تاريخ الدرس: 1993/07/16

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:34:23

سورة الطلاق: الآيات 1-3 ، الدرس 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمُّ التسليم على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد، سيد الأولين والآخرين، وخاتم النبيين والمرسلين، والمبعوث رحمة للعالمين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه مِن النبِيِّين، وأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه المجاهدين السابقين، ومَن تبعهم برضوان إلى يوم الدين، وبعد:

من معاني: ﴿وللرجال عليهن درجة

فنحن الآن في تفسير بعض آيات مِن سورة الطلاق، وهذه السورة تسمَّى باسمٍ آخَر، وهو سورة النساء الصغرى، فقد أنزل الله عزَّ وجلَّ في شأن النساء أكثر مِن سورة، سورة النساء وهي سورة النساء الكبرى، وسورة الطلاق وهي سورة النساء القصيرة أو الصغرى، كما أنزل سورة المجادلة، ولم يتألَّب مئاتٌ أو آلافٌ مِن النساء تحت لواء “الاتِّحاد النسائي” ليدافعن عن حقوق المرأة، ولكن الله عزَّ وجلَّ هو الذي تولَّى الدفاع عن حقوق المرأة ومناصرتها وإنقاذها وتكريمها، وجعلها في الحقوق مساويةً للرجل في معظم الأمور إلَّا في الأمور الاختصاصية، فقال تعالى: ﴿وَلَهُن مِثْلُ الذِي عَلَيْهِن بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرجَالِ عَلَيْهِن دَرَجَة [البقرة:228]، فالذكورة في الإنسان والحيوان لها فضل القوة وفضل الإدارة، فلا تجد الدجاجة تقود مجموعة الأسرة، وإنَّما الذي يقود الأسرة هو الديك، وتجد الطاووس الذَّكَر والطاووس الأنثى، والطاووس الذَّكر مُفَضَّل على أُنثاه بخصائص محددة.

لكنْ تجد في الوقت نفسه الديك يُؤْثِر الدجاجة على نفسه بأطايب الطعام والشراب، ولم نجد طائرًا اعتدى على أنثاه بضربٍ أو هجرانٍ أو أي نوعٍ مِن أنواع الإيذاء، لا الغربان ولا العصافير، أمَّا الإنسان فهو مهيَّأٌ لأنْ يكون مَلَكًا كريمًا أو شيطانًا رجيمًا، وذلك بحسب بيئته وأصحابه وأستاذه الذي يربِّي عقله وروحه وسلوكه.

الطلاق شأن عظيم وأمر ذو شأن

قال الله تعالى بعد: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿يَا أَيهَا النبِي إِذَا طَلقْتُمُ النسَاءَ [الطلاق:1]، لم يقل الله تعالى: يا أيها النَّاس، أو يا أيها المسلمون، بل خاطب بالطلاق النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ممَّا يدلُّ على أهمية شأن الطلاق وعِظَمه في نظر الله عزَّ وجلَّ وفي نظر التشريع الإسلامي، حيث وُجِّه الخِطاب بشأن الطلاق إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فهو أمرٌ عظيمٌ.. وعادة عندما يكون الأمر عظيمًا يُطلَع عليه رئيس الجمهورية، وقد لا يُطلَع عليه رئيس الوزراء.

قال صلى الله عليه وسلم: ((أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ)) 1 ، فمع أنَّ الله عزَّ وجلَّ أباحه، ولكنَّه ممقوتٌ عند الله تعالى ومبغوض، وهذا إذا استوفى الطلاق شروطه، أمَّا إذا لم يستوفِ شروطه فطلَّق ظلمًا أو حماقةً، أو لم يطلِّق حسب المنهاج الإلهي السماوي والرباني فطلاقه خروجٌ عن التطليق الإسلامي القرآني، ومعظم الطلاق اليوم في الرجال -إن لم أقل: كله- مخالفٌ للمنهاج الإسلامي، فعندما يُطلِّق الزَّوج لو سألناه: ما هي شروط الطلاق الإسلامي؟ لا يعرف شيئًا، وإذا نظرنا إلى الحمار لوجدنا أن الحمار لا يُطلق، وكذلك الغراب والحمام والديك، فالديك بالعكس يطبق قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3] [يقول ذلك سماحة الشيخ وهو يضحك] الديك يمشي على: ((تَزَوَّجُوا وَلا تُطَلِّقُوا)) 2 .. ((أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ))، أنتَ مسلمٌ، ما معنى مسلم؟ أنت طبيب، ما معنى طبيب؟ يعني درست الطب عمليًّا وسلوكيًّا وسماعيًّا ونظريًّا، وما معنى النَّجَّار؟ يعني أنَّ له أستاذًا وأساتذة، وما معنى الحداد؟ وما معنى المهندس؟ كلمة “مسلم” أعظم مِن كلمة “طبيب”، لأن الإسلام هو الذي رفع عمر رضي الله عنه حتَّى جعله يهزم أباطرة الكفر.

ومَن الذي خلَّد أبا بكر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيِّدنا عليّ وغيرهم رضي الله عنهم في الأرض وفي السماء؟ العِلم والمعلم والتربية والمربي، وكان في عهد النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مَن ينتحل اسم الإسلام، ولم يكن عنده إسلام علم ولا إسلام عمل، كان يسمَّى منافقًا: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَإنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ واحدة، ففِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ خِصالِ النِّفَاقِ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ)) 3 ، ولو على طفلة! مرة رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمًّا تنادي طفلها وتقول له: تعال لأعطيك تمرًا، فسألها النَّبيُّ الكريم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ((وهل سَتُعطِينَه تَمرًا؟)) قالت: نعم يا رسول الله، قال: ((أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُريدِي أنْ تُعطِيَه لكُتِبَتْ لَكِ عِندَ اللهِ كَذْبَةٌ)) 4 ، وبذلك ستدخلين في سلك المنافقات.

ورأى صلى الله عليه وسلم امرأةً مِن أهله تُفلِّي رأس أخيها مِن القمل، ولكنَّها تفرك بالأظافر إشارة إلى أنَّها تقتل القمل، فسألها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ((وَهل تَقتُلِينَ قَملاً بعَمَلِك هذا؟)) قالت: لا يا رسول الله، قال: ((إنَّ هذا مِن كَذِبِ الأناملِ)) 5 ، لإنك توهمينه بأن رأسه فيه قمل ولا شيء فيه، فأنت تشوِّهين سمعته وتعملين عملاً كاذبًا.. انظر إلى الإسلام! فكيف تأخذ لقب مسلم؟

الإسلام لا يكون ادِّعاءً

لتأخذ لقب طبيب يلزمك عشرين سنةً من الدراسة العلمية والعملية، وكذلك لتأخذ لقب نجار.. إن لقب مسلم يعني الإنسان العالِم الفاضل الذي تعلَّم علوم القرآن، وأيّ عِلم؟ العلم الذي ينتج العمل والفضائل ومكارم الأخلاق والربانية في القلب، هذا هو العلم، والعالِم هو الذي يكون نورًا يضيء للمجتمع طريق الخير والسعادة والصراط المستقيم، وهو الذي يُخرِج النَّاس مِن الظلمات إلى النور ومِن الغفلة إلى الذكر ومِن محبة الدنيا إلى محبة الله عزَّ وجلَّ والشوق إلى لقائه، فهذا هو العلم، أمَّا ذاك فاسمه قراءة، قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُميونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أمَّانِي [البقرة:78]، [ومما ورد في معنى “أماني” أي قراءة، فلا يعلمون الكتاب إلا قراءة].. ﴿مَثَلُ الذِينَ حُملُوا التوْرَاةَ [الجمعة:5]، قراءةً وتلاوةً ﴿ثمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا [الجمعة:5]، تطبيقًا وعملاً ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5].

فإنك كي تأخذ لقب مسلمٍ عليك أنْ تتعلَّم الكتاب، فتتعلَّم القرآن كما تَعلَّم أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.. كيف كانوا يتعلَّمونه؟ قالوا: “كنَّا نقرأ عَشْرَ آيَاتٍ عشر آيات، ولا نقرأ العشرة الثانية حتَّى نتمم العشرة الأُولى علمًا وعملاً” 6 ، وما الفائدة بأنْ تقرأ ولا تعمل؟ إذا كان معك كمبيالة [ورقة مالية رسمية] فيها مئة ألف أو مليون، وقد أتتك مِن جهة مِن الجهات المباحة لتقبضها في اليوم المحدد، فهل تكتفي بقراءتها حتَّى يضيع وقتها وتصبح كجريدة عتيقة؟ ماذا يعني لقب مسلم ومسلمة؟ الإسلام هو علم، كما قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ علوم القرآن ﴿وَالْحِكْمَةَ وهي معرفة الأمور بحقائقها وبواطِنِها مع معرفة ارتباط المسبَّبات بأسبابها قَدَرًا -أي حكمة الأقدار- وشرعًا -أي حكمة التشريع- وخَلْقًا -أي حكمة الخَلْق- وأَمْرًا -أي حكمة الأوامر.. ﴿وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، كما قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشَّمس:9]، وإذا لم يزكِّها: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشَّمس:10].

للطلاق أحكام وآداب

الطلاق مِن الإسلام، فهل علمتَ أحكامه؟ وهل علمتَ آدابه؟ وهل علمتَ حدوده؟ وهل علمتَ متى تطلِّق؟ وكيف تطلِّق؟ ولماذا تطلِّق؟ كان المسلم في زمن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يطلِّق حتَّى يأخذ فتوى بالطلاق منه صلى الله عليه وسلم، فمرة أراد أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ رضي الله عنه أنْ يطلِّق زوجته، فاستفتى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: يا رسول الله أريد أنْ أطلِّق زوجتي، فهل تأذن لي؟ وهل يُباح لي أنْ أطلقها؟ وأخبره ما الذي حمله على الطلاق، فقال له: ((لا، إِنَّ طَلاقَ أُمِّ أَيُّوبَ لَهُو الحُوبُ)) 7 ، و”الحوب” كما قال تعالى: ﴿إِنهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2]، يعني ذنبًا وجُرمًا كبيرًا، يعني هذا الطلاق حرام، هذا معنى “حُوْب”.. والآن المسلم عندما يُطَلِّق يُطَلِّق لغضبٍ، أو يحلف بالطلاق من أجل “كُوْسَاية” ويقول لضيفه: “عليَّ الطلاق ثلاثًا إن لم تأكل هذه الكوساية”.. ما علاقة الطلاق بالكُوسَايَة؟ [الكُوسَايَة: واحدة من نبات الكوسى.. ويذكر سماحته مثال الحلف بالطلاق على الطعام إلحاحاً على الضيف ليأكل لأن هذا قد انتشر كثيراً بين الناس، وهم يرون في ذلك رجولة وكرماً] ثم إن الأكل بعد الشبع سموم، وهو حرام لأنَّه ضرر: ((مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْن)) 8 .

المسلمون شوَّهوا الإسلام بأعمالهم

نحن شوَّهنا الإسلام في نظر الأمم، ولولا المسلمون اليوم لَدخل العالَم المتقدِّم في الإسلام، لأنَّهم عندما يدرسونه أو يسمعونه [يحبُّونه]، فأنا عندما أحاضر في أمريكا أو في أوروبا أو في المؤتمرات أخجل في نفسي، لأنِّي أقدِّر أنْ أُسأَل من قِبل بعض الحضور: إذا كان الإسلام هكذا وأنتم مسلمون، فلماذا أنتم في أُخرَيات الأمم علمًا وتقدُّمًا وأخلاقًا ووحدةً؟ فإمَّا أنَّكم كاذبون، أو أنَّ الإسلام كاذب.

