تاريخ الدرس: 1986/02/21

منبر الدعاة

مدة الدرس: 00:46:01

منبر الدعاة (5): مدرسة سيدنا يونس عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا مُحمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

قصة سيدنا يونس عليه الصّلاة والسّلام

موضوعنا اليوم عن نبي الله سيِّدنا يونس عليه الصلاة والسَّلام، والذي سمّى الله عزَّ وجلَّ باسمه سورة من سور القرآن.. وقد ذكر الله تعالى في القرآن قصص الأنبياء لتكون مدرسة للمسلمين وتعليماً، وليكونوا أسوة لهم ومناراً يهتدون به في ظلمات مسالك الحياة، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أساتذة، وأستاذ مدرستهم التي تخرجوا منها خالق الكون جلَّ وعلا، فهناك شخص أستاذه الخالق وهناك شخص أستاذه المخلوق.. فالتّفاحة التي يصنعها الإنسان تكون من “البلاستيك” أو الجبصين.. يعني لا تحتاج أنْ يعضّها الرّجل أو يمضغها أو يتذوّقها؛ لأنَّ البضاعة معروفة سلفاً، وكذلك تماثيل النّساء التي يُلبِسونها أحسن الثّياب؛ لأنّها من صنع المخلوق، أليس كذلك؟ فصنع الخالق مختلف.. والأنبياء عليهم السلام دخلوا في مدرسة الله سبحانه وتعالى وتخرّجوا وأخذوا شهادة من الله عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ [النساء: 166] ولمـَّا نزلوا لميدان العمل حمَّلهم رسالة ليبلّغوها للنّاس بالقول وبالعمل وبالقلب المليء بنور الله عزَّ وجلَّ.. وهذه طاقة.. يوجد كلام يخرج وكلّه نور، فالقلوب المستعدّة الطّاهرة تسمع بالأذن والقلب مفتّح فيمتلئ القلب نوراً ويُغمَر، ويوجد كلام يخرج من قلب ميّت أسود مُنتن يملأ القلب ظلمات وإنتاناً.. فهناك مسجد أُسِّسَ على التقوى وهناك مسجد الضِّرار؛ مسجد صارت الصَّلاة فيه بألف صلاة، ومسجد الضِّرار أُمِرَ النَّبي صلى الله عليه وسلّم بحرقه.

بعثة الأنبياء لتحقيق السّعادة للبشريّة

فالأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام تخرَّجوا من مدرسة الله تبارك وتعالى ليكونوا أساتذة للبشريّة، والله عزَّ وجلَّ ذكر نماذج منهم، وكل واحد في حياته نموذج لناحية من نواحي الحياة لتتحقّق سعادة الإنسان في حياته؛ فالسّعادة ليست بالمال، فكثير من الأغنياء ينتحرون، وليست بالجاه والسّلطان، فكثير من الحكّام والملوك أيضاً ينتحرون، ولا بالجمال فهناك جميلات وجميلون ينتحرون.. السّعادة شيء في النّفس يُشعِر بالرّضا والغبطة والسّرور الدّاخلي، فالله عزَّ وجلَّ أرسل الأنبياء ليحققوا للإنسان هذه السّعادة الدّاخليّة والتي هي لبّ السّعادة، وأيضاً ليحققوا له ظاهر السّعادة، ولم يُكمِل أحدٌ السّعادةَ من كلّ الوجوه للبشريّة إلّا سيِّدنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ كان الأنبياء يأتون لإصلاح الشخص وأسرته والمجتمع، بدءًا من نوح عليه السَّلام، فلم يخرج معه غير سبعين رجلاً، وإبراهيم عليه السَّلام هرب من النّمرود وما كان معه مؤمن إلّا ابن أخيه لوط عليه السَّلام، وأراد النّمرود حرقه فخرق الله تعالى له القانون وجعل له قانوناً استثنائيّاً فقلبَ النار عليه برداً وسلاماً، وموسى عليه السَّلام هرب من فرعون والبحر أمامه وصار بين هَلاكَيْن، فتدخّل الله تعالى وفلق له البحر، وسيِّدنا عيسى عليه السَّلام لو بقي أيضاً لكانوا صلبوه، أمّا سيِّدنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلّم فكمّلَ للإنسان كلّ طموحاته في الحياة على أكمل الوجوه، فأتى ليس معلّماً للأخلاق ولا للإيمان ولا للحياة الشّخصية والعائليّة والمجتمع فقط؛ بل أتى ليعلِّم الناس قيادة الدَّولة والسّياسة وبناء الأمّة الراقيّة، ولذلك قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110]، ليس فقط أمَّة، فيصير مثل اليهود “الشّعب المختار” ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىْ الْعَالَمِيْن [الجاثية: 16]، لا.. فالله عزَّ وجلَّ قيّدها وقال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والخيرية تأتي من هذه المعاني.

