تاريخ الدرس: 1995/03/17

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:35:12

سورة النبأ، الآيات: 31-40 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلوات وأعطرُ التحيات على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه المجاهدين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وأخوَيه سيدنا موسى وعيسى، وجميع الأنبياء والمرسلين، وبعد:

معنى النبأ وأهميته في حياتنا

مر معكم تفسير سورة النبأ، وأن المراد مِنَ النبأ الخبر الهائل العظيم وهو الخبر عن يوم القيامة، أو الخبر عن حياة الخلود وسعادة الأبَد لأناسٍ، وشقاء وتعاسة الأبَد لأناسٍ آخرين.. والخِيار في هاتين الحياتين للإنسان في هذه الدنيا، فإذا اختار سعادة الأبَد وسَلَك طريقها وأدَّاها حقوقها فإن الله عز وجل يُعطي العبد ما اختاره وأراده واستجاب فيه لنداء ربه، وإن اختار الشقاء وسَلَك طريقه وصاحَبَ الأشقياء وكانوا هم جُلساءه وأصدقاءه وسُمَّاره فهو قد اختار ما اختار، والله يقول: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] وقال أيضًا: ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37] وقال: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت:40].

فإذا زَرع المزارِع شوكًا فهل له الحق أن يعتب على الله عزَّ وجلَّ لأنه لم يُنبِت في أرضه وردًا أو قمحًا أو شعيرًا؟ فالله يقول له: أنت اخترتَ بِذار الشوك وهذا حصاد ما زَرَعتَ، [ويكون اللوم عليه].. ويوم القيامة عندما يقول الناس: أضلَّنا الشيطان وأزاغنا، يكذبهم الشيطان، وقد ذكر الله تعالى في القرآن هذا الحوار حيث يقول الشيطان حينها: ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم [إبراهيم:22] نسأل الله عز وجل أن يرزقنا العقل الذي يُدرك الأمور بحقائقها، ويعمل على مُقتضى الحقائق.

نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة

إذا عرفتَ أن هذه جمرةٌ، وتحقَّقتَ مِنْ معرفتها، وعمِلتَ بمقتضى المعرفة ولم تضع أصابعك عليها، ووضعتَها في المطبخ لتطبخ طعامك فقد انتفعتَ بها، وإذا عاملتَها على عكس ما خُلِقَتْ له، بأن وضعتَها في جيبك أو تحت قميصك فليس هنا موضِع النار، وأنت استعملتَها في غير ما خُلِقَت له، فعاكستَ قوانين الحكمة، وعاكستَ حكمة الله عز وجل في خَلْق الأشياء، فالملامَة على مَنْ؟ والمسؤولية على مَنْ؟

إن سورة النبأ وقبلها سورة المرسلات وقبلها سورة الدهر أو الإنسان وقبلها سورة القيامة وقبلها سورة المدثر كلُّها تدور -ونصف القرآن يدور- حول مستقبل الإنسان الأبَدي، والقرآن لم يكتفِ بأن ذكَّر الإنسان بأمور الآخرة، بل وضع له المخطط لسعادته في الدنيا ولسعادته الأبدية في الدار الأخرة.. فلمَّا فهِمَ العرب وفقِهُوا وعلِموا القرآن العِلم النافع، العِلم الذي يَتْبَعه العمل والتطبيق والتنفيذ كانوا في دنياهم أسعد خلق الله وأعز خلق الله وأغنَى خلق الله وأعلَم خلق الله وأعظَم الأمم تقدُّمًا ورِفعَةً ومكانةً وتاريخًا عالميًّا دنيويًّا أبَديًّا، ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وإذا قلنا: نسأل الله أن يهدينا، فالله تعالى يقول: ﴿وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5].

إذا أخرَجتَ مقوَد السيارة عن طريق الإسفلت، وقلتَ: “اللهم هيِّئ لي طريق الإسفلت”، وأنت بيدك تُخرِج مقوَد السيارة عن طريق الإسفلت فهل يستجيب الله دعاءك؟ ودعاؤك هذا دعاء المعتدين الذي ذكره الله عز وجل في القرآن العظيم: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] أي المعتدين في الدعاء، بأن تطلب مِنَ الله شيئًا وقد مَلَّكك أسباب الوصول إلى مطلوبك، فتُهمِل الأسباب الموصلة وتعمل عكسها، كأن تعزِم على أن لا تتزوج، ثم تسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزُقك الولد، هذا ما اسمه؟ هذا اعتداء في الدعاء، تقول: “اللهم أَعِزَّنا” ولا تسلك طريق العز، أو تقول: “اللهم انصرنا على القوم الكافرين” ولم تُهيِّئ: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم ما اسْتَطَعْتُم من قُوَّةٍ [الأنفال:60]، فهذا اسمه اعتداءٌ في الدعاء، وإذا اعتديتَ في الدعاء فهل يستجيب الله لك الدعاء؟ لقد شَرَط الله عز وجل لاستجابة الدعاء أن نستجيب لدعائه: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] يعني حتى أستجيب لهم، وقال أيضًا: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة:40] ونحن نقول: “انصرنا على القوم الكافرين” والله شَرَط لذلك فقال: ﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

مصير الناس في الآخرة

الآن نحن في آخر تفسير سورة النبأ، فمِنَ النبأ يذكُر الله عزَّ وجلَّ مصير مَنْ استجاب لله، ومَنْ أصغى إلى نداء الله، ومَنْ سارع إلى امتثال أوامره، ومَنْ أدى الواجبات التي أوجبها الله تعالى، واجتنب وابتعد عمَّا حرمه، فهذه المعاني اسمها “تقوى الله”، والمتقون ما مصيرهم؟

ولقد ذُكِر لكم في الدرس الماضي عن الطاغين: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا [النبأ:21] تترصدك وتنتظِرك حتى تصل، وعندما تصل تُلقِي بمخالبها على عُنقك، فالذين تجاوزوا أوامر الله إلى نداء أهوائهم وطُغيانهم وفسادِهم وإفسادِهم، ﴿لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) رجوعًا إلى جهنم، ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا [النبأ:22-23] يعني السجن المُؤَبَّد.. نسأل الله تعالى أن يحمينا، واللهِ إن الإنسان عاجزٌ ويُعذَّب لو أُوقِف ساعة واحدة، المسافر إذا قالوا له عند الحدود: أنت موقوفٌ لساعتين، ألا يتضايق؟ فكيف بجهنم ﴿لَابِثِينَ وماكثين ﴿فِيهَا أَحْقَابًا [النبأ:23]؟ والحُقْب أو الحُقْبَة: ثمانون سنة، واللهُ عزَّ وجلَّ لم يذكر عدد الأحقاب، ولكن قال في آياتٍ أخرى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن:23] فواللهِ إننا لا نستطيع أن نتحمَّل التوقيف “بالمَخْفَر” [مركز الشرطة] ساعةً واحدةً، أليس كذلك؟ وكل ما يوجب أن تتوقف في الشرطة أو في السجن تبتعد وتتحرز مِنْ وقوعك فيه، فكيف بالله وهو يُنذِرك ويُحذرك، وهو جبار السماوات والأرض! فأيهما تُعظِّم أكثر، هل الشرطي أم أوامر الله؟ فهل هذا إيمان؟ وهل هذا فهمٌ وعِلم؟ نسأل الله عز وجل أن يرزقنا التوفيق ويرزقنا رعاية الله وعنايته.

والآن ذكر القسم الثاني، وهم المتَّقون: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31] والتقوى في الأصل: امتثالُ وتطبيقُ وعملُ كل ما أمَرَ الله به في جوارحك وفي سرائرك وفي تفكيرك وفي أعمالك وفي بيعك وفي شرائك وفي أكلك وفي شربك وفي كل شؤونك، فعليك أن تراقب الله، وتعمل حسب ما أمرك الله به، والشرطي إذا امتثل أوامر الدولة فهذا لمصلحة الدولة، أما إذا أمرك الله عز وجل بشيءٍ فهو ليس لمصلحته إنما لمصلحة الإنسان، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً للْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، ومما يُقال: “خَلقْتُ الخَلْقَ لِيَربَحوا عَلَيَّ لا لأَربَحَ عَليهِم” 1 نسأل الله عز وجل أن يرزقنا العقل، ولكن أيُّ عقل؟ عقل الموفَّقين السُّعداء، ولا يرزقنا عقل الأشقياء، ولا عقل الجرذان، وهل الجرذ له عقلٌ أم ليس له عقل؟ مِنْ عقله أنه يعرف عشه، ومِنْ عقله أنه يعلم كيف يبحث عن رزقه، فإذا رأى شيئًا يضره يبتعد عنه، وإذا رأى كلبًا -والكلب يقضي على الجرذ- يفر منه، وهل هذه دلالة على أنه بعقلٍ أم بلا عقل؟ هذه الطاولة ليس لها عقل، والذبابة عندما تمد أصبعك نحوها ماذا تفعل؟ تطير، لأنها تخشى أن يُصيبها ضررٌ مِنْ هذه الحركة.. فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا عقل الموفَّقين.

الحردون لها عقل والجرذ له عقل والكلب له عقل، والشقي له عقل؛ عقل الشقاء، والسعيد له عقل؛ عقل السعادة، والمؤمن له عقل؛ عقل الإيمان، والفاسق له عقل؛ عقل الفسوق، والعقل بالأصل هو شيءٌ واحد، ولكنك إمَّا أنْ تُحسِنَ استعماله أو تسيء استعماله، فإذا أحسنتَ استعمال السيارة إلى الحج تُوصلك إلى مكة والمدينة، وإذا أسأتَ استعمالها تُوصلك إلى الهاوية، أو توصلك إلى الآخرة.. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا عقل التوفيق، ويحمينا من عقل المخذولين وعقل الخذلان.

