تاريخ الدرس: 1991/02/15

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:27:56

سورة محمد، الآيات: 32-38 / الدرس 11

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل التحيّات والصلوات على سيِّدنا مُحمَّد خاتم النبيين، وعلى جميع إخوانه من النبيين، وسيدنا موسى وعيسى، وأبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أهلهم وأصحابهم ومحبيهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

معاداة الكفار للنبي ﷺ

فنحن في تفسير بعض آيات من سورة سيِّدنا مُحمَّد، صلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آل سيِّدنا مُحمَّد، سبق معكم تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ [محمد:32]، يعني عادوا النَّبيَّ ﷺ، فجعلوا أنفسهم في شِقَّة وطرف، والنَّبيُّ ﷺ في شقة وطرف، وقاتلوا النبوة والرسالة والسعادة التي جاءهم بها ليكونوا خير أمة وخير جيل، وليكونوا رحمةً لكل شعوب العالَم، فرفضوا رسالته، وكفروا ولم يصدِّقوا ولم يمتثلوا ولم يطيعوا، وعادوا، ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [محمد:32].

ولم يكتفوا بكفرهم، بل حاربوا رسالة الله عزَّ وجلَّ المجسَّمة والمنعكسة في مرآة رسول الله ﷺ، فصدُّوا النَّاس عن سماع الرسالة وعن قَبولها وعن الإيمان بها، سواء بالتشكيك بأنْ يشكِّكوا النَّاس بالرسالة والرسول ﷺ، أو بالتكذيب كأنْ يقولوا: إنَّه كذَّاب، وتارةً يقولون: إنَّه كاهن، وتارةً يقولون للناس: إنَّه شاعر، وتارةً يقولون: إنَّه يأتي بأساطير وخرافات الأولين، واستعملوا كل الوسائل في الترغيب ليصدُّوا النَّاس ويمنعوهم من الدخول في مدرسة العلم والحكمة ومكارم الأخلاق وسعادتهم وسعادة العالَم بهم، وقاموا بكل وسائل الترغيب، وكل وسائل الترهيب؛ من التعذيب والتحريق والسجون والمطاردة، حتَّى اضطروهم للهجرة إلى إفريقيا.

ولقد عذَّبوهم بالسجون وبالتجويع وبالتحريق، حتَّى كانت تنطفئ النيران في ظهورهم مما يذوب من شحوم أبدانهم، ولكنَّ الإيمان بمعناه الحي يكون بعد أنْ يدخل في مدرسة العقل والفكر بالاقتناع والقَبول، وهذا بداية الإيمان، وأمَّا جذره وجذوره وعمقه وحقيقته فأنْ يتصل بالروح، فتحيا روحك الحيوانية التي مهمَّتها حياة الجسد، تحيا بالروح الإلهية، وتَتَنَزَّل على روحك روح القدس: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [النحل:2]، فللأنبياء روح عالية، وللأولياء روح دون ذلك، ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].

عام الحزن وفَقْدُ الرسول ﷺ عمه وزوجته

﴿وَشَاقُّوا الرَّسُولَ [محمد:32]، عادوا النَّبي ﷺ أيضًا، وكان في حماية عمه أبي طالب، ومعونة زوجته خديجة رضي الله عنها في الداخل، ومعونة عمه في الخارج، ففَقَدَ المساعدَين؛ وزير الداخلية ووزير الخارجية، فسمَّى عامه ذاك عام الحزن.

وتزوَّج ﷺ بعد خديجة رضي الله عنها بزوجات، وكان يقول: ((ما أُوتِيتُ خَيْرًا مِنْهَا)) 1 ، وكانت تكبره بخمس عشرة سنةً، إشارةً إلى أنَّ جَمال المرأة ليس بلونها ولا بجلدها، بل جَمال الإنسان بعقله وقلبه وأخلاقه وسلوكه وحكمته، ((إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ)) 2 .

الحسد والاستعلاء يمنع النفع

قال: ﴿كَفَرُوا [محمد:32]، وصاروا يمنعون النَّاس عن الهداية، ويعادون النَّبي ﷺ من بعدما تبيَّنت لهم الحقائق، وظهرت كشروق الشَّمس وعلوِّها في كبد السماء، ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146]، يوجد علم لكنَّه علم لا ينفع، لأنَّ بينه وبين النفع أنانية الحسد أو الاستعلاء، أو حب الزعامة والقيادة، ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146]، ﴿اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43].

وما الهوى؟ هو مصالحك الشخصية وأنانيتك وظهورك، وحبك للمظاهر والزعامة، هذا كله من الأهواء والهوى، وهذا صار ليس مشرِكًا، بل موحِّدًا، ولكنَّه ليس موحِّدًا لله عزَّ وجلَّ، بل موحِّدًا لهواه فلا يعبد إلَّا أناه، والإسلام الحقيقي أنْ تَخرج من الأنا إلى التقوى، وإلى امتثال أوامر الله عزَّ وجلَّ التي ما هي إلَّا لسعادتك، وإلى اجتناب محارم الله عزَّ وجلَّ التي ما هي إلَّا مَهْلَكَتك وشَقَاوَتُك.

الإسلام دين وحضارة وحال المسلمين اليوم

الله عز وجل يقول: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7]، هذا الإسلام أتى لأمةٍ ليس لها حضارة كحضارة الفرس والرومان، وليس عندها ثقافة، وليس لديها دين إلَّا عبادة الأحجار التي تقطعها من الجبال وتنحتها بأيديها، ثم تجعل تلك الأحجار تقود عقولها، فأيُّ أمة هذه الأمة! ولم تكن تقرأ ولا تكتب، ولا مدارس فيها ولا فلسفة ولا أي شيء، ومنها خرج أبو بكر وعمر وعثمان وعليٌّ رضي الله عنهم، ووصلت الرسالة إلى حدود الصين وإلى قلب أوروبا بأقل من مئة سنة.

نحن الآن العرب ومعهم المسلمون نبلغ مليار إنسان، وعندنا آلاف الجامعات والكليات والدكتوراه والحكومات والدول، وقد حدث الاستقلال من بعد الحرب الثانية، وإلى أين وصل العرب أو المسلمون؟ هل هم في مكانهم أم يتقهقرون أمام الأمم؟ الأمم تتقدم، وهم حيث هم، فمن حيث الوحدة لم يتوحَّدوا، ولم يتقدَّموا كما تقدمت الشعوب بعد الحرب، وكثير من الشعوب تقدَّمت في الحضارة والتكنولوجيا وفي أمور كثيرة، حتَّى صارت تضارع الأمم الراقية، أفلا يجب التفكير في هذا ودراسته وتفحُّص أسبابه؟

لقد أتى الإسلام والعرب بهذا الشكل؛ أتى الإسلام المجسَّم بشخص النَّبي ﷺ، والذي كانت حياة روحه بروح الله عزَّ وجلَّ، وحياة عقله بحكمة الله عزَّ وجلَّ، وكان سَيْرُه بقوانين الله عزَّ وجلَّ، فثقَّف العرب بعشر سنوات في مكة.

أهمية المسجد في تخريج الرجال

فهل وَضَع الجامعة؟ لا، بل وَضَع الجامع، فالجامعة أنثى -مع احترامنا للمرأة- وكما يقولون: “امرأة ربَّت ثورًا فلم يحرث”، [يقول سماحة الشيخ المثل على سبيل الطرفة]، مع احترامنا للمرأة، فهناك من النساء مَن تُساوي آلاف الرجال.. ولكن الجامع هو الذي رفع العرب وجعلهم سادة العالَم، وهم الذين قدَّموا بذور النهضة لأوروبا، فتقدَّموا وتحضَّروا ورَفَعُوا، فهل هذا بالجامعة أم بالجامع؟ الجامعة بلا جامع أَرْمَلة، فهل تحبون أنْ تتزوجوا بِكْرًا أم أرملةً؟ وكيف إنْ كانت أسنانها مَقْلُوْعة ولا ترى بعينيها بشكل جيد.

وكذلك لا يوجد جامع، يوجد جدران وسقف، وجامع النَّبيِّ هو النَّبيُّ ﷺ، وجامع النَّبيِّ بعد النبي ﷺ هو أبو بكر رضي الله عنه، وجامع النَّبيِّ ﷺ بعد أبي بكر رضي الله عنه هو عمر رضي الله عنه، لكنْ ما هو جامع النَّبيِّ ﷺ الآن؟ لا يوجد فيه شيء، بل يزورونه: “السَّلام عليكم يا رسول الله”، ويصلُّون كما يصلي المسلمون في العالَم، ولا يوجد أكثر من ذلك، أمَّا الجامع الذي لم يَرْفَع العرب فقط إلى الجَوْزاء، بل رفع شعوب العالَم، فكان عظماء العلماء في العالَم الإسلامي بدءًا من حدود الصين إلى إسبانيا، ولم يَقْصُرهم على العرب ولا على العجم ولا على الأتراك، ولا على بخارى ولا على الصين، فكان هيئة أمم صادقة حقيقية مساواةً وعدلًا، ((لا فَرقَ بَينَ عَربيّ وأَعجميّ، ولا بَينَ أَبيضَ وَأَسودَ)) 3 ، إلَّا بالعلم والعمل والبذل والتضحية والأخلاق والسلوك.

ضرر الغفلة عن رؤية عظمة الله تعالى

الله تعالى يخبر النَّبيَّ ﷺ عن هؤلاء بأنَّهم كفروا وسبُّوك وعادَوك، وبعدما أنرتَ لهم كل الأضواء لا يريدون أنْ يروا، والآن إذا قال شخص: أنا لا أريد أنْ أرى، ووضع يديه على عينيه، فماذا يمكننا أنْ نفعل له؟

قال تعالى: ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا [محمد:32]، بالتأكيد، فإن الله عزَّ وجلَّ خالق الكون وخالق المجرات وخالق النجوم، وكل نجم تكون أرضنا أمامه ذَرَّة، وهي أحقر من جناح ذبابة، فهل سنضر الله عزَّ وجلَّ؟ ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ [محمد:32]، يعني لن يضروا دين الله، ولن يضروا رسالة الله، ولن يضروا حامل هذه الرسالة، ولن يضروا أعوانه الذين هم جنود ذلك القائد، ولن يهزمهم الذين كفروا وصدوا وشاقوا.

﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ [محمد:32]، لقد جعل الله عزَّ وجلَّ نفسه بمَظْهَر النَّبيِّ ﷺ والصحابةِ رضي الله عنهم وجهادِهم ودعوتِهم وإسلامِهم.

معنى إحباط العمل

﴿وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32]، الإحباط في اللغة العربية من صفات الحيوان، فالحيوانات التي ترعى تأكل من بين النباتات نباتًا سامًّا، حيث يوجد حشائش سامة، وعندما تأكل هذا الحشيش السام تنتفخ بطونها، فمن يراها يظنها حبلى بتوأمين، وفي الحقيقة فإن السم يملأ جوفها وتنتهي بهلاكها.

وكذلك أعمال هؤلاء في الكفر والصَّدّ عن سبيل الله عزَّ وجلَّ ومعاداة الرسول ﷺ بعدما قامت الحُجَّة وتبيَّن الطريق، فكل أعمالهم التي يعملونها ضد النبي ﷺ وضد دين الله وشرعه مهما عظمت، ومهما فعلوا من مكائد وحروب وأسلحة وجيوش سيُحْبِطها كما يُحْبِط ويِقْتُل المواشيَ تلك الحشائشُ السّامَّة.

المرتدون بعد الرسول ﷺ

وبعد الرسول ﷺ فهذه ليست خاصة بالرسول، بل لكل من ناب عن الرسول ﷺ.. فبعد الرسول عادى العربُ أبا بكر رضي الله عنه أيضًا، فارتدوا وجَمَعُوا ضدَّه أعمالاً عظيمة، حتَّى انتفخت جيوشهم وأسلحتهم، مع أنَّهم لم يقولوا: “نحن نكفر بالله وبرسول الله”، بل قالوا: “نصلي ولا نزكي”، فلم يكفروا الكفر الكلي، بل قالوا: “سنمنع الزكاة فقط”، ولكن لا تسير السيارة بلا عجلات، ولا تسير بلا بطارية، ولن تصل السيارة بالدفع إلى مكة.

وكذلك صَدَّ الذين كفروا في زمن خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه، وعادوا رسالة النَّبيِّ ﷺ وخليفة النَّبيِّ ﷺ، وكذلك عادوا مَن بَعدَه؛ عثمان وعلي رضي الله عنهما وصلاح الدين ونور الدين، وعادوا كلَّ من قام بالدولة الإسلامية أو الدعوة الإسلامية.

ولكن مهما عملوا من أعمال عظيمة في تخريب دين الله، أو تخريب الدعوة إلى الله، سواء في زمن النَّبيِّ ﷺ أو في أي زمن وإلى قيام الساعة لن يفيدهم ذلك، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7]، ((ومَن آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِحَرْبٍ)) 4 ، ((ومَن حارَبْتُهُ فَقَد قَصَمتُه)) 5 .

دعوة المؤمنين إلى طاعة الله ورسوله

وبعدما بيَّن الله عزَّ وجلَّ حال الكفرة المركَّبين من الجهل والحَمَق والأنانية والمطامع الشخصية الذاتية، رجع وقال للمؤمنين: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ، ولا تكونوا أنتم أعداءً لله مثل أولئك، ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تكونوا مثل الذين شاقُّوا الرسول ﷺ، واحذروا أنْ تَحْبط أعمالكم وتبطل: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33].

وهل ترجع بعد الإيمان، وبعدما يَتبيَّن الهدى، وبعد أن تُعْلِن إيمانك وإسلامك وتدبِر؟ ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ)) 6 ، يعني من النقصان بعد الزيادة، ومن الإفساد بعد الإصلاح ومن الضلال والإضلال بعد الهدى والدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، فحُكم الآيات قائم ومستمرٌّ بدءًا من النَّبيِّ ﷺ، وانتهاءً بآخر من يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ وإلى يوم القيامة.

قَبول التوبة قبل الموت

ثمَّ قال بعد ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عاد ورجع لهم ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [محمد:34]، هذا مفهوم، قال: معهم مهلة للتوبة والرجوع، ما لم تصل الروح إلى الحلقوم، وما لم يغرغر 7 ، فإذا تابوا توبة صادقة بالندم على ما فعلوا وتبديل السيئات إلى حسنات.. وإنْ أساء سرًّا يتُبْ سرًّا، وإنْ أساء علانيةً يتُبْ علانيةً.

وإن للتوبة فقهها وشروطها وأركانها، ولكن المسلم اليوم ليس له هذه المعرفة، يا حسرتي على المسلمين! يظلمون الإسلام بانتسابهم إليه؛ وذلك من رجال الدين ومن الشعب، وإنْ عرف أحدهم شيئًا فهو كمن يأخذ من العروس أُذُنَها، فلا ينتفع من الأُذُن ويشوه العروس، وإنْ أخذ شخص عينيها، فهل سينتفع بعينَي العروس؟ لا هو ينتفع من عينيها ويتركها عمياء، وليته لا يصير زوجًا لها! وإذا كان زوجها الذي سيأخذ عينيها فبئس الزوج، وكذلك إنْ أخذ رِجلَيها من كَعْبَيها، أو أخذهما من ركبتيها.. وهكذا هم المسلمون وهكذا هم النصارى واليهود ورجال الأديان.

دين الله تعالى لكل الناس دون تمييز

الأديان الآن تحتاج إلى ثورة، يعني إلى تجديد ليلتقي دين الله مع قانون الله عزَّ وجلَّ في بصرك، فقانون الله عزَّ وجلَّ في بصرك وعينيك يحكم بأنَّ هذه بيضاء، [سماحة الشيخ يشير إلى طاقية بيضاء أمامه على الطاولة]، وقانون الله بالوحي السماوي لا يمكن أنْ يخالف قانون الله في عينَيك، ويقول عنها: إنَّها سوداء، فيجب أنْ يأتي الدين كجناح ويكون العقل كالجناح الآخر، وبهما يرتقي الإنسان ويعلو في درجات السعادة في حياته الجسدية والروحية والإنسانية والعالمية، لأنَّ الدين من عند الله عزَّ وجلَّ، وإذا كان من عند الله فلا يصير لشعب دون شعب.

إنّ دين الله لكل خَلْق الله، ولإسعاد كل النَّاس، والعدل فيه لكل النَّاس، فلا يتميز إمبراطور عن صعلوك ولا غني عن فقير ولا قوي عن ضعيف ولا رجل عن امرأة، فالنصر والدعم والتكريم للحقيقة، ولو أجمع كل النَّاس على باطل وكان شخص واحد مع الحق والحقيقة، فالإسلام يقول: اتبع ذلك الحق.

أصابت امرأة وأخطأ عمر

في عهد عمر رضي الله عنه لمَّا أجمع المسلمون على تحديد مهر النساء بخمس مئة درهم، ووافق الخليفة والكونغرس ومجالس الشيوخ والأعيان الذين كان يجمعهم مسجد النَّبيِّ ﷺ، وبعدما صار التصويت بالإجماع، قامت امرأة من آخر الصفوف، وقالت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه رئيس الجمهورية والكونغرس ومجلس الشيوخ: “أخطأت يا عمر”، ليس لك الحق فيما تشرِّع من هذا القانون.

بعد الإجماع في الكونغرس أو في أوروبا أو في فرنسا أو في إنجلترا إذا قامت امرأة أو رجل أو اثنان أو تسعة وأربعون بالمئة أمام واحد وخمسين، فهل للتسعة والأربعين كلام؟ أمَّا في الإسلام فلو كانت الحقيقة مع طفل، وكان الألوف على الباطل فالنصرة للحق، من أي مكان ظَهَر وأي لسان نطق.

فقال لها عمر رضي الله عنه: “وكيف؟” وكانوا قد تربوا على البحث عن الحقيقة، لا عن شخصيتهم، فلم يقل لها: ويلك! ألا تستحيين يا نِصْف امرأة! هل جميعنا لا نفهم وأنتِ فقط من يفهم! هذا هو الإسلام.. قال لها: وكيف أخطأنا؟ قالت له: أما سمعتم القرآن يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [النساء:20]؟ والقنطار مئتان وخمسون كيلو ذهب، فلو قدَّمتَ لها مهرًا مئتين وخمسين كيلو ذهب ﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء:20]، فالقرآن يسمح بِحُرية عطاء الزوج لزوجته، بأنْ يعطيها ما يشاء، وأنت تحدِّده بخمس مئة درهم، “أتدري كم هو القنطار يا عمر؟” 8 .

يقولون: ديموقراطية! فهل تصل الديموقراطية إلى هذا المستوى في العدالة ونصرة الحق والحقيقة؟ في الديموقراطية إذا كان واحد وخمسون بالمئة خطأً أو صوابًا فإنه يُقَرُّ، أليس كذلك؟ من البلاد الإسكندنافية إلى أوروبا وإلى أمريكا وإلى طوكيو وإلى لندن، أمَّا في الإسلام فالديموقراطية مع الحقيقة ولو كانت من طفل.

فلمَّا قالت له هذه المرأة ذلك بماذا أجابها رئيس الجمهورية والإمبراطور ورئيس مجلس الشيوخ والكونغرس؟ قال معلنًا -ولم يَعرِفوا لأنفسهم أنانية ولا منفعة شخصية-: “أَصَابَتِ امْرَأَةٌ وَأَخْطَأَ عُمَرُ” 9 ، وفي رواية: “أصابت امرأة وكذب عمر”، وكانوا يستعملون “كَذَب” بمعنى “أَخطَأ”.