وأنا لو كان لي مِن الأمر شيء فلا أزوِّج رجلاً ولا امرأةً حتَّى يدخلا مدرسة الثقافة الزوجية، كم مِن النساء لا تعرف مِن الحياة الزوجية حتى ما تعرفه الحيوانات؟ وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول في آداب الزواج ومداعبة الزوجين مع بعضهما عند إرادة إنجاب الولد ونحوه: ((لا يَأتِي أَحدُكُم أَهلَه كَما يَأتِي الحِمارُ أَتانَهُ، لِيُقَدِّمْ بَينَ يَدَي ذَلِكَ رَسولًا))، قالوا: ما الرسول؟ قال: ((القُبلَةُ وَالكَلامُ الحَسَنُ)) 9 ، ولذلك فإنك ترى كثير مِن الحيوانات تطبِّق السنة النبوية فعلاً، ترى الحمام عندما يريدان أنْ يعرِّسا مع بعضهما يقبِّلان ويداعبان وينظران إلى بعضهما، وبعد ذلك.. إلخ، فالحيوان يفقه، وقد يُوجد شخص على رأسه عمامة لا يفقه ولا يُعَلِّم، وقد يتزوَّج وهو لا يفقه، فهذا أُمِّيٌّ في الزواج.

فإذا كان أُمِّيًّا في قيادة السيارة فهل تسمح له الدولة بقيادتها؟ وإذا لم يُتقن علم الطب بعد الامتحانات المتعددة هل يُسمح له بالتطبيب؟ وكذلك الزواج، فهذا إنتاجٌ وأيُّ إنتاج؟ إنتاج العقل والقلب والروح والإيمان، أمَّا إنتاج الجسد فالحمار يصنعه، ويسمَّى إنتاجُه جحشًا، وإنْ طالت به الحياة يسمى حمارًا، أمَّا الإنسان فليست مهمته أنْ يربِّي جسدًا، بل أنْ يربِّي إيمانًا وإسلامًا، والذي هو علمٌ وحكمةٌ وتزكيةٌ.

إعطاء رخصة الزواج بعد الفقه بأحكامه

لو كان لي من الأمر فإنني لا أُعطي رخصة زواج إلَّا بعد امتحان للمرأة تفحصها النساء، وللرجل تفحصه لجنة فنية، وقد يستغرق الامتحان يومًا أو يومين أو ثلاثة.. كما أنَّه عند الزواج يجب أنْ تُنتقى المرأة الصالحة والمرأة المَدْرَسة: ((تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ)) المرأة كأرضٍ يُلقى فيها البذر لإنبات الزرع، ((فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ)) 10 .

يقول الشاب لأمه: أريد فتاةً بيضاء.. نقول له: يوجد الكثير مِن الحُمُر ليس فيهنَّ شعرة سوداء، فإذا أرادها بيضاء مِن ذيلها إلى آخر شعرة في أذنها فليذهب إلى سوق الحمير، ويقول آخر: أُريد عيونها كبيرة.. إذنْ فالبقرة عيونها كبيرة، لكن يجب أن يقول لها: أُريد الزوجة المَدْرَسة

الأُمُّ مَدرَسةٌ فَإنْ أَعدَدْتَها أَعدَدْتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ

الأُمُّ مَدرَسةٌ فَإنْ أَعدَدْتَها -أو انتقيتها- أَعدَدْتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ

والنَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((عَلَيكَ بِذَاتِ الدِّينِ))، الدِّين ليس فقط صلاة وصوم، وليس كلُّ مصلٍّ يصلي 11 ، الصَّلاة التي شرعها الله عزَّ وجلَّ هي التي ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] وهي التي تنقل الإنسان مِن إنسان هلوع منوع جزوع، [وهي صفات ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:19-23].] تنقله إلى مُصَلٍّ: ﴿الذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالذِينَ هُمْ عَنِ اللغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالذِينَ هُمْ لِلزكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:2-4]، إلى آخر الآيات.

البحث عن الصفات الصحيحة عند طلب الزواج

يجب أن يكون المتعارف في الأوصاف عندما تخطب الأم لابنها أنْ يقول الشاب لأمه: يا أمي ابحثي لي عن الأم المدْرَسة، الأم ذات الدِّين، حتَّى تشملني دعوة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((عَلَيكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) 12 ، أي تمتلئ يداك بالخير، لأنَّ الخير والحياة في الدنيا تَخرج مِن التراب الذي يَخْرُج منه طعامنا وشربنا وحياتنا وأرزاقنا.. إلخ.

ويجب أنْ يُمتحَن الزوج بالطلاق أيضًا، فإذا سألت بعض الأزواج: كم عدد الطلاق شرعاً؟ فشخص يقول: خمسة عشر، وآخر يقول: مئة، ويقول آخر: خمس مئة.. يقول بعضهم عند التطليق: “عليَّ الطلاق خمس مئة طلقة، كلَّما حَلَّلَكِ شيخ حرَّمكِ مئة شيخ”، هذا الطلاق كم طلقة؟ هذه جاهلية لا إسلام.. مرة شتم أبو ذرٍّ بلالاً رضي الله عنهما وقال له: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ، فشكاه إلى سيِّدنا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستدعى أَبَا ذَرٍّ وقال له: ((إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، أَمَا عَلِمتَ أنَّه لَيسَ لابْنِ السَّوْدَاءِ فَضلٌ عَلى ابنِ البَيضاءِ؟)) 13 ، فرجع أبو ذرٍّ رضي الله عنه.. وماذا فعل؟ هل اكتفى برواية الحديث وبما قاله صلى الله عليه وسلم؟ لا، بل رجع إلى بلالٍ رضي الله عنه ووضع خدَّه الأيمن على التراب، وأقسم عليه بالله إلَّا أنْ يطأ بنعله خدَّه الأيسر تكفيرًا لذنبه وخطيئته التي فَعَلها.

المسلم اليوم عندما يُذنب ويقع في الجاهلية، هل يحاول أنْ يغسل جاهليته بصابون الإسلام الذي يمحو تلك الخطيئة؟ أم إنَّ الذنب عنده كذباب سقط على أنفه فقال بيده هكذا، وانتهى الأمر، ويقول: “الله غفور رحيم”، لأنَّه يظن نفسه هو الله! فهو المذنب وهو الغافر! ﴿غَافِرِ الذنْبِ وَقَابِلِ التوْبِ [غافر:3]، أليس كذلك؟

المسلم في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل كما فعل أبو لبابة رضي الله عنه عندما أخطأ خطيئةً ولم يطبِّق مراد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في قضية من القضايا، وأدرك أنَّه أذنب فأتى إلى المسجد، وربط نفسه بعمود، وحلف ألَّا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتَّى يتوب الله تعالى عليه، فكانوا يَحلُّون وثاقه وقت الصَّلاة ومقدِّمات الصَّلاة، وبعد الصَّلاة يربطونه.. ليلةً واثنتين وثلاثًا وأربعًا حتَّى أنزل الله عزَّ وجلَّ توبته في سورة الأنفال: ﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرسُولَ [الأنفال:27].

تعظيم أمر الطلاق

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيهَا النَّبِيُّ [الطلاق:1]، لم يقل الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا” إشارةً إلى أنَّ الطلاق أمرٌ عظيمٌ لا يُخاطَب به عموم النَّاس، ولكن يُبلَّغ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويبلِّغه هو للناس ﴿إِذَا طَلقْتُمُ النسَاءَ فَطَلقُوهُن لِعِدتِهِن [الطلاق:1]، يعني إذا أردتم الطلاق فطلقوهن، وتدخل في العِدِّة مباشرة عقب الطلاق، وعَدَّاد العِدَّة يَعدُّ لها أيامها.. المسلم يقرأ هذه السورة مئات المرات، ولكن هل فهم منها شيئًا؟ لو أتاك كتاب مِن نَوَرِي أو زِطِّي أو بائع الحمير [النَّوَرِي والزّطِّي كلمتان تطلقان في الشام على رجل لا قيمة له] فعندما تقرؤه هل تقرؤه للفهم أم للتلاوة أم تجعله موَّالاً؟ [الموال يعني أغنية شعبية] القرآن كتاب علم وكتاب أوامر إلهية، فعندما يأتيك بلاغٌ مِن المحكمة فهل هذا البلاغ للقراءة أم للفهم والتطبيق؟ مثلًا أتاك كتاب فيه: غدًا يوم الاثنين الساعة الخامسة يجب أن تحضر إلى المحكمة الفلانية، فإنك تقرؤه للعلم ثمَّ العمل، فالقرآن للعلم ثمَّ العمل ثمَّ التعليم، كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)) 14 ، ولا يمكن أنْ تكون هذا المسلم إلَّا بالمعلم الحكيم المزكِّي، ولذلك كانت الهجرة فريضةً على المسلمين ذكورًا وإناثًا وكبارًا وصغارًا، لأنَّ الهجرة كانت تعني الالتحاق بالجامعة السماوية الربانية.

ولم يسمِّ هذه الجامعة السماوية بالجامعة، أي بصيغة الأنثى، لأنَّه ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] وإنما سمَّاها “الجامع” لأنَّه هو الملقِّح، ولكن الجامعة وشهادة الجامعة بلا جامع هي أنثى، وإذا لم يلقِّحها ذَكَرٌ بثقافة الجامع فالأنثى مهما كانت لا تنجب الأولاد، ولذلك الشهادات لا تُنجب ولا ينتج منها شيء، مع أنَّ الشهادات الآن بالألوف، ونحن لسنا في أزمة شهادات، لكنْ نحن في أزمة مَن يعلِّمهم الكتاب والحكمة ويزكي النفوس، اللَّهم آتِ نفوسنا تقواها.. وأنت عندما تطلب التزكية يقول الله عزَّ وجلَّ لك: اذهب إلى المزكي الذي يزكِّيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة، فلذلك كان المتخلِّف عن الهجرة: ﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ حقيقةً ﴿مِنَ الرجَالِ وَالنسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً للوصول إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإلى المدرسة، وإلى الجامع ﴿وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وإنْ كان “عسى” مِن الله عزَّ وجلَّ تعتبر يقينية ﴿وكان الله غفورًا رحيمًا [النساء:98-99]، هذه للضعفاء، يعني أذنبوا، فيجب عليهم أنْ يمشوا ولو خمس خطوات ويموتوا في الطريق.