الدّاعية يبقى داعياً حتّى يتوفاه الله تعالى

سيِّدنا يونس عليه السَّلام أرسله الله تعالى معلّماً لأمّته، وهل هي قرية أم بلد؟ هي نينوى، ولعل نينوى في ذلك الوقت كانت مثل منطقة القابون القديمة، [منطقة وحيّ في مدينة دمشق] واشتغل بالقوّة الرُّوحيّة والحكمة العقليّة الإلهيّة والسّلوك النّبوي الممتاز.. فما آمنوا به، وربما لعشرات السّنين.. فملَّهم وضَجِر منهم، ولم يكن له راتب.. كان راتبه أنّهم يؤذونه ويسبّونه ويهزؤون به ويُعرضون عنه ويُتعِبونه ويسهّرونه ويشتمونه، فأدار ظهره ومشى، قال الله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً [الأنبياء: 87]، أنت موظّف من قِبَل الله عزَّ وجلَّ، ويجب أنْ تؤدّي الرسالة وتُبلّغ الأمانة إلى منتهى وقت الدّوام، وينتهي وقت الدّوام بخروج الرُّوح، فما دام النَّفَس يخرج ويدخل فلا زلت أنت ضمن مدّة الدّوام.. ((لا راحة لمؤمن دون لقاء وجه ربّه)) 1 .. فإذا كان موظفاً وهربَ يصير مُلاحَقاً ومسؤولاً ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه [الأنبياء: 87] وهذا ليس من القدرة التي هي ضدّ العجز، وهنا “نقدر” يعني نُضَيِّقَ، فظنّ أنْ لن نؤاخذه ولا نضيِّق عليه ولا نعاقبه.. إنه نبي ورسول، وربَّما بقي عشرات السنين وبلا مقابل، ومع كلّ أنواع الإعراض والجفاء والإيذاء، فالحق معه بحسب قاموس النّاس، أمَّا بحسب قاموس الله عزَّ وجلَّ فما دامت الرُّوح بالجسد يجب أنْ تشتغل.

﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات: 142] مُليم: يلوم نفسه.. شعر أنَّه بهذه العملية قد سلَّط الله تعالى الحوت عليه.. بعث الله عزَّ وجلَّ له شرطيّاً بحريًا، ووضعه في زنزانة بحريّة أيضاً وليست برّيّة، وغاص به في أعماق البحر، ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ [الأنبياء: 87] فعند الالتقام عرف فلام نفسه.

﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ [الصافات: 143] معنى “سبحان الله”: أي يا رب.. أنا أوّلاً أنزّهك أنْ يكون تسلّطُ الحوت عليَّ بغير استحقاق منّي لهذا الجزاء، فهذا منك عدل.. هذا يا بنيَّ درس؛ وهذا الدّرس من أجل أنْ يكون واقعاً من الحياة العمليّة لكلّ طالب علم.. فهل حفظتَ درس نوح عليه السلام وصبره ألف سنة؟ وهل حفظتَ درس يونس عليه السلام لمـّا ملَّ وتضجَّر وترَكَ وظَنَّ ﴿أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه [الأنبياء: 87]؟ هل تظّن نفسك متروكاً؟

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أنت الفعّال.. فليس هناك إله بصفات القادر والعليم وشديد العقاب وسريع الحساب إلّا الله تعالى بصفاته وأسمائه الحسنى، ﴿سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فلستَ أنت الظالم وأنا غير مستحق! ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ [الأنبياء: 87-88] لأنّه لمـّا لام نفسه نَدِم، ومع هذا اللوم والنّدم عزمَ على أنْ يصحح خطأه ويرجع إلى أداء واجبه.. والله عليم بذات الصّدور فلا يحتاج إلى تقديم طلب ولا طوابع، فقلبك فيه استدعاء.. متى ما كان قلبك فيه هذا العزم الصّادق فالله سيطّلع، وإذا كنت صادقاً فيستجيب الله لك: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ فبمثل هذه العقوبة نعاقب المؤمن، وبمثل هذا النّدم وهذا الرجوع عن الخطأ إذا ظهر من المؤمن- كخطأ وندم وتراجع يونس عليه السَّلام عن تركه لواجبه، وكنجاته من ذلك الغمِّ ومن ذلك القبر ومن قلب الحوت حيث كان ذلك كلّه خارجاً عن طاقة يونس عليه السَّلام ولا قِبَل له به- ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.

هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه)) 2 ؛ فيجب أنْ تصير هذه المعاني فيك مَلَكَة قلبيّة ونفسيّة وروحيّة وسلوكيّة وواقعيّة وعمليّة.. وهذه ليست خاصة بالذي يحمل شهادة أو الذي لا يحمل شهادة، فسيِّدنا أبو بكر رضي الله عنه لم يحمل شهادة والصَّحابة كانوا أميين.. ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة: 2] أميّون بثقافتنا.. وليتنا كنّا نحن أميين بثقافتنا وعلماء بثقافتهم؛ لأنَّ ثقافتنا إلى الآن ماذا أثمرت لنا وماذا أعطتنا؟ وثقافتهم ماذا أنتجت لهم وماذا أعطتهم؟ ليت جوامعهم بديلة عن جامعاتنا؛ لأنَّ هذه الجوامع البسيطة التي كانوا يصلّون فيها على الأرض والتّراب صنعت لهم معركة اليرموك، فدمّروا بستة أيام إمبراطورية عمرها أكثر من ألف سنة.. إمبراطورية الرّوم التي كانت تحكم أوروبا كلّها.

وبمعركة القادسيّة بثلاثة أو أربعة أيام.. حطّموا ودمّروا إمبراطورية الفرس.. حطموا الظّلم والاستعباد والتّخلّف وتحقير كرامة الإنسان.. ألا يقولون حقوق الإنسان؟ هذا كلّه دَجَل، كذّابون، يقصدون حقوق الإنسان الأوروبي، أمَّا الإنسان الآسيوي أو الإفريقي، فيموتون بالملايين ويخلقون في بلادهم الفتن والحروب.. تسيل دماء الشعوب أنهاراً، ويأخذون بضائعهم من البترول وغيره حتَّى يعطوهم عوضاً عنه بضائع الموت والدّمار.

رقي دين الإسلام

فكان الإسلام أرقى ما يتخيّله الإنسان في رقيِّ الإنسان، وأرقى ما يتخيّله الإنسان في سعادة الإنسان، وأرقى ما يتخيّله الإنسان في تعلّم الإنسان العلم النّافع.. الأوروبيون اخترعوا الآن أشياءً لأوّل مرّة تكون في تاريخ الإنسان؛ لكن هل سعدوا بذلك؟ بهذا العلم صنعوا الحرب العالميّة الأولى وبعد ذلك الحرب العالميّة الثانية، وقتلوا عشرين مليوناً.. الحرب الثّالثة إذا حصلت فلن تكون بعدها رابعة؛ لأنّه لن يبقى بعدها إنسان، هل هذا هو العلم؟ أوروبا استعمرت آسيا وأفريقيا، ولمـّا خرجت من البلاد المستعمَرة ماذا تركت فيها؟ الفقر.. والبلد التي كانت بلداً واحداً جعلوها سبعة بلاد وسبع دول.. البلاد العربيّة جعلوها عشرين دولة.. مالي جعلوها سبع أو ثمان دول.. تركوا فيها الفقر والفسق وتخريب الأخلاق والأمراض.

أمَّا الفتح الإسلامي فلم يكن للاستعمار أو التسلّط أو الاستيلاء على أموال الشعوب، “إنَّ الله بعث مُحمَّداً هادياً وداعياً لا جابياً ولا متسلّطاً” 3 ، فبعد خمسة عشر قرناً لا يزال الإنسان الصّيني يشعر بأُخوَّته مع الإنسان الإفريقي، ولا يزال الإنسان على البحر المتجمّد الشّمالي يشعر بشعور الأخوة الإسلامي.. حدّثني شيخ ذهب إلى هناك وهو من ضواحي موسكو- واستغرقت رحلته ثماني ساعات بالطّائرة بشكل متواصل- يقول: فلمَّا نزلت في المدينة- وهو قد ذهب في رحلة سياحية، ولا يعرف عن البلد شيئاً- نزلت في الأسواق فرأوا العمامة والجبّة واللحية، فكأنّ النَّبي صلى الله عليه وسلم نزل عليهم من السّماء، وركضوا، فمنهم الذي يريد أنْ يلمس والذي يريد أنْ يتبارك والذي يريد أنْ يُقبّل اليدين، وقدّموا الذّبائح والولائم والهدايا، وكلّ التوسلات أنْ يقيم عندهم ولا يفارقهم- وهو مفتي جمهورية.. مفتي القسم الأوروبي وسيبيريا كلّها- قال لي: سيبيريا معظم أهلها من المسلمين- إلى البحر المتجمّد الشّمالي وإلى اليابان.. هذه تساوي قارة ونصف.. لا نعرف نحن هذا الشّيء- ولا تزال وإلى الآن هناك طرق صوفيّة في الغابات.. حيث الأذكار والأوراد والشّيوخ والتّقوى والورع والاستقامة، فحين يشعرون أنّك مسلم يعتبرونك أخاهم.

