تاريخ الدرس: 1990/09/21

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 1:36:02

سورة الأحقاف: الآيات 21-28

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 2-7] آمين، وأصَلِّي وأسَلِّم على سيِّدنا مُحمَّد الذي بعثه الله عزَّ وجلَّ بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله المتقين، وأصحابه المجاهدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

تعليق على ما مضى من سورة الأحقاف

لا مانع من التعليق على سورة الأحقاف، وكما سبق معكم أنَّ الأحقاف موطن نبي الله هود عليه الصَّلاة والسَّلام، وكانت بين عُمان وحضرموت، أي في جنوب اليمن.

سمَّى الله عزَّ وجلَّ سورة من سور القرآن باسم هود- وكان عليه الصَّلاة والسَّلام يقول عنها: ((شيَّبتني هود)) يعني بذلك سورة هود ((وأخواتها)) 1 ، وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ في سورة هود بعض الأمم وبعثة أنبيائها إليها، وكيف كان أنبياؤها مستمرين في الدعوة، صامدين مستقيمين، يعملون ليل نهار، يبلِّغون رسالات الله عزَّ وجلَّ بأقوالهم وأعمالهم وإخلاصهم وصبرهم على إيذائهم وإعراض أقوامهم عنهم وإيذائهم لهم.. هذا من ناحية، ((وأخواتها)) أي السور التي يذكر الله عزَّ وجلَّ فيها هلاك الأمم وعقوبتها- سواء في الدنيا أو في الآخرة- إذا حادت عن صراط الله المستقيم، وأعرضت عن رسالات السماء، وجعلت وحي الله عزَّ وجلَّ وأوامره وراءَها ظِهْرِيًّا، وعبدت أهواءها وأصنام أجسادها وأنانيَتها وشهواتِها، ونسيت ربها فنسيها.. أهملت أوامر الله فأهملها، وضيَّعت حدود الله عزَّ وجلَّ فضاعت في صحراء شقاوتها وجهلها وجاهليتها.

اهتمام النَّبيّ ﷺ بأمر الدعوة على حساب حياته الشخصية

((شيبتني هود وأخواتها)) كانت أكثر السور المكية على منوال سورة هود، تذكِّر الإنسان بمحكمة الله وبقانونه ووجوب امتثال أوامره تعالى، والتهديد بالعقوبة في الدنيا وفي الآخرة لمن تمرَّد على أوامره، واغترَّ بحِلمه وتأخير عقوبته.

رأى بعض الأولياء النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، فسأله: يا رسول الله، ما الذي شيَّبك من سورة هود وأخواتها؟ هل ما ذكره الله عزَّ وجلَّ من قصص الأنبياء وهلاك أممهم لمَّا رفضوا رسالات ربهم وأعرضوا عن إطاعة أوامره وصدُّوا النَّاس عن شريعة الله عزَّ وجلَّ؟ هل هذا هو الذي شيَّبك؟ وقد قالوا له: شِبْتَ ولم تبلُغ أوان الشيب! والمسلم الآن من أي شيء يشيب؟ يشيب من أجل مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه وهموم دنياه، أما من جهة دينه وفرائضه ومجاهدة نفسه، وامتثال أوامر الله عزَّ وجلَّ، والتوبة من ذنوبه ومعاصيه فهذه لا يلقي لها بالًا، ولا تصيبه بهَمٍّ ولا حَزَن ولا شيب ولا غير ذلك، بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد غفر الله عزَّ وجلَّ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو سيد أهل الدنيا وأهل الآخرة قال: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر)) 2 ، ويقول: ((شيبتني هود))؟ 3 ، فماذا يجب أن يحصل لنا نحن؟ يجب ألا يشيب شعرنا فقط، بل أن نصبح كلنا بُرْصًا! وأن تشيب ثيابنا السود! وأن تبيضَّ عيوننا السود من البكاء.. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر له الله عزَّ وجلَّ ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. وذنبه: أن يتأخر عن حالته التي هو فيها إلى ما هو أرقى منها، وهذه هي ذنوب نبينا عليه الصَّلاة والسَّلام، فلم يُسجَّل عليه أنه ترك صلاة أو منع زكاة، أو شرب خمرًا أو فعل كبيرة أو صغيرة، ومع ذلك كان يقول: ((اغفر لي ذنبي)) 4 ، ((وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة)) 5 .

الاستقامة كما أمر الله عزَّ وجلَّ

ما الذي شيَّبك من سورة هود يا رسول الله؟ قال: قوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود: 112]، أوامر الله عزَّ وجلَّ! إذا كنتَ راكبًا سيارتك لا تجرؤ على مخالفة أوامر شرطيٍّ، وكذلك عند مرضك لا تتجاوز الحدَّ الذي حدَّه لك طبيبك ولا تُنقِصه، وقد لا تستطيع أن تخالف أوامر زوجتك، أو تستجيب لكل طلبات ابنك الصغير، ولا تخالفه لا خوفًا منه بل تكريمًا له، فما هو موقفك مع الله عزَّ وجلَّ الذي خلقك ولم تكن شيئًا مذكورًا، لا الشَّيخ فلان كان شيئاً مذكوراً ولا الوزير ولا الرئيس ولا المفتي، ثم خلقك من نطفة أمشاج، من الحُوَيْن المنوي والبويضة التي هي من أُمِّكَ ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ [الإنسان: 2] أي نفحصه ونمتحنه، فحياتك الدنيا من أول عمرك إلى آخره أنت فيها في فحص: في ليلك ونهارك وفي كلامك ونظرك وسمعك ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ [الإسراء: 36] ماذا يوجد في قلبك؟ يوجد رياء وحقد وحسد وبخل وغش وخيانة، هذا كله محاسبٌ عليه ﴿إِنَّ السَّمْعَ كل الكلام الذي تسمعه هل يأذن به الله عزَّ وجلَّ أو ينهى عنه؟

ترك اللغو

اللغو هو الكلام الذي لا ينفع ولا يضر كأن تقول: أكلنا، شربنا، ذهبنا، أتينا.. عندما يسهر النَّاس مع بعضهم يدور بينهم حديث لساعةٍ أو ساعتين أو ثلاث لا ينفعهم في الدنيا ولا في الآخرة، والله عزَّ وجلَّ وصف المؤمنين بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ [الكهف: 107]. فالذين يريدون أن يكون لهم الفردوس هم الذين آمنوا، وقد وصف الله عزَّ وجلَّ المؤمنين فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3]، اللغو وليس الإثم أو الحرام، ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72]، ووصف أهل الجنة فقال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا [الواقعة: 25]، واللغو هو الكلام غير المفيد ﴿وَلَا تَأْثِيمًا القول الآثم: الغيبة، النميمة، اللعن، الشتم، التكلم بالباطل، مناصرة الباطل إلى آخره.

الإسلام أن تستسلم وتنقاد بكلِّيَّتك إلى الله عزَّ وجلَّ

معنى الإسلام أن تستسلم وتنقاد بكلِّيَّتك وجوارحك وأعضائك وحواسك ومشاعرك لعظَمة وجلال الله عزَّ وجلَّ، وأن تحبَّه كذلك بكل مشاعرك وحواسك، وأن تتجه إليه بكل قلبك.. هل تصير نجارًا دون معلِّم؟ هل تصير خياطاً أو موسيقاراً من غير معلم؟ وهل تصير حشاشًا أو مدخن سجائر من غير معلم؟ إذاً فمن هو معلمك؟ صديقك.. فالصديق والجليس والصاحب معلِّم.

افتح قلبك للموعظة

﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ [الإنسان: 2] فأنت في كل ساعة وكل كلمة ونظرة وسماع، وفي كل مجلس وسهرة، ومع كل صاحب وصديق تحت الفحص، وهذا هو الإيمان، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ في القرآن ﴿لَذِكْرَى تنبيهًا وإيقاظًا، عليك أن تفتح عيونك وآذانك ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: 37] والقلب هو المدخل ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24] فإذا أردت أن تدخل البيت وكان مقفلًا فهل تستطيع الدخول؟ وإذا جاءت الموعظة وقلبك مغلق ومسدود فمن أين تدخل العِظة والذكرى والتأثُّر والتقوى والامتثال والمسارعة؟ إذاً فأنت تحتاج إلى شيخ يا بنيَّ، كانت الهجرة فرضًا على المرأة والرجل، وعلى الطفل والمريض وعلى ابن سبعين سنة؛ حتَّى يبحث عمَّن يبني شخصيته الإيمانية، فالمؤمن كما قال ﷺ: ((إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن)) 6 .

