تاريخ الدرس: 1994/12/16

في رحاب التفسير والتربية القرآنية

مدة الدرس: 01:33:08

سورة الإنسان، الآيات: 8-12 / الدرس 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأصلي وأسلم وأحيي سيّدنا محمداً، خاتم النّبيين والمرسلين، والصلاة والسلام على أبيه سيدنا إبراهيم وأخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآلهم وأصحابهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعدُ:

منشود الإسلام بناء الإنسان والمجتمع الفاضل

فنحن الآن في تفسير سورة الإنسان، الإنسان الإلهي، الرباني، العقلاني، الأخلاقي، فإنَّ أديان السماء وأنبياءها قد أرسلهم الله عزَّ وجلَّ عز وجل لبناء الإنسان الفاضل، فكلّ نبي بذل ما يملك من طاقة وجهد، فمن الأنبياء من آمن به إنسان واحد، ومنهم تبعه شخصان أو أكثر من ذلك، وكان النبي يُرسَل إلى قومه، لكن سيدنا محمد ﷺ أُرسل إلى العالم كله؛ ليقيم الإنسان بكل درجاته ومستوياته، فبدأ بالإنسان الفرد وبه بنى الإنسان الفاضل، ثم بنى الأسرة والعائلة الفاضلة، وهكذا إلى المجتمع الفاضل وإلى الدولة الفاضلة، لا الدولة القومية التي لا تعمل إلا لمصلحة بني جنسها وقومها، بل بنى الدولة العالمية؛ دولة الإنسان: أيّ إنسان كان، وذلك من أجل رقيّه وتعليمه وتهذيبه وإنسانيته وكلّ ما يحقق للإنسان سعادته مهما اختلف لونه أو لغته أو دينه.

التعرُّف على خالق البناء الإنساني سبحانه

فقد أعطت هذه السورة -سورة الإنسان- لمحة عن هذا المعنى، فبُدِئت أولاً بسؤال من الله عزَّ وجلَّ لتعقيم الإنسان من غروره ومن جهله بالحقيقة الكونية قائلاً: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان:1] هل أتى عليك أيها الإنسان وقت لم تكن شيئاً مذكوراً؟ لست رجلاً ولست أنثى ولا طبيباً ولا عالماً ولا جاهلاً ولا وجود لك لا اسماً ولا مسمّى، ﴿هَلْ أَتَى؟ فمن الذي أوجدك؟ من الذي وهب لك آلة العلم من السّمع والبصر والعقل والإدراك وبناك هذا البناء من أعصابك وعظامك وعضلاتك وتركيب الدّم والقلب والكليتين.. والخ؟ فمن الذي قام بكل ذلك؟ هل أنت أو والدك أو أمك؟

﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ وزمن ﴿مِنَ الدَّهْرِ لَمۡ يَكُن شَيۡ‍ئاً مَّذۡكُورًا [الإنسان:1] فمن الذي أوجدك؟ ومن الذي صوَّرك في هذه الصورة؟ من المهندس؟ ومن المصمم؟ ومن يقوم بصيانة هذه الأجهزة؟ فهذه الأجهزة تعمل سبعين أو ثمانين أو تسعين سنة بلا أيّ صيانة إلّا من طرف الله سبحانه.

جعل فيك جهاز صيانة وهو المسمى بجهاز المناعة الذي ينتج الكريات البيضاء، حتى إذا دخل جسمك شيء من الجراثيم القاتلة فتَهُبّ تلك الجيوش لمقاومة الأعداء المغيرة، فتُحِيْط بها في تكتيك [خطة] حربي دقيق يَعْجز الإنسان أن يعمل مثل تكتيكه [خُطَّته]، فمَن؟ ومِن أيِّ شيء خلقك؟ خلقك ﴿مِنْ نُطْفَةٍ ‌أَمْشَاجٍ صار اسمُك نطفة، بعدها صار اسمك علقة، وبعد ذلك جعل العلقة مضغة، ثمّ كَسَا المضغة عظاماً، ثمّ صوَّرك فأحسن صورتك، وإلى آخره.

إلى أنّ وصف الله عزَّ وجلَّ هذا الإنسان بعد تصنيعه وبعد أن كان مادة خام، حيث كان مثل الذهب في الأحجار والرّمال والصخور، ومثل الحديد في الصخور والرمال لا قيمة له، أمّا عندما يخرج من المصانع طائرة وسيارة تكون قيمتها بمقدار دقّة صناعتها، فكيف بصناعة الله؟

فصنع جسدك ثمّ من طريق الأنبياء يريد أن يصنع إنسانيّتك وعقلانيّتك وحكمتك وأخلاقك وفضائلك، فوصف الإنسان المصنَّع في نفسه وعقله وفكره بقوله: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ [الإنسان:5].

الأبرار هم تلامذة المدرسة الإلهية عبر أساتذة الوحي

في البداية قال تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ الذين لا يعرفون الشّرّ في أنفسهم ولا في أعمالهم ولا مع الآخرين، ولا يعرفون البغي ولا العدوان ولا رذائل الأخلاق، فالبَرّ هو الإنسان المعقَّم من كل عيب في عقله وفي نفسه وفي أخلاقه ومع الآخرين، وسمى هؤلاء الناس الذين دخلوا في مدرسة الله عزَّ وجلَّ “الأبرار”، فالبِرُّ هو الخير، والأبرار: النّاس الأخيار الذين لا يصدر منهم إلا عمل الخير وصفته وأعماله، وهذه من مصدر مدرسة الله، فالله عزَّ وجلَّ هو المعلم من طريق أنبيائه ووحيه وملائكته، فمن تقبَّل هذه المدرسة صار بَرّاً وصار من الأبرار، وصار خَيِّراً من الأخيار، وصار عزيزاً من الأعزة، وصار غنياً من الأغنياء.

ولما نزَّل القرآن على أمّة أعرابية لا تعرف إلّا الصّحارى حيث لا ماء ولا أنهار ولا بساتين ولا أشجار، إنّما هم رعاة الإبل ورعاة البُهْم، وأميون لا يقرؤون ولا يكتبون، وبلا مدرسة ولا أساتذة، فماذا جعلت منهم مدرسة الله عزَّ وجلَّ؟ وبأستاذ واحد وكتاب واحد.

فالكتاب هو القرآن والأستاذ سيدنا محمد ﷺ، وخلال خمسة عشر قرناً حورب الإسلام بالأسلحة والجيوش والدعايات والتبشير والتنصير ولا يزال يغزو ويتقدم ولا يتوقف ولا يتقهقر، ولمّا عرفه الأُوَل حقّ المعرفة نقلهم من الفقر إلى الغنى، ومن الجهل إلى العلم، ومن الفوضى إلى الفلسفة والحكمة، ومن التّناحر والعداء إلى المحبّة والألفة، ومن الذّلِّ إلى العزِّ، ومن الاستعمار إلى التّحرّر وتحرير الشّعوب.

وعندما جاهد الإسلام لم يجاهد ليستولي على أموال الشّعوب، بل جاهد ليخلِّصها من الظّلم والبغي والاستعمار ويعطيها السّلام والحرّية ويفتح لها أبواب العلم ويجبرها على التّعلّم والثّقافة والرّقي.

إنَّ الإنسان بعد تصنيعه التصنيع السماوي ينتقل من إنسان شرير لنفسه وللآخرين إلى البَرّ، ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ الأخيار الذين لا يعرفون إلّا الخير والبِرَّ ﴿يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ شربوا من كأس الوحي الإلهي في الدّنيا، ومن كأس العلم والحكمة والنّبوّة والحبّ والتّآخي، حتّى صاروا إخوة، بل جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى 1 ، لا يتعالى الأبيض على الأسود، ولا صاحب الأنساب والأحساب على الإنسان العادي ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ [الإنسان:5] هؤلاء الناس الذين كانوا أشراراً فصاروا أخياراً، وصاروا أبراراً وصاروا ((علماء وحكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء)) 2 .

قهر عمر رضي الله عنه الاستعمارَ العالمي: شرقِيَّه الفارسي وغربيَّه الروماني، وكان ينام على التراب، وكان يلبس الثياب المرقَّعة، وهو قاهر الأباطرة! ولما صارت مجاعة بقي ستة أشهر لا يأكل إلّا الخبز والزّيت، أُسوة بشعبه، وهو قاهر الأباطرة، فما ميَّز نفسه عن شعبه حتى عن أصغرهم.

سمع مرة بطنه يقرقر وقد تغيَّر لونه من قلَّة الغذاء، فقال له: “قرقر ما شئت أن تقرقر، واللهِ لا أطعمك اللحم حتى يأكل الناس كلُّهم اللحم قبلي”، فهذا الإنسان الذي صنعه الإسلام وصنعه القرآن وذكر الله عزَّ وجلَّ فيه سورة الإنسان لنعرف كيف يُصْنَع الإنسان بالصناعة الإلهية، فقال: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ [الإنسان:5] هؤلاء النّاس الذين تخرَّجوا من مدرسة الله، وتثقَّفوا بثقافة السّماء وصاروا أبراراً أخياراً لا يعرفون البغي ولا العدوان ولا الأنانيّة ولا المصلحة الذّاتيّة فردية كانت أو قومية.

