تاريخ الدرس: 1994/04/22

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:35:06

سورة نوح: الآيات 1-12

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، فاطر السماوات والأرض، وباعث النّبيّين والمرسلين هدىً للعالمين، وأفضل الصّلوات وأعطر التّحيّات على سيّدنا محمّد خاتم النّبيّين والمرسلين، وعلى أبيه سيّدنا إبراهيم، وأخويه سيّدنا موسى وسيّدنا عيسى، وجميع إخوانه من النّبيّين والمرسلين وآل كلّ وصحب كلّ أجمعين، وبعد:

ما تضمنته سورة المعارج من موضوعات

فبعدما انتهت سورة المعارج، وكما تقدّم معكم أنّ المعارج هي المصاعد مثل الدّرج والسُّلَّم والمصعد الكهربائي، وكذلك ذَكَر الله في سورة المعارج درجات العروج والارتقاء والقرب من الله عز وجل من نقطة الإنسان الهلوع، فالإنسان بفطرته قبل أن يدخل مدرسة الإيمان ومدرسة النّبوة كان إنسانًا هلوعًا، قال تعالى: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [سورة المعارج: 20] فهو ضعيفٌ عن تحمّل صدمات المكاره في بدنه أو ماله أو أهله أو شؤونه، ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [سورة المعارج: 21] لحرصه وأنانيّته والطّمع الذي يستولي على مشاعره.

فيجب على الإنسان أن يعرج ويرتقي عن مستوى الإنسان الخام؛ لأنّ الحديد في الجبل كان ترابًا وأحجارًا، فلو بقي على ما هو عليه فالجبل كلّه لا يساوي شيئًا، ولكن بتصفية الحديد من التّراب ثمّ صهره وإذابته بالنار التي حرارتها فوق الألف درجة وقد تبلغ الآلاف، فلا بدّ من أن يذيب وجوده الأول لينتقل إلى وجودٍ ثانٍ، ثمّ يوضع في القالب الذي يُهيّئ له فيخرج مصنعًا ومعملًا وطائرةً وقطارًا ومركبةً.. إلخ.

فكذلك يجب على الإنسان أن يترقّى في معارج الكمال ولا يبقى على حالته الأولى، فالنّواة إذا بقيت على ما هي عليه فمكانها في موضع القمامة، أمّا إذا صارت بيد المزارع ودفنها في التّربة الزّراعيّة وصار لها من يعتني بها سقايةً وتغذيةً ودفاعًا عنها تجاه أعدائها من الأمراض والمكروبات والحشرات الزّراعيّة، فتتحوّل وتعرج من نواةٍ إلى نخلة، ومن بذرة تين بحجم رأس الدّبوس إلى شجرةٍ ودوحةٍ عظيمة يتفيأ ظلالها النّاس، ويتغذَّى بثمارها النّاس، ويطربون ويغنون تحتها.

كيف قرأ الصحابة سورة المعارج؟

فعندما قرأ أصحاب رسول الله ﷺ سورة المعارج حوَّلوها من ألفاظٍ تقرأ وآياتٍ تتلى إلى أعمالٍ وأخلاقٍ، وحوَّلوا نواتهم إلى نخلة، وبذرتهم إلى شجرة، وصحراءهم إلى جنةٍ غنَّاء، فكانوا المصلّين الذين هم على صلاتهم دائمون، فدوام الصّلاة لا تعني أن يكون الإنسان في كلّ لحظة مصلّيًّا راكعًا ساجدًا فهذا لا يمكنه.. ولكن لمّا كانت روح الصّلاة ذكر الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الجمعة: 9] فقد سمَّى الصلاة ذكرًا؛ لأنّ الصلاة من أولها- الله أكبر- ذكر الله، وكذلك دعاء الاستفتاح: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [سورة الأنعام: 79] “سبحانك اللهم” فكلُّه ذكر، وكذلك الفاتحة ذكر.. والذّكر لا يكون باللّسان فقط، فإذا لم يتبع القلبُ اللّسانَ وكان القلب حيًّا ومتغذّيًا بذكر الله في صلاته فكأنّ الإنسان لم يصلِّ.

فالصّلاة الدّائمة هي ذكرك لله الدّائم كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ [سورة آل عمران: 191] فَسَّر الدّوام: ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ [سورة آل عمران: 191] فلو كان الإنسان يطير في الهواء أو يغوص في البحار لقال له: غوصًا وارتفاعًا؛ لذلك قال: ﴿قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ فالقرآن يُتلى لأجل هذا الفهم ولتحويل الفهم إلى الواقع العمليِّ وعند ذلك نكون قد قرأنا القرآن.. فإذا أخذت الشّيك [ورقة رسمية لمبلغ مالي محدد] وقرأته ولم تذهب إلى المصرف والبنك وقبضت ما فيه، فما الفائدة من قراءته ولو كان مكتوبًا بالماء المذهَّب؟ فهذه خسارةٌ في خسارة في خسارة مع ضياع الوقت بعدم الاستفادة من مضمون هذه الحوالة، ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُون [سورة المعارج: 23].

أنواع العروج في سورة المعارج

عروجٌ آخر: من عبادة المال إلى عبادة الله وتسخير المال فيما ينفعك وينفع غيرك، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [سورة المعارج: 24] وهذه درجة أخرى في علوِّ النّفس وارتقائها عن عبادة المادة والجسد.

﴿لِلسَّائِلِ [سورة المعارج: 25] سواء الذي يسأل أو الذي يخجل من السؤال، وهذا عليك أن تقدِّم له من غير أن يسأل.

وعروجٌ آخر: ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [سورة المعارج: 26] فإذا صدّقت بيوم القيامة وأن ﴿السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [سورة الإسراء: 36] فأيّ جامعة وأيّ معهد يصيغ الإنسان هذه الصياغة ويجعله مقدَّسًا؟ ففي سمعه لا يسمع إلّا الخير والعلم والشّيء النّافع، وفي بصره لا ينظر إلّا إلى ما يحبّه الله ويرضاه، وكذلك الفؤاد فليس في قلبه إلّا الخير وحبُّ الله وخشيته، وكذلك قلبه مطهَّر من الرّياء والحقد والغش والكذب ومن نيّة إيذاء الخلق بقولٍ أو عملٍ، ففي الدّاخل كلُّه خيرٌ وصلاح.. وهذا عروجٌ.

وقال تعالى: ﴿يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [سورة المعارج: 26] فالتّصديق بأنّ الأفعى قاتلة يوجب ابتعادك عنها، والتّصديق بأنّ الذّهب نافع يجعلك تركض وراءه لتحصيله ليلك ونهارك، أمّا إذا قلت: “أنا أصدّق بالأفعى” وأمسكتها من ذَنَبها ووضعتها عند شفتيك، فهل هذا تصديق؟ هذا تصديق القول وتكذيب العمل.. فالإسلام إذا لم يظهر في أعمالك ولم يظهر القرآن في أخلاقك، فأنت لست قارئًا للقرآن، ولو كنت تقرأه على القراءات السّبع والأربع عشر، ولو كان هناك سبعة آلاف قراءة، فكلما تقرأ فحالك كما قال الشّاعر

ربّ تالٍ يتلو القرآن بِفِيْهِ وهو يفضي به إلى الخذلان

﴿وَالَّذِينَ هُمْ مع تصديقهم بيوم الدّين ومع مشيهم على صراط الله ومع ورعهم عن محارم الله، ومع كلّ هذا قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [سورة المعارج: 27] يخافون ألّا يُقبل منهم، ويخافون أن يحاسبوا، فلعلّهم راؤوا وفرحوا بمدح النّاس لهم أو عملوا لأجل أن يثني النّاس عليهم ويمدحوهم، فحالهم دائمًا مع كلّ استجابتهم لأوامر الله أنهم يخافون ألا يُقبَل منهم.. وهذا عروجٌ.