الخشية من الله عزَّ وجلَّ تمنع المؤمن من المعصية

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال: 2] عندما يسمع بذكر الله عزَّ وجلَّ يمتلئ قلبه من عظَمته وجلاله وهيبته، هل يستطيع هذا أن يقع في معصيته أو مخالفته؟ وإن وقع.. فالثلاثة الذين خُلِّفوا عن تبوك: حين تخلَّفوا عن الجيش.. أي دولة وأي قانون عقوبة في الدنيا وصل إلى واحد في المليون من الرحمة بالمجرم والجاني المذنب؟ في دول العالم ماذا يفعلون للمتخلِّف عن الجيش أثناء الحرب؟ يقيمون له محكمةً ميدانية ويُعدِمونه بعد نصف ساعة! فماذا كانت المحكمة القرآنية الميدانية للثلاثة الذين خُلِّفوا؟ لم تكن ضرباً بالعصا، ولا الجلد، ولا الإعدام، ولا السجن، ولا الغرامة المالية، بل كانت ألطف قانون من خَلْق آدم عليه السَّلام إلى أن تقوم الساعة، إذ أمر النبي ﷺ المجتمع ألَّا يكلِّمهم! والآن إذا هرب أحدٌ من الجندية وحكمت عليه المحكمة بألَّا يكلمه أحد؛ فهنيئًا له! من يلتزم بهذا الكلام اليوم! لكن هل وُجِد واحدٌ في المجتمع يخالف إيمانَه بمخالفة أمر رسول الله ﷺ؟ حتَّى إنهم سألوا النبي ﷺ: يا رسول الله، زوجاتنا لا نقربهن أو لا نكلمهن؟ فالمحكوم خائف من مخالفة القانون! لأن معه شرطيًّا إلهيًّا في قلبه- وهذا هو الوجدان الإيماني- والذي يسمونه الآن وجدانًا هو وجدان كاذب! -وجدان من غير وجدان- أما هناك فكان الوجدان هو الإيمان، فالواعظ والشرطي في القلب، والقاضي والسجن في القلب!

الورع عند الصحابة رضوان الله عليهم

قال: ((لا تقربوهن ولا تكلموهن))، قالت إحداهن: يا رسول الله، زوجي عجوز– هذا العجوز عمره ستون أو سبعون سنة، وتخلَّف في الذهاب مع الجند إلى تبوك وفي فصل الصيف، ويذهب ماشياً! –أتأذن لي أن أخدمه؟ قال: ((اخدميه من غير أن يقربك)) 7 قالت: يا رسول الله، إنه مثل هَدبةِ الثَّوب! [قطعة بالية من الثوب] –لا يصلح– فالشاهد أن ننظر كيف كان إسلامهم، وهذا هو الإسلام الذي قال عنه الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد: 7] وأمام العدو: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا [محمد: 7-8].. وحال الذين كفروا أنه إذا قال النبي ﷺ: لا تكلموهم، يقولون: لا تبالِ بهذا الكلام وتعال نسهر ونتسامر فلا أحد يرانا! وهذا عن الكلام! فكيف بالصَّلاة التي هي عماد الدين؟

تهاون المسلمين اليوم

إذا ذهب عمود الخيمة ألا تسقط؟ والصلاة عمود الدين، من أقامها بحيث: إذا كانت الدولة قائمة فقوانينها نافذة، وإذا كانت الأعمدة قائمة فالبناء قائم، ومن أقامها فقد أقام الدين، وعلامة إقامتها أن تنهاك عن الفحشاء والمنكر، وعلامتها كذلك: ﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج: 20-22] فالمصلي مهما أصابه من البلايا والمصائب والأزمات والنكبات، فإنه يستقبلها بكل رضاء بقضاء الله عزَّ وجلَّ وقدره، يستقبلها محتسبًا ثوابها عند الله عزَّ وجلَّ، لكن هذا لا يحصل إلّا بتحقيق معاني قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال: 2] ((الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل)) 8 ، ترى مسلماً يسمع القرآن وهو يلعب بالشطرنج، ويسمع القرآن وهو ربما يسبُّ الدين! يسمع القرآن [في الراديو أو التلفزيون]، وفي المحطة الثانية قد يسمع المغني عبد الوهاب فيقول: دعنا نسمع هذا المغني! فهل هذا مؤمن؟

لا يؤمن المرء إلا بتحكيم أمور الله عزَّ وجلَّ جميعها في حياته

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ الله عزَّ وجلَّ يقسم برب مُحمَّد ﷺ على أن بعضهم لا يؤمنون، فلماذا؟ قال: ﴿حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء: 65] فإذا وقعت خصومة أو منازعة بين المسلمين يجب أن يكون الحَكَم هو رسول الله ﷺ، وبعد رسول الله يجب أن يكون نائب رسول الله ﷺ- وأنا واللهِ لا أجرؤ أن أصير حَكَمًا بينكم أنتم الذين في الجامع! -لأن الحاضرين بأجسامهم وأسماعهم كثيرون، ولكن من يحضرون بقلوبهم ربما قلَّة.. حتَّى تهضم المعنى ويتمثل عملًا وخُلقًا وسلوكًا فهذا يحتاج إلى قلب، ويحتاج إلى ذكر وإلى رابطة الحب حتى ((يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما)) 9 ، تحب الله ورسوله أكثر من زوجتك وأبيك، ومن مالك وأخيك، ومن تجارتك ومحلك، ومن نفسك التي بين جنبيك!

حقوق العالم الوارث

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء: 65] الله عزَّ وجلَّ يُقسِم، فهل أنت مع العالِم الوارث كذلك؟ أليس وارثًا؟ عليه أن يرث الحقوق والواجبات، فيؤدي واجبات الموروث، ويأخذ حقوق المورِّث، فكيف حالك يا تُرى؟ فإذا عَرَف الحُكْم وقَبِلَ به، قد يقول في قلبه بعد ذلك: إني ظُلِمتُ! قال: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ فلا يخالف ظاهرًا ويتمرَّد، بل يمتثل، لكن قلبه يقول إنه مظلوم! ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وبالنسبة للحُكْم: ينفذوه تنفيذًا ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65] وما معنى ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا؟ أي وينفذوه تنفيذًا كاملًا، وهذا هو الإيمان.

وجوب الاستقامة والمداومة فيها

كان النبي ﷺ يقول: ((شيبتني هود وأخواتها)). وبعض الأولياء رأى النبي ﷺ في المنام، فقال: يا رسول الله، ما الذي شيَّبك من هود وأخواتها؟ هل هي قصص الأنبياء وهلاك أقوامهم أم ماذا؟ قال: لا، قال: فما هي يا رسول الله؟ قال: قوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود: 112]، أُمِرتَ بذكر الله فذكرت، ولكن ليس المهم أنك تذكر فقط، بل أن تستقيم وتدوم على ذكر الله عزَّ وجلَّ، وأُمِرتَ بالصَّلاة فصلَّيت وهذا جيد، ولكن هل استقمت على الصَّلاة التي أرادها الله عزَّ وجلَّ وذَكَرَها ووَصَفَها لك؟

فعل الأمر على وجهه الذي ينبغي

إذا قلت لأبيك: زوِّجني عروسًا، فإن كان عمرها تسعين سنة أليست عروسًا؟ وإن كانت مشلولةً أليست هذه عروسًا؟ وإن كانت عوراء أليست هذه عروسًا؟ حسنًا، كذاك صلاتك هل هي عوراء يا تُرى؟ هل عمرها تسعون سنة كتلك العروس؟ هل فيها القوة التي تنهاك عن الفحشاء والمنكر؟ وهل تُخرِجك من الجزع عند الشدائد والنكبات والمصائب من فقر وآلام وأمراض وظلم، ومن بلاء هذه الدنيا؟ وهل تكون صامدًا كالجبال؟ فقدت إحدى النساء في زمن النبي ﷺ في معركة أُحُد أربعةً من أعزِّ أقاربها؛ فقدت زوجها وابنها وأخاها وأباها، فلما أتاها الخبر الأول: قيل لها: أخوك، فلم تتأثر ولم تجزع، وهذا هو الإيمان! والآن إذا قالوا لك: مات أخوكَ أو أخوكِ حينها تبدأ بالعويل واللطم، فهذه ليست مصلِّيةً، ولو صلَّت لما صارت جزوعًا! وإن قالوا لك: احترق محلُّك، تبدأ بالنحيب والصراخ، وإما أن تُفلَج أو تُصاب بداء السكر أو غيره!

المصلي الحقيقي لا يجزع ولا يمنع

فأين نحن من قوله تعالى: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج: 22]؟ فالمصلي لا يكون جزوعًا.. ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155].. وهذا القرآن [المصحف] هو قرآن الورق والحبر الأسود، أما قلبك يا مسلم فيجب أن يكون صفحات بيضاء منظَّفة من ظلمات الذنوب الظاهرة والباطنة، وأن يتصل مأخذ قلبك بالكهرباء الإلهية حتَّى تنقلب ظلماته أنوارًا، وجهالته علومًا ومعارفَ، ورذائله فضائلَ وكمالات، وجاهليَّتُه إيمانًا وإسلامًا وأخلاقًا وتزكيةً، ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج: 21]، فإذا صار غنيًّا لم يعد يزكِّي ولا يَصِلُ أرحامه ولا جيرانه ولا الفقراء ولا غيرهم، وصار يعامل النَّاس بالبطر والأشر ويدَّعي أنه مسلم ومؤمن!

إهلاك الله عزَّ وجلَّ الأمم السابقة بذنوبهم

ما الذي شيبك يا رسول الله؟ قال: ((شيبتني هود)) سورة هود.. وقصة هود عليه السَّلام مع قومه وكيف أهلكهم الله عزَّ وجلَّ، وقوم نوح عليه السَّلام أهلكهم عزَّ وجلَّ بشيء مما يسمونه عوامل الطبيعة؛ بالمطر، فأنزل عليهم الأمطار، ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود: 38] إلى أن قال: ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ [هود: 40] ونزلت الأمطار كأفواه القِرَب، وصار الطوفان! وأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: إني منجِّيك ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ [المؤمنون: 27]، أهلكهم بالطوفان.. أما قوم عاد فقد أهلكهم الله عزَّ وجلَّ بالهواء- بالعواصف- ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [الحاقة: 6]، وقوم صالح عليه السَّلام أهلكهم بصاعقةٍ من السَّماء، واليهود لما عصوا الله عزَّ وجلَّ أهلكهم بالاستعمار وتسلُّط الأعداء، بالملك بختنصر ثم بالرومان، فكم من أمةٍ يذكر لنا الله عزَّ وجلَّ؟ وكم هي أنواع العصيِّ والسياط التي يؤدِّب بها عباده في الدنيا! وهذا هو العذاب الأدنى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة: 21]، نرى العذاب الأدنى في غيرنا فلا نتَّعظ، وفي جيراننا ولا نتَّعظ، وفي أنفسنا.. حتَّى يأتي العذاب الأكبر!