الأبرار يشربون من كأس الخلاص لينفُذوا إلى حرية لا حدود لها

﴿يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا [الإنسان:5] يذكر الله عزَّ وجلَّ حياتهم بعد أن تتخلص نفوسهم من سجن جسدها، فتنظر إلى نفسك أنّك حي، فأنت سجين في هذا الجسد، والموت هو انطلاق السجين من سجنه إلى عالم الحرية وعالم السّماء الذي لا حدود له، فيكون مصيرك كمصير الطالب المجدّ المجتهد في مدرسته الذي يسهر الليالي في أداء واجبه فيكون في آخر السنة ضاحكاً مسروراً، وأما الكسول الجهول الذي ضيّع سنته في اللّهو واللّعب فتكون نهايته في آخر السنة عبوساً قمطريراً ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) [النجم:39–41]، فزارع القمح يحصد قمحاً ولا يحصد شعيراً ولا يحصد شوكاً، وزارع الشوك لا يحصد زنبقاً ولا ورداً.

﴿يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) [الإنسان:6] يذكر الله عزَّ وجلَّ حياة هذا الإنسان الروحية بعد أن تفارق روحُه جسدَه وتَتَحرَّر من سِجْنها وسِجِّيْنِها.

زيادة أعمال الخير لينالوا صفة البر

ومن صفاتهم في الدنيا: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7] لا يكتفون بأداء ما فرضه الله عزَّ وجلَّ عليهم، بل يفرضون على أنفسهم فرائض أخرى من أعمال البرّ والخير مما ينفع الإنسان الفقير والمحتاج تقرباً إلى الله عزَّ وجلَّ وحبّاً للإنسان ومساعدة الإنسان للإنسان، زيادة عمّا فرضه الله عزَّ وجلَّ عليهم، فقد فرض الله عليهم الزكاة فهم يفرضون على أنفسهم أن يفعلوا الخير بطريق النذر وفرضيته ليزدادوا صلاحاً على صلاح وإنسانيةً على إنسانية.

الخوف من الله عزَّ وجلَّ ومن يوم حسابه

ومع كلّ صفاتهم الصالحة وصفات الخير قال: ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7] يخافون من يوم القيامة ويوم الدينونة، حيث شرُّه يشمل الموقف اللا متناهي، فيجمع الله عزَّ وجلَّ الأمم من آدم إلى قيام السّاعة ويحاسب كل واحد عن سمعه وبصره وفؤاده، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ فنيتّك وضميرك وتفكيرك كلّه عليه رقابة إلهيّة ﴿كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

فدائماً مع كل ما يبذلون ويعملون من الصالحات يخافون من الحساب، لأنّه مهما عبدنا الله عزَّ وجلَّ وامتثلنا أوامره فنحن مقصِّرون تجاه نعمه، فمن أعطاك نعمة الوجود ونعمة الحياة ونعمة العيون ونعمة السّمع ونعمة العقل ونعمة المشي ونعمة اليدين، ونعمة الهواء وما ركّبه الله عزَّ وجلَّ من عناصر في منتهى الدّقة؟ فلو زاد بعض عناصره عن المستوى المطلوب لمات الناس اختناقاً أو تسمماً؟ قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا [النحل:18].

فمع كل صلاحهم وتقواهم يخافون من الحساب، [والله هو الأعظم]، وحسب عظمة الله فلو كلّفك رئيس الجمهورية بعمل وبذلت كل طاقتك تبقى خائفاً من أن يكون فيها نقص أو ألا يعجبه الشّيء الفلاني فيها، فهذا الإنسان العاقل الذي يعمل كلّ جهده ويخاف من التّقصير، يخاف من الحساب.

والإنسان الكسول البطَّال العطَّال لا يعمل شيئاً ويريد أن يفرض بطالتَه وكسلَه في نفسه على الآخرين، ويرى كأنّه عمل كلّ شيء، هذا الفرق بين الإنسان الناجح والإنسان الفاشل سواء في الدنيا أو في الآخرة.. ترى الإنسان الفاسق تارك الصلاة، مانع الزكاة، شارب الخمر، السكير، يقول: “غداً سأدخل الجنة وسأخلع باب الجنة برجلي”، لأنّه حمار لا يعرف إلا الركل، وإذا سألته: لماذا لا تصلي ولا تفعل؟ يقول لك: الله غفور رحيم.

أمّا النبي ﷺ وهو أتقى النّاس، القائل: ((أنا أتقاكم لله)) 3 ، وكان يقول: ((أما أنا فلا أدري ما يفعل الله بي)) 4 .

وفي آخر حياته وقبل وفاته بأيام صعد المنبر وقال: ((أيّها الناس من كان له عندي مظلمة من مال فليأخذ من مالي، أو ضربته في بدنه فليضربني على بدني، أو شتمته فليشتمني، فإنّي أرغب أن ألقى ربّي وليس لأحد عندي حقّ ومظلمة في مال أو غير مال، لا يقل بأنّ محمداً يغضب فإن محمداً لا يغضب من الحق والحقيقة)) 5 .

والإنسان الموفَّق هو الذي يحاسب نفسه ولا يدع الآخرين يحاسبونه، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُوفِّقنا لأن نكون الإنسان الرّباني؛ إنسان القرآن، حيث الذي يصنع نفوسَنا [في القرآن] هو ربُّ العالمين، فإذا سلَّمت بضاعتك وقماشك للمعلِّم [الخياط الماهر] المخلِص البارع كيف يكون “الطقم” [البدلة أو الثوب]؟ يكون بأحسن شكل، وإن سلَّمت أرضك [التي ستبني عليها بيتاً] لأحسن مهندس كيف سيكون البناء؟

تأثير الصحبة في صلاح أو فساد الأعمال

فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُوفِّقنا، والتوفيق يكون بصحبة الموفقين ومحاسبة النفس وبأن تعترف بخطئك إذا أخطأت، وإذا عملت حسنة تقول: هذا من فضل ربي، ولا ترى نفسك على الآخرين.

فمع إيجابهم على نفوسهم فوق ما فرض الله عزَّ وجلَّ عليهم تقرباً إلى الله عزَّ وجلَّ يخافون من يوم الدينونة والقيامة والحساب؛ لأنَّ شرَّه وخطره ينتشر على الخلق كلهم، ويكون الحساب للمخلوقات كلهم.

ترى الطالب المجدَّ المجتهد الذي لا يضيِّع وقته في ليل ولا نهار يدخل الفحص وهو خائف يقول: لعلِّي نسيت شيئاً، والخمول والكسلان لا يهمه أول السنة ولا نصف السنة ولا آخرها، ولا إذا نجح ولا إذا فشل.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحمينا من الخذلان.

والمخذول: هو الذي يُخْذَلُ عند الله عزَّ وجلَّ.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحمينا من سوء الحساب، فسوء الحساب من سوء الأعمال، وسهولة الحساب من صلاح الأعمال، ومن عامل الله عزَّ وجلَّ بغير حساب عامله الله عزَّ وجلَّ بغير حساب، نسأل الله أن يوفِّقنا.

والتوفيق له أسباب، فإن صحبت المخذولين هل تُوفَّق؟ وإن صحبت السكارى تصير سكيراً، وإن صاحبت الفسَّاق تصير فاسقاً، وإذا كان صاحبك يشرب التبغ ماذا يحدث بعد مدة؟ فالذي شرب التبغ من أين شرب التبغ؟ من الصحبة، أليس كذلك؟ والذي ذكر الله عزَّ وجلَّ من أين صار ذاكراً؟ والذي صار تقياً من أين صار تقياً؟ والذي أصبح منحوساً من أين أصبح منحوساً؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحمينا من صحبة الأشرار، وأن يرزقنا صحبة ومحبّة الأبرار، كما قيل: “قل لي من تصاحب أقل لك من أنت”.

الضمان الاجتماعي في الإسلام

ليس من صفاتهم أنهم يخافون فقط، بل ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ على حبِّهم للطعام وحاجتهم إليه يقدِّمونه لمن هو أحوج إليه منهم ﴿مِسْكِينًا [الإنسان:8] هذا ضمان ضِد الفقر في المجتمع، فقد أقام الإسلام نظام ضمان جماعي لمحاربة الفقر.

دائماً يحضّ القرآن على إطعام ومساعدة الضّعيف من فقير أو مسكين أو يتيم حتّى ولو كان أجنبياً غير مواطن المسمّى بابن السبيل، فالسبيل: هو الطريق؛ لأنَّ الغريب قد يكون في طرقات السفر، فإن كان محتاجاً وأتى لوطنك فأنتم أيها المواطنون لديكم ضمان جماعي ليس للمواطنين فقط، بل وللأجنبي أيضاً ولابن السبيل حتى ولو كان غير مسلم، هكذا نص علماء الدّين في كتب الفقه والتشريع.

الخطاب القرآني حث على صناعة الإنسان المثالي

﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ ليس زائداً عن حاجتهم، فليسوا بأغنياء، بل كانوا يقدمون عشاءهم وعشاء أطفالهم للفقير واليتيم والأسير.

والأسير كان كافراً، وقد يكون وثنياً عابد صنم، فهذه حقوق الإنسان! فالقرآن شرع حقوق الإنسان، والمسلمون كانوا مخلصين في الإيمان بها وفي تطبيقها، أمّا في عصرنا الحاضر فعندما تطالب أمريكا دولةً أخرى بحقوق الإنسان فيكون هناك وراء ذلك مصلحة لها، فتحتجّ بحقوق الإنسان لتتدخل في شأن ذلك الشعب من الشعوب، فظاهر الدعوى فيه الرحمة وباطنه من قِبَلِه العذاب.