﴿لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [سورة المعارج: 29] يترفّع عن الخَنا والفواحش ومقدّماتها ومفاتيحها وأصحابها وأماكنها.. وهذا عروجٌ.

﴿لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [سورة المعارج: 32] أمينٌ في بيعه وشرائه وفي دَينه وأمانته وفي كلّ ما يؤتمن عليه، وفي حديثه؛ إن حدَّثك أحدهم حديثًا ولا يرضى أن تنقله إلى الآخرين ونقلته فأنت خائنٌ للأمانة، فإن فعلت ذلك فأنت لم تقرأ القرآن ولا آمنت بالقرآن، فقد آمنت أُمنيةً، ولكن لم تؤمن تصديقًا ولا تطبيقًا، وهذا اسمه النّفاق، فلو سمّاك النّاس مسلمًا وسمّاك الله “منافقًا” فأيُّ النّاحيتين هي الفاعلة؟ فهل ترضى لنفسك أن يقول الله تعالى لك يوم القيامة: “ألم أوحِ إلى جبريل وإلى محمد حتّى يوصلوا رسالتي إليك بأن تكون أمينًا؟”.

والمرأة أمينة في بيتها على نفسها وفي مال زوجها، والأجير مع معلِّمه، والمعلِّم مع أجيره، وأنت أمينٌ على ودائع الله عندك، فهذا النّظر أمانة، فقد أعطاك الله إياه لتستعمله فيما ينفعك وفيما يرضي الله عز وجل، فإن استعملته بهذا الشّكل فأنت أمينٌ على بصرك، وإن استعملته بخلاف أوامر من أعطاك البصر فأنت خائن البصر وخائن السّمع.

﴿وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [سورة المعارج: 32] فإذا عهدت عهدًا ووعدت وعدًا فلا يجوز أن تُخلِف ولا أن تنتقل من “لعهدهم راعون” إلى قول الجاهليّين: “ألف قَلْبَة ولا غَلْبَة”، [مثل عامي يُقصد به أن ينقلب في وعده ويتراجع عن كلامه إذا رأى أنه سيكون مغلوباً أو يمكن أن يحصل على ما هو أفضل] من يفعل هذا فهو يقدِّم هذا الكلام على كلام الله، وهو عنده أقدس من وحي الله ومن القرآن العظيم، فهل قرأ سورة المعارج؟

فكلّ آية من هذه الآيات درجةٌ ومعراج، فإذا قرأتها يجب أن ترتقي بتطبيقها وتحويلها من تلاوةٍ بلسانك أو سماعها بأذنيك إلى عملٍ وواقعٍ وإلى سلوكٍ بدافع: “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”.

﴿لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [سورة المعارج: 32] فإذا وعدت وعدًا فيجب أن تنجزه.

قصة عن وفاء عبد الله بن عمر رضي الله عنه بما وعد على فراش الموت

يروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ شخصًا خطب إليه ابنته فوعده بتزويجها، فمرض، ولما كان في الاحتضار أو قريبًا من ذلك، قال: “اشهدوا عليَّ أني قد زوجت ابنتي فلانة لفلان”، قالوا له: “وأنت في سكرات الموت! أيّ مناسبة في هذا الحال لما تقوله!” قال: “وعدته بها وأخشى أن ألقى الله عز وجل مُخلِفًا لوعدي”

ما هو الإسلام؟ حتى تصير به مسلمًا.. الإسلام هو الاستجابة لأوامر الله.. فمبقدار استجابتك لأوامر الله وعملك برغبات الله وتنفيذك لفرائض الله في السّرّ والعلن وفي الملأ والجهر أو في الخلوة والسّر، وتكون الاستجابة قلبًا وقالبًا ظاهرًا وباطنًا، وألّا تفعل ما تفعله ليراك النّاس أو ليسمعوا بعملك، إنّما تفعل كما قال تعالى: ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [سورة الأعراف: 29] “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”. بمقدار هذه الاستجابة يكون مقدار إسلامك.

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ هذه التي وصفها الله ﴿عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [سورة المعارج: 34] يداومون على هذه الصلاة ثم يحافظون عليها ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [سورة المعارج: 35].

فيا ترى هل ما يبذله المؤمن من هذه المعاني لقاء ما يُكرِمه الله عز وجل من حياة الأبد والخلود، وشباب الأبد والخلود وصحة الأبد والخلود وغنى الأبد والخلود وسعادة وسرور الأبد والخلود، فهل يكون قد دفع ثمنًا باهظًا وأخذ شيئًا رخيصًا أم بذل رخيصًا وأخذ غاليًا؟ فإذا ما استجبنا لكلام الله فهل نكون عقلاء؟ وهل نكون علماء؟ ((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل)) 1 .

الحكمة من ترتيب سورة نوح بعد سورة المعارج

جعل الله عزَّ وجلَّ ترتيب القرآن بعد سورة الحاقة تأتي سورة المعارج ثم سورة نوح، فسورة المعارج بَنَت شخصية المسلم والمسلمة بهذه المواصفات وبهذه الدّرجات والمعارج في السّموِّ والارتقاء الأخلاقي والإيمانيِّ والفقهي لكلام الله.. فهل انتهت المسؤولية؟ لا؛ بل يجب أن تنتقل إلى مسؤولية أكبر؛ والمسؤولية الأخرى والجديدة

الهدف من تلاوة سورة نوح

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة نوح: 1] عذابٌ أليمٌ في الدنيا وعذابٌ أليم في الآخرة، فالله عزّ وجلّ ليس مؤرخًا يذكر لنا قصّة نوح؛ لكنّه سبحانه معلِّمًا، قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ [سورة الرحمن: 2] يعلّمك في مدرسة القرآن، لتكون الإنسان الفاضل والإنسان السّماويَّ الأرضيَّ الملائكيَّ الإنساني المتعلِّم والعالِم والمعلِّم.. فإذا أردنا أن نقرأ سورة نوح أو نقرأ سيرة النبي ﷺ كشيءٍ كنا نجهل ما وقع، فبمجرد القراءة نعرف ما وقع، لكننا إلى هذا الحد لا نكون قد قرأنا القراءة النافعة للقرآن أو سيرة رسول الله ﷺ، ولا سمعنا السماع النافع، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سورة آل عمران: 31].

قال الله عزَّ وجلَّ لنبيه ﷺ قد أنزلنا عليك سورة نوح، وقد قال أيضًا: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [سورة الأنعام: 90] فإذا كان الله عزَّ وجلَّ يقول له: أذكر لك قصص وسير الأنبياء- فليس على اعتبار أنّ الله حكواتيٌّ أو إذاعة أخبار- بل أذكر لك حياة الأنبياء ورسالاتهم مدرسةً لتهتدي بهديهم وتسلك سبيلهم وتعمل أعمالهم، فعَمِل رسول الله ﷺ أكثر ممّا طلب الله منه، وعمل أكثر ممّا عمل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، فكلّ واحد منهم عليهم السلام كان مرسلًا إلى قومه وكانت رسالة محمد ﷺ إلى العالمين.

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [سورة نوح: 1] وأنت يا محمد، وبعد محمد فهذا الخطاب موجَّهٌ لكلِّ واحدٍ منَّا ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ لمّا يحبّه ويرضاه ﴿فَبِهُدَاهُمُ [سورة الأنعام: 90] بهديهم وسلوكهم وأعمالهم وجهادهم وتعليمهم ﴿اقْتَدِهْ [سورة الأنعام: 90] أيّها المؤمن وأيّتها المؤمنة، يعني أيّها المسلم كن نوح زمانك، ليس في النّبوة، فالنّبوّة انقطعت؛ بل في الدّعوة إلى الله وفي تعليم الجاهل وفي هداية الضالِّ وفي استتابة العاصي الفاسق المذنب، وتكون معه كالطّبيب مع المريض بالحكمة والموعظة الحسنة، ((ومن أمر بمعروفٍ فليكن أمره بمعروف)) 2 .