مصير المتقين

﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31] المفَاز: مصدر مِيْمِي يعني: إن للمتقين فوزًا عظيمًا ونجاحًا كبيرًا وعِزًّا مُستطيرًا، وسعادةً في الدنيا قبل الآخرة: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [الزمر:30] “في هذه الدنيا”.. في عِلم البلاغة والنحو إذا قُدِّم الخبر على المبتدأ يُفيد التأكيد والتحقيق، فقوله تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31] أبلَغُ مِنْ أن تقول: “إن مفازًا للمتقين”، فهل تريد أن تفوز؟ وهل تريد أن تنجح؟ وهل تريد أن تسعَد؟ وهل تريد في الحروب أن تنتصر؟ وهل تريد في التجارة أن تربَح؟ وهل تريد في حياتك أن تكون سعيدًا عزيزًا مُكرَّمًا؟ اتقِ الله عز وجل: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، ومِنْ كل ضيقٍ فرجًا، ومِنْ كل هَمٍّ مخرجًا، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] إذا ضاقت الأمور عليه وانسدَّ الحائط ووُجِدَتْ تقوى الله، فالله عز وجل يخرق له الجدار ويُخرجه مِنْ ضِيْقِه ومِنْ عسرته عندما يمشي على المخطط الإلهي، فالقطار ما دامت عجلاته على السِّكَّة يصل الركابُ إلى حيث يريدون، وإذا خرجتْ عن السكة فهذا الخروج اسمه الفسق، فخروج العجلات عن السكة فِسق، وكذلك خروج الإنسان عن امتثال أوامر الله عزَّ وجلَّ اسمه الفِسق.

والتقوى.. [عندما ندعو الله تعالى في سورة الفاتحة]: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم [الفاتحة:6]، [يكون الجواب فوراً في أول سورة البقرة:] ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى [البقرة:2]، [ألم نسأل الهداية “اهدنا” في سورة الفاتحة؟] والقرآن هدًى، لكن لمن؟ ﴿هُدًى للْمُتَّقِينَ هل قال: “هدًى للفاسقين”؟ لكنه قد قال: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المنافقون:6].

﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31] الفوز والنجاح والعز والنصر والسعادة، ﴿رَبنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً أي الحياة الحسنة، ﴿وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201]، والحديث النبوي يقول: ((لَيسَ بِخَيرِكم مَنْ تَرَكَ دُنياهُ لآخرتِه، ولا مَنْ تَرَكَ آخرتَه لِدُنياهُ، ولَكنْ يُصِيبَ مِنهما جَميعًا)) 2 ، هل هذا دين! هذا الحياة وهذا العز والمجد وحياة السعادة، وآباؤنا الأُوَل على أُمِّيَّتهم لا يقرؤون ولا يكتبون، ولكنهم اتقوا الله حق تقواه فصار الله تعالى أستاذهم والتقوى مدرستهم: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ [البقرة:282] وقد ورد: ((مَن أَخلَصَ للهِ أَربعينَ صَباحًا)) كان مع الله طاعةً واستقامةً وتوبةً وإنابةً ((تَفجَّرَتْ يَنابِيعُ الحِكمةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ)) 3 ، واللسان تُرجمان العقل والفكر، يعني ظهرت في كل أعماله، فهو في صوابٍ في أقواله وفي أعماله، والصواب ما ثمراته؟ النجاح والفلاح والأرباح وعز الدنيا والأخرة، وإن عَكَسْتَ: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5] فما رأيكم؟

قال الله تعالى قبل هذا: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا [النبأ:21] لا تظن أنك تستطيع أن تهرُبْ أو تُفلِت، فجهنم مهيأةٌ لك ومُخَبّأة في مكان لا تراه، فبينما أنت تمشي لا تراها إلا انقضت عليك، ﴿لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا [النبأ:22-23]، هل تختارون هذه أم تختارون: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31]؟ الفوز والنجاح والعز وبياض الوجه، وأن تمتلئ أُذناك في الدنيا قبل الأخرة مدحًا وثناءً عليك مِنَ الأرض ومِنَ السماء، أيهما تختارون؟ ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَمَ أَوْ يَتَأَخَرَ [المدثر:37].

﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31] هل مفازًا في الآخرة فقط؟ لا، هل في الدنيا فقط؟ لا، بل مفازًا في الدنيا والآخرة، وهذا مِصداق قوله تعالى: ﴿للَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [النحل:30] ومِصداق قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] فإذا كانت التقوى هي امتثالُ أوامر الله عز وجل فهل تظن أن الله يأمرك بما يسوُؤك، أو يأمُرك بما يُؤذيك، أو بما يُؤخِّرك عن ركب السعادة والنجاح والنصر؟ وهل يأمُرك بما يُشقيك؟ وهل يأمُرك بما يُتعِسُك؟ وهل يأمُرك بما يُؤذيك؟ فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا العقل الحقيقي، عقل الموفقين عقل السعداء، وأن يحميَنا مِنْ عقول المخذولين الأشقياء المحرومين، وأن يُثَبِّتَنا بقوله الثابت.

ذِكْر بعض نعيم أهل الجنة

﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ:31-33] الحدائق والأعناب والبساتين والجِنان؛ هذا وصف مزروعات الجنة بحسب ما كانوا يعرفون في زمانهم رضوان الله عليهم، ويوجد: ﴿وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ [المرسلات:42] فتأكلون العنب وغير العنب.

﴿وَكَوَاعِبَ [النبأ:33] الكواعِب: جمع كاعِب، وهي المرأة الشابة في عمر خمس عشرة أو ست عشرة سنة عند بلوغها مبلَغ النساء، فيتكعَّب ثدياها، أي يبرزان للأمام ولا يتدليان للأسفل، فالمرأة التي ثدياها بارزان للأمام تسمى كاعِب، فهل تحبون أن تأخذوا الكواعب أم التي تدلى ثدياها؟ ألا ترون كم يُدّلِّلُكم الله عز وجل؟! حتى الثدي ذَكَرَ لكم صفاته، فماذا تريد أكثر؟ أعطاكَ كل ما تميل إليه نفسك وكل ما تشتهيه رغباتك.. نسأل الله عز وجل أن لا يجعلنا مِنْ حمير بني آدم، هناك حميرٌ تمشي على أربعة ولها ذَنَب مِنَ الخلف، وهناك حميرٌ تمشي على اثنتين ولها ذَنَبٌ مِنَ الأمام، [سماحة الشيخ يقصد بذَنَب من الأمام ربطة العنق]، فالحمير التي ذنبها من الخلف في ذنبها فائدةٌ حيث تطرد الذباب عنها، ويوجد حميرٌ لهم ذَنَبٌ مِنَ الأمام لكن لا يُبعِد الذباب وليس فيه فائدة إلا إذا أراد أن يُنظِّف الإنسان أنفه به عند الحاجة للتنظيف.. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا أن نكون تلامذة الله، وأن نتعلَّم في مدرسة الله ليكون أستاذُنا رسولَ الله ﷺ، ونكون مِنَ الطلاب النجباء.

﴿وَكَوَاعِبَ جمع كاعِب، والمرأة الواحدة كاعِب، أما الثلاثة فأكثر فهنَّ كواعِب، بشرط أن لا تكون أثداؤهن متدلية، بل تكون أثداؤهن نافرة، ﴿أَتْرَابًا [النبأ:33] متساويات في الأعمار وفي السن، قالوا: أعمارهنَّ في سن الثالثة والثلاثين وفي بعض الروايات سن السادسة عشر، [سماحة الشيخ يخاطب الحضور ممازحًا:] فمن يريد سن الثالثة والثلاثين يرفع أصبعه.. “أنتم تعرفون طَعْمَ فَمِكُم” [يبدو أنه لم يرفع من الحاضرين أصبعه إلا القليل، لذلك قال الشيخ وهو يضحك ويضحك معه الحضور: “أنتم تَعْرِفُون طَعْمَ فَمِكُم” وهي مقولة شعبية بمعنى: عندكم ذَوْق عالٍ] ومن يريد سن السادسة عشرة يرفع أصبعه.. ألا تريد أنت أبا أسامة؟ [سماحة الشيخ والحضور يضحكون].

﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ:33] مَنْ الذي يُكلِّمك؟ وهل تستحق أن يكلمك مَلِك الملوك وخالِق الأكوان والمجرات والسدم والشموس التي بعدد رمال الدنيا وأكثر مِنْ ذلك؟ مَنْ أنت؟ إنك إذا ذهبتَ للمَخْفَر [مركز الشرطة] ربما مدير المخفر لا يُكلِّمك، ويقول لك: تكلَّم مع الشرطي.. فالله عز وجل خالِق الكون؛ ما نعلم وما لا نعلم، يُخاطبك كما نخاطب الأطفال: هل تريد حلوى؟ وهل تريد لعبة؟ وهل تريد كواعِب؟ هل تريد أترابًا؟ لا أحد يحسد الآخر، فيقول: زوجتي عمرها ثلاثون أما تلك فستة عشر، لا، فكلهنَّ ﴿أَتْرَابًا في عمر واحد.

﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا [النبأ:34] وهل تحب أن تشرب كأس خمر؟ فالكأس إذا ذُكِرَت في القرآن يقصد منها الخمر، أو الكأس المملوءة بالخمر، ﴿دِهَاقًا أي ممتلئة، أي كأسٌ مِنْ خمرٍ ممتلئة، لكنها من خمر: ﴿لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا لا تصيب الرأس بالصداع، ﴿وَلَا يُنزِفُونَ [الواقعة:19] ولا تستنزف العقل، أما خمر الدنيا فكلها أقذارٌ ويتقيَّأ شاربها ويبول في ثيابه ويصير مثل المجانين ويُلْقى ويُطرَح في الطرقات، إضافة إلى ما تعطيه مِنْ أمراضٍ وما تعطيه مِنْ آفات.

﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا [النبأ:34-35] فالجلساء والأصحاب والأصدقاء ليس عندهم كلام بطَّال، وكذلك في السَّهَرَات والندوات، فكلامهم ونُطقهم ومسامراتهم كلها كلامٌ راقٍ، وكلام فيه السرور والسعادة، لا الكلام الذي لا فائدة منه ولا لذة في سماعه.. وحتى الحديث في الجنة يكون كما قال تعالى: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذابًا [النبأ:35] ولا تكذيبًا، فلا أحد يُكذِّب الآخر ويقول له: أنت كذّاب.. معنى هذا: أي مواطنين وأي رفاق وأي زملاء وأي أخلَّاء وأي أُسْرة وأي حياةٍ تلك الحياة!

الجزاء عطاء وتفضُّل من الله تعالى

﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا [النبأ:35] ولا خبر سوءٍ ولا خبرًا مُزعجًا ولا خبرًا مُقرفًا.. يوجد أناسٌ يتحدثون معك فتقرف أن تسمع كلامهم، أو يجلس معك ساعةً أو ساعتين أو ثلاث ساعات بحديث لا تستفيد منه حرفاً واحداً، هذا اسمه: كلام لغو، وآخر تسمع منه الحكمة والأخلاق والنصائح والفضائل وما ينفعك وما يدفع الأذى عنك وما يجلِبُ الخير إليك.. وذكلام أهل الجنة مِنْ أرقى الكلام.

﴿جَزَاءً مِن رَّبِّكَ [النبأ:36] هذه العطاءات كلُّها نتائجُ أعمالهم التي عملوها في دار الدنيا: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90] فكما تزرع تحصُد، وكما تغرِس تقطُف وتجنِي: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:118].. نحن الآن نسمع ولنا الخيار، لكن إذا أتانا الموت يتمنى الإنسان أن يَرجِع إلى الدنيا لِيصلي ركعتين، وإذا كان يملك الدنيا وما فيها يقدِّم كل ما يملك مقابل أن يكتسب في صحيفة أعماله ركعتين مقبولتين.. والآن يُخاطبنا الله ويُسمعنا ويُعلِّمنا فهل تعلَّمنا؟ وهل تقبَّلنا؟ وهل أطَعنا؟ وهل انقَدنا إلى أوامر الله عزَّ وجلَّ؟ وهل صدَّقنا؟ وهل صار عندنا يقينٌ أن كلام الله كله صدقٌ وحقٌّ وواقعٌ؟ وهو لنا الآن مسموعٌ، ولكنه قريبًا سيكون لنا مُشاهَدًا ومَنظُوْرًا.

ما الفرق بيننا وبين الصحابة؟ هم لم يكن عندهم مصاحف، فمصحفهم كان على حجارة الجبال، فكان أحدهم يأخذ حجراً ويَكتب عليه آيةً أو آيتين، والثاني يأخذ ورقة نخلٍ يكتب عليها سطرًا أو سطرين، والثالث يأخذ قطعةً مِنْ كتف الغنم يكتب عليها سورةً مِنْ قصار سور القرآن، ونحن الآن مصحفنا مذهَّب ومجلَّد وبِوَرق مصقول، وتسمعه بالراديو [المذياع]، وترى القارئ بالتلفزيون، ولكن بقلوبٍ ميتة، فإذا أحضرتَ الميت ووضعتَه في كلية الطب فهل يتخرَّج طبيبًا؟ وإذا أحضرتَ حمارًا ووضعتَه في كلية الصيدلة، هل يصير صيدليًّا؟ وإذا وضعتَ دُبًّا في الأزهر هل يتخرَّج شيخًا؟!

كذلك القرآن إذا لم يتهيَّئ له القلب: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37] قبل كل شيءٍ اذهب وابحث عن مستشفى القلوب ليُعالجوا أمراض قلبك حتى يستطيع هضم القرآن، فكما أن الجهاز الهضمي يُحوِّل الطعام إلى دمٍ، والدم يتحوَّل إلى طاقةٍ، والطاقة تتحوَّل إلى عملٍ نافع، كذلك القلب إذا كان صحيحًا يُحوِّل السماع إلى يقينٍ وإلى فهمٍ وإلى عملٍ وإلى نجاحٍ وإلى سعادةٍ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ في القرآن ﴿لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] يُعمِل كلَّ فِكره وتفكيره في القرآن لعله ينتقل مِنَ الفكر إلى القلب، فكيف إذا لم يوجد القلب؟ قال الله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ [البقرة:10] عنده قلبٌ لكنه مريض، فكيف إذا لم يوجد قلبٌ مطلقًا! ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37] إشارة إلى أن هناك أشخاصٌ لا قلوبَ لهم.

حقيقة القلوب

والقلب عرَّفه بعضهم بقوله

قُلوبٌ إذا مِنهُ خَلَتْ فَنُفوسُ لِأَحرُفِ وَسواسِ اللَّعينِ طُروسُ

“قلوب إذا منه خلت”: خَلَت مِنْ نور الله ومِنْ جلاله ومِنْ ذِكره، “فنُفُوْسُ”: تصير نفوسًا أمَّارة بالسوء، “لأحرف وسواس اللعين طُرُوْسُ”: تصير وسوسة الشيطان هي التي تَكْتُب في صفحات قلبه، ويصير قلبه دفترًا مؤلَّفًا مِنْ عشرين أو ثلاثين مجلدًا وكل معلوماته وكل توجهاته يأخذها مِنْ قلبه الذي صار كتابًا ودفترًا للشيطان. [الدَّفْتَر: مثل الكتاب لكن صفحاته كلها فارغة بيضاء مُعَدَّة للكتابة].

وإنْ مُلئَتْ مِنه ومِن نُورِ ذِكرِه فَتِلكَ بُدُورٌ أَشرَقَتْ وشُمُوسُ

“وإن مُلئت”: القلوب، “منه”: مِنْ ذكر الله ومحبته “ومن نور ذِكره فَتِلكَ بُدُورٌ أَشرَقَتْ وشُمُوسُ”، ﴿وَمَن لمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نورٍ [النور:40]، ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم نور إيمانهم، ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم ماذا تقول لهم الملائكة؟ ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الحديد:12].

“وإن مُلئت منه”: فالقلوب إذا مُلِئت مِنْ عظمة الله عز وجل “ومِنْ نور ذكره، فتلك بدورٌ أشرقتْ وشموسُ”، ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم [الحديد:12]

المكافأة والعقوبة يوم القيامة

قال: إنّ هذا العطاء للمتَّقين الذين لبوا نداء الله عز وجل وامتثلوا أوامره، وأدوا فرائضه ووقفوا عند حدوده فلم يتجاوزوها إلى محارِمه، هذا العطاء ﴿جَزَاءً مقابل أعمالهم ومقابل إيمانهم، ﴿جَزَاءً مِن رَبِّكَ عَطَاءً [النبأ:36] إشارة إلى أن كل عملٍ تعمله له مقابلٌ مِنْ طرَفِ الله عز وجل: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا [الزلزلة:7] فلو عملتَ مِنَ الخير مثقال ذرة، ليس ذرةً، ولكن الذرة إذا انقسمت سبعين قسمًا فكل قسمٍ مِنَ السبعين اسمه مثقال ذرة، ﴿يَرَهُ أي يرى المكافأة عليه والإثابة عليه والمقابلة له بما يستحق: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8] يرى العقوبة عليه في الدنيا أو في الآخرة أو في الدنيا والآخرة كما فعل الله بفرعون: ﴿فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى [النازعات:25] الآخرة في جهنم حَرْقًا، والأولى في الدنيا غَرَقًا، هل تتحملون؟ قولوا إن كنتم تتحملون! وإن كنتم تتحملون ادخلوا.

نسأل الله عز وجل أن يُلهمنا التوفيق، ويرزقنا صحبة الموفقين، ويحمينا مِنَ الخذلان ويُبعدنا عن صحبة المخذولين، فالوعاء الكبير الذي فيه حليب إذا وُضِعَ فيه ملعقة لبنٍ رائب، ماذا يصير بالحليب؟ يصير كله لبنًا رائبًا، وهكذا صحبة الأبرار وهكذا صحبة الأشرار.

﴿جَزَاءً مكافأةً ومقابلةً ﴿مِن رَبِّكَ عَطَاءً [النبأ:36]، فإذا عمِلَ الواحد منكم يومًا كاملًا عند صاحب عمل وكان أجيرًا أو عاملًا، وكانت الأجرة في اليوم ثلاث مئة ليرة وأعطاه صاحب العمل ثلاث مئة ألف دولار، هل هذا جزاءٌ أم عطاء؟ في البداية قال: ﴿جَزَاءً، ثم أوضح الأمر وقال: هو: ﴿عَطَاءً تفضُّلًا، وقِسْ جهودك وعملك في الدنيا، ماذا تأخذ مِنْ ثمرة أعمالك؟ كله ذاهب، لكن عطاء الله [للمؤمن يجعله] خالِداً مُخلَّداً فيها أبداً.. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة وما قرب إليهما مِنْ قولٍ وعمل، ونعوذ بك مِنَ النار وما قرب إليها مِنْ قولٍ وعمل.