عندما كان لها في الكويت مصلحة بترولية جمعت أساطيل الدنيا، وفي البوسنة والهرسك؛ لأنه ليس لها مصلحة فيُذَبَّح النساء والأطفال وتُبقَرُ بطون الحبالى [من المسلمين]، وعلى مشهد من أوروبا ومن أمريكا ومن هيئة الأمم ولا يحرِّكون ساكناً، فلا صلاح ولا سلام إلّا بدستور الله وتشريعه وإلا بالمتخَرِّجين من مدرسة الله الذين يحوِّلون القرآن من كلمات تُقرأ وتُتلى إلى أعمال تُشاهَد وتبصر في الواقع العملي.

وهذه تحتاج إلى مصنع وإلى مهندسين يُحسنون صناعة الانسان، فيأخذون الإنسان الخام أحجاراً وتراباً ورملاً، ويخرجونه ألماساً وذهباً وفضةً، كانوا يدخلون مسجد رسول الله ﷺ وحوشاً، فيخرجون منه ويتخرجون منه ملائكةً.

الإحسان إلى اليتيم والمسكين والأسير

﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا الفقير المحتاج ﴿وَيَتِيمًا الصغير الذي فقد عائله -والده- المنفِق عليه، فيصير المجتمع ُكله أباً له وحانياً عليه ﴿وَأَسِيرًا [الإنسان:8] الأسير: هو العدو، وقد كان البارحة السيف بيده يريد أن يذبحك، واليوم صار أسيرك وفقد كل ما يملك من سلاح ودفاع، فالقرآن أمرك بالعطف عليه والحنان والرعاية وأن تقدم له كلّ ما يحتاج إليه.

فهذه حقوق الإنسان، فيوصي القرآن بالعدو، ففي معركة بدر عندما وقع الأسرى في يد المسلمين قال النبي ﷺ: ((استوصوا بهم خيراً وأحسنوا إليهم)) 6 فكان أحدهم يقدِّم عشاء أولاده لأسيرهم ويترك أولاده ينامون بلا عشاء، كانوا يقدِّمون الطعام لأسيرهم الذي كان يحاربهم بالأمس والآن فقد كل طاقة وكل سلاح وصار في الذّل والأسر، ومع ذلك كيف عامله الإسلام والقرآن؟ كما يعامل يتيمه ومسكينه بالرحمة والشفقة والإنسانية.

تطبيق قانون الله عزَّ وجلَّ في الأرض صيانة لحقوق الإنسان

مع بذلهم الطعام قال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله [الإنسان:9] لأنّ ديننا وربنا وإلهنا أمرنا بذلك، ولو تُرك الأمر لأنفسنا وأنانيتنا قد نفعل غير ذلك، كنا سننتقم أو لفعلنا كما فعل الصربيون في المسلمين في البوسنة والهرسك؛ لأنهم لم يدخلوا مدرسة الإيمان، فهم وحوش، والإنسان بلا إيمان أوحش الوحوش، فهو أوحش من النّمر، وأوحش من السباع، فالوحش يتعدَّى على الإنسان إذا كان جائعاً أمّا إذا شبع فلا يقترب منه، والوحش كالنمر والأسد ما إن امتلأت معدته وصار شبعاناً لا يؤذي غيره، أمّا الإنسان فمعدته ليست في جسده بل معدته في أهوائه، وأهواؤه لا تشبع، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لو أعطي ابن آدم وادياً من ذهب)) هل يشبع؟ قال: ((لتمنى ثانياً، ولو أُعطِيَ ثانياً)) هل يشبع؟ قال: ((لتمنى ثالثاً))، إذاً ما الذي يشبعه؟ قال: ((ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)) 7 لا يملأ جوفه إلا التراب إذا بقي ابن آدم، أمّا إذا خرج من حياته الجسدية إلى حياته الروحية بالتوبة الصادقة والدخول في مدرسة الله عزَّ وجلَّ وثقافته، فيشبعه ما يملأ المعدة، بل يُشْبِعه إيمانُه فيظل جائعاً ويقدّم الطعام إلى غيره، هذا ما يسمّى بالدّين! وهذه الثقافة وهذه التربية لمّا جُرِّبَت عبر التّاريخ ماذا أعطت المجرِّبين؟ -ما كانوا مجربين لكن أقولها تجاوزاً- جعلتهم أعزَّ من يمشي على وجه الأرض، لا بالجبروت والطّغيان، بل بالعلم والحكمة والإنسانيّة والعدالة والمساواة بين كلّ شعوب الأرض.

القبطي يضرب ابن عمرو بن العاص بأمر عمر بن الخطاب

وعندما ضرب ابنُ عمروٍ بن العاص فاتحِ مصر نصرانياً بالقضيب على رأسه، لأنَّ القبطي سبقه في سباق الخيل.. [فابن عمرو فَكَّر في نفسه]: كيف يُسبَق ابن الحاكم!

فشكاه إلى عمر، فاستدعاه عمر، وأمر القبطي أن يضرِبَ ابن عمرو بالقضيب الذي ضربه به على رأسه، فضربه، وأصحاب النبي ﷺ يقولون: “ونحن نُحِبُّ أن يَضرِبَهُ” 8 يعني لم يتعصَّب أحد لدينه أو لقوميته ويقول: كيف لنصراني أن يضرب مسلماً؟ وكان هذا أمام عمر وأمام أصحاب النبي ﷺ؛ لأنّهم صاروا إنسانيين ربّانيين بالعدالة السماوية، قال: “حتى توقف، ونحن نحب أن يتوقف” لأنّه ضربه بحقه واستوفى حقه تماماً، فإذا بعمر يقول له: “اضرب بالسوط على صلعة أبيه عمرو”.

احكوا لي: هل رئيس أمريكا كلينتون أو كارتر يفعلها أو تحدث مثلها في السويد أو النرويج أو فرنسا أو ألمانيا أو إنكلترا؟ هذا حقّ الإنسان في سورة الإنسان.

فعمرو بن العاص رضي الله عنه إذا قال عمر: “اضربه” سيُضرب، فقال له: “يا أمير المؤمنين وما ذنبي؟” هذا فاتح مصر! الآن إذا فتح أحدهم قرية من إسرائيل ماذا نفعل له؟ وإذا فتح تل أبيب ماذا نفعل له؟ وهذا عمرو بن العاص قد فتح مصر! مصر وما أدراك ما مصر!

قال له: “اضربه”، من أجل من؟ من أجل إنسان قبطي نصراني طغى عليه المسلم، فقال القبطي: “يا أمير المؤمنين أنا أخذت حقي، وليس لي حق عند أبيه”، حتى قال: “واللهِ لو ضربتَه لما منعك منّا أحد، لأنّ ابنه ضربك بسلطان أبيه”.

فأيُّ قاضٍ في الدنيا؛ في أمريكا أو أوربا يعدل هذا العدل، وينصف الضعيف الذي على غير دينه ومن غير قوميته بهذا الشكل؟ وهل فكرتْ أُمَّة مهما تثقَّفت وارتقت أن تكون العدالة الإنسانيّة فيها على هذا المستوى، وأن يُكَرَّم الإنسان فيها -أيّ إنسانٍ- على هذا المستوى الإسلامي عقيدة وتطبيقاً وتنفيذاً وتاريخياً؟ ومثل هذا كثير لا يُعد ولا يحصى عندما كان الإسلام إسلاماً حقيقياً دولة ومجتمعاً وثقافة وتعليماً.

الإحسان غير المشروط جزاؤه من الله فقط

﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لأنّ الله عزَّ وجلَّ يأمرنا بالإحسان إلى الإنسان بأن نرعى الضعيف حتى نقضي على الفقر، فلا مريض بلا دواء، ولا عارٍ بلا كساء، ولا جائع بلا غذاء.

﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً نطلب المكافأة من الله ﴿وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9] فأيضاً لا نريد مدحكم، فإذا مدحتمونا فلعلَّ هذا المدح يحرمنا مكافأة الله، فيقول الله لنا: قد كافؤوكم في الدّنيا ومدحوكم وأثنوا عليكم، فلا نريد مكافأة مادية ولا معنوية.

كانت سيدتنا عائشة رضي الله عنها زوجة النبي ﷺ ترسل الصّدقات إلى الفقراء وتقول لحامل الصدقة: “انتبه لما يقوله الفقير لك إذا أعطيته الصدقة والمعونة، فإن دعا لي فاذكره لي”، وعندما يرجع تقول له: “ماذا قال الفقراء عندما أعطيتهم المعونة؟” فيقول: “دَعَوْا لكِ”، فتدعوا لهم بمثل ما دَعَوْا لها، وتقول: “حتى يكون دعائي مقابل دعائهم وصدقتي لا يقابلها إلا ابتغاء وجه الله عزَّ وجلَّ وابتغاء مرضاته” 9 .

قولوا لي: هل وجدت في تاريخ الإنسان من آدم إلى وقتنا أمة تربَّت هذه التربية في حقوق الإنسان، والإنسان الضعيف سواء كان مواطناً أو أجنبياً، مؤمناً كان أو كافراً؟ فما أحوج العالم إلى قانون الله؟ وما أحوج الإنسان إلى أن يعيش في ظل ثقافة الله، وما أحوجه إلى المعلِّم الذي يعلِّمه هذه الثقافة، ليجعل منه هذا الإنسان الإنساني.. فهناك إنسان إنساني، مثل من ذكرتُهم من المؤمنين، وإنسان حيواني لا يعرف إلّا بطنه وفرجه وشهواته، وهناك إنسان شيطاني لا يعرف إلّا الأذى والإضرار والفساد والإفساد، فلا يكتفي أن يكون فاسداً، بل يتعدَّى هذه المرحلة إلى أن يُفسِد الآخرين.