معنى الإنذار

﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ [سورة نوح: 1] ينذر الطبيب المريض بعد تحليل الدم والبول والفحوص والصور الكهربائية وبعد أن يطَّلع على حقيقة الخطر إن لم يرجع عن أخطائه التي سبّبت له هذا المرض ويستعمل الدواء ليتغلب على المرض فيقول له: “ستموت أو تصاب بالفالج أو تصاب بالعمى”.

﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة نوح: 1] وإذا نزل عذاب الله ونزل قصاص الله فبعد النزول لا يُرفع، ما رفع إلّا عن قوم يونس وهذا خاصة خصَّهم الله بها.

فهل المسلم عندما قرأ المعارج عرج بدرجات الآيات التي مرَّت أوصافها كما سمعتموها؟ وإن لم نحقّق هذه المعاني عند قراءة المعارج فيجب أن لا تنتقل إلى قراءة سورة نوح، يقال أنهم حمَّلوا أحدهم كيس قمح فانتقض وضوءه، فقال لهم: “ضعوا الكيس الثاني” فعجز عن حمل الكيس الأول كيف سيحمل الثاني والثالث؟

فليس المهم أن تقرأ، بل المهم أن تعلم، إن قرأت أنّ الأفعى سامة وقاتلة ولم تحترز منها فأنت قرأت وما علمت، وإذا قيل لك: “هذا كأس من السمِّ” فقلت له: “صدقت” فالعلم ألّا تشرب هذا الشّراب، فإن شربته فهل أنت عالمٌ؟ أنت مستمعٌ أو قارئ، فالعلم الحقيقي هو الذي يُوجِب العمل، تعلمون كلّكم أن النّار محرقةٌ، وبمقتضى علمكم فهل يضع أحدكم إصبعه في النّار؟ لا، ولماذا؟ لعلمكم أنّ الإصبع ستحترق، فكذلك العلم، والنبي ﷺ قال عنه: ((فريضةٌ على كل مسلم)) 3 ويشمل كلّ مسلمة، العلم الذي يُوجِب العمل بأن تأخذه من العلماء بالله وبشريعته وبدينه، الذين تحقّق لهم مقام الوراثة عن رسول الله ﷺ، ورثوا أعماله وورثوا روحانيَّته بحسب قابليَّتهم واستعدادهم ووسعة إنائهم.

قال تعالى: ﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة نوح: 1] عندما نزلت هذه السّورة على النبي ﷺ ماذا فعل؟ قام فأنذر ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ [سورة المدثر: 2] ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [سورة الشعراء: 214] وأكّد ذلك فقال: هكذا شأن الأنبياء، وأنت أيّها العالم وقد قال النبي ﷺ: ((العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا إنما ورَّثوا العلم)) 4 . فأيُّ علمٍ هل علم القيل والقال؟ قال رسول الله ﷺ: ((أشدِّ الناس عذابًا يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه)) 5 . فالجاهل يكون أفضل منه، لأن عذابه أخفُّ؛ فالجاهل يُعذَّب على المعصية عذابًا، أمّا العالِم فيُعذَّب على المعصية عذابًا وعلى عدم عمله بعلمه عذابًا آخر.

فأنتم الآن تصيرون علماء بكلام الله، فلا تظنّوا أن العالِم هو من لبس العمامة والجبَّة، غدًا ستوضع أقدامكم تحت الضّرب، فهذا الدّرس سماع كلام الله، ولا يمكن أن تهضم النّفوس كلام الله عز وجل فتحوِّلها إلى عمل البدن والقلب وعمل الفكر إلّا بتوبةٍ صادقة وإدمانٍ على ذكر الله، وهجرةٍ إلى صحبة أحباب الله، فكانت الهجرة فرضًا على المسلم إلى المدينة لأجل أن يتعلَّم العلم والحكمة، فما الحكمة؟ الحكمة: هي الصّواب في القول والعمل، والحكمة: هي الفطنة وأن تضع الأشياء في مواضعها أقوالًا وأعمالًا ونطقًا ونظرًا وسماعًا.

وكم كرّر الله كلمة الحكمة في القرآن؟ ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ [سورة البقرة: 269] وقد جعلها نصف النبوة ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [سورة الأنبياء: 79]، وقد صار العرب أعظم أُمّة لما دخلوا مدرسة الهجرة والصّحبة لرسول الله ﷺ، وقد قال ﷺ: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) 6 . وفي الحديث: ((لا تصحب إلّا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلّا تقي)) 7 ، فيجب أن تكون هذه الأمور كلّها واقعنا في أخلاقنا وأعمالنا وحياتنا وذهابنا وإيابنا وسهراتنا لنكون مسلمين مستجيبين لله ولرسوله.. فالإسلام هو الاستجابة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [سورة الأنفال: 24] هل ليحيي الأجسام؟ لا؛ فالحيوانات لها حياة الأجسام؛ بل ليحيي عقولكم بالحكمة وقلوبكم بنور الله ونفوسكم بالفضائل ومكارم الأخلاق، ﴿إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [سورة الأنفال: 24] هذا الحجاب: أن يُحجب القلب عن الله وينطفئ فيه نور الله فيمشي في صحراء التّيه لا يفرّق بين وادٍ وبئر، فيسقط في بعضها فيهلك.. فأصحاب رسول الله ﷺ استجابوا، ولمّا استجابوا نالوا شهادة: ((علماء حكماء فقهاء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء)) 8 ، وماذا حملوا من الشّهادات؟ لم يكن عندهم شهادة ابتدائية، قال تعالى: ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [سورة الجمعة: 2] فالنبيُّ ﷺ أميٌّ والحكماء والعلماء والفقهاء الذين قاربوا درجة الأنبياء أميُّون، فكيف نشروا علوم القرآن من الصّين إلى حدود فرنسا بخمسين سنة؟ والمسلمون الآن يعدّون مليارًا أو يزيدون وليتهم في مكانهم، بل يتراجعون إلى الوراء، كما قال الشّاعر

زماننا هذا كذا (هوى) وأهله كما ترى وبعضهم بل جُلُّهم إلى ورا إلى ورا

حتى نعود إلى كتاب الله، وكيف العودة؟ القرآن ليس قراءةً، وقد قال الله تعالى عن القرَّاء: ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [سورة البقرة: 78] فالأماني لا تحقّق المراد، ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [سورة النساء: 123]، “من يعمل” هي المسألة المهمة.

قصة: حال الشيخ أمين مع شيخه

كان شيخنا رحمه الله من كبار العلماء قبل أن يلتقي بشيخ التّربية، ولمّا التقى به قال له: “طلبتك من الله أن تكون ولدي”، أيُّ ولادة؟ يعني هل سيتزوج أمّه حتى يأتي؟ فقد أتى للدنيا وانتهى الأمر.

فكان يقول لنا رحمه الله أنه بالمصافحة وأخذ العهد اشتعل قلبه بنور الله وبدأ قلب روحه ينبض بذكر الله، قال: ” وما انتهت المصافحة إلا وقلبي محترقٌ حرقًا بمحبة الله”. وكنت أسمع من والدتي- زوجته- تقول لي: “يا ولدي كان والدك قبل أن يصل إلى شيخ التربية حدَّ المزاج، سريع الغضب، فإذا غضب لا يبالي بأيِّ شيء يضرب، وكان يضرب بكلّ ما تصل إليه يده، فما مضى أسبوعان أو ثلاثة، وإذا بهذا الإنسان لم يبقَ منه ولا ذرة، وإذا هو مَلَك كريم في الحلم وحسن الخلق وسعة الصدر وكظم الغيظ.. إلخ”.