زيارة الشّيخ كفتارو رحمه الله إلى وادي فرغانة

زرتُ وادي فرغانة على حدود الصّين، وهو وادٍ طوله ثلاث مئة كيلومتر وعرضه مئة كيلومتر، وهو كناية عن غابات من الأشجار المثمرة بالشّكل المنسّق العلمي على أحدث ما وصلت إليه الزّراعة، وفي مدينة فرغانة دُعِيت لخطبة صلاة الجمعة، فلمّا انتهينا من الصَّلاة دعونا، وكل جامع فيه دار الضّيافة على هيئة صالونات، وهذا كلّه على الطّراز القديم، وساحة تُقدَّر بألف أو ألفي متر كلّها أشجار مثمرة مظلّلة بأشجار العنب المتدلية عناقيده، وربّما حضر بالمسجد ما يقارب خمسة آلاف إنسان، فأفرجوا لي طريقاً وفتحوا لي صفّاً حتَّى أجتازه إلى دار الضّيافة، وكانوا حوالي مئة رجل لكيلا يحدث ازدحام، وعندما أردت أنْ أمشي رأيت هؤلاء الأشخاص الواقفين كالحرس كلّهم فتحوا أفواههم إلى آخر مدى فدُهِشتُ، وسألتُ المرافق قلت له: لماذا يفعل هؤلاء هكذا؟ قال لي: لأنّك من بلد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ففتحوا أفواههم حتَّى تبصق فيها من أجل أنْ يتباركوا بريقك! قلتُ له: نحن لسنا معتادين على هذا الشّيء وأنا لا يمكن أن أفعله، فقال لي: إذا لم تفعل سيكونون كلّ حياتهم في حسرة ومكسوري الخاطر، وهذا لا يجوز! وماذا ستخسر؟ يعني رأسمالها بصقة، [يقول ذلك سماحته وهو يضحك] قلت له: كيف أبصق بفمهم؟ وكما أقول لكم.. والواقع أبلغ ممّا أتلفّظ وأتكلم! بعد ذلك فكّرت، ورأيت في نفسي ألّا مناص من هذا.. ولكن أيضاً مئة رجل تعني مئة بصقة ولا يوجد بالفم مئة بصقة، فخطر على بالي شيء؛ فقلت له: سوف أضع إصبعي بفمي وأضعها بفمهم فهل يجوز؟ فكر قليلاً وشرد، ثمَّ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنّا إليه راجعون.. ﴿يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء: 37]! وبهذا الشّكل قمنا بحلِّ المشكلة. [يقول الشيخ ذلك وهو يضحك وعلى سبيل المداعبة].

زيارة الشّيخ رحمه الله تعالى إلى الباكستان والهند ومحبّة النّاس له: وكنت في الهند، وقد دُعيت إلى احتفال فيه أكثر من مليوني إنسان.. سمعوا أنَّ مفتياً من بلاد العرب أتى فأتوا لرؤيته.. أكثر من عشرين أو ثلاثين شرطيّاً أفرجوا لي الطّريق بالقوّة، ويوجد مسجد مكشوف وذو طابقين، وبين الطّابق والطابق قريب من متر أو متر ونصف، وضعوني أنا بالطابق العلوي والنّاس من أسفل.. كلّهم ركضوا يريدون أنْ يتباركوا، وكادوا يطؤون بعضهم البعض وتصير فوضى، فما رأيت إلّا شيخاً من بين هذه الصّفوف صاح بلغة لا أفهمها يخاطب الجمهور، الخلاصة.. بعد ذلك رأيته قد خلع لفّته من القماش ورماها مثل عصابات الأمريكان عندما يرمون الحبل ليلتقطوا أحداً، ورمى اللفّة فامتدت قريباً من ستة أو سبعة أو ثمانية أمتار.. طرفها إلى الجمهور والطّرف الثّاني ألقاه إليّ، وأشار لي أنْ أمسكه، فأمسكته، قال لهم: إنَّ هذه اللّفة مربوطة ومتّصلة بالشّيخ فتباركوا بالطّرف الثّاني!