قولوا لي: مِن خَلْق آدم عليه السَّلام إلى الآن هل وصل الحكم في أمة أو حضارة أو دولة في الحرية ونصرة المرأة وتكريمها إلى أنْ تقف أمام كل رجال الدولة ورجال التشريع، فينصرها الإسلام على الجميع ويُعلِي كلمتها على الجميع على اختلاف مراتبهم؟ ليست المرأة فقط، بل لو كان طفلًا، فالإسلام يبحث عن الحقيقة.

عدم اليأس من التوبة قبل الموت

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لا ييأسوا، فليتوبوا قبل أنْ يموتوا، أمَّا إنْ ماتوا على كفرهم ﴿ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ماتوا يعني ماتت أجسامهم، لكنْ بقي الكفر عالقًا في أرواحهم وفي نفوسهم، وسيَلقَون الله عزَّ وجلَّ بأرواحهم لا بأجسادهم، بأجسادٍ روحانيةٍ، ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [محمد:34]، إنْ مات على الكفر فهذا يعني أنّ نفسَه ماتت وهو فَحْم.

وإنْ بقي الفحم فحمًا.. ما أصل الألماس؟ مَن دَرَس العلوم والمعادن منكم يرفع أصبعه.. ما أصل الألماس؟ فحم، هذا معروف، فإنْ بقي الفحم فحمًا ولم ينقلب إلى ألماس [فهل له قيمة]؟ وأين يصير إنْ قُلِبَ إلى ألماس؟ في تيجان الملوك وتيجان ملكات الجمال، أليس كذلك؟ أمَّا إنْ بقي فحمًا مشحَّرًا ومشحِّرًا فهل يوضع على رؤوس الملوك والأباطرة وملكات الجمال؟ إذن أين يوضع؟ [في المزابل].

أليس هذا ظلماً! إذن أنتم ظالمون للفحم، هل أنتم ظالمون له أم: ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57]؟ فإنْ قال الله تعالى: ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [محمد:34]، بعدما صار فحمًا هل سيَغْفِر له فَحْمِيَّتَه ويضعه في محل الألماس؟ إذن سيكون الله عزَّ وجلَّ غير عادل وحاشا وتعالى وتقدَّس عن أنْ يكون غير عادل، هو ليس فقط عادلًا، بل عادل ومحسن ويعطي المحسن فوق ما يستحق بلا حدود.. هذا درسكم الماضي.

المجتمع قسمان

في الآيات التي نحن معها اليوم يصوِّر القرآن المجتمعَ أنه انقسم إلى قسمين، قسم كفروا ورفضوا رسالة الحق ورسالة الهدى ورسالة القرآن ودستور السماء الممثَّل تطبيقًا وأخلاقًا وسلوكًا في شخص النَّبيِّ ﷺ، وفي شخص أصحابه رضي الله عنهم، وبعد ذلك في أشخاص ورثة رسول الله ﷺ إلى يوم القيامة.. يقابلهم كما يقابلُ الليلُ النهار، ويقابل الصيفُ الشتاء، ويقابل الباطلُ الحق، ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49]، وكذلك أهل الباطل؛ يبعث الله عزَّ وجلَّ للحق أهله فيناصرونه.

ثمَّ يخاطب الله عزَّ وجلَّ الفئة الثانية، التي تقف أمام الباطل وأمام التخلف، وأمام الخرافات وأمام الوثنية، فكان الجهاد الذي اسمه الجهاد المقدَّس ليس جهاد استعمار أو نهب أموال، أو مطامع مادية أو استعلاء على الشعوب.. في الإسلام الجهاد المقدَّس اسمه مقدَّس، ولماذا هو مقدَّس؟ لأنَّ هدفه مقدَّس، وكان يجاهد الاستعمار، الذي أذلَّ الشعوب ونهب ثرواتها، ومنع عنها العلم والمعرفة، ومزَّقها وأذلَّها واستعبدها، فالجهاد المقدَّس لتحرير هذه الشعوب من رذائل ونجاسات وشرور الاستعمار، أو شرور المفسِدين في الأرض، أو شرور مناصري الجهل والتخلُّف والخرافة.. فخاطب الله المؤمنين وهم أمام قوة، والمؤمنون لا يزالون قلة، ومهمتهم إسعاد العالَم، ووقفَتْ هذه القوى أمامهم، فماذا سيفعلون؟ عليهم أنْ يجاهدوا، هذا هو الجهاد المقدَّس، فإنْ كان لمطامع مالية أو أمجاد شخصية أو استعلاء على الآخرين أو إفساد في الأرض، فهذا جهاد شيطاني أو جهاد أناني أو أطماعي، فكل مجاهد يوصَف جهاده بأعماله ومقاصده وثمراته.

الثبات في وجه الباطل

﴿فَلَا تَهِنُوا [محمد:35] أيها المؤمنون، وكونوا في معركة النور تجاه الظلام، والحق تجاه الباطل، والعلم تجاه الجهل، والإنسانية الربانية تجاه الشيطانية المفسدة، وكونوا أقوياء فلا تهنوا، وإياكم أنْ تضعف نفوسكم أو مقاصدكم أو إرادتكم أو وسائلكم، ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].

قال: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [محمد:35] لم يقل: عالون، بل قال: “الأعلون” ممَّن؟ من أهل الباطل، لماذا؟ قال: لأنَّ مبدأكم أعلى ورسالتكم أسمى، ودعوتكم إلى الخير والإنسانية وإلى العلم والعقل وإلى مكارم الأخلاق، وإلى وحدة العالَم والتآخي بينهم وتعاونهم، فهذا الذي يُعلي شأن الإنسان، أمَّا إذا كان بأنانيته فالحيوان أناني، الكلب أناني والحمار أناني، هل لدى الحمار بر الوالدين؟ هل رأيتَ حمارًا أو بغلًا أو ثورًا يهتم بأمه وأبيه؟ أمَّا الإيمان والمؤمن فهو مسؤول عن كل مخلوقات الله عزَّ وجلَّ، إنسها وحيوانها وكل حي فيها، ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ))، ليس المسلمون وليس البشر فقط، بل الخَلْق، فيشمل الإنسان والحيوان والنبات، ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللهِ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ)) 10 ، إذا أردتَ أن تعالج الطفل أو المجنون فإنه يقاوم الطبيب والجراحة، وإنْ قسوتَ عليه وربطتَه، فهل رَبْطُه وتوثيقه رحمة أم تعذيب؟ وهل هو إسعاد أم إشقاء؟

السَّلام لأهل السَّلام

قال تعالى: ﴿فَلَا تَهِنُوا [محمد:35] لا تضعفوا، ولا تكونوا حياديين بسبب الوهن والضعف، بل ادخلوا المعركة، فلا سِلْم مع الباطل، فالسَّلام لأهل السَّلام، والسَّلام لأصحاب الإنسانية والأخلاق، ولكنْ هل هناك سلام مع الثعبان؟ وهل هناك سلام من الذئاب تجاه الأغنام؟ وهل هناك سلام مع المعتدين المتوحشين المدمِّرِين المهدِّمِين؟ ليس للبنيان فقط، بل لعقل الإنسان ولإنسانية الإنسان ولحضارة الإنسان، هل يوجد هنا سلام؟ بل هذا انهزام، فلذلك لا تهنوا ولا تَدْعُوا بعضكم إلى السَّلام مع المُخَرِّبِيْن.

الوصية بالشدة على أهل الباطل

﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [الفتح:29] مَن الكفار؟ الذين يُعادون العلم والعقل والأخلاق التي قامت عليها رسالات إبراهيم وموسى وعيسى وكل أنبياء الله عليهم السَّلام.

قال تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [محمد:35]، إذا ثبتُّم على منهاج الله وثقافة الله ورسالة الله عزَّ وجلَّ فأنتم الأعلون فكرًا وعلمًا وحضارةً ومُنازَلَةً ومُسارَعةً، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج:40]، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7].

وهذه الآية ليست بالقول؛ بأن تقولها قولاً، فالله ليس ولدًا صغيرًا.. وأنْ تنصر الله عزَّ وجلَّ أي أن تتعلم في مدرسة الله، من المعلم الرباني الذي يعلِّمك بأقواله وحكمته وأخلاقه وسلوكه وروحانيته وربانيته.

وما معنى ربانيته؟ هو ليس ربّاً، ولكنَّه يتخلَّق بأخلاق الله عزَّ وجلَّ، وهكذا يكون المعلم، وهذا هو الداعي وهذا هو المربي، وإنْ لم يجمع هذه المعاني كان ضرره كضرر الخمر؛ فإنْ كان النفع فيه من جهة فقد يضرُّ من جهات شتى.. فإذا ظهر منه ما يحارب الدعوة الحقيقية، أو ينتقص منها، أو يُضعِف من تقديرها وتقويمها، انقلب ذلك إلى سمّ قاتل، ويجب اجتنابه كما يجب اجتناب كل ما يكون مصدراً لهلاك الأخلاق، أو نقصان الحب، أو البعد بعد القرب، أو توهين الحب بعد قوته.

والذي كان ينطبق في حياة النَّبيِّ ﷺ يستمر إلى يوم القيامة، سواء من هؤلاء أو من هؤلاء أو من المذبذبين المنافقين، تارةً تجده مؤمنًا بلسانه وتارةً تجده كافرًا بأعماله، ((يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُنزَعُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ)) 11 ، ((يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا))، انتبهوا يا بنيَّ إياكم أنْ تُغَشُّوا! ((ويُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا)) 12 ، يجب أنْ نكون دائمًا على بيِّنة، فالذي لا يفرِّق بين الطعام المسموم والطعام النقي يُهلِك نفسَه بجهله.. والطعام قد يتغيَّر بلحظة واحدة.

مَعِية الله تعالى

قال تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [محمد:35] لأنَّكم أنتم مع الله ذِكرًا ومع الله تقوى، ومع الله طاعةً وامتثالًا، وهواكم تبعٌ لِما جاء به رسول الله ﷺ، ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)) 13 .