العطاء الإلهي

﴿جَزَاءً مِن رَبِّكَ عَطَاءً [النبأ:36] ربما تعيش طول عمرك وتركض شرقًا وغربًا حتى تملك عشًّا تأوي إليه أنت وأهلك، فإذا كان الله سيُعطيك جنة عرضها السموات والأرض كم عليك أن تعمل؟ هل ستعمل مليون سنة أو مليار سنة أو ترليون سنة؟

﴿عَطَاءً تفضلًا وإحسانًا، ﴿حِسَابًا [النبأ:36] معنى حسابًا: يعني عطاءً عظيمًا كافيًا بعد الحساب.. ومَنْ الذي سيُحاسبك؟ مَنْ لا تخفى عليه خافية، والذي ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19]، مَنِ الذين جعلهم الله عليك “مُخَابَرات” يراقبونك؟ [مُخابَرات: كلمة عامِّيّة تعني رجال الأمن الذين يعملون عند الدولة، يراقبون الناس بالخفاء ويسجِّلون أعمالهم وأقوالهم]، مخابرات الله: ﴿ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] لا يفارقونك إلا عند قضاء حاجتك وقت الاستنجاء، أو عندما تكون مع زوجتك وأهلك في الفراش، ففي هاتين الحالتين يبتعدون، أما في كل الحالات فهم موجودون، فالرقيب العتيد موجود معك في السهرة، وموجود في الدكان، وموجود في دائرة الشرطة، وموجود مع القاضي، وموجود مع المتقاضِيَين.

فهل تُراقب مخابرات الله كما تُراقب مخابرات الدولة؟ فإذا كنتَ تتكلم “شَرْقِي غَرْبِي”، [كلام شَرْقِي غَرْبِي: مصطلح عامي، يعني عموماً كلاماً غير مضبوط وفيه شيء من هنا وشيء من هناك، ويأتي معناه حسب السياق، وهنا يكون المعنى أنك تتكلم بكلام ضدّ الدولة]، ودخل عليك عنصر مخابرات أو تظنه مخابرات، ماذا تعمل؟ [يشير سماحة الشيخ بوجهه إشارة يحاكي بها هذا الفعل، حيث يغمز لصاحبه بفمه مشيراً له بالسكوت وبعينيه لينتبه صاحبه إلى هذا الداخل، ويتوقف مباشرة عن الكلام]، أليس هذا صحيحاً؟ إنّ الدولة لها الحق أن تُراقب رعيتها، والله عزَّ وجلَّ أليس له الحق أن يُراقب مَنْ خَلَق؟ ويُراقبهم لأجل سعادتهم، ولأجل مصلحتهم.. فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا أن نفهم على الله، ويرزقنا أن نفهم القرآن ونعلَم القرآن.

كيفية قراءة القرآن

((خَيرُكم مَن تَعلَّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ)) 4 ، وليس المقصود فقط أن تتعلم تلاوته وقراءته، وإلا فماذا تستفيد مِنَ كُمْبْيَالِية [شِك أو سند مالي] بمئة ألف دولار إذا قرأتَها وأحسنتَ قراءتها وهي باللغة الإنكليزية، وكنتَ قد قلتَ لرجلٍ: علِّمني كيف أقرؤها، فعلَّمك كيف تقرؤها باللغة الإنكليزية؟ ثم جِعتَ وليس معك مال، وذهبتَ إلى المطعم وقالوا لك: أعطِنا ثمن العَشاء، فقرأتَ لهم الكمبيالية أنها مئة ألف دولار، فقالوا لك: نريد ثمن العشاء أعطِنا ثمن العشاء، فعدتَ وقرأتَها مرة أخرى.. وإذا ذهبتَ إلى سوق الحميدية واشتريتَ “طَقْمًا” [الطَّقْم: كلمة تطلق على الملابس الرسمية الفاخرة، وسوق الحميدية: أشهر سوق في دمشق] وقلتَ لهم: أعطوني الطَّقم وقرأتَ لهم الكمبيالية، ماذا يعدُّونك؟ [مجنوناً]، ثمّ ألا يخلعون عنك ما حاولتَ شراءه والاستفادة منه؟

فيجب علينا أن لا نكون مع كتاب الله مثل هذا المثال، ونضحك على أنفسنا، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام وقد مر مجنون على مجلسه فقال الصحابة الكرام: مجنون، فقال ﷺ: ((لا تَقُولُوا: مَجنونٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَرِيضٌ، المجنُونُ مَنْ يَعصِي اللهَ)) 5 ، فإذا وضع شخص أصبعه على النار هل هذا عاقلٌ أم مجنون؟ أجيبوا! [يجيب الحضور بقولهم: مجنون]، وإذا وضع أصابعه الخمسة؟ [يجيب الحضور: مجنون]، وإذا وضع أصابعه العشرة؟ [يقولون: مجنون]، ولو لمدة خمس دقائق، فكيف إذا وضع نفسه في جهنم التي: ﴿وَقُودُهَا الناسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24] و: ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا [النبأ:23] أحقاباً وأحقاباً.. هذا ماذا يكون؟ هذا فوق الجنون.

عقول السعداء وعقول الأشقياء

وهذا كما يذكرون عن بهلول -وكان الناس يعتقدون أنه مجذوب وعلى البركة أو مُتجاذِب، الله أعلم بحاله- قال له هارون الرشيد: لماذا لا تأتي لزيارتنا؟ قال: لماذا آتي إلى عندك؟ أنا أعظَم منك، قال: كيف أنت أعظَم مني؟ قال: أنت مَنْ تكون؟ قال: أنا الخليفةُ أميرُ المؤمنين، فقال له: وأعلى مِنْ أمير المؤمنين ماذا يوجد؟ قال: لا شيء، قال: أنا “لا شيء”، فأنا إذن فوق أمير المؤمنين، [يضحك الحضور للطرفة].. فإذا كان عقلك هكذا وأنك بلا شيء تكون أعظَم العظماء فيلزم أن يضعوك في “المرستان” [مشفى المجانين].. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا العقل الرباني والعقل القرآني وعقل السعداء.

اللص عندما يسرق هل يسرق بعقلٍ أم بلا عقل؟ يسرق بعقل، لكن بعقل السارقين، والمجرم يُجرِم لكن بعقل المجرمين، والمتسول يتسول لكن بعقل المتسولين، فليته استعمل عقله بعقل التُّجار بأن يذهب إلى سوق التجارة، وإذا استعمله بعقل الصناعة يصير حدادًا أو نجارًا أو دَهَّانًا، أما بعقل المجرمين وبعقل السارقين وبعقل الفاسقين وبعقل المنافقين.. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا العقل.

عندما تشتري نعلًا تبحث عن الأفضل وتختاره، فاختر عقلك وانظر ما نوعه؟ هل هو عقل المناحيس الأشقياء أم عقل السعداء، عقل العاملين أم عقل العاطلين، عقل الأعزاء أم عقل الأذلاء، عقل العلماء أم عقل الجاهلين، عقل السعداء أم عقل المخذولين؟

الله عز وجل يقول لك: ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ [التكوير:28] فالخيار لك، أمَّا غدًا بعد الموت فلا يوجد خيار، فإذا اخترت جهنم فهي المصير، وإذا اخترت الجنة بأعمالك وإيمانك وعِلمك وحكمتك وبالمعلم وبالمرشد وبالمزكي وبالحكيم فهي المصير، ولذلك لماذا كانت الهجرة فريضةً على كل مسلم؟ ليُعلمهم الكتاب والحكمة ويُزكيهم.

الاعتداء بالدعاء وكيفية الدعاء بالنصر

فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا التوفيق.. وإذا كنتَ تطلب مِنَ الله الدعاء بالتوفيق ولستَ مِنَ المعتدين بالدعاء فإنك بعد الدعاء تبحث عن مدرسة الموفَّقين، وإذا أردتَ أن تطلب مِنَ الله أن تكون مِنَ العلماء، بأن قلتَ: “اللهم اجعلني عالِمًا” فإذا كنتَ صادقًا بالدعاء تبحث على مدارس العِلم فتنتسب إليها، وإن قلتَ: “اللهم ارزقني ولدًا” فإن كنتَ صادقًا فإنك تخطب امرأةً فتتزوَّجها، وهذا هو الدعاء الشرعي، أما إذا طلبتَ مِنَ الله الولد وأنت عازِمٌ على أن لا تتزوَّج فماذا سيكون دعاؤك؟ دعاء المعتدين في الدعاء.

المسلمون في هذا الزمان عندما يقولون: “وانصرنا على القوم الكافرين” هل دعاؤهم دعاء المعتدين أم دعاء المستقيمين؟ أجيبوا.. [يجيب بعض الحضور بقولهم: دعاء المعتدين]، دعاء المعتدين، لأن الله عز وجل يقول: لأنصركم يجب عليكم أولًا: ﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]، وثانيًا يقول: ﴿وَأَعِدوا لَهُم ما اسْتَطَعْتُم من قُوةٍ [الأنفال:60]، وثالثًا يقول: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا هل قال: فتنتصِروا أم فتفشلوا؟ ﴿فَتَفْشَلُوا [الأنفال:46]، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرقُوا [آل عمران:103] فبعد أن تطلب مِنَ الله النصر، عليك أن تنظر في كتاب الله ما الشروط التي ينصُرك الله بها؟ فإذا أدَّيتَها يستجيب الله دعاءك ويحقق طُلبتك، أما إذا كنتَ تدعو وأنت عازِمٌ على أن لا تستجيب لمقتضيات الدعاء فأنت تضحك على نفسك، والشيطان لا يريد أناسًا مؤمنين أكثر مِنْ ذلك، لأنهم يكونون مغرورين.

