تاريخ الدرس: 1990/11/23

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:10:19

سورة محمد، الآيات: 4-7 / الدرس 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتم التسليم على سيِّدنا وحبينا مُحمَّد، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وأخويه سيدنا موسى وعيسى، وعلى أصحابه وأحبابه وأهل بيته الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

قوة المسلم في الحرب

نحن الآن في تفسير بعض آيات من سورة مُحمَّد، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وتُسمَّى أيضًا بسورة القتال.. يقول الله تعالى فيها: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ [مُحمَّد:4] يعني عليكم أن تقاتلوهم حتَّى لا تبقى فيهم قوة على الوقوف أمامكم، وتشلُّون قواهم حتَّى لا يستطيعون العودة إلى قتالكم مرة أخرى.

﴿حتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ [محمد:4]، الإثخان هو هذا المعنى، أي حتَّى إذا فقدوا كل قوة وفقدوا كل حركة بحيث لا يستطيعون القيام بأي مقاومة.. عند الوصول إلى هذا الحال يقعون أسرى، فحَيُّهُم أسير وقتيلهم في نار السعير.

﴿حتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ ووصل من بقي منهم حيًّا إلى حَدّ فَقْدِ القوى ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [محمد:4]، ولم يقل: “أوثقوهم” بمعنى أنْ تربطوهم، بل عليكم أنْ تربطوهم بشدة لئلا يتفلَّتوا، فهناك فرق بين “فأوثقوهم” وبين ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [محمد:4]، وبين “لا تزنوا”، وبين ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [الإسراء:32].. “لا تزنوا” معروف، أمَّا ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [الإسراء:32] فتعني أنْ تبتعد عن كل الأشياء التي تقرِّبك من الزنا، ولم يقل: “لا تشربوا الخمر” بل قال: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، أي ابتعدوا عنه، فهذا القول أبلغ من أن يقال: “لا تشربوا الخمر”، وقوله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [الإسراء:32]، أبلغ من أن يقول: “لا تزنوا”.. وهنا هل الأبلغ أن يقول: “فأوثقوهم” أم: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ؟

فالله تعالى إذا تكلم فكلامه خير الكلام، والنبي ﷺ إذا تكلم فيتكلم من نور الله ومن روح الله، وكما ورد: “أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ، غير أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ” 1 ، وهذا في البلاغة يسمونه المدح بما يشبه الذم، مثل قول الشاعر

وَلا عَيبَ فِيهِم غَيرَ أنَّ سُيُوفَهم بِهنَّ فُلُولٌ مِن قِراعِ الكَتائِبِ

قال: إنهم شجعان ورجال ويكسبون المعارك، لكن فيهم عيب واحد، ما هو؟ أنَّ سيوفهم مثلَّمة كلها لكثرة ما قطعوا بها من رؤوس أعدائهم.. فهل هذا عيب؟ هذا يسمى المدح بما يشبه الذم، وهو مبالغة في المدح.

الفرق بين المعاملة في حال القوة والمعاملة في حال الضعف

قال: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [مُحمَّد:4]، فكم هناك فرق بين هذه الآية وبين آيات: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [سبأ:24]! وكم هناك فرق هائل بين هذه الآية وبين: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:2] و﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6]! وكم هناك فرق هائل بين هذه الآية وبين: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا فاحسبونا مجرمين، ﴿وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سبأ:25]، ولم يُسَمِّهم مجرمين، [فنسب الإجرام لنفسه، ونسب العمل إلى أعدائه].

هذه مدرسة القرآن الغائبة عن قلوب كثير من المسلمين من كل أنواعهم واختصاصاتهم، فآيات مثل: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ [سبأ:24]، ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأحزاب:48] أي لا تؤذِهم، ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المزمل:5].. نزلت كل هذه الآيات والإسلام في حالة ضعف، فالعلماء قالوا: إنها منسوخة، فهي نُسخِت في زمن النبي ﷺ، لكن لو وصل الإسلام في الضعف إلى مستوى هذه الآيات فينبغي أنْ يتم العمل عليها، ولذلك لماذا أبقاها الله عزَّ وجلَّ؟ نحن نقرؤها في الصَّلاة وهذه دروسنا في الصَّلاة: أنَّ الإسلام إنْ كان في حالة ضعف فاستعمل آيات الضعف، وإنْ صار الإسلام في حال القوة فاستعمل آيات القوة.

الحكمة من بقاء الآيات المنسوخة في القرآن

هذا مع أعداء الإسلام ومع الكفار، أمَّا مع المسلمين أنفسهم ومع أمتك ومع دولتك فيجب أن يكون: ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]، وقد نزل في أهل الكتاب: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46].. لماذا أبقى الله تعالى آيات منسوخة بلا أي بحث؟ مثل آيات عدة الوفاة، فقد ذكر أنَّ عدة الوفاة سَنَةٌ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج [البقرة:240]، ثم نُسِخَت بآية: ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، فهذه الآية التي لم تعد لها فائدة من ناحية تنفيذ حكمها لماذا أبقاها الله تعالى في القرآن؟

آيات الضعف يمكن أن نقول فيها مثلًا: إنها تُستَعمَل في وقت الضعف، أمَّا هذه فهل نستطيع أنْ نجعل عدة المسلمة حولًا كاملًا؟ ولكن أبقاها الله تعالى لنا لنقرأها ونتعلَّمها في القرآن ليُفهِّمنا أنْ نبني الإسلام بالتدرج، ولا نبنيه دفعة واحدة، فإسلام ما بعد عشرين سنة من البعثة هل يمكن تطبيقه في وضع يشبه الإسلام في السنة الثالثة من بعثة النبي ﷺ والمسلمون مختبئون في دار الأرقم؟ هذا مخالف للإسلام ومخالف للقرآن ومخالف للحكمة، ولذلك فإن الله تعالى لا ينصر صاحبه ولو كان على عبادة الثقلين.

ومن فعل ذلك يكون جاهلًا ولو كان قد قرأ فِقه السُّنة والشيعة وأهل البيت والزيدية.. ففقه القرآن هو المطلوب: ((مَن يُرِدِ اللهُ بِه خَيرًا يُفَقِّهْهُ)) هل قال: في المذهب الشافعي؟ أهذا ما قاله النبي ﷺ؟ هل قال: الحنفي أو السني أو.. أو..؟ بل قال: ((يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ)) 2 ، والدين هو القرآن: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر:17]، الفلَّاح يفهمه، ولكن هناك الفهم الفكري، واليهودي قد يفهم القرآن فكريًّا، لكنه لا يؤمن به قلبيًّا ولا يُصَدِّقه عمليًّا وتطبيقًا، فهذا لا يُسمَّى عالِمًا بالقرآن، بل هو قارئ وليس بعالِم.

الدين علم وقوة

قال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [مُحمَّد:4].. هنا انتقل الدين من أنَّه علم للمجتمع وحكمة وتزكية للنفوس إلى القوة لبناء دولة العلم والحكمة والتزكية، فبنى مجتمع العلم وبنى أسرة العلم وبنى الفرد المتعلِّم، بناهم على العلم والحكمة والتزكية، ولذلك قال في وصف المسلمين الذين صنعهم ﷺ: ((عُلَمَاءُ فُقَهَاءُ حُكَمَاءُ، كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 3 .