فهذا الفتح الإسلامي الذي مضى عليه أربعة عشر قرناً، وجاء الاستعمار فلم يترك طاقة من طاقاته وحيلة من حِيَله إلّا ليعقم أي أثر للإسلام ليقضي عليه، ومع ضعف كفاءة العلماء في التّربية الإسلاميّة العقليّة والحياتيّة والفكريّة، ومع عجزنا نحن عن تعليم علوم القرآن.. نحن نُعلّم الفقه، فمن الذي لا يعرف كيف يتوضّأ؟ هل نحن الآن في أزمة الجهل بالوضوء أو باستقبال القبلة أو بالرّكوع؟ كنتُ في مؤتمر طهران الأخير قبل أسبوعين وقلت لهم: نحن في أزمة قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء: 92]، فأين فقه هذه الآية؟ نحن في أزمة جهل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الأنفال: 46]، فأين هذا الفقه؟ المسلمون لا يدرسونه لا في مذهب الشّافعي ولا في المذهب الحنفي ولا السّنّي ولا الشّيعي.. أين نحن من فقه قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103]؟ وكان الحديث حول هذا المعنى.

الأصفياء تعجل عقوبتهم في الدّنيا

فإذا قرأنا قصة سيِّدنا يونس عليه السَّلام فهي ليست قصّة، بل مدرسة.. المقصود من يونس عليه السَّلام: يونس عليه السلام الرسول.. رسول الله ونبيّه.. خير خلقه في عصره وزمانه، وبعد عشرات السّنين مع عصمته وكماله وأداء الرّسالة وبلا أيِّ مكافأة ملَّ بعض الملل فعُوقِب.. هل عُوقِب بِشَدَّة أُذُنٍ أم بضربة على الرّقبة؟ بل بزنزانة وسط البحر، ولـمّا دخل في الزّنزانة.. قال تعالى: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات: 142] صار يلوم نفسه وعرف أنَّه مذنب، [من المعروف بداهة أن ذنوب الأنبياء ليست كذنوب باقي البشر، فهي من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين] والأصفياء تُعجَّل عقوبتهم، فسيِّدنا آدم عليه السّلام كان ذنبه الأكل من الشجرة.. “ما الذي حصل وهل خربت الدّنيا؟” هكذا يفكّر بعض المسلمين من موت قلوبهم في فقه القرآن، فيفعل أحدهم ذنوباً مثل الجبال، وكأنّها ذبابة ذَبَّها بيده هكذا وانتهى كل شيء! آدم عليه السَّلام صفيُّ الله عزَّ وجلَّ، خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه.. ذنبه أنه أكل.. لم يَزْنِ أو يشرب الخمر أو يترك الصَّلاة.. وإبليس عَبَدَ الله خمسين ألف سنة، ولكنه بسبب سجدة واحدة ولآدم! لم يمتثل.. ولو أنْ الله أمره أن يسجد لله، لم يمتنع، ولكنه امتنع أنْ يسجد لواحد دونه ابن يوم وهو ابن خمسين ألف سنة [كما كان يفهم].. لم يفهم أنّ الله عزَّ وجلَّ اسمه الحكيم فلا يأمره بالسّجود على أمر لا طائل منه.

نعود لقصة سيِّدنا يونس عليه السَّلام.. فأنتم يا طلاب العلم.. وسورة يونس ليست لطلاب العلم فقط، بل هي لكلّ مسلم ومسلمة.. لكن يا ترى هل نحن دخلنا مدرسة الإسلام؟ لا يصير حداداً إلّا من دخلَ مدرسة الحدادة نظريّاً وعمليّاً وفهم المهنة من أَلِفِها إلى يائها وتلوث وجهه وثيابه، وصبر على غضب مُعَلِّمه، وبقي من الصّباح إلى المساء خادمًا لأستاذه.. ثم تخرّج حدّاداً عِلماً وعَملاً؛ نظريّاً وعمليّاً، وكذلك المهندس والطّبيب.. أما طالب العلم فلا يكون هكذا.. لماذا؟ لأنّنا هجرنا مدرسة القرآن.. ويجب أنْ نفهم القرآن حرفاً حرفاً، ونفهِّمه للمسلمين كلمة كلمة وهدفاً هدفاً وغاية غاية.