الإسلام ارتقى بالناس من البهيمية إلى الملائكية

قبل أن يظهر الإسلام كان المجتمع إما إنساناً حيوانياً أو إنساناً شيطانياً، فببركة ثقافة الله عزَّ وجلَّ وكتاب السّماء ومعلِّم السّماء -كتاب واحد ومعلِّم واحد- اتسعت مدرسته إلى نصف العالم من حدود فرنسا إلى بكين بأقل من مئة سنة وعلى أقدامهم ولا يوجد سيارات ولا طائرات ولا تلغراف [ولا إتصالات].

والآن -واللهِ- لو يعود النّاس إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ علماً وفهماً وعملاً ومعلِّماً ومربّياً وحكيماً ومزكّياً، فالأرض التي أخرجت قمحاً قبل ألف سنة أفلا تخرج نفس القمح الآن؟ لماذا لا تنبت الآن؛ لأنّه لا يوجد المزارع، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يبعث لنا المزارعين الذين يزرعون بذور القرآن في نفوسنا بعد أن تتهيأ تُرْبَةُ نفوسنا لقوة الإنبات ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37] فالقرآن ينفع من كان له قلب، فعلى القلب أن يحيا بذكر الله عزَّ وجلَّ ويتربى عند أحباب الله؛ حتّى ينتعش بعد خموله ويحيا بعد موته ويستيقظ بعد نومته.

القراءة القرآنية بلا علم وعمل ومعلم قراءة أماني

وإلّا فلو قرأ القرآن مليار مرة فيكون كما وصف الله عزَّ وجلَّ بعض الناس: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78] إلا أمانيَّ يعني: إلّا تلاوة وقراءة، فالأماني تُفَسَّر بالقراءة والتلاوة، ومنه قول الشاعر

تمنَّى كتابَ الله أولَ ليلة تَمنِّيَ داود الزبورَ على مهلِ

ما معنى تمنَّى كتاب الله؟ يعني قرأ كتاب الله عزَّ وجلَّ أولَ ليلة كما كان داود يقرأ الزبور على مَهْلِه، قال ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] لا يعلمون من التّوراة إلّا التّلاوة فقط، أمّا الفهم والعلم والعمل فلا.

الآن حال المسلمين أليس كحال اليهود الذين نزلت فيهم هذه الآية؟ فهل سنبقى نائمين ونحن على سكة القطار، والقطار يُصفِّر وصوت عجلاته تُسمَع ونحن “نشخر” ونغطّ في نوم عميق؟ هل هذا وقت الشخير؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحميَنَا من هذا الشخير.

هذه الآية نزلت في حق اليهود الذين يقرؤون التوراة قراءة الأماني، يعني تلاوة لا للعلم 10 ، أليس هذا قول الله عزَّ وجلَّ؟ الآن إذا جاءك موظف صغير في بلدية يقول لك: “المحكمة تطلبك في الساعة” ويبعث لك ورقة هشة، أتستطيع أن تتخلَّف؟ وعندما تقرؤها أتقرؤها تلاوة أم فهماً وعلماً؟ وهل علماً بعمل أم علماً بلا عمل؟

أليس كتاب الله عزَّ وجلَّ أولى أن تعامله هذه المعاملة؟ ثمّ نقول عن أنفسنا “مسلمين وإننا نصلي!”، وفي الحقيقة فنحن لا نصلي، بل نصلي الصلاة التي ذكرها الله عز وجل في قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] ساهٍ عن صلاته لا خشوع ولافهم ولا علم ولا عمل، ينقر في الصلاة ويركع والولد الصغير ينقر في الصلاة ويركع، وهو مثله، والله يقول: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، والسبب: أنك تريد أن تصير نجاراً من غير معلِّم، وتريد أن تصير حلَّاقاً من غير معلِّم، مثل جحا.

طرفة: جحا يعمل حلاقاً من غير معلم

أضاع جحا أيامه في شبابه، بعد ذلك عَضَّه الفقر، فماذا يفعل؟ فكّر أن يعمل حلاقاً، فأحضر كرسياً واشترى آلة حلاقة وجلس في الشارع وخصم بالمئة خمسين ليستجلب الزبائن.

جاءه أحد الدراويش المساكين الذين استغنوا عن حياتهم؛ لأنّه رأى الأجرة رخيصة بالمقارنة مع الحلاقين الآخرين، كما قيل: “ما الذي أرخص من العسل قال له: خَلّ بالمجان” فسلَّمه رأسه، فلم يرَ إلا شيئاً يؤلمه في رأسه ثم شعر بالحرارة، ثم شعر بشيء نزل على ذقنه، وضع يده وإذا بها امتلأت دماً، قال له: أعطني المرآة، فأخذها، فكان كلما جرحه وضع عليه قطنة، وإذا بنصف رأسه صار قطناً، أي أن رأسه قد امتلأ جراحاً، قال له: كفى، قال له: لا، سأكمل لك الحلاقة، فليس جميلاً أن تمشي بين الناس بنصف حلاقة، قال له: “زرعت نصف رأسي قطناً ونصفه الثاني سأزرعه فجلاً”.

إلى متى؟ فالموت قريب

هل هكذا نريد أن يكون إسلامنا؟ ألن نموت؟ بلغني البارحة عن أحد الناس قال لهم: “أحضروا لي كأس ماء” فغصَّ بكأس الماءِ، فمات بشربة الماء، وهو شابٌّ لا يتجاوز عمره الأربعين سنة، والثّاني مات بحادث سيارة، والثالث من خيرة الناس ابن أبي شاكر البساتنة رحمة الله علينا وعليه، استقبل بعض أهله بالمطار، وعندما رجعوا تسابق مع صهره بالسيارات في طريقهم، وعندما وصل إلى باب بيته وكان عمره بين الأربعين والخمسين سنة، أدخل المفتاح في الباب وسقطت يده من المفتاح وسقط في الأرض بلا نَفَس، كان شاباً بطول وعرض وخلَّف الملايين وعشرات الملايين من الدّولارات ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29] لم يبقَ معه من الزّاد إلّا إيمانه وتقواه، ونرجوا الله عزَّ وجلَّ له الجنة والمغفرة.

فالشاهد: على ماذا تعتمد؟ كما يقال: “جَذرُك على بلاط” [يقال هذا المثل لمن ليس له أساس يعتمد عليه، مثل الشجرة التي ليس لها جذور في التراب، بل جذورها على البلاط، والبلاط حجر أملس معروف، مصنوع خصوصاً ليمشي عليه الناس] فلا تغترَّ بمالك ولا بشبابك ولا بصحتك ولا بسلطانك، عليك أن تفكّر دائماً بالحقيقة وبلقاء الله واقرأ القرآن، وتقرأ هذه المعاني لتنعكس في مرآة قلبك عملاً وخُلقاً وسلوكاً، فأنت مسلم ومؤمن، وإذا لم تنعكس فيك عند قراءتك لها أو سماعك لها أعمالاً وأخلاقاً وسلوكاً فأنت منافق، وأنتِ منافقة، ولو حججت خمسين حجة.

إذا حَجَجْتَ بمال أصله سُحُتٌ فما حَجَجْتَ، ولكن حَجَّتِ العيرُ

فهناك “حَج حَجِّيك”، وهناك “حَجْ حَرْدُون” [الحردون: نوع من أنواع الزواحف والسحالي يشبه الحرباء، ويسمى بالعربية الفصحى بالحرذون]، [من الكلام العامي، والمقصود به حج الإنسان الجاهل الذي يحج ولا يعرف معنى الحج، يذهب بالمعاصي ويرجع بالمعاصي] وقد تعود من الحج وحجتك حجة “الحردون”، وتكون صلاتك كما قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [سورة الماعون:4]، تصير نجَّاراً بمعلِّم النجارة، وتصير حدَّاداً بمعلِّم الحِدادة، وتصير مهندساً بأساتذة الهندسة، وتصير مسلماً بمعلم الإسلام، فهل إسلام عمر أعظم أم هندسة المهندس أم طبّ الطبيب أم وزارة الوزير؟ فإذا صرتَ مسلماً حقيقياً فأنت الإنسان العظيم؛ لأنك تكون حكيماً وعالماً ومعلِّماً ومزكَّى ومزكياً للنفوس، أين ما وُجِدتَ [تَنفَع]، مثل المطر تنزل على الصحراء الميتة فتنبت من كل زوج بهيج.

﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله عزَّ وجلَّ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9] لا مكافأة ولا مدحاً ولا أن تذكرونا بخير، كما كانت تفعل عائشة لما تقول لمن يحمل صدقاتها للفقراء: “هل دعوا لي؟” فإن قالوا: “نعم”، تسأل: ماذا قالوا؟ فإن قالوا: “جزاها الله خيراً”، تقول: “جزاهم الله خيراً”، قالت: “ليكون دعائي مقابل دعائهم وصدقتي لا مقابل لها إلا المكافأة من طرف الله عزَّ وجلَّ”، فالسيدة عائشة قد قرأت القرآن وفهمته وحوَّلته إلى عمل وخلق وسلوك، هذا هو الإيمان.