ولذلك أليس كل المسلمين الآن في العالم الإسلامي يدعون؟ يدعون بـ”دلائل الخيرات” وبغيره من الكتب وبالقنوت وبكذا وبكذا.. واللهُ لا يستجيب لهم، لماذا؟ لأنهم لم يستجيبوا لله عندما يدعوهم إلى ما يُسعِدهم.. ﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا [البقرة:183] أليس هذا دعاء؟ ما معنى “اللهم”؟ معناها: يا الله، وكذلك: ﴿يَا أَيهَا الْإِنسَانُ، فهذا أيضًا دعاءٌ مِنَ الله، فهل تستجيب لقوله: ﴿يَا أَيهَا الْإِنسَانُ مَا غَركَ بِرَبكَ الْكَرِيمِ (6) الذِي خَلَقَكَ [الانفطار:6-7]؟ لماذا تُقدِم على معصيته؟ ولماذا تتهاوَن في امتثال أوامره؟ هل تظن أن الجنة تُنال بالأماني؟ لا، حتى هذه المَسْبَحَة لا تُنال بالأماني، ولا تنال إلا بثمنها، وهذا الدفتر لا يُنال إلا بثمنه، والمذياع بثمنه، فهل تريد الجنة ورضاء الله بلا ثمن؟! هذا شأن المغرورين.

﴿جَزَاءً مِن رَبِّكَ عَطَاءً [النبأ:36] عطاءً، فلو عِشتَ مئة سنةٍ وأمضيتَها في سجدةٍ واحدةٍ لم ترفع رأسك مئة سنة لاحتقرتَ عبادتك يوم القيامة عندما ترى ما أعدَّ الله عزَّ وجلَّ لعباده الصالحين.

الله تعالى واسمه الرحمن

﴿جَزَاءً مِن رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا [النبأ:36] من ربك؟ هل هو عيسى المسيح الذي عجَز أن يدفع عن نفسه شر اليهود، حسب معتقدات مَنْ اعتقدوا بألوهيته؟ هل ربك حجرٌ تنحته وتصنعه؟ وهل ربك إنسانٌ يأكل ويشرب ويبُول ويتغوط؟ وإذا لم [يستدرِك نفْسَه]، ولم يَبُلْ أو يتغوَّط بسرعة فإنه يُلوث جسده وثيابه، أليس كذلك؟ فهذا الذي يخرج منه القذر هل يصلح أن يكون إلهًا؟ هذا الذي هو معمل للبول والغائط ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه أذى بعض الناس هل هذا إله؟ الإله هو ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ [النبأ:37] الذي خَلق الكون ويُربِّيه ويُدبِّره ويُنظِّمه بحكمته، ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [النبأ:37] كل ما هو موجودٌ بين السموات والأرض مِنْ عوالِم ومخلوقات وغازات وسحب وعالم الأثير.. إلخ.

﴿الرحْمَنِ [النبأ:37] فبتجلِّي الرحمة وُجِدْنا، وبتجلِّي الرحمة نزَلت شرائعه علينا، وصارت مدرسته فينا، وأرسَل أساتذته إلينا، فمَنْ كان مِنَ الطلاب النجباء أَخَذ السعادة العاجلة قبل السعادة الآجلة، و((لَيسَ الإيمانُ بالتَّمنِّي ولا بِالتَّحلِّي، ولَكِنَّ الإيمانَ ما وَقَرَ في القَلبِ))، كما إذا استقرَّ في قلبك أن الأفعى لدغتها قاتلة، فمِن هذا العلم المستقِرِّ في القلب هل تستطيع أن تضع أصبعك في فمها؟ لا، لأن الإيمان وَقَرَ في القلب، وإذا ما وقر الإيمان في القلب صدَّقه العمل، ((وصَدَّقَهُ العَملُ)) 6 .

هذا هو الإيمان الذي كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ، وهذا الإيمان الذي جَعَلهم يهزمون إمبراطورية الفرس والرومان، هاتان الإمبراطوريتان اللتان اقتتلتا ألف سنة ولم تستطع إحداهما أن تقضي على الأخرى أو أن تهزمها، أما المسلمون البدو الأعراب الأُميُّون في وادٍ غير ذي زرع، عندما تخرَّجوا في مدرسة الله، وفي مدرسة القرآن عِلمًا وعملًا وتربيةً وأخلاقًا وإيمانًا ويقينًا وسلوكًا هزموا الإمبراطوريتين، ليس بألف سنة، بل هزموهما بعشرة أيام، فهزموا الإمبراطورية الرومانية بمعركة اليرموك التي استمرت ستة أيام، والإمبراطورية الفارسية بالقادسية التي استمرت أربعة أيام: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ منْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] فهل أنت مِنْ مدرسة ليلة القدر؟ هناك شخص ليلته خيرٌ مِنْ ألف شهر، ويوجد شخص ألف شهرٍ [من عُمُره] لا تساوي ساعة ولا خمس دقائق.. نسأل الله عز وجل أن يُبارك في أعمارنا وأيامنا وأعمالنا ويجعلنا مِنْ أهل القَدْر: ﴿وَإِنهُ أي القرآن ﴿لَذِكْرٌ لكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:44] لشرفٌ ومجدٌ لكَ ولقومك إذا فقِهوه وعملوا به وعلَّموه ونَشروه.

عقاب الله عز وجل في الدنيا والآخرة

﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ [النبأ:37] لولا تجلي الرحمن.. فلو تجلَّى بتجلي العدل: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا إذا عُوقِب المجرم بذنبه فهذا اسمه عدل، ولو عاملهم الله تعالى بعدله ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ، أيضًا إذا ترك المجرم بلا عقوبة فسيقع الفساد والخراب، فلا يتركهم: ﴿وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مسَمًّى [فاطر:45] إلى وقتٍ محددٍ في الدنيا أو في الآخرة، فيوجد أناسٌ يُؤاخذهم الله عز وجل في الدنيا، ومؤاخذة الدنيا تارةً تكون سريعةً وتارةً تكون بطيئة.

فالسريعة مِنْ نوع ما يقال: إن بعض الشيوخ تهجَّمت عليه امرأةٌ في المسجد وتكلَّمت معه بكلامٍ غير لائق، فقام بعض المستمعين ليخرجها مِنَ المسجد، فقال له الشيخ: اضربها كَفًّا [اصفعها] على وجهها، [سماحة الشيخ يسأل أحد الحضور:] ما رأيك أبا حسن هل تضربها؟ وهذا الرجل شعر أنه مِنْ غير اللائق أن يضرب رجلٌ امرأةً على وجهها، فتركها بلا ضربٍ ولا قصاص إشفاقًا أو مروءةً أو شهامةً.. فهل الشيخ بلا رحمةٍ وبلا مروءةٍ وليس لديه تقدير؟ فعاد الرجل إلى الشيخ، وقال له الشيخ: هل ضربتَها؟ فكذب عليه وقال له: “نعم ضربتُها”، ولم يمضِ خمس دقائق أو عشر دقائق إلا وسمعوا صيحةً وأصواتًا وجلبةً خارج المسجد، فقال الشيخ لأحدهم: اخرج وانظر ماذا يحصل خارج المسجد؟ فذهب ورجع وقال له: يا سيدي هذه المرأة التي شتمتك وأطالت لسانها عليك وقعت جثةً هامدةً بلا روح، فالتفت الشيخ إلى المريد الذي أمره أن يضربها وقال له: يا بُنيَّ يبدو أنك ما ضربتَها؟ فسكت، فقال له: تكلَّم، فقال: لا، لم أضربها، قال: لماذا لم تضربها؟ قال له: يا شيخي هي امرأة، ولا يصح لرجل أن يتقوى على امرأة.. فقال الشيخ: يعني هل أنت فيك مروءة والشيخ لا مروءة له؟ قال: يا بني أنا قلتُ لك: اضربها كفًّا لكيلا يضربها الله كفًّا من كفوفه، وليكون كفُّك عقوبةً لها على فِعْلتها حتى لا يُعاقبها الله عز وجل بكفِّه، بكف القدرة الإلهية، فلعدم تنفيذك العقوبة التي هي حقٌّ لي قام الله بتنفيذ العقوبة فكان الذي كان، وذهبت روحها وحياتها.

والعقوبة البطيئة: يقولون عن جحا رحمة الله عليه، أنه اعتدى عليه أحدهم وأساء إليه فأغضبه واستثاره، فرفع جحا يديه، وكان معه جماعة، فقال لهم: ارفعوا أيديكم أريد أن أدعو عليه، فقال: اللهم اكسر رجله بعد أربعين سنة -جحا رحمه الله كل أموره تُضحِك- فضحك الناس وقالوا: ما هذا الدعاء؟ قال لهم: أليس هذا مِنْ حقي؟! أنا هكذا طلبتُ مِنَ الله، فلم يمشِ هذا المعتدي على حرمات الله حتى زَلقتْ رجله بقشرة موز ووقع وكُسِرت رجله حالًا، فجاء الناس إليه وقالوا: لقد استجاب الله دعاءك الآن، أنت دعوتَ أن تُكسَر رجله بعد أربعين سنة وقد كُسِرت الآن، قال: لا، هذا ليس دعائي، هذا دعاء غيري دعا عليه قبل عشر سنوات أو عشرين سنة والآن نفذَّها الله، وبدعائي ستُكسر رجله الثانية بعد أربعين سنة. [يضحك سماحة الشيخ والحضور].

فلا تغترُّوا، وإذا أذنب الإنسان ولم يتُب إلى الله عز وجل توبةً نصوحة، فلا يظن أنه سيُفلت مِنْ عقاب الله، فالله عز وجل يقول: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:8] ماذا يرى؟ يرى عقابه على فعل الشر الذي فعله.