اجعل ما وهبك الله عزَّ وجلَّ وعاء لطاعته وليس لمعصيته

ما الذي شيَّبك؟ قال: ((هود وأخواتها)).. من أي شيء كان النبي ﷺ خائفًا؟ هل وقع في الزنى؟ هل وقع في شرب الخمر أو في الغيبة؟ لما سمع السيدة عائشة رضي الله عنها تقول عن ضرَّتها صفيَّة رضي الله عنها: ما تزال تذكر صفية؟ حسبك من صفية أنها قصيرة! غضب النبي ﷺ، لأنه يعمل بقوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ [الإسراء: 36]، فإذا سمعت كلمة غيبة فلا يجوز لك أن تجعل سمعك وعاءً لمعصية الله عزَّ وجلَّ.. ومعصية الأذن بأي شيء؟ بأن تسمع ما حرَّم الله عليك: الغيبة والنميمة، فإذا نَمَّ أحدٌ لك فقال لك: فلان قال كذا، فقل له: أنت نمَّام! ولو كان صادقًا، أما إذا كان كاذبًا فهو أفَّاك وكذَّاب ومفترٍ، إذا ذكر أمامك عيوب النَّاس: إذا كانت غير موجودة فهذا كذب، وإن كان صادقًا فهو مغتاب.. وقال: ((لقد قلتِ كلمةً لو أُلقِيت في بحر لأنتنته!)) 10 ، كان النبي ﷺ يشم الشم الروحي والربانيَّ، قالت: ما قلتُ إلا ما فيها! قال: ((لو قلتِ غير ما فيها لبَهَتِّها!)) 11 .

حرص الصحابة رضوان الله عزَّ وجلَّ عليهم على الطاعة

الثلاثة الذين خُلِّفوا في تبوك وكانت عقوبتهم المقاطعة، أحدهم طرق باب البستان على ابن عمه، فلما سمع صوته لم يردَّ عليه، ولم يفتح له الباب! فصَعِدَ من فوق الجدار، ودخل على ابن عمه وقال له: السَّلام عليكم، فلم يردَّ عليه السَّلام! هكذا كان إسلامهم، قال لهم النبي ﷺ: لا تكلِّموهم.. فالتزموا وانتهى الأمر، فلو قال لك النبي ﷺ الآن: لا تكلِّم زوجتك، صارت حرامًا عليك! مثل ذاك البدوي حين قال له الشيخ: إنك طلقت زوجتك ولا يجوز أن تقربها، فذهب تلك الليلة ونام عندها فلم يختلف عليه الأمر، فجاء إلى الشَّيخ في اليوم التالي وقال له: كيف قلتَ إنه لا يجوز؟ فقال له الشيخ: عند الشافعي والحنفي لا يجوز أن تقربها، فقال له: لقد جاز الأمر من البارحة، وقد نمتُ عندها البارحة فلم يكن هناك اختلاف بشيء، وأنت كذَّاب!

الموت حق على كل حي

فيا بنيَّ: سنموت! أيهما أكثر الذين ماتوا أم الذين على ظهر الأرض؟ هل منكم من أحد لن يموت؟ إن كان بينكم فليرفع يده؟ وإذا متَّ فهل هناك توبة بعد الموت؟ وهل تستطيع أن تمحو أعمالك المخزية والمخالِفة لصريح أوامر الله عزَّ وجلَّ؟ هل تستطيع أن تمزِّقها؟ هل تستطيع أن توكل محاميًا يدافع عنك أمام الله عزَّ وجلَّ؟ هل تستطيع أن ترشو بالنقود؟ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ [البقرة: 48] فداء ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ لا يأخذ الحُكْمَ على الملائكة، [فلا يربح القضية ضد الملائكة] لأن حُكْمَهم مصدَّقٌ وكله مأخوذة صوره بالفيديو الإلهي ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 14].

قراءة القرآن بلا قلب تمنع التأثر به

فالنبي ﷺ شابَ من سورة هود، وأنتم قرأتم القرآن كلَّه فهل شِبتُم؟ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31] لأننا نقرؤه بلا قلب! نقرأ القرآن و﴿عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24]، فالقرآن: ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ [ق: 37] إذا لم يكن لك قلب فأقلُّ الدرجات أن يكون لك فكرٌ وتدبُّر، وأن تفهم معنى القرآن، وحين تفهمه عليك أن تعتبره موجَّهًا إليك خاصةً.

عقاب الله عزَّ وجلَّ يأتي في الدنيا وفي الآخرة

فالأحقاف وعاد: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ [الأحقاف: 21] اذكر قصتهم لقومك، وعقوبة الله عزَّ وجلَّ التي أنزلها لما تمرَّدوا على نبيهم وعلى أوامره تعالى، وكيف أمهلهم الله عزَّ وجلَّ وحَلِمَ عليهم ((إن الله يمهل الظالم ولا يهمله)) يعطيه مهلةً، ولكن لا يتركه ((إذا أخذه لا يفلته)) 12 ، إذا أمسك الله عزَّ وجلَّ برقبتك فمن سيخلِّصك؟ وإذا وضع قيوده في يديك ورجليك والأغلالَ في عنقك.. وهذا في الدنيا يا بني! فهل الله عزَّ وجلَّ أهلك عادًا في الدنيا أم في الآخرة؟ أولًا في الدنيا ﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزمر: 26] أرسل عليهم العواصف، ترفع الجَمَل وراكبه فوق الأرض خمسين مترًا أو مئة متر ثم تلقيهما على الأرض! ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة: 7].

البلاء يزول بالاستغفار المستكمل لشروطه

البلاء ينزل بالمسلمين، أليس الاستعمار بلاءً؟ أليس مثل الملك بختنصر والرومان على اليهود؟ والقحط كذلك، بماذا ابتلى الله عزَّ وجلَّ قوم عاد؟ بالجفاف وقلة الأمطار، ألا يبتلينا الله عزَّ وجلَّ الآن بالجفاف وقلة الأمطار؟ لماذا؟ قال الله عزَّ وجلَّ على لسان سيِّدنا نوح عليه السَّلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ [نوح: 10] ليس الاستغفار بالكلام فقط، بل اطلبوا مغفرته بالأعمال الصالحة، بالانقطاع الكامل عن المعاصي، وبعدم صحبة أهل المعاصي ولا مجالستهم ولا محابَّتهم، أتظن أن مجالسة النَّاس ومصاحبتهم والسهر معهم ليس لها حكم شرعي؟ فمن الأشخاص من يَفْرِض عليك الحُكْمُ الشرعي الرباني أن تصاحبهم وتجالسهم، وإن لم تجدهم في بلدك ففتِّش عنهم في البلدان الأخرى، كما أمر الله عزَّ وجلَّ الصحابة رضي الله عنهم بالهجرة إلى المدينة، وهدَّد من يتخلف: ﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 97] حتَّى كانت المرأة تهاجر وحدها بنفسها لقوة إيمانها، من مكة إلى المدينة أربع مئة وعشرون كيلومترًا، جبالٌ ووديانٌ وصحارى وقُطَّاع طرق، ولا تفكِّر في سبُع ولا وحش ولا مجرم، لا تفكر إلا في أمر الله وطاعة الله والخوف من معاقبة الله عزَّ وجلَّ، وهذا هو الإيمان.

عليك أن تنظر إلى ما يحبه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه

المسلم مأمور بالعلم، ومع ذلك لا يأتي إلى مجلس العلم، وقد يكون بينه وبين مجلس العلم كعرض الطريق أو عشر خطوات! أهذا مسلم؟ أهذه مسلمة؟ أهذه مؤمنة؟ بينما السهرات على التلفاز تطول بالساعات، وماذا فيه؟ هل فيه علم أو حكمة؟ تارةً قد يكون، ولكن أكثر الأوقات ما تعلمونه! فالإسلام يحتاج إلى معلِّم، وعليك أن تختار جليسك وصاحبك، فلا يصحُّ أن تُصاحب أيَّ إنسان أو تسهر أو تستمع إلى أيٍّ كان، ولا تنظر إلى ما تهوى وتحب، بل عليك أن تنظر إلى ما يحبه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه، فالنظر في وجه الصالحين عبادة، وفي أماكن أخرى قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور: 30]. [يكثر سماحة الشيخ من ذكر السَّهَر، لأنه وقت كل اللقاءات الاجتماعية وفيه تُرتَكب أكثر الذنوب].

تمحُ ظلمات قلبك بدموع الندم والخوف من الله عزَّ وجلَّ

فالجليس السوء والجليس الصالح أليست هذه فقهًا في الدين؟ وهذا الفقه إذا تعلَّمته دون أن يكون لك قلب كنت ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة: 5]، فتجلس في الدرس وتسمعه لكن بلا قلب ولا تزكية نفس! وحتَّى تستطيع الكتابة على الورقة يجب أن تمحو الكتابات السابقة، فإذا لم تمحُ ظلمات قلبك بدموع الندم والخوف من الله عزَّ وجلَّ، ولم يتهيَّأ لك طبيب يعطيك مادة خشية الله عزَّ وجلَّ، ومادة مخافة الله، ومادة محبَّة الله، ومادة المسارعة إلى مرضاة الله سبحانه، ويحذِّرك من أن هذه الجراثيم لا تقتل جسدك الفاني الذي سيفنى في يوم من الأيام وساعة من الساعات، بل ستقتل روحك الخالدة الباقية السرمدية، فأنت لا تعرف إلا الحياة الجسدية التي هي حياة الحيوان!