النهي عن الطلاق البدعي

قال الله تعالى: ﴿إِذَا طَلقْتُمُ النسَاءَ [الطلاق:1]، إذا أردتم الطلاق ﴿فَطَلقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، أنْ تكون في طُهر لم يطأها ولم يقربها فيه، أمَّا إذا اقترب منها في ذلك الطهر فلا يجوز الطلاق، يجب أنْ ينتظر حتَّى ينتهي طهرها، وتحيض ثمَّ تستقبل الطهر، ولم يقربها فعند ذلك يطلِّق، وإذا طلَّق بشروط الطلاق وبثقافة الطلاق، وبعد الحَكَمَين وبعد: ((أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ)) 15 ، وبعد: ((تَزَوَّجُوا وَلا تُطَلِّقُوا)) 16 فالطلاق يكون عندما يكون البقاء على الزوجية غير ممكنٍ، أمَّا كما يحدث اليوم، فيحلف بالطلاق مِن أجل “عَضَّة كُوْسَايَة” ويكون عنده أربعة أولاد أو خمسة، [عَضَّة كُوْسايَة: أي قَضْمة من الكوسى، والمقصود بذلك هو الحلف بالطلاق على الضيف كي يزيد في الأكل، فلما يعطيه قطعة كوسى ليأكل، فيقول له الضيف: شبعت، فيحلف بالطلاق إلا أن يأكلها] أو لأجل أن لا يُكَلِّم فلاناً، فيحلف بالطلاق ثلاثًا أن لا يكلِّم فلانًا، “والطَّلَاق يَمِين الْفُسَّاق” 17 ، هذا الزوج يجب أنْ نُصادِر منه زوجته، ونتركه بلا زوجة، ولكيلا يقع في الحرام نضعه في غرفةٍ حوالي شهر أو شهرَين أو ثلاثة حتى يَعرف قيمة الطلاق.

وبعد طهر قد وطأها فيه وبعد الحيض، وفي الطهر الجديد إنْ شاء طلَّق وإنْ شاء أمسك، .. إذًا لا يوجد طلاق إلَّا بعد الحَكمَين، وإذا كان الطلاق في طهرٍ قد وطأها فيه أو في حيض فهذا لا يجوز، فلربما يكون في ساعة غضب، وبعد ساعة يهدأ، ويرجعان إلى بعضهما، ولا يوجد شيء ذاتي موجِبٌ للطلاق، فكما أنَّ على الرجل أنْ يعرف كيف يُعامِل الزوجة، كذلك على الزوجة أن تعرف كيف تُعامِل الرجل، وكلٌّ منهما يَعرف حقَّه الإسلامي على الآخر، لماذا يَحرُم الطلاق في طهر قد وطأها فيه؟ لأنَّها قد تكون حاملاً، ولعلَّه إنْ علم بوجود الولد فلربما يعدل عن الطلاق لأجل الولد.. فأين الإسلام؟ هذا في الطلاق.. وفي العداوة، ألا توجد أحكام إسلامية في الخصومة والعداوة والكراهية؟ ألا يوجد: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134]؟ ألا يوجد: ((أَفْضَلُ الإيمانِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ)) 18 ؟

فأين هذا الإسلام؟ يقولون: إنه اليوم موجود في الورق.

الإسلام عند السلف موجود في أخلاقهم

هذا الإسلام كان في زمن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم موجودًا في الأخلاق وفي الأعمال وفي المعاملات، فأين إسلام: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]؟ كتلة واحدة وأنصار بعضٍ وأحباب بعض، كالجسد الواحد، فأين هذا الإسلام؟ هل هو موجود اليوم في أخلاق المسلمين وقلوبهم ونفوسهم؟ إنّه موجود في الورق.. أين الحرفيُّون الذين يصنعون هذا الإسلام؟ وأين العلماء؟ وأين الحكماء؟ وأين المزكُّون؟ مع الأسف فإنّ برامج مدارسنا الفكرية صارت جيدة، وفهمها الفقهي صار جيدًا، أمَّا مِن الناحية التربوية القلبية أو الروحانية أو الربانية [فلا يوجد شيء]، فيجب ألَّا تُعطى الدكتوراه إلَّا لِمَن يصل إلى مقام الإحسان تربيةً وذوقًا وشهودًا وأخلاقًا وإرشادًا وتزكيةً، هذا الذي يجب أنْ يُعطى الدكتوراه، كلمة دكتوراه يعني أنَّه صار في قمة الدراسة، ولكن المسائل صارت شكلية وحرفية ولفظية، حتى صار عندنا آلاف الآلاف وجبال مِن الكتب

زَمانُنا هذا كذا وأهلُه كَما تَرى وكُلُّهم بل جُلُّهم إلى ورا إلى ورا

ومع ذلك ما يزال هناك مَن يقال عنهم: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خالفهم حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ)) 19 ، ومع ذلك لا تيأسوا: ((إِنَّ لِهَذَا الدِّينِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا)) 20 ، و((خير أُمَّتِي أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا)) 21 والفتح قريبٌ إنْ شاء الله، ولكنْ شمِّروا وجُدُّوا بالعلم؛ بالعلم الورقي المدرسي وكذلك العلم القلبي الرباني الذي يكون مِن طريق ذكر الله عزَّ وجلَّ، وتقوى الله سبحانه، ومدرسة: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] ماذا يُعلِّم الله تعالى؟ ﴿الرحْمَنُ (1) عَلمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:1-2]، فالذين تعلموا القرآن هل تعلموا ألفاظه فقط؟ لا، بل تعلَّموا أخلاقه وآدابه وأداء فرائضه والابتعاد عن محارمه والتَّخلُّق بأخلاقه، هذا هو العلم.

إحصاء العدة

قال تعالى: ﴿وَأَحْصُوا الْعِدةَ [الطلاق:1]، حتَّى نعرف متى يباح للمرأة أنْ تتزوَّج، ومتى انقطعت علاقتها بزوجها الأوَّل، الآن اسأل الزوج عن هذه الأحكام تجده لا يعرفها، وكذلك الزوجة لا تعرفها، وقد لا يَسألان عن ذلك، وإذا سألا ولم يكن الجواب الشرعي على هواهما لا يُبالِيان.. على طريقة ذلك البدوي.. يقال: إن بدويًّا طلَّق زوجته ثلاث تطليقات، فأتى إلى الشَّيخ يستفتيه فقال له: لا يجوز لك أن تقترب منها بعد الطلاق، وهذا حرام، قال له: يا شيخي أرجوك.. قال له: لا يجوز، قال له: أُعطيك شاةً وأَرجِع لي امرأتي، قال: لا يجوز، والمسألة ليست بيدي، قال له: أُعطيك معها كبشًا، قال: لا يمكن، وليس الأمر أمر كبش وشاة، قال له: أعطيك عنزةً أيضًا، قال له: يا بني، هذا دِين الله، وهذا حُكم الله عزَّ وجلَّ وليس مِن عندي.. رجع هذا البدوي إلى بيته، وصار يفكر ويضرب أخماسًا بأسداسٍ، [يَضْرِب أخماساً بأسداس: مثل عامّي بمعنى أنه فَكَّر كثيراً بالأمر ومن كل الجوانب] وأتت إلى بالِهِ فكرة، وقال: سأقوم وأجرِّب وأرى هل صحيح ما قاله الشيخ وأن هذا لا يجوز؟ فقام إلى زوجته وناما مع بعضهما، فرأى أن الأمر عادي، ولا يوجد سدٌّ أو ما شابه.. ثمَّ أتى إلى الشَّيخ وقال: أنت تكذب، قلتَ لي: لا يجوز، والبارحة جاز وانتهى الأمر.

وهكذا هو شأن الناس اليوم، ليس في الطلاق فقط، بل بالطلاق وبالزواج وبالجوار وبالعداء وبالحب وبالصداقة وبالخِطبة وبالصحبة وبشكر المعروف وبأداء الفرائض وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. المسلم اليوم لا يعيش بدِينه وإسلامه، بل بأهوائه ونشأته التي نشأها في الجو الجاهلي.. فأسأل الله تعالى أن يجعلنا مسلمي العِلم والعمل والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال: ﴿وَأَحْصُوا الْعِدةَ [الطلاق:1]، لا تتزوَّج قَبل انقضاء عِدَّتها، وكذلك لا يجوز أن تُحبَس بلا موجِبٍ.. ﴿وَاتقُوا اللهَ رَبكُمْ [الطلاق:1] دائمًا إذا جاءت كلمة “اتقوا” ترجع إلى أقرب مذكور، أي اتقوا الله بالطلاق، فلا تطلِّقوا طلاقًا جاهليًّا أو طلاقًا شيطانيًّا أو طلاقًا نفاقيًّا: ((إِنَّ طَلاقَ أُمِّ أَيُّوبَ لهو الحُوْب)) 22 .

طلَّق النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حفصةَ رضي الله عنها.. هل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يحتاج إلى أنْ يستفتي؟ ومَن فوق النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليستفتيه؟ الله عزَّ وجلَّ، فبعد أنْ طلَّقها نزل الوحي عليه، وقال له: ((أَرْجِعْ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوجتُكَ فِي الْجنَّةِ)) 23 ، ولو بَدَر منها خطأٌ، لكنْ ﴿إِن الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيئَاتِ [هود:114]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَا يَفْركْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً)) يعني لا يبغضها ((إِنْ سَخِطَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا خُلُقًا آخَرَ)) 24 .

وجوب تقوى الله عزَّ وجلَّ في المعاملة الزوجية

﴿وَاتقُوا اللهَ رَبكُمْ [الطلاق:1]، يعني اتقوا الله في أمر الطلاق، والتقوى هي أداء الفرائض واجتناب المحارم، فالتقوى في الطلاق أنْ تجتهد في الطلاق بأنْ يكون طلاقك يُرضي الله عزَّ وجلَّ، ومبررًا عند الله عزَّ وجلَّ، ومقبولاً عند الله عزَّ وجلَّ، وذلك كأنْ تكون فاسقةً فأرشدتها وذكَّرتها ووعظتها فلم تستجب، فكيف سيكون أولاد الفاسقة؟ سيكونون فُسَّاقًا وفاسقات، ثم أَمَرتَها أنْ تأتي لتتفقَّه في دِينها وفي مجالس العلم والحكمة فامتنعت، فكيف ستكون تربية الجاهليَّة وإنتاجها؟ سيكونون جاهليِّين وجاهليَّات، فبئست الزوجة ولو كانت عيونها زرقاء أو خضراء، فلو كان الأمر بلون العيون فهناك كثير مِن القطط عيونها زرقاء وخضراء، ولكن إذا كانت عيونها بحجم عيون الفأرة، ولكنها تُنجب لك عالِـمًا أو ولدًا تقيًّا صالحًا مؤمنًا، فهذا الولد خيرٌ لك مِن الدنيا وما فيها، لأنَّ اللذة وسيلة وليست غاية، فقد جعل الله عزَّ وجلَّ اللذة مثل الشرطي يدفعك إلى الاقتراب مِن الزوجة، والهدف منها مجيء الولد الصالح ﴿رَبنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرياتِنَا قُرةَ أَعْيُن [الفرقان: 74].

