركون أهاليهم ويعادون الناس، كلّ ذلك لأجل هذا القرآن عِلمًا وعملًا ومعلِّمًا ومربِّيًا ومزكِّيًا.

﴿‌فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا من يصبر بالسجن سنتين أو ثلاثًا يخرج في النهاية، أمّا بجهنم فإذا صبر وكان من المكذِّبين أينجو؟ أيفيده الصبر؟ وإذا لم يصبر “ودَقّ رأسه بالحائط”؟ [عَذَّب نفسه كثيراً] كذلك لا يستفيد.

﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:16] ماذا زرعت؟ إن زرعت قمحًا تحصد قمحًا، وإن زرعت شعيراً تحصد شعيرًا.

قصة من زرع شعيراً ليحصد قمحاً

يحكى أن عبداً كان له سيد، وكان سيده فاسقًا يزني ويفسق ويشرب الخمر وعنده مشاكل وظلم وتعدٍّ على الناس وغير ذلك، وكان لسيّده مزرعة، ففي يوم من الأيام وبوقت البذر قال له: “خذ هذا المبلغ من المال، واشترِ مئة كيس من القمح وازرعهم” فذهب هذا العبد، وبدل أن يشتري القمح اشترى شعيرًا وزرعه، ولمّا صار وقت السبل جاء سيده ليرى الزرع ففرك سنبلة وإذا بها شعيراً، وكذلك الثانية والثالثة وأخذ من أطراف مختلفة، فوجده كله شعيراً، فنادى لعبده، قال له: “أنا ماذا أعطيتك؟” قال له: “كذا”، قال له: “وماذا قلت لك؟”، قال له: “قلت لي أن أشتري مئة كيسٍ من القمح”، قال له: “وماذا اشتريت؟” قال له: “شعيراً”، قال له: “وتقول لي ذلك بكل وقاحة؟”، قال له: “يا سيدي لماذا أسمَيتَها وقاحة؟ أنا دائمًا أقول لك يا سيدي تب إلى الله، واترك الفسق والضلال، اترك الظلم والعدوان، اترك قُرَناء السوء” وتقول لي: “الله غفورٌ رحيم، والله عز وجل رحمته واسعة” وأنا كذلك زرعتُ شعيرًا وقلتُ: “رحمته واسعة” والذي يستطيع أن يحوِّل السيئات إلى حسنات، ويضع المجرمين في مقام المتقين، أفلا يستطيع أن يحوِّل الشعير إلى قمح؟” قال له: “أَتَهْزَأُ بي؟”، قال له: “أفتهزَأُ أنتَ بالله سبحانه؟” فكان العبد أستاذ سيده، وكانت توبة ذلك السيد على يد عبده.

فلْنَتُبْ على يد الشيخ يا بني، توبةً صادقةً ننصحُ بها أنفسَنا، قال تعالى: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ما التوبة النصوح؟ هي أن تترك الذنب وصحبة الفسقة والأشرار ولا تعود إلى الذنب ولا إلى صحبة الفجار والأشرار، هذه ما اسمها؟ التوبة النصوح، قال تعالى: ﴿وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:71].

جزاء المتقين

﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:16] وقال تعالى في الحديث القدسي: ((يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)) 20 ، هذا جزء من الحساب لأحد الطرفين وهم الأشقياء والطغاة والمجرمين والفساق والكفار.

وفي الطرف الآخر هناك الحساب للمتقين، ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين اتقوا الكفر، واتقوا المعاصي، واتقوا الفسوق، واتقوا الشر، واتقوا الأشرار، واتقوا الفُسَّاق، فلا يمكن أن تصير صالحًا وأنت غارق في صحبة الفاسقين، ولا يمكن أن تصير ذاكرًا ومجالستك مع الغافلين، ولا يمكن أن تصير عالِمًا وأنت بعيدٌ عن العلماء ودائمًا في مدرسة الجاهلين قولًا وعملًا وخُلُقًا وسلوكًا.