وقال له شيخه: “تترك كلَّ شيء ولا تقرأ كتابًا ولا قرآنًا إلا الصلوات الخمس، وتشغل أوقاتك كلُّها بذكر الله”، وكنت أسمع منه يقول إنه ما مضت أربعون يومًا حتى أجازه بالإرشاد وتربية المريدين، ثم قال له: “الآن ارجع إلى كلّ وظائفك من التعليم وتدريس الطلبة وقراءة القرآن”.. فهذه المدرسة “مدرسة تزكية النّفس”، ومدرسة “يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم”، ومع عميق الأسف فإنها مفقودةٌ في مدارس الثّقافة الإسلاميّة الدّينيّة، لذلك يتخرّج الطالب قارئ نظريات لكن من الدّاخل لا يوجد فيه شيء، مثل عبوة سمنٍ وعليها ختمٌ، لكنها كلّها هواء، والهواء لا يقلي البيض، ولا يصنع النتائج.. ونجد كثيرًا ممّن لم يدرسوا في الأزهر أو غير الأزهر من طبيب أو صيدليٍّ أو تاجرٍ أو عامل أو فلاح، ولكنه صار صاحب قلب، فصار داعيًا وهاديًا ومهديًا وذاكرًا ومذكّرًا، ويسعد كلّ إنسان بصحبته ومجالسته.. إلخ.

مدة دعوة نوح عليه السلام وبرنامج دعوته

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [سورة نوح: 1] هذا درسٌ لأداء فريضة الدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وكيف يجب أن يكون الداعي في صبره وفي صموده وفي تحمُّله وفي عدم يأسه.

لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، هذه من حيث المدة أما من حيث الكيفية: ﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ذهب للإنذار ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة نوح: 1] فإذا نُفذ الحكم بعذاب الله على المذنب والمجرم والمستهتر بالله وبوحيه وبرسالته فأمره ليس بالأمر اليسير، فقام، وأمره بالإنذار فأنذر، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ [سورة المدثر: 2] أن تتدَّثر بثيابك أو بلهوك ولعبك أو بأكلك وشربك أو بدنياك وشؤونك المادية، فالدّاعي إلى الله لا يعرف في حياته إلّا أن يكون في كلّ لحظة داعيًا إلى الله وبإذنه.

ولمّا أجازني شيخي رحمه الله قال لي: “ما كتبت لك الإجازة إلّا بإذنٍ من رسول الله ﷺ” والنبي بجسده معلوم شأنه، ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنّ ما ترونه الآن هو مظهرٌ من مظاهر الإذن، فنسأل الله أن يثبّتنا ويرزقنا القبول والإخلاص والصّدق في العمل.

“أنذر” فهذا أمرٌ، والأمر للامتثال والانقياد والمسارعة، فقال حالًا: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ [سورة نوح: 2] أبيِّن لكم الحقائق بوقائعها لتسعدوا في الدّنيا والآخرة ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [سورة نوح: 3] بألّا تعبدوا غيره ولا تشركوا معه أحدًا سواه.

معنى التقوى

﴿وَاتَّقُوهُ [سورة نوح: 3]، والتّقوى أن تمتثل أوامر الله في كلِّ ما أمر وأن تجتنب وتترك محارم الله في كلِّ ما حرَّم وحذَّر، فالتّقوى في الصّلاة أن تصلّي الصّلاة التي أرادها الله عز وجل؛ التي تنهاك عن الفحشاء والمنكر، فإذا لم تنهك صلاتك عن الفحشاء والمنكر فأنت لم تصلِ.. اشترِ طعامًا من السّوق لتتعشّى فإذا اشتريت الطعام ولم تتعشَ فستبيت جائعًا، وما أفادك بذل الثّمن ولا الذّهاب إلى السّوق!

إن قيل لك: “أوصل الكهرباء في البيت حتّى تزول الظّلمات في اللّيل”، لكن إن أوصلت الكهرباء، ولكن لم تستعملها في اللّيل، فأيُّ فائدةٍ من هذا التوصيل ومن بذل هذه النفقات؟

عليك أن تتعلّم الصّلاة ممّن يعلّمك الكتاب والحكمة ويزكّيك وراثةً عن رسول الله ﷺ، فتَعَلُّم الصّلاة من أمك هذه صلاة الجسد، أمّا صلاة التّربية وصلاة التزّكية وصلاةٌ تنهاك عن الفحشاء والمنكر فهذه تحتاج إلى المعلّم الذي يعلّم الكتاب لا الذي يعلّم تلاوة ألفاظه؛ بل يعلّمك تنفيذ أوامره والوقوف عند حدوده والتّخلُّق بأخلاقه حتّى تصير قرآن العمل، فالقرآن الذي بين أيدينا هو قرآن الكتابة، ومن يحفظه عنده قرآن التلاوة، ومن يعمل به فهذا قرآن العمل.

فقد كان عمر رضي الله عنه وقَّافًا عند كتاب الله، وكان القرآن خُلُق رسول الله ﷺ.. ﴿خُذِ الْعَفْوَ بدل الانتقام ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [سورة الأعراف: 199]، لا تجد آيةً من آيات القرآن في المؤمن حقَّ الإيمان إلّا تقرأها في أعماله وفي أخلاقه، فيرضى برضا القرآن ويحبُّ بحبّ القرآن ويمشي بمشي القرآن ويقف عند وقوف القرآن، وهذا هو الإيمان الذي وعد الله المؤمنين أن ينصرهم به، قال تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [سورة محمد: 7] وهؤلاء الذين وعدهم بالاستجابة إذا هم استجابوا لندائه، فأنت تقول: “يا الله” ويقول الله لك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [في آيات كثيرة] هذا نداء وهذا نداء، فإذا استجبت إلى ندائه وقلت: “لبيك يا ربّ ماذا تريد؟ إن قلتَ لي: “افعل” فقد فعلتُ، أو “اترك” تركتُ، أو “أحبّ” أحببتُ، أو “أبغض” أبغضتُ، أو “اقترب” اقتربتُ، أو “ابتعد” ابتعدتُ” فما هو الإسلام؟ الاستجابة لأوامر الله.. ما هو المليونير؟ الذي يملك مليون، أمّا من قال: “أنا مليونير” وليس عنده مليون فهل هو مليونير؟ فالمسلم هو المستجيب، فإذا ادَّعى الإسلام ولم يستجب، فغدًا سترتفع السّتائر وتنكشف الحقائق في العرض الأكبر يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [سورة الزمر: 70].

مهمة الإنذار واجبة على الأنبياء والمسلمين

قال تعالى: ﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ [سورة نوح: 1] فنوحٌ عليه السلام امتثل، وقد أنزل الله عزَّ وجلَّ هذه الآية على النبي ﷺ، وقد امتثل النبي ﷺ أيضًا، وهل أنذر النبي ﷺ؟ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ [سورة المدثر: 2]، نعم أنذر.

﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ [سورة نوح: 2] من عذاب يوم أليم.. وبعد النبي ﷺ فهذا الخطاب موجَّهٌ لكلّ مسلم ومسلمة، فيطلب القرآن منك أن تكون نوح زمانك كما كان النبي ﷺ نوح زمانه، قال تعالى: ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [سورة الأنعام: 90] وكان محمدٌ ﷺ إبراهيمَ زمانه وموسى زمانه، قال الشّاعر

كلُّ عصر فرعون فيه وموسى وأبو الجهل في الورى ومحمد

فالمقصودهو الوراثة والنّيابة وتبليغ الشّريعة وتعليمها بالأقوال والأعمال والصّدق والإخلاص والأحوال.

الشيخ أمين يتعلم الذكر بالحال

لمّا أتى شيخنا إلى شيخه لم يقل له: “اذكر الله” بقوله، لكن توجَّه بقلبه إلى قلبه، فبهذا التوجه من غير كلام ومن غير محاضرات ومن غير سماع دروس فبلحظاتٍ وإذا شيخنا لا يقوم من مجلس شيخه إلّا وقلبه يرقص رقصًا بذكر الله، ويحيا طربًا بذكر الله، ولم يقل له: اذكر؛ بل قال له: “أغمض عينيك ولاحظ أن قلبك يذكر” ووصل السلك بالسلك؛ السلك الحي بالسلك الميت فسرى التّيار، فأضاءت الأضواء وصدح الرّاديو وعملت المعامل بالعمل والإنتاج.