وما معنى النبي؟ النبي هو المهندس الذي يصنع أُمَّة، لا يصنع عَظامَها، فالثور يَعْمَل [يُنتِج] العظام، العِجل يبدأ والبقرة تُكمِل العمل فيصير ثورًا، وعظامه أكبر من عظام البشر، وهل هو الذي يَعمَل اللحم؟ الجاموس يَعْمَل اللحم، [“يعمل اللحم” سماحة الشيخ هنا يتكلم باللهجة العامية، ويُوَضِّح هذه الكلمة ما نقوله كثيراً في العامية “البقرة تعمل لحم أكثر من الغنم”، بمعنى تعطيك لحماً أكثر أو تُنتِج أكثر.. والمعنى المراد هنا هو الوجود الجسماني، فإذا كان أبوك سبب وجودك ومن يغذي جسدك حتى تصير رجلاً فهذا ما يفعله الحيوان]، ولكن النبي هو الذي يصنع العقل حتَّى يصل إلى الحكمة، ويصنع علم الله وثقافة الله وبرنامج الله التثقيفي في القرآن، فيجب علينا أن نرجع إلى فقه القرآن.

حال المسلمين اليوم بسبب هجرهم للقرآن

الآن عندنا جبالُ الكتب وملايين الكتب والمسلمون إلى وراء، وعندنا ملايين الشهادات والمسلمون إلى وراء، وعندنا خمسون حكومة إسلامية والمسلمون إلى وراء، لماذا؟ القرآن يجيبنا على لسان النبي ﷺ: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، لم نهجر تلاوته ولا فهمه الفكري، والفكر طريق إلى الفهم القلبي.

وذلك كما إذا فهمتَ الثعبان بفكرك فقط، فقد تصف الثعبان للطفل من ناحية لونه وطوله وسمُّه، ولكن ذلك لا يرسخ في قلبه وقد يلعب به إنْ رآه، أمَّا الكبير فيفهمه فكرًا وقلبًا، ولذلك فإن العلم القلبي يقتضي العمل، فالذي يفهم الثعبان حقيقة الفهم يجتنبه ويقاتله ويقتله.

هذا اسمه الفقه في الدين، وهذا اسمه الإسلام الحقيقي، وهذا اسمه الإيمان الحقيقي.. أمَّا أن تُصلِّي فهذا شيء حسن وجيد ولو طقسًا ولو شكلًا ولو جسديًّا، ولكنك لا تستفيد من صلاتك شيئًا ولا تصل بذلك إلى الصَّلاة التي أرادها الله ووصفها بأنَّها: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].

إن النافذة التي فيها “شَبَكَة” [غِرْبال] تمنع عنك البعوض والذباب والزنابير أنْ تدخل عليك، وإذا كانت النافذة بلا زجاج ولا غربال فما زال اسمها نافذة لكنها بلا فائدة، والصَّلاة لتصير صلاةً لها شروطُها.

الصَّلاة وسيلة لالتقاء قلبك بالله

في فقه صلاة الجسد كَتَبْنا مئة ألف كتاب ومئات المذاهب، أمَّا فقه الصَّلاة التي ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، والصَّلاة التي قال الله عنها: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي [طه:14]، وهذه الآية مثل: “توضَّأْ لِتُصلِّي”، فالوضوء ليس مقصودًا لذاته، بل هو وسيلة لصحة الصَّلاة، والصَّلاة كذلك وضوء ووسيلةٌ لتحقيق التقاء روحك بروح الله، والتقاء قلبك بالله، ألا تقول: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام:79]؟ فهل لله جهة؟ وهل جهته إلى القِبلة أو الجنوب أو الشمال؟ الله منزَّهٌ عن الجهات، ولكن القِبلة الحقيقية هي حضرة الله عزَّ وجلَّ، ويجب أنْ يكون المستقبِل هو كل فكرك وشعورك وقلبك وروحك، فإذا استقبلتَ هذا الاستقبال وتحقَّق هذا التوجه فالمرآة التي تتوجَّه إلى الشَّمس التوجُّه الحقيقي وهي طاهرة ونظيفة من الأوساخ والأقذار ماذا يكون انعكاس هذا التوجُّه فيها؟ تظهر فيها صورة الشَّمس، لكن هذه الصورة ليست الشمس، والمرآة تعكس ما تعكسه من الشمس من نور وضياء وحرارة.

وهذا ما قاله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي عن الله تعالى: ((ولا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ)) 4 ، تتقرب إليه بقلبك وبشعورك وبإحساسك وبامتلاء قلبك إذا طَهُر وتقدَّس بنور قدسه تعالى، وحينها يصير هذا التقرُّب.. والتقرُّب هو أنْ تشعر أنك مع الله تعالى، وأنَّ الله معك، قوته مع قوتك وعلمه مع عقلك وعنايته في شؤونك وأعمالك.

المؤمن يترفَّع بصفاته عن الإنسان العادي

فالصَّلاة: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ ولم يقل: “إن المؤمن”، بل قال: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، لا يتحمل مصيبة ولا كارثة ولا فقْدَ حبيب ولا خسارة مال ولا آلام الأمراض ولا تسلط الأعداء، ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)، وكذلك إذا مسَّه خير من جاه أو سلطان أو مال أو أي شيء فإنه يستأثر به لنفسه ويمنع النَّاس أنْ يساعدهم بما أنعم الله به عليه، قال: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:19-22]، المصلِّي لا تجده هلوعًا؛ لا جزوعًا عند المصائب والكوارث والمآسي، ولا منوعًا عند النعم وعند كرامات الله وعطاءات الله تعالى.

والمسلم اليوم يُصلِّي ولا يزال هلوعًا وجزوعًا ومنوعًا، ولا يزال لا ينتهي عن الفحشاء ولا عن المنكر، ولا يزال غافلًا عن الله عزَّ وجلَّ يعمل أيَّة معصية من معاصي الله في بيعه وشرائه ورضاه وغضبه وجواره وأسرته ومعاملاته، فأين ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]؟ وأين ﴿وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي [طه:14]؟ وأين ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37]؟ فحين تتاجر عليك أنْ تكون ذاكرًا لله في بيعك وشرائك، فلا تغش ولا تكذب ولا تحلف اليمين الحانثة ولا غير ذلك.

القرآن بحاجة إلى قلب

وإذا لم تحصل على القلب لن تنتفع شيئًا من قراءة القرآن ولو قرأته مليار مرة، وهذا بنص كلام الله تعالى حيث يقول: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ أي في القرآن وآياته وسوره، ﴿لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37]، فأولًا يجب أنْ تتَّخذ قلبًا، ثم تقرأ القرآن، حتَّى يعطيك القرآن ثمراته، أولًا عليك أنْ تحرث الأرض وتطيِّبها وتقلع أعشابها وأحجارها ثم تبذر، وبعد البذار تسقي.

ومع عميق الأسف فإنّ مدارسنا الدينية التي تخرِّج العلماء لا تعلِّمهم على منهاج القرآن، عندهم التفسير اللفظي أمَّا القلب فمهمَل، والعقل والحكمة مهمَلان أيضًا، ومعرفة الزمان والمكان والإمكان التي تدخل تحت الحكمة لا يعرفون منها شيئًا، ولذلك فإن أعمالهم فشلٌ في فشل في فشل، وأولهم في الفشل المشايخ.. وهكذا كل طبقات مجتمعنا.