حبُّ النَّبيِّ ﷺ أكثر من حبِّك لنفسك، وبعد النَّبيِّ ﷺ تحب وارث النَّبيِّ ﷺ، فإنْ لم تحب الوارث فكيف ستنتفع؟ وما معنى ((الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)) 14 ؟ وماذا يَرِث؟ إنّه يرث من دعوة النَّبيِّ ﷺ الدعوةَ إلى دعوةِ النَّبيِّ ﷺ، ويرث من تقوى النَّبيِّ ﷺ تقواه في نفسه، ومن أخلاق النَّبيِّ ﷺ أخلاق النبوة، ومِن بَذْل الجهد في حياته كما بذل النَّبيُّ ﷺ، ويجب له من الحق على المسلمين ما وجب على المسلمين في زمن رسول الله ﷺ، وهذا هو الحب في الله والبغض في الله، ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّ عَرشِهِ.. وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا على ذَلِكَ وتَفَرَّقا على ذَلِكَ)) 15 .

من معاني مَعِيَّة الله تعالى

قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ [محمد:35]، “معكم”: في زمن النَّبيِّ ﷺ كان بوحيه، فإنْ حدث خطأ يأتي الوحي ويصحِّحه، وإنْ حدث تردُّد يأتي الوحي ويوضحه، ويرشد إنْ وُجِد توقُّف عن شيء وانتقال إلى شيء آخر، كما كان القتال ممنوعًا في مكة، وأمَّا في المدينة فقال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ [الحج:39]، أمَّا إذا لم يقاتلوكم فلا يوجد إذن، ثمَّ قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190]، ومن نقاتل؟ نقاتل الوثنيين، ونقاتل الاستعمار، ونقاتل أعداء الإنسانية، والآن لو فُهِم القرآن بمعناه الحي، ولو كان الإسلام يملك الوسائل فلا حاجة إلى سفك قطرة دم، لأنَّ العالَم الآن صار مهيَّئًا لقَبول الحقائق، والإعلامُ وحده -التلفزيون والراديو- لو استلمه عقلُ النبوة، الذي هو العقل القرآني أو الإيمان العقلاني أو العقل الإيماني، أو البحث عن الحقيقة المقنِعة للعقل الإنساني، فإنه يوحَّد شعوب العالَم، والحضارة تعم العالَم، والمدنية تعم العالَم.

فهل يسعد الإنسان وهو شبعان وجاره يصيح من الجوع أو من آلام السرطان؟ فكيف بشعب يقول: “أنا إنسانٌ”، ويرى إخوانه من الشعوب الأخرى يعيشون في جوع وفي قهر وفي شقاء وفي تعاسة! الدين ضد هذه السلوكية المعاصرة في القرن العشرين وضد هذه الحضارة.

قال: ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ، هو معكم إنْ آمنتم وعملتم الصالحات حسب المنهاج المقرر، لكن إذا كنتم قد ادَّعيتم الإيمان ادِّعاءً، وكنتم مسلمين بالأسماء وعملكم ضد الإسلام، يعني ضد المخطط الإلهي، فلن تكونوا مسلمين بل تكونون منافقين، فإنْ أدَّيتم الأعمال التي يفرضها الإسلام وعلى المخطط الإلهي ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:35]، يعني ستنجح أعمالكم وستقطفون ثمارها، تقدُّمًا ونصرًا وسعادةً ورفاهًا ووحدةً، ليس للعرب فقط، فالإسلام لم يوحِّد العرب فقط، بل ووحَّد الفرس، ووحَّد الأفغان، ووحَّد الباكستان، ووحَّد الكثير من الشعوب السوفييتية، ووحَّد إلى أنْ وصل إلى الصين، وإلى أنْ وصل إلى حدود فرنسا.. وهل ضَيَّع جهادَهم؟ لا، لأنَّ أهدافهم كانت إلهية ضمن المخطط الإلهي، والمخطط الإلهي لا يفشل، وأشجاره لا ينقطع عنها الثمر، ثمَّ قال: إنْ آمنتم وصار الله عزَّ وجلَّ معكم، ونصركم وجعلكم الإمبراطورية العظمى فإياكم أنْ تكونوا عبيد شهواتكم وعبيد أجسامكم وعبيد بطونكم وعبيد فروجكم، يقول الشاعر

يا خادِمَ الجِسمِ كَم تَسعَى لِخِدمَتِه

كم تركض وراء خدمة جسدك، خصوصًا النساء، ماذا يسمون أدوات الزينة؟ “مكياج”، والرجال الآن يقومون بالمكياج، هؤلاء صاروا نساء أليس كذلك؟ ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) 16 ، اصنع مكياجًا لقلبكَ ولضميركَ ولأعمالكَ ولأخلاقكَ ولأعمالكِ، هذا هو المكياج، اعملي مكياجاً لأعمالِكِ: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]، ((ورُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ))، ليس له مكياج ظاهر، لكن مكياجه الروحي والعقلي والأخلاقي والسلوكي بالقمة، قال عنه ﷺ: ((لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ)) 17 ، لو قال له: “يا ربي بحقي عليك، وأقسم عليك إلَّا أنْ تنزل المطر”، ينزل المطر.. قولوا: آمين، نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ ينزل لنا المطر، ومطرًا مدرارًا وغزيرًا وَسَحًّا غَدَقًا، ينبت الزرع ويسقي الضرع.

الحاجة إلى الطهارة الكاملة ليكون دعاؤنا مقبولًا

هذا مع اعترافنا أنَّنا لسنا أهلًا للدعاء، لأنَّنا نحتاج إلى الطهارة الكاملة ليكون دعاؤنا مقبولًا، ولكننا ندعو من باب طمعنا بفضل الله عزَّ وجلَّ الواسع ورحمته اللامحدودة أن لا يخيِّب دعاءنا ولا يخيب استسقاءنا بفضل منه ومِنَّة، وبحرمة سيِّدنا مُحمَّد ﷺ وموسى وعيسى وإبراهيم وكل الأنبياء والمرسلين.

قال: إنْ صرتم مؤمنين وقطفتم ثمار الإيمان، فلا تظنوا أنَّ الدنيا إذا أقبلت وصارت بأيديكم أن تكونوا عبيدًا لها

يا خادِمَ الجِسمِ كَم تَشقَى لِخِدمَتِه
وَتَطلُبُ الرِّبحَ مِمَّا فِيهِ خُسرانُ

“وتطلب الربح” والسعادة “مِمَّا فِيهِ خُسرانُ”، هذا الجسم الذي تجعله إلهك، وأنت عبده، سيأتي يوم ترى أنّك تربِّيه تِبْنًا للدود ومرعًى للحشرات.. “بُوْش” سيصير جسمه مرعًى للدود، “وغُرْبَتْشُوْفْ” وأنتم وأنا وكل مخلوق، [بوش رئيس أمريكا في ذلك الوقت، وغربتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتي].

عَليكَ بِالنَّفسِ فَاستكمِلْ فَضائِلَها
فَأنتَ بِالنَّفسِ لا بِالجِسمِ إِنسانُ

“عليك بالنفس”: اعتنِ بروحك وبنفسك وبأخلاقها وبفضائلها وبتزكيتها، وَصِلْها برُوْحِ الله لتحيا بالله عزَّ وجلَّ، “فأنت بالنفس”: يعني المزكَّاة، فأنت بالروح الطاهرة وبالوجدان النقي، “لا بِالجِسمِ إِنسانُ”.

معنى الحياة الدنيا

قال: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [محمد:36]، مرت علينا عدة حيوات: أول حياة بُدئَت بهذا العالَم في الخصيتين والمبيض، البويضة من مبيض الأم، والخصيتين من أبيك، أتعرفونهما؟ ابن من أنت قبل كل شيء؟ اثنتان من تحت والأخرى ﴿مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:7]، فلا تغترَّ بنفسك يا ابن كذا! ثمَّ انتقلتَ واجتمع الحيوان المنوي مع البويضة، وكيف عرف الحيوان المنوي طريقه وعرف أين وُضِعَت البويضة ليتزوَّجها، وليتكوَّن منهما جسم واحد؟ ومن هداه السبيل؟ ومن قدَّم له الخريطة ليصل إلى الحبيب المطلوب؟

فهل حدث هذا وحده؟ ألا يوجد مدبِّر؟ ألا يوجد مخطِّط؟ من يستطيع في الدنيا كلها أنْ يصنع بويضة ثور أو بيوضة حمار وتُخْرِج الحمير، أو بويضة جرذ وتخرج الجرذان؟ ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88]، فهل ننسى الله عزَّ وجلَّ؟ وإنْ ذَكَرْنا الله فيجب أنْ نَذكُر الله عزَّ وجلَّ وعظمته ورحمته، ونذكر حكمته في رسالته التي هي لسعادتنا، وسعادتنا برسالته محقَّقة مليارًا بالمليار، وليس مليارًا إلَّا واحدًا.

عدم الاغترار بحياة الجسد

فلا تغتروا بالحياة الجسدية، فهذه التي اسمها الحياة الدنيا، يعني الحياة الحقيرة، هي من الدناءة: دنيء ودنيا، قال: لأنَّها ﴿لَعِبٌ وَلَهْوٌ [محمد:36]، كل ما فيها أن تأكل وتملأ بطنك، وتسبب عبئًا على الجهاز الهضمي، على المعدة والأمعاء والكبد والبنكرياس والقلب وغير هذا، ولذلك فإنك بعد الأكل تجد نفسك متعبًا.. وأنت تعيش في شباب وسهرات ونزهات، وماذا يبقى معك عند الموت؟

مِثْلُ الذين يلعبون الرياضة البدنية، ماذا يبقى معهم بعد اللعب؟ لا يوجد شيء، اللعب آخره جهد بلا ثمر، واللهو كأن ترى أفلامًا وما شابه ذلك، ما ثمرته؟ إلَّا إنْ كانت أفلامًا عِلْمِيّةً.. والرياضة البدنية قد تنفع الجسد، أمَّا لعب الأطفال بالورق وغيرها “وبالشَّدِّة والضَّاما” [لعبتان يلعب بها الناس وهم جالسون، والشَّدَّة هي لعبة الورق المشهورة، والضَّامَة لعبة تُلعَب على رقعة الشطرنج ولها الأحجار نفسها] قال: الحياة الدنيا كلها بالنسبة للحياة الروحية لا شأن لها [صغيرة وحقيرة].