فإذا كان نبيّ الله يونس عليه السَّلام ترك الدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، فهذا درس لعموم المسلمين على اعتبار أنَّ الدّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ هي الدرجة الأولى قبل الصَّلاة؛ قال تعالى: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ-والدرجة الثانية- وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة: 71] فكيف إذا كان عالِماً.. والعالم إمام المؤمنين والمسؤول عن إيمان المجتمع! ثم لماذا لا يفكر بثمرة قيام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب؟ بعشرين سنة وبعد خمسة عشر قرناً والعالَم كله يُقدِّسُ اسمه، والعالَم اليوم لا يقبل أبداً إلّا مُحمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقبل إلّا الإسلام.

الاعتراف بنبوة سيدنا عيسى ومحمّد عليهم الصّلاة والسّلام في مؤتمر الحوار بين الإسلام والمسيحية في براغ

منذ أسبوعين كنت في براغ وترأستُ مؤتمر الحوار بين الإسلام والمسيحيّة، وحضر المؤتمر عشرون من كبار رجال الكنائس، وخرجنا ببيان مكتوب وأُذيع في كلّ وسائل الإعلام في براغ على أنّنا اتفقنا على أن لا إله إلا الله، وأنَّ يسوع الرّسول- ليس ابن الله، ولا اليسوع الذي هو الإله- والنَّبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم أصحاب رسالتين من عند الله عزَّ وجلَّ، وتكرّر هذا المعنى في بيان أكثر من مرّة.. هؤلاء رجال كنائس وليسوا أناساً عاديّين.. وذُكِرَ في البيان أنّه لأوّل مرّة في تاريخ الدّينَين يحصل مثل هذا الاتّفاق، وقد قرأتُ لكم البيان في الجمعة الماضية.. لكن الإسلام غائب عن المعركة؛ ما الإسلام؟ الإسلام أنتم، من كان يمثل الإسلام في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ الإسلام هو النَّبي صلى الله عليه وسلم.. فالمشمش هو شجرة المشمش.. تقول عن الشّجرة: انظر إلى المشمشة، أليس كذلك؟ وتقول عن خشب الحور وشجرته: انظر إلى الحوْر.. الإسلام هو المسلم.. الحِدَادة هي الحدّاد.. الحلويات هي الحلواني.. فإنْ وُجِد الحلواني وجدتْ الحلويات، وإذا فقدنا الحلواني فلا توجد حلويات.. وحالنا هنا مثل أرض بَوار ووعر فيها أشجار الشّوك ذات عمر الخمس مئة سنة وبجذور تحتاج إلى جرارات من قوة خمس مئة حصان حتَّى تقلع الصخور وتُحوِّلها إلى أرض زراعيّة، أمَّا الحال في أوروبا فكلُّ الجذور مهيّأة وكل الجذور مقلوعة.

وقد حاورت كبارَ كبراء الشّيوعيين في جامعاتهم وفي الكرملين، ودُعيت في موسكو وألقيتُ محاضرة في أكاديمية العلوم عن الإسلام وحاوروني عليها.. وبعد أسبوع راجعت الوزير السّوفييتي فقال لي: الأكاديمية مفتوحة لك في كلّ وقت تريد.

العالَم يبحث عن الإسلام

إنّ هذا الوقت هو وقت الإسلام.. كان الحنفي قبل خمسين سنة لا يصلي وراء الشّافعي، أمَّا الآن فقد زال هذا التّعصّب، ولكنه لم يذهب على أساس العلم والتّسامح، بل على أساس التّساهل وضعف الدِّين، وكان الواجب أنْ يزول على أساس العلم والتّسامح.. ولماذا يتعصب الشّافعي أو الحنفي؟ الآن صار السّنّي يسلّم على الشّيعي، وقبل ذلك كان كلّ واحد يُضمِر للثّاني أسوأ النّوايا والأحقاد.. والأوروبي اليوم هو من يبحث ويشعر بالجوع الرُّوحي، ويرى المادة وملياراتها فلا تُشبِع جوعه النّفسي.

ذكر لي أخ من إخواننا عن أخ عراقي من كبار تجّار البترول- كأنّه أُتخِم بالمال فشعرَ بجوعه الرُّوحي- ذهب إلى الهند ليلتقي ببعض الرُّوحانيين من البوذيين- بحسب ظنّه أنَّ هؤلاء لهم حياة روحيّة- وذكر له طلبه، فقال له: ما هو دينك؟ قال: أنا مسلم، فقال: إنّ طلبك ليس عندي، والذي تطلبه ليس موجوداً عندي، بل هو موجود في دينكم.. هذه الحياة الرُّوحيّة مفقودة في الكليّات والجامعات الدينيّة.. صرنا كأننا نُعلّم الحلواني بالكلام فقط.. الطّبيب يتعلّم بكلّيّة الطّبّ نظريّاً وعمليّاً، حيث يأتون بجثث الموتى فيشرحونها أمام الطلاب ويأخذونهم إلى مشافي الحكومات، فيدرّبونهم على أعمال الطّبّ العمليّة بإشراف أساتذتهم.