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين اتقوا كلّ هذه المعاني ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] الجنّة هي البستان كثيف الأشجار الذي إذا دخل أحدهم بين أشجاره لا يُرى، وقد وصف الله حال المؤمن في العالَم الثاني بألفاظ الدنيا، أما الحقيقة فبساتين الجنة غير بساتين الدنيا، وكلّ شيء ممّا في الآخرة وموجود منه في الدنيا لا وجود منه في الدنيا إلا الاسم، هل هناك فرق بين العروس بالاسم وبين العروس [الحقيقية] ليلة العرس؟ فهكذا الفرق بين بساتين الدنيا وبساتين الآخرة، وهل الآخرة بعيدةٌ عنا؟ أطويلٌ زمانها؟ فهل تستحق الدنيا أن ننشغل بها عن الله؟ أو نعصي بها الله؟ أو نعصي الله فيها أو بها سواء بشبابها أو مالها أو جاهها أو حكمها؟ أين الملوك؟ أين الأغنياء؟ أين الشيوخ؟ أين الأنبياء؟ هل العمر يدوم؟ أما كنتم أطفالًا؟ أما كنتم رُضَّعًا؟ أما كنا أَجِنَّةً في بطون الأمهات؟ غدًا نكون في القبور، فهل نحن مستعدون إذا سألنا اللهُ فقط عن سورة الطور، بأنني: “حلفت لكم خمسة أيمان”؟ فالكافر الجُبير بن المطعم لما سمعها قال: “انصدع قلبي ودخل الإسلام في قلبي” 21 ، هذا وثني وعابد صنم، أما أنتم المسلمون فهل تأثرتم كما تأثر؟ لأنه كان هناك روح صافية وعقل كبير، فنسأل الله ألّا يجعلنا من عُبَّاد الهوى ﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ [القمر:3] ثمّ إنّ الحقائق هي التي ستثبت عند العاقبة، أمّا الباطل ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81] فالدّنيا والحياة والملك والغنى كلّها غثاء كغثاء السّيل، وهذا لا يعني أن تترك الحياة، لا، بل اجعل الدنيا جسرًا للدار الآخرة، وتزوَّد من دنياك إلى آخرتك فتسعد في الدنيا والآخرة.

هل مِنْ أَحَدٍ سلك طريق التقوى وشقي؟ لما اتقى الصحابةُ الله حق التقوى بكل أوامر القرآن ماذا صاروا؟ وإلى أين وصلوا؟ حطموا الاستعمار العالمي الشرقي والغربي في عشرين سنة، بمعركتين، فمعركة اليرموك كم يوم كانت؟ ستة أيام، والقادسية -الاستعمار الشرقي- [أربعة أيام، فهزموا الاستعمارين] بعشرة أيام.

قصة سماحة الشيخ مع البابا

الآن واللهِ لو يرجع المسلمون إلى الإسلام سنفتح العالَم الغربي بألوف من الدعاة، فالآن لا يمكن أن تقوم حربٌ قتاليةٌ؛ لأن السلاح النووي لا غالب فيه ولا مغلوب ولا منتصر ولا مهزوم، فالطرفَان هَالِكَانِ، والعالَم الغربي -وقد رأيت هذا بعيني ولامَسْتُهُ بنفسي- لما دعاني البابا لإلقاء محاضرات دعا لها كرادلة العالَم، والكرادلة هم المرشحون للباباوية، ألقيتُ محاضرتين، واحدة في الفاتيكان، وهي عاصمتهم والمقر العام لمحاضراتهم، ومحاضرة في جامعة ميلانو، ثمّ دعاني للقاء خاص محدد بـ (15) دقيقة، وبعد ربع ساعة دخل السكرتير ليعلمنا بانتهاء الوقت، فأشار له بيده أن ارجع، لعله ذاق فاستطعم فاستلذَّ بالطعام الشهي.. هذا البابا عندما يجلس معه رئيس جمهورية [تُحَدَّد له] (15) دقيقة فقط ولا تكتمل للدقيقة السادسة عشرة؛ وإن حدد اللقاء بعشرين دقيقة لا يتعداه للدقيقة الواحدة والعشرين، بقي معي جالساً ستين دقيقة، قلت له خلالها: “يا سيادة البابا أتعرف مَن الذي خلق الإلحاد والشيوعية؟” قال لي: “مَن؟” قلت له: “أنت!” أيستطيع أحدٌ أن يقول ذلك للبابا؟ لكن فضل الله وكرم الله وبركة رضى شيوخنا رضي الله عنهم ويُرَضِّيهم عنا في الدنيا والآخرة، قال لي: “أنا؟” لكنه انزعج، فلمّا رأيته قد شعر بالإزعاج قلت له: “وأنا معك، الحق علي وعليك، علينا نحن رجال الدِّين” قال لي: “كيف؟” قلت له: “لأننا نعرض الدِّين بشكل غير مقنع، بشكل غير عقلاني”.. يقول القرآن دائمًا: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ [المؤمنون:117] فالقرآن يقول: إذا كان لديه برهان ودليل مقنع بأن مع الله إلهًا آخر، قال: فأنا أقبل، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ كحقيقة واقعة ﴿فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] هذا القرآن، فالإسلام لا يوجد شيء يقف أمامه.. قلت له: “وإذا بقينا على ما نحن عليه بأن نعرض الدِّين بشكل غير عقلاني، فلو ذهبت الشيوعية سيبقى الإلحاد، وأنا وأنت -يعني رجال الدين- المسؤولون عن الكفر والإلحاد في هذا العالَم” لما انتهى اللقاء، وَدَّعني إلى الباب وصافحني، وعند المصافحة كان معي الشيخ بشير الباني.