يقول النَّبيُّ ﷺ: ((ما شَبَّهتُ خُروجَ المؤمنِ مِن هَذا الكَوكبِ الأَرضيِّ إلى العالَمِ السَّماويِّ إلَّا كَما يَخرجُ الجَنينُ مِن بَطنِ أُمَّهِ إلى سَعةِ الدُّنيا)) 18 ، وفي حديث آخر يفرِّق بين الحياتين، يقول: ((مَا الدُّنْيَا)) يعني الحياة فيها، بِالنِّسبةِ لِلحياةِ في عالَمِ السَّماءِ؛ الجنة ((إلَّا كإبرةٍ وُضِعَتْ في بَحرٍ، فما عَلقَ في رأسِ الإبرةِ فَهو الدُّنيا، وما بَقِيَ في البَحرِ من ماءٍ فهو عالَمُ السَّماءِ وعالَمُ الجَنَّةِ)) 19 .

من لا يهتم بآخرته فحياته حياة الأنعام

فمن لا إيمان فيه يجعل نفسه حمارًا، يعني يعيش كالحمار يأكل ويشرب ويتزوج، ويَأْوِي ويحافظ على جسده حَرًّا وبردًا وعدوًّا وصديقًا، وعندما يرى صاحبه آتيًا إليه “بالمِخْلاة” [أي قُفَّة التبن] ينهق له، ويقول: أهلًا وسهلًا.. وإنْ رأى وحشًا هجم عليه يهرب حفاظًا على جسده، إذن أنت أيضًا هكذا، تُقبِل على من ينفع جسدك، وتَفرُّ ممَّن يؤذي جسدك، أمَّا المؤمن فله حياةٌ أخرى وعقلٌ آخر، ومستقبلٌ أبديٌّ خالد؛ سعادة بلا شقاء، وشباب بلا هرم، وحياة بلا موت، وصحة بلا مرض.

قال: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا [محمد:36]، إنْ صرتم مؤمنين الإيمان الحقيقي لا إيمان التمني أو الادعاء أو التسمِّي، ولا بأن تُسَمِّي نفسك مؤمنًا أو مسلمًا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا، فليس بالأسماء بل بالحقيقة، ((لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي ولا بالتَّشبُّهِ وَالتَّحَلِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ))، ودخل نور الله عزَّ وجلَّ في كل خليَّةٍ من خلايا وجودك، وانعكس إشعاع روحه الربانية في مرآة وجودك، هذا هو الإيمان، ((وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)) 20 .

فإنْ حدث الانعكاس الروحي والنوراني، ولم ينعكس أعمالًا صالحةً وإنسانيةً فاضلةً مترشِّحةً من أخلاق الله عزَّ وجلَّ الذي يرحم كل عباده بالشَّمس والقمر والمطر والهواء والحياة.. وإلَّا فسيكون إيمانك ناقصًا.

حصاد التقوى

﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا التقوى امتثال الأوامر ظاهرًا وباطنًا واجتناب النواهي ظاهرًا وباطنًا، ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ [محمد:36]، إنْ وَضعتَ بذار الإيمان وبذار التقوى فإن لها حصادًا، وما حصادها؟ سعادة الدنيا والآخرة وعز الدنيا والآخرة، وبمقدار ما تقلِّل من البذار يقلُّ من الحصاد، وبمقدار ما يكون بذارك رديئًا يخرج حصادك رديئًا، وإنْ زرعتَ الشوك فلن تحصد الزنبق، فهل تزرع الشوك وتقطف العنب؟ هذا مستحيل.

قال: ﴿يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ [محمد:36]، بعد أنْ ﴿تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا [محمد:36]، قال: ومِن جُمْلَة هذه التقوى أنْ تبذل المال في سبيل الله ومنهاج الله لتحقيق المجتمع الفاضل، والإنسان الفاضل والعالَم الفاضل، قال: حتى لو فرض الله عزَّ وجلَّ عليكم بذل المال لكنْ بحكمة أيضًا، فلم يفرض عليكم أنْ تبذلوا كل المال، بل أن تبذل من مالك، وتُبقي منه ما يُسعدك ويساعد الآخرين، قال: ﴿وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ [محمد:36]، يعني كلَّها، ﴿إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ، يعني لو سألكم كل مالكم وأوجب أنْ تخرج من كل مالك، ﴿فَيُحْفِكُمْ [محمد:37]، ومنه قوله ﷺ: ((أَعْفُوا اللِّحَى، وحُفُّوا الشَّوَارِبَ)) 21 ، الإحفاء بالموس أو بآلة الحلاقة على الصفر، لم يقل لك: أَخرِج كل مالك، بل قال: بالمئة اثنان ونصف، وبالمئة خمسة وبالمئة عشرة، كلُّ مال بحسبه، وبعد ذلك أضاف الوصايا والوقف وغير ذلك.

البذل علامة نضج الإيمان

قال تعالى: ﴿إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ، هو يعلم أنَّكم لا تتحملون، ﴿تَبْخَلُوا [محمد:37]، أمَّا إنْ بلغ الإيمان النضج والكمال فلا يملك العبدُ مع الله عزَّ وجلَّ شيئًا، ومن غير أنْ يُسأل: إنْ رأى من المصلحة أنْ يبذل كل المال بذله، ويبذل الروح ويبذل الحياة والمال والولد وكل شيء، لأنّ بذله ليس ضائعًا، بل يبذل كما يبذل المزارع عند البذار، فهو يبذل ليحصد.. وكلما كثر البذار عظم الحصاد، وكلما غلا ثمن الغراس للشجيرات عظم القطاف للثمار الجيدة الناضجة غالية الأسعار.﴿إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا [محمد:37] ولكن هل بخل أبو بكر رضي الله عنه؟ وهل بخل طلحة رضي الله عنه؟ وهل بخل الصحابة رضي الله عنهم؟ منهم من بذل كل ماله، ومنهم من شَطَر ثروته أربع مرات، وكلما تصدَّق بنصفٍ يُبقي نصفًا فيعوِّض الله عزَّ وجلَّ عليه مرةً أخرى، لكنْ هذا يلزمه حكمة.

وكان هناك من يقدِّم كلَّ ماله إلى النَّبيِّ ﷺ فيرفضه، وهذا يجب أنْ يكون تحت إشراف النَّبيِّ ﷺ، أو وارث النَّبيِّ ﷺ المأذون من رسول الله ﷺ روحيًّا، ومن العارفين بالله الذين وصلوا إلى مقام الكمال والتكميل، أمَّا إنْ لم يكن كاملًا فكيف يصير مُكمِّلًا؟ وإنْ لم يكن مُربًّى فكيف يكون مُربِيًا؟ وإنْ لم يكن يَمْلِك نفسه فكيف يُملِّكُ النفوسَ الشاردةَ لأصحابِها ولربِّها ولتقواها؟

المؤمن كريم بالعطاء

قال تعالى: ﴿إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا [محمد:37]، لو طلب كل مالك.. فلو أن الله عزَّ وجلَّ فرض عليكم أن تتصدقوا بكل أموالكم فهل ستفعلونها؟ من منكم يفعلها يرفع أصبعه لأراه.. لا أريد المفْلِسين، بل الأغنياء، [يَضحَك الشيخ هنا]، المفلس معه عشر ليرات، والمسألة هَيِّنَة.. قولوا: اللهم لا تمتحِنّا.. ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا نحن وما نملك ملكًا لله عزَّ وجلَّ، وفي سبيل الله عزَّ وجلَّ، “وخَلِّيْها بِتِبْنِها”، [تعبير عامّي بمعنى: دع الأمر كما هو]، ونسأل الله أن يسترنا بستره الجميل، ولا يمتحننا.

﴿إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ، ما معنى يحفكم؟ يعني يسألكم الكل، قال: ﴿تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [محمد:37]، لماذا غضب أهل الردة، وخرجت عداواتهم ضد الإسلام؟ من أجل الزكاة، وهي اثنان ونصف بالمئة، فماذا لو طُلب منهم خمسين بالمئة؟ قال: هذا رحمة بكم ولضعف إيمانكم، أمَّا أبو بكر رضي الله عنه فأنفق كل ماله، وكثيرٌ من الصحابة رضي الله عنهم، وكثير من النَّاس في هذا الزمن لديهم هذا الاستعداد إذا اقتضى الأمر، وفيكم من الإخوان من بذلوا في سبيل الله ما له شأن، وكله إنْ شاء الله تعالى في مرضاة الله عزَّ وجلَّ، وفي سبيل الله عزَّ وجلَّ.

ثمَّ قال تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ [محمد:38]، هذا كله في بناء الإنسان المسلم، وهذه الآيات كلها مواد البناء، وهي مادة مادة؛ من إسمنت ورمل وحديد وخشب، ولكنْ هذه المواد يلزمها مهندس ويلزمها معماري ومنفِّذ، فهل هذا يصير وحده هكذا؟ الطائرة معدنها من الجبال والصخور، هل صُنِعَتْ وحدها؟ كم عالِم احتاجت وكم معمل وكم مصنع حتَّى صارت فوق السحاب؟!

وأنت هل ستصير وحدك يا مسكين؟ وإنْ كان يريد أنْ يطير ويعلو قبل أنْ تخرج أجنحته ماذا يحدث به؟ يسقط وتأكله القطط، وإنْ كان معه شخص آخر كذلك لم يخرج له الزغب بَعْدُ فإن القطط تأكلهما معًا، تأكله قطط الشيطان والأهواء والأنانيات والعجب، والهروبِ من الحق وعدمِ الإذعان له.