من لا يعرف من حياته إلا حياة الجسد فهو حيوان

ففي الحيوانات لماذا تهرب الفأرة من القطة؟ هل حرصًا على جسدها أم على آخرتها؛ على الجنة والنَّار؟ هل تعرف الفأرةُ الجنةَ والنَّار؟ هل تعرف الآخرة؟ بل حرصًا على سلامة الجسد، والقطة تهرب من الكلب حرصًا على جسدها، ولأجل سلامته.. فإذا كنتَ لا تعرف من حياتك إلا حياة الجسد فأنت فأر أو جرذ أو قطٌّ أو كلب! والكلب إذا رأى ما هو أقوى منه يفرُّ أيضًا، وكلُّها لسلامة الجسد، أما أنت فمطلوب منك سلامة الجسد والروح، فحياة الروح بروح ونور الله عزَّ وجلَّ وبنور الإيمان، وحتَّى يحصل لك الجسد يلزمك أم وأب، وحتَّى يحصل لك الروح والنفس المطمئنة ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر: 27] ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] هل فتِّشت عمَّن يصنع لك هذا الوجود وهذه الشخصية؟ هل بحثت عن هذا الإنسان الذاكر الخاشع المنيب، ثم العليم الحكيم الذي يعرف الأسباب والمسبَّبات، فقيه القرآن؟ وحين تقرأ قصة عاد وهود عليه السَّلام فأنت بين شيئين: إما أن تكون عادَ زمانك أو هود زمانك، أو من أتباعهما، أو من أصحاب وأتباع قبيلة عاد.

بحث مولانا خالد النقشبندي عن المعلم الحقيقي

قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ [الأحقاف: 21] يعني بذلك لقومك، فالنبي ﷺ ذكر لقومه، وكانوا وثنيين فتأثَّروا وذَكَروا، ذُكِّروا فتذكَّروا، وانتقلوا من الكفر إلى الإيمان، ومن الوثنية إلى الإسلام، ومن المعاصي إلى طاعة الرحمن.. والمسلمون الآن يسمعون ولا ينتقلون؛ لأن القلوب ميتة.. مولانا خالد كان رئيس علماء العراق، عرف أن العلم اللساني وقراءة الكتب ليست العلمَ الحقيقي، وهذا علم اللسان هو حُجَّة الله عزَّ وجلَّ على ابن آدم، وأن ما يلزمه هو الشَّيخ والمعلِّم الحقيقي فذهب إلى الحجِّ رجاء أن يرى هذا الشَّيخ، ويلتقى هناك بأكبر العلماء، وفي المدينة المنورة رأى أحدهم فذكر له قصَّته، فقال له: إذا ذهبت إلى مكة فلعل الله عزَّ وجلَّ يجمعك، وإذا رأيت شيئًا في الحرم فلا تعترض على أحد، فرأى رجلًا مُسْنِدًا ظهره إلى الكعبة ويقرأ القرآن، أراد أن يعترض عليه فتذكَّر الوصية فلم يعترض، لكنه اعترض في قلبه، وإذ بذاك الرجل يلتفت إليه ويقول له: أنسيت الوصية التي أوصوك بها في المدينة؟ فأكبَّ على ركبتيه يقبِّلهما! وقال له: أنت ضالَّتي التي أَنشُدها! وإذا هو الشَّيخ عبد الله الدهلوي المقيم في دلهي، فقال له: تأتي إلى دلهي! ولم يكن هناك قطارات ولا طائرات ولا سيارات، فرجع إلى بغداد، وبعد شهرين وصل إلى الهند، ولما وصل إلى دلهي وأراد أن يدخل على الشَّيخ، تصدَّق بالراحلة والكتب وكل ما معه ودخل فقيرًا على الشَّيخ!

دخول الخلوة والاعتكاف

أدخله الشَّيخ في الخلوة والاعتكاف، ألم يعتكف النبي ﷺ ويختلِ في حراء؟ أليست هذه سُنَّة؟ سيِّدنا موسى عليه السَّلام ألم يختلِ في الطور؟ أليست هذه سنة؟ وفي الفقه ألا يوجد باب الاعتكاف؟ نقرأ متونًا وحواشيَ واعتكافًا، وعمليًّا لا نقرأ! وهذه القراءة على قراءة الخمس عشرة: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة: 5] كلما قرأ أكثر يصير محجوبًا عن الله عزَّ وجلَّ وعن حقائق الإيمان أكثر! ووجوده في المجتمع قد يخرِّب الإسلام أكثر مما يخرِّبه من يقال عنه جاهل! ذاك جاهل الأقوال، وهذا جاهل الأخلاق والسلوك والأعمال والقلب والروح وتزكية النفس.. بعد ثمانية أشهر خرج، فكيف خرج؟ هل هذه مدة طويلة من أجل شهادة؟ فالماجستير كم سنةً يحتاج؟ إذا أخذتم ماجستير مولانا خالد في ثمانية أشهر فهل تكونون قد ضيَّعتم وقتًا طويلًا؟ فنوَّرَ الشرق الأوسط بنور الإيمان! وهذا مجلس من مجالس مدرسة الأشهر الثمانية.

الصحابة استغنوا برسول الله ﷺ عن الخلوة

الصحابة رضي الله عنهم لم يحتاجوا لأن النبي ﷺ كان خلوتهم، فكانت قلوبهم ملأى بروح رسول الله ﷺ، وملأى بمحبته، حتَّى فَنِيَ وجودهم في وجوده ورغباتهم في رغباته ومحبوباتهم في محبوباته، وصاروا كما وصفهم: ((علماء، حكماء)) 13 أي ورثة.. هذه المرأة التي يقولون إنها بنصف عقل! قالوا لها: مات أخوكِ! قالت: ورسول الله ﷺ؟ قالوا: حيٌّ، فقالت: هو فداءٌ لرسول الله ﷺ، وكلُّ مصيبة دونه جلل! كلمة جلل تُستعمَل في الأمر الجليل والحقير- أي أن أخي ليس له قيمة أمام قيمة رسول الله ﷺ- ابنك! قالت: ورسول الله ﷺ؟ قالوا: بخير.. أبوكِ، وزوجكِ! فلما رأت النبي ﷺ راجعًا سالمًا صارت تتمسَّح بثوبه وتقول: ما أبالي بكل من فقدتُ إذ سَلِمتَ من عَطَب! ولو أن رجلاً جزع بفقد أقاربه ممن كان في معركة أُحُد فأيهما أعقل؟ أهذه المرأة أم الذي يجزع ولو كان رجلًا؟ إذًا ((النساء ناقصات عقل ودين)) 14 هذا لا ينطبق على الكل، لا! ((ناقصات عقل)) لمن لم تتفقه الفقه القلبي وفقه الحكمة وفقه القرآن، أي أن هؤلاء النساء الخام، أما إذا دخلن في بوتقة القرآن فتزكَّت نفوسهن وامتلأت بالحكمة وبفقه القرآن، وتمثَّل فيهنَّ علمًا وأخلاقًا وسلوكًا؛ فهذه هي المرأة الأعرابية أمام أعظم النكبات وأعظم الشدائد!

حال الصحابيات في الإسلام

أم حرام رضي الله عنها تريد أن تحارب في لجَجِ البحار! على القوارب الصغار التي كأن راكبها دُودٌ على عود! أم مُحمَّد الكِلَابِيَّة: ليلة الهجوم الليلي على الرومان قال لها: أين الملتقى؟ قالت له: في خيمة أمير الروم الموريان أو في الجنة! إما أن نُستشهَد فنلتقي في الجنة أو ننتصر فنلتقي في خيمة القائد، فلما وصل إلى الخيمة في الهجوم– على حدِّ السيوف وأسنَّة الرماح– وجدها قد سبقته في الهجوم! هل هذه المرأة بنصف عقل ورجال زماننا بعقل كامل!

فلو كانَ النساءُ بمثل هذي لفُضِّلت النساءُ على الرجالِ! فما التأنيثُ لاسم الشَّمس عارٌ ولا التذكير فخـــــــــــرٌ للـــــهلالِ

المؤمن الحق يختار الآخرة على الدنيا

طلب النبي ﷺ حاجة من أعرابي فقضاها، فقال له: ((أخيِّرك: إن شئتَ أن أدعو لك بالجنة، وإن شئتَ ثمانين غنمة)) فقال له: بل ثمانين غنمة! فأعطاه النبي ﷺ ثمانين غنمة وقال له: ((لقد كانت صاحبة موسى أعقل منك!)) 15 ، هل هذه المرأة بنصف عقل؟ لكن هذا ليس له ربع عقل، ولا قيراط من عقل!.. مر مجنون بمجلس رسول الله ﷺ، فقالوا: مجنون مجنون! قال: ((لا تقولوا مجنون، قولوا مريض، المجنون من يعصي الله!)) 16 ، فهل للمجنون عقل؟ هل له نصف أو ربع عقل؟ ليس عنده عقل أبدًا.. فالمرأة إذا كانت تقيَّة وكانت بنصف عقل فتلك نعمة كبيرة، والنبي ﷺ هنا قال: ((لقد كانت صاحبة موسى)) من هي صاحبة موسى عليه السَّلام؟ دلَّته على قبر يوسف عليه السَّلام فقال لها: تمنَّي علي، الجنة أو مئة شاة؟ قالت: الجنة! فدعا لها بالجنة، فقال: ((لقد كانت صاحبة موسى)) أي صاحبة حديث موسى عليه السَّلام ((أعقل من هذا الأعرابي!)).