تقصيرنا في الدعوة إلى االله تعالى

فأين المسلمون؟ أين المسلمون؟ أين مَن يَعْرِفُ الإسلام؟ ومَنْ يُعَرِّفُ بالإسلام بالأقوال والأعمال؟

منذ يومين سمعت خطاب الأستاذ عبد الحليم خدام في المؤتمر الإسلامي، واللهِ سُرِرْت، لأنه يتضمن الدعوة للإسلام، فيه الدعوة والاعتزاز بالإسلام، ورفع الرأس بالإسلام، وهو رجل مؤمن وصائم ومصلٍّ، لكنْ أن يدعو في مؤتمر وأمام العالَم إلى الإسلام ويعتز بالإسلام!

فإذا لم نرجع إلى الإيمان علمًا بأن نتعلَّمه من مصادره.. فأنت تتعلم الفرنسية من أستاذ اللغة الفرنسية، والجغرافيا من أستاذ الجغرافيا، والخبز من الفَرّان، والنجارة من النجار، أما أن تتعلم الإسلام من زوجتك أو من حماتك أو من أمك فلن تصير مسلمًا، إذا أردت أن تتعلم النجارة من زوجتك ومن حماتك أتصير نجارًا؟ وهل تصير خبازًا؟ فأين نحن؟

كان السلف الصالح يمشي أحدهم أربعين يومًا حتى يسمع حديثًا نبويًّا واحدًا، فأرجو من الله عز وجل الله أن يوفق رئيسنا، وأن يوفق كلّ حكامنا لنعود إلى الإسلام عملًا على مستوى الشعوب والعلماء؛ فالعلماء مقصرون جدًّا -وأنا أعرف حق المعرفة- أنّ الجو مهيّأ كل التهيُّؤ، سواء الجو الغربي والجو الشرقي، والجو في الشرق الأقصى، تذكرون الوفد الياباني لمّا أتى إلى هنا [جامع أبي النور] وأعلن إسلامه، وهو رئيس أحد الأديان الثلاثة، وتذكرون اتحاد الكنائس الأعلى لمّا اجتمعوا هنا منذ سنتين، ماذا قال كل واحد منهم لما بدأ كلمته؟ قال: “بسم الله الرحمن الرحيم” أعلن كلّ واحد منهم وحدانية الله والإيمان بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ممثَّلون ليس لكنيسة واحدة بل ممثَّلون للكنائس العالمية.