أحكام فقهية عند أهل التصوف

﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ لم يقل: كلكم، بل قال: منكم، ﴿وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ [محمد:38]، المؤمن لا يكون مؤمنًا حقًّا حتَّى يكون هو وما يملك ملكًا لله عزَّ وجلَّ، ليس الزكاة فقط.

وهذا مثلما حدث مع الإمام الشافعي أو غيره، فقد سأل أحد الصوفيين قال له: ما أنصبة الزكاة؟ فقال: عندنا أم عندكم؟ قال له: وهل يوجد فرق؟ قال: نعم يوجد فرق، لأنَّ الشريعة العامة للعوام، وفيها أحكامٌ للخواص، فقال: كيف عندنا وعندكم؟ قال له: الشخص عندكم إنْ ملك مئة يُخرِج ربع العشر، أمَّا عندنا فنحن وما نملك ملك لله عزَّ وجلَّ.. فسأله عن السهو في الصَّلاة، فقال له: عندنا أم عندكم؟ قال له: وهل يوجد فرق؟ فقال: عندكم يسجد سجدتين للسهو، وأمَّا عندنا فتبطل الصَّلاة ونعيدها من أولها 22 .

وكان بعضهم يقول: إذا كان ينتقض وضوؤك ممَّا يخرج منك من أطيب الطعام، فكيف لا ينتقض وضوؤك لَمَّا يخرج من فمك أخبث الكلام؟ 23 مِن كذب أو غيبة أو نميمة أو عجب أو كبرياء أو رفض الحق والفرار من الحق، ((ولكنَّ الكِبْر بَطَرُ الحَقِّ))، عدم الإذعان له، ((واحتِقارُ النَّاسِ)) 24 ، يقول: من هذا؟! [استخفافاً واستصغاراً]، أنا، أنا، ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف:12]، فلان مَن هذا؟ وهؤلاء مَن هم هؤلاء؟ وإنْ دُعي إلى الحق لا ينقاد ولا يخضع ولا يسمع ولا يطيع.

السمع والطاعة

قال: “بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا”، سواء أكان الطريق سهلًا أم صعبًا، أو كنت في حَرٍّ أو جائعًا أو عطشان، أو كنتَ مع زوجتك.. فهذا كله لا يهم.

لَمَّا دعا النَّبيُّ ﷺ إلى غزوة وكانت ليلة عرس أحد الصحابة رضي الله عنه، ودعا داعي الجهاد، كيف يفعل؟ هل يجيب العروس أم “السمع والطاعة”؟ هو سَمِع، ولكنْ هل ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285] أم ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [البقرة:93]؟ لبّى النداء ولم يغتسل من الجنابة، أَلَا يجب أنْ يغتسل؟ فالوقت جهاد وربما يُستشهَد، خرج ولم يغتسل 25 .. ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) لو تريثتَ قليلًا وانتظرتَ وجهَّزتَ أمورك، ﴿قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:83-84]، لن أنتظر وإنْ هم تأخَّروا فلن أتأخَّر من أجلهم، سآتي وحدي.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن لا يربطنا بالمتأخرين ولا بالمتخلفين.

قال: “بايعنا رسول الله ﷺ على السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا”، لو ولَّى الشَّيخ عليكم أحدًا وقد تكونون أنتم أفضل منه فهل لديكم استعداد؟ هذه “سمعنا”، لكنْ هل أنتم مستعدُّون عند التطبيق؟ لكنِّي لن أولي عليكم إنْ شاء الله تعالى إلَّا بإذنٍ من الله عزَّ وجلَّ وإذنٍ من رسوله ﷺ، وما فيه سعادتكم وسعادة الأمة والدولة والعالَم، وأنا لا أعمل لوطني ولا للعرب ولا للمسلمين فقط، بل أنا أعمل للعالَم كله، وبذلتُ كل طاقتي على ضعفي وإمكاناتي، وأرجو من الله عزَّ وجلَّ أنْ تُكملوا أنتم الرسالة، وهناك الكثير من الأشراف في العالَم على هذا المبدأ، فأسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُهيِّئ لنا الوسائل لنحقق وحدة العالَم في ظل رسالة السماء العقلانية والحقيقية التي تقدِّم الإنسان نحو سعادة الجسد والروح ونحو إخاء العالَم، والعالَم الموحَّد، والعالَم الفاضل، وليس المدينة الفاضلة.

عدم منازعة الأمر أهله

قال: “وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ”، إنْ كان الله عزَّ وجلَّ قد أهَّل شخصًا لشيء، وصار خليفةً مثلًا أو رجل دولة فلا ننازعه، “وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ نرى كُفْرًا بَوَاحًا” 26 ، إنْ كان كفرًا صريحًا لا يتحمَّل أيَّ تأويل فلا نسمع ولا نطيع، لكنْ بشرط أن لا تحدث فتنة أكبر.

قال الفقهاء: لا تجوز الثورة على الحاكم الظالم، فإنْ رأيتَ حاكمًا ظالِمًا، فهل تثور عليه؟ قالوا: لا يجوز، قال: لأنَّ ثورتك، وهم يقولون: خروج وخوارج، قال: لأنَّ ثورتك تخلق فتنةً أكبر من ظلمه.

لكن الجاهل الذي لم يدرس الشريعة، ولم يدرس الإسلام، ولم يُربَّ ولم تغلب تقواه على هواه ولا رضاء الله عزَّ وجلَّ على أنانيته، فهذا يخرِّب الدين باسم الدين، ويخرب الدنيا ويخرب نفسه ويخرب كل من تعلَّق به وارتبط، وإنْ كان المقود غير منضبط في السيارة الأمامية التي يرتبط بها مقطورات أخرى، ثم سقطَتْ في وادٍ ماذا يحدث لمن رُبطَ فيها؟ وإنْ أمكنك أنْ تقطع الرابطة قبل أنْ تصل عندما تراها تذهب يمينًا وشمالًا فاقطعه حالًا، وهل يلزم هذا الأمر مشورة؟ يعني عندما تُحصَر في بولك فهل يلزمك أن تقدِّم استدعاء؟ [يقول ذلك سماحة الشيخ وهو يضحك]، إنْ كنت ستنتظر إلى أنْ يُوافَق لك من العدلية ماذا سيحدث لك؟ نسأل الله أن يعفو عنا، وأن يعطينا العقل، حتى ولو نصف عقل أو ربع عقل، لكنَّنا نريد العقل الكامل إنْ شاء الله تعالى.

الدعوة إلى عدم الفرقة

وفي رواية: ((اسمَعْ وَأَطِعْ، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الأَطرافِ رَأْسَهُ كزَبِيبَة)) 27 ، وكل هذا حرصًا على الوحدة، لأنَّ الإسلام لا يكون بالتمزُّق والتفرُّق والتشرذم، ولقد تنازل سيِّدنا الحسن رضي الله عنه عن الخلافة حرصًا على وحدة الأمة وعدم الفتنة.

وفي حديث آخر: ((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ)) يعني مخالفًا، قال: ((فَلْيَصْبِرْ، ولَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ ويَخلَعُ يَدَه مِنْ طَاعَةٍ ثمَّ يُموتُ إِلَّا مَاتَ مَوتةً جَاهِلِيَّةً)) 28 .

فأين نحن؟ ولكن هذا سببه عدم الدراسة، فلا توجد دراسة شرعية ولا يوجد فقه، وأنا إنْ أَذِنتُ لبعض الإخوان بالدعوة فهذا للضرورة، وأما من يصلح بالشكل التام.. وإنْ شاء الله تعالى سيهيَّأ قريبًا من يَصلُح ويحمل الكفاءات، وإنْ شاء الله ليس واحدًا ولا عشرةً، بل إنْ شاء الله تعالى يجعلكم الله عزَّ وجلَّ عشرات وعلى حسب وصيتي لكم.

وصيتي أن لا تدخلوا بالسياسة

وهذه وصيتي لكم حيًّا وميتًا: إياكم أنْ تدخلوا بالسياسة، أو تناوئوا الدولة الوطنية، فإنْ كنتم فعلًا مسلمين ومؤمنين وتعملون للدين فساعدوا الدولة، وإنْ رأيتم الخطأ فكلنا يخطئ، ولكنَّ النصيحة في الجهر ليست نصيحة، بل فضيحة، فإنْ رأيتَ من الحاكم خطأً وأمكنك أنْ تلتقي معه سرًّا فافعل، وإنْ لم يمكنك فيمكن أنْ تكتب له كتابًا بكل أدب وبكل احترام، ومع الدعاء والتوجه إلى الله عزَّ وجلَّ.

كان بعض الأولياء يقول: “لو أعطاني الله عزَّ وجلَّ دعوةً مستجابةً لَمَا دعوتُ بها إلَّا لِمن يلي أمر الأمة”، وبذلك تكسبون ثقة الدولة، وتكسب الدولة ثقتكم، و((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ توأمانِ، لا يَصلحُ أَحدُهما بدُونِ الآخِرِ، فَالإيمانُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ يَنهدِمُ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ يَضِيعُ)) 29 .

الطاعة في المعروف

﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ [محمد:38]، وأنتم من أيِّ فريق؟ “منكم” هذه “مِن” تبعيضية، اسمها في النحو تبعيضية، يعني بعضكم يبخل، هل كلكم؟ لا.