الانقطاع إلى الله أول الطريق إليه

﴿قَالَ يَا قَوْمِ [سورة نوح: 1] فإذا قرأتم سورة نوح فأولًا يجب أن تحصلوا على مقام نوح عليه السلام، وكان موسى عليه السلام من الأنبياء الذين بلغتنا قصصهم، وقد أوتي النبوة لمّا اعتزل قومه في جبل الطور، ولمّا اعتزلت مريم قومها قال تعالى: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا [سورة مريم: 17] فلمّا شغلت قلبها بالله، وحجبت قلبها عمّا سواه فبالصّدق والتّوجّه والانتظار، تناسبت أن ترى روحها روح الله عز وجل ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا [سورة مريم: 17] أحيت بها روحها.

وكم اعتكف سيّدنا رسول الله ﷺ في غار حراء؟ انقطع عن الخلق وعن زوجته الأميرة النبيلة الجميلة وعن أصحابه وأصدقائه، وقال عن أهل الكهف: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [سورة الكهف: 16] أمّا أصحاب رسول الله ﷺ فلم ينقطعوا، لأنهم آووا إلى رسول الله ﷺ فكان كهفهم.. والمريد الصادق إذا استطاع أن يدخل في كهف قلب شيخه واعتكف عكوف الحبّ والصّدق والإخلاص “فمن ذاق عرف ومن عرف اغترف”.. فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

أجر من اتقى الله عزَّ وجلَّ وأطاعه

﴿وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [سورة نوح: 3] لا يأمر النبي ﷺ إلا بما يأمر به الله.. والله لا يشغِّل أحدًا بالمجان وبلا مكافأة ولا أجرة، فما هي الأجرة والمكافأة؟

قال: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ [سورة نوح: 4] قال بعض المفسُّرين: “من” زائدة، أي يغفر لكم ذنوبكم، وقال بعضهم: “من ذنوبكم” يعني التي فعلتموها لا التي ستأتي، فالتي ستأتي تحتاج لتوبة أخرى.. يغفر لكم من ذنوبكم فهذه واحدة.

﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [سورة نوح: 4] يطيل في أعماركم، والآن شرب الخمر ينقص من العمر، وكذلك الزنا والفواحش والإيدز وأمراض الجنس تقصِّر الأعمار، والعفة والتقوى تطيل في الأعمار، وورد في ذلك أحاديث ليست موضع البحث الآن.

صريح القرآن: ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [سورة نوح: 4] يعني يطيل في أعماركم، وورد الحديث: ((برُّ الوالدين وصلة الرّحم تطيل في العمر وتوسّع في الرّزق)) 9 .

وقد قال القرآن: ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [سورة نوح: 4] معيّن محدّد ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ [سورة نوح: 4] إذا لم تتقوا الله فيقصّر أعماركم قبل الوقت الذي يعطيه للصّالحين ﴿لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُون [سورة نوح: 4].

هذا الإنذار، فما موقف المنذَرين والمنذِر؟ فالمنذِر استجاب، فأسلم لأمر الله بدعوة الخلق إلى الله، وكيف كانت الاستجابة لأمر الله “أنذر”؟ فأنتم طلاب العلم الذين تدرسون في الكلية اللّيسانس أو الماجستير فنحن نحتاج ماجستير من عند الله، فماجستير أو ليسانس من الكلّيّة هذا شيء جيد، لكن لا بد أن يكون فيها روحها بكثرة ذكر الله والإنابة القلبيّة إلى الله وتقوى الله حقّ التّقوى، قال تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [سورة آل عمران: 102] قال: “أن تطيعه فلا تعصيه وأن تذكره فلا تنساه وأن تشكره فلا تكفره”.

فإذا تعلَّمنا ولم نتق الله حقَّ التقوى، فهل صّورة التقوى أو ادِّعاؤها تفيدنا؟ وهل يفيدنا مجرد القراءة؟ فنحن لسنا في أزمة شهادات ولا في أزمة كتب ومؤلفات، ففي زمن النبي ﷺ والصّحابة والخلفاء الراشدين كم كتابًا كان مؤلفًا في الإسلام؟ حتى خلافة عثمان لم يكن القرآن الكريم في كتابٍ، بل كان على الأحجار والعظام وعلى أوراق النّخيل، لكن كلّ واحد من أصحاب رسول الله ﷺ كان المصحف، وليت مصحفًا من هذه المصاحف موجود الآن بدلًا من خمسمائة ألف نسخة مطبوعة؛ لأنّ هذا المصحف كل من يراه ويجالسه وكلّ من يحبه تنتقل أوصافه وأعماله وإيمانه إليه ((المرء على دين خليله)) 10 ، والكتب اليوم كالجبال، وكلّ يوم تطبع المطابع مئات وآلاف الكتب، وهل المسلمون في تقدُّم أم تقهقر؟ فنحتاج إلى كتاب العمل وإلى كتاب القلوب، فإذا اجتمع هذا مع هذا فعند ذلك يكون العلم بمعناه الحي، وعند ذلك نكون خير أمّة أُخرِجت للنّاس، وعند ذلك ينصرنا الله عز وجل على عدوِّنا إذا نصرنا دين الله عزّ وجلّ حقَّ نصرته.

الإيمان محرّك الأعمال

قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا [سورة نوح: 5] لقد استكمل سيّدنا نوح عليه السّلام إيمان النّبوة، أما غير الأنبياء فعليهم أن يستكملوا إيمان ما بعد النبوة، ((ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل))، فبهذا الإيمان يجب أن تمشي على قدم نوح عليه السلام وقدم رسول الله ﷺ، فنوح ورسول الله كلّهم كانوا يقولون: “دعوت قومي ليلًا ونهارًا” فهل أنت يا مسلم تدعو إلى الله وإلى كتاب الله وإلى مرضاة الله ليلًا ونهارًا؟ في سوقك وعملك وفي سهرتك ومجتمعاتك وفي القطار والسفر والمطعم وأنت تمشي في الطريق؟

قصة دعوة أحد تلامذة الشيخ إلى الله عزَّ وجلَّ

أخٌ من إخوانكم قد توفي رحمة الله عليه يكنى “أبو سعيد السلعة”، ربما كثير منكم يعرفه، كان يأتي إلى الدرس، وفي مرّة من المرات وبينما كان في طريقه إلى الدّرس التقى بشخص لا يعرفه في الشّارع فألقى عليه السلام، وبدأ الحديث معه- رحمه الله تعالى- وقال له: “تعال معي” فأتى به وحضر الدّرس وجلس إلى آخره، وإذ به نصرانيٌّ.. فكيف وهو فلاح وأمي وهذا نصراني قد يكون متعلِّمًا ومثقفًا! فما هذه القوة الإيمانية التي جرّأته واستطاعت أن تجرَّ الشّخص وأن ينقاد الشخص مثل الذئب إذا خطف الخروف؟ فهذا يكون بالإيمان الحقيقي؛ إيمان القلب الذي وقر في القلب ويصدقه العمل.

قصة عن الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى

وأعرف الكثير منكم عمل مثل هذا العمل أو أكثر منه أو قريبًا منه نساء ورجالًا، ذكر أحدهم لي كيف أتى إلى المسجد، كان أحد أصدقائه من أبناء المسجد، فحين الدّرس قال له: “أتأتي معي إلى حفلةٍ، وأعدك أنك ستُسرُّ كثيرًا” فسأله: “وما الحفلة؟” فقال له: “لا أحكي لك حتى ترى بعينيك”، فمرَّ به على جامع يلبغا [حيث كان الشيخ كفتارو يقيم درسه] وقت الدّرس، وقال: “هل يمكن أن نصلي المغرب معًا وبعد أن نصلي نذهب إلى الحفلة؟”، قال: “فدخلنا إلى الجامع، وتوضأنا وصلينا وكان الدرس قائمًا، فأطال في جلسة القعود- وبالطبع إذا كان القلب غافلاً يصغي إلى كلام المتكلّم- وبعد الانتهاء من الصلاة أطال في الدعاء.. وفي هذه الأثناء وصل شيءٌ إلى قلب هذا الخائف المخطوف.. ورآه صاحبه مصغيًا فتركه ولم يلتفت إليه ولم يقل: ألا تقوم حتى نذهب للحفلة؟ قال: مضت خمسة دقائق وعشرة وخمسة عشر وعشرون دقيقة- وكان الدّرس ساعتين- فعندما انتهى الدرس قال له: “لماذا لم تذكرني حتى آخذك للحفلة؟”، قال له: “والله هذه هي الحفلة”.