قال تعالى ﴿وَاتقُوا اللهَ رَبكُمْ [الطلاق:1]، فهل تَخطِبون على أساس العلم والفقه الإسلامي أم على أساس الجاهلية؟ هل تخطبون على أساس أهوائكم أم على أساس دِينكم؟ وهل تخطبون المرأة على أساس القرآن وتوجيهات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أم على أساس المتعة الجسدية؟ إذا كانت على أساس المتعة الجسدية فستندم في النهاية: ﴿وَلَأَمَة مُؤْمِنَة خَيْر مِنْ مُشْرِكَة وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]، النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم تزوَّج أمَّ سلمة رضي الله عنها، وكانت أرملةً ذات خمسة أولاد، وكانت كبيرةً في السِّنِّ، لكنه قد تزوج عقلها ونضجها وإيمانها، ففي صلح الحديبية عندما تأزَّم الأمر، ولم يوافق الصحابة كلهم على الصلح، بما فيهم سيدنا عمرُ وسيِّدنا علي رضي الله عنهما، فكانت أمُّ سلمةَ رضي الله عنها هي التي حلَّت المشكلة، فقد قال لهم صلى الله عليه وسلم: ((تَحلَّلُوا مِن إِحرامِكُم)) يعني فُكُّوا إحرامَكُم، واحلقُوا شَعرَكُم، ودخل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خيمته مُغضَبًا، وقال: ((هَلَكَ المسلِمونَ، أَمرتُهم فَلم يُطِيعُوا))، فأخذت تَعْذُرهم وتبرِّر لهم زَعَلَهم، واقترحت عليه وقالت: اخرج، واطلب الحلاق، ولا تكلِّم أَحدًا، واحلق رأسك، واذبح هديك.. فلمَّا رآه الصحابة رضي الله عنهم قد حلق شعره صاروا يتخاطفون الشعر تبَرُّكًا، ثم ذهبوا جميعاً وفكُّوا إحرامهم، فحُلَّت المشكلة بعقل امرأة 25 ، يقولون: المرأة بنصف عقل؟ ويوجد امرأة تساوي خمس مئة ألف رجل إذا كانوا فسَّاقًا، وكانت المرأة تقيةً صالحةً، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ هل قال الله تعالى: الرجال؟ لا، بل قال: ﴿أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] إلى آخره.

عدم إخراج المطلقة من بيت الزوجية

قال تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُن مِنْ بُيُوتِهِن [الطلاق:1]، فإذا طلَّقتَها يجب عليها أنْ تعتدَّ في بيتك، ثمَّ قال تعالى: ﴿وَلَا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1]، وأنتنّ أيَّتها النِّساء اللواتي في المسجد في السُّدَّة وفي الطابق الأعلى واللواتي في المعهد الشرعي، عندما يحدث الطلاق هل قرأتنّ: ﴿وَلَا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1]؟ [هنا يخاطب سماحة الشيخ النساء الحاضرات في الدرس، وهن في عدة طوابق في مجمع أبي النور.. السُّدَّة: هي طابق أو مستوى أو دَوْر في المسجد يُطِلّ على حرم المسجد، ويوجد في جامع أبي النور سُدَّتان، الأولى للرجال، والتي فوقها للنساء، كما يوجد طابق آخر أعلى من هذه الطوابق، ويوجد تحت المسجد عدة طوابق، منها المعهد الشرعي للإناث، والذي كان يمتلئ بالنساء في درس سماحته أيضاً]، هل يجب عليها أن تجلس في بيت الزوجية أم أن تخرج؟ وهل قرأ أهلها وأبوها وأمُّها هذه السورة؟ لقد قرؤوها وهم جُنُب.. وقراءة الجُنُب للقرآن حرامٌ ولا تعلق بالقلب.. وقد يكون معه شهادةٌ، يقول لها أبوها وهو غاضب: اخرجي مِن بيته، والله لن تقعدي هنا.. وهي تقول: والله لن أقعد في بيته.. فأين القرآن؟ هل نحن نعبد الرحمن أم نعبد الأهواء؟ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23]، هو قرأ القرآن وقرأ الأحكام الفقهية، لكن لأنَّه قرأها وهو جُنُب لا يستفيد منها، فإذا صلَّى المرء وهو جنب فهل تسقط الصَّلاة عنه؟ وإذا كان بلا وضوء هل تسقط؟ وإذا قرأتَ القرآن وأنت جنب القلب، وأنت محدِثٌ الحدث الأصغر أو الأكبر في قلبك فلا يَعلَق شيءٌ في قلبك مِن معاني القرآن ولا أخلاقيَّاته ولا طاعته، ولا يتمثَّل القرآن فيك أعمالاً وأخلاقًا.

والعالِم هو الذي انعكست فيه دراسته أعمالاً وأخلاقًا وسلوكًا وخشيةً ومحبةً وإجلالاً ومسارعةً إلى مرضاة الله عزَّ وجلَّ.. إنّ هذه المدرسة التي تؤهِّل طالب العلم إلى هذا المعنى تكاد تكون أطلالًا، فقد فَقَدتْ علماءها، وفَقَدتْ مرشديها، وهي تبكي ليلها ونهارها على مَن كان نورًا وضياءً للمسلمين في قلوبهم وحياتهم ومعيشتهم.

الله تعالى يقول لنا: ﴿لَا تُخْرِجُوهُن مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1]، ثم يأتي أبوها ويأمرها بأنْ تخرج، والله عزَّ وجلَّ يقول له: “لا تخرجوهنَّ”، فَلْنَتُبْ إلى الله عزَّ وجلَّ مِن النفاق، فنحن ندَّعي الإيمان اسمًا ونكفر به عملاً، ولا نقول: إهمالاً.. فعندما تقول له: حكم الله عزَّ وجلَّ هكذا، يقول: “بَلَا حُكْم الله بَلَا بَلُّوْط” أليس هذا صحيحاً؟ أليس هذا صحيحاً؟ [مقولة تُستَخدَم في العامية السورية للتعبير عن الاستخفاف بشيء واحتقاره، حيث يقول أولاً الكلمةَ التي يريد الاستخفاف بها، ثم يضيف: “بَلَا بلّوط”، فمن يريد مثلاً احتقار الكمبيوتر يقول: “بلا كمبيوتر بلا بلوط” أو “بَلَا مَدْرَسَة بَلَا بَلُّوْط” لمن يزدري المَدْرَسَة]، إذًا بماذا سندخل الجنة؟

أَتى بَشِير بْن الْخَصَاصِيةِ رضي الله عنه إلى سيِّدنا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلمه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإسلام؛ من إقامة الصَّلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والجهاد وكذا.. قال له: كلُّها أفعلها، إلَّا الزكاة والجهاد، أمَّا الجهاد فإنِّي رجل جبانٌ، وأنا أخاف الجهاد، وهناك قد تُقطع يدي أو يُقطع رأسي، وقال له: وأمَّا الزكاة فليس عندي إلَّا بضعة جِمال، فلستُ غنيًّا كبيراً حتَّى أُخرج الزكاة، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((يا ابْنَ الْخَصَاصِيةِ، لاَ جِهَاد وَلاَ زكاة، فَبِمَاذا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟)) 26 .

دخول الجنة يكون بالطاعات

وأنت أيها المسلم لا يوجد لك قرآن في الطلاق ولا في الزواج ولا في الولد ولا في العلم ولا في الغضب ولا في الرضى ولا في أداء الفرائض واجتناب المحارم ولا في مجالس العلم، فبمَ تدخل الجنة؟ فهل تنوون أن تؤمنوا بـ ﴿لَا تُخْرِجُوهُن؟ أليس الإيمان أنْ تؤمن بكتب الله؟ وهذه من القرآن، وأنا أقول لكم هذه الجملة! فهل أنتم مستعدُّون لتؤمنوا بسورة الطلاق الإيمان الذي أراده الله تعالى، والذي يُقبَل عند الله عزَّ وجلَّ إيمانًا؟ هل أنتم مستعدون أنْ تؤمنوا به وتعلِّموه لغيركم؟ الآن هذا العلم صار أمانةً في أعناقكم، وعليكم أن تُعَلِّموه، وليس إن حدثت حادثة طلاق فقط، بل قَبل الطلاق يجب أن تُعلِّموه للناس.. ﴿لَا تُخْرِجُوهُن مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1]، أيضًا لا يجوز للمرأة أنْ تخرج، لماذا؟ [يأتي الجواب لاحقاً].

ثمَّ إنَّ الطلاق لا يجوز جمعه ثلاث طلقات في لفظ واحد، فإذا أردت أنْ تطلِّق فلا يجوز إلَّا طلقة واحدة.. وبعد الحَكَمَين، وبعد التربية الأخلاقية، وبعد العِظات، وبعد.. وبعد.. فإذا طبَّق الزوجان هذه الأوامر ربما لا يقع طلاق واحد من مئة طلاق مما يقع هذه الأيام، أليس هذا صحيحاً؟

لماذا يقع الطلاق إذًا وتقع هذه النكبات؟ بسبب عدم التقوى، فلو اتَّقينا الله عزَّ وجلَّ بالطلاق لتمكنَّا وتجنَّبنا هذه الكوارث وهذه الأزمات.. في أوربا وأمريكا الطلاق سهلٌ جدًّا مثل شرب الماء، ولذلك الشَّقاء العائلي والبؤس العائلي بين الزوجين وبين الأولاد صار مضرب المثل في العالَم، أمَّا العائلة التي يُظلِّلها الإيمان والقرآن فكأنَّهم يعيشون في الجنة.. ﴿وَلَا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1]، فإذا كان هناك الحَكَمان، ويوجد: ((أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ)) 27 فلماذا يقع الطلاق؟ وإنْ وقع ولا بد، فالله تعالى يقول لك: ﴿وَلَا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1] لماذا؟ لأنَّها عندما تكون في بيته.. كما إذا لم يكن قد أكل، وحضر الطعام والمائدة أمامه، أَلَا يشمُّ رائحة الطعام؟ وخاصة إذا كانت تقوم بحركات واستفزازات أثناء دخولها وخروجها فتلفت نظر زوجها، وقد تندم بعد ساعة أو ساعتين أو بعد يوم أو يومين، وتعترف بخطئها فتتراجع، أو يعترف هو بخطئه فيتراجع.

ولكن إذا ذهبت إلى بيت أهلها فهناك خمسون مفسِدًا ومفسِدةً، يقولون لها: لن ترجعي إليه مهما حاول، والله تعالى قال: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232] لا يجوز لك أيها الأب أو الأخ أنْ تمنعها مِن الرجوع إلى زوجها، فإذا بقيت في بيت زوجها فلا يوجد معها المفسدون، وقد يحدث الطلاق في الصباح، ففي المساء إذا أرد أنْ ينام وَحدَه يأتي إلى رأسه مئة وسواس، فإذا قرقعت بحذائها، أو شمَّ رائحة عطرها، ألا يحب الإنسان الرائحة الطيبة؟ وإذا غنت مَوَّالًا [الموال يعني أغنية شعبية].. الله تعالى حكيم في أوامره لنا: ﴿وَيُعَلمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:151]، فهل نحن رابحون أم خاسرون بتركنا للإسلام؟ وهل بتركنا للإسلام انتصرنا أم هُزمنا؟ هل عززنا أم ذللنا؟ وهذا على كل المستويات بدءًا من الإنسان الفرد، وبأي قضية يخرج فيها عن الإسلام، هل يكون رابحًا أم خاسرًا؟ عاق الوالدين وإنْ ظلماه، وإنْ ظلماه، وإنْ ظلماه [هل هو رابح أو خاسر]؟ يجب عليك أنْ تكون بارًّا ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحْمَةِ [الإسراء:24]، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك)) 28 .