فهذا هو الإسلام بهذه القوة وهذه العظمة، ولكنّ السيارة مهما كانت جيدة إذا قادها سائق “طنبر” عربة تقودها الحيوانات أو سائق دراجة هوائية فهل تؤدِّي الحقيقة التي صُنِعَتْ من أجلها؟ وكذلك الطائرة إذا ساقها سائق جرار زراعي أو سيارة عادية أتطير؟ كذلك الإسلام يحتاج إلى مَن يُحْسِن الإبلاغَ به وعنه، بالقول وبالعمل وبالقلب وبالخُلُق وبالحقيقة، ويكون بعيداً عن كل ما هو بعيد عن القرآن والسنَّة ولو نُسِب إلى أي منسوبٍ كان، سواء إلى صوفية أو إلى مذهبية؛ فنرجع إلى القرآن وإلى مذهب الصحابة، فماذا كان مذهب الصحابة؟ ما صحَّ من السنَّة وواضح القرآن، وهذا هو مذهب كل مسلم حقيقي.

فعسى الله أن يوفقنا ويوفق رئيسنا ويوفق كل ملوك ورؤساء المسلمين لنصرة القرآن، ونصرة دين الله كما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ونجتاز كلّ هذه المراحل الزمنية التي مرَّت وصار فيها الانحراف أو الجمود أو الدّخائل التي دخلت على الإسلام بكلّ علومه، ونكون من المجدِّدين، مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَبْعَثُ الله عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لأمتي أمر دِينَهَا)) 22 ، ((يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ)) الغلو والمغالاة ((وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ)) يعني العقائد الباطلة ((وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ)) 23 .

فهذا الذي سمعتموه الآن صار أمانة في أعناقكم وفي رقابكم بأن تعملوا به وتعلِّموه للنّاس بأقوالكم وأعمالكم، وإذا فعلتم ذلك فالذي سمعتموه يكون عِلْمًا نافعًا، وإذا سمعتم من هنا وخرج الكلام من هنا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، ومِنْ عَمَلٍ لا يُرْفَعُ، وَمن قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، ومن أذن لا تسمع، وأعوذ بك من هذه الأربع)) 24 .

مُلْحَق

صديقنا الشيخ حسين أبو العُلا من صلحاء المدينة المنورة، كان من الصالحين، عمَّر مسجدًا في المدينة المنورة وسماه مسجد بلال، فنقرأ له تهليلة من باب:

((إنَّ اللَّهَ يَسْأَلُ العبد عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ)) 25