فانظروا إلى الإيمان إذا استقرَّ في القلب كيف يكون تبليغ الدّعوة وبكل الوسائل المتاحة وبما يعلم وبما لا يعلم؛ لأنّ الحب هو أعظم المعلّمين، والحبّ فرعٌ من فروع الإيمان.

واجبنا في الإنذار

﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ [سورة نوح: 1] فسيدنا نوح أنذر، وعندما نزلت هذه السورة على النبي ﷺ أنذر، ولما سمع الصحابة سورة نوح أنذروا، فإذا سمعنا سورة نوح فعلى الأم أن تنذر أولادها وبناتها، وكذلك على الزّوج أن ينذر زوجته وكذلك أن تنذر الزّوجة زوجها، لكن بالحكمة والموعظة الحسنة وبالوسائل المحبَّبة والإمكانات المتاحة، فالرفيق ينذر رفيقه، والأخ أخاه، والجار جاره، والشّريك شريكه، والزميل زميله، وهذا مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ [سورة طه: 14]، ومثل صلاة الظهر، ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ أليست أمرًا؟ والأمر ماذا يوجب؟ العمل والتّنفيذ، وكذلك ﴿أَنْذِرْ [سورة نوح: 1] وقبلّ كل شيء أنذر نفسك فأدِّب نفسك وعلِّمها، فإن تعلّمتْ تستطيع أن تعلّم النّاس.

وقت الدعوة إلى الله تعالى

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا [سورة نوح: 5] فالموظف يعمل من الساعة الثامنة إلى الساعة الثانية، ثم يتوقف عن العمل، وإن قيل له: “هناك عمل أكمل” يجيب: “انتهى الدوام”، أمّا الدّعوة إلى الله فهل لها وقت محدّد؟ وهل لها أشخاص محددين؟ فالأستاذ في السنة الثانية يعلّم طلاب السنة الثانية، ولا يعلّم طلاب السنة الثالثة، أمّا الداعي إلى الله فهل له أشخاص محدّدين؟ يجب أن يبلِّغ الأبيض والأسود والقريب والبعيد والمؤمن وغير المؤمن.

وكم مدة الدوام؟ وكم ساعةً؟ ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي [سورة نوح: 5] مباشرةً، ولم يقل له سمعًا وطاعةً، لا؛ بل أجابه بالعمل، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي [سورة نوح: 5] نفَّذت الأمر ولم يقل له: “سأنفذ” بل قال له: “نفَّذت”، ﴿دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا [سورة نوح: 5].. لماذا لا يدعو الأخ منكم زبائنه في دكانه؟ فإذا كان صادقًا مع الله يسري كلامه في الحجر ويسري كلامه في الجماد، ورد في حديث رسول الله ﷺ: ((بقاع الأرض يخاطب بعضها بعضًا تقول إحداهما: يا جارة، هل مر عليك اليوم أحد ذكر الله عليك؟)) 11 . فنسأل الله أن يجعلنا ذاكرين ومذكِّرين وهداةً مهديين.

قال: ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا [سورة نوح: 6] نسأل الله أن يحمينا من النحس والشّقاء والخذلان، هناك أناس رأوا الأنبياء ورأوا سيدنا محمدًا ﷺ ورأوا نوحًا وإبراهيم عليهم السلام ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا [سورة نوح: 6] ماذا يستفيد الأعمى من زواجه بملكة الجمال؟ وبماذا يلتذ الأصم بحضور حفلة أم كلثوم [مغنية مشهورة]؟ فهل العيب في أم كلثوم أم في أذنيه الصّماء؟ وهل العيب في ملكة الجمال أم في عيونه العمياء؟ قال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [سورة الأعراف: 198]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [سورة الأنفال: 21].

عندما قال له تعالى: ﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ [سورة نوح: 1] ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي حالًا ﴿لَيْلًا وَنَهَارًا [سورة نوح: 5] وهكذا المسلمون في عهد رسول الله ﷺ كان القرآن يُقرأ في أعمالهم وكانوا يقومون بالدّعوة ليلًا ونهارًا.

بماذا قابل قومُ نوح دعوته؟

قال: ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا [سورة نوح: 6] كانوا يهربون عشر أمتار فبالدّعوة هربوا خمسين مترًا، فهل يئس نوح أو كسل أو ملَّ أو توقَّف؟ قال: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ كيف كانت المقابلة؟ قال: ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [سورة نوح: 7] مع ذلك قال تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [سورة الأنفال: 24] وقال: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ [سورة آل عمران: 132]، فهل تستطيعون فعل ذلك؟ تقولُ: “كلَّمته فتضايق”.. ولو تضايق وانزعج وتغيَّر وجهه لا تتوقف، فالقرآن يعلِّمك أنّه يجب عليك أن تصمد ولا تنهزم في معركة الدّعوة.

وهل فعلوا هذه فقط؟ لا؛ بل قال: ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ [سورة نوح: 7] وضعوا غشاوةً على وجوههم حتّى لا يروه ولا ينظروا له، معنى ذلك: “أنت غليظ في كلامك وفي النّظر إليك”، فالدّاعي أو طالب كلّيّة الدّعوة هل يمرَّن ويدرَّب على هذه المواقف؟ ماذا يفعلون للجيش قبل دخول المعركة؟ مناورة وحرب اصطناعية وهجوم ودفاع وحفر خنادق ومدافع وهي حرب خيالية، وذلك ليدرِّبوه على الحرب الحقيقيّة.

﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [سورة نوح: 6] واللهِ هذا صمود! والدّاعي شجاع وهو لا ينهزم مهما كان المقابل من الإعراض والاستكبار والترفع والإيذاء بالأقوال والأعمال؛ لأنّه يريد الله ويريد الدّار الآخرة، فمهما بذل فإنّه يبذل رخيصًا ليأخذ أغلى شيءٍ في الوجود.. ﴿وَأَصَرُّوا [سورة نوح: 7] وقالوا له: لا تتعب نفسك بتغييرنا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [سورة الزخرف: 22] ومع الإصرار قال: ﴿وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا [سورة نوح: 7] ترفَّعوا واحتقروه واسدروا به، وكان لا يزال يقوم بالدعوة مع كل هذا الازدراء والاستهزاء والإيذاء والإعراض.