فالغني فاشل ولو صار يملك مئة مليار، إذ ما الذي يستفيده من مئة مليار ومن كل أملاكه؟ فائدته ذَكَرَها الله تعالى بكلمة صغيرة: ﴿جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:2-3]، هو يَفهم إلى هنا فقط، أمَّا كلمة ﴿كَلَّا [الهمزة4] فلا يفهمها، أي ارتدِعْ عن هذه العقلية والأوصاف والسلوك، اجمَعِ المال لتتقرَّب به إلى الله تعالى، ولا يكن همُّك تكثيره فقط، بل استعمله في رضاء الله وفي التقرب إلى الله وفي الأعمال الصالحة.. إلخ.. ولا نريد أن نستطرد كثيرًا.

يصير المسلم قوياً بعد اكتسابه العلم والحكمة والتزكية

قال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ [مُحمَّد:4]، متى سمح الله لهم بهذا؟ ومتى صار؟ لمَّا صاروا مؤمنين بعلوم القرآن، ولَمَّا صاروا بعقل الحكماء، ولَمَّا قاموا بتزكية النفوس وطهارتها وتوجهها وإقبالها على الله تعالى فانعكست فيها أخلاق الله وقوة الله.

وما معنى “لا حول ولا قوة إلا بالله”؟ أي أنا لا حول لي ولا قوة إلا بقوة الله وبحوله، فإذا أردتَ القتال بقوة الله وعند لقاء عدوِّك تبرَّأتَ مِن حولك إلى حول الله تعالى فـ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ [التوبة:14]، ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال:17].

فأين العالِم؟ وأين الجامع الذي يبني هذا المسلم؟ الجامع مصنع والشَّيخ مديره، فيا ترى هل يَصلُح هذا المدير لهذه المهمة؟

مدير معمل السيارات هو الذي يُنتِج السيارات، فكيف إذا كان يُنتِج الحمير ويسمِّي الحمار “شفرليه”، [يقول ذلك الشيخ وهو يضحك]، ويريد ثمنه مليون ليرة، والحمار أعرج؟ أو يُنتِج الخنافس والجرذان؟

لقد ألحد النَّاس بالإسلام والدِّين وصاروا يهزؤون بمعتنقيه، لأنه ليس عند الشيوخ ما يُقنع القلب ولا العقل ولا غيرهما.

هذه السورة نزلت قريبًا من معركة بدر أو بعدها بقليل، خمس عشرة سنة والنبي ﷺ وحده وهو أُمِّيٌّ.. وأنا أمِّيٌّ بالضرب على الآلة الكاتبة، ألستُ أُمِّيًّا؟ أنا لا أعرف، وأمِّيٌّ بصناعة “الْمُسَبَّحَة” [اسم دمشقي للحُمُّص المهروس، وهو من أشهر الطعام الشعبي فيها]، أمَّا بأمور الدين فنسأل الله أنْ يعلِّمنا ما ينفعنا وينفعنا بما يعلِّمنا، والنبي ﷺ كان أمِّيًّا بالقراءة والكتابة، ولكن الله عز وجل علَّمه: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف:65]، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى [الأعلى:6].

تعليم الأخذ بالأسباب والمسببات

قال: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [مُحمَّد:4]، وهذا تعليمنا للأسباب والمسبَّبات، فلا تتحامق بأن تتركه من غير أنْ تستوثق أنَّ العدو لن يتفلَّت منك.

وهذا من الحكمة، وكل عمل يجب أنْ يكون قائمًا على الحكمة، ولو تقليم أظفارك ولو نَكْش [أو تنظيف] أسنانك، وإذا كان شارباك نازلين على فمك فسيتلوَّثان بالطعام ويصيران مأوى للجراثيم، فهل هذه حكمة؟ لذلك أَمَر النبي ﷺ بقص الشوارب حتَّى تظهر حمرة الشفتين، واللحية إذا كانت كبيرة تصير بأقل الدرجات منديلًا عند الطعام، فبدل أنْ ينزل الحساء مباشرة على القميص الأبيض وربطة العنق تسقط على اللحية.. [يقول سماحة الشيخ ذلك وهو يضحك].. ولا نقول هذا، ولكن هي جَمَال الرجال.

الآن ليس الموضوع في اللحية، وهي في كمال الكماليات، وعلينا أن نصل إلى الحجر الأساس. [هناك الأمور الأساسية البالغة الأهمية التي يجب علينا أن نتكلم بها ونبحث، ونعطيها الأهمية الكبيرة، ولا وقت لنا حالياً لمناقشة موضوع اللحية وغيره من الموضوعات التي تُعَدّ من الكماليات والأمور الصغيرة].

من أحكام الأسير في الإسلام

قال: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ، وبعد أنْ شددنا الوثاق وصاروا أسرى ماذا نفعل بهم؟ لم يقل: اقتلوا الأسير، مع أنهم أعداء الدين وأعداء حياتنا وأعداء أوطاننا، إذن كيف نعاملهم؟ قال: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً [محمد:4]، إمَّا أنْ تُطلِقوهم من الأسر مقابل مصلحة من مصالحكم المالية أو الجغرافية أو أي شيء بحسب ما تتطلَّبه مصلحة المسلمين في الزمان والمكان، ﴿وَإِمَّا فِدَاءً، إذا كان لكم أسرى عندهم تبادلون أسيرًا بأسير.

وهذا هو إسلام الدولة وإسلام الحرب وقانون الأسرى، وهذا المَنّ والفداء، أمَّا إذا صار أسيرًا عندنا فكيف نعامله؟ قال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، عليك أن تُعامله كما تُعامل ابن أخيك اليتيم، وتُعامله كما تُعامل مسكين المسلمين، هذا مع أنه عدو مقاتل وفي أسر المسلمين.. فأي حقوق لهذا الإنسان العدو! وكيف يُعامَل في ظل القانون! في ظلّ القرآن والإسلام.

تشويه الإسلام من قِبَل بعض المسلمين

في اليابان في بعض الاجتماعات قال لي بعضهم: نحن نكره الإسلام ونمقته، ولكن الذي نسمعه منك لا يوجد أجمل وأروع منه، فقلتُ له: ولِمَ تمقتون الإسلام؟ قال: لِما نسمع من أعمال بعض المسلمين وباسم الإسلام من أشياء تتنافى مع قواعد الأخلاق وقواعد السلوك وقواعد المعاملة الإنسانية.. وبالتأكيد هناك الدعاية والإعلام المعادي الذي يشوِّه الأمور، لكن رغم ذلك فنحن أيضًا عندنا أخطاء على مستوى الدين وعلى مستوى غير الدين.

إنّ بعض كبار كبراء قادتهم الدينيين حين يسمعون الدين [الإسلامي] يُعجَبون به.. أنا كنتُ هناك مدعوًّا لرئاسة مؤتمر قادة البرلمانيين وقادة أديان العالَم، وكان هذا مؤتمرًا مصغَّرًا عن المؤتمر العالمي ليدير شؤونه، وكنتُ أنا رئيس البرلمانيين فيه ورئيس قادة الأديان، فعلى ماذا جعلوني الرئيس؟ هل على مشيتي العرجاء؟ هل على شيخوختي وعجزي؟ بل لأنهم رأوا الإسلام، ولعلَّي ليس عندي منه واحد من المليون، لقد رأوه بمرآة العقل والفكر والبحث.