كان محبًّا للشيخ ومحبًّا لكم، ومحبًّا لطريقتكم في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ، فنسأل اللهَ الرحمة والمغفرة له، ونشاركه بالتهليلة.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، رقم: (3140)، (3/1205)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (2619)، (4/ 2109)، بلفظ: ((عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)).
  2. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم}، رقم: (3280)، (3/ 1279)، صحيح مسلم، رقم: (2245)، (4/ 1761)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ)).
  3. مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (37720)، (14/ 300)، صحيح ابن خزيمة، رقم: (159)، (1/ 82)، بلفظ: ((عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا، وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيَهُ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تُطِيعُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: غُلاَمُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ؟ قَالُوا: هَذَا عَبْدُ الْعُزَّى أَبُو لَهَبٍ))، وفي تفسير القرطبي (20/ 216)، وتفسير الماوردي (6/ 364)، بلفظ: ((عن عبد الرحمن بن كيسان قال: كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفد انطلق إليهم أبو لهب فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون له: أنت أعلم به منا فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر فيرجعون عنه ولا يلقونه)).
  4. دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (559)، (2/ 266)، تفسير ابن كثير (4/ 316)، بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: "انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين، فقال كفار قريش أهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة اُنْظُرُوا السُّفَّارَ، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَرَوْا مِثْلَ مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ. قال: فَسُئِلَ السُّفَّارُ، قال: وقدموا من كل وجهة فقالوا: رأيناه".
  5. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8398) (2/ 334)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9436)، (7/ 55)، مسند الطيالسي، رقم: (2696)، (4/299)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِه، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)).
  6. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (4246)، (1/ 444)، مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (37852)، (14/ 373)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8469)، (9/82)، واللفظ: عن عبد الله بن مسعود، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقلت: إني قد قتلت أبا جهل، قال: «الله الذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟» قلت: الله الذي لا إله غيره لأنا قتلته، فاستخفه الفرح، فقال: «مر أرنيه» فانطلقت به حتى وقفت به على رأسه، فقال: «الحمد لله الذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب» قال: وقد كنت ضربته بسيفي فلم يحك فيه، فأخذت سيفه فضربته به حتى قتلته، فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه.
  7. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (6560)، (6/335)، التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي، ص: (392)، بلفظ: ((عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا سَائِرٌ، بِجَنَبَاتِ بَدْرٍ، إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ حُفَيرٍ، فِي عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ، فَنَادَانِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ اسْقِنِي. يَا عَبْدَ اللَّهِ اسْقِنِي، فَلَا أَدْرِي، أَعَرِفَ اسْمِي أَوْ دَعَانِي بِدِعَايَةِ الْعَرَبِ، وَخَرَجَ أَسْوَدُ مِنْ ذَلِكَ الْحُفَيْرِ، فِي يَدِهِ سَوْطٌ، فَنَادَانِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَسْقِهِ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ حَتَّى عَادَ إِلَى حُفْرَتِهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ لِي: «أَوَ قَدْ رَأَيْتَهُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «ذَاكَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَذَاكَ عَذَابُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
  8. الدر المنثور للسيوطي (7/ 631)، بلفظ: ((عَن مَالك بن مغول، قَالَ: قَرَأَ عمر {وَالطور وَكتاب مسطور فِي رق منشور} قَالَ: قسم إِلَى قَوْله {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} فَبكى ثمَّ بَكَى حَتَّى عيد من وَجَعه ذَلِك)).
  9. شعب الإيمان للبيهقي، باب حديث الكعبة و المسجد الحرام و الحرم كله، رقم: (3991)، (3/ 436)، بلفظ: ((عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ الرَّحْبَةَ فَإِذَا أَنَا بِنَفَرٍ جُلُوسٍ قَرِيبٍ مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فَقَعَدْتُ مَعَهُمْ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَمَا رَأَيْتُهُ أَنْكَرَ أَحَدًا مِنَ الْقَوْمِ غَيْرِي، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَسْأَلُ فَيَنْتَفِعَ وَيَنْفَعَ جُلَسَاءَهُ، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: فَمَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟، قَالَ: " بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الضَّرَّاحُ وَهُوَ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ مِنْ فَوْقِهَا، حُرْمَتُهُ فِي السَّمَاءِ كَحُرْمَةِ الْبَيْتِ فِي الْأَرْضِ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا" وفي تفسير الطبري (22/ 456)، بلفظ: عن قتادة، ﴿والبيت المعمور﴾ [الطور: 4] ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: «هَلْ تَدْرُونَ مَا البَيْتُ المَعْمُورُ» قالوا: الله ورسوله أعلم قال: «فإنَّهُ مَسْجِدٌ في السَّماء تَحْتَهُ الكَعْبَة لَوْ خَرّ لَخَرّ عَلَيها»، أَوْ عَلَيْه، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَك إذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخرَ مَا عَلَيهِمْ».
  10. سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، رقم: (2683)، (2/65)، السنن الكبرى للنسائي، كتاب المحاربة، باب الْحُكْمُ فِي الْمُرْتَدِّ، رقم: (3516)، (3/ 443)، بلفظ: ((عن سعد قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ» عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ، وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرِّجْلَيْنِ فَقَتَلَهُ، وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ مَا يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْ عَبْدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «مَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟» قَالُوا: مَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ».