حال سيدنا نوح عليه السلام في الدعوة إلى الله تعالى

قال: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا [سورة نوح: 8] سرًّا وبعد ذلك جهارًا ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ [سورة نوح: 9]، وكان النبي ﷺ يقف على جبل الصّفا وينادي: “يا معشر بني مناف، يا معشر بني كذا، وبني هاشم..” فالدّاعي هل صار في داخله التّيّار الرّبّاني الذي يجعل ويحوِّل القرآن من كلماتٍ تُتلى إلى واقعٍ مُشاهَدٍ ومنظور؟ هذا يا بني هو سلاح المسلمين الآن، ولا بد لنا أن نرجع إلى القرآن لا لتلاوته بل إلى العلم به والعمل به، ولا يمكن أن تصير طيارًا بلا معلّم الطيران، أو أن تصير طيارًا بلا تَدَرّب وبمدرب، فطائرة التّدريب فيها مقودين؛ واحد للأستاذ وآخر للطالب، وهكذا في كلّ صنعة لا يصير معلمًا فيها إلّا بالممارسة والتّكرار مع التّدريب، فضعف المسلمين ناشئٌ من فقد الدعوة ومن فقد الدّعاة ومن فقد معلّم القرآن، ليس معلم النّطق بكلماته، فشريط الكاسيت ينطق بالتّلاوة وبأفضل نغمٍ وأفضل تجويد، والرّوح تحتاج لروح، والكاسيت [شريط التسجيل] الفارغ يأخذ من الكاسيت المليء، وينطق كما ينطق، لكن هل يدريان شيئًا بما نطقا؟

لمن المغفرة؟

﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ [سورة نوح: 10] اطلبوا المغفرة بالقول والعمل؛ فالعمل بترك المعاصي واستئناف الطاعات ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [سورة نوح: 10] غفارٌ لمن؟ لطالب المغفرة بالقول والعمل؛ أمّا بالقول وبلا عمل.. وإذا طلبت البدلة [لباس لكامل الجسم] من بائع اللباس وقلت له: “أعطني بدلةً” ولم تقدم له الثّمن فهل يُستجاب لطلبك؟ وإذا طلبت الزوجة بالقول ولم تطلبها بأداء المهر فهل تنال زوجةً؟ وإذا طلبت الحصاد بالقول من الله من غير حراثة وبذر فهل يمكن أن تحصد؟ فدعونا نكون عقلاء في قراءة القرآن وعقلاء في إسلامنا، عسى الله عز وجل أن يردنا لديننا ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [سورة الإسراء: 7].

نحن المشايخ من يتحمّل المسؤولية قبل كل شيء، نسأل الله أن يتوب علينا وعلى تقصيرنا وأن يتوب علينا جميعًا.

نتائج الاستغفار

﴿إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [سورة نوح: 11] يسخّر لكم ليس أسباب الأرض فقط، بل أسباب الأرض وأسباب السّماء ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [سورة نوح: 12] فجعل الله عزَّ وجلَّ الغنى رمز رضاء الله بعد الاستغفار وبعد التّوبة وبعد الارتباط بمصدر الهدى والدّعوة إلى الله عز وجل، حتّى جعل الغنى والثروة أحد أركان الإسلام الخمسة وهي الزكّاة، قال تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ [سورة البقرة: 43] هل هذا خطابٌ للفقراء؟ أي كونوا أغنياء لتؤتوا الزكاة، أم هل كونوا فقراء لِتُؤْتُوا الزكاة؟ فركنين من أركان الإسلام الخمسة مبنية على المال؛ فالزكاة ركن مالي بحت والحج نصفه أو ثلاثة أرباعه مال، والآخر ذكر الله والتوجه إلى الله.. إلخ.

﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [سورة نوح: 12] هذه في الثروة والمادة، أمّا في الحروب ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [سورة محمد: 7] وفي الشّدائد ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [سورة الطلاق: 3] وفي العسر ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [سورة الطلاق: 4].

فهل تعلَّمتم القرآن التّعلّم الصّحيح؟ فتعلّم القرآن أن يتحوَّل القرآن فيك من تلاوةٍ وسماعٍ إلى عمل وسلوك وواقع.. فنسأل الله أن يهيئ لنا المعلّمين الجديرين بتحقيق هذه الأهداف الرّبّانيّة.

﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ [سورة نوح: 12] يجعل صحاراكم جناتٍ ويجعل وديانكم أنهارًا.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، واجعلنا اللهم هادين مهديين.

مُلْحَق

المستقبل للإسلام

الآن شرفنا في هذا المجلس وفد من إخواننا ومن وطننا ليس الثّاني فالعالم الإسلامي كلّه وطن واحد لكل المسلمين، لا يوجد وطن ثانٍ وثالث ورابع ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [سورة الأنبياء: 105] فالأرض كلّها يجب أن تكون وطن المسلمين، ونحن مقصِّرون في أن نتمتَّع بما ملَّكنا الله إيّاه.. ونسأل الله عز وجل أن يهيئ الوسائل.. ولا تيأسوا، وأنا متفائل بأنّ هذا القرن لا ينتهي ويدخل القرن الواحد والعشرين إلّا وتقوم عزّة وعظمة الإسلام، وقد يأتي الإسلام من غير المسلمين.

قصة تفسير العالمة الهولندية عن شروق الشمس من المغرب

زارتني مرّة عالمة هولندية مسلمة فقالت لي: “إنّها ترجمت أربعة آلاف حديثٍ إلى اللغة الهولندية” وسألتني فقالت: “كيف تفهمون حديث النبي ﷺ بأنّ الشّمس في آخر الزّمان ستشرق من المغرب؟” 12 شعرت أنّها تريد معنىً غير المعنى العام، فقلت لها: “أحبُّ أن أسمع منك كيف فهمتِ الحديث؟” قالت لي: “ليس معنى ذلك أن دوران الأرض يتغيّر، بل شمس الإسلام ستشرق من المغرب”، وقلت لها: “نسأل الله أن يحقّق فهمك وتفسيرك ورجاءك”.

والواقع أن الإنسان الغربي فيه استعداد، وأنتم رأيتم بأعينكم وليست مرة بل مرات؛ وفود الكنائس الكبرى في العالم حين يلقون الكلمات هنا كيف يقرُّون لعظمة الإسلام، وذلك من وفد اتحاد الكنائس العالميِّ إلى رئيس أساقفة أمريكا، وهكذا كلُّهم.. فالإنسان الغربي بعد جلسة أو جلستين يتغيّر، وإذا رأيت مسلمًا عاديًا تاركًا للصلاة تحتاج لخمسين جلسة معه، وبعدها إمّا أن يصلي أو لا، أمّا الإنسان الغربي مثل وقود الطّائرات يشتعل بعود ثقاب على مسافة مترين، والمسلم مثل حطب التين الأخضر، كروز [صندوق كبير] من الكبريت لا يشعله، وإن وضعت له المازوت فيحترق المازوت ولا يشتعل.. ومع ذلك يجب أن نحفظ سورة نوح ليلًا ونهارًا سرًا وجهارًا حتّى نلقى الله ونحن في المعركة.

ترحيب بالضّيوف القادمين من ليبيا مع الكلام عن تخاذل المسلمين وضعفهم

فالآن شرّفنا إخواننا ومن بلدنا ليبيا الجماهيرية زائرين، وأهلًا وسهلًا ومرحبًا، وهم في معركة صليبيّة الآن، وكما كلكم تعرفون القصّة الذي يتشبّث بها الغرب ضد إخواننا في ليبيا، كان يجب على عموم المسلمين وليس على العرب فقط أن يتمثّل فيهم قول النبي ﷺ: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى من عضوٌ تداعى))، ما معنى تداعى؟ تنادى ((له سائر الجسد بالسهر)) 13 فلا ينام، لماذا؟ لأنّ الظفر أو رأس الإصبع أو الذراع أو الكتف أو القلب متألم فالجسم كلُّه متألِّم ويتجاوب معه بالسّهر فلا ينام، وبالحمى ((والحمَّى)) تصيبه الحمى.. ((مثل المؤمنين)) فيا ترى هل مثل المسلمين الآن مثل هؤلاء المؤمنين؟ السّبب هو فقد الدّعاة.. والإنسان ليس بجسمه ولا طوله وعرضه، إنّما الإنسان بقلبه وفكره، كما قيل: “المرء بأصغريه قلبه ولسانه”.. فكلُّ مسلم ومسلمة كما يجب عليهم الصلاة يجب عليهم الدّعوة إلى الله؛ كلٌّ حسب ما يملك وحسب ما يطيق.