والمؤتمر استمرَّ يومين، وأحد قادة أديانهم دعاني لمدة خمسة عشر يومًا للاستجمام والراحة والتكريم، فهل هم يكرِّمون أنفي أو عيني أو يدي أو رجلي أو ظهري أو ملابسي؟ بل هم كرَّموا الإسلام الذي ظهر في المرآة، وعظَّموا الإسلام الذي ظهر في الأبحاث والمحاورات، ورُشِّحتُ لشيء أكبر من ذلك بكثير سأذكره لكم في الوقت المناسب، وتهيَّأَتْ خدمات للعالَم العربي والإسلامي بشكل لا يسمح لي الوقت لأذكره إلا للسيد الرئيس.. وهذا إسلام القول، وكيف لو رأوا إسلام العقل الحكيم؟ وكيف لو رأوا إسلام الإنسانية العالمية؟ وكيف لو رأوا إسلام العلم العالمي، والعلم لكل العالَم؟ وكيف لو رأوا ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201]؟

وهم في كل شؤونهم الحياتية على أكمل الوجوه؛ شوارعهم العامة أنظفُ من أَنظفِ بيوتنا، ونحن الذين نقول: “النَّظَافَةُ من الْإِيمَانِ” 5 ، ونرى عمامة الشَّيخ متَّسِخة، فأين “النَّظَافَةُ مِن الْإِيمَانِ”؟ وأظافره قد تكون ممتلئة بالأوساخ، وربما لا يغتسل بالشهر إلا مرة واحدة، فأين “النَّظَافَةُ من الْإِيمَانِ”؟ عمليًّا هم الذين يطبِّقون “النَّظَافَةُ مِن الْإِيمَانِ”، أمَّا نحن فقوليًّا، بل بعضنا لا يفهمه قولًا ولا عملًا.

الإحسان رغم إساءة الآخرين

قال: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً [مُحمَّد:4]، هذا العدو هكذا يُعامَل، فكيف بمعاملتك لأخيك المؤمن ورِحِمِك وقريبك وأخيك وخالك وعمك وأمك وزوجتك وأختك وأبيك! هذه المعاملة مع عدوك!

مرة أتى رجل إلى النبي ﷺ فقال: “يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي أرحامًا أَصِلهم ويقطعوني، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلي”، قال: ((إنْ كُنْتَ كَمَا تقول فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ))، والْمَلُّ: هو الرماد الحار الخارج من التنور، قال له: إنْ بقيتَ على حالتك فنهايتهم كمَن يملأ فمه بالرماد الحار، كناية عن أنَّ الله سيُحرقهم، ((وَلَا يَزَالُ لَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ)) أي نصير ((مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ)) 6 .

الأمريكي أو الفرنسي بحديث واحد يسلم، وبجلسة واحدة عندما يفهم إسلام الكلام [يَفهَم الإسلام بمجرد الكلام] يُسلِم، فكيف لو رأى إسلام العمل والأخلاق والسلوك! وكيف لو رأى إسلام القلب والروح والصلة الربانية! يكون كما قال القائل

لَو يَسمَعونَ كَما سَمِعتُ كَلامَها خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وَسُجُودا

المعاملة الحسنة للأسير

قال تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً [مُحمَّد:4]، أحد كبار المشركين ممن قَتل من المسلمين أعدادًا اللهُ بها عليم، وقع أسيرًا في إحدى المعارك في يد أصحاب رسول الله.. صلوا على سيدنا رسول الله وعلى أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الرجل كان من كبار قُوَّاد العرب واسمه “ثُمامَة بن أثال”.

[سماحة الشيخ يتكلم عن الخطباء الذين يقومون من المجلس إلى مساجدهم:] أعان الله الخطباء، يخرجون من المسجد وقلبهم هنا، ولكن عليهم خطبة وواجب.

وفي إحدى المعارك وقع ثُمامة أسيرًا، وأحضروه إلى النبي ﷺ، والنبي ﷺ لم تكن لديه سجون ومعتقلات للأسرى ولا لمخالفي الإسلام والقرآن، وليست عنده شرطة ولا محاكم ولا جيش رسمي، بل كان السجن هو الجامع، وهو جامع العلم وجامع الحكمة وجامع تزكية النفوس وإحياء العقول بالحكمة وملء النفوس بالعلم.. أين يُسجَن الأسير؟ يُسجَن في الجامعة.

والجامعة يا بني أنثى، والمثل يقول: “المرأة إذا ربَّت ثورًا لا يَحْرُث”.. والآن كم عندنا من الجامعات في العالَم العربي والإسلامي؟ ربما صارت بالآلاف، فهل استطعنا إلى الآن أنْ نضارع دولة صغيرة من دول أوروبا أو دول الشرق الأقصى؟

مرة دُعيتُ إلى كوريا من قِبَل أحد كبار زعمائها وأغنى أغنيائها وهو في أمريكا، وأتى من أمريكا إلى “سيؤول” ليستقبلني، وكرَّمني تكريمًا بلا حدود، وعنده جامعات ومصانع وإلى آخر ذلك.. [وكانت كوريا متقدمة أكثر من كل البلاد العربية].

ثُمامة في الحبس

والخلاصة أن هناك الجامعة والجامع.. ولو حبس النبي ﷺ ثُمامة في الجامعة.. وهل يمكن أنْ يُسجَن اليومَ مجرم في الجامعة؟ هل يمكن أن يوضع في كلية الشريعة أو كلية الفنون أو كلية العلوم ليرى العلماء والمتعلِّمين وتتحسَّن أخلاقه من رؤية أخلاقهم؟ لقد كان حبس النبي ﷺ في الجامع، ليس الأنثى بل الذكر، ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34].

وكم كانت مدة الحبس؟ مدته حتَّى يحفظ الدرس ويتثقَّف بالثقافة العقلية والفكرية والقلبية والأخلاقية والسلوكية، كم المدة؟ بعد أربع وعشرين ساعة مرَّ عليه النبي ﷺ وقال له: ((كيف أنت يَا ثُمَامَةُ؟)) أي ما موقفك؟ وكيف وضعك؟ قال له: “على حالي” أي أنا على ديني، “إنْ تقتل” أي إنْ تقتلني تكون عادلًا، لأني قتلتُ منكم الكثير، “إنْ تَقْتُل تَقْتُل ذا دم”، فأنا سفكتُ دماء كثيرة من دماء المسلمين، “وإنْ تطلب المال”، إذا أردتَ فداء بالمال “فاطلب تُعطَ ما تريد”، مهما أردتَ من المال فداءً عن إطلاقي من الأسر سأعطيك، “وإنْ تَمْنُنْ” أي لو تُطلِقني بلا مال ولا تذبحني.. انظر إلى هؤلاء الجاهليين الوثنيين العرب، قال: “وإنْ تَمْنُنْ تَمْنُن عَلَى شَاكِرٍ”، أي لن أنسَ معروفك وسأكافئك عليه بكل ما أملك من طاقة.. فتركه النبي ﷺ ومضى.. وفي اليوم التالي مر عليه وقال: ((كيف أنت يَا ثُمَامَةُ؟)) قال: “إنْ تقتل تقتل ذا دم، وإنْ تسأل المال تُعطَ ما تريد” وهل النبي ﷺ أتى ليقطع الرؤوس؟ بل أتى ليضع على الأجسام رؤوسًا فيها عقول حكيمة، “وإنْ تَمْنُنْ تَمْنُنْ عَلَى شَاكِرٍ”، وفي اليوم الثالث أمر النبي ﷺ بإطلاقه بلا مَنٍّ ولا فِداء.