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وتقول هل من مزيد}، رقم: (4850)، (4/ 1836)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم: (2846)، (4/2186)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار: فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، وأما الجنة: فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقاً".
  12. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2581)، (4/1997)، سنن التّرمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص، رقم: (2418)، (4/613)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)).
  13. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2629)، (3/104)، مسند أبو يعلى، باب مسند عبد الله بن الزبير رحمه الله، (6/ 172)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (4/ 92)، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ دَنَى مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا، فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ولَا يَقُولَنَّ رَجُلٌ: إِنَّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي، وَلَا مِنْ شَأْنِي، أَلَا وإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ، أَلَا وَإِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ بِمُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا».
  14. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (1117)، (1/285)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للأصبهاني (6/ 267)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (6/ 359)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (215)، هُوَ من قَول الفضيل بن عِيَاض.
  15. سنن ابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، رقم: (1690)، (1/539)، سنن النسائي، كتاب الصيام، باب ما ينهى عنه الصائم من قول الزور والغيبة، رقم: (3249)، (2/239)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  16. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، رقم: (1357)، (2/ 517)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم: (1031)، (2/ 715)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)).
  17. حلية الأولياء للأصبهاني (4/ 149)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (11118)، (7/ 496)، بلفظ: ((عن عمرو بن ميمون، قال: " لما تعجل موسى عليه السلام إلى ربه رأى رجلا في ظل العرش، فغبطه بمكانه، وقال: إن هذا لكريم على ربه عز وجل، فسأل ربه أن يخبره باسمه، فأخبره، فقال: لكن سأنبئك من عمله؛ كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ولا يمشي بالنميمة، ولا يعق والديه".
  18. مُصنف ابن أبي شيبة، رقم: (36847)، (14/ 55)، بلفظ: عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: ((اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، واحسب نفسك في الموتى، واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة))، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (6156)، (2/132)، بلفظ: ((عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي، فَقَالَ: اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)).
  19. الزهد والرقائق لابن المبارك، رقم: (351)، ص: (118)، القضاء والقدر للبيهقي، رقم: (76)، ص: (146)، بلفظ: ((عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قال: " قال موسى: يا رب، خلقت خلقاً خلقتهم للنار؟ فأوحى الله إليه أن ازْرَعْ زَرْعًا، فزرعه وسقاه وقام عليه حتى حصده وداسه. فقال: ما فعل زرعك يا موسى؟ قال: قد رفعته. قال: ما تركت منه؟ قال: ما لا خير فيه. قال: فَإِنِّي لَا أُدْخِلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ))، وفي حلية الأولياء للأصبهاني (4/286)، بنحوه.
  20. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب باب: تحريم الظلم، رقم (2577)، (4/ 1994)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7088)، (5/ 405)، عن أبي ذر رضي الله عنه، بلفظ: ((يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)).
  21. صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة ﴿وَالطُّورِ﴾، رقم: (4573)، (4/ 1839)، سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب القراءة في صلاة المغرب، رقم: (832)، (1/ 272)، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ﴾، قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ))، اللفظ للبخاري.
  22. سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المئة، رقم: (4291)، (2/ 512)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (1118)، (19/ 467)، معرفة السنن والآثار للبيهقي، باب ذكر مولد الشافعي رحمه الله تعالى، رقم: (422)، (1/ 208)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)).
  23. السنن الكبرى البيهقي، رقم: (20700)، (10/209)، تاريخ دمشق لابن عساكر (7/38)، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، بلفظ: ((يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)).
  24. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، رقم: (2722)، (4/ 2088)، والنسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، رقم: (5470)، (5/ 44)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَقَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ وَنَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ»))، وفي مسند الشاميين للطبراني، رقم: (2603)، (4/17)، بلفظ: ((اللهم إني أعوذ بك من قول لا يسمع ومن علم لا ينفع ومن عمل لا يرفع ومن قلب لا يخشع)).
  25. المدخل لابن الحاج (1/ 176)، بلفظ: ((إنَّ اللَّهَ يَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ))، وفي تفسير الطبري، في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ (8/ 344)، وتنزيه الشريعة المرفوعة لابن عراق الكناني، رقم: (104)، (2/ 313)، بلفظ: ((عن فلان بن عبد الله، عن الثقة عنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم في غَيْضِة طرفاء، فقطع قَصِيلين، أحدهما معوجٌّ، والآخر معتدل، فخرج بهما، فأعطى صاحبه المعتدل، وأخذ لنفسه المعوج، فقال الرجل: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أنت أحق بالمعتدل مني! فقال: "كلا يا فلان، إن كل صاحب يصحب صاحبًا، مسؤول عن صحابته ولو ساعة من نهار)).
WhatsApp