وجوب قراءة القرآن بفهم وتمعن

فنرجع إلى عاد والأحقاف: ﴿وَاذْكُرْ [الأحقاف: 21] لقومك، فذكر لقومه، فأبو جهل لم يتَّعظ، وأبو لهب لم يتَّعظ، أما أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم صاروا من العشرة المبشرين، و((لو كان بعدي نبي لكان عمر)) 17 ، و((كنت أنا وأبو بكر في النبوة كفرسي رهان)) 18 . فلو كانت هذه للنبي ﷺ ولقريش لوجب أن تُمحى من القرآن! لكن هذه قائمةٌ إلى يوم القيامة، وأيضًا إذا قرأت القرآن أنت: ﴿وَاذْكُرْ لنفسك أيها القارئ وأيتها القارئة ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ ومع كفر عاد سمَّى النبيَّ أخاهم، والآن هناك من الناس من جهلهم بالقرآن وكأنهم لم يقرؤوه؛ إذا قال أحدهم: “إخواننا المسيحيون”، فالقرآن يقول عن الوثنيين إخوة هود، والكفار إخوان لوط عليهما السَّلام.. فإما أنهم يستغلون جهل العامة والجهلاء، أو أنهم هم الجهلاء، ولعلَّهم يقرؤون القرآن وهم موتى القلوب فلا يشعرون بعلمه ولا بمعارفه.

قراءة القرآن للتطبيق

فالآن عندما تقرأ: ﴿وَاذْكُرْ يعني لنفسك، ثم اذكر لأهلك، ثم لأهل قريتك، ثم لأصحابك، وهذا هو القرآن وهكذا يُقرَأ القرآن، ولو كنتَ موظَّفًا وأتاك خطاب من رئيس الوزارة أو من وزيرك فلماذا تقرؤه؟ هل لأجل النغم أم لأجل المعنى؟ هل يحضرون لك جوقة لتقرأ ثم لا تطبِّق أم للتطبيق؟ تقرأ للعلم والعمل.. فاذكر ﴿أَخَا عَادٍ [الأحقاف: 21] حيث إنهم لما عصوا ربهم منع الله عزَّ وجلَّ عنهم قطْر السَّماء سنين متعددة، وأرسلوا وفدهم إلى مكة ليستسقوا، وهل المسألة مكة؟ المسألة أن يصير قلبك أنت كعبة! فإذا كانت تلك بيت الله يعني بيتًا ليُصلَّى فيه لله عزَّ وجلَّ فليكن قلبك بيتًا ليظهر فيه نور الله عزَّ وجلَّ! ((أنا جليس من ذكرني)) 19 ، وحتَّى يصير ((كنت سمعه وبصره ويده)) 20 ومُؤَيِّدَه.

الكعبة قبلة الأجساد وأما الله عزَّ وجلَّ فقبلة القلوب والعقول

﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال: 17] ﴿إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الأنفال: 45] أمامك تتطاير الرؤوس وأنت مع الله عزَّ وجلَّ، فإذا كنتَ في الصَّلاة وأنت مع زوجتك ومع سيارتك ومع المحل ومع تجارتك فهل أنت تصلي؟ هل أنت تستقبل القبلة؟ القبلة: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 144] وبعدها: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115] الكعبة قبلة الأجساد، وأما الله عزَّ وجلَّ فقبلة القلوب والعقول والأفكار والشعور والإحساس والحب والشوق والعشق والميل كل الميل، وهذا يحتاج إلى مَدْرَسَته، وهذه المدرسة تكاد أن تُفقَد في مجتمعنا الإسلامي، وهي التي يجد فيها الإنسان حياته الحقيقية وروحانيَّته الحقيقية.

طاعة الله عزَّ وجلَّ سبب لكثرة النعم

﴿إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [الأحقاف: 21] جاءت أنبياء قبله وبعده، فالذين أطاعوا واتقَوا أعزَّهم الله عزَّ وجلَّ ورفعهم، و﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح: 11] بشكلٍ يجعل صحاريكم جناتٍ وأزهارًا ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [نوح: 12] يعطِكم الغنى والثروة، فهو يجعل الغنى والثروة والخصب والربيع والخضرة علامةً على رضوان الله عزَّ وجلَّ، والعكس بالعكس، فلماذا تقرأ هذا؟ لتقرأ فقط أم لتطبِّق؟ في نفسك، وفي بيتك وزوجتك، وفي ابنتك وأختك، وفي صديقك وجارك وسوقك، وفي مدرستك، وأين ما كنت، وهكذا كان المسلم والمسلمة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعد ذلك ليبلِّغوا الدعوة، ولينقذوا العالَم، وليكونوا ليس هودَ بلدهم فقط، بل هودَ عالَمهم وهود عصرهم، أنت كن هود بيتك! كن هود نفسك! وهذا من معنى ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) 21 .

الخوف من معصية الله عزَّ وجلَّ

الفقه ليس فقه اللسان، فهذا حجة الله عزَّ وجلَّ على ابن آدم، وأما فقه القلب فهو العلم النافع ﴿إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ ما هي الأحقاف؟ هي جبال الرمال المعوجَّة، ألم تروا في الصحارى في طريق الحج جبالًا من الرمل؟ ﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مضت الأنبياء ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [الأحقاف: 21] من قبله ومن بعده ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام: 15] أنا أخاف على نفسي إذا عصيتُ اللهَ عزَّ وجلَّ، فإذا كان النبي ﷺ يخاف أن يعصي الله عزَّ وجلَّ، وأنتَ؟ إذا عصيت الله عزَّ وجلَّ أأنت أكرم على الله أم الأنبياء؟ فالأنبياء إذا عصوا مهدَّدون بالعذاب، والعذاب العظيم، فهناك عذاب بالأمراض والأوبئة، وبتسلُّط الأعداء، وبالجفاف وقلَّة الأمطار، وبالعواصف والاستعمار، ويُسلِّطك على نفسك؛ وهذا في الدنيا! نعوذ بالله من الشقاء.. هذا نبيٌّ أوتي علمًا ربانيًّا وحكمة، أوتي الحكمة الناضجة والعلم الكامل الإلهي الرباني.

إذا كانت على القلوب أقفالها فلا تنفعها الحكمة

ولكن إذا كانت على القلوب أقفالها فلا يُغني هودٌ ولا صالح ولا إبراهيم ولا سيِّدنا مُحمَّد عليهم جميعًا أفضل الصَّلاة وأتم التسليم، هل استطاع أبو جهل أن يفهم عن النبي ﷺ؟ فهل العيب من النبي ﷺ أم من أبي جهل؟ إذا أشرقت الشَّمس وقال الأعمى: أين ضوؤها؟ إنه كذب والشمس لا تضيء! هل يرى الشَّمسَ العميانُ أم المبصرون؟ وإذا أخذنا الأطرش إلى حفلة المغنية أم كلثوم؟ فسيقول: تبًّا لها! طيلة الوقت تخرج لسانها للناس وتستهزئ بهم! بينما أولئك منسجمون مطروبون! فالمغنية يلزمها آذان تُحسِن الإصغاء إلى الموسيقى والأنغام! كذلك إذا كانوا ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة: 18] مع الأنبياء ومع الأولياء، وما انتفعوا، فهل انتفع أبو جهل؟ هل النقص والعيب منه أم من رسول الله ﷺ؟ عادٌ قوم هود أهلكهم الله عزَّ وجلَّ ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [الحاقة: 6]، فعلى كلٍّ منا أن يحذر أن يكون عادَ زمانِه، وأن يكون بيته بيت عاد، وسوقه سوق عاد.

استجابة الجن لداعي الرحمن

الجن في سورة الأحقاف لما سمعوا قراءة النبي ﷺ في صلاة الفجر بسورة طه رجعوا ﴿إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الأحقاف: 29-30] هذا الذي سمعناه ونحن نريد أن نبلِّغكم ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ [الأحقاف: 31] هؤلاء الجن والعفاريت! فأنت حين تسمع داعي الله وتسمع كلام الله، هل ترجع من القرآن أو من الدرس إلى قومك منذرًا؟ كن جِنيًّا! الجن هكذا، وأنت ماذا؟ أنت أفضل، لكنك تكون أفضل إذا عملتَ عملًا أفضل، فالرجل أفضل إذا كان علمه وإيمانه أفضل، أما إذا لم يكن أفضل.. مثل البدوي الذي باع الجنة بثمانين غنمة! وتلك المرأة الإسرائيلية التي لم ترض، فمن كان الأعقل ومن كان بنصف عقل أو بربع عقل أو بدون عقل؟ ومن كانت صاحبة العقل الكامل؟ سيِّدنا يحيى عليه السَّلام قال عنه الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ العقل الحكيم ﴿صَبِيًّا [مريم: 12] صبيٌّ وهو حكيم، وهناك من يبلغ من العمر ثمانين سنة ولا عقل له: لا عقل إسلامي ولا حياتي، ولا عقل أخلاقي ولا تبصُّرٌ بالعواقب.