مرةً أمَّر النَّبيُّ ﷺ أميرًا اسمه عبد الله بن حذافة، وليس السهمي الذي ذهب إلى ملك الروم، بل هذا صحابي آخر، في سرية يعني في بعثة، لفتنة في العرب وثورة على الإسلام، قال: فغضب من جنوده فجمعهم، وقال: ألم يأمركم رسول الله بطاعتي؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا حطبًا، فجمعوا، فقال: أوقدوا فيه النَّار، فأوقدوا، فقال: ألم يأمركم النبي بطاعتي؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها.. وهذا من شدة غضبه، فإنْ تبيَّن أنَّه أحمق، ويريد أنْ يخرجنا عن الصراط المستقيم هل نسير خلف الأحمق أو وراء الغضبان الذي دخانُ غضبِه وغبارُه لا يريه ما أمامه من بئر أو وادٍ أو أفاعٍ؟ هل نلحق به؟ فلْنَدَع حمقه له، ثمَّ بعد فترة يهدأ غضبه ويرى أنَّه المخطئ فيعود، أمَّا إنْ مشينا نحن أيضًا فسنقع، ومثل هذا يُهلِك ويَهلِك، فقام شاب فيهم وقد استعمل العقل هنا فقال: “نحن ما آمنا بالله وبرسوله إلَّا فرارًا من النَّار”، لماذا أسلمنا وآمنا؟ لئلا ندخل النَّار، “أفبعد أنْ أنقذنا الله منها، نُلقي بأنفسنا فيها؟ لا، حتَّى نرجع إلى رسول الله، فإنْ أمرنا بدخول النَّار دخلنا”، لأنَّ النَّبيَّ ﷺ معصوم، فرجعوا إلى النَّبيِّ ﷺ، وهذا القائد سكن غضبه ورأى أنَّ عمله لا يصح، وظهر أنَّ عمله فارغ، فلمَّا رجعوا إلى النَّبيِّ ﷺ وذكروا له ذلك، قال: ((لو دَخَلتُمُوها لَمَا خَرَجتُم مِنها أَبدًا))، يعني من نار الدنيا إلى نار الآخرة، ((الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ)) 30 ، ((لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ)) 31 .

وإن مفارقة الجماعة ونزع يد الطاعة بدواعٍ أنانية أو دواعٍ شخصية أو أهوائية نزغة من نزغات الشيطان، واستيلاء نار الغضب وخروج عن بعض خطوط الإيمان.

ذم الغضب

أتى رجل إلى النَّبيِّ ﷺ فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: ((حُسْنُ الْخُلُقِ))، وكان عن يمينه، ثمَّ أتى عن شماله، قال: ما الإيمان؟ قال: ((حُسْنُ الْخُلُقِ))، فعاد عن يمينه وقال: ما الإيمان؟ قال: ((حُسْنُ الْخُلُقِ))، فعاد من خلفه وقال: ما الإيمان؟ بعد كل هذا لم يفهم، فقال له النَّبيُّ ﷺ: ((أَلا تَفهم، أَلا تَفقَه، هُوَ أَنْ لَا تَغْضَبَ)) 32 ، فبمجرد أنْ تغضب يتعطَّل “مِقُوَدُك” ويخرب، [مقودك: تَشْبِيْه بمقود السيارة]، ويقودك غضبك، والغضب من الشيطان، فيصير الشيطان شيخك، و”من لا شيخ له فشيخه الشيطان” 33 ، وشيخ التربية كم واحداً يكون؟ هل واحد أم عشرة؟ واحد، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يثبتنا بقوله الثابت.

من يبخل يبخل على نفسه

﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ فمن الذي سيبخل؟ ليرفع أصبعه، [لا أحد يرفع يده، فيتابع الشيخ حديثه معقِّباً على عدم الرفع:] في الجامع لا ترفعون، وأريدكم خارج الجامع؛ في أداء الفرائض، وأمّا النوافل فهي ليست مفروضة لكنَّها محبَّبة ومأجور عليها، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يوفِّقنا للفرائض والنوافل، بحسب الحكمة الإلهية.

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ [محمد:38]، الله عزَّ وجلَّ لا يحتاج صدقاتنا ولا صلاتنا، ومردودها ومنفعتها وثمرتها كلها لنا، وعندما استجاب المسلمون الأُوَل للقرآن الاستجابة الكاملة مَن كان المنتفِع؟ هل الله عزَّ وجلَّ أم هم؟ كانوا فقراء فأغناهم الله عزَّ وجلَّ، وأذلاء فأعزهم، ومتفرقون فوحَّدهم، ومتوحِّشون فجعلهم ملائكة، وكانوا ليسوا شيئًا مذكورًا فصاروا ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].

﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ

﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا فإنْ لم تستجيبوا، فلن يعبأ الله عزَّ وجلَّ بكم، ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38]، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة:54]، لا يوجد تعزُّز على مؤمن بأن يترفع عليه بنفسه أو بلسانه أو بفكره.

مرة شتم أبو ذرٍّ بلالًا الحبشي رضي الله عنهما، وقَالَ له: “يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ”.. هذه كلمة عادية، فهو لم يقل له: يا ابن الزانية أو يا ابن الحرام، ولم يقل له: يا زان، أو عرَّض به بأنَّه لا يؤتمن على الأعراض وعلى كذا، وهل هو ابن البيضاء؟ فشكاه إلى رسول الله ﷺ 34 .. وقد قال النَّبيُّ ﷺ في حق أبي ذر رضي الله عنه: ((مَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرّ)) 35 ، ولكنْ ليس معنى هذا أنَّه وصل إلى كمال الكمال؟ وحتى لو وصل.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يثبتنا، فالله تعالى قال للنَّبيِّ ﷺ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [الإسراء:74-75]، نعذِّبك عذابًا مضاعَفًا في الدنيا وفي الآخرة، وهو رسول الله.. فأسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يزيدكم قوة إيمان وقوة بصيرة وقوة نور، والمخطئ نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يصلحه، والمستقيم نسأل الله أنْ يثبِّته، ونسأل الله أنْ يثبِّتنا، وأن يصلح بفضله وإحسانه حال العالَم ويطفئ فتنة الخليج.

اللَّهم آتنا الحكمة، وارزقنا الإخلاص في العمل، وبصِّرنا الأمور من مقدِّماتها إلى نتائجها، وأرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، “ولِصَدَّام” ولكل الفئات الأخرى ولهيئة الأمم، بأنْ يكونوا مع الله عزَّ وجلَّ ومع الحق ومع الحقيقة، [الحضور يقولون آمين بصوت مرتفع عند كل هذه الدعوات.. وصَدَّام هو صدام حسين رئيس العراق في ذلك الوقت، وكان وقتها تجمّع الحلفاء والدول بقيادة أمريكا لحرب العراق].. ونسأل الله أن يهيِّئ للعالَم كله الرجوع إلى قانون الله عزَّ وجلَّ؛ قانون العدل من الجميع وللجميع، وقانون سعادة النَّاس، فلا يبقى فقير جائع ولا إنسان ضائع ولا رجل بلا زوجة ولا امرأة بلا زوج.

صور من أوقاف المسلمين

كان هذا كله حين كان الإسلام حيًّا، وكان الأغنياء يجعلون من جملة أوقافهم أوقافاً لتزويج الفقيرات اللواتي لا يرغب أحد فيهن، فإن كانت إحداهن عوراء كان جهازها ومهرها وبيتها من حساب الأوقاف، ولذلك كانت العوراء تتزوّج قبل ذات العينين، وكانت الفقيرة تتزوّج قبل الغنية.. هذا من الإسلام، فأين هذا الإسلام!

ورأيت بعيني.. مرةً كنت مع والد الشَّيخ عِيْد في حَيّ العمارة في زقاق النقيب، فرأيتُ مَصْطَبةً وجدرانًا من حجرٍ منحوتٍ قديم، فقال لي: يا شيخي هل تعرف ما هذا؟ فقلت له: ما هذا؟ فقال لي: هذا حَبْس الأموات، قال لي: أنا أتذكَّر -يقول عن نفسه وهو صغير- إنْ مات ميت في البلد وعليه دين لا يدفنونه، “لأنَّ المديون محبوس بدينه بعد وفاته حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دينه” 36 [أحد الحضور يقول له: هذا موجود إلى الآن، فيقول له سماحة الشيخ ممازحاً:] وهل يُحضِرون الأموات إلى الحَبس؟ [يجيب الرجل: لا، فيتابع الشيخ ملاطفته قائلاً:] هل صار عفو عام؟ [يقول الرجل: لا.. الشيخ يضحك ويضحك الحضور معه].. إذن سيُحبَس في جهنم.. فكان أغنياء البلد كل يوم يأتون إلى حبس الأموات، فيرون شخصًا مسجونًا بجنازته والتابوت.. كم عليه من دين؟ خمسون ألفًا، فيقول: هذه خمسون ألفًا أخرجوه من الحبس، وجنازة أخرى كم؟ يقولون: مئة ألف.. رحم الله أغنياءهم وفقراءهم وأخلاقهم وإسلامهم.

لكنْ هذا جزء من الإسلام، أمَّا إسلام العلم والتقدم والتكنولوجيا ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، فهذا كان مفقودًا، ولذلك وصل المسلمون إلى ما وصلوا إليه.