أمر الله تعالى لمصلحة الإنسان دائمًا

إذا فعلت ذلك فهل سيغشُّك الله عزَّ وجلَّ؟ أحد إخوانكم سجَّل أبوه أملاكه لأولاده في حياته، فقال هذا الأخ لأبيه: يا أبي أنا لا أريد أنْ تسجِّل لي أيَّ شيء، أنا لا أريد غير رضاك فقط.. فقال له الأب: لماذا يا ولدي؟ أسجل لك كما أسجِّل لإخوتك، فقال: لا.. وهذا الابن بذاته حكى لي، وقال: ما مضت سنتان أو ثلاثة إلَّا وفتح الله عزَّ وجلَّ عليه، وجعله أغنى مِن أبيه ومن كلِّ إخوته.. واللهِ إن الله لا يغشُّ، وواللهِ إنّ الله عليم حكيم: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]، ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]، غضُّ البصر هل هو لمصلحتك أم لغير مصلحتك؟ وكذلك كظم الغيظ لمصلحتك، وعدم الغِيبة والرفيق الصالح وترك رفيق السوء ولو كان أخاك أو عمك أو أقرب النَّاس إليك، فإذا لم يلتزم بالتقوى عليك أنْ تتركه: ﴿الْأَخِلاءُ يَوْمَئِذ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُو إِلا الْمُتقِينَ [الزخرف:67]، فإذا كان الرجل فاسقًا فلا يكون خليلاً ولا صديقًا، بل هو عدوٌّ، وهذا ما يقول الله عزَّ وجلَّ، فالله تعالى يقول لك: “هذا عدوٌ”، والشيطان يقول لك: “بل هذا صديقٌ”، فلا تعبد الشيطان.. لكن تجده يعبد الشيطان ويطيعه، ثمَّ يقول: أنا مسلمٌ! ما هو الإسلام؟ بالنسبة للعلم لا يوجد عنده علم، وبالنسبة للحكمة لا توجد عنده حكمة، وبالنسبة للتقوى لا توجد عنده تقوى، إذًا ما هذا الإسلام؟ هذا إسلامٌ شيطاني.

النهي عن إخراج المطلقة من بيت الزوجية أثناء العدة

قال تعالى: ﴿وَلَا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1]، إذا بقيت الزوجة في البيت، وقد طُلِّقت طلقة واحدة فكم يستطيع الرجل أنْ يقاوم بدون زوجة مهما كان قويًّا؟ كم يستطيع يا شيخ رجب؟ [سماحة الشيخ يسأل الشيخ رجب ديب فيجيبه: ثلاث ساعات.. فيضحك الشيخ والحضور] فالله تعالى عليم ويعلمنا الكتاب والحكمة.. وإذا ضبط نفسه في أول يوم وفي اليوم الثاني، فإلى متى سيبقى؟ هناك ثلاثة أشهر! ربما تزيد أو تنقص قليلاً.. فلا تجده إلَّا وقد استجاب لأمر الله عزَّ وجلَّ، أو استجابت هي فتأتي وتبكي وتقول له: لقد أذنبتُ وأخطأتُ، والاعتراف بالخطأ فضيلة.. أو ربما يستجيب هو ويعترف بالخطأ.

في المذهب الحنفي إذا قبَّلها قُبلةً ذهب الطلاق، وعادت زوجته، فلا يلزمه شيخ لإرجاع الزوجة، فقط قُبلة واحدة تكفي، وربما في مذهب سيِّدنا جعفر هكذا، [الشيخ يسأل أحد الضيوف من المذهب الجعفري: أليس كذلك؟] فأبو حنيفة كان تلميذ الإمام سيدنا جعفر رضي الله عنه وأرضاه.

قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، فإذا خرجَتْ مِن البيت إلى أهلها وكان هو يُريدها، فربما لا يُرجعوها له، ولكن إنْ كانت عنده فلن يتدخَّل الشيطان بينهما، وسترجع له بقُبلة واحدة، وكذلك إذا نام معها في الفراش وحتى لو أدار ظهره.. ﴿لَا تُخْرِجُوهُن مِنْ بُيُوتِهِن [الطلاق:1]، هل لله مصلحةٌ في هذا الموضوع؟ لِمَن الفائدة إذًا؟ كلُّ أمرٍ إلهيٍّ على مستوى الدولة وعلى مستوى الأسرة وعلى مستوى الوطن وعلى مستوى الشخص وعلى مستوى الحب والبغض كلُّه لمصلحتك أيَّها المسلم والمسلمة.

﴿إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة [الطلاق:1]، لكن إذا كانت فاسقةً أو فاجرةً أو شتَّامةً أو مؤذيةً ولسانها طويل بذيء، [لسانها طويل: وقحة في كلامها وتؤذي به] وتؤذي أهل البيت فيجوز له أنْ يخرجها، أمَّا إذا كانت مسكينةً ومظلومةً ومضطهدةً وفوق كلِّ هذا يخرجها من بيته، ويضعها بين خمس مئة شيطان ثمَّ يقول: أرجوكم أرجعوها لي! فهذا لم يتَّقِ الله تعالى في الطلاق، ولن يجعل الله له مخرجًا في الرجوع.

عدم مجاوزة حدود الله تعالى

قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ [الطلاق:1]، الله عزَّ وجلَّ وضع ضوءًا أحمر لتقف عنده ولا تتعداه، كما أن الشرطة إذا وضعت خطًّا أحمر للمرور، فهل يتجرَّأ أحد على تجاوز هذا الخط الأحمر؟ لا يجرؤ، لماذا؟ لأنَّه يوجد شرطي.. في البلاد الغربية مِن غير شرطي، وربما في الليل، ولا يوجد أحد في الطريق، وكل إنسان يقف عند الخط الأحمر، حتَّى كلابهم المعلَّمة تقف عند الخط الأحمر، فهل نحن مِن بني آدم؟ وهل نحن مسلمون؟ دع الإسلام جانباً الآن، وكن من بني آدم [على المستوى الأقل!].. والله تعالى يقول: هذا الضوء الأحمر ولا يصحُّ أنْ تتجاوزوا حدود الله وأوامره إلى معاصيه ومخالفته، فهل ستقفون عند الخط الأحمر الإلهي أم لا تبالون؟ إذا لم تبالوا فالله تعالى إِذَنْ لن يبالي بنا.

والآن ماذا تنوون أنْ تعملوا؟ هل ستقفون عند حدود الله؟ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، هل تقف عند غضِّ البصر؟ ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم [الإسراء:36]، كيف تَحْكُم في شيء لا تعرفه أو ربما تتلقَّاه من مبغِض أو مُبطِل؟ هذه حدود الله فلا تعتدوها.. ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَد حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظالِمُونَ [البقرة:229]، ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَد حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَاب مُهِين [النساء:14]، والعذاب على حسب اجتياز الحدود وحسب أهميتها.

﴿وَمَنْ يَتَعَد حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]، هل يضر اللهَ عزَّ وجلَّ؟ ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِن اللهَ غَنِي عَنْكُمْ [الزمر:7]، مثل الولد العاق عندما يخالف والده، ولا يذهب إلى المدرسة ولا يتعلم صَنْعَةً [مِهْنَة]، ويعاشر قُرناء السوء، وينهاه أبوه وينصحه، هل هذا لمصلحة الأب أم لمصلحة الابن؟ إن الله عزَّ وجلَّ أجلُّ وأرحم وأرأف وأكرم.

﴿وَمَنْ يَتَعَد حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]، الله تعالى يذكر الأسباب الموجِبة لهذه الأحكام الإلهية الربانية الشرعية، يعني لماذا ﴿فَطَلقُوهُن لِعِدتِهِن [الطلاق:1]؟ ولماذا ﴿لَا تُخْرِجُوهُن مِنْ بُيُوتِهِن [الطلاق:1]؟ لماذا يا ربي لا نخرجها مِن بيتها وهي قد عملت وتركت وفعلـت.. قال: ﴿لَا تَدْرِي لَعَل اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، لعلَّها تندم فتتوب، أو أنت تندم فتتراجع، ويبقى بيت الزوجية عامرًا فلا يُخَرَّب، وصالحًا فلا يَفْسُد.. يجب على “الحَمَايَة” [أم الزوج أو أم الزوجة] أنْ تكون دارسةً لهذه الدروس، وكذلك يجب على أبي الزوجة وعلى الزوجة والزوج وكلّ مسلمٍ ومسلمة أن يكونوا دارسين لهذه الدروس.. حتَّى إذا أخلَّ أحد الزوجين بحُكمٍ مِن هذه الأحكام يأمره الكل بالمعروف وينهونه عن المنكر.

المجتمع الإسلامي الذي أراده الله تعالى

هذا هو المجتمع الإسلامي، وهذه هي الجماعة الإسلامية، فيا ترى هل واقع المسلمين ينطبق على الإسلام أم على الجاهلية وعبادة الشيطان والنفس والهوى؟ إذًا نحن خارجون مِن الإسلام؛ إسلام العمل وإسلام السلوك وإسلام التطبيق، أما إسلام التمنِّي والأمَّاني فالله يقول: ﴿لَيْسَ بِأمَّانِيكُمْ وَلَا أمَّانِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصالِحَاتِ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:123-124].

الله عزَّ وجلَّ يقول: إذا بقيتْ في البيت فهو أقرب إلى الصلح وإلى الوئام وإلى بقاء الأسرة والعائلة في سعادتها وفي جَمْع شملها.. ﴿لَا تَدْرِي لَعَل اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، ما هو الأمر؟ هو الرجعة؛ رجوعهم عن الطلاق إلى الزواج وإلى الألفة وإلى الحياة الزوجية الطبيعية.

ينتهي الزواج عند بلوغ الأجل

﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُن [الطلاق:2]، ها قد تركناها لك في بيتك ثلاثة أقراء، يعني ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار، فإذا انتهت العِدَّة ولم تَحدث رجعةٌ، وقد تركها الله عزَّ وجلَّ لك في بيتك ثلاثة أشهر، فهذا معناه أنَّ هذا الزواج فاشلٌ مِن أصله، لأنَّ فيه عِلَّة أصيلة، إمَّا سوء الخلق مِن الطرفين أو أحدهما، أو فسق أو أمر ما، فقَبل الطلاق يجعل الله عزَّ وجلَّ لك مكابح كثيرة، ويقول لك: “قف”، حتَّى إذا حدث الطلاق أيضًا هناك مكابح تقول لك: “قف”.. فإذا لم يحصل الرجوع بعد شهرين أو ثلاثة فهذا معناه بأنَّ هذا الزواج فاشلٌ، ولتنكح غيره ولينكح غيرها، فالطلاق ربما لا يحدث مرة في المئة أو مرة في الألف إذا طبَّقنا سورة الطلاق سورة النساء الصغرى في واقعنا وفي الحياة الزوجية.

قال: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُن [الطلاق:2]، إذا انتهت العِدَّة أو إذا قاربت الانتهاء، يعني قربت نهاية العِدَّة بعد أن تركها الله تعالى محبوسةً ومحجوزةً لمصلحتها، ﴿فَأَمْسِكُوهُن بِمَعْرُوف [الطلاق:2]، إذا أردتَ أنْ تُرجِعها فأرجعْها حسب عُرف القرآن وعُرف وصايا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا)) 29 ، ((لا يَغْلِبهنَّ إِلا لَئِيمٌ، ولا يَغْلِبنَ إلَّا الكَرِيمَ)) 30 .. إلى أخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم.