إسلام ثُمَامَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ما هذا النبي؟! شخص قتل من الصحابة وسفك الدماء ومع ذلك لم يضربه فَلَقَة! [الفَلَقَة: عقوبة خفيفة وهي الضرب على أسفل القدمين] ولم يعذبه ولم يُقِم له الاستنطاق، [الاستنطاق: استجواب المُتَّهم من قبل سلطة تحقيق بهدف استخراج المعلومات وتأكيد الأدلة]، وهو يستحق كل ما يمكن تَصوُّره من العذاب مقابل ما عذَّب المسلمين، فأمرهم بفك حباله وإطلاقه، فخرج من الجامع وذهب فاغتسل، وأتى إلى النبي ﷺ فقال: “أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنَّ مُحمَّدًا رسول الله”، فقالوا له: لماذا لم تسلم وأنت في الجامع؟ قال: “حتَّى لا يُقال: إنِّي أسلمتُ خوفًا من السيف أو أسلمتُ مُكرَهًا” 7 .

انظر كيف كانت نفسية الإنسان العربي! ثم بثلاثة أيام في حبس النبي ﷺ للمجرم الأكبر والعدو الأعظم تخَرَّجَ: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [الأحزاب:23].

القلب سبب للنفع

﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ [مُحمَّد:4]، إما أنْ تَمُنَّ عليهم كما فعل النبي ﷺ، وهنا لم يأخذ فداءً، ولكنه أخذ قلبه، وأفضل من أنْ تأخذ مالَه خذ قلبه، وأفضل من أنْ تسبَّه أحبَّه، وأفضل من أنْ تسيء له فتزداد عداوته أحسِن له فتخفف عداوته أو تكسب وداده: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].

أكبر عقل.. الله تعالى لا يُقال عنه: عاقل، ولا يُنسَب له العقل في مذهبنا، وأنا ليس عندي سُنّة وشيعة، [أي ليست في قاموسي ولا أرضى بتسمية المسلمين سنة وشيعة]، لكن هذه آراء العلماء، وعند إخواننا المسلمين في إيران يُطلَق العقل على الله تعالى، أليس هكذا؟ [يسأل سماحة الشيخ هذا السؤال لأحد الضيوف الحاضرين في المسجد من علماء إيران]، وفي الواقع لا يوجد خلاف، فالمراد من العقل ليس عقلنا بل عقل الله، وعقل الله كله حكمة، فلماذا نجعلهما مذهبين مع أنه لا خلاف بل الخلاف شكلي وصوري؟ فإذا وضعتَ جوهرة في صندوق أحمر أو أسود هل تختلف؟ أسأل الله أنْ يصلح المشايخ ويهدينا.

يجب عليك أن تمشي على هدي الله تعالى وكلام الله، لكن لا يمكنك ذلك ولن يمكنك -ولو قرأتَ جميع كتب الدنيا- حتَّى يصير لك قلب، وإنْ لم يصر لك قلب لن تنتفع بعلمك.. وليس المقصود قلب الدم، فقلب الدم هو التَّخْت والسرير لقلب الروح، [التَّخْت: الكلمة العامية للسرير الذي ننام عليه]، وهو بيتٌ لقلب روحك، ولذلك يقول بعض أصحاب القلوب

قُلُوبٌ إذا منهُ خلَتْ فَنُفُوسُ لأحرُفِ وَسواسِ اللَّعِينِ طُرُوسُ

“خلت”: إذا القلوب خلت من ذكر الله تعالى ومن خشية الله ومن نور الله، “فنفوسُ”: نفوسٌ أمَّارة بالسوء ونفوس شيطانية، “طُرُوْسُ”: أي دفاتر، فتصير القلوب “دَفَاتِر”، [دَفَاتِر: جمع دَفْتَر، وشَكْلُه كالكتاب تماماً، وهو أوراق فارغة مُعَدَّة للكتابة]، والذي يؤلِّف فيها ويكتب هو الشيطان، فيصير قلبك كتاب الشيطان يكتب فيه وساوسه وأنت مهيَّأ، فتتحول وساوسه إلى أعمال وسلوك وأخلاق.

وإنْ مُلِئَتْ مِنهُ ومِن نُورِ ذِكْرِهِ فَتِلكَ بُدُورٌ أَشرَقَتْ وَشُمُوسُ

“مِنْهُ”: يعني إنْ مُلئت من جلاله ومن خشيته ومن محبته.. فنسأل الله أنْ يجعلنا من أهل القلوب، وأسأله أنْ لا يحشرنا بألسنة بلا قلوب وبإسلام بلا قلب.

﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ [ق:37]، أي أعطى كل فِكره.. والفكر هو المقدمة للقلب.

نصر الله تعالى

﴿حتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ [مُحمَّد:4]، الله تعالى لا يحتاج أحدًا منكم لنصرة دينه، فالله أغرق أعداءه في زمن نوح عليه السَّلام بالطوفان، وفي زمن صالح عليه السَّلام بصيحة من السماء، وأهلك عادًا بريح صرصر عاتية، وفرعون بالغرق.

وجعل الله عز وجل الإسلام أرقى الأديان حتَّى يستخرج من النفوس طاقاتها العقلية والفكرية والعلمية فلا تحتاج إلى الخوارق ومعجزات الأنبياء، وبذلك يترقَّى الإنسان ويصل إلى قمة العلم والحكمة والإنسانية، ولذلك قال الله تعالى عن المسلمين في عصر النبي ﷺ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].

﴿وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]، فالحياة نضال وأسباب ومسبَّبات ظاهرة مادية، وباطنة روحية وعقلية وفكرية، ودنيا وآخرة، هذا هو الإسلام، فهل يُصنَع طالب العلم في الكليات والجامعات على هذا الأساس؟ هل تمشي السيارة إذا كانت بلا عجلات أو إذا كانت بلا مَحَرِّك أو إذا كانت بلا مِقْوَد؟

معنى القتال في سبيل الله

﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [مُحمَّد:4]، انظر كيف ربَّى الإسلام المسلم العربي على الجهاد وعلى التضحية وعلى الفدائية! وفي سبيل ماذا؟ في سبيل الله عز وجل.. قالوا: يا رسول الله أحدنا يقاتل شجاعة، وأحدنا يقاتل حَمِيَّة -يحمى لعشيرته- وأحدنا.. وأحدنا.. فأينا في سبيل الله؟ قال: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا)) ليس للسلب والنهب والاستعمار والاستيلاء على الشعوب وخيراتها، وكلمة الله: القرآن هو كلمة الله، فالقتال في سبيل العلم والحكمة وتزكية النفوس هو سبيل الله ((فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) 8 .