هل أنتم مستعدون أن تصيروا مؤمنين؟ فأنا أحدِّثكم على حِساب قلبي وحياتي.. فلا تضيِّعوا تعبي! [كان سماحة الشيخ رحمه الله يتحمل من الآلام كما كان يقول الأطباء ما لا يتحمله عشرة من الرجال، وكان الأطباء يمنعونه من التدريس والكلام، لأن ذلك كان يؤثر كثيراً على جسده عامّةً وعلى قلبه خاصة، لكنه كان عظيم الهمة، وكانت الدعوة وتعليم الناس ما يُشغِل فكرَه وخاطره وقلبه] سِرُّوْنِي أن أرى فيكم ما أُبَلِّغُه لكم، [أي أسعدوني بأن أراكم تطبقون ما أُعَلِّمكم] فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلكم خيراً ممّا أرجو وخيراً ممّا أتمنَّى.

الخوف من الله وسيلة السلامة من عذابه

﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا رغم أنهم يُوفُونَ بالنذر، لا ينذرون فقط، بل يوفون، قد فرضوا على أنفسهم واجبات فوق ما فرضها الله عزَّ وجلَّ عليهم تقرُّباً إلى الله، وقدَّموا ما يحبُّونه ويحتاجون إليه من طعام أنفسهم وأولادهم ابتغاء وجه الله عزَّ وجلَّ، ومع كل هذا قال: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان:10] عبوساً: تعبس فيه الوجوه، قمطريراً: أشد العبوس.

كيف يكون وجه المجرم إذا وقف أمام القاضي مغلغلاً مسلسلاً؟ هل يكون فيه نضرة وسروراً أم يكون عبوساً قمطريراً؟ قالوا: ﴿إِنَّا نَخَافُ كان النبي ﷺ يقول: ((أنا أتقاكم لله وأخشاكم لله)) 11 وكان يستغفر الله عزَّ وجلَّ كل يوم أكثر من مئة مرة 12 ، ويقول: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، قالوا يا رسول الله: ومثلك يخاف؟ فقال: ((القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)) 13 . قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32] دائماً اتّهم نفسك ولو عملت كل الصالحات، فالمسألة هي القبول، فإذا دخل في نفسك الرياء ليراك الناس أو السّمعة ليسمع عنك الناس فقد حبط عملك وكان هباءً ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].

فالذين خافوا الله عزَّ وجلَّ قال عنهم: ﴿فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ [الإنسان:11] فمن الذي يسلم من لذغة الثعبان؟ هل الذي يخاف من الثعبان أم الذي يحب الثعبان ويريد أن يجعله ربطة عنق أو لفَّة على طربوشه أو عِقَالاً على رأسه؟ ومن يسلم من عذاب الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة؟ الذي يخاف يوم القيامة ويخاف عذاب الله عزَّ وجلَّ، والذي لا يخاف عذاب الله عزَّ وجلَّ من أصحاب الأماني والتمني والغرور لا يَسْلَمون، فالذي يؤمِّن للثعبان هو الذي يلدغه الثعبان، والذي يجهل النار كالأطفال هو الذي يقع فيها فتحرقه، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من الذين يعلمون ويعملون، ويرزقنا صحبة العلماء العاملين العارفين بالله عزَّ وجلَّ، الذين ينقلوننا من الظّلمات إلى النور، ومن الغرور إلى الحقيقة، ومن الغفلة إلى الذكر واليقظة.

الوقاية جائزة أهل التقوى

قال تعالى: ﴿فَوَقَاهُمُ الله عزَّ وجلَّ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ [الإنسان:11] ألم يكن شرّ ذلك اليوم مستطيراً منتشراً في كلّ الآفاق؟ أمّا هم فلا يرون من ذلك الشر شيئاً، إذاً أين يكونون؟ يقول النبي ﷺ: ((سبعة يظلهم الله في ظلِّ عرشه يوم لا ظل إلا ظله))، يتفاخر أحدهم بقوله: “أنا في حماية فلان”، “أنا في ظل فلان”، “أنا في رعاية فلان”، فكيف إذا كانوا في رعاية الله عزَّ وجلَّ وضيافته، وتحت تكريمه! أولهم: ((إمام عادل))، انظر يا بُنيّ كم اعتنى الإسلام برجال السّياسة ووضعهم في أول القائمة! فالسّياسي والملك والرّئيس والوزير والقاضي إذا كان عادلاً يوصل الحقوق إلى أصحابها ويساعد الضّعفاء ويمنع فجور الأقوياء، يظلُّه الله عزَّ وجلَّ في ظلِّ عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه.

وبعده: ((شاب نشأ في طاعة الله)) فمن أوَّل شبابه لم يعرف المعاصي، عاش في الطّاعات مع أحباب الله وأوليائه.

((شاب نشأ في طاعة الله)) هل تراه في السّينمات؟ لا، أين هو؟ في المساجد، هل في المقاهي؟ لا، بل في مجالس العلم، هل في مجالس اللّغو؟ لا، بل في مجالس العلم ومجالس الذكر، وهل يجلس مع الفسقة والفجرة؟ لا، بل مع أحباب الله تعالى والعارفين به.

((شاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلَّق)) هل في المقاهي والسينمات والملاعب والبارات؟ [البارات: أماكن لشرب الخمر والمعاصي بالنساء] أهكذا الحديث؟ ((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) 14 لماذا؟ لأنّه يوجد في المساجد غذاء العقول بالحكمة، وغذاء النفوس بالعلم والتربية والتزكية، فالذي يحبّ المساجد ليس لجدرانها ولا لرخامها وثرياتها وسجَّادها، بل يتعلَّق قلبه في المساجد لما فيها من الحكمة والنّور والهدى والمعرفة والعلم والنّقل من الظّلمات إلى النّور.

أين قلب المسلم معلق الآن؟ هذا معلق في التّجارة، والثّاني في الصّناعة، والثّالث في السيارات، والرابع في المرابح، والخامس في أوروبا، أين الذي قلبه معلق في المساجد؟ غداً سيترك الكل، سيترك أوروبا والصناعة والزراعة والتجارة والبستان والبناء وكل شيء، ولا يأخذ معه إلّا الكفن -أربعة أو خمسة أذرع من القماش- وربع أوقية قطن، والقليل من الكافور، هل هذا سيحدث معك أم لن يحدث؟ ألا يمكن أن يكون غداً؟ يمكن أن يكون اليوم أو بعد شهر حتى ولو بعد خمسين سنة! تريد تأمين مستقبلك! مستقبل الدنيا مستقبل فانٍ ومنتهٍ، أمّا المستقبل الأبدي الخالد فهذا هو المستقبل، مع أنّ الله لا يمنعك من مستقبل الدنيا، فقد قال: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77].

الجزاء نتيجة العمل، والنتيجة يتحمل مسؤوليتها من أصدر قرار اختيارها

﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان:10]، الذين خافوا الله عزَّ وجلَّ قال عنهم: ﴿فَوَقَاهُمُ الله عزَّ وجلَّ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:11] وماذا أبدلهم؟ بدلاً عن يوم “عبوساً قمطريراً” نضرة الجمال في الوجوه، والإشراق في النّور، والابتسامة العريضة، وسروراً في القلوب، وابتهاجاً في الصّدور، ورقصاً في النفوس، فتراه يرقص رقصاً من الفرح، ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء:103]، ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32].

فأيهما تحبون لذلك اليوم؟ عبوساً قمطريراً أم نضرة وسروراً؟ الاختيار الآن وهو ليس “يانصيب” [اليانصيب: ورقة من أوراق القمار، قد تربح فيها أو تخسر، ولا تستطيع أن تختار، والمسألة فيها مسألة حظ].. إذا قال صاحب أوراق اليانصيب: “هذه الورقة تربح عشرة ملايين، وهذه الورقة تربح خمسين عصاً”، وهذا بالاختيار والمعرفة وليس بالحظ والنصيب، فلو كان الأمر بالنصيب وخرجت ورقتك: خمسون عصا، ستولول معترضاً. [فأنت باختيارك وإرادتك وإصرارك اخترت خمسين عصاً واخترت عذابك]

وإذا صار اليانصيب باختيارك، وأنت تنتقي وتختار كما تريد.. فهذا يختار خمسين عصاً، وآخر خمس مئة عصاً، وثالث يختار الخازوق، وعندما يشعر بالألم يصرخ ويولول! فيقال له: “ألست من اختار؟” ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90].

فمتى سنصحوا من نومنا وغَرَقنا في أحلام الدّنيا ونصحوا إلى حقائق الآخرة، ومن الأهواء والمتاع الزائل إلى حقائق القرآن؟ وعندما آمن الصحابة بحقائق القرآن وحوّلوها إلى أعمال، فهل خسروا دنياهم؟ قال النبي ﷺ: ((ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي؟ ألم أجدكم ضلالاً)) تائهين في صحراء الجهالة ((فهداكم الله بي، ألم أجدكم أعداء فألف بين قلوبكم)) 15 .

فالإسلام كلُّه عطاء في الدّنيا قبل الآخرة، يصير لك العِزّ والمجد والشرف والغنى.. والغنى كيف يصير؟ يصير بالعمل والعرق والجد والاجتهاد، قال ﷺ: ((إنَّ الله يكره العبد البطَّال)) 16 ، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] أما أن تجعل وقتك لغواً ولهواً وسهرات وغيبة نميمة، فما ثمرة كل هذه الأعمال التي ضيعت بها عمرك وشبابك؟ وما حصيلتها؟ [قال أحد الحضور: لا شيء، فتابع الشيخ قائلاً:] ليتها أن يكون حصيلتها لا شيء، إنّما حصيلتها أن الحرام مؤاخذ عليه وأن المباح ضيَّعت فيه عمرك وضيعت حياتك، وبعد ذلك تضع المسؤولية على الآخرين، فأنت عدو نفسك وتريد أن تحوِّلُ عداوة نفسك إلى عداوة الآخرين من جهلك ومن حمقك.