الله عزّ وجلّ يعطي أكثر ممّا تطلب

فلا بد أنْ يصبح لدى طالب العلم علم بالله عزَّ وجلَّ وقلب يصله بالله تعالى.. شيخنا قدس الله روحه كنّا نسمع منه يقول: دعوتُ الله عزَّ وجلَّ عند الـمُلتزَم بثلاث دعوات، ولم أفارق الملتزم حتَّى استُجِيبتْ دعواتي الثّلاثة.. هل هذه كلمة قليلة؟ كيف عرف؟ هل هو كذب؟ عاش طوال حياته على أتقى وأورع وأحسن ما يكون من الاستقامة وتربية الجيل.. ربّى من كبار طبقات أبناء دمشق.. الدّعوات الثلاث: واحدة أنْ يكون خليفته من صلبه، فأكرمني الله عزَّ وجلَّ وأسأل الله أنْ يجعلني أهلاً لما رجا ودعا، الثّانية أنْ يوسّع الله سبحانه له هذا الجامع، حيث كانت مساحته سبعين متراً مربعاً، فدعا الله تعالى أنْ تكون حدوده بالتي هي عليه اليوم، لكنه لم يطلب سبع طوابق، بل كان يظن طابقاً واحداً، [الدعوة الثالثة للشيخ أمين قدس الله سره أن يكرم كل من صدق مع الله من تلامذته ومريديه بالمغفرة وبالاجتماع في جنة الله.. نسأل الله أن يجعلنا منهم بجوده وكرمه].. فإذا صدق العبد مع الله عزَّ وجلَّ لا يعطيه طلبه، بل يعطيه فوق ما يطلب.. طلبتُ من الله تعالى أشياء كثيرة، فلم يحقّق الله جل شأنه طلباتي، بل حقّق لي فوق ما أريد.. اصدقوا مع الله يا بنيَّ.. كونوا مسلمين إسلام الحق.. فالعِلم من الإسلام، وعمارة القلب بالله عزَّ وجلَّ من الإسلام، والإعراض عن لغو العمل والقول ولغو الفكر ولغو الحديث من الإسلام، فلا تُصاحب أهل اللّغو ولا تجلس في مجلس اللّغو ولا تبحث عن اللّغو، فالمؤمن لا توجد ثانية في حياته يصرفها إلّا في عمل مفيد أو دفع عمل ضار.

نعود لسيِّدنا يونس عليه الصَّلاة والسَّلام.. وهو بمكانته من الله عزَّ وجلَّ رجع، فلمـّا رجع آمن به مئة ألف أو يزيدون ﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات: 148] فالثّمرة تأتي في المرحلة الأخيرة وتحتاج القليل من الصّبر، فلا تعرف متى يأتي النّصر والتّأييد الإلهي، فيجب علينا نحن ألّا يهمّنا شيء، وعلينا أنْ نُؤديَ الواجب.. وإذا صدقتم فكلمة أحسن من ألف كلمة، وساعة خير من ألف ساعة، وليلة القدر خير من ألف شهر.. فالواجب أن يصير لكم قلب مع الله تعالى ذاكراً ومتبتّلاً وخاشعاً ومخبتاً ومنيباً.. وهذا يحتاج إلى الطّهارة القلبيّة التّامّة والتّوبة الصّادقة، ليس عن ذنوب أعمال البدن فقط، فهذه ذنوب الحيوانات وذنوب الإنسان الحيواني، أمّا طالب العلم.. فكما يقول ابن الفارض

وَإِنْ خَطَرَتْ لِي فِي سِوَاكَ إِرَادَةٌ عَلَى خَاطِرِي سَهْواً حَكَمْتُ بِرَدَّتِي

أليس هذا علماً؟ ففكره وقلبه وعمله وأخلاقه وصفاته ورفيقه ومجتمعه وكلامه صار مقدّساً.. هذا طالب العلم.. النّار أينما وضعتها تُحرِق، ولو كانت على شيء لا يحترق مثل البلاط فأيضاً يُحرِق.. ضع يدكَ على البلاط والنّار عليها، فمن المجاورة تأخذ صفات المصاحبة، فاجعل قلبك يُصاحِب الله عزَّ وجلَّ ويُجالِس الله تبارك وتعالى.. جالس الثّلج تجري فيك برودته، وجالس النّار تسري فيك حرارتها.