فكم حُرِّف الإسلام في أفهام كثير من المسلمين؟! أمّا في أفهام غير المسلمين فأنا رأيتُ في أمريكا وفي كثير من المَواطن والمؤتمرات حين يسمعون الجهاد [من الشيخ أحمد كفتارو] فبدل أنْ يعيبوا به الإسلام صار مما يَفْتَخِر به المسلمون، وهذه هي الحقيقة، فهل قاتل النبي ﷺ لأجل المال أو الْمُلك؟ وقد خيَّره جبريل عليه السَّلام أنْ يكون ملِكًا نبيًّا فقال: ((عَبْدًا نَبِيًّا)) 9 ، ليس إنسانًا نبيًّا بل عبدًا نبيًّا، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله.

السنة هي الاقتداء بالنبي ﷺ في كل شيء

وما السنة؟ إنْ كنتَ تظنّها إعفاء اللحية فقط فكثير من الحيوانات لها شعر على بدنها ووجهها أطول من لحيتك بخمسين مرة، اللحية سنة، وهي على العين والرأس ولا ننكرها، ولكن أين السُّنَّة في العلم؟ ألا يجب عليك أن تقتدي بالنبي ﷺ في علمه وفي حكمته وفي تزكيته لنفسه وتزكيته لنفوس أمته؟

أين السنة في فهم القرآن؟ أين سُنَّة: “كَانَ عُمَرُ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ” 10 ؟ وكان أصحاب رسول الله ﷺ ورضي الله عنهم كما وصفهم النبي ﷺ: ((حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ فُقَهاءُ، كَادُوا أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) 11 ، فأين نحن من الإسلام الحقيقي حتَّى نصل إلى هذه الشهادة؟ شهادة ((عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ فُقَهاءُ، كَادُوا أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)) كادوا أن يكونوا أنبياء في هداية الخلق ودعوتهم إلى الله وتحويلهم من الشقاء إلى السعادة ومن الجهالة إلى المعرفة ومن الحيوانية والسَّبُعِيَّة إلى الملائكية.. هذا سبيل الله.

حقيقة الموت في سبيل الله

قال: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [مُحمَّد:4].. لقد كانوا -بسبب ثقافتهم بما بعد هذه الحياة وبسبب استكمال معرفتهم بالموت وحقيقة الموت- يشتاقون إلى أنْ يموتوا لا في سبيل المال أو الشهوات أو الغضب أو الأهواء أو المصالح، بل في سبيل الله، أي في سبيل نشر العلم لكل العالَم، وإنقاذِ العقول البهيمية والحيوانية لتكون عقول الحكماء، وتهذيب الأخلاق لتكون الأخلاق الملائكية.. وعرفوا الموت أنَّه انتقال من الحياة الأحقر إلى الحياة الأعظم، وأنه انتقال من حياة الحيوان في هذا الجسد الذي حُبِسنا فيه ولا نستطيع الرؤية إلا من خلال هاتين النافذتين [العينين]، ولا نسمع إلا من هاتين الفتحتين [الأذنين]، أمَّا حين تخرج من الجسد فإنك ترى من كل جهاتك.

بعض إخوانكم من أهل الذكر أخبرني أنه كان مرة في الختم مع شيخنا، وظَهرُه إلى باب الجامع وهو مغمض عينيه وفي حال الذكر، قال: وإذ بي صرتُ أرى جميع من يدخلون إلى الجامع مع أنَّ ظهري باتجاه الباب.. فهذا صار له شيء من انطلاق الروح من سِجْنِها فصارت تُبصر من كل جهاتها.

والصحابة رضي الله عنهم عرفوا الحياة التي بعد هذه الحياة الحقيرة في هذا الجسد الذي نربِّيه للدود، وماذا يكون في آخر مراحله؟ في آخر مراحل الدراسة تحصل على الدكتوراه، وفي آخر مراحل جسدك سيكون جيفة مثل جيف الحمير، أمَّا الصحابة رضي الله عنهم فقد عرفوا الحياة على غير هذا، عرفوها أنها: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]، كان أحدهم يذهب إلى المعركة ويقول: “اللهم لا تردَّني إلى أهلي خائبًا وارزقني الشهادة” 12 .. وكان النبي ﷺ يقول: ((وَدِدْتُ لو أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، هل عرفتم ما سبيل الله؟ هو نشر العلم لكل العالَم، ونشر الحكمة وإنقاذ العقول من بهيميَّتها وسَبُعِيَّتها إلى عقل الحكماء، وتحويلها من أخلاقها الشيطانية إلى الأخلاق الملائكية.

قال: ((وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ)) 13 ، حتى مئة مرة، لِما رأى من عظيم منزلة الشهداء في سبيل الله في عالَم الروح.. لذلك هل يخاف هؤلاء من الموت؟ كانوا يقولون عند ذهابهم إلى المعركة

يا حَبَّذا الجنَّةُ واقتِرابُها طَيِّبةٌ وباردٌ شَرابُها وَالرُّومُ رُومٌ قَد دَنا عَذابُها عَلَيَّ إنْ لَاقَيتُها ضِرابُها

إكمال عمل الشهيد ولو كان ناقصًا

قال: ﴿فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [مُحمَّد:4]، الشهيد حين يصعد إلى عالَم الروح إنْ لم يكن مستكمِلًا لحياته الروحية ولأنواره القدسية الربانية يُكَمِّلُه الله بعد مفارقة جسده الترابي الفاني، لأنه بذل حياته الجسدية في سبيل الله.

﴿سَيَهْدِيهِمْ في مقام الروح، ويعرِّفهم ويزيدهم علمًا وقربًا، ﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ [مُحمَّد:5] في عالَم الأرواح، ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [مُحمَّد:6]، وقد عرَّف الله لنا الجنة وأحوالها وإلى آخر ذلك.

ثم قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.. الإيمان له حقيقة، واللسان هو ترجمة وقول، فإذا قلتَ بلسانك: أنا وزير.. وكنتَ كاذبًا في الواقع فهل تنفعك كلمتك وادعاؤك أم تضرك؟ وإذا أصررتَ فأنت بين أمرَين، إما أن تُؤخَذ إلى الشرطة والمحاكمة والتحقيق أو يأخذونك إلى “القصير في دوما” مستشفى المجانين، [القُصَيْر: اسم مشفى المجانين المتعارف عليه بين الناس، ودوما: منطقة قريبة من دمشق]، لأنَّك كاذب فيما تقوله، وإنْ قلتَ: أنا طبيب جرَّاح.. وأنت في الحقيقة “لَحَّام” [جَزَّار] فإمَّا أنْ تصير مَحلًّا للهُزْء أو تُفضَح حين ترغب بمباشرة الجراحة.

قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [محمد:7] أي آمَنوا بقلوبهم، وآمَنوا بفنائهم عن أهوائهم وعن أنانياتهم وعن شهواتهم وعن أوطانهم وعن أهليهم، وصارت قِبلة مقاصدهم وإراداتهم وهممهم ورغباتهم: “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”، و”لا إله إلا الله”، لم يبقَ ما يتولَّهون به ويعشقونه ويسيطر على إراداتهم وسلوكهم وعقولهم وأفكارهم إلا الله، فهذا معنى “الله” بشكلها الحقيقي الصادق، أمَّا أنْ تقولها [وبِمُجَرَّد القول لا يَتَحَقِّق فيك هذا المعنى].