وميزان الله عزَّ وجلَّ لا يمشي على الحمق، بل يمشي على الحقائق، وهو بمثقال الذّرة ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8] حساب الله عزَّ وجلَّ على مثاقيل الذّر، فهذا كلام الله تعالى وليس كلامي، وليس حديثاً [نبوياً] تقول عنه: ضعيفاً أو صحيحاً، إنما هو كلام الله عزَّ وجلَّ.

﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ الموازين العادلة ﴿لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ من خير وشر ﴿أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]

فإذا كان محاسبك الله عزَّ وجلَّ الذي ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7] والذي ﴿يَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ عن النّاس، لكن على الله عزَّ وجلَّ أتستطيع أن تخفيه؟ ﴿وَمَا تُعْلِنُونَ [النمل:25] كيف ستنجو؟

وكما قال سيدنا رسول الله ﷺ: ((يا فاطمة بنت محمد، اشترِ نفسك من الله، أنا لا أغني عنك من الله شيئاً)) 17 .

﴿فَوَقَاهُمُ الله عزَّ وجلَّ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ [الإنسان:11] أتفكرون بهذه الآية بأن يصير لكم وقاية من شرِّ ذلك اليوم؟ هكذا يُقرأ القرآن وهكذا تسمعه.

﴿وَلَقَّاهُمْ بدل “شرّ ذلك اليوم” ﴿نَضْرَةً وَسُرُورًا ما النّضرة؟ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، فالعريس إذا كانت عروسته ملكة جمال في ليلة العرس، ودخل ساعة ثم خرج، كيف يكون وجهه: ناضراً أم باسراً؟ ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة:24-25] هل تريدون أن تكون وجوهكم ناضرة أم باسرة؟ البُسر هو الرُّطَبُ عندما يكون قاسياً وقبل أن ينضج، مثل الحصرم عندما يكون قاسياً وقبل أن يصبح عنباً، هذا معنى باسرة.

فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحمينا عند لقاء الله عزَّ وجلَّ ألَّا تصير وجوهنا باسرة، بل في الدنيا يا بُني قد تكون باسرة، فلما يبتعد المسلمون عن طريق الإسلام -واللهِ- تكون وجوههم باسرة، وهذا على كلّ المستويات؛ في التجارة والصناعة والسياسية وفي كل شيء.

والذين يسلكون طريق الله عزَّ وجلَّ كما هو عليه في الواقع والحقيقة تكون وجوههم ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ واللهِ في الدّنيا قبل الآخرة، لأنّها ﴿إِلَى رَبِّهَا إلى مراقبةِ الله عزَّ وجلَّ ومحاسبته ﴿نَاظِرَةٌ.

الصبر عاقبته حميدة

﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان:12] فالمسألة تحتاج إلى صبر، وتحتاج إلى تأنٍّ وعدم استعجال، فإذا زرعت القمح فلا تراه في اليوم الثاني سَبَلاً، ولا تنجب ولداً بشارِبَين ويصير رئيس وزارة في اليوم التالي لليلة العرس، فلكلّ أمّة أجل، ولكل أجل كتاب.

﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان:12] عليك أن تصبر وتتحمّل الأذى مع طول الوقت وأن تصمد ولا تيأس وتواصل العمل كما كان النبي ﷺ يعمل، حيث كان يقول بعد أن يرجع من المعارك الحربية: ((رجعنا من الجهاد الأصغر)) 18 فسمّى الحرب والسيوف وسفك الدّماء وبذل المهج جهاداً أصغراً.

أنواع الجهاد

كم نوع للجهاد؟ الجهاد ثلاثة أنواع

الجهاد الأكبر: أن تجاهد نفسك وهواك وأنانيتك، فتنتقل من أنا إلى التقوى وممّا تحبه نفسك إلى ما يحبه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه، فإذا استطعت أن تنتقل هذه النقلة فنفسك ستعارضك وتقاومك، فإن تَغَلَّبتَ عليها، فقد انتصرت في جهادك الأكبر.

وهناك الجهاد الأصغر: وهو بالدبابات والطائرات والصواريخ والقنابل النووية، هذا ما اسمه؟ جهاد أصغر.

وهناك الجهاد الكبير: فبعد أن تنجح في الجهاد الأكبر على نفسك عليك أن تقوم وتنقذ الآخرين من هلاكهم، فتنقلهم من الظّلمات إلى النّور ومن الفسق إلى التّقوى ومن الغفلة إلى الذّكر ومن المعصية إلى الطّاعة.

الدعوة إلى الهدى والضلالة

كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((من دعا إلى هدى)) هذا جهاد الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، هذا أي نوع؟ الجهاد الكبير [يسأل الشيخ أحد الحضور: هل أنت تجاهد؟ فقال: إن شاء الله، فقال له الشيخ: لا تقل لي: إن شاء الله، بل قل لي: تجاهد أو لا تجاهد.. وتابع الشيخ متكلماً معه ومع جميع الحضور قائلاً:]

هل تدعو الناس؟ وإذا رأيت أحدهم غافلاً هل تقول له: اذكر الله؟ وإذا رأيته يعصي الله، هل تقول له: تب إلى الله؟ وإذا كان عاقّاً تقول له: برَّ والديك، وإذا اغتاب تقول له: حرام.. فهل تفعلها؟ [ويتابع الشيخ سائلاً بعض الحضور من إخوانه بأسمائهم مع لطف وابتسامة:] وأنت يا صلاح؟ وأنت يا أبا أحمد؟ انتبهوا يا بُني فهناك ملائكة تُسجِّل، وأنت يا أبا ماهر؟

((من دعا إلى هدى)) هذا الجهاد الكبير.. اكتبوا هذا الحديث، فهو مهم، وكل كلام النبي ﷺ جميل، ((كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة)) فالأجر يبقى مستديماً والخير كالشلال نازلاً عليك إلى يوم القيامة ((لا يُنقِص ذلك من أجورهم شيئاً)) فالذين اهتدوا لا يَنْقُص من أجورهم على حساب الذين هدَوهم، فأجورهم لهم، ولمن هداهم مثل أجورهم.

((ومن دعا إلى ضلالة)) ضالٌّ، ولا يكفيه أنَّه ضالٌّ، ماذا يفعل؟ ألم يمتنع إبليس عن السجود لآدم؟ فلم يكتفِ أنه ضل، بل يريد أن يُضِلَّ الآخرين.

فالضَّالُّ والمضِلُّ هذا شيطان، ﴿‌غَيْرِ ‌الْمَغْضُوبِ ‌عَلَيْهِمْ ‌وَلَا ‌الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فالضالُّ الضائع عن الصراط المستقيم، والمغضوب عليه: ضالُّ ثم يصير مُضِلاًّ، ليس فاسداً فقط، بل ينتقل من فاسد إلى مفسد، ليس خَرِباً وحسب، بل ينتقل من خَرِب إلى مخرِّب، فهذا شيطان وهذا من المغضوب عليهم.

أيهم تختارون أن تكونوا من المهتدين أو الضالين أو المغضوب عليهم؟ يا بني لا تنغرّوا، ولا تقولوا أمامي [جواباً حسناً غير حقيقي]، ولو كذبتم عليَّ أمامي فأنا لن أحاسبكم ولا أملك شيئاً، أمّا أمام الله عزَّ وجلَّ.. واللهِ هناك أشياء يحاسب الله الإنسان عليها في الدنيا بالخير وبالشرِّ، وهناك أعمال صالحة يكافئ الله صاحبها في الدنيا والآخرة، وهناك أعمال غير صالحة ينكِّل الله عزَّ وجلَّ بصاحبها في الدّنيا قبل الدار الآخرة مع عذاب الآخرة.

((ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم)) فالدَّاعي إلى الضلالة والمضِل الأول هو إبليس، والذي يمشي في طريقته فهو أيضاً إبليس، ﴿شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ [الأنعام:112]، يوجد إبليس بني آدم [لفظ إبليس هنا كناية عن الشيطان] وإبليس الجن فأيّهما أخطر؟ إبليس بني آدم أخطر، لأنّه يأتي في صورة أبيك أو عمك أو خالك أو ابنك أو زوجتك أو زوجكِ، وعلينا أن نلتزم قوله ﷺ: ((لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ)) 19 لو كان أبوك أو جدك، ولو مهما كان فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

((وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ إلى يوم القيامة)) يبقى مسجَّلاً عليه الإضلال ما دام الذين ضلّوا بسببه [ضالين] إلى يوم القيامة ((لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا)) 20 .

أثرٌ عن الإمام علي عن الأخلاء

الدّرس انتهى.. وسأنهيه بأثر عن سيدنا عليّ رضي الله عنه، قال عليّ رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ ما الأخلاء؟ الأصدقاء والأصحاب ﴿يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67] صاحبك إذا لم يكن تقياً فهذا عدوك؛ لأنّ في صحبته يزيِّن لك المعصية في القول أو العمل أو النظر أو السمع، فعليك أن تختار الخليل والصديق التقي، ولو كان أباك أو ابنك أو أخاك أو عمك، ففتش عن صحبة ومجالسة الأتقياء.