طرفة: زوجة ابن القيم في درسه

﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا [الأحقاف: 22] لم يفهوا شيئًا أبدًا! كان ابن قيم الجوزية من أشهر علماء زمانه، وقيل إنه كانت عنده زوجة لا تحبه، ويحضر درسه ألوف من النَّاس، فأراد أن يعمل طريقة تجعل زوجته تحبه، فقال لبعض تليمذاته من النساء أن يأتين بها إلى الدرس بحيلةٍ ما، ففعلن ذلك وأتين بها إلى الدرس، قال لنفسه: لعلها تسمع الدرس وترى هؤلاء النَّاس فتعرف قدري! فلما رجع سألهن فقلن له: نعم أتينا بها إلى الدرس، فظن أن الأمر قُضِي، قال لها: أراك عائدة من الخارج فأين كنتِ؟ فهزت برأسها وأجابته: لا حول ولا قوة إلا بالله! وقالت: يجب أن يكون الإنسان ذا عقل، جاء النسوة فلعبن بعقلي وأخذنني إلى درسك، فلم أرَ أكثر منك جنونًا! فكل النَّاس جالسون في بيت الله بأدب وإصغاء ولا أحد يرتفع صوته، إلا أنت تتكلم وصوتك يملأ الجامع! ما بك؟ ألا تعقل!

حُسن الخُلق وترك الغضب

هكذا كانوا مع الأنبياء: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا لتصرفنا ﴿عَنْ آلِهَتِنَا [الأحقاف: 22]. يقول لهم أن الله عزَّ وجلَّ خالق السماوات والأرض وخالق العالَم، لكنه من ناحية أخرى فإن الصنم والعادات والطبيعة ومصلحته وأنانيته، هذه كلها آلهة ﴿اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان: 43] أبغض إلهٍ عُبِد في الأرض هواك! فعليك أن تنظر عند غضبك ورضاك، وعند حبك وعداوتك، ماذا ترغب وماذا يرغب الله عزَّ وجلَّ، وهنا يتبين الإيمان القوي من الضعيف.. أتى رجل إلى رسول الله ﷺ فوضع وجهه تجاه وجه النبي ﷺ وقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: ((حسن الخُلق!))، فأتى عن يمين النبي ﷺ وسأله مرة أخرى لأنه لم يفهم، قال له: ما الإيمان؟ فقال له النبي ﷺ مرة أخرى: ((حسن الخلق))، أيضًا لم يفهم جواب النبي ﷺ فأتى عن شماله: ما الإيمان؟ قال له: ((حسن الخلق))، فأتى من وراء ظهره وقال له: ما الإيمان؟ قال له: ((حسن الخلق، أما تفقه؟ أن لا تغضب!)) 22 إذا غضب أحدهم صار أمامه غبارٌ فلا يرى الطريق والجسر، ويقع في النهر أو في البئر! ما معنى ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 134]؟ وهذا من الإيمان، فكم أوذيَ النبي ﷺ؟ وكم أوذي الصحابة رضي الله عنهم؟ والأولياء كذلك؟ فكيف كانت أخلاقهم عند ما يغضبون؟ يكظمون الغيظ، بل كانوا يقابلون السيئة بالحسنة، وهذه ذرَّةٌ من ذرات حقائق الإيمان.

تغيِّر خُلُق الشيخ أمين كفتارو بعد أخذ الطريق

كنت أسمع من والدتي عن شيخنا قبل أن يَسلُك على شيخه، قالت: إذا غضب فكأنه نار الله الموقدة! فإذا غضب يضرب بما وجد: بالساعة، بالكتاب، بالكرسي! وبعد أن سَلَكَ بأسبوعين لم أجد من أثر ذلك الرجل شيئًا! صار ملَكًا كريمًا! حلمٌ ودماثةٌ وسعةُ صدرٍ وتحمُّل وغير ذلك.. وأنا أعرفه قدَّس الله روحه في حلمه وسعة صدره وتحمُّله.. وهذا جزءٌ من أجزاء الإيمان.. والتصوف والطريق هو: حسن الصلة مع الخالق وحسن الرحمة والمعاملة مع الخلق، وهذا هو الدين: أن ترتبط بالله عزَّ وجلَّ ارتباطًا عقليًّا وقلبيًّا وروحيًّا، فتؤدِّي العبادات وتصبح العبادات كلها مثل الروافد والأنهار الصغيرة للنهر الكبير، فمع استمرار العبادات ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال: 2].

الصبر عند الأنبياء على مشاق الدعوة

﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا [الأحقاف: 22] لم تستفِد المرأة شيئاً! قالت له: لم أرَ أكثر جنونًا منك! قالوا له: أنترك أصنامنا من أجل كلامك؟ ويهدِّدهم بعذاب ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأحقاف: 21] قالوا: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا هذا الذي تقول عنه عذاب عظيم أرِنا إياه ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فأنت كذَّاب! فالله عزَّ وجلَّ يُعلِّمك إذا أردت أن تكون هودَ بيتِك أو زمانك أو إخوانك، فإذا كذَّبوك وقالوا لك: يا كذَّاب، يا منافق! عليك أن تتخلق بأخلاق هود عليه السَّلام.. أرنا العذاب الذي تتكلم عنه ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا اتهموه بالكذب فلم يقل لهم أنتم كذَّابون، مع أنهم هم الكاذبون وهو الصادق، ماذا أجابهم؟ هذا أدب الدعوة والداعي، إذا صُدَّ أو سُبَّ أو شُتِم أو أُعرِضَ عنه أو أوذي ﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ لا أعرف متى ينزل العذاب، هذا راجعٌ إلى علم الله عزَّ وجلَّ، وظيفتي: ﴿وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ [الأحقاف: 23] ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [الشورى: 48] ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ هل يجهلون أكل الكوسا؟ هل يجهلون الزواج؟ هل يجهلون النزهات وركوب السيارات والطبَّ؟ يجهلون قوانين الله عزَّ وجلَّ، ويجهلون حِلمَ الله عزَّ وجلَّ، وعقوبته وإمهاله وعذابه في الدنيا والآخرة.

التباس أمر العذاب عند قوم هود عليه السَّلام

فلما أصرُّوا وعتوا وتمرَّدوا واستمروا في طغيانهم، وطفح كيلهم- الكمية التي تزن خمسة قناطير تَرْجَح بقبضة قمح- أليس كذلك؟ بلغ السيل الرُّبا أو الزُّبى، وأرسلوا جماعتهم إلى مكة ليصلوا صلاة الاستسقاء لينزل المطر، ورأوا غيمة سوداء جاءتهم ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ أي العذاب العظيم، رأوه بأي شكل؟ ﴿عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ رأوه سحابًا ﴿عَارِضًا آتيًا من جهة أوديتهم التي كلها زراعات وبساتين ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ سحاب عارض و﴿مُمْطِرُنَا [الأحقاف: 24] فقال لهم الله عزَّ وجلَّ: لا! ألستم تقولون: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأحقاف: 22]؟ ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ عواصف ﴿فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف: 24-25] وكان الدمار، وكانت الصواعق والقنابل الإلهية، فهل يوجد الآن قنابل ريح؟ لكن الله عزَّ وجلَّ عنده قنابل ريح، وقنابل قحط وتصحُّر وتلوُّث البيئة، والتفرق والتمزق والأحقاد والعداوات والأهواء، وهذه كلها مُهلِكة ومدمِّرة.

أبغض إله عُبِد في الأرض الهوى

أبغض إله عُبِد في الأرض الهوى! كيف تكون عند المطامع والرغائب وعند الخوف؟ عليك ألَّا تخاف من أي شيء أكثر مما تخاف من الله عزَّ وجلَّ، ولا تحب شيئًا أكثر مما تحب الله عزَّ وجلَّ، ولا تسارع إلى شيء مسارعتَك إلى امتثال أوامر الله عزَّ وجلَّ، وهذا هو الإيمان، وهذا لا يحصل من تلقاء نفسه.. فهل يمكن أن تطبخ المرأة “الكُبَّة” من دون مطبخ ومن دون [أن تكون هي أو غيرها] طبَّاخة؟ [الكبة: أكلة سورية مشهورة، تُطبَخ بأشكال كثيرة، وموادها الأساسية اللحم والبرغل] أو هل يمكن أن تطبخ غيرها من الأطعمة؟ تريد أن تصير المسلم الإنسان الفاضل العالِم الحكيم، الذي يمنحه الله عزَّ وجلَّ وثيقة النصر في أي ميدان ينازله، في أي ميدان يصارع عدوه، هل هكذا فقط بالكلام وبالتمني؟ ((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، إنما الإيمان ما وقر في القلب)) 23 ﴿تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] ألك قلب؟ لا يعرف القلب، ولا يعرف فقه القلب، ولا ذاق حياة القلب، ولا رأى نوره، ولا تفجَّرت من قلبه ينابيع الحكمة ((من أخلص لله أربعين صباحًا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)) 24 ، وفي أعماله وأخلاقه، وفي تصرفاته.