وبالنسبة للرجل يقول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لها: ((لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا)) 31 ، فما هذا الإسلام الذي يدفع المرأة باتجاه زوجها، ويدفع الزوج باتجاه زوجته! إلى جانب: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، في حِماية عن الأخُرَيات والآخَرين، وبهذا الشكل ربما في كل ألف طلاق لا يقع طلاقٌ واحدٌ.. هذا التشريع وهذا القانون أيُّ دولةٍ مِن خَلْق آدم إلى الآن وإلى قيام الساعة جاءت بتشريع مثل هذا التشريع الذي فيه ضمان سعادة الإنسان؛ المرأة والرجل، وحفظ حقوقها وحقوقه مِن شياطين الإنس والجن، الذين هم كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لـمَّا سُئل عن شرار الخلق: ((الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ)) يأتي أحدهم إلى المرأة فيقول لها: زوجك يخطب ويريد أن يتزوج فلانة، ويكون كذَّابًا أو نمَّامًا، ويقول للرجل عنها: كذا وكذا.. ((الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المفَرِّقون بَيْنَ الأَحِبَّةِ)) 32 ، يقولون لها: لا تهتمي به ولا تسألي عنه، اهجريه واتركيه، وربما تكون القائلة أمها أو أباها، فهؤلاء جاهليون وليسوا مسلمين، والإسلام هو العلم والحكمة، وهذا إسلام الأميَّة والاسم، كما قال سيِّدنا عليٍّ كرم الله وجهه وعليه ألف تحية وسلام: “يَأْتِيَ زَمَانٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ، وَلَا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ” 33 ، هذا ليس على الكلِّ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خالفهم حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ)) 34 .

إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان

قال: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ يعني شارفن على انتهاء العِدة ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ بما عُرف في الشرع مِن وصايا ومِن أحكام ومِن آداب في الحياة الزوجية، ﴿أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:2] ومِن بعض آداب الطلاق أنْ تمتِّعها، يعني تُعطيها مكافأةً أو تعويضًا -كما يسمى الآن- على حسب حالك، فربما تعطيها نقودًا أو سوارًا أو سيارة، وكلُّ إنسانٍ حسب حاله.. [أحد الحضور قال: أو طَيَّارة.. فضحك الشيخ وقال:] في دمشق الطَّيَّارَة لها معنيان: إما الطائرة التي تطير بالركاب من بلد إلى آخر، والمعنى الثاني الصفعة على الرقبة.

ما أحلى الإسلام! ونحن ما زلنا لا نعرفه علمًا ولا فكرًا، فكيف لَمّا نَعْرِفه عملاً وتعليمًا بالأقوال والأعمال والسلوك! هذه البلاد كانت مسيحية، فلماذا دخلت في الإسلام؟ لـمَّا رأت الإسلام بعينها ومعاملاتها، ولما رأى الناسُ المسلمين في حُكمهم وفي أخلاقهم وفي بيعهم وفي شرائهم دخلوا في الإسلام.. والآن واللهِ أوروبا وأمريكا لو يوجد ألف داعية إسلامي رباني وحكيم ومزكٍّ يتكلمون لغة جيدة، واللهِ إنني أضمن بأنْ تصير أمريكا مسلمةً بأقل من عشر سنوات.

هل نحن علماء؟ نحن قرَّاء، ولو كنَّا علماء، فالعالِم الأول هو سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الذي يجب أنْ نكون نموذجًا ولو مصغرًا عنه، أين ليلنا مع الله! ونهارنا مع الله! وليلنا ونهارنا بدعوة مخلوقات الله إلى مدرسة الله! وإلى الصبغة بصبغة الله!

لقد أنشأنا المذاهب والتحزُّبات، وأنا أعرف أنه قَبل خمسين سنةً في هذا المسجد كان الحنفي لا يصلي وراء الشافعي، أهكذا أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ أهكذا أمر الشافعي والحنفي والمالكي والجعفري؟ كلُّهم أبناء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكلهم جداول مِن بحره، ولكننا فرَّقنا المسلمين، وجَمَّدْنا الإسلام وشوهناه، حتَّى صار المسلم يلعن أخاه المسلم ويُكَفِّره.

الشهادة على الطلاق والرجعة

قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، الإشهاد على النكاح وعلى العِدة وعلى الطلاق، في مذهب سيِّدنا جعفر الإشهاد على الطلاق واجبٌ، وعند بعض المجتهدين أيضًا واجبٌ، أظن هو قول عطاء.. ﴿وَأَشْهِدُوا هنا الكلام في الطلاق وفي العدة، لذلك يلزم الإشهاد ومن ذوَي عدل، ولا ينبغي أنْ تُطَلِّق مثل “عَضَّة كُوْسَايَة” [مثل شامي يطلق على سهولة الشيء وسرعته، وكُوْسايَة: واحدة من الكوسى.. وحين تقضِمها أو تَعُضّها لتأكلها تكون سهلة وطرية وتبلعها بكل سهولة].

طَلَعَ الدِّينُ مُستَغِيثًا إلى اللهِ وَقالَ: العِبادُ قَد ظَلَمُونِي يَتَسَمُّونَ بِي وَحَقِّكَ لا أَعرِفُ مِنهمُ أَحدًا وَلا يَعرِفُونِي

هل نحن مسلمون وأولئك مسلمون! الذين ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16]، ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [الأحزاب:23]، ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ [التوبة:112] أولئك مسلمون بهذه الصفات، وهل نحن مسلمون؟ اليوم المسلمون كذابون ومغتابون وجاهليون وآكلو الربا ومانعو الزكاة وتاركو الصَّلاة وحديثهم اللغو والإثم، هل هؤلاء مثل أولئك؟ أولئك أوصلوا الإسلام إلى نصف العالَم القديم ووحَّدوه، ونحن باسم المذاهب مزقنا هذا العالَم الذي وحَّدوه، وليتك مشيت على المذهب الشافعي، لأن الشافعي لم يدعُ إلى التعصب، كان يقول: “إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي” 35 ، ولم يقل: اتِّخذوا كلامي مذهبًا، ولا سيِّدنا جعفر كذلك، كلُّهم اتبَعُوا: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59].

وإنْ شاء الله تعالى نحن اليوم في صحوة إسلامية علمية، وأرجو مِن الله عزَّ وجلَّ أنْ تصحبها الصحوة التربوية، وأرجو أنْ تصحبها الصحوة السياسية أيضًا، فالسياسية أنْ يُساعد العالِم الحاكم ليعملا سويةً في إقامة الإسلام، لا أنْ يحارب أحدهما الآخر، فهذا خطأ، وهذا ما يريده الاستعمار والصهيونية، وهو أنْ ينقسم المسلمون قسمَين ويقاتل بعضهم بعضًا، فإذا أردنا أن نُقيم الإسلام فلنُقمه على الحكمة والموعظة الحسنة، وإذا جادلنا ولو أهل الكتاب فليكن الجدال بالتي هي أحسن، فالحاكم منَّا ولنا.. وبالتي هي أحسن، وليس شرطًا أن يكون دفعةً واحدةً، لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ما استطاع أنْ يُقيم الإسلام في سَنة واحدة.

﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، فإذا أحضرنا شاهدين للطلاق.. مثلًا إذا أحضروني أنا وسماحة السَّيد [يشير سماحة الشيخ إلى ضيف من علماء الشيعة كان حاضرًا في المجلس]، حتَّى نشهد على الطلاق، فهل سيكون موقفنا فقط لتحمُّل الشهادة أم لإصلاح ذات البَيْن؟ باعتقادي إنّ الإشهاد على الطلاق ليس أقلَّ أهميةً من الإشهاد على الزواج، يعني العمل بمذهب سيِّدنا جعفر [في هذه المسألة] أنا أرجِّحه وأفضِّله، بل وأحتِّمه.

والشهادة للشهرة أيضًا، حتَّى يُعلم أنَّ الطلاق قد تمَّ، فإذا أراد شخص أنْ يتزوَّجها يَعرف أنَّها صارت خالِيَةً مِن الأزواج، ولكن الشهرة قد لا تُرضي المرأة لأنها قد تعدُّها نقصًا في حقها أو هو قد يعدها نقصاً في حقه.. أسأل الله تعالى أن يجمع الشملَ بعد خُطورةِ تَمَزُّقِه.

الشهادة لله تعالى

قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الشهَادَةَ لِلهِ [الطلاق:2]، إذا دُعي الشاهد فلا يقل: ليس عندي وقت، فإذا دُعي السَّيِّدُ مثلًا يجب أنْ يركض، وإذا دُعي المفتي يجب أنْ يركض، وإذا حضرا ﴿فَاتقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1]، أليس الله تعالى حكيماً؟ واللهِ هو حكيم، وهل الإسلام حكمة؟ ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129].

الآن كل واحد منكم صار عالـمًا بأحكام الطلاق، فيجب عليكم أنْ تعلِّموا بناتكم ونساءكم وأبناءكم وإخوانكم ورفاقكم، والمرأة تعلم مَن حولها، ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وعَلَّمَهُ)) 36 ، ولكن ليس تعليم النطق بالألفاظ فقط، بل تعليم فهم الأحكام، وتعليم تنفيذ الأحكام.

¬﴿ذَلِكُمْ يعني هذه الأحكام والوصايا والآداب ﴿يُوعَظُ بِهِ [الطلاق:2] ويتَّعظ ويعمل به ويطبِّقه ﴿مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [الطلاق:2]، أمَّا إذا لم يُطبِّق هذه الأحكام وهذه الأخلاق والتوصيات التي في القرآن فهو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وإذا كان لا يؤمن بالله فهل يدخل الجنة؟ وإذا كان لا يؤمن باليوم الآخر فهل يدخل الجنة؟ فهل الذين يدخلون الجنة في هذا الزمان أكثر أم الذين لا يدخلونها؟ هل تريدون الجنة؟ هذا طريقها، وهذا في الطلاق، وهناك آلاف الأحكام الشرعية، ولكن أكثرنا لا يفقهه فضلاً عن أنْ يفكِّر في تطبيقه وفي تَعَلُّمِه وتَعْلِيْمه، فيجب على المرأة أنْ تعلِّم الذي سمعته، ويجب على الرجل أنْ يُعلِّم الرجال، يُعَلِّمهم قَبل الطلاق، هل يجب أنْ نعلم هذه الأمور قَبل الطلاق أم بعده؟ قبل الطلاق، لأنَّه لا فائدة بعد حدوثه.

هذه الأحكام عظة من الله تعالى

﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ ويستجيب له ويَتَّعِظ به ويعمل به ﴿مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [الطلاق:2]، ومَن لا يتَّعظ ولا يستجيب ولا يعمل حسب نصوص سورة النساء الصغرى فالقرآن يقول له: أنتَ لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر.. ثمَّ يقول: ﴿وَمَنْ يَتقِ اللهَ [الطلاق:2]، في تطبيق هذه الأحكام ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، وذلك في أحكام الطلاق، وهذا أقرب شيء مذكور، كما تشمل الآية أيضًا التقوى بشكلها العام، فيجعل له مِن كل ضيق مخرجًا، ومِن كل هم فرجًا، ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] إلى آخر الآيات.

وإلى الأسبوع الآتي إنْ أحيانا الله تعالى.

مُلْحَق

نعي الشيخ محمد حمزة

نحن في هذا الأسبوع فقدنا عالـمًا فاضلاً كبيرًا وفقدنا أسرته معه، الشيخ مُحمَّد حمزة، وذلك بحادث سيارة، ويوجد أخ آخر أيضًا توفِّي، لكنَّ فقد العالِم العامل والمرشد المربي كارثة كبرى، لأنَّه مع عميق الأسف أصبح هناك زهدٌ في مدرسة العلم الإسلامي، كما أنَّه إنْ وجدت المدرسة فلا تكون موجودةً بكل شروطها لتُخرِّج العالِم الذي عناه القرآن والسنّة النبوية، وأكثر ما تخرِّج قارئًا لا عالـمًا، فالعالِم يجب أنْ يُعلِّم النَّاس بأقواله وحكمته وأخلاقه وتقواه وذِكره وخشوعه وإخباته ومسارعته وورعه.