[قوله: هذا معنى “الله” بشكلها الحقيقي الصادق، بمعنى أنك تحصل على هذه المعاني وتتحقق فيك إن كان الله في قلبك حقيقة وصدقاً لا زعماً بالأقوال.. ويركِّز سماحة الشيخ على كلمة “الله” لأن طريقته في الذكر والتي أخذها من شيوخه وعَلَّمَها لتلامذتها هي ذكر وتكرار “الله الله الله..” آلاف المرات يومياً، وهو ذكر بالقلب لا باللسان.. فالذاكر إن كان ذكره حقيقياً وكان صادقاً في ذكره يصل إلى هذا المعنى الذي ذكره الشيخ].

وإذا كنتَ فقيرًا جائعًا منذ ثلاثة أيام وليس معك ثمن رغيف خبز وقلت: أنا مليونير.. هل يفيدك ذلك؟ فكيف إذا قلتَ: أنا مسلم! وأنت لا تعرف الإسلام علمًا ولا فكرًا ولا قلبًا ولا أخلاقًا ولا مرشِدًا ولا مربِّيًا ولا طبيبًا يطبِّب أخلاقك وعقلك وفكرك.. وإذا كنتَ تحتاج لعملية جراحية فإنك تسلِّم نفسك للطبيب ليخدِّرك حتَّى يمزِّقك ويقطِّعك ولا تُعارِض، ولكن هذا إذا كان طبيبًا مختصًّا، أمَّا إنْ كان لحَّامًا في سوق العَتِيْق، [اللَّحّام: الجَزَّار، وسوق العَتِيْق: سوق شعبي لبيع الأشياء الرخيصة والمستعمَلة في دمشق، وفيه بعض الجزارين]، وسلَّمتَ نفسك له ليُجري لك عملية في رقبتك؟ فليتك كنتَ خروفًا، لأنك في النهاية يباع لحمُك ويُستفاد منه، لكنك لا تصلح لشيء.. فأسأل الله عز وجل أنْ يجعلكم أطباء ويجعلكم أصحاء العقل والقلب والروح، ثم يجعلكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وحسب التسلسل والمراتب القرآنية.

معنى نصر الله

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ [مُحمَّد:7]، وهل الله في معركة مع بوش أو غوربتشوف؟ [بوش: رئيس أمريكا، وغوربتشوف: رئيس الاتحاد السوفيتي] ولكن المعنى إنْ تنصروا دين الله، ونصرةُ دين الله أنْ تنصر أوامر الله على رغباتك وعلى أهوائك وعلى أنانيَّتك في حال رضاك وغضبك، وفي حال ربحك وخسارتك، وفي حال محبتك وعداوتك، وفي حال مطامعك وأرباحك، وفي بيعك وشرائك، ومع صديقك وعدوك.. هذا معنى ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ [محمد:7].

الكشف والأنوار وسيلة لتقوية الإيمان والالتزام بالشرع

وقد تَذكُر اللهَ عزَّ وجلَّ وتصير لك أنوار وأحوال وكشف وترى روحانية النبي ﷺ، فلا تغترُّوا! فهذه لا تساوي “فرَنْكًا” إنْ لم تكن في الحياة مع الشرع ظاهرًا وباطنًا، بل هذه حالة ووسيلة ليقوى إيمانك. [الفرنك عملة سورية، وكان يُستَخدم بقوة في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين، وكان يساوي عشرين قرشًا، وكانت الليرة تتألف من مئة قرش، لكنه في زمن هذا الدرس 1990م لم يعد له قيمة أبداً.. والمقصود أنها لا تساوي شيئًا].

فإذا حصلتَ على الوسيلة ولم تستعملها فما الفائدة؟ لو حصلتَ على السيارة ولم تركبها، أو حصلتَ على ألف ليرة ذهبية وأنت تكاد تموت من جوعك ولم تستعملها فما الفائدة؟ كذلك أحوال القلب وأنوار الطريق هي وسيلة لدعم الشريعة والإتيان بأحكام الله على الوجه الأتمِّ الأكمل.

وكثير من النَّاس يغترُّون بأحوال القلب وأحوال الكشف وتجد أعمالهم كلّها مخالفةً للشرع، فهذا مكر واستدراجٌ خفيٌّ وجهل وغرور، حتى لو مشى على الماء أو طار في الهواء فهذا جهل وغرور ومهلكة له ولكل من يتعلَّق به، وكثير من النَّاس يتعلَّقون بهذه الأشياء فلا تجدهم إلا هَلكوا وأَهلَكوا.

كان هناك شخص في الغوطة رحمه الله وآخر أعرفه بعد وفاة شيخنا كادا يكونان فتنة للناس، لكن الله عزَّ وجلَّ من عنده تولى أمرهما وأخذهما إليه.. ونسأل الله أنْ يغفر لنا ولهما وللمسلمين أجمعين.

النصر يحصل بالاستعداد والتهيئة

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [مُحمَّد:7]، فإذا كنتم في المعركة مع العدو ينصركم، ومتى ينصركم؟ إنْ دخلتم المعركة في الوقت الذي يأمركم الله به، وهو حين تكونون مجهَّزِين بكل الوسائل القلبية والروحية والحكمة والأسباب والمسبَّبات، ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، [وكلّ هذا التجهيز والإعداد لتحصلوا على]: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ أليس هذا قرآنًا؟ والآن نريد أن نقاتل بمسدس قَرَدَاغ [نوع ضعيف وقديم من السلاح اليدوي] ضد شخص معه رشَّاش ثقيل يصيب من بُعد خمس مئة متر، فهل يغني هذا المسدس عن حامله شيئًا حتى وإن كان يصلي ويصوم ويتهجد وحَجَّ خمسين حجة؟ هل هذا ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [مُحمَّد:7]؟ هذا خَذَل دين الله واللهُ لا ينصره.

النبي ﷺ هل دخل معركة قبل أن يهيِّئ كل أسبابها؟ ومع كل ما هيَّأه لم يكن يريد الحرب، ففي بدرٍ لم يُرِدِ الحرب، وفي أُحُدٍ أراد الحصار، وفي الخندق جعله حصارًا، وفي فتح مكة ربط كل الطرقات حتَّى يفاجئهم فلا يُسفك دم، وفي السرايا كان يبلغه تجمع بعض العرب عن طريق مُخَابَرَاته الذين هم من أدقِّ المخابرات، [المخابرات: مَن يتحسس الأخبار سرّاً]، وهذا التَّجَمُع يكون بِذْرَة [لحروب أو فتن كبيرة]، فيبعث إليهم بعض الصحابة فلا يمشون في النهار، بل يكمنون في النهار في الوديان والجبال والمغارات ويمشون في الليل، حتَّى يَصِلوا إلى محلِّ تجمع الأعداء، وفي منتصف الليل يهاجمونهم.. فقتل زعماء اليهود وهم داخل قلاعهم وحصونهم.

هذا ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [مُحمَّد:7]، [ينصركم حين تقومون] بالأسباب والمسبَّبات وبالإيمان القلبي الروحي اليقيني، وبفهم القرآن، وكل قضية تعطيها أسبابها وكل وسائلها وكل ما يحتاج إلى تحقيقها، مع التوجه إلى الله عزَّ وجلَّ ومع امتثال كل أوامر الله.