دخول الجنة بأمر الله وفضله

قال: ﴿جَزَاءً مِن رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا [النبأ:36] مَنْ ربك؟ قال: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا [النبأ:37] إذا أمَر أنْ يُؤْخَذ شخص إلى الجنة، هل يستطيع أحدٌ أن يقول: لا، هذا لا يستحق؟ وإذا أمر بآخر أن يؤخذ إلى جهنم، هل يستطيع أحدٌ أن يقول: لا؟ وحتى لو أراد نبي أن يشفع هل يستطيع أن يشفع إلا بإذنه؟ فنسأل الله عز وجل بفضله وإحسانه أن يجعلنا مِنَ الذين يُظِلُّهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ويجعلنا يوم القيامة: ﴿حَتى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ [الزمر:73] وورد في حديثٍ: ((لَيسَ عَلى أَهلِ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحشَةٌ في قُبُورِهم، ولا وَحشَةٌ عِندَ بَعثِهِم يَومَ القِيامةِ ونُشُورِهِم، كَأنِّي بِهم يَخرُجُونَ مِنْ قُبُورِهم يَنفُضونَ التُّرابَ عَن رُؤُوسِهِم، يَقُولونَ: الحَمدُ للهِ الَّذي أَذهَبَ عنَّا الحَزَنَ)) 7 .

﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا [النبأ:38] هذا يوم القيامة، وهذا النبأ العظيم: ﴿عَمَّ يَتَسَاءلُون (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النبأ:1-2] مِنَ النبأ العظيم: ﴿إِنَّ لِلْمُتقِينَ مَفَازًا [النبأ:31]، ومِنَ النبأ العظيم: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا [النبأ:21]، ومِنَ النبأ العظيم: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17]، فهل كل واحدٍ منكم تثقَّف بسورة النبأ؟ يعني هل صارت سورة النبأ يقينًا في قلبه، وتنعكس في أعماله وفي أفكاره وفي تصرفاته وفي بيعه وفي شرائه وفي حلاله وفي حرامه؟ فإذا أوقفتك السورة ومعانيها وآياتها عند ما دلَّتْك وَدَعَتْك إليه فأنت مؤمنٌ بسورة ﴿عَمَّ، والمطلوب منا أن نؤمن بالقرآن كله مِنْ ألفه إلى يائه، ولا تغترَّ أنك قرأتَ القرآن، أو حفِظتَ القرآن، أو قرأتَ القرآن على القراءات السبع والعشر والأربع عشرة، ((مَا آمَنَ بِالقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ)) 8 ، وما آمَن بالقرآن مَنْ أهمل وترك فرائضه وأهمَل وصاياه ونصائحه.

محكمة الله يوم القيامة

﴿يوم يقوم الروح [النبأ:38] متى يكون الجزاء؟ ومتى يكون ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ [النبأ:17]؟ ومتى يكون ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ:31]؟ ومتى تكون ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا [النبأ:21-22] يؤبون إليها ويصيرون فيها؟ قال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا [النبأ:38]، عندما تظهر محكمة الله لكل مخلوقاته، محكمةٌ اللهُ قاضيها، والملائكة صفوف، وذلك على حسب ما يعرف الإنسان مِنْ عظمة الملوك وعظَمة عروشهم وأحكامهم.. هكذا القرآن علَّمنا على حسب مداركنا، وإلا فإنّ الله عليم بحقائق وواقع الدار الآخرة، والحقيقة المدرَكَة هي فوق وفوق وفوق ما يُدركه الإنسان.

﴿لا يَتَكَلَّمُونَ [النبأ:38] إذا قال الله عز وجل: خذوه إلى الجنة، فهل يستطيع أحدٌ أن يُعارض؟ أو قال: خذوه إلى جهنم، فهل يستطيع أحدٌ أن يُعارض؟ ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة:30-31] هل يوجد أحدٌ يتكلم بالمعارضة؟ ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ [النبأ:38] فإذا أرادوا أن يشفعوا لا تُقبل شفاعتهم ولا يشفعون إلا بعد أن يأذَن الله لهم، والشفاعة في الدنيا قبل الآخرة، فالذي يُقبِل على مجالس العِلم وعلى مجالس التقوى وعلى مجالس الإيمان فذاك تناله شفاعة الشافعين فيما مضى مِنْ ذنوبه وأخطائه وخطيئاته، وإذا بقي مستمرًّا على أخطائه وخطيئاته فقد قال الله عز وجل عن هؤلاء: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101] ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ [الواقعة:45] يعيشون على أهوائهم وعلى لهوِهم وعلى سهراتهم وعلى خمورهم وعلى فسقهم، [ولا يستجيبون] عندما يسمعون الأذان، ولا يلتفتون إلى أوقات الصلاة، غارقين في الترف ولذائذ الجسد واللهو واللعب.

﴿لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [النبأ:38] إذا كان يُشترَط أن يكون قوله صدقًا، فكيف ينبغي أن يكون عمله؟ فإذا اشترَط الله عزَّ وجلَّ للمتقين أن يكونوا مِنَ الذين يقولون صوابًا، فهل يصح أن يكون عملهم غير صحيح، بأن يكون عملهم فاسدًا ويكون عملهم عمل الفاسقين؟ فالشفاعة -حسب مقتضى القرآن- لا تشمل إلا من أذن له الله تعالى: ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ يعني في شفاعة مَنْ يريدون أن يشفعوا له ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [النبأ:38]، ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ [طه:109].. ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ [النبأ:39] هذا اليوم الذي لا مفرَّ مِنْ وقوعه، وهو حقيقةٌ ثابتةٌ لا بد من أن نراها وأن نشهَدها، فإذا استعددنا لنكون سعداء فيها قبل أن تظهر للعيان وتكون منظورةً للعيون نفَعَتنا، وإذا سمعنا وعصينا بدل أن نكون سمعنا وأطعنا سيكون حالنا كما قال الشاعر

سَيَحصدُ عَبدُ اللهِ ما كانَ زارِعًا فطُوبَى لِعَبدٍ كانَ للهِ يَزرَعُ

الله عز وجل بيَّن لنا الطريق

﴿فَمَن شَاءَ [النبأ:39] لقد بيَّنت لكم الطريق: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنَ [البلد:10] ﴿فَمَن شَاء اتخَذَ إِلَى رَبهِ [النبأ:39] إلى رضائه وإلى طاعته وإلى الإيمان بكلامه وقرآنه وكتابه، ﴿فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ [النبأ:39] طريقًا يُوصله إلى مرضاته وإلى جناته وإلى سعادة الدنيا والآخرة، وبالعكس إذا أعرَضَ عن كلام الله وعن وصاياه وعن كلام أنبيائه وعن كلام وَرَثة رسول الله وأصغى إلى شياطين الإنس أو إلى شياطين الجن: ﴿الذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس (5) مِنَ الْجِنّةِ والنَّاس [الناس:5-6]، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ [الأنعام:112] ذَكَر شياطين الإنس أولاً لأن ضررهم أكبر، فشيطان الإنس يقول لك: “لا يمكن إلا أن تشرب”، يقول لك: “لا يمكن إلا أن تذهب معي” إلى أين؟ “إلى البارْ” [البَارْ: مكان شرب الخمور]، ويسحبك مِنْ يدك، أما شيطان الجن فإذا وسوس لك وذَكَرتَ الله خَنَس، والخنَّاس هو الذي إذا ذُكِرَ الله ولَّى وأدبر، أما شيطان الإنس فلا يخنس حتى لو ذكرتَ الله خمسين مرة.. نسأل الله عز وجل أن يحمينا منهما جميعًا.

لذلك علينا اختيار الصديق والصاحب والجليس والسهرة والنادي والاجتماع.. إنّ شجرة المشمش الكلابي نوعها رديء، نضع عليها لصقةً صغيرةً مِنَ شجرة المشمش البلدي أو الحموي وهو النوع الجيد، وبهذه اللصقة الصغيرة ومع الرابطة بحيث لا يتخلل الهواء بين اللصقة وبين الملصوق بها تدبُّ فيها حياة الشجرة الجيدة، وينبت منها النوع الجيد، وإذا نبت فلا بد من أن تقطع كل أغصان الشجرة مِنَ النوع الرديء ليقوى التلقيح بالنوع الجيد، وهكذا حياة الإنسان فيها اللقاح مثل اللقاح في الشجر: ((المرءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِه فَلْيَنظُرْ أَحدُكم مَن يُخالِلُ)) 9 ، ((والحب في الله مِنْ أعلى شُعب الايمان)) 10 .. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا مِنَ المتحابِّين فيه: ((وَجَبَتْ مَحَبتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، الْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، الْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، الْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)) 11 ، وهذا كله في الله.. اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين، وأبعِدنا عن مجالسة مَنْ لا تُحبهم ولا يُحبونك.