فقال علي: ” خَلِيلَانِ مُؤْمِنَانِ وَخَلِيلَانِ كَافِرَانِ” فاجران، كم نوع؟ نوعان، ” فَتُوُفِّيَ أَحَد الْمُؤْمِنَيْنِ وعند وفاته بُشِّرَ بِالْجَنَّةِ” ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30] فالمؤمن عند موته تُبشِّره الملائكة بالجنّة والعكس بالعكس.

“فَتُوُفِّيَ أَحَد الْمُؤْمِنَيْنِ وَبُشِّرَ بِالْجَنَّةِ، فَذَكَرَ خَلِيله وصديقه -هذا بعد موته- فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا خَلِيلِي كَانَ يَأْمُرنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَة رَسُولك وَيَأْمُرنِي بالمعروف وينهاني عن المنكر”.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل أصحابنا هؤلاء، فاعرف من تصاحب.. الحذاء والنعل تختاره من بين خمسين محل، وحزمة من الفجل تختارها، وكذلك “النُّوْنِيَّة” [مرحاض الأطفال، وهي وعاء خاص يقضي به الطفل الصغير حاجته ويبول فيه] لولدك الصغير تبحث عنها وتنتقي الأفضل، أمّا الصديق الذي يمتلك روحك وقلبك وعقلك أليس من الواجب أن تنتقيه؟ فالمؤمن الذي مات بعد موته يقول عن صديقه المؤمن: “وينهاني عن المنكر وَيُنَبِّئُنِي أَنِّي مُلَاقِيكَ” وأنك ستحاسبني، فأنا عملت بطاعتك وبنصائحه “اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني”.

تتنزَّل عليهم الملائكة بأجمل الصور، وأجمل الأشكال والبشائر برضوان الله عزَّ وجلَّ وجنته، هذه ماذا تساوي؟ تريد أن تؤمِّن المستقبل؟ فهذا المستقبل الذي يجب أن يكون أهم ما نفكِّر في تأمينه.

” اللهُمَّ فَلَا تُضِلَّهُ بَعْدِي حَتَّى تُرِيَهُ كَمَا أَرَيْتَنِي وَتَرْضَى عَنْهُ كَمَا رَضِيتَ عَنِّي، فيقال له -أي الملائكة-: اذهب، لو تعلم ماله عندنا لضحكت كثيراً وبكيت قليلاً” تبكي قليلاً خوفاً من أن يتغيَّر بعدك.

قال: “ثم يموت المؤمن الثاني” رفيقه “فتجتمع أرواحهما، فيقال لهما: ليثني أحدكما على صاحبه” كل واحد يذكر صاحبه بما يعلم ” فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: نِعْمَ الْأَخُ، وَنِعْمَ الصَّاحِبُ، وَنِعْمَ الْخَلِيلُ كنت”.

” وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْكَافِرِينَ أو الفاجرَين بُشِّرَ بِالنَّارِ” عند موته وجاءت ملائكة العذاب بأوحش الوجوه وأعبسها “وبُشِّرَ بالنار ذكر خليله وصديقه، فَيَقُولُ: اللهُمَّ إِنَّ خَلِيلِي كَانَ يَأْمُرُنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ، وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ وَيُنَبِّئُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلَاقِيكَ” كان يقول له: “ليس هناك آخرة فكله خلط بخلط”، أو يقول: “إلى يوم الحساب نتدبر أمرنا”، إن فعلت ذلك إذن لماذا لا تغلق دكَّانك وتقول: “إنَّ الله عزَّ وجلَّ هو الرزاق ذو القوة المتين!” فالشيطان يخدعك وأنت لا تفهم وأصبحت لعبة له ودمية بيده.

” اللهُمَّ فَلَا تَهْدِهِ بَعْدِي” مثل ما أضلني أضلّه ” حَتَّى تُرِيَهُ كَمَا أَرَيْتَنِي وَتَسْخَطَ عَلَيْهِ كَمَا سَخِطْتَ عَلَيَّ، قال: ثمّ يموت صديقه الفاجر الآخر، فَيَجْمَعُ الله عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَرْوَاحِهِمَا، فَيُقَالُ: لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: بِئْسَ الْأَخُ أنت” إذا كان أخوه يقول له: لعنك الله، ويبصق في وجهه، وإذا كان ابن عمه يبصق في وجهه ويدعو الله عليه ويندم على صحبته، وإذا كان ابن خاله أو أبوه أو ابنه فكذلك يندم ويتحسر على صحبته.

” فبِئْسَ الْأَخُ وَبِئْسَ الصَّاحِبُ وَبِئْسَ الْخَلِيلُ 21 ، قال رسول الله ﷺ: ((ولو أن رجلين تَحَابَّا فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أحدهما فِي الْمَشْرِقِ وَالآخَرُ فِي الْمَغْرِبِ لِجَمَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ بين أرواحهما يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) 22 .

هل تحبُّون شيخكم؟ [أجابه الإخوة الحضور: نعم] واللهِ وأنا أحبكم أيضاً، أسأل الله أن يجمع بيننا في عالم السّماء وفي الدار الآخرة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

مُلْحَق

تعقيب على خطاب عبد الحليم خدَّام نائب الرئيس السوري

سمعت البارحة خطاب للأستاذ عبد الحليم خدام في المؤتمر الإسلامي، سمعته كله أو معظمه.. في الواقع سررت سروراً كبيراً، فقد كان يتكلم بلسان المسلم، وكان يتكلم بلسان وفكر رئيسنا، مما ملأ قلبي فرحاً وبهجةً وسروراً.

الحمد لله، فإن رئيسنا في كل مناسبة إعلامية مع الأجانب أو في الدّاخل قولاً وعملاً في جانب الإسلام وجانب الدّين، وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يكون هناك عمل لإعداد لجنة من العلماء الأكفاء لإعادة شباب الإسلام وتجديده إلى مجتمعنا بما يضمن للدولة قوتها، ويضمن للدولة نجاحها في كلّ شؤونها السياسية والعسكرية والاقتصادية والصناعية.

لأنَّ الدين خلاف هؤلاء الذين يسمونهم متطرفين، وهم يشوِّهون الإسلام، ويجعلونه سلاحاً في يد أعداء الإسلام ليطعنوا به الإسلام، فالإسلام كله حكمة وكله موعظة وكله حب، وهو طبيب معه الدواء للمرضى لينقذهم من الأمراض والأسقام.

فنائب الرئيس يتكلم عن الإسلام بما سمعت، فكلّه تشجيع وجمال وإيمان، وقد امتلأ قلبي فرحاً وسروراً، فدعوت للأستاذ عبد الحليم خدام بأن يعطيه الله عزَّ وجلَّ كل ما يرجو ويأمل، وفي نفس الوقت رأيت انعكاس نفسية رئيسنا في كلام الأستاذ عبد الحليم خدام الذي يتكلم نيابة عن الرئيس.

فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل هذا الإسلام ينزل للمجتمع، وينزل في وسائل الإعلام، وينزل في المساجد، وينزل في الإذاعة وينزل في الصحف والمجلات، وتنتقي الدولة لجنة لإحياء هذا الإسلام الذي عُزَّ به العرب ومُجِّد به العرب ووحِّد به العرب، حتى صار العرب في زمنهم هيئة الأمم ومجلس الأمن وأعظم دولة على وجه الأرض.

والآن يمكن أن يصير ذلك بواحد بالمئة من جهود سلفنا الصالح؛ لأنَّ العالم الآن كله أصبح مهيئاً، وقريباً سترون في هذا المسجد شيئاً جديداً، يأتيكم من بلاد أجنبية، استجابة لدعوة الإسلام، وكلُّه شيء جديد.. وكلّ هذا [العمل والنجاح] يصير بوسائلنا البسيطة المتواضعة ومع صحتي وشيخوختي.

فلو وضعت الدولة يدها في هذا الموضوع، وأنا أكون خادماً، فأنا لا أريد جزاءً ولا شكوراً، إنّما أعمل لوجه الله عزَّ وجلَّ، وأرجو من الله عزَّ وجلَّ القبول، وهذا كل ما أريده، لأنَّ الدّولة والدّين في الإسلام شيءٌ واحد؛ جسد وروح، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمان)) 23 .

مرة قال السيد الرئيس: “لا أخاف من الحرية، ولكن أخاف من فقد الحرية”، وكذلك لا يوجد خوف من الدين، والخوف من قلة الدين، فهؤلاء الذين يغتالون ويقتلون الأبرياء، مثل شرطي فقير مسكين ذي عيال يُقتل، فهذا شرعاً يجب أن يُقتَل قاتِله، هل هذا دين أم ضد الدين؟ فهل الدين يأمر بقتل الأبرياء والاغتيالات؟ فالدين لا يُخافُ منه.

قولوا آمين، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُوفِّق رئيسنا قبل كل شيء في المعركة الذي هو فيها، فهذه أشرس وأخطر المعارك المصيرية في مستقبل البلاد، ثانياً: أن يلهمه الله عزَّ وجلَّ أن أجتمع به قريباً، وإن شاء الله عزَّ وجلَّ نحقق هذا المشروع لإعادة تجديد الإسلام وإعادة شبابه إليه، حتى يكون لرئيسنا في التاريخ الأرضي والسماوي في هذا العصر ما يتجاوز حدود سوريا وحدود البلاد العربية ويصل إلى حدود العالم.. الإسلام بمعناه الحي الذي دائماً الرئيس يعبر عنه في حقيقته وجوهره، ونحوّل هذا الكلام الى واقع عملي، أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُحقِّق هذا الأمل، وعلى يد رئيسنا وأكون أنا جندياً في هذا العمل، يكفيني أن أكون جندياً صغيراً ولا أريد أن أكون أكبر من ذلك.