هزيمة الصحابة عندما خالفوا أمر رسول الله ﷺ

والصحابة رضي الله عنهم في حنين وأُحُدٍ كان قائدهم النبي ﷺ وهل انتصروا أم انهزموا؟ ألم ينصروا دين الله؟ ألا يجب أنْ ينصرهم الله؟ فإما أن يكون كلام الله صحيحاً أو غير صحيح، فإن كان صحيحًا يعني هذا أننا على خطأ، أليس كذلك؟ وإن كنا نحن على صواب وكلام الله غير صحيح فهذا لا يصح.

في أُحُدٍ وضع النبي ﷺ خمسين راميًا وراء الجيش ليحموا ظهورهم، وقال لهم: ((إذَا رَأَيْتُمُونَا رَكِبْنا عَلى أَكتافِ قُريشٍ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ، ولو رَأَيْتُمُونَا قَتلَى تَأكُلُنا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ)) 14 ، فانتصر المسلمون وبدؤوا بجمع الغنائم، فنزل إليهم الرماة المكلَّفون بحماية ظهورهم وهم يحسبون أنَّ المعركة قد انتهت، وتركوا أماكنهم، فقال لهم رئيسهم: إنَّ النبي ﷺ أَمَرَنا بلزوم مكاننا، ولكنهم لم يُطيعوه، وقالوا: انتهت المعركة.

فأتى الكفار من وراء ظهر الجيش وجعلوا المسلمين بين فكَّي كماشة وانعكس الحال، وبعد النصر حصلَت الهزيمة، لأنهم لم ينصروا دين الله تعالى في امتثال أمر عسكري حربي.. في الصَّلاة كانوا يُصلُّون، وفي التهجُّد كانوا يتهجَّدون، وهم من الخاشعين ويحبُّون الله ورسوله، لكنهم خالفوا أمرًا فنِّيًّا فهُزِموا.

وفي حنين قالوا: “لن نُغلَب اليوم عن قِلَّة” ونسوا الله تعالى لأنهم صاروا كثيرين: ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25].. ونحن إذا صلى أحدنا الضحى وصام ثلاثة أشهر وهو “لا يَفْهَم القُرَّة من ذَنَب الثور” يحسب أنَّه نَصَرَ الله، وينتظر أنْ ينصره الله على بوش وعلى غوربتشوف، ولكن الله لن ينصره حتى على جرذ.. هل فهمتم؟ [“لا يَفْهَم القُرَّة من ذَنَب الثور”: مثل شعبي معناه أن الشخص غير المتعلم أو قليل الخبرة لا يفهم الأمور العميقة أو المُعَقَّدة، ويقتصر فهمه على الأشياء الظاهرة والبسيطة.. فإذا كان شخص لا يستوعب أمراً بسيطاً، كذَنَب الثور مثلاً، كيف له أن يفهم المعاني العميقة أو “القُرَّة”.. ويمكن القول إن المعنى العام لهذا المثل: لا يفهم شيئاً ولا يُمَيِّز الصحيح من السقيم].

الإسلام دين ودنيا، عقل وعلوم، حياة وفكر، عواقب وطاقات، والجامعُ هو مدرسة الإسلام فأين المدرِّس؟ يا للحسرة عليه! أسأل الله أنْ يُعَمِّر الجوامع بأساتذتها وبثقافتها وبرجالها وبتلامذتها.

وجوب الاستمرار على التقوى

﴿يَنْصُرْكُمْ ليس فقط ينصركم، بل: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [مُحمَّد:7]، فهنا وعدان، ما الأول؟ ﴿يَنْصُرْكُمْ، وما الثاني؟ ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [مُحمَّد:7] وهذا جواب الشرط، والشرط: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ.. فإذا نصرتم الله ونصركم، ثم بعد سنتين أو ثلاث هُزِمتم، لماذا هُزِمتم؟ لأنكم لم تستمروا على الثبات على نصرة دين الله، فبعد النصر يجب أن تستمرّوا على نصر دين الله وتستمرّوا على التقوى.

والنبي ﷺ نصره الله لأنَّه نصر دين الله، وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان وسيدنا عليّ رضي الله عنهم، ثم بدأ المسلمون يتأخَّرون، لأنَّ أقدامهم لم تثبت على نصرة دين الله.. وهذه الآيات تحتاج إلى درس آخر إذا أحيانا الله تعالى لأن المؤذن أذَّن.. فنسأل الله عز وجل أنْ يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وأسأله تعالى أنْ يهيِّئ للعالَم كلّه وللمسلمين قبل كل شيء من يُرْجِعهم للإسلام، وأنْ يهيئ لهم فقهاء يفقِّهونهم بفقه الإسلام وروحه، وبفقه القرآن وحكمته: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]، وأن يهيئ لهم من يُزَكِّي نفوسَهم: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، وأين المزكي؟

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. كشف الخفاء للعجلوني، رقم: (609)، (1/200)، المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (185)، ص: (167)، تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (39)، تفسير ابن كثير (1/42)، بلفظ: ((أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ))، قال ابن كثير: معناه صحيح، ولكن لا أصل له.
  2. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين رقم: (71)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقم: (1037)، عن معاوية رضي الله عنه.
  3. البداية والنهاية لابن كثير، (5/94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
  4. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6137)، بلفظ: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  5. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (7311)، بلفظ: «تَخَلَّلُوا، فَإِنَّهُ نظافةٌ، وَالنَّظَافَةُ تَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الْجَنَّةِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، وفي المجروحين من المحدثين لابن حبان، رقم: (1121)، بلفظ: ((تَنَظَّفُوا فَإِنَّ الإِسْلامَ نَظِيفٌ وَلا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَظِيفٌ))، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
  6. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم: ((2558))، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (10289)، بلفظ: ((أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ)). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  7. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، رقم: (4114)، وصحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، رقم (1764)، بلفظ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ)) فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: ((مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ)) قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: ((مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ)) فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ: ((أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ)) فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)).
  8. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، رقم: (2655)، ومسلم في الإمارة باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا رقم (1904)، بلفظ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  9. السنن الكبرى للنسائي، كتاب الوليمة، باب الأكل متكئا، رقم: (6743)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (1452)، بلفظ: أن الله تبارك وتعالى أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بين أن يكون عَبْدًا نَبِيًّا أو مَلِكًا نَبِيًّا فأشار إليه جبريل عليه السلام أن تواضع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل عَبْدًا نَبِيًّا»، قال: فما أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا، عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
  10. صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: (6856)، بلفظ: ((عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ فَقَالَ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ﴾ وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ)).
  11. سبق تخريجه.
  12. أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، ترجمة عمرو بن الجموح (4/194)، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (3/1168)، بلفظ: ((وَكَانَ عَمْرو بْن الجموح أعرجاً، فقيل لَهُ يَوْم أحد: والله مَا عليك من حرج، لأنك أعرج، فأخذ سلاحه وولى، وَقَالَ: والله إِنِّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هَذِهِ فِي الجنة، فلما ولى أقبل على القبلة، وَقَالَ: اللَّهُمَّ ارزقني الشهادة، ولا تردني إِلَى أهلي خائباً".
  13. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، رقم: (36)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، رقم: (1876)، بلفظ: ((انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، واللفظ للبخاري.
  14. صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يُكرَه من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه، رقم: (2874)، (3/1105)، بلفظ: ((جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ...))، عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
WhatsApp