إنذار الله عز وجل لعباده

﴿فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا [النبأ:39] هل فهمتم ما يقوله الله عز وجل؟ والآن يقول: ﴿إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا [النبأ:40] جهنم بعيدةٌ، ولكن كلُّ آتٍ قريب، وعندما تموت ستدخل في عالم البرزَخ، وهناك يوجد نعيم مِنْ نعيم الجنة، ويوجد عذابٌ مِنْ عذاب جهنم، لذلك كان النبي ﷺ يقول في كل صلاة: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذابِ القَبرِ)) 12 ، ومَرَّ ﷺ على قبرين وهو راكبٌ بغلته، فجفلت به بغلته، فقال: ((إنَّ هَذهِ الحَيواناتِ تَرَى ما لا تَرَونَ)) 13 ، وبمعنى الحديث: ((رَأتَ صاحِبَي القَبرَينِ يُعذَّبانِ في قَبرِهِما، أمَّا أَحَدُهما فَكانَ لا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَولِه)) فهو وَسِخٌ وقَذِرٌ في النظافة البدنية، ((وأمَّا الآخرُ فكانَ يَمشِي بَينَ النَّاسِ بِالنَّميمةِ)) 14 ، ينقل أخبار الناس بعضهم إلى بعضٍ على طريق الفساد والتفريق بين الأحبة والأصحاب، وكما وَرَدَ عن رسول الله ﷺ وقد سُئِل عن خيار الناس فقِيل له: “مَنْ هم خيار الناس يا رسول الله؟” قال: ((الَّذينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ))، مثل “المَرْشْ” الذي في السيارة، [المَرْشْ هو شرارة تشغيل السيارة، ويستخدم سماحة الشيخ هذه الكلمة لأن “المرش” مسٌّ يعطي شرارة، وبتلك الشرارة يعمل كل شيء في الآلة أو السيارة] عندما تضغط عليه يدور المحرك وتدور العجلات وتسير السيارة بسرعة مئة ومئة وخمسين كليومترًا بالساعة، ولولا هذا “المَرْشْ” لَمَا صارت كل هذه النتائج، وبضغطة على زر الكهرباء تُنير البلدَ كلَّها، ومن غير هذه الضغطة [يبقى كل شيء على ما هو عليه].

((الَّذينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ))، ((فإن لم تبكوا فتباكوا)) 15 ، وإذا لم تروا فتراؤوا، هل يوجد مانعٌ من أن يتراءى الرجل زوجته أو أباه أو أمه أو من إذا رؤوا ذُكِرَ الله؟ وإذا ذُكِرَ الله فلا مذكور ولا توجُّه إلا إلى الله.. قالوا: “ومَن أشرار الخلق يا رسول الله؟” قال: ((المَشَّاؤُونَ بِالنَّميمةِ، المفرِّقُونَ بَينَ الأَحبَّةِ، الباغُونَ لِلبُرَءَاءِ العَنتَ)) 16 ، يَنسب إلى الناس ما ليس فيهم بطريق الحقد وبطريق الإيذاء وبطريق الحسد وبأمراضٍ حقيرةٍ مرذولة.

واجبنا نحو إنذار الله عز وجل

﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتخَذَ إِلَى رَبهِ مَآبًا (39) إِنا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا [النبأ:39-40] يكون الإنسان ماشيًا وفي لحظةٍ.. كما حدث لأحدهم رحمه الله كان صديقًا لنا في عمَّان، وهو “ابن أبي شاكر البَسَاتنة”، عاد هو وصهره من المطار بعدما استقبلا بعض أصدقائهما في المطار، ولَمَّا وصلا إلى البيت وضع المفتاح بالباب وإذا به يسقط أمام الباب جثةً هامدة، جسدًا بلا روح، وإذا لم يكن الموت بهذا الشكل فهل هناك فرارٌ مِنَ الموت؟ وإذا متَّ فكل الذي جمعتَه وتعبتَ من أجله وركضتَ وشرَّقتَ وغرَّبتَ وعصيتَ الله فيه أو أطعتَ الله فيه في لحظةٍ واحدةٍ [ينتهي].. وشهاداتك لا تصلح حينها إلا أن تضعها في الكانون [موقد النار] لتُشعِل بها الحطب، سواء كنتَ مَلِكًا أو كنتَ وزيرًا.. فكله صار هواءً في هواء، أما الأعمال والإيمان، والمعاصي والكفران فهذه مادة السعادة الأبدية أو الشقاء الأبدي.

﴿إِنا أَنذَرْنَاكُمْ [النبأ:40] إذا قال لك الشرطي: إذا مشيتَ على الشمال فسأكتب لك مخالفةً، وأنا أُنذرك، ماذا تفعل بعد إنذاره؟ هل تصرُّ أن تمشي على جهة الشمال؟ امشِ وأرنا قوتك! [يقول ذلك سماحة الشيخ بأسلوب التحدي، لأنه من البدهي حينها في سوريا أن كل سائق سيارة يخاف كثيراً من شرطة السير، ولا أحد يجرؤ أن يعارض الشرطيَّ أو يخالف قوله]، وكذلك عش الدبابير مكتوبٌ عليه بخط غير عربي وغير فرنسي: “ممنوع الدخول”، فإذا أردتَ أن تُدخِل عودًا صغيرًا، تجد مكتوبًا: ﴿إِنا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا [النبأ:40] إنذار الدبابير.. هل تتجرَّأ أن تخالف إنذارهم؟! هل نحن مؤمنون؟ الإيمان الذي “وَقَرَ في القلب وصدَّقه العمل”، هذا هو الإيمان المنجي، وهذا الذي طريقك إلى الجنة منه، أما أن تؤمن بلسانك ولا يستقرُّ في قلبك ولا ينعكس في أعمالك وحياتك فهذا إيمان يقال له: لا تكونوا كالذين: ﴿الذِينَ قَالُوا آمَنا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ [المائدة:41] كم ذَكَر الله القلب في القرآن! قال: ﴿فَوَيْلٌ للْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم من ذِكْرِ اللهِ [الزمر:22].

﴿إِنا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا [النبأ:40] قال أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه لرسول الله ﷺ: “شِبْتَ يا رسول الله ولم تبلغ أوان المشيب”، ما زلت شابًّا وأرى في رأسك الشيب، فقال: ((شَيَّبَتْني هُودٌ)) سورة هود لِما فيها مِنْ إنزال العذاب في الدنيا على مَنْ عصى أوامر الله وكفر بها، ((والواقعةُ)) 17 سورة الواقعة عندما ينقسم الناس إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال والمقرَّبين، فهل فكَّرتَ مِنْ أي نوعٍ مصيرك؟ هل اطمأننتَ على نفسك في الدنيا أنك مِنَ المقرَّبين أو مِنْ أصحاب اليمين، أم أنت مِنْ أصحاب الشمال؟ ﴿فِي سَمُومٍ وَحَمِيم (42) وَظِل من يَحْمُوم (43) لا بَارِدٍ وَلاَ كَرِيم (44) إِنهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِين (45) وَكَانُوا يُصِرونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيم (46) يعني يحلِفون الأيمان الكاذبة، ما الأيمان الكاذبة؟ ﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنا لَمَبْعُوثُون [الواقعة:42-47]؟ يحلِفون أنهم ليسوا بمبعوثين، وواقع المسلمين اليوم في أعمالهم المخالفة لكلام الله ولكلام رسول الله ﷺ، هل يدل على أنهم مؤمنون بالآخرة؟ المؤمن بسُمِّ الأفعى لا يضع أصبعه في فمها، فإذا وضع أصبعه في فمها هل ينفعه إيمانه بلسانه؟ الإيمان باللسان لا بد من أن يكون ترجمةً عن إيمان القلب الذي يستلزم العمل.

فنسأل الله عز وجل أن يجعل إيماننا مِنْ قلوبنا، وتُصدِّقه أعمالُنا وأخلاقُنا وتصرُّفاتُنا.. ومَنْ الذي يقول لنا: ﴿إِنا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا [النبأ:40]؟ الله مَنْ يقول ذلك.

إن الدبُّور وضع على عشه لافتةً مِنْ غير أحرفٍ ولا خطٍّ، ولكن يقرؤها الأمي والقارئ أنَّ اللمس والتحريك ممنوع، فهل يستطيع أحد أن يخالف أوامر الدبُّور؟ وخصوصًا إذا كان الشخص خارجًا مِنَ الحمام ولم يرتدِ ملابسه بعد، فليجرِّب وليُخالف الإنذار وليحرك بالعصا قليلًا.. إننا نخاف من الدبُّور، أَفَلا نخاف مِنْ الله عزَّ وجلَّ؟! نخاف مِنْ إنذار البعوضة، ونضع لذلك “النَّامُوْسِيَّة”، ونضع على النوافذ “شريطًا”، أليس كذلك؟ [النّامُوْسِيَّة: اسم لما يُوضَع فوق الفراش ليمنع دخول البعوض، وهي خيمة من قماش رقيق.. والشريط الذي يوضع على النوافذ: هو الشَّبَك أو الشبكة التي تكون مثل المُنْخُل أو الغِرْبَال، ولكنه دقيق يمنع دخول البعوض ولا يمنع دخول الهواء، ويُصنَع عادة من المعدن أو البلاستيك القوي]، لأنها تُنذرنا بإنذارٍ غير مسموع وغير مكتوب، بل هو مكتوبٌ في القلوب وفي صفحات العقول والقلوب، لذلك نتقبَّل هذا الإنذار ونعمل بمقتضاه، ونضع شريطًا ونضع أيضاً “ناموسية”، أليس كذلك؟ وإنذار الله ماذا نفعل من أجله؟ هل وضعتَ حِجابًا أو “شريطًا” مِنْ تقوى الله حتى لا تقع في غضبه وفي عقابه في الدنيا أو الآخرة؟ [الشَّرِيْط: هو الشبك كما مر قبل قليل، والمقصود هنا: حماية أو أداة واقية]، إذا لم تفعل فأنت لستَ بمؤمن، أنت مؤمن القول، ولا تكونوا كالذين: ﴿قَالُوا آمَنا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ [المائدة:41] السبب لأنه ليس لك قلبٌ وليس لك المعلم الذي يُعلمك الكتاب ويُعلمك الحكمة ويُزكي نفسك: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبهِ فَصَلى [الأعلى:14-15].