الشَّيخ مُحمَّد حمزة كان مِن العلماء العاملين والمخلصين رحمة الله عليه.. ((موت العالِم ثلمة)) يعني ثغرة في جدار سور الإسلام، فإذا مات العالِم فُتحت ثغرة في الإسلام، ((لا تُسدُّ إلَّا بخَلَفٍ بعده)) 37 ، بعض العلماء يقول

إذا ما ماتَ ذُو عِلْمٍ وتَقوى فَقَد ثُلِمَتْ مِنَ الإسلامِ ثَلمَْة ومَوتُ العالِم المرضِيِّ نَقصٌ ففي مَرْآهُ لِلأشرارِ سَنَّة

ما الثّلمة؟ الخرق في جدار السور، إذ يُمكن للعدو أنْ يُخَرِّب السور ويقتحم الإسلام مِن هذه الثغرة، فالعلماء هم السور المحافظ على الإسلام، والعالِم ليس الذي قرأ وأخذ شهادةً، لا، وإذا لم تنطبق عليه الأوصاف القرآنية والنبوية فهو قارئ، وقد يكون أشد النَّاس عذابًا يوم القيامة.

قال: “ومَوتُ العالِم المَرْضِيِّ نقصٌ”، نقصٌ في الطاقة الإسلامية والقوة الإسلامية.. الآن يموت العالِم فلا يخلفه عالِمٌ، وعندما يموت الطبيب يخرج بعده خمسون طبيبًا، ويموت الحقوقي فيخرج بعده مئة حقوقي، والمهندس يخرج بعده مئة مهندس.. ما السبب؟ مِن جملة الأسباب عدم عناية المسلمين بعالِـمهم، مثلًا ربما أحدنا يأكل البقلاوة، ولكن العالِم لا يتوفر له حبوب ولا خرنوب، [البَقْلاوَة: من أغلى أنواع الحلوى وألذها، ولا يقدر على شرائها إلا من كان معه المال.. والحُبُوْب: نوع من الحلوى الشعبية في دمشق، وهي قديمة وتكاد تندثر، وهي حلوى الفقراء، وتتكون من حبوب مثل القمح والحمص وغيرها.. والخَرْنُوب: هو ثمر يأتي من شجر الخرنوب، ويصنع منه شراب ودبس وغيرها، وقد صار شبه معدوم في سوريا] فإذا كنتَ مسلمًا فقبل أنْ تأكل البقلاوة يجب أنْ تُحضِر البقلاوة للعالِم الذي يعلِّمك ويَبْني لك إسلامك.. إنّ الخيَّاط الذي يصنع لك خِرْقَةً على ثوبك تَعرف حقه وقدره، [خِرْقة: قطعة قماش صغيرة، وفيها تحقير للقماش] ومن يصنع لك نَعلًا لقدمك لئلَّا تتلوث بالطين تعرف قدره وحقه، ومن يحدو لك حمارك ويصنع له الحُدْوَة تعرف حقه وقدره، وإذا شاورت الطبيب أو المحامي خمس دقائق -وقد كتب لك ثمن الاستشارة- ربما تدفع له خمس مئة ليرة، وعندما تأتي إلى الشَّيخ تجلس معه ساعتين، وتُتْعِبُه وتُهلِكه.. ثمَّ تغادر.. هل هذا مسلم؟ [تمضي معه كل هذا الوقت من غير أن تُقَدِّر وقته وجهده وعلمه، ومن غير أن تشكره مادياً].

هذا أعظم شيء يقتل الإسلام في مجتمعنا الإسلامي، ولذلك يموت العالِم بلا خَلَفٍ، لأنه لا يوجد تشجيعٌ مِن المسلمين، قد تركب سيارة فهل فكَّرت بالشَّيخ هل يركب سيارة أم لا؟ ربما بالعكس إذا ركب الشَّيخ سيارةً فكأنَّ الكعبة قد هُدمت، وتبدأ الأصوات من كل مكان: قوموا أيها المخلصون الغيورون على الإسلام لِمَن هدم الكعبة، فافعلوا فيه ما شئتم، فهذا الشَّيخ يحب الدنيا، وهذا الشَّيخ هل يجوز له أن يركب سيارة؟ إذًا ماذا يركب؟ يجب أن يركب حمارة وبالمقلوب.. لأنهم صاروا أعداء العالِم، أمَّا لو كانوا أحباب العالِم فالمسلم يحب للمسلم العادي ما يحب لنفسه، أمَّا للعالِم فيجب أنْ يحب له أكثر ممَّا يحبه لنفسه، فتشوا أنفسكم، هل تُكرمون العِلم بالمعنى الصحيح؟ إذا أكرمتموه [يكثر العلم]، فالبضاعة التي يُقبِل النَّاس عليها يستوردها التجار، وتكثر في الأسواق، أمَّا التي يُعرِض عنها النَّاس وتبور فلا يستوردها التجار وتُفقَد من الأسواق، وهذا واقعنا الآن، هل واقعنا زيادة العلماء أم نقص العلماء؟ نقص العلماء، وما سببه؟ هذا هو السبب.

يدخل رجل إليَّ في بعض الأوقات، وبعض الناس يصيبونني بالمرض وقلبي يؤلمني منهم، وليتني أنتهي مَن أذاهم.. قد تدخل إلى الطبيب، هل تجلس عنده ساعتين؟ بل خمس دقائق وينتهي اللقاء، ثم تقول له: كم تريد دكتور؟ [بمعنى: كم المبلغ الذي تريده مني؟] أليس كذلك؟ المحامي والنجّار والكهربائي، كلَّهم يُقدَّرون، وهذا العالِم أعظم مِن كلِّ هؤلاء.. لم يعد يوجد عالمٌ إمامَ جامع، بل بائع الخضار والخَبَّاز من يقوم بمهمة إمام الجامع.. ومن هو الخطيب؟ صار الصيدلي أو الموظَّف من يقوم بالخطابة، لأنَّ راتب الخطيب خمس مئة ليرة أو ألف ليرة، وهل يستطيع إنسان بهذا الراتب أن يعمل خطيباً؟

المسلمون الذين حول الشيخ يقولون: ما شاء الله! خطبته رائعة! هؤلاء منافقون، ولو أنهم قدَّروا العِلم فِعلاً لَجعلوه أعزَّ النَّاس، وسيارته أفضل سيارة، وبيته أفضل بيت، وفرشه أفضل فرش، هكذا يُكرَّم العلم.. ما معنى “ورثة الأنبياء” 38 ؟ لو أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لنا: “هذا حماري استوصوا به خيرًا” لَمَا أطعمناه إلَّا الفستق والجوز.. وإذا قال لنا: هذا نائبي ووارثي، [فكيف يجب أن نكرمه؟] ولكن المسلمون لا يفهمون ولا يفكرون، وما الفائدة من إنسان لا يفهم؟ ولذلك هذا مِن الفقه، بل هو أعظم الفقه في هذا الوقت، وهو أنْ نُشَجِّع العالِم.

قال: “وموت العالِم المَرْضِيِّ” موت الذي يقوم بالتعليم والتربية وبناء الإسلام في القلوب والعقول نقص في الإسلام، “ففي مَرْآه” إذا وقع نظرك عليه “للأشرار سَنَّة”، بنظر الصالحين تنزل الرحمات، إذا نظرتَ إليه نظرة حبّ يُدْخِل الله عزَّ وجلَّ الهداية في قلبك، ويُنْزِل التوبة على قلبك، ولكن نحن لا نعتني بهذا العالِم، وإذا قارنَّا هل مريدو المغَنِّيَة أو الراقصة أفضل أم مريدو الجامع؟ هل يوجد أحدٌ مِن مريدي أم كلثوم ليس بارًّا بها، بل وخادماً لها، ويريد أنْ يحملها ويحمل حذاءها على رأسه؟ [أم كلثوم مغنية مصرية مشهورة في الوطن العربي].. وهناك أناس إذا رأوا شخصًا قَبَّل يد الشَّيخ يغضب ويقول: هل يجوز هذا؟ يا غيرةً الدين!.. هذه مِثل غيرة “حَمُّوْ جَمُّوْ” عندما أراد أن يُدخِل الخوري في الإسلام، كيف يُدخله في الإسلام؟ يجعله مسلماً بالخِتان، ويبدأ من الأسفل.

وهذا مِثل الرِّدَّة عن الإسلام، وهذا قتل العالِم وقَتْلُ العلم وقَتْلُ الإسلام.

[من الأفضل هنا أن نذكر قصة “حَمُّوْ جَمُّوْ” لمن لا يعرفها، وهي قصة يرددها سماحة الشيخ كثيراً، وفيها تعليم للداعي ليكون حكيماً في دعوته.. يروى أن رجلًا من الأكراد جاهلاً لا يعرف شيئاً من الدين ومن أصحاب الجرائم كان هارباً من العدالة، ومقيماً في بعض الجبال قريباً من دمشق، وكان يتعرض لمن يمر فيأخذ ماله أو طعامه، ومرة رأى خوري من القرى المسيحية المجاورة، فقال في نفسه: هذا خوري وهذه فرصة لأجعله مسلماً، فهجم عليه بالخنجر، وقال له: إما أن تسلم وإما أن أقتلك، فقال له الخوري: ولكن أنا مسيحي ولا أريد أن أسلم، وعندكم في الإسلام يقول الله: “لا أكراه في الدين”.. قال: أنا لا أعرف “إكراه” ولا أعرف “مِكْراه” يجب أن تسلم وإلا قتلتك.. وبعد جدال وحوار قال له الخوري: حسناً سأسلم، قل لي: كيف أسلم؟ فكَّر “حَمُّو جَمُّو”، وقال: واللهِ أنا لا أعرف.. ولكن تذكرت، فأول شيء يجب أن أُطَهِّركَ.. أي أجري لك عملية الختان].

ومَوتُ العالِم المرضِيِّ نَقصٌ ففي مَرآهُ لِلأشرارِ سَنَّة

إذا أردت أنْ تقضي على الشر والأشرار، فأكثِر مِن العلم والعلماء، كيف يَكْثُرون؟ بتكريمهم وببرهم وبإعطائهم حقهم، لا بإيذائهم والكلام عليهم والكذب والدَّسِّ والافتراء والعِداء لهم، تراه لا يعرف الشَّيخ، ولا يوجد شيء بينه وبين الشيخ، ومع ذلك يعاديه، وهذا اسمه نفاق

إذا ما ماتَ ذُو عِلمٍ وَتَقوى فَقَدْ ثُلِمت مِن الإسلامِ ثُلمة وَمَوتُ الحَاكِمِ العَدلِ المُوَلَّى بِحُكْمِ الشَّرعِ مَنقَصَةٌ وقَصْمَة وَمَوتُ الفَارِسِ الضِّرغامِ هَدْمٌ فَكَم شَهِدتْ له بَالنَّصرِ عَزمَة ومَوتُ فَتًى كَثِيرِ الجُودِ مَحْـلٌ فَإنَّ بَقاءَهُ خَصـبٌ وَنِعمَـة فَحَسبُكَ خَمسةٌ يُبكَى عَلَيهِمْ وموت الغير تَخفِيفٌ وَرَحمَـة

فإذا مات الحاكم العادل فهذا منقصة أيضًا، ونقص في الإسلام، ويَقْصِم ظهر الإسلام.. فنسأل الله أنْ يوفق حكَّامنا جميعًا لطاعة الله، ويوفقنا معهم لطاعة الله عزَّ وجلَّ.