كنت في بعض الأوقات- منذ ثلاثين أو أربعين سنة- أذهب إلى بائع اللّحم، فأقف بعض الوقت حتَّى آخذ اللّحم، فروائح اللحم تدخل في الثّياب، فعندما أدخل البيت تأتي قطط البيت يشمّون الرّائحة التي لا يشمّها أنفي وأعصابه! كذلك لمّا تجالس الله تعالى تأخذ من حكمته وعلمه ونوره وجماله وقوّته وسلطانه ووداده وصبره وشكره ومن كلّ صفاته، فطالب العلم يجب أنْ يركِّز على هذه الصفات.. وهذه لا يدرّسونها في الكليّة، هذه الرُّوح.. فإذا أتيت بأمّ كلثوم وهي جنازة وبلا روح.. كم شخص يحضر حفلتها ويسمع موسيقاها؟ هل يأتي أحد؟ بل يهرب! فلا تكن شيخاً مثل أمّ كلثوم عديمة الرُّوح والنّاس يهربون منها، ولكن إذا كانت أم كلثوم بروحها وغنّت بصوتها تصير كوكب الشّرق. [من أسلوب سماحة الشيخ في محاضراته أن يضرب الأمثلة من واقع الناس وما يدور في أيامهم، وفي زمن إلقاء هذه المحاضرة كانت المغنية أم كلثوم بالغة الشهرة، وكان كثير من الناس يسمعون غناءها، ويسمونها كوكب الشّرق].

العالَم مهيأ للدخول في الإسلام

نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا الفقه في الدّين والفقه عن الله تعالى وعن كتاب الله.. وأنا بحسب ما مارست ورأيت في أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفيتي وجدتُ العالَم الرّاقي كلّه مهيّأً للإسلام، ولا يوجد شيء يقف أمام الإسلام لا الشّيوعيّة ولا غير الشّيوعيّة.. لقد حاورت كبار الشّيوعيين في موسكو من سياسيين وعلماء.. ومنذ يومين كان عندي ثلاثة سفراء، وكان الواحد مهم يدخل بوجه ويخرج بآخر، وبعضهم دخل منقبضاً وكان عجوزاً، فلمّا خرج كلّ ذرّة في وجوده أشرقت بالجمال والسّرور والسّعادة.

لذلك جِدّوا واجتهدوا.. وقد تمرُّ على المؤمن أيام الصّبر والشِّدّة.. جعل الله عزَّ وجلَّ للسنة أربعة فصول.. إذا ذهبنا الآن- في فصل الخريف- إلى البساتين، حيث لا يوجد فيها ورق ولا خُضرة ولا زهر ولا ثمر، فلا نتركها لأنّها فارغة ونترك كلّ شيء فيها وندير ظهرنا ونمشي؛ بل لنصبر إلى الرّبيع ليخرج الزّهر وبعد ذلك الورق وبعد ذلك يبدأ بالظّهور الثّمر الفجّ غير النّاضج، ثمّ ينضج شيء في أوّل الصّيف وآخَرٌ في وسطه وآخَرٌ بآخره.. يعني إذا جاء المشمش بأوّل الصّيف فلا يحزن السّفرجل ويقول: لماذا أنا لم أنضج؟ أنت جعلك الله عزَّ وجلَّ لآخر الصيف.. لكلّ أمّة أجل ولكلّ أجل كتاب.

جعلكم الله يا أبنائي من الدّاعين إلى الله عزَّ وجلَّ ومن الدّاعيات الصّادقين مع الله بأعمالكم وأحوالكم وقلوبكم، وجعل عملنا خالصاً لوجه الله سبحانه، وجعلنا على قدم سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوانه الأنبياء والمرسلين.

والحمد لله رب العالمين

Amiri Font

الحواشي

  1. رواه ابن المبارك في "الزهد" (17)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/136) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ رَاحَةٌ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل". والحديث روي مرفوعًا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وحكم عليه أهل الحديث بالصحة.
  2. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه، رقم: (5027) عن عثمان رضي الله عنه.
  3. قال عُمَرُ بن عبد العزيز: "إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَابِيًا". البداية والنهاية، (9/213).
WhatsApp