المقصودُ من وجود النبي وجودُ القرآن ورسالة القرآن

﴿فَأَصْبَحُوا لما قالوا: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [الأحقاف: 22] ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ [الأحقاف: 24] فالذي استعجلوه نزل ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف: 25] فإذا كنتَ أنت عادَ زمانِك، أو بلدٌ كانت عادَ زمانِها، أو شعبٌ صار عادَ زمانِه، والنبي موجود في القرآن، والمقصودُ من وجود النبي وجودُ رسالة التي هي القرآن، والنبي ﷺ بلَّغ، وترك الرسالة عندنا وكلُّنا نسمعها في الإذاعة والتلفاز والمصحف والدروس، فيا تُرى هل نسمع سماعَ المؤمن؟ سماع السميع البصير المتدبِّر الخاشع المخبِت المنِيب؟ أم سماع ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [الأنفال: 21] وآمنا وهم لا يؤمنون؟ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء: 136] كيف آمَنوا وآمِنوا؟ آمَنوا بألفاظهم ومظاهرهم، ولكن لمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم، وهذا ما حُرِم منه مجتمعنا، حُرِم من علماء القلب والحكمة ومن علماء القرآن إلا ما ندر، والنادر غريب ((بدأ الدين غريبًا، وسيعود كما بدأ)) 25 ، وإن كان هناك تفسير آخر يدل على التفاؤل، والتفاؤل قادم إن شاء الله ((بدأ الدين)) بدءًا ((غريبًا، وسيعود)) عودًا غريباً، بدأ بشكل غريب: رجل واحد يفتح ويوحِّد نصف العالم!

بعُدنا عن الله عزَّ وجلَّ فابتعد كل الخير

الآن العائلة متمزقة، والحارة متمزقة، والقرية متمزقة، والبلد متمزق، والمجتمع متمزق، فلماذا؟ لأننا بَعُدنا عن الله عزَّ وجلَّ فابتعد كلُّ الخير، ونسمع النُّذُر، ولكن بسماع الأصم! ونرى العِبَر، ولكن بعينَي أعمى! وتُعرَض علينا آياتُ الله عزَّ وجلَّ فلا نستقبلها بعقول ورؤوس وأفئدة مؤمنة، لذلك على كلٍّ منا أن يتوب إلى الله عزَّ وجلَّ، ليست توبة اللسان، ولا توبة الغفلة، بل توبة إقلاع عن الذنوب، وتوبة ندمٍ على ما مضى، توبة نقل من السيئات إلى الحسنات، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الجهل إلى العلم.

من أكبر النعم أن يهدي الله عزَّ وجلَّ أحداً على يديك

وتوبة نقل من: “أُهْل حَمَد يندبون حَمَد”، و”فَخّار يُكَسِّر بعضُه [بعضًا]“، [مثلان عامِّيان يدلان على اللامبالاة، بمعنى لا علاقة لي بالناس، ولا أبالي بأحوالهم ومصائبهم] إلى ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: 71] و((لأن يهدي الله بك رجلًا)) ليس المقصود رجلًا بل إنسانٌ ((واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها)) 26 الهداية ليست فقط أن يأتي به إلى الجامع، بل أن يأتي به إلى الجامع ويفقِّه قلبه بذكر الله عزَّ وجلَّ وبكتاب الله وبورثة رسول الله ﷺ، فإذا هدى الله عزَّ وجلَّ واحدًا على يدك الهداية الكاملة [فهذا خير لك من الدينا وما فيها]، فلو أنك ملكت الدنيا فعندما تموت ينتهي أمرها، لكن إذا كان عندك رصيد في المصرف الإلهي، فعُمْلَة [نُقود] الدنيا بَطُلت بالموت، فتستلم العُمْلَة التي لا تبطُل، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل حظنا منه في الدنيا وفي الآخرة.

عذاب الله عزَّ وجلَّ على قوم عاد

عاد صاروا: ﴿لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف: 25] فلم يبق منهم واحد حيٌّ.. إذا ارتفع الجمل به وبزوجته وأولاده أكثر من مئة أو مئتي متر ثم قُذِفوا على الصخر والرمل فماذا يحدث لهم؟ كلهم أصبحوا ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مثل جذر النخلة المسوِّسة المهترئة ﴿خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة: 7-8] هل بقيت أسرةٌ أو نفْسٌ أو امرأة؟ ما بقي منهم أحد.. قال: هذا ليس فقط لعاد، بل لكل من سلك مسلكهم، وأنتم يا قريش أيضًا يفعل بكم الله عزَّ وجلَّ هكذا، فقريش قالوا: لا نريد أن نكون مثل عاد! فتابوا وكانوا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.. والآن أنتم: يا تُرى هل أنتم عادٌ أم هود؟ أتستجيبون لهود عليه السَّلام؟ وإذا استجبتم لهود فستكونون من السابقين الأولين، وإذا بقيتم على طريقة عاد فهل تُعْجِزون الله عزَّ وجلَّ؟

الله عزَّ وجلَّ يمهل ولا يهمل

يقال: إن البدوي يأخذ بثأره بعد أربعين سنة! فالله عزَّ وجلَّ يؤخِّر سنة وسنتين وعشرًا وعشرين، ثم ((إذا أخذه)) ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: 31] أين يحاكمك الله عزَّ وجلَّ؟ قد يحاكمك في فراشك، أو في ليلة عرسك، أو أنت ذاهب إلى النزهة، أو حين تأخذ شهادتك، أو حين تصير وزيرًا أو أميرًا، أو حين تصبح مليارديرًا، حينها يعقد لك المحكمة، في الطريق أو في السيارة أو الحافلة أو الجبل، وفي أي مكان، وفي لحظة واحدة يحكمك بالإعدام! ويا ليت الإعدامَ إعدامٌ! يُخرِجك من الجسد إلى المحكمة الإلهية، إلى عذابٍ تذوب له الجبال، فتُعرَض عليك كلُّ أعمالك صغيرها وكبيرها، ويذكِّرك الله عزَّ وجلَّ بنعمه عليك: ﴿أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيۡنِ؟ [البلد: 8-9] ألم نعطك الأموال والأولاد والصحة؟ والشَّمس والقمر والأمطار؟ وخَلَقتُك من العدم؟ ماذا فعلتَ مقابل ما أنعمتُ به عليك؟ وهذه أعمالك ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ [الإسراء: 14].

وجوب العودة إلى الله تعالى

دعونا كلنا نتوب إلى الله عزَّ وجلَّ، ولا نغترَّ بشبابنا ولا بصحتنا ولا غنانا ولا وظائفنا، نخاف من الله عزَّ وجلَّ ونحبُّه، فأبوك ماذا فعل لك؟ كل ما في الأمر أنه تزوج أمك من أجل شهوته، وأنت أتيت ولم تكن المقصود، وكان المقصود قضاء شهوته! وربما أنك أتيت بشكل عرَضي وثانوي، لكن من الذي جعل لك السمع والأبصار والأفئدة، وجعل لك الكون والسماء والأرض والشَّمس والقمر، والبقلاوة [الحلوى] والعنب؟ ألا تريد أن تشكر نعم الله؟ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [فاطر: 3].

جزاء المجرمين

قال: ﴿كَذَلِكَ كما فعلنا بعادٍ قوم هود عليه السَّلام لمَّا أصروا وعتوا وتمرَّدوا الذين فعل الله عزَّ وجلَّ بهم ما فعل، قال: ﴿كَذَلِكَ مثل ما فعلنا بهم ﴿نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف: 25] في أي زمان؟ من زمان آدم عليه السَّلام إلى قيام الساعة، إذا أجرمتَ مع الله عز وجلَّ؛ الله عزَّ وجلَّ لم يهلك عادًا من أول يوم ولا ثاني يوم، بل أمهلهم، وأمهل فرعون أربعين سنة، وبعد ذلك؟ أغرقه وجيشه، فلا تكن فرعون زمانك، ولا تغترَّ بقوتك على خصمك الضعيف، أو بغناك أو سلطانك أو جاهك، والله عزَّ وجلَّ يرسل إليك شرطيَّه، ومخابراتُه وراءك، لتحصي عليك خطرات نفسك ووساوس نفسك، إضافة إلى كلماتك ونظراتك وأعمالك وسلوكك ومكرك وخداعك ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وإن مكرت فالله عزَّ وجلَّ لا يخفى عليه ما في قلبك ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19].

لا يستفيد صاحب النعمة منها إن لم يستعملها بشكل صحيح

﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ أي عادًا ﴿فِيمَا في شيء ﴿إِنْ ما ﴿مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ يعني كانوا أقوى منكم يا قريش ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا مثلكم، لكن لـمَّا لم يستعملوها كما أمر الله عزَّ وجلَّ ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ إذا أعطاك أبوك سيارة لتذهب بها إلى الحج فذهبتَ ماشيًا، فهل أبوك هو المخطئ أم أنت؟ وإذا انقطعتَ في الصحراء ومتَّ ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ [الأحقاف: 26] هنا يا بنيَّ: ﴿وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36] هذا العقل النوراني الملكوتي الغيبي، وهذا العقل الفكري المادي الحياتي الجسدي، فيجب أن يكون لك العقلان والإدراكان.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحيي قلوبنا بنور الله.