“وموت الفارس الضرغام”: إذا كان شخصٌ مجاهدًا يهزم الأعداء، “فكم شهدت له بالنصر عزمة”: كم كسب المعارك والنصر بعزائمه وإيمانه ويقينه!

“وموت فتىً كثير الجود”: إذا كان سخيًّا ببذل المال في خدمة دِين الله للفقراء والمساكين، وفي بناء المساجد، وفي نشر العلم.. “وموت فتىً”: مِن الفتوة، يعني المروءة والشهامة في خدمة الإسلام، “وموت فتىً كثير الجود مَحْلٌ”: المحل ضِدُّ الخَصْب “فإنَّ بقاءه”: بقاء الأسخياء مِن المؤمنين الذين يبذلون الأموال في مرضاة الله وفي خدمة نور الله، وفي تأييد الرجال القائمين على دِين الله عزَّ وجلَّ.. “فإنَّ بقاءه خصبٌ ونعمة”.

هؤلاء خمسة قال: “فحسبك خمسة تبكي عليهم”: يعني إذا أردت أنْ تبكي على ميت فابكِ على ميتٍ يحمل صفةً مِن هذه الصفات، وإذا لم توجد فيه صفة من هذه الصفات؛ فلا تقوى ولا علم ولا حاكم عادل ولا مجاهد يخدم الإسلام سواء في الحرب أو في البناء أو في الدعوة، وهذا كلُّه اسمه جهاد، ولا يُنفق المال في خدمة الدِّين، فإذا لم يكن يحمل صفةً مِن هذه الصفات الخمسة قال: “فحسبك خمسةٌ تبكي عليهم”: إذا أردت أنْ تبكي على ميت فليكن واحدًا مِن هؤلاء الخمسة، وإن لم يكن منهم قال: “وموت الغير تخفيف ورحمة”: لماذا يعيش؟ فقط ليأكل ويُخْرِج الأوساخ ويكثرها.

فكان الشَّيخ مُحمَّد -الله يرحمه- مِن العلماء الأتقياء والمعلمين والمرشدين، فعليه رحمة الله.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. سنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب في كراهية الطلاق، رقم: (2178)، (1/661)، سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب حدثنا سويد بن سعيد، رقم: (2018)، (1/ 650)، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
  2. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (2292)، (2/51)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (5/112)،"عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ، بلفظ: ((تَزَوَّجُوا وَلا تُطَلِّقُوا، فَإِنَّ الطَّلاقَ يَهْتَزُّ مِنْهُ الْعَرْشُ)).
  3. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (10938)، (2/ 536)، صحيح ابن حبان، رقم: (257)، (1/490)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ))، وفي صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم: (34)، (1/21)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق رقم (58)، (1/78)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، بلفظ: ((أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)).
  4. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في التّشديد في الكذب، رقم: (4991)، (2/716)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (15740)، (3/447)، بلفظ: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ».
  5. مسند الفردوس للديلمي، عن عائشة، رقم: (6474)، (4/153). عن عَائِشَة رضي الله عنها، بلفظ: ((مهلاً يَا عَائِشَة أما علمت أَن هَذَا من كذب الأنامل))، وفي البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، رقم: (1599)، (2/238)، بلفظ: ((مهلا يَا عَائِشَة أما علمت أن هذا من كذب الأنامل))، قال: أخرجه أبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها، سببه: ((قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أفلي رأس أخي عبد الرحمن وأنا أقطع أظفاري على غير شيء فقال مهلا فذكره)).
  6. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (23529)، مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (29929)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ، فَلاَ يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ))، وفي تفسير الطبري، رقم: (81)، (1/80)، بلفظ: ((عن ابن مسعود، قال: كانَ الرجل مِنَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف معانيهُنَّ، والعملَ بهنَّ)).
  7. المعجم الكبير للطبراني، رقم (12909)، (12/ 195)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بلفظ: ((أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ طَلاقَ أُمِّ أَيُّوبَ كَانَ حُوبًا)).
  8. سنن الترمذي، أبواب الزهد، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل، رقم: (2380)، (4/ 590)، سنن النسائي، كتاب آداب الأكل، ذكر القدر الذي يستحب للإنسان من الأكل، رقم: (6770)، (4/ 178)، عَنِ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه، بلفظ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».
  9. تخريج أحاديث الإحياء المغني عن حمل الأسفار (3/12)، عن أنس رضي الله عنه، بلفظ: «لَا يقعن أحدكُم عَلَى امْرَأَته كَمَا تقع الْبَهِيمَة، وَليكن بَينهمَا رَسُول» قيل وَمَا الرَّسُول يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «الْقبْلَة وَالْكَلَام»، وفي مُسْند الفردوس للديلمي، رقم: (5998)، (3/637)، عن الْحُسَيْن بن عَليّ رضي الله عنه، بلفظ: ((من الْجفَاء أَن يدْخل الرجل منزل أَخِيه فَيقدم الشَّيْء ليأكله فَلَا يَأْكُل وَالرجل يصحب الرجل فِي الطَّرِيق فَلَا يسْأَل عَن اسْمه وَاسم أَبِيه وَالرجل يُجَامع أَهله لَا يلاعبها قبل الْجِمَاع)).
  10. سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، باب الأكفاء، رقم: (1968)، (1/ 633)، وسنن البيهقي الكبرى، كتاب النكاح، باب اعتبار الكفاءة، رقم: (13536)، (7/ 133)، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: ((تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكفاء وَانْكِحُوا إِلَيْهِم))، وفي مسند الفردوس للديلمي، رقم: (1774)، (1/435)، مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (638)، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، بلفظ: ((وَانْظُرْ فِي أَيِّ نِصَابٍ تَضَعُ وَلَدَكَ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ))، وعَنْ أَنَسٍ بلفظ: ((تَزَوَّجُوا فِي الْحُجْزِ الصَّالِحِ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ))، رقم: (2291)، وفي العلل المتناهية لابن الجوزي، رقم: (1015).
  11. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (4485)، (3/179)، الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، رقم: (130)، ص: (156)، عن حَارِثَة بن وهب: ((قَالَ الله عز وَجل لَيْسَ كل مصلٍ يُصَلِّي إِنَّمَا أتقبل الصَّلَاة مِمَّن تواضع بهَا لعظمتي وعف شهواته عَن محارمي وَلم يصر على معصيتي وَأطْعم الجائع وكسا الْعُرْيَان ورحم الْمُصَاب وآوى الْغَرِيب كل ذَلِك لي)).
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب النكاح، بَابُ الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ، رقم: (4802)، ومسلم، كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين رقم (1466)، (2/ 1086)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)).
  13. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (21445)، (5/158)، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: انْظُرْ، فَإِنَّكَ لَيْسَ بِخَيْرٍ مِنْ أَحْمَرَ وَلاَ أَسْوَدَ إِلاَّ أَنْ تَفْضُلَهُ بِتَقْوَى))، وفي شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5135)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: عَيَّرَ أَبُو ذَرٍّ بِلَالًا بِأُمِّهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ، وَإِنَّ بِلَالًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ فَغَضِبَ، فَجَاءَ أَبُو ذَرٍّ وَلَمْ يَشْعُرْ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ))، وفي صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، رقم: (30)، بلفظ: ((عَنْ الْمَعْرُورِ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)).
  14. صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم: (3274)، (3/1275)، سنن الترمذي، كتاب العلم باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، رقم: (2669)، (5/40)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بلفظ: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار))ِ.
  15. سبق تخريجه.
  16. سبق تخريجه.
  17. المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (656)، كشف الخفاء للعجلوني، رقم: (1660)، ليس بحديث.
  18. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (15656)، (3/ 438)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (413)، (20/188)، مكارم الأخلاق للخرائطي، رقم: (381)، ص: (80)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصْفَحَ عَمَّنْ ظلمك)).
  19. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي، رقم: (6881)، (6/ 2667)، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي، رقم: (1920)، (3/ 1523)، عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)). واللفظ لمسلم.
  20. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (7807)، (8/198)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((إِنَّ لِهَذَا الدِّينِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا..)).
  21. نوادر الأصول للحكيم الترمذي، (2/92)، بحر الفوائد ص: (376)، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، بلفظ: ((خير أُمَّتِي أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا وَفِي وَسطهَا الكدر)).
  22. سبق تخريجه.
  23. مسند البزار، رقم: (1401)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (19260)، بلفظ: عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: لَمَّا طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ)).
  24. صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم: (1469)، (2/ 1091)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8345)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ))، أَوْ قَالَ غَيْرَهُ)).
  25. صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، رقم: (2581)، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا)).
  26. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22002)، السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (17574)، (9/20)، بلفظ: ((عَنْ بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَّةِ السَّدُوسِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبَايِعَهُ، قَالَ: فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ أُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَأَنْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ، وَأَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَّا اثْنَتَانِ، فَوَاللَّهِ مَا أُطِيقُهُمَا: الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ، فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ، فَأَخَافُ إِنْ حَضَرْتُ تِلْكَ جَشِعَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ الْمَوْتَ، وَالصَّدَقَةُ فَوَاللَّهِ مَا لِي إِلاَّ غُنَيْمَةٌ وَعَشْرُ ذَوْدٍ، هُنَّ رَسَلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهُمْ. قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ حَرَّكَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَلاَ جِهَادَ وَلاَ صَدَقَةَ، فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أُبَايِعُكَ. قَالَ: فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ)).
  27. سبق تخريجه.
  28. المعجم الصغير للطبراني، رقم: (947)، (2/152)، دلائل النبوة للبيهقي، رقم: (2554)، (6/304)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما.
  29. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، رقم: (4890)، (5/1987)، صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم: (1468)، (2/ 1090)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا».
  30. تاريخ دمشق لابن عساكر، (11996)، (13/ 312)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بلفظ: ((مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلا كَرِيمٌ، وَلا أَهَانَهُنَّ إِلا لَئِيمٌ)).
  31. سنن الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، رقم: (1159)، السنن الكبرى للبيهقي، ك كتاب القسم والنشوز، باب ما جاء في عظم حق الزوج على المرأة، رقم: (14481)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
  32. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (27640)، (6/ 459)، مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (24)، (5/180)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَال: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ.».
  33. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1908)، (2/311)، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، رقم: (1045)، (4/ 227)، بلفظ: ((يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاس زَمَانٌ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ، وَلَا يَبْقَى مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ، مَسَاجِدُهُمْ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى، عُلَمَاؤُهُمْ شَرُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مَنْ عِنْدَهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ وَفِيهِمْ تَعُودُ))، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
  34. سبق تخريجه.
  35. المجموع شرح المهذب للإمام النووي (1/63)، عون المعبود للعظيم آبادي (11/63)، بلفظ: فصْلٌ صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: إذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعُوا قَوْلِي، وَرُوِيَ عَنْهُ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ وَاتْرُكُوا قَوْلِي، أَوْ قَالَ: فَهُوَ مَذْهَبِي".
  36. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، (4/ 1919)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، (1/ 460)، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  37. مسند البزار، رقم: (171)، (18/185)، بلفظ: عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها رفعته قال: ((مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإِسْلاَمِ لاَ تسُدُّ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ))، وفي سنن الدارمي، باب في فضل العلم والعالم، رقم: (324)، بلفظ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: "كَانُوا يَقُولُونَ: مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإِسْلاَمِ لاَ يَسُدُّهَا شَيءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ".
  38. ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
WhatsApp