قولوا: آمين مرة أخرى، نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُطفِئَ نار هذه الحرب في الخليج، وبأيسر الأسباب وبأقصر الأوقات، وأن يُخرِج العرب منها بعزة وشرف لا بهوانٍ وذُلٍّ، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه و سلم خديجة وفضلها رضي الله عنها، رقم: (3610)، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، رقم: (2437)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (24908)، بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: "مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا"، قَالَ: ((مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلاَدَ النِّسَاءِ))، واللفظ لأحمد، ولفظ البخاري ومسلم: ((قَالَتْ: فَغِرْتُ فَقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا)).
  2. سنن الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه، رقم: (1084)، سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، باب الأكفاء، رقم: (1967)، بلفظ: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ»، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  3. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5137)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، بلفظ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ))، وفي مسند أحمد بن حنبل، رقم: (23489)، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه بنحوه.
  4. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6137)، (5/2384)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  5. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (8/380)، بلفظ: «من آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8677)، المعجم الصغير للطبراني، رقم: (885)، بلفظ: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  6. سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافرا، رقم: (3439)، سنن النسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الحور بعد الكور، رقم: (5498)، بلفظ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَافَرَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ))، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ رضي الله عنه.
  7. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (6160)، صحيح ابن حبان، كتاب الرقائق، باب التوبة، رقم: (628)، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)).
  8. مسند الفاروق لابن كثير، (2/573)، سنن الكبرى للبيهقي، رقم: (14114)، (7/233)، بلفظ: ((عن مسروق قال ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أيها الناس ما إكثاركم في صدق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفن وما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم قال ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت له يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم قال نعم فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن قال وأي ذلك فقالت أما سمعت الله يقول: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ قال فقال: "اللهم غفرانك كل الناس أفقه من عمر" قال ثم رجع فركب المنبر فقال أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب)).
  9. مسند الفاروق لابن كثير، (2/573)، السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (14114)، بلفظ: ((عن مصعب بن عبد الله عن جدي قال، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي القُصة يعني يزيد بن الحصين الحارثي فمن زاد ألقيتُ الزيادة في بيت المال فقالت امرأة من صفة النساء طويلة في أنفها فطس ما ذاك لك قال ولِمَ قالت لأن الله تعالى قال: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ فقال عمر رضي الله عنه: "أَصَابَتْ امْرَأَةٌ وَأَخْطَأَ عُمَرُ".
  10. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7447)، مسند أبي يعلى، رقم: (3315)، مسند البزار، رقم: (6948)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه.
  11. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة، رقم: (6132)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب، رقم (230)، بلفظ: ((يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيُقَالُ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ))، عَنْ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه.
  12. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، رقم (186)، سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم، رقم: (2195)، بلفظ: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  13. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، رقم: (15)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والنَّاس أجمعين..، رقم: (44)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))، وفي صحيح البخاري، كتاب العلم، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
  14. ذكره البخاري، بَابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ في المقدمة دون سند، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223)، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
  15. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، رقم: (1357)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم: (1031)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)).
  16. صحيح مسلم، كتاب البرِّ والصِّلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله، رقم: (2564)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب القناعة، رقم: (4143)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)).
  17. شعب الإيمان للبيهقي، باب الزهد وقصر الأمل، رقم: (10000)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ))، وفي سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب البراء بن مالك رضي الله عنه، رقم: (3854)، بلفظ: ((كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ مِنْهُمُ البَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ))، وفي صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الضعفاء والخاملين، رقم: (2622)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بنحوه.
  18. نوادر الأصول للحكيم الترمذي، (1/276)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بلفظ: ((ما شَبَّهْتُ خُرُوجَ المُؤْمِنِ مِنَ الدُّنْيَا إلى الآخرة إِلاَّ مِثْلَ خُرُوجِ الصَّبِيِّ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ منْ ذلِكَ الْغَمِّ وَالظُّلْمَةِ إِلَى رَوْحِ الدُّنْيَا))، وفي حلية الأولياء للأصبهاني، (7/23)، بمثله مرسلًا عن سفيان الثوري.
  19. صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، رقم: (2858)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18038)، عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه، بلفظ: «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ- فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟))
  20. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفًا عليه، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561).
  21. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، رقم: (259)، صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، رقم: (259)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى))، واللفظ لمسلم.
  22. تفسير الشعراوي (16/9962)، الحاوي في تفسير القرآن الكريم (532/115)، بلفظ: لما سأل أحد الفقهاء صوفيًا: ما حكم مَنْ سها في صلاته؟ قال: حكمه عندنا أم عندكم؟ قال: ألنا عند ولكم عند؟ قال: نعم، عند الفقهاء مَنْ يسهو في الصلاة يجبره سجود السهو، أما عندنا فمَنْ يسهو في الصلاة نقتله"، وفي الرسالة القشيرية (2/572)، بلفظ: هَذَا أَحْمَد بْن حنبل كَانَ عِنْدَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فجاء شيبان الراعي، فَقَالَ أَحْمَد: أريد يا أبا عَبْد اللَّهِ أَن أنبه هَذَا عَلَى نقصان علمه ليشتغل بتحصيل بَعْض العلوم، فَقَالَ: الشَّافِعِي لا تفعل فلم يقنع، فَقَالَ لشيبان: مَا تقول فيمن نسى صلاة من خمس صلوات فِي اليوم والليلة ولا يدري أي صلاة نسبها مَا الواجب عَلَيْهِ يا شيبان، فَقَالَ شيبان: يا أَحْمَد هَذَا قلب غفل عَنِ اللَّه تَعَالَى فالواجب أَن يؤدب حَتَّى لا يغفل عَن مولاه بَعْد فغشى عَلَى أَحْمَد فلما أفاق قَالَ لَهُ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ ألم أقل لَك لا تحرك هَذَا".
  23. مصنف عبد الرزاق، رقم: (470)، شعب الإيمان للبيهقي، فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه، رقم: (5014)، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنَ الْكَلِمَةِ العوراء يقولها"، وفي مُصنف ابن أبي شيبة، باب في الوضوء من الكلام الخبيث والغيبة، رقم: (1436)، بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنَ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ يَقُولُهَا لِأَخِيهِ".
  24. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم: (91)، سنن الترمذي، أبواب البر والصلة: باب ما جاء في الكبر، رقم: (1999)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النّاسِ)).
  25. مغازي الواقدي، غَزْوَةُ أُحُدٍ، (1/273)، بلفظ: وَكَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ تَزَوّجَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولَ، فَأُدْخِلْت عَلَيْهِ فِي اللّيْلَةِ الّتِي فِي صُبْحِهَا قِتَالُ أُحُدٍ. وَكَانَ قَدْ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا فَأَذِنَ لَهُ فَلَمّا صَلّى الصّبْحَ غَدًا يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَزِمَتْهُ جَمِيلَةُ فَعَادَ فَكَانَ مَعَهَا، فَأَجْنَبَ مِنْهَا ثُمّ أَرَادَ الْخُرُوجَ وَقَدْ أَرْسَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ قَوْمِهَا فَأَشْهَدَتْهُمْ أَنّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا، فَقِيلَ لَهَا بَعْدُ لِمَ أَشْهَدْت عَلَيْهِ؟ قَالَتْ رَأَيْت كَأَنّ السّمَاءَ فُرِجَتْ فَدَخَلَ فِيهَا حَنْظَلَةُ ثُمّ أُطْبِقَتْ فَقُلْت: هَذِهِ الشّهَادَةُ فَأَشْهَدَتْ عَلَيْهِ أَنّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا. وَأَخَذَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ سِلَاحَهُ فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ وَهُوَ يُسَوّي الصّفُوفَ، وفي سيرة ابن هشام، غَزْوَةُ أُحُدٍ، حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ، (2/75)، والسنن الكبرى للبيهقي، رقم: (7062)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، بلفظ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ صَاحِبَكُمْ، يَعْنِي حَنْظَلَةَ لَتُغَسِّلَهُ الْمَلَائِكَةُ. فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟)) فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ عَنْهُ. فَقَالَتْ: "خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ". قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.
  26. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب قول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((سترون بعدي أمورا تنكرونها))، رقم: (6647)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم: (1709)، بلفظ: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: ((دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)).
  27. صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، رقم: (6723)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12147)، بلفظ: ((اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ))، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ضي الله عنه، وفي المعجم الكبير للطبراني، رقم: (21499)، بلفظ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ، فَأَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ))، عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ الأَحْمَسِيَّةِ رضي الله عنها.
  28. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، رقم: (6724)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، رقم: (1849)، بلفظ: ((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً))، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، رقم: (1851)، بلفظ: ((مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً))، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه.
  29. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (396)، (1/117)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
  30. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، رقم: (6726)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، رقم: (1840)، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنَ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((لوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ)).
  31. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (20675)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (381)، (18/170)، عَنْ عَلِيٍّ وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما.
  32. تعظيم قدر الصَّلاة للمروَزيّ، رقم: (878)، (2/864)، بلفظ: ((أَنَّ رَجُلًا، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «حُسْنُ الْخُلُقِ» ثُمَّ أَتَاهُ عَنْ شِمَالِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «حُسْنُ الْخُلُقِ» ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لَكَ لَا تَفَقَهُ أَوْ مَا لَكَ لَا تَنْقَهُ حُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ أَنْ لَا تَغْضَبَ إِنِ اسْتَطَعْتَ»، وفي إحياء علوم الدين للغزالي (3/50)، بلفظ: ((جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين يديه فقال: "يا رسول الله ما الدين؟" فقال: «حُسْنُ الْخُلُقِ» ثم أتاه من قبل يمينه فقال: "ما الدين؟" قال: «حُسْنُ الْخُلُقِ» ثم أتاه من قبل شماله فقال: "ما الدين؟" قال: «حُسْنُ الْخُلُقِ» ثم أتاه من ورائه فقال: "ما الدين؟" فالتفت إليه وقال: ((أما تفقه هُوَ أَنْ لَا تَغْضَبَ))، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  33. تفسير روح البيان لإسماعيل حقي (5/203)، من كلام أبي يزيد البسطامي قدس سره.
  34. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (21445)، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، بلفظ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: انْظُرْ، فَإِنَّكَ لَيْسَ بِخَيْرٍ مِنْ أَحْمَرَ وَلاَ أَسْوَدَ إِلاَّ أَنْ تَفْضُلَهُ بِتَقْوَى))، وفي شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5135)، بلفظ: ((عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: عَيَّرَ أَبُو ذَرٍّ بِلَالًا بِأُمِّهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ، وَإِنَّ بِلَالًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ فَغَضِبَ، فَجَاءَ أَبُو ذَرٍّ وَلَمْ يَشْعُرْ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ))، وفي صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، رقم: (30)، بلفظ: ((عَنْ الْمَعْرُورِ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)).
  35. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (6630)، سنن الترمذي، باب مناقب أبي ذر رضي الله عنه، رقم: (3801)، عَنْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو رضي الله عنه، بلفظ: ((مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، وَلاَ أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ)).
  36. سنن الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه"، رقم: (1078)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (10607)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، ((لاَ تَزَالُ نَفْسُ ابْنِ آدَمَ مُعَلَّقَةً بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ)).
WhatsApp