تذكر التوبة قبل فوات الوقت ووقوع العذاب

﴿وَحَاقَ بِهِمْ نزل عليهم وأحاط بهم ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأحقاف: 26] كان النبي عليه السَّلام يقول لهم: غدًا يأتيكم عذاب الله عزَّ وجلَّ وعقابه، فكانوا يضحكون منه، قال: فالذي كانوا يستهزئون به من عذاب الله والذي يهدِّدهم به نزل.. فرعون عندما نزل به ما كان به يستهزئ آمن، لكن متى؟ ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ [يونس: 90] فقالت له الملائكة: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ [يونس: 91-92] لكن بماذا؟ ﴿بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس: 92] هلاك فرعون آيةٌ، فهل اتَّعظت بها أنت؟ عادٌ آية فهل اتعظتَ؟ ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى [الأحقاف: 27] كل الذين أجرموا وتعدَّوا حدود الله عزَّ وجلَّ من طاعته إلى معصيته أهلكناهم، ﴿وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ ها نحن نكرر لكم القصص والأمثال والحِكَم مرة واثنتين وخمسًا وكل مرة بشكل مختلف ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

الإعراض عن الله عزَّ وجلَّ سبب لمنع المطر

﴿فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً [الأحقاف: 28] لماذا لم تخلِّصهم أصنامهم؟ لماذا لم تخلِّصهم عشائرهم وأموالهم وثرواتهم وقواهم من عذاب الله؟ إذا لم يُنزِل المطر فمن سينزله؟ هل وزير الري أم وزير الزراعة؟ نزلتُ في مطار باريس وأنا راجع، مطارات أوروبا كانت كلها خضراء، وإذ كلها يابسة! فسق النَّاس عن أمر الله عزَّ وجلَّ، وصاروا يعبدون أصنام أجسادهم وشهوات أبدانهم، والدِّين يُعرَض عرضًا ترفضه العقول والنفوس.. هل تريد أن تقرأ على القراءات الخمس عشرة أو الست عشرة أو على ورش أو على حفص؟ يجب أن نقرأ قراءة النبي ﷺ، نقرأ على السبع أو العشر أو الأربع عشرة، نقرأ: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا [ص: 29] اقرأ آية واحدة وتدبَّرْها وهيِّئ قلبك ليهضم معانيها، وأزِل عن قلبك نجاساته وميكروباته وأمراضه.. الذي في معدته قرحة هل يستطيع أن يأكل كلَّ شيء؟ وإذا كانت هناك خمسون قرحة؟ فهذا إلى القبر! فالمعدة السليمة هي التي تهضم.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعطي الصحة لقلوبنا لتهضم معاني القرآن ووحي السَّماء وعلوم الأنبياء والرسل، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

مُلْحَق

دعاء وتهليلة

فاعلم أنه لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.. مُحمَّد رسول الله ﷺ. اللهم تقبَّل منا هذه التهليلة المباركة، وأوصل ثوابها إلى حضرة نبينا مُحمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إلى روح شيخنا وأستاذنا وأرواح والدينا ومشايخنا وأحبابنا والمسلمين أجمعين، واغفر الله لنا ولهم، اللهم وفقنا ووفق المسلمين جميعًا ملوكًا ورؤساء وشعوبًا إلى المسارعة إلى رضاك ومرضاتك.

Amiri Font

الحواشي

  1. الشمائل للترمذي، رقم: (42)، (47)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (18169)، (22/ 123)، مسند البزار، رقم: (67)، (1/ 98)، مسند أبي يعلى، رقم: (880)، (2/ 184)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ، قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُها)).
  2. مسند أبي يعلى، رقم: (2328)، (4/213)، بلفظ: ((إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلا وَلَهُ دَعْوَةٌ يَتَنَجَّزُهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي خَبَّأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرٌ وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ وَلا فَخْرٌ بِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلا فَخْرٌ))، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ.
  3. سنن الترمذي، أبواب التفسير، باب من سورة الواقعة، رقم: (3297)، (5/ 402)، والشمائل للترمذي، رقم: (41)، (46)، بلفظ: ((شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ))، عن ابن عباس رضي الله عنه.
  4. صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم: (745)، (3/30)، سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب في الدعاء في الركوع والسجود، رقم: (878)، (1/ 294)، بلفظ: ((عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره))، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
  5. سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب الاستغفار، رقم: (3948)، (11/ 409)، عن أَبِي مُوسَى.
  6. مسند أحمد، رقم: (22253)، (22/ 76)، المستدرك للحاكم، رقم: (33)، (1/ 14)، المعجم الكبير، الطبراني، رقم: (7540)، (8/ 117)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5506)، (12/ 234)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه.
  7. سيرة ابن هشام (5/ 213)، والحديث بطوله ذكره البخاري، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك وقول الله عز وجل {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}، رقم: (4156)، (4/ 1603)، مسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: (2769)، (4/ 2120)، بلفظ: ((قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: ((لا، ولكن لا يقربك))، قالت: "إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا"... إلخ))، عن كعب بن مالك رضي الله عنه.
  8. ورد الحديث مرفوعًا في أمالي ابن بشران برقم: 47 عن قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلا بِالتَّحَلِّي، لَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ الْفِعْلُ، الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ، وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ، فَعِلْمُ الْقَلْبِ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى بَنِي آدَمَ ". وورد مقطوعًا عن قتادة وعن الحسن انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج: 9 ص: 559 ومعالم التنزيل تفسير البغوي عند تفسير سورة فاطر الآية 10. وورد في: حلية الأولياء: أبو نعيم، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (3/272). وورد عن الحسن رضي الله عنه: ((ليس الإيمان بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي، ولكنَّ الإيمان ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل)) شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (65)، (1/158).
  9. صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43).
  10. سنن أبي داود، عن عائشة، أول كتاب الأدب، باب في الغيبة، رقم: (4875)، بلفظ: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)).
  11. ) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الغيبة، رقم: (4875)، (2/ 685)، بلفظ: ((عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" قالت وحكيت له إنساناً قال "ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا")).
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {وكذلك أخذ ربك..}، رقم: (4686)، (6/ 74)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2583)، (4/ 1997)، بلفظ: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته))، عن أبي موسى رضي الله عنه. صحيح ابن حبان، كتاب الغصب، ذكر البيان بأن الله قد يمهل الظلمة والفساق إلى وقت قضاء أخذهم فإذا أخذهم أخذ بشدة نعوذ بالله منه، رقم: (5175)، (11/ 578)، بلفظ: ((إن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم ينفلت)) ثم تلا {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ})).
  13. حديث: (علماء فقهاء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) حلية الأولياء، أبو نعيم، (9/279)، و(10/192)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371)، عن سويد بن الحارث الأزدي. تخريج زاد المعاد، لشعيب الأرنؤوط: (3/587).
  14. صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم: (304)، (1/ 314)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، رقم: (250) ، (1/ 61)، بلفظ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا))، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه.
  15. الترغيب في فضائل الأعمال، رقم: (478)، ص: (138).
  16. أخرجه الهندي في كنز العمال عن "ابن النجار". رقم: (1045) عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه فمر بهم رجل مجنون، فقالوا: هذا رجل مجنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه المجنون المقيم على معصية الله تعالى، ولكن هذا رجل مصاب". وتاريخ دمشق لابن عساكر "رقم (10437) (40/159).
  17. الترمذي، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رقم: (3686). وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، رقم: (519)، (1/356). والمستدرك، الحاكم، رقم: (4495)، (3/92).
  18. كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني (2/419)، بلفظ: ((أنا وأبو بكر كفرسي رهان)).
  19. الحديث رواه البيهقي في موضعين الموضع الأول: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ أَقَرِيبٌ أَنْتَ فَأُنَاجِيكَ أَمْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا مُوسَى، أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي، شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (670)، (2/171)، قال المتقي الهندي: "(ابن شاهين في الترغيب في الذكر عن جابر) كنز العمال، رقم: (1865)، (1/432). والموضع الثاني: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ: "أَمَا تَسْتَوْحِشُ مِنْ طُولِ الْجُلُوسِ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: وَمَا لِي أَسْتَوْحِشُ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي" شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (697)، (2/182)، عن محمد بن النضر. وورد الحديث في: حلية الأولياء، أبو نعيم، (8/217).
  20. صحيح البخاري، عن أبي هريرة، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6502)، ونصه: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)).
  21. صحيح البخاري، عن معاوية، كتاب العلم، باب من يرد الله عزَّ وجلَّ به خيراً، رقم: (71)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، رقم: (1037).
  22. تعظيم قدر الصَّلاة للمروَزيّ، رقم: (878)، (2/864)، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((أَنَّ رَجُلًا، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «حُسْنُ الْخُلُقِ» ثُمَّ أَتَاهُ عَنْ شِمَالِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «حُسْنُ الْخُلُقِ» ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لَكَ لَا تَفَقَهُ أَوْ مَا لَكَ لَا تَنْقَهُ حُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ أَنْ لَا تَغْضَبَ إِنِ اسْتَطَعْتَ».
  23. سبق تخريجه.
  24. الحلية لأبي نعيم (5/189) و(10/70)، ومصنف ابن أبي شيبة رقم: (34344)، (7/80)، ومسند الشهاب للقضاعي رقم: (466)، (1/285). قال الخطيب في تخريج أحاديث الإحياء: "أخرجه أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من حَدِيث أبي أَيُّوب «من أخْلص لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهرت ينابيع الْحِكْمَة من قلبه عَلَى لِسَانه» وَلابْن عدي نَحوه من حَدِيث أَبي مُوسَى.
  25. صحيح مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أنَّ الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، وأنَّه يأرز بين المسجدين، رقم: (145)، (1/ 130)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بلفظ: ((بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ))، وفي سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، رقم: (2630)، (5/ 18)، عن عَمْرِو بْنِ عَوْفِ، بلفظ: ((إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنْ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الْأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي)).
  26. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، رقم: (3498)، (3/ 1357)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رقم: (2406)، (4/ 1872)، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (934)، (1/315)، والمستدرك للحاكم، رقم: (6537)، (3/ 690)، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، بلفظ: ((لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)). الزهد والرقائق لابن المبارك (1/ 484) ورقم (1375). ونصه: عن ابن جعفر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً يعلم الدين قال له: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من الدنيا وما فيها».
WhatsApp