[كان سماحة الشيخ كفتارو -رحمه الله تعالى- لا يترك فرصة أو مناسبة يستطيع من خلالها الدعوة إلى الإسلام وخدمة المسلمين إلا وينتهزها، وكلامه هنا مثال على ذلك، وكان من حكمته أن يمدح أي عمل إيجابي فيه الخير للإسلام وللناس يقوم به الرئيس أو من ينوب عنه، أملاً بهذا الغرس أن ينمو ويثمر، وكان يسعى بكل ما أوتي من طاقة وحكمة أن يكون السلطان بجانب الإسلام، وأن تكون قوته للإسلام والمسلمين لا عليهم، وكانت له صلات قوية ليس فقط مع الرئيس في وقت هذه المحاضرة، بل مع الرؤساء من قبله، ومع كثير من الرؤساء والملوك في العالم، ولم تكن له أي مصلحة شخصية مع أي واحد منهم، بل كانت لخدمة الإسلام والمسلمين.. ومما ينبغي التنويه به هنا عند حديث الشيخ عن برنامج إسلامي عالمي يريد عرضه على الرئيس أنه رحمه الله كان عالي الهمة يعمل بحكمة ويخطط على مستوى العالم، وكان هَمُّه نشر الإسلام والسلام وسعادة الإنسان في العالم كله، وكانت المشروعات التي يسعى لإقامتها كثيرة وعظيمة، ولكن -للأسف- لم يستطع أن ينجز منها إلا واحداً بالمئة، كما قال ذلك بكل أسف في آخر أيام حياته رحمه الله تعالى].

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

Amiri Font

الحواشي

  1. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (5665)، (5/ 2238)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم رقم: (4685)، (12/ 468)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18398)، (18/ 137)، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بلفظ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
  2. البداية والنهاية لابن كثير، (5/ 94)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (9/279)، بلفظ: ((كَادُوا مِنْ صدقهم)) وفي رواية أخرى: ((كَادُوا مِنْ الفقه))، عن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَزْدِيُّ.
  3. متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب النكاح: باب الترغيب في النكاح، رقم: (5063)، صحيح مسلم، كتاب النكاح: باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه. رقم: (1401)، واللفظ: «أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له» عن أنس رضي الله عنه.
  4. صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه، رقم: (1186)، رقم: (1/419)، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه. بلفظ: قالت أم العلاء الأنصارية: ((دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا)). واللفظ للبخاري.
  5. المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (2629)، (3/104)، مسند أبو يعلى، باب مسند عبد الله بن الزبير رحمه الله، (6/ 172)، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة للبيهقي، رقم: (3098)، (7/179)، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ دَنَى مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا، فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ولَا يَقُولَنَّ رَجُلٌ: إِنَّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي، وَلَا مِنْ شَأْنِي، أَلَا وإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ، أَلَا وَإِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ بِمُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا».
  6. المعجم الكبير للطبراني، رقم: (977)، (22/393)، بلفظ: «عَنْ أَبِي عَزِيزِ بن عُمَيْرٍ، أَخِي مُصْعَبِ بن عُمَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اسْتَوْصُوا بِالأَسَارَى خَيْرًا)) وَكُنْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ أَكَلُوا التَّمْرَ وَأَطْعَمُونِي الْخُبْزَ بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ». وفي البداية والنهاية لابن كثير (3/ 306)، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ «اسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا».
  7. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، رقم (6075)، (5/ 2365)، ومسلم، كتاب الرقاق، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثًا، رقم: (1048)، (2/ 725)، عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، بلفظ: ((لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ)).
  8. فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم، ص: (183)، بلفظ: ((عن أنس، إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال عذت معاذا قال سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط ويقول أنا ابن الأكرمين فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ويقدم بابنه معه فقدم فقال عمر أين المصري خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر اضرب ابن الأليمين قال أنس فضرب فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه ثم قال عمر للمصري ضع على صلعة عمرو فقال يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه فقال عمر لعمرو مذكم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا قال يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني))، كنز العمال للهندي، عن أنس، (36010).
  9. السنن الكبرى للنسائي، كتاب عمل اليوم والليلة، ما يقول لمن أهدي له، رقم: (10135)، (6/ 83)، بلفظ: ((عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فقال اقسميها قال وكانت عائشة إذا رجعت الخادم قالت ما قالوا لك تقول ما يقولون يقول بارك الله فيكم فتقول عائشة وفيهم بارك الله ترد عليهم مثل ما قالوا ويبقى أجرنا لنا)).
  10. تفسير ابن كثير (1/ 465)، عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد " وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إِلَّا أَمَانِيّ " قال أناس من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شَيْئًا وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب أماني يتمنونها"، وقال مجاهد: "إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتب الذي أنزله الله تعالى على موسى شَيْئًا ولكنهم يتخرصون الكذب".
  11. سبق تخريجه.
  12. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، رقم: (2702)، (4/2075)، عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، بلفظ: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ))، وفي سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب الاستغفار، رقم: (3815)، (2/ 1254)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  13. سنن الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، رقم: (2140)، (4/ 448)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (12128)، (3/ 112)، بلفظ: ((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت يا رسول الله آمنا وبك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبهما كما يشاء)).
  14. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، رقم: (1357)، (2/ 517)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم: (1031)(2/ 715)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بلفظ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)).
  15. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم: (4075)، (4/ 1574)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام..، رقم: (1061)، (2/ 738)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه، لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال ((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وكنتم عالة فأغناكم الله بي)). كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن...)).
  16. المقاصد الحسنة للسخاوي، رقم: (246)، (ص:209)، قال: ((إن الله يكره الرجل البطال))، وفي المعجم الكبير للطبراني، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ في خطبة: "وَإِنَّ مِنْ شَرَارِ النَّاسِ بَطَّالُ النَّهَارِ جِيفَةُ اللَّيْلِ ". رقم (8522)، وبرقم: (8538)، (9/ 102)، بلفظ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لا فِي عَمِلِ دُنْيَا وَلا آخِرَةٍ". وفي مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (35704)، (13/ 300)، وحلية الأولياء للأصبهاني، (1/130)، من قول عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ: «إِنِّي لأمقت الرجل أراه فارغاً».
  17. متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب، رقم: (2602)، (3/1012)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين، رقم: (206)، (1/192)، بلفظ: عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَال: ((قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ بنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِن اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن اللَّهِ شَيْئًا)).
  18. الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (373)، (165)، بلفظ: ((قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ. قَالُوا: وَمَا الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ؟ قَالَ: مُجَاهَدَةُ الْعَبْدِ هَوَاهُ))، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
  19. مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (1095)، (1/131)، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، بلفظ: ((لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)). وروى البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا طاعة لبشر في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف(). صحيح البخاري، المغازي، (4340)، صحيح مسلم، الإمارة، (1840).
  20. صحيح مسلم، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم: (2674)، (4/ 2060)، سنن أبي داود، كتاب السنة، باب لزوم السنة، رقم: (4609)، (2/ 612)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
  21. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9443)، (7/56)، تفسير ابن كثير (12/ 325)، بلفظ: ((عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، قَالَ: «خليلان مؤمنان وخليلان كافران فمات أحد المؤمنين فبشر بالجنة فذكر خليله، فقال: اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير ، وينهاني عن الشر ، وينبئني أني ملاقيك، اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه كما أريتني وترضى عنه كما رضيت عني ، ثم يموت الآخر فيجمع بين أرواحهما، فيقال: ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : نعم الأخ ، ونعم الصاحب ، ونعم الخليل، وإذا مات أحد الكافرين بشر بالنار ، فذكر خليله فيقول : اللهم إن خليلي كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ، ويأمرني بالشر، وينهاني عن الخير ، وينبئني أني غير ملاقيك، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه كما أريتني ، وتسخط عليه كما سخطت (2) علي ، ثم يموت الآخر، قال : فيجمع بين أرواحهما ، فيقال : ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : بئس الأخ وبئس الصاحب » ثم قرأ: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
  22. شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9022)، (6/ 492)، تاريخ دمشق لابن عساكر (73/ 377)، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((لَوْ أَنَّ عَبْدَيْنِ تَحَابَّا فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاحِدٌ فِي الْمَشْرِقِ وَآخَرُ فِي الْمَغْرِبِ لِجَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: هَذَا الَّذِي كُنْتَ تُحِبُّهُ فِيَّ)).
  23. مسند الفردوس للديلمي، رقم: (396)، (1/117)، فضيلة العادلين من الولاة لأبي نعيم الأصبهاني، رقم: (39)، ص: (153)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بلفظ: ((الإِسْلامُ وَالسُّلْطَانُ أَخَوَانِ تَوْأَمٌ، لا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلا بِصَاحِبِهِ، فَالإِسْلامُ أُسُّ وَالسُّلْطَانِ حَارِسٌ، وَمَا لا أُسَّ لَهُ مُنْهَدِمٌ، وَمَا لا حَارِسَ لَهُ ضَائِعٌ)).
WhatsApp