من جملة ضغط أمريكا على ليبيا الجماهيرية الضّغط على الحُجَّاج، فالذي يذهب إلى الحج الآن ممنوع أن تأخذه الطّائرة من طرابلس إلى الحج؛ لأنّهم فرضوا مقاطعة الطّيران على ليبيا، ومن جملة المُلَبِّين كلّ الدول العربية، أمّا إسرائيل فخمسمئة قرار من هيئة الأمم ومجلس الأمن ولا تبالي، فكم نحن مطيعين؟ وكم نحن مهذبين؟ وكم نحن قانونيين؟ وكم إسرائيل متوحِّشة؟

فهذا ضعف المسلمين، كما ورد في حديث النبي ﷺ: ((تداعى عليكم الأمم)) هذه هيئة الأمم، ولم يكن هناك أمم تتداعى وتجتمع قبل أربعة عشر قرنًا، أليس كذلك؟ هذه أليست معجزة؟ هل أمة تتداعى أم الأمم؟ ((تداعى عليكم الأمم)) فالخليج اجتمعت فيه كلُّ أساطيل الصّليبية لتحطِّم العراق وجيشه وقوته وبقيادة- مع الأسف- من لا يصلح للقيادة.

((كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أعن قلة يا رسول الله أم عن كثرة؟ قال: عن كثرة، ولكنكم غثاء)) 14 . يا سبحان الله! ما السبب؟ فقد الدّعوة والدّاعي وفقد التّزكية والمزكّي وفقد الحكمة ومعلِّم الحكمة وفقد القرآن تعليمًا وتربيةً وتهذيبًا، ومن هنا إذا ما بدأنا ننطلق، وهذه خمسون سنة من الاستقلال والمسلمون والعرب في هذا الحال.. إلخ.

فأسأل الله أولًا أن يفرِّج عن إخواننا ونحن بكلّ طاقاتنا نحتجُّ بقلوبنا ومشاعرنا وبكلّ ما نملك على هذا الظّلم.. والحقيقة فإنه الصليبي المتستر بتتداعى عليكم الأمم، ولكن إلى من نشكو؟ هل إلى أعدائنا وبيدهم الحل والأمر؟ فيجب أن نشكو إلى الله وأن نعود إلى الله رجوع العلم والعمل بإعداد الدُّعاة، وأنا قلت سرًا وعلنًا: “والله لو يوجد ألف داعٍ إلى أيّ بلد في العالم الغربي، فبسنواتٍ قليلة يتغير الحال” لأنّ العالم الغربي أصبح خواءً من النّاحية الرّوحيّة، وأصبح في شعورٍ بالجوع إلى الحياة الرّوحيّة، والإسلام مشوَّه كل التشويه.

وذكرت لكم أكثر من مرة في جلسة ساعة مع أعظم رؤساء الكنائس أو الجامعات أو غير ذلك، إمّا ساعة أو نصف ساعة يقوم فيُقبِّل يد الإسلام، والمسلم لا يفعل هذا، فيجلس الداعية مع المسلم خمسين جلسة لا يفعل ذلك؛ لأن الحجب فوق بعضها البعض، أمّا هناك من يعشقون الحقيقة ونشّئوا على هذا، فما لم نستجب لله وللرسول فهذه فلسطين وهذه الصّومال وكشمير وأفغانستان.. إلخ.

نسأل الله أن يردَّنا إلى دينه ردَّاً جميلًا.. فهذا الطّلب بالقول، أمّا الطلب بالعمل فكلُّ واحدٍ منكم يقوم فينفق ممّا آتاه الله حسب إمكانيته ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا [سورة الطلاق: 7].

ندعو الله أن يفرّج عن إخواننا المسلمين في ليبيا وعن كلّ إخواننا المسلمين في كل مكان، ونرحب بإخواننا الوافدين لأجل أن يبلِّغونا هذا الظّلم المفضوح في تدخّل أمريكا في شؤون الدّين الإسلامي وفي شؤون الحجّ والحجّاج، فعجائز من الحجاج عليهم أن يمشوا ألف كيلو متر في السيارة حتى يصلوا إلى مصر أو إلى تونس؛ لأجل أن يركب في الطّائرة للذهاب إلى الحج؟ فهم يتدخّلون في مقدّساتنا وفي خصائصنا، وهم الأخصام ويريدون أن يكونوا هم القضاة، وفي تاريخ العدل في حياة الإنسان لا يكون الخصم قاضيًا، لكن هل نشتكي لأعدائنا؟ علينا أن نشتكي إلى الله، وعلينا أن نشتكي أيضًا على أنفسنا، فكلُّنا مقصرون، وأنا أولكم، فأنا أوَّل المقصِّرين.. أسأل الله أن يعفو عن تقصيري، والله لا أخاف من شيء في الحياة إلّا من الوقوف بين يدي الله وسؤالي عن تقصيري في أداء ما فرض الله عليَّ، فادعوا لي أن يتوب الله عليَّ بتقصيري ويتوب عليكم جميعًا ويتوب عليَّ ببركة توبته عليكم، ويغفر الله لنا ولكم، والحمد لله ربّ العالمين.

وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. ورد الحديث مرفوعًا في أمالي ابن بشران برقم: 47 عن قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلا بِالتَّحَلِّي، لَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ الْفِعْلُ، الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ، وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ، فَعِلْمُ الْقَلْبِ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى بَنِي آدَمَ". وورد مقطوعًا عن قتادة وعن الحسن انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج: 9 ص: 559 ومعالم التنزيل تفسير البغوي عند تفسير سورة فاطر الآية 10. وورد في: حلية الأولياء: أبو نعيم، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (3/272). وورد عن الحسن رضي الله عنه: ((ليس الإيمان بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي، ولكنَّ الإيمان ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل)) شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (65)، (1/158).
  2. البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو (7603)، والديلمي في الفردوس (5833).
  3. سنن ابن ماجه، عن أنس بن مالك، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
  4. سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، (2/ 341)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، (5/ 48)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، (1/ 81)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
  5. شُعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1642) و (3/273). المعجم الصّغير للطبراني رقم: (507) و (1/305) عن أبي هريرة.
  6. سنن أبي داود، عن أبي هريرة، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، باب/ رقم: (2378). مسند أحمد، عن أبي هريرة، رقم: (8028)، (13/398)، المستدرك على الصحيحين، رقم: (7319)، (4/188). شعب الايمان للبيهقي، عن أبي هريرة: (8990).
  7. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، رقم: (4832)، (2/ 675)، سنن الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في صحبة المؤمن، رقم: (2395)، (4/ 600)، سنن الدارمي، كتاب الأطعمة، باب من كره أن يطعم طعامه إلا الأتقياء، رقم: (2057)، (2/ 140)، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه.
  8. حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
  9. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم: (1961)، (2/ 728)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم: (4/ 1982)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12610)، (3/ 156)، بلفظ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُعَظِّمَ اللَّهُ رِزْقَهُ، وَأَنْ يَمُدَّ فِي أَجَلِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))، وفي سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء، رقم: (2139)، (4/448)، عَنْ سَلْمَانَ، بلفظ: «لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ».
  10. سبق تخريجه.
  11. المعجم الأوسط، رواه الطبراني، رقم: (562)، (1/177)، حلية الأولياء، أبو نعيم، (6/174). واللفظ: ((مَا مِنْ صَبَاحٍ، وَلَا رَوَاحٍ إِلَّا وبقَاعُ الْأَرْضِ تُنَادِي بَعْضُهَا بَعْضًا: يَا جَارَةُ هَلْ مَرَّ بِكِ الْيَوْمَ عَبْدٌ صَالِحٌ صَلَّى عَلَيْكِ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ؟ فَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ، رَأَتْ لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهَا فَضْلًا)).
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب طلوع الشمس من مغربها، رقم: (6141)، (5/ 2386)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان: باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، رقم: (157)، (1/ 137)، عن أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا فَذَاكَ حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}.
  13. صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (6011) عن النعمان بن بشير. صحيح مسلم، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين، رقم: (2586) بلفظ: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
  14. سنن أبي داود، كتاب الملاحم: باب في تداعي الأمم على الإسلام، رقم: (4297). عن ثوبان، بلفظ: ((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)). وأحمد (22397).
WhatsApp