﴿إِنا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا [النبأ:40]، أنذرناكم عذاباً، وهو قريب.. كان أبو غنيم رحمه الله تعالى مِنْ إخوانكم، وبعدما انتهى الدرس وصلى صلاة الجمعة ذهب مع ابنه بسيارته، ومرا أمام “مَحْمَصَة”، فقال لابنه: أوقف السيارة واشترِ لنا كيلو من “المَوَالِح”، [المَوَالح: بذور تُأكَل للتسلية، مثل الفستق وبذر الشمس والبطيخ واليقطين، وهي تُحمَّص بالملح في بعض المحلات التجارية التي تُسَمَّى “مَحْمَصَة”]، فنزل ابنه واشترى كيلو من الموالح وعاد إلى السيارة فوجد أباه ميتًا بلا حركة.. ومتى مات الإنسان فقد قامت قيامته الصغرى، فيرى منزلته عند الله عز وجل إن كان مِنَ المكرمين وإن كان مِنَ المغضوبين، وقد يظهر عليه آثارٌ في الحياة، وذلك إذا سلَكَ سلوك المتقين أو سلك سلوك الفاسقين.. فنسأل الله عز وجل أن يتوب على الفاسقين، وأن يتقبل مِنَ المتقين، وأن يُثبِّتنا بقوله الثابت على صراطه المستقيم.

موقف الإنسان يوم الجزاء

﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدمَتْ يَدَاهُ [النبأ:40] في محكمة الله يَعرضون عليك أعمالك في شريط الفيديو الإلهي، والله تعالى يقول لك: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14] فالقاتل إذا أُخِذَ له فيلم فيديو والخنجر في صدر الضحية هل يستطيع الجحود؟ وهل يستطيع أن يُنكر؟ وإذا أُحضِرَ لكَ الفيديو وأنت تشرب الخمر وأنت تسب الدِّين، وأنت تأكل الحرام وتترك الصلاة وتمنع الزكاة: ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدمَتْ يَدَاهُ [النبأ:40] كيف ستكون ردة الفعل في نفسه؟ ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40].

أمَّا الأتقياء فلهم: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ:31-32] حتى ولو لم يكنَّ كواعِب، لنفترض أنَّ أثداءهنَّ متدلية، هل يتمنَّى أن يقول: ﴿يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40]؟ وإذا كن كواعِب هل يقول: ﴿يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40]؟ اصدقوا الله.. نسأل الله عز وجل أن لا يجعلنا مِنَ الذين إذا لقينا الله وعُرِضَت علينا أعمالنا أن نتمنَّى أن نكون ترابًا، لأن الذين يصيرون ترابًا هم الحمير، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: ((لَتُؤَدُنَّ الحُقوقَ إلى أهْلِها)) يجب أن تؤدُّوا الحقوق إلى أهلها في الدنيا قبل الآخرة، قبل محكمة الله، ((حتَّى يُقادَ)) ويُقْتَصّ ((للشَّاةِ الجَلحاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ)) 18 ، فإذا نطح كبشٌ كبشًا بغير حق فسيحشرهما الله يوم القيامة، ويقول للمنطوح: خُذ حقك مِنَ الناطح، فينطحه، وكذلك الحماران إذا ضرب أحدهما الآخر أو عضه فيُحشران يوم القيامة، وتقول المحكمة للمعضوض: عضه كما عضك، وعندما يأخذ حقه يُقال للحمارين: كونا ترابًا، وهكذا البغلان وهكذا الكلاب والقطط.. وهل على النبي ﷺ أن يذكر كل الحيوانات؟ لقد ذكر النبي ﷺ نموذجًا ويُقاس عليه غيره.

﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدمَتْ يَدَاهُ [النبأ:40] انظر أنت ماذا عملتَ مِنْ أعمالٍ سيئة فيجب عليك أن تمحوها بالتوبة الصالحة والتوبة النصوح، والتوبة النصوح هي أن لا ترجع إلى الذنب إلا إذا رجع الحليب إلى الضرع أو الثدي، والتوبة النصوح أن تتوب توبةً لا ترجع بعدها إلى أعمالك الناقصة والحقيرة والمغضبة لله عز وجل.

﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] الإيمان: أن نُؤمن بالله وملائكته وكتبه، وهل القرآن مِنْ كتب الله؟ وهل سورة النبأ مِنْ كتاب الله؟ فهل آمنتم بسورة النبأ؟ إذا ذهبتَ إلى الدكان أو البستان أو السوق أو غضبتَ أو كنت مع زوجتكَ أو مع زوجِكِ أو مع “الحَمَاة” أو مع “الكَنَّة” أو مع الخادِم أو مع صاحب العمل أو في صلاتك أو في صومك، هل آمنتَ بالنبأ العظيم؟ وهل آمنتَ بـ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1]؟ إن دليل إيمانك أن تُفَتِّش نفسك بعد خروجك مِنَ الجامع، فأنت الآن آمنت باللسان.. ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا مؤمني القول والعمل واللسان والقلب والظاهر والباطن، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

بعض إخوانكم تُوفُّوا، ونحن نذهبُ شخصٌ وراء شخص.. نسأل الله أن يغفر لنا ولهم، ونشاركهم بالتهليلة.

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. قوت القلوب للمكي، (1/366)، الرسالة القشيرية (1/265)، بلفظ: ((وقيل: أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى دَاوُد قل لَهُمْ إني لَمْ أخلقهم لأَرْبَحَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا خَلَقْتُهم لِيَرْبَحُوا عَلَيَّ))، وفي تذكرة الموضوعات للفتني، ص: (97)، بلفظ: «يَأْتِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِلَى جَهَنَّمَ فَيَقُولُ هَذَا فِدَائِي مِنَ النَّارِ فَيُقَالُ لِلْمُسْلِمِ إِنَّمَا خَلَقْتُ الْخَلْقَ لِيَرْبَحُوا عَلَيَّ وَلَمْ أَخْلُقْهُمْ لأَرْبَحَ عَلَيْهِمْ».
  2. تاريخ دمشق لابن عساكر، رقم: (8276)، (65/197)، ومسند الفردوس للديلمي، رقم: (5249)، بلفظ: ((لَيْسَ بخَيركُمْ من ترك دُنْيَاهُ لآخرته، وَلَا آخرته لدنياه، ولكن يُصِيب مِنْهُمَا جَمِيعاً))، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
  3. مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (466)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وفي حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، (5/189)، عن أبي أَيُّوب الأنصاري رضي الله عنه، بلفظ: «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ»، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (35485)، بلفظ: ((مَا أَخْلَصَ عَبْدٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا إِلَّا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ)).
  4. صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم: (4739)، (4/1919)، سنن أبي داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم: (1452)، (1/460)، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  5. تاريخ دمشق لابن عساكر، رقم: (4670)، (40/158)، بلفظ: ((مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجماعة فقال ما هذه الجماعة قالوا مجنون قال ليس بالمجنون ولكنه مصاب إنما المجنون المصاب، وإنما هو أي المجنون المقيم على معصية الله عز وجل))، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي الغيلانيات لأبي بكر الشافعي، رقم: (400)، (1/376)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: مَجْنُونٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْمَجْنُونُ الْمُقِيمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنَّ هَذَا رَجُلٌ مُصَابٌ».
  6. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (5232)، عن أنس بن مَالك رضي الله عنه، وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30351)، وشعب الإيمان للبيهقي، رقم: (65)، بلفظ: ((إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ))، عَنِ الْحَسَنَ رضي الله عنه موقوفاً عليه، وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم لللالكائي، رقم: (1561).
  7. شعب الإيمان للبيهقي، باب في الإيمان بالله عز وجل رقم: (100)، (1/110)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (460)، (11/233)، القبور لابن أبي الدنيا، رقم: (69)، (1/80)، بلفظ: ((لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ، وَلَا فِي نُشُورِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَنْفُضُونَ عَنْ رُءُوسِهِمْ يَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ))، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه.
  8. سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر، رقم: (2918)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (7311)، عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه، بلفظ: «مَا آمَنَ بِالقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ».
  9. سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أنْ يُجالِس، رقم: (4833)، سنن الترمذي، أبواب الزهد، رقم: (2378)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (8398)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9436)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  10. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18547)، مسند الطيالسي، رقم: (783)، بلفظ: ((عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ قُلْنَا: الصَّلاَةُ قَالَ: الصَّلاَةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ قُلْنَا: الصِّيَامُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحَبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ)).
  11. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (22083)، (5/233)، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (16907)، (20/80)، بلفظ: ((وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ))، عن مُعَاذ بْن جَبَلٍ رضي الله عنه.
  12. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، رقم: (1311)، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في صلاة، رقم: (588)، بلفظ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ))، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  13. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (14322)، بلفظ: ((إِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلاَبِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا تَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ، وَأَقِلُّوا الْخُرُوجَ إِذَا هَدَأَتِ الرِّجْلُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبُثُّ فِي لَيْلِهِ مِنْ خَلْقِهِ مَا شَاءَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا أُجِيفَ ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَغَطُّوا الْجِرَارَ، وَأَكْفِئُوا الآنِيَةَ))، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه.
  14. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، رقم: (213)، (1/88)، صحيح مسلم، رقم: (292)، (1/240)، بلفظ: ((عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)).
  15. سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في حسن الصوت بالقرآن، رقم: (1337)، بلفظ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ، فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، وَتَغَنَّوْا بِهِ فَمَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِهِ فَلَيْسَ مِنَّا»، عَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه.
  16. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (27640)، (6/459)، مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (24)، (5/180)، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَال: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ))، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها.
  17. سنن الترمذي، كتاب التفسير، باب من سورة الواقعة، رقم: (3297)، (5/ 402)، والشمائل للترمذي، رقم: (41)، (46)، بلفظ: ((شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ))، عن ابن عباس رضي الله عنه.
  18. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2582)، (4/1997)، سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص، رقم: (2420)، (4/614)، بلفظ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ»، